الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
أشار سماحته في رده على سؤال في درسه بالمسجد الحرام في كيفية التعامل مع من ينتهج هذا النهج فقال:
إن الكثير ممن اعتنق هذا الفكر هم جهلة غرر بهم؛ لقلة علمهم وبصيرتهم، فقبلوا هذه الآراء التكفيرية من قبل فئة اتخذوا هذا النهج لتحقيق غاياتهم المشبوهة، فجاءوا بهذه الأفكار ليخدعوا بها قليلي العلم والفهم والبصيرة.
ولكن الواجب على كل إنسان يعرف من يعتقد هذا المعتقد أن يذكره بالله، ويبين له بطلان معتقده ومنهجه، فإن ارتدع وعاد إلى رشده؛ فهذا المطلوب، وإن استمر في باطله ولم ينزجر؛ فلا يترك هؤلاء يفسدون على شبابنا دينهم، ففكرة التكفير خطيئة سيئة، ويوجد وراءها من يريدون الإضرار بالأمة فيسلكون كل سبيل ليحققوا أغراضهم.
فأنصح إخواني بالحذر من الدعوات التي تكفر المجتمعات المسلمة، وتدعو إلى الخروج على الأئمة وحمل السلاح على المسلمين، كما أنني أنصح من يفتي هؤلاء بأن يتقي الله في نفسه، ويتقي الله في عباده المسلمين، ويتقي الله في المجتمعات المسلمة، وليعلم أن هذه الجادة جادة أهل البدع.
فالسف الصالح أبعد وأسلم عن هذه الجادة الخاطئة، بل كانوا يحثون على السمع والطاعة، والصبر على الأئمة، حتى وإن جاروا أو
ظلموا، وينهون عن الخروج على الأئمة حقنا لدماء المسلمين وجمعا لكلمتهم، وتوحيدا لصفهم.
فاتقوا الله في المسلمين، واحذروا سخط الله وعقابه، ومن لم يتب من هؤلاء المفتين (بغير علم) فيجب على أهل الإسلام الحذر والتحذير منهم والبعد منهم.
وقى الله المسلمين الشرور والفتن ما ظهر منها وما بطن (1).
ويقول سماحة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
من المعلوم أن الحكم بالتكفير يحتاج إلى شيئين مهمين:
الأول: دلالة النص على أن هذا كفر، وكفر مخرج من الملة، لأن في النصوص ما يطلق عليه كفر وليس بكفر مخرج عن الملة، فلا بد أن تعلم أن النص دل على أن هذا العمل كفر، أو هذا الترك كفرا مخرجا عن الملة.
الثاني: تطبيق هذا النص على من صدر منه الفعل الذي دل النص على أنه كفر؛ لأنه ليس من فعل المكفر يكون كافرا، كما دلت عليه النصوص من القرآن والسنة.
أما الكتاب:
فقال الله عز وجل: {من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم} (2).
(1) جريدة عكاظ 776 بتاريخ 4/ 6/1424.
(2)
سورة النحل الآية: (106).
فإذا أكره الإنسان على الكفر قولا كان أو فعلا ففعل ما أكره عليه فقد دل الكتاب العزيز على أنه لا يكفر، مع أن الفعل كفر.
مثال ذلك: إنسان أكره على أن يسجد لصنم فسجد، فالسجود للصنم كفر لا إشكال فيه، لكنه مكره وقلبه مطمئن بالإيمان، يؤمن بأن هذا الصنم لا يستحق أن يسجد له، وأن السجود له كفر، فلا شيء عليه.
وإنسان أكره على أن يقول كلمة الكفر، فيقول: إن الله ثالث ثلاثة، أيكفر وقلبه مطمئن بالإيمان؟ الجواب: لا يكفر.
وأما السنة:
فقد تحدث النبي صلى الله عليه وسلم عن فرح الله تعالى بتوبة العبد، وأخبر أن الله أشد فرحا بتوبة العبد من رجل أضل ناقته وعليها طعامه وشرابه، فطلبها فلم يجدها، واضطجع تحت شجرة ينتظر الموت، فبينما هو كذلك إذا هو بناقته قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح (1).
هل هو كافر؟ الجواب: لا.
