الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجوبة سماحة/عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
-
الحمد لله، والصلاة السلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فمن المعلوم لدى كل من له أدنى بصيرة أن اختطاف الطائرات، وبني الإنسان من السفارات وغيرها، ومن الجرائم العظيمة العالمية، التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة والأضرار العظيمة، وإضاقة الأبرياء، وإيذائهم ما لا يحصيه إلا الله.
كما أن من المعلوم أن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة دون دولة ولا طائفة دون طائفة، بل يعم العالم كله، ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة؛ فإن الواجب على الحكومات والمسئولين من العلماء وغيرهم: أن يعنوا به غاية العناية، وأن يبذلوا الجهود الممكنة لحسم شره، والقضاء عليه، وقد أنزل الله كتابه الكريم تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين، وبعث نبيه محمدا رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين، وأوجب على جميع الثقلين: الحكم بشريعته، والتحاكم إليها، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتابه وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال عز وجل:{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما} [النساء: آية 65]، وقال تعالى:{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: آية 50]، وقال عز وجل:{يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء، آية: 59].
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه الكريم، وأن الرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته، وإلى سنته الصحيحة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وقال سبحانه:{وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله} [الشورى: آية 10].
فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها: كلها تدل على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى الله سبحانه، وإلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك هو الرد إلى حكم الله عز وجل، والحذر مما خالفه في جميع الأمور.
ومن أهم ذلك: الأمور التي يعم ضررها وشرها كالاختطاف، فإن الواجب على الدولة التي يقع في يدها الخاطفون: أن تحكم فيهم شرع الله، لما يترتب على جريمتهم الشنيعة من الحقوق لله، والحقوق لعباده، والأضرار الكثيرة، والمفاسد العظيمة، وليس لذلك حل يقطع دابرها، ويحسم شرها؛ إلا الحل الذي وضعه أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، في كتابه الكريم وبعث به أنصح الخلق وأفضلهم، وأرحمهم سيد الأولين والآخرين، محمدا عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم، وهو الحل الذي يجب أن يفهمه الخاطفون والمخطوفون، ومن له صلة بهم وغيرهم، وأن تنشرح له صدورهم إن كانوا مؤمنين، فإن لم يكونوا مؤمنين فقد أمر الله
نبيه صلى الله عليه وسلم بتحكيم الشرع فيهم، كما في قوله سبحانه:{وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم} [المائدة: آية 49]، وقوله عز وجل:{وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط} [المائدة: آية 42].
وبناء على ما ذكرنا فإن الواجب على كل دولة يلجأ إليها الخاطفون: تكوين لجنة من علماء الشرع الإسلامي، للنظر في القضية، ودراستها من جوانبها، والحكم فيها بشرع الله، وعلى هؤلاء العلماء أن يحكموا في القضية على ضوء الأدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يستضيئوا في ذلك بما ذكره علماء الشرع عند آية المحاربة من سورة المائدة، وما ذكره العلماء في كل مذهب في:" باب حكم قطاع الطريق "، ثم يصدروا حكمهم؛ معززا بالأدلة الشرعية، وعلى الحكومة التي لجأ إليها الخاطفون تنفيذ الحكم الشرعي، طاعة لله، وتعظيما لأمره، وتنفيذا لشرعه، وحسما لمادة هذه الجرائم العظيمة، ورغبة في تحقيق الأمن ورحمة المخطوفين وإنصافهم.
أما القوانين التي وضعها الناس لذلك من غير استناد إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فكلها من وضع البشر، ولا يجوز لأهل الإسلام التحاكم إليها، وليس بعضها أولى بالتحاكم إليه من بعض؛ لأنها كلها من حكم الجاهلية، ومن حكم الطاغوت الذي حذر الله منه، ونسب إلى المنافقين الرغبة في التحاكم إليه، كما قال تعالى:{ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالا بعيدا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} [النساء: آية 60 - 61].
فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتشبهوا بأعداء الله المنافقين؛ بالتحاكم إلى غير الله، والصدود عن حكم الله ورسوله.
ولا يجوز أن يحتج بما وقع فيه أغلب المسلمين اليوم من التحاكم إلى القوانين الوضعية، فإن ذلك لا يبرره ولا يجعله جائزا، بل هو من أنكر المنكرات؛ وإن وقع فيه الأكثرون، وليس وقوع الأكثر في أمر من الأمور دليلا على جوازه، كما قال سبحانه:{وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون} [الأنعام: آية 116].
وكل حكم يخالف شرع الله فهو من حكم الجاهلية، قال سبحانه:{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} [المائدة: آية 50].
وأخبر سبحانه أن الحكم بغير ما أنزل الله كفر وظلم وفسق، فقال سبحانه في سورة المائدة:{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون} [المائدة: آية 44]، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} [المائدة: 45]، {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} [المائدة: 47].
وهذه الآيات وما جاء في معناها، توجب على المسلمين: الحذر من الحكم بغير ما أنزل الله، والبراءة منه، والمبادرة إلى حكم الله ورسوله، وانشراح الصدر به، والتسليم له، وإذا كانت الحادثة يعم ضررها:
كالخطف، كان وجوب رد الحكم فيها إلى الله ورسوله آكد من غيرها، وأعظم في الوجوب لأن الله سبحانه هو الحكيم الخبير، وهو أحكم الحاكمين، وأرحم الراحمين، وهو العالم بما يصلح عباده، ويدفع عنهم الضرر، ويحسم عنهم الفساد في حاضرهم ومستقبلهم، فوجب أن يردوا الحكم فيما تنازعوا فيه إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، لأن فيهما الكفاية، والمقنع، والحل لكل مشكل، والقضاء على كل شر؛ لمن تمسك بهما، واستقام عليهما، وحكم بهما وتحاكم إليهما، كما سبق بيان ذلك في الآيات المحكمات.
ولعظم هذه الجريمة وخطورتها، رأيت أن من الواجب تحرير هذه الكلمة نصحا للأمة، وبراءة للذمة، وتذكيرا للعموم بهذا الواجب العظيم، وتعاونا مع المسئولين على البر والتقوى.
والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين ويهديهم صراطه المستقيم، ويوفق حكوماتهم للحكم بالشريعة الإسلامية، والتحاكم إليها، والتمسك بها في جميع الأمور، إنه جواد كريم.
وصلى الله على عبده ورسوله، نبينا محمد وآله وصحبه وسلم (1).
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (1/ 272)