الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجوبة فضيلة الشيخ/د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله
-
سؤال: فضيلة الشيخ، هناك للأسف من يسوغ الخروج على الحكام دون الضوابط الشرعية، ما هو منهجنا في التعامل مع الحاكم المسلم وغير المسلم؟
الجواب: " منهجنا في التعامل مع الحاكم المسلم: السمع والطاعة، يقول الله سبحانه وتعالى:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء، آية: 59]، والنبي صلى الله عليه وسلم كما في الحديث يقول:(أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا فإنه من يعش منكم بعدي فسيرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ)(1)، هذا الحديث يوافق الآية تماما.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني)(2) إلى غير
(1) رواه أبو داود في كتاب السنة، باب في لزوم السنة، حديث رقم (4607)، والترمذي في كتاب العلم، باب ما جاء في الأخذ بالسنة واجتناب البدع، حديث رقم (2676).
(2)
رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير، باب يقاتل من وراء الإمام ويتقي به، حديث رقم (2957)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب طاعة الأمراء في غير معصية، حديث رقم (1835).
ذلك من الأحاديث الواردة في الحث على السمع والطاعة.
ويقول صلى الله عليه وسلم: (تسمع وتطيع للأمير وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك)(1) فولي أمر المسلمين يجب طاعته في طاعة الله؛ فإن أمر بمعصية فلا يطاع في هذا الأمر، يعني في أمر المعصية، لكنه يطاع في غير ذلك مما لا معصية فيه.
وأما التعامل مع الحاكم الكافر فهذا يختلف باختلاف الأحوال، فإن كان في المسلمين قوة وفيهم استطاعة لمقاتلته وتنحيته عن الحكم وإيجاد حاكم مسلم؛ فإنه يجب عليهم ذلك، وهذا من الجهاد في سبيل الله، أما إذا كانوا لا يستطيعون إزالته فلا يجوز لهم أن يتحرشوا بالظلمة والكفرة، لأن هذا يعود على المسلمين بالضرر والإبادة، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في مكة ثلاث عشرة سنة بعد البعثة والولاية فيها للكفار، ومعه من أسلم من أصحابه ولم ينازلوا الكفار، بل كانوا منهيين عن قتال الكفار في هذه الحقبة، ولم يؤمروا بالقتال إلا بعد ما هاجر صلى الله عليه وسلم وصار له دولة وجماعة يستطيع بهم أن يقاتل الكفار، هذا هو منهج الإسلام.
فإذا كان المسلمون تحت ولاية كافرة ولا يستطيعون إزالتها؛ فإنهم يتمسكون بإسلامهم وبعقيدتهم، ولكن لا يخاطرون بأنفسهم ويغامرون في مجابهة الكفار، لأن ذلك يعود عليهم بالإبادة والقضاء على الدعوة، أما إذا كانت لهم قوة يستطيعون بها الجهاد فإنهم يجاهدون في سبيل الله على
(1) رواه مسلم في " صحيحه "(1847) والبيهقي في " السنن "(8/ 157) والطبراني في " المعجم الأوسط "(3893) والبيهقي في " شعب الإيمان "(7501).
الضوابط الشرعية المعروفة.
سؤال: هل المقصود بالقوة هنا القوة اليقينية أم الظنية؟
الجواب: القوة معروفة، فإذا تحققت فعلا وصار المسلمون يستطيعون القيام بالجهاد في سبيل الله، عند ذلك يشرع جهاد الكفار، أما إذا كانت القوة مظنونة أو غير متيقنة فإنه لا تجوز المخاطرة بالمسلمين والزج بهم في مخاطرات قد تؤدي بهم إلى النهاية غير الحميدة، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم في مكة والمدينة خير شاهد على هذا.
