المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أجوبة فضيلة الشيخ: د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله - فتاوى الأئمة في النوازل المدلهمة

[ابن سفران القحطاني]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان

- ‌مقدمة الطبعة الثانية

- ‌مقدمة

- ‌فتاوى الأئمةفيحكم التفجيرات والتخريب في البلاد الإسلامية وغيرها

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء حول حوادث التفجير الأخيرة

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء حول حادث التفجير الذي وقع في الرياض

- ‌بيان لهيئة كبار العلماء حول حوادث التخريب

- ‌بيان هيئة كبار العلماءحول حادث التفجير الذي وقع في الرياض في حي العليا

- ‌بيان هيئة كبار العلماءحول حادث التفجير الذي وقع في مدينة الخبر

- ‌أجوبة سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌فتوى سماحة الشيخ / عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ -حفظه الله

- ‌كلام سماحة الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

- ‌بيان فضيلة الشيخ / صالح بن محمد اللحيدان -حفظه الله

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ / د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان -حفظه الله

- ‌فتاوى الأئمةفيحقوق الولاة وحكم الخروج عليهم

- ‌قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

- ‌رسالة شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

- ‌بيان العلماءسعد بن عتيق، محمد بن إبراهيم، عمر بن سليم، محمد بن عبد اللطيف، عبد الله العنقري رحمهم الله

- ‌قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله

- ‌أجوبة سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

- ‌أجوبة الشيخ المحدث/ناصر الدين الألباني رحمه الله

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ/د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله

- ‌جواب اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء

- ‌فتاوى الأئمة في حكم الشائعات واستماعها

- ‌توجيه سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌فتاوى فضيلة الشيخ/صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

- ‌أجوبة سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌أجوبة الشيخ المحدث/ناصر الدين محمد الألباني رحمه الله

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ/صالح بن علي الغصون رحمه الله

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ/د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان - حفظه الله

- ‌فتاوى الأئمةفي حكم اختطاف الطائرات وبني الإنسان

- ‌بيان من مجلس هيئة كبار العلماء حول حوادث التخريب

- ‌أجوبة سماحة/عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌فتاوى الأئمة في حكم الإضرابات والاعتصامات

- ‌أجوبة سماحة الشيخ: محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

- ‌فتاوى الأئمة في العمليات الانتحارية

- ‌من أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌أجوبة سماحة/محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

- ‌فتاوى الأئمةفيحكم التطرف والتكفيروشيء من صفات الخوارج

- ‌قال الإمام شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي رحمه الله

- ‌بيان من هيئة كبار العلماء في التكفير والتفجير

- ‌أجوبة سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌أجوبة سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ

- ‌جواب الشيخ المحدث ناصر الدين الألباني رحمه الله

- ‌تعقيب سماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله بن باز- رحمه الله

- ‌تعليق فضيلة الشيخ العلامة محمد بن صالح بن عثيمين

- ‌مقال فضيلة الشيخ/ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ: د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله

- ‌جواب معالي الشيخ/ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ حفظه الله

- ‌رسالة الإمام عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ رحمه الله

- ‌سئلت اللجنة الدائمة:

- ‌فتاوى الأئمة في حكم الطعن في العلماء

- ‌قال عبد الله بن المبارك رحمه الله

- ‌قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله:

- ‌قال العلماء سعد بن عتيق محمد بن إبراهيم، عمر بن سليم، محمد بن عبد اللطيف، عبد الله العنقر

- ‌قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله

- ‌مقال فضيلة الشيخ / د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

- ‌فتاوى الأئمة في بعض أحكام الصلح والجهاد

- ‌قال الشيخ سعد بن عتيق رحمه الله

- ‌جواب سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله

- ‌قال الشيخ / محمد بن صالح العثيمين رحمه الله

- ‌أجوبة فضيلة الشيخ/ د. صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله

الفصل: ‌أجوبة فضيلة الشيخ: د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله

‌أجوبة فضيلة الشيخ: د. صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان حفظه الله

سؤال: فضيلة الشيخ، من الملاحظ اليوم بروز ظاهرة الغلو واتجاه العامة للتجاوب مع هذا الغلو، ما السبيل للحد من هذه الظاهرة ومن المسئول؟

الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم حذر أمته من الغلو، قال عليه الصلاة والسلام:" إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو" وقال عليه الصلاة والسلام: " هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون" قالها ثلاثا، والمتنطعون: هم المتشددون المغالون في دينهم. قال سبحانه وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} [النساء: آية 171]، وقال تعالى:{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ} [المائدة: آية 77] والواجب هو الاستقامة من غير غلو ومن غير تساهل، قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأتباعه:{فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} [هود: آية 112]، يعني لا تزيدوا ولا تتشددوا، فالمطلوب من المسلمين الاستقامة، وهي الاعتدال بين التساهل والتشدد هذا هو منهج الإسلام وهو منهج الأنبياء جميعا وهو الاستقامة على دين الله سبحانه وتعالى، من غير تشدد، ولا تنطع وغلو، ومن غير تساهل وتفسخ (1).

سؤال: مما يلاحظ على الثقافة الإسلامية المعاصرة اليوم أنه يشوبها شيء من فكر بعض الفرق الضالة مثل الخوارج والمعتزلة، فتجد في بعضها

(1)"مراجعات في الفقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة"(ص48).

ص: 233

تكفير المجتمعات والأفراد وتسويغ العنف ضد العصاة والفساق من المسلمين، فما توجيهكم؟

هذا منهج خاطئ؛ لأن الإسلام ينهى عن العنف في الدعوة يقول تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: آية 125]، ويقول لنبيه موسى وهارون عليهما السلام تجاه فرعون:{فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه: آية 44]، والعنف يقابل بالعنف ولا يفيد إلا عكس المطلوب، وتكون آثاره على المسلمين سيئة، فالمطلوب الدعوة بالحكمة وبالتي هي أحسن، وباستعمال الرفق مع المدعوين، أما استعمال العنف مع المدعوين والتشديد والمهاترات فهذا ليس من دين الإسلام، فالواجب على المسلمين أن يسيروا في الدعوة على منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى حسب توجيهات القرآن الكريم.

والتكفير له ضوابط شرعية، فمن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام التي ذكرها علماء السنة والجماعة حكم بكفره بعد إقامة الحجة عليه، ومن لم يرتكب شيئا من هذه النواقض فليس بكافر، وإن ارتكب بعض الكبائر التي هي دون الشرك (1).

سؤال: هناك من يطلق لفظ الجاهلية على المجتمعات المسلمة؛ لما فيها من فساد، ويرتب على هذا اللفظ ما تعرفون، فهل هذا الاتجاه صحيح

(1)"مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري" ص 49

ص: 234

يا فضيلة الشيخ؟

الجاهلية العامة انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ولله الحمد وجاء الإسلام وجاء العلم وجاء النور، وسيبقى ويستمر إلى يوم القيامة، فليس بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم جاهلية عامة، ولكن هناك بقايا من الجاهلية، لكنها جاهلية جزئية وجاهلية بمن قامت به، أما الجاهلية العامة فقد انتهت ببعثة الرسول صلى الله عليه وسلم ولن تعود إلى قيام الساعة.

أما وجود الجاهلية في بعض الأفراد أو الجماعات أو بعض المجتمعات فهذا أمر واقع؛ لكنها جاهلية خاصة بمن وجدت فيه وليست عامة.

فلا يجوز إطلاق الجاهلية على وجه العموم، كما نبه على ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في اقتضاء الصراط المستقيم (1).

سؤال: يلاحظ على من يطلق لفظ الجاهلية على المجتمعات الإسلامية أنه يريد تكفير تلك المجتمعات وبالتالي الخروج؟

ليس من حق كل أحد أن يطلق التكفير أو أن يتكلم بالتكفير على الجماعات أو على الأفراد.

التكفير له ضوابط فمن يرتكب ناقضا من نواقض الإسلام فإنه يحكم بكفره. ونواقض الإسلام معروفة، أعظمها الشرك بالله عز وجل، وادعاء

(1) مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري" ص 49.

ص: 235

علم الغيب، والحكم بغير ما أنزل الله. قال تعالى:{وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: آية 44] فالتكفير خطير، ولا يجوز لكل أحد أن يتفوه في حق غيره، إنما هذا من صلاحيات الحاكم الشرعي، ومن صلاحيات أهل العلم الراسخين في العلم الذين يعرفون الإسلام ويعرفون نواقض الإسلام، ويعرفون الأحوال ويدرسون واقع الناس والمجتمعات فهم أهل الحكم بالتكفير وغيره، أما الجاهل، وأما أفراد الناس وأنصاف المتعلمين، فهؤلاء ليس من حقهم إطلاق التكفير على الأشخاص أو على الجماعات أو على الدول؛ لأنهم غير مؤهلين لهذا الحكم (1).

