الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله
-
سائل يسأل عن تفسير الآية الرابعة من السورة الكريمة: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئًا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (1).
الجواب: الذين لهم عهد أمر الله رسوله أن يتم عهدهم لهم، ما لم يغيروا، أو ينقضوا العهد، أو يظاهروا أعداء المسلمين، فإن ظاهروهم وجب قتالهم، وإن نقضوا العهد فكذلك، ولذلك لما ساعدت قريش بني بكر على خزاعة، انتقض عهد قريش وبني بكر، وحاربهم النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، ودخل مكة وفتحها عنوة عام ثمان من الهجرة، لنقضهم العهد؛ لأن خزاعة كانت في حلف النبي صلى الله عليه وسلم وكانت بنو بكر في حلف قريش وعهدهم، فهجدت بنو بكر خزاعة، يعني: تعدت عليهم، وأتوهم بغتة -أي: فجأة- وقاتلوهم وهم في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستنجدوا بالرسول صلى الله عليه وسلم وطلبوا منه أن ينصرهم، ووعدهم النصر، وكانت قريش قد ساعدتهم بالمال والسلاح؛ فلهذا غزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليه مكة؛ لنقضهم العهد، وكان قد عاهدهم عشر سنين، فلما نقضوا العهد بمساعدتهم بني بكر انتقض عهدهم، وغزاهم النبي صلى الله عليه وسلم وفتح الله عليه (2).
(1) سورة التوبة، الآية:(4)
(2)
مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (8/ 290).
سؤال: إنني أحب الجهاد وقد امتزج حبه في قلبي. ولا أستطيع أن أصبر عنه، وقد استأذنت والدتي فلم توافق، ولذا تأثرت كثيرا ولا أستطيع أن أبتعد عن الجهاد. سماحة الشيخ: إن أمنيتي في الحياة هي الجهاد في سبيل الله وأن أقتل في سبيله وأمي لا توافق. دلني جزاك الله خيرا على الطريق المناسب؟
الجواب: جهادك في أمك جهاد عظيم، الزم أمك وأحسن إليها، إلا إذا أمرك ولي الأمر بالجهاد فبادر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:"وإذا استنفرتم فانفروا"(1). وما دام أن ولي الأمر لم يأمرك، فأحسن إلى أمك، وارحمها، واعلم أن برها من الجهاد العظيم، قدمه النبي صلى الله عليه وسلم على الجهاد في سبيل الله، كما جاء بذلك الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه قيل:(يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: الصلاة على ميقاتها. قلت: ثم أي؟ قال: ثم بر الوالدين. قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله. فسكت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو استزدته لزادني)[متفق على صحته]. فقدم برهما على الجهاد. عن عبد الله بن عمرو، قال: جاء رجل إلى النبي يستأذنه في الجهاد فقال: " أحي والداك؟ قال: نعم. قال: " ففيهما فجاهد". [متفق على صحته].
وفي رواية أخرى قال صلى الله عليه وسلم: " قال: ارجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك فجاهد وإلا فبرهما"(2)، فهذه الوالدة: ارحمها وأحسن إليها، حتى تسمح
(1) رواه البخاري (1737).
(2)
رواه أبو داود (2530).
لك، وهذا كله في جهاد الطلب، وفي ما إذا لم يأمرك ولي الأمر بالنفير، وأما إذا نزل البلاء بك فدافع عن نفسك وعن إخوانك في الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهكذا إذا أمرك ولي الأمر بالنفير فانفر ولو بغير رضاها، لقول الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة: آية 38](1).
س: هل يعتبر عمل المتطوعين في التعاون مع رجال الأمن من الرباط، أم لا؟
ج: عمل المتطوعين في كل بلد ضد الفساد مع رجال الأمن يعتبر من الجهاد في سبيل الله لمن أصلح الله نيته، وهو من الرباط في سبيل الله؛ لأن الرباط هو لزوم الثغور ضد الأعداء، وإذا كان العدو قد يكون في الباطن، واحتاج المسلمون أن يتكاتفوا مع رجال الأمن ضد العدو الذي يخشى أن يكون في الباطن يرجى لهم أن يكونوا مرابطين، ولهم أجر المرابط لحماية البلاد من مكائد الأعداء الداخليين.
وهكذا التعاون مع رجال الهيئة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر يعتبر من الجهاد في سبيل الله في حق من صلحت نيته، لقول الله سبحانه:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (2)، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: " ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان
(1)"مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز (18/ 256).
(2)
سورة العنكبوت، الآية (69).
له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل" (1).
سؤال: يسأل بعض الأطباء والعاملين في النفط، هل إذا أخلصوا النية، وأنهم يقومون بعملهم من أجل الله تعالى، وحدث أن قتلوا بالصواريخ التي يطلقها حاكم العراق، هل يعتبرون من الشهداء؟
الجواب: إذا كانوا مسلمين فهم شهداء، إذا ضربوا بالصواريخ أو غيرها مما يقتلهم حكمهم حكم الشهداء، وهكذا كل مسلم يقتل مظلوما في أي مكان؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم:" من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد"(2)، ولما ثبت في صحيح مسلم: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أتاه رجل فقال: يا رسول الله يأتيني الرجل يريد مالي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: " لا تعطه مالك". فقال الرجل: يا رسول الله فإن قاتلني؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (قاتله) فقال الرجل: يا رسول الله فإن قتلني؟ قال صلى الله عليه وسلم: (فأنت شهيد) قال الرجل: فإن قتلته؟ قال صلى الله عليه وسلم: (هو في النار)(3)، وهذا الحديث عظيم يدل على أن من قتل من المسلمين مظلوما فهو شهيد. فلله الحمد والمنة على ذلك.
(1) رواه الإمام مسلم في "صحيحه"(50)، من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.
(2)
رواه الترمذي في (الديات) باب ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد برقم (1421).
(3)
رواه مسلم في (الإيمان) باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق كان القاصد مهدر الدم في حقه برقم (140).