…
فضيلة الشيخ: الدين النصيحة، والنصيحة أصل من أصول الإسلام، ومع هذا نجد بعض الإشكالات فيما يتعلق بمعنى النصيحة لولاة الأمر، وحدودها، وكيف تبذل؟ وكيف يتدرج بها؟ ومن أبرز الإشكالات تلك المتعلقة بالتغيير باليد، هل لكم إيضاح هذه المسألة؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم وضح هذا وقال: " الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "(1)، النصيحة لأئمة المسلمين تكون بطاعتهم بالمعروف، وتكون بالدعاء لهم، وبيان الطريق الصحيح لهم، وبيان الأخطاء التي قد تقع منهم من أجل تجنبها، وتكون النصيحة لهم بالسرية بينهم وبين الناصح، وتكون النصيحة لهم أيضا بالقيام بالأعمال التي يوكلونها إلى موظفيهم وإلى من تحت أيديهم؛ بأن يؤدوا أعمالهم بأمانة وإخلاص، هذا من النصيحة لولي أمر المسلمين. وكذلك
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان أن الدين نصيحة، حديث رقم (55).
قال النبي صلى الله عليه وسلم: " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه "(1)، ومعنى ذلك أن المسلمين على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من عنده العلم والسلطة فهذا يغير المنكر بيده، وذلك مثل ولاة الأمور، ومثل رجال الهيئات والحسبة؛ الذين نصبهم ولي الأمر للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهؤلاء يغيرون بأيديهم بالطريقة الحكيمة المشروعة.
القسم الثاني: من عنده علم وليس عنده سلطة؛ فهذا يغير بلسانه، بأن يبين للناس حكم الحلال والحرام والمعروف والمنكر، ويأمر وينهى ويرشد ويعظ وينصح، هذا من الإنكار باللسان.
القسم الثالث: من ليس عنده علم وليس عنده سلطة، ولكنه مسلم، فهذا عليه أن ينكر المنكر بقلبه، بأن يكره المنكر ويبعد نفسه عن الاجتماع بأهل المنكر؛ لئلا يؤثروا عليه.
هذه هي درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (2).
سؤال: ما هو المنهج الصحيح في المناصحة، وخاصة مناصحة الحكام، أهو بالتشهير على المنابر بأفعالهم المنكرة؟ أم مناصحتهم في السر؟ أرجو توضيح المنهج السلفي في هذه المسألة؟
(1) رواه مسلم في كتاب الإيمان، باب بيان كون النهي عن المنكر من الإيمان، حديث رقم (49).
(2)
" مراجعات في فقه الواقع السياسي "(53).
الجواب: العصمة ليست لأحد إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالحكام بشر يخطئون، ولا شك أن عندهم أخطاء وليسوا معصومين، ولكن لا نتخذ أخطاءهم مجالا للتشهير بهم ونزع اليد من طاعتهم، حتى وإن جاروا وإن ظلموا، حتى وإن عصوا، ما لم يرتكبوا كفرا بواحا، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان عندهم معاص وعندهم جور وظلم، فإن الصبر على طاعتهم جمع للكلمة ووحدة للمسلمين وحماية لبلاد المسلمين، وفي مخالفتهم ومنابذتهم مفاسد عظيمة أعظم من المنكر الذي هم عليه لأنه يحصل ما هو أشد من المنكر الذي يصدر منهم، ما دام هذا المنكر دون الكفر ودون الشرك.
ولا نقول: إنه يسكت على ما يصدر من الحكام من أخطاء، لا
…
بل تعالج، ولكن بالطريقة السليمة، بالمناصحة لهم سرا والكتابة لهم سرا.
وليست بالكتابة التي تكتب بالإنترنت أو غيره، ويوقع عليها جمع كثير، وتوزع على الناس، فهذا لا يجوز، لأنه تشهير، هذا مثل الكلام على المنابر، بل هو أشد، فإن الكلام ممكن أن ينسى، ولكن الكتابة تبقى تتداولها الأيدي، فليس هذا من الحق.
قال صلى الله عليه وسلم: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)(1).
(1) رواه مسلم في " الصحيح "(55) والبخاري في " الصحيح "(56) والترمذي في " السنن "(1826) وأبو داود في " السنن "(4944).