سؤال: يلاحظ على بعض طلبة العلم التساهل في إطلاق لفظ الردة على المسلم، بل قد يطالب هذا البعض المسلمين بانتداب من يرون لإقامة حد الردة في المحكوم بردته عندهم إذا لم يقم به السلطان؟

إقامة الحدود من صلاحيات سلطان المسلمين، وليس لكل أحد أن يقيم الحد؛ لأن هذا يلزم منه الفوضى والفساد، ويلزم منه تفكك المجتمع وحدوث الثارات وحدوث الفتن، فالحدود من صلاحيات السلطان المسلم. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:" تعافوا الحدود فيما بينكم، فإذا أبلغت الحدود السلطان فلعن الله الشافع والمشفع"(2).

(1) مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري" ص50

(2)

رواه النسائي في كتاب قطع السارق، باب ما يكون حرزا وما لا يكون، حديث (4886)، وبنحوه مالك في "الموطأ" في كتاب الحدود، باب ترك الشفاعة للسارق إذا بلغ السلطان، حديث رقم (1580).

ص: 236

ومن وظائف السلطان في الإسلام ومن صلاحياته: إقامة الحدود بعدما تثبت شرعا لدى المحاكم الشرعية على من وقع في جريمة رتب الشارع عليها حدا كحد الردة وحد السرقة

إلخ

فالحاصل أن إقامة الحدود من صلاحيات السلطان، وإذا لم يكن هناك في المسلمين سلطان فإنه يكتفى بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى الله عز وجل، بالحكمة والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن ولا يجوز للأفراد أن يقيموا الحدود؛ لأن هذا كما ذكرنا يلزم منه الفوضى، ويلزم منه حدوث الثارات والفتن، وفيه مفسدة أعظم مما فيه من المصلحة، ومن القواعد الشرعية المسلم بها:" أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"

سؤال: فضيلة الشيخ، من هو المرتد؟ نرجو تحديده بشكل واضح فقد يحكم بردة شخص لديه شبهة.

الحكم بالردة والخروج من الدين من صلاحيات أهل العلم الراسخين في العلم؛ وهم القضاة في المحاكم الشرعية، والمفتون المعتبرون، وهي كغيرها من القضايا، وليس من حق كل أحد أو من حق أنصاف المتعلمين أو المنتسبين إلى العلم الذين ينقصهم الفقه في الدين ليس من صلاحياتهم أن يحكموا بالردة؛ لأن هذا يلزم منه الفساد، وقد يحكمون على المسلم بالردة، وهو ليس كذلك، وتكفير المسلم الذي لم يرتكب ناقضا من نواقض الإسلام فيه خطورة عظيمة، ومن قال لأخيه يا

ص: 237

كافر أو يا فاسق، وهو ليس كذلك، فإن هذا الكلام يعود على قائله، فالذين يحكمون بالردة هم القضاة الشرعيون والمفتون المعتبرون والذين ينفذون هذا الحكم هم ولاة أمر المسلمين، وما عدا هذا فهو فوضى. (1).

سؤال: نقطة أخيرة أريد أن استوضحها في هذه المسألة وهي تتعلق بالمفتئت (المتعدي) على حق السلطان في الحكم فيمن نفذ حدا على أحد من الناس فهناك من يدعي أن ليس للسلطان أكثر من السجن؟

الجواب: لا يجوز الافتئات على السلطان والتعدي على صلاحيات سلطان المسلمين، ومن قتل أحدا بغير حكم شرعي، وإنما قتله بموجب رأيه هو، فهذا يقام عليه القصاص إذا طلب ولي المقتول، إلا إذا أثبت شرعا أن المقتول مرتد عن الإسلام، فلا قصاص عليه، ولكن للسلطان أن يؤدبه للتعدي على صلاحياته بما يراه (2).

(1)"مراجعات في فقه الواقع"(ص49).

(2)

مراجعات في فقه الواقع".