كذلك الرجل الذي كان مسرفا على نفسه، وخاف من عقوبة الله فقال لأهله: إذا أنا مت فأحرقوني وذروني في اليم، فوالله لئن قدر علي
(1) أخرجه مسلم برقم (2747). من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
ربي لعذبني عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين، ففعلوا - فجمعه الله عز وجل ثم سأله، وأخبره أنه فعل ذلك خوفا من الله - ظن أن الله لا يقدر عليه - فغفر الله له (1)، مع أن الشك في قدرة الله كفر؛ لأنه لم يرد أن يصف الله بالعجز، ولكن خوفا من الله عز وجل، فظن أن هذا الفرار من الله يمكنه أن ينجو به من عقابه.
إذا يا إخواني لا بد من أمرين هامين في التكفير:
الأمر الأول: دلالة النصوص على أن هذا كفر وكفر مخرج عن الملة.
الثاني: انطباق هذا الحكم على الشخص المعين؛ لأنه قد تكون هناك موانع تمنع من التكفير؛ وإن كان القول أو الفعل كفرا، والموانع معروفة من الشريعة والحمد لله.
فإذا لم يتم الشرطان؛ فمن كفر أخاه صار هو الكافر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن من دعا رجلا بالكفر، أو قال: يا عدو الله وليس كذلك، فإنه يعود إليه فيكون هو الكافر، وهو عدو الله.
فإذا قال إنسان: كيف يكون هو كافرا، وهو إنما كفر هذا الرجل غيرة لله عز وجل؟
قلنا: إنه كفر حيث اتخذ نفسه مشرعا مع الله، وحكم على هذا بالكفر والله تعالى لم يكفره، فجعل نفسه ندا لله عز وجل في التكفير، هذا من جهة،
(1) أخرجه البخاري رقم (6480). ومسلم برقم (2756). من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
ومن جهة أخرى: قد يطبع على قلبه والعياذ بالله، وتكون نهايته أن يكفر بالله كفرا صريحا واضحا، فالمسألة خطيرة جدا. فليس لنا أن نكفر من لم يكفره الله ورسوله.
كما أنه ليس لنا أن نحرم شيئا لم يحرمه الله ورسوله، ولا أن نبيح شيئا لم يبحه الله ورسوله، ولا نوجب شيئا لم يوجبه الله ورسوله.
ثم إن الأمر يكون أشد خطرا إذا نسب التكفير إلى ولاة الأمور - وولاة الأمور هم العلماء والأمراء - لقول الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم} (1)، وأولو الأمر كما قال علماء التفسير هم: العلماء والأمراء؛ لأن العلماء يتولون أمور المسلمين في بيان الشريعة والدعوة إليها، والأمراء يتولون أمور المسلمين في تنفيذ الشريعة وإلزام الناس بها.
فإذا وقع التكفير لهؤلاء فليس جناية عليهم لأشخاصهم، إذ هذا لا يضر بأشخاصهم، لأنهم يعرفون أنفسهم ولا يهمهم القول، وقد قيل أشد من هذا لمن هو أفضل بكثير من هؤلاء: قيل للأنبياء - ما أخبر الله عنه في قوله تعالى: {كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون} (2).
وتكفير ولاة الأمور يتضمن مفسدتين عظيمتين: مفسدة شرعية، ومفسدة اجتماعية.
(1) سورة النساء، الآية:(59).
(2)
سورة الذاريات، الآية (52).
أما المفسدة الشرعية: فهي أن العلماء الذين أطلق عليهم الكفر لن ينتفع الناس بعلمهم، وعلى الأقل أن يحصل التشكيك أو الشك في أمورهم، وحينئذ يكون هذا الرجل الذي كفر العلماء يكون هادما للشريعة الإسلامية؛ لأن الشريعة الإسلامية تتلقى من العلماء؛ ولأن العلماء ورثة الأنبياء، والأنبياء لم يورثوا درهما ولا دينارا، إنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر من ميراثهم (1).
أما تكفير الأمراء فإنه يتضمن مفسدة اجتماعية عظيمة: وهي الفوضى والحروب الأهلية، التي لا يعلم مدى نهايتها إلا الله عز وجل، ولذلك فيجب الحذر من مثل هذا، ويجب على من سمع أحدا يطلق هذا القول أن ينصحه ويخوفه بالله عز وجل، ويقول له: إذا كنت ترى أن شيئا من الأفعال كفر من عالم من العلماء؛ فالواجب عليك أن تتصل به وأن تناقشه في الموضوع، حتى يتبين لك الأمر (2)
(1) أخرجه أبو داود برقم (3641). والترمذي برقم (2682). وابن ماجه برقم (223) من حديث أبي الدرداء رضي الله عنه.
(2)
فتنة التكفير ص 65 إعداد: علي بن حسين أبو لوز.