وفي الحديث: (إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا، يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم)(1).
وأولى من يقوم بالنصيحة لولاة الأمور: هم العلماء وأصحاب الرأي والمشورة، وأهل الحل والعقد، قال تعالى:{وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه} [النساء: آية 83].
فليس كل أحد من الناس يصلح لهذا الأمر، وليس الترويج للأخطاء والتشهير بها من النصيحة في شيء، ولا هو من منهج السلف الصالح، وإن كان قصد صاحبها حسنا وطيبا، وهو إنكار المنكر بزعمه، لكن ما فعله أشد منكرا مما أنكره، وقد يكون إنكار المنكر منكرا، إذا كان على غير الطريقة التي شرعها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، فهو منكر، لأنه لم يتبع طريقة الرسول صلى الله عليه وسلم الشرعية التي رسمها، حيث قال عليه الصلاة والسلام:(من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)(2).
فجعل الرسول صلى الله عليه وسلم الناس على ثلاثة أقسام:
منهم من يستطيع أن يزيل المنكر بيده؛ وهو صاحب السلطة؛ ولي
(1) رواه ابن حبان في " الصحيح "(3388).
(2)
رواه مسلم (49) ومالك في " الموطأ "(2/ 990) وأحمد في " المسند "(2/ 367) وأبو عوانة في " المسند "(6385) والبيهقي (8/ 163).
الأمر؛ أو من وكل إليه الأمر من الهيئات والأمراء والقادة.
وقسم ينكر المنكر بلسانه؛ وهو من ليس له سلطة وعنده قدرة على البيان.
وقسم ينكر المنكر بقلبه؛ وهو من ليس له سلطة؛ وليس عنده قدرة على البيان.
…
سؤال: ما رأي فضيلتكم في بعض الشباب الذين يتكلمون في مجالسهم عن ولاة الأمور في هذه البلاد بالسب والطعن فيهم؟
الجواب: هذا الكلام معروف أنه باطل، وهؤلاء إما أنهم يقصدون الشر وإما أنهم تأثروا بغيرهم من أصحاب الدعوات المضللة الذين يريدون سلب هذه النعمة التي نعيشها.
نحن ولله الحمد على ثقة من ولاة أمرنا، وعلى ثقة من المنهج الذي نسير عليه، وليس معنى هذا أننا قد كملنا، وأننا ما عندنا نقص ولا تقصير؛ عندنا نقص، ولكن نحن في سبيل إصلاحه وعلاجه إن شاء الله بالطرق السليمة.
في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجد من يسرق، ووجد من يزني، ووجد من يشرب الخمر، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يقيم عليهم الحدود، نحن ولله الحمد تقام عندنا الحدود على من تبين وثبت عليه ما يوجب الحد، ونقيم القصاص في القتلى، هذا ولله الحمد خير ولو كان هناك نقص، فالنقص لا بد منه؛ لأنه من طبيعة البشر.
ونرجو الله تعالى أن يصلح أحوالنا، ويعيننا على أنفسنا، وأن يسدد خطانا، وأن يكمل نقصنا بعفوه.
أما أننا نتخذ من العثرات والزلات سبيلا لتنقص ولاة الأمور، أو الكلام فيهم، أو تبغيضهم إلى الرعية، فهذه ليست طريقة السلف أهل السنة والجماعة.
أهل السنة والجماعة يحرصون على طاعة ولاة أمور المسلمين، وعلى تحبيبهم للناس، وعلى جمع الكلمة، هذا هو المطلوب.
والكلام في ولاة الأمور؛ من الغيبة والنميمة، وهما من أشد المحرمات بعد الشرك، لا سيما إذا كانت الغيبة للعلماء ولولاة الأمور فهذا أشد؛ لما يترتب عليه من المفاسد من: تفريق الكلمة، وسوء الظن بولاة الأمور، وبعث اليأس في نفوس الناس والقنوط (1).