ص: 238

صفات الخوارج

قال فضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان

تكلم شيح الإسلام ابن تيمية رحمه الله في رسالة له تسمى (قاعدة أهل السنة والجماعة) بعد أن أورد قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} (1)

إلى قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} (2) وذكر قول ابن عباس رضي الله عنهما: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

قال: " وفي الترمذي عن أبي أمامة الباهلي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج " أنهم كلاب أهل النار" (3) وقرأ هذه الآية: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}

قال الإمام أحمد بن حنبل: صح الحديث في الخوارج عن عشرة أوجه خرجها مسلم في "صحيحه". وخرج البخاري طائفة منها، قال النبي صلى الله عليه وسلم:" يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية "(4)

(1) سورة آل عمران، الآية:(102).

(2)

سورة آل عمران، الآية:(106).

(3)

رواه الترمذي (3000) وحسنه، وابن ماجه (176)، وأحمد (5/ 352)، وصححه الحاكم (2/ 163)

(4)

انظر: "صحيح البخاري"(3610) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد، والرواية من حديثه عند البخاري (3344)، ومسلم.

ص: 239

وفي رواية: "يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان". (1).

ثم بين الشيخ- رحمه الله من هم الخوارج فقال:

" والخوارج هم أول من كفر المسلمين، يكفرون بالذنوب-يعني التي هي دون الشرك- ويكفرون من خالفهم في بدعتهم ويستحلون دمه وماله. وهذه حال أهل البدع، يبتدعون بدعة ويكفرون من خالفهم فيها".

هذا ما قاله الشيخ في بيان حقيقة الخوارج. أقول بهذه المناسبة: لما كانت حقيقة الخوارج أنهم يكفرون من المسلمين من ارتكب كبيرة دون الشرك، فإنه قد وجد في هذا الزمان من يطلق هذا اللقب: لقب الخوارج على من حكم بالكفر على من يستحقه من أهل الردة ونواقض الإسلام، كعباد القبور وأصحاب المبادئ الهدامة، كالبعثية والعلمانية وغيرها، ويقولون: أنتم تكفرون المسلمين فأنتم خوارج؛ لأن هؤلاء لا يعرفون حقيقة الإسلام ولا يعرفون نواقضه، ولا يعرفون حقيقة مذهب الخوارج، بأنه الحكم بالكفر على من يستحقه بأن ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام هو مذهب أهل السنة والجماعة.

كما يؤخذ من اتصاف الخوارج بكثرة العبادة والتلاوة والزهد مع عدم الفقه في الدين، أن كثرة العمل من غير اتباع للكتاب والسنة، ومن غير فقه في معانيهما، لا تفيد الإنسان شيئا، ولا يجوز الاغترار بمن هذه صفته،

(1) انظر "صحيح البخاري"(3610) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد، والرواية من حديثه عند البخاري (3344)، ومسلم.

ص: 240

وأنه لا يجوز الحكم بالكفر على كل من ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، إلا أن تكون هذه الكبيرة من نواقض الإسلام المعلومة، كدعاء غير الله، والذبح، والنذر للقبور، وما أشبه ذلك.

ثم قال الشيخ رحمه الله:

" وأهل السنة والجماعة يتبعون الكتاب والسنة، ويطيعون الله ورسوله، فيتبعون الحق، ويرحمون الخلق. وأول بدعة حدثت في الإسلام بدعة الخوارج والشيعة، حدثتا في أثناء خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فعاقب الطائفتين؛ أما الخوارج فقاتلوه فقتلهم، وأما الشيعة فحرق غاليتهم بالنار، وطلب قتل عبد الله بن سبأ فهرب منه، وأمر بجلد من يفضله على أبي بكر وعمر. وروي عنه من وجوه كثيرة أنه قال:

"خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر ثم عمر" ورواه عنه البخاري في "صحيحه"(1).

قال الشيخ: " ومن أصول أهل السنة والجماعة: أنهم يصلون الجمع والأعياد والجماعات، ولا يدعون الجمعة والجماعة؛ كما فعل أهل البدع من الرافضة وغيرهم. فإن كان الإمام مستورا لم يظهر منه بدعة ولا فجور صلي خلفه الجمعة والجماعة باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين، ولم يقل أحد من الأئمة إنه لا تجوز الصلاة إلا خلف من علم باطن أمره، بل ما زال المسلمون من بعد نبيهم يصلون خلف المسلم المستور، ولكن إذا ظهر من المصلي بدعة أو فجور وحصلت الصلاة

(1) رواه البخاري (3671).

ص: 241

خلف من يعلم أنه مبتدع أو فاسق -مع إمكان الصلاة خلف غيره، فأكثر أهل العلم يصححون صلاة المأموم.

وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وهو أحد القولين في مذهب مالك وأحمد، وأما إذا لم يمكن الصلاة إلا خلف المبتدع أو الفاجر كالجمعة التي إمامها مبتدع أو فاجر، وليس هناك جمعة أخرى، فهذه تصلى خلف المبتدع والفاجر عند عامة أهل السنة والجماعة، وهذا مذهب الشافعي وأبي حنيفة وأحمد بن حنبل وغيرهم من أئمة أهل السنة بلا خلاف عندهم.

وكان بعض الناس إذا كثرت الأهواء يحب أن لا يصلي إلا خلف من يعرفه على سبيل الاستحباب، كما نقل ذلك عن أحمد أنه ذكر ذلك لمن سأله، ولم يقل أحمد: إنه لا تصح إلا خلف من أعرف حاله.

إلى أن قال:

فالصلاة خلف المستور: جائزة باتفاق علماء المسلمين، ومن قال: إن الصلاة محرمة أو باطلة خلف من لا يعرف حاله فقد خالف إجماع أهل السنة والجماعة، وقد كان الصحابة رضي الله عنهم يصلون خلف من يعرفون فجوره، كما صلى عبد الله بن مسعود وغيره من الصحابة خلف الوليد بن عقبة بن أبي معيط، وكان عبد الله بن عمر وغيره من الصحابة يصلون خلف الحجاج بن يوسف وكان الصحابة والتابعون يصلون خلف ابن أبي عبيد" انتهى كلام الشيخ.

ومقصوده أن الصلاة تصح خلف المسلم، ولو كان فاسقا، خصوصا

ص: 242

إذا كان من ولاة الأمور من أجل اجتماع الكلمة، أو لم يكن هناك غيره من أئمة المساجد الصالحين؛ وترتب على عدم الصلاة خلفه ترك الجمعة أو الجماعة، أما من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام كالاستغاثة بالأموات والذبح لهم والطواف بقبورهم تقربا إليهم وطلبا للحوائج منهم، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، لأنه كافر مرتد عن دين الإسلام والصلاة إنما تصح خلف المسلم.

وهذا التفصيل لا بد منه خصوصا في هذا الزمان الذي كثرت فيه عبادة القبور، وربما يكون بعض أئمة المساجد من عباد القبور، فهذا لا تصح الصلاة خلفه، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم (1).

ويقول فضيلته حفظه الله:

يمضي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "فتاواه" في بيان منهج أهل السنة، ويتعرض لمسألة خطيرة طالما زلت فيها أقدام، وضلت فيها أفهام، وصدرت فيها أوهام، ألا وهي مسألة تكفير المسلم، وبيان موقف أهل السنة والجماعة من هذه المسألة فيقول رحمه الله:

"ولا يجوز تكفير المسلم بذنب فعله، ولا بخطأ أخطأ فيه، كالمسائل التي تنازع فيها أهل القبلة، فإن الله تعالى قال:{آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} (2)

(1)"أضواء من فتاوى شيخ الإسلام من ابن تيمية" لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (1/ 269).

(2)

سورة البقرة، الآية (285)

ص: 243

وقد ثبت في الصحيح أن الله تعالى أجاب هذا الدعاء وغفر للمؤمنين خطأهم (1).

والخوارج المارقون الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتالهم (2) قاتلهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب أحد الخلفاء الراشدين، واتفق على قتالهم أئمة الدين من الصحابة والتابعين من بعدهم، ولم يكفرهم علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وغيرهما من الصحابة، بل جعلوهم مسلمين مع قتالهم. ولم يقاتلهم علي حتى سفكوا الدم الحرام، وأغاروا على أموال المسلمين فقاتلهم لدفع ظلمهم وبغيهم لا لأنهم كفار، ولهذا لم يسب حريمهم ولم يغنم أموالهم.

وإذا كان هؤلاء الذين ثبت ضلالهم بالنص والإجماع لم يكفروا مع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتالهم، فكيف بالطوائف المختلفين الذين اشتبه عليهم الحق في مسائل غلط فيها من هو أعلم منهم؟ فلا يحل لأحد من هذه الطوائف أن تكفر الأخرى، ولا تستحل دمها ومالها وإن كانت فيها بدعة محققة، فكيف إذا كانت المكفرة لها مبتدعة أيضا؟

وقد تكون بدعة هؤلاء أغلظ، والغالب أنهم جميعا جهال بحقائق ما يختلفون فيه.

والأصل أن دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم محرمة من بعضهم على بعض، لا تحل