الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل؛ بقايا من أهل العلم، يدعون من ضل إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يحيون بكتاب الله تعالى الموتى، ويبصرون بنور الله أهل العمى، فكم من قتيل لإبليس أحيوه، وكم من ضال تائه قد هدوه؛ فما أحسن أثرهم على الناس، وما أقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن كتاب الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عنان الفتنة؛ فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم، يتكلمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم، فنعوذ بالله من فتنة المضلين.
ونشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق المبين، وأن محمدا عبده ورسوله الأمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن سار على نهجه واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن الله جل وعلا اختار محمدا صلى الله عليه وسلم لنفسه وليا، وبعثه إلى خلقه نبيا، ليدعو الخلق من عبادة العباد إلى عبادته، ومن اتباع السبل إلى لزوم طاعته؛ حيث كان الخلق في جاهلية جهلاء، وعصبية مضلة عمياء، يهيمون في الفتن حيارى، ويخوضون في الأهواء سكارى، يترددون في بحار الضلالة،
ويجولون في أودية الجهالة. شريفهم مغرور، ووضيعهم مقهور، فبعثه الله إلى خلقه رسولا، وجعله إلى جنانه دليلا، فبلغ صلى الله عليه وسلم عنه رسالاته، وبين المراد بآياته، وأمر بكسر الأصنام، ودحض الأزلام، حتى أسفر الحق عن محضه، وأبدى الليل عن صبحه، وانحط به أعلام الشقاق، وانهشم بيضة النفاق. وإن في لزوم سنته تمام السلامة، وجماع الكرامة، لا تطفأ سرجها، ولا تدحض حججها، من لزمها عصم، ومن خالفها ندم، إذ هي الحصن الحصين، والركن الركين، الذين بان فضله، ومتن حبله، من تمسك به ساد، ومن رام خلافه باد، فالمتعلقون به أهل السعادة في الآجل، والمغبوطون بين الأنام في العاجل.
وإني لما رأيت حاجة الناس إلى فتاوى علماء الأمة في الأمور النازلة المدلهمة؛ رأيت جمعها في كتاب واحد؛ لتكون نورا في الظلمات، ويقينا في المدلهمات، وطمأنينة في المشكلات، وليكون بها النجاة من الفتن، وسلامة الدين والعرض والبدن، في أوقات ينسى فيها العلم، ويندر الحلم، ويقل الاتباع، ويكثر الابتداع، وتنشق الألفة، وتحل الفرقة، وينزل فيها البلاء، وتراق الدماء، فيها .. يتبرأ من أهل الولاء، ويتولى أهل البراء، ولا مخرج من الفتن إلا بالاعتصام بالسنة والأثر، ومراجعة التاريخ والسير، والعلم بأن هلاك أمة محمد هو بالبعد عن الهدي النبوي وورثته، والتنكب عن العلم وحملته.
قال الحق جل وعلا في محكم التنزيل: {ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} [الروم: آية 58 - 60].
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. فقال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك (1).
وبعد: فبين يديك أخي الكريم فتاوى لعلماء أئمة، أنت مأمور باتباعهم، ولزوم هديهم، أضعها بين يديك، لم أنقص فيها أو أزد، وإنما هو النقل والتبويب.
أسال الله جل في علاه أن يوفقنا لكل خير، وأن يباعدنا من كل شر،
(1) "رواه البخاري في كتاب الفتن، باب: كيف الأمر إذا لم تكن الجماعة، حديث رقم (7084)، ومسلم في كتاب الإمارة، باب: وجوب ملازمة جماعة المسلمين، حديث رقم (3434).
وأن يعصمنا من الفتن ما ظهر منها وبطن، وأن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر، وأن ينصر دينه، ويعلي كلمته. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
وكتب
أفقر العباد إلى الله وأحوجهم لعفوه ومغفرته ورضاه
محمد بن حسين بن سعيد آل سفران القحطاني
الرياض حرسها الله
ص. ب: 816 الرياض 11321