…
سؤال: فضيلة الشيخ الدين النصيحة، والنصيحة أصل الإسلام ومع هذا نجد بعض الإشكالات في ما يتعلق بمعنى النصيحة لولاة الأمر، وحدودها، وكيف تبذل، وكيف يتدرج بها، ومن أبرز الإشكالات تلك المتعلقة بالتغيير باليد، هل لكم إيضاح هذه المسألة؟
الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم وضح هذا وقال: " الدين النصيحة. قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم "(2) النصيحة لأئمة
(1)" الأجوبة المفيدة ".
(2)
رواه مسلم في " الصحيح "(55) والبخاري (56) والترمذي في " السنن "(1926) وأبو داود في " السنن "(4944).
المسلمين تكون: بطاعتهم بالمعروف، وتكون بالدعاء لهم، وبيان الطريق الصحيح لهم، وبيان الأخطاء التي قد تقع منهم من أجل تجنبها، وتكون النصيحة لهم سرية، بينهم وبين الناصح، وتكون أيضا بالقيام بالأعمال التي يوكلونها إلى موظفيهم، وإلى من تحت أيديهم؛ بأن يؤدوا أعمالهم بأمانة وإخلاص، هذا من النصيحة لولي أمر المسلمين. وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم:" من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه "(1).
ومعنى ذلك أن المسلمين على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: من عنده العلم والسلطة فهذا يغير المنكر بيده، وذلك مثل ولاة الأمور، ومثل رجال الهيئات والحسبة؛ الذين نصبهم ولي الأمر للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهؤلاء يغيرون بأيديهم بالطريقة الحكيمة المشروعة.
القسم الثاني: من عنده علم وليس عنده سلطة؛ فهذا يغير بلسانه، بأن يبين للناس حكم الحلال والحرام والمعروف والمنكر، ويأمر وينهى ويرشد ويعظم وينصح، هذا من الإنكار باللسان.
القسم الثالث: من ليس عنده علم وليس عنده سلطة، ولكنه مسلم، فهذا عليه أن ينكر المنكر بقلبه، بأن يكره المنكر وأهل المنكر ويبعد نفسه
(1) رواه أحمد في " المسند "(3/ 10، 20، 49، 52، 54، 92) ومسلم في " الصحيح "(49) وابن حبان في " الصحيح "(306) وأبو عوانة في " المسند "(98) والترمذي في " السنن "(2172) وأبو داود في " السنن "(4340) وابن ماجه في " السنن "(4013).
عن الاجتماع بأهل المنكر؛ لئلا يؤثروا عليه. هذه هي درجات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (1).
سؤال: ما حكم طاعة ولي أمر المسلمين؟ وما حكم الخروج على الأنظمة التي يسنها وهي لا تخالف الشريعة؟
" تجب طاعة ولي الأمر في النظام الذي لا يخالف الشريعة ولا يجوز الاحتيال عليه ومخالفته قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} والخروج على أنظمة يقع فيه البعض من الناس اليوم؛ إما بالاحتيال، أو بالواسطة، أو بالرشوة، أو بالتزوير أو بالاستهتار وعدم المبالاة، ونحو ذلك، وهذا لا شك أنه يؤدي إلى الفوضى وإخلال الأمن. كما أن الخروج على الأنظمة قد يكون ناتجا عن بعض الأفكار السيئة المستوردة والدخيلة على دين الإسلام، وهو اعتقاد بعضهم أن هؤلاء الحكام لا يحكمون بشرع الله، وهذه الأنظمة لا توجد في كتاب الله ولا في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهي أنظمة وضعية، فإنه لا يجوز حينئذ طاعة الولاة في هذه الأنظمة، وهذا لا شك أنه سوء في الفهم والتصور، وبسبب البعد عن فهم الكتاب والسنة كما فهمهما سلف هذه الأمة (2).
…
(1)" مراجعات في الفقة الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة "(ص53).
(2)
كتاب الدعوة (7)، فتاوى الشيخ صالح الفوزان (1/ 125).