الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أجوبة سماحة/محمد بن صالح العثيمين رحمه الله
-
قال رحمه الله في شرح حديث أصحاب الأخدود (1)، محددا الفوائد المستنبطة منه:
" إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامة للمسلمين، فإن هذا الغلام دل الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه؛ وهو أن يأخذ سهما من كنانته .. قال شيخ الإسلام: " لأن هذا جهاد في سبيل الله، آمنت أمة وهو لم يفتقد شيئا لأنه مات، وسيموت آجلا أو عاجلا ".
فأما ما يفعله بعض الناس من الانتحار، بحيث يحمل آلات متفجرة ويتقدم بها إلى الكفار، ثم يفجرها إذا كان بينهم؛ فإن هذا من قتل النفس والعياذ بالله، ومن قتل نفسه فهو خالد مخلد في نار جهنم أبد الآبدين، كما جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام (2).
لأن هذا قتل نفسه لا في مصلحة الإسلام؛ لأنه إذا قتل نفسه وقتل عشرة أو مائة أو مائتين، لم ينفع الإسلام بذلك، فلم يسلم الناس، بخلاف قصة الغلام، وبهذا ربما يتعنت العدو أكثر ويوغر صدره هذا العمل، حتى يفتك بالمسلمين أشد فتك.
(1) القصة أخرجها مسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب قصة أصحاب الأخدود، حديث رقم (3005).
(2)
إشارة للحديث الذي أخرجه البخاري في كتاب الطب، باب شرب السم والدواء به وبما يخاف منه، حديث رقم (5778).
كما يوجد من صنع اليهود مع أهل فلسطين، فإن أهل فلسطين إذا مات الواحد منهم بهذه المتفجرات وقتل ستة أو سبعة؛ أخذوا من جراء ذلك ستين نفرا أو أكثر فلم يحصل في ذلك نفع للمسلمين، ولا انتفاع للذين فجرت المتفجرات في صفوفهم.
ولهذا نرى أن ما يفعله بعض الناس من هذا الانتحار، نرى أنه قتل للنفس بغير حق، وأنه موجب لدخول النار والعياذ بالله، وأن صاحبه ليس بشهيد، لكن إذا فعل الإنسان هذا متأولا ظانا أنه جائز، فإننا نرجو أن يسلم من الإثم، وأما أن تكتب له الشهادة فلا، لأنه لم يسلك طريق الشهادة، ومن اجتهد واخطأ فله أجر (1).
سؤال: ما الحكم الشرعي فيمن يضع المتفجرات في جسده، ويفجر نفسه بين جموع الكفار نكاية بهم؟ وهل يصح الاستدلال بقصة الغلام الذي أمر الملك بقتله؟
الجواب: الذي يجعل المتفجرات في جسمه من أجل أن يضع نفسه في مجتمع من مجتمعات العدو، قاتل لنفسه، وسيعذب بما قتل به نفسه في نار جهنم، خالدا فيها مخلدا، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن قتل نفسه في شيء يعذب به في نار جهنم.
وعجبا من هؤلاء الذين يقومون بمثل هذه العمليات، وهم يقرءون قول الله تعالى:{ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} [النساء: 29]
(1)" شرح رياض الصالحين "(1/ 165 - 166).
ثم يفعلوا ذلك، هل يحصدون شيئا؟ هل ينهزم العدو؟ أم يزداد العدو شدة على هؤلاء الذين يقومون بهذه التفجيرات، كما هو مشاهد الآن في دولة اليهود، حيث لم يزدادوا بمثل هذه الأفعال إلا تمسكا بعنجهيتهم، بل إنا نجد أن الدولة اليهودية في الاستفتاء الأخير نجح فيها (اليمينيون) الذين يريدون القضاء على العرب.
ولكن من فعل هذا مجتهدا ظانا أنه قربة إلى الله عز وجل فنسأل الله تعالى ألا يؤاخذه لأنه متأول جاهل.
وأما الاستدلال بقصة الغلام، فقصة الغلام حصل فيها دخول في الإسلام، لا نكاية في العدو، ولذلك لما جمع الملك الناس؛ وأخذ سهما من كنانة الغلام؛ وقال: باسم الله رب الغلام؛ صاح الناس كلهم، الرب رب الغلام، فحصل فيه إسلام أمة عظيمة، فلو حصل مثل هذه القصة لقلنا: إن هناك مجالا للاستدلال، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قصها علينا لنعتبر بها، لكن هؤلاء الذين يرون تفجير أنفسهم إذا قتلوا عشرة أو مائة من العدو، فإن العدو لا يزداد إلا حنقا عليهم وتمسكا بما هم عليه.
وسئل رحمه الله:
بعضهم يقول: إنه يقوم بعملية جهادية على شكل انتحاري، وكمثال على ذلك: ما يفعله أحدهم من تلغيم سيارته بالمتفجرات، واقتحام العدو، وهو يعلم أنه سيموت في هذا الحادث لا محالة؟
فأجاب رحمه الله: رأيي في هذا أنه قاتل نفسه، وأنه سيعذب في جهنم بما قتل به نفسه، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم.
لكن الجاهل الذي لا يدري، وفعله على أنه حسن مرضي عند الله، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يعفو عنه، لكونه فعل هذا اجتهادا. وإن كنت أرى أنه لا عذر له في الوقت الحاضر؛ لأن هذا النوع من قتل النفس اشتهر وانتشر بين الناس، وكان على الإنسان أن يسأل عنه أهل العلم، حتى يتبين له الرشد من الغي.
ومن العجب أن هؤلاء يقتلون أنفسهم مع أن الله نهى عن ذلك وقال: {ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما} ، وكثير منهم لا يريدون إلا الانتقام من العدو على أي وجه كان؛ سواء كان حراما أم حلالا، فهو يريد أن يشفي غليله فقط، ويروي غليله. ونسأل الله أن يرزقنا البصيرة في دينه والعمل بما يرضيه إنه على كل شيء قدير (1).
…
(1) مجلة الدعوة العدد (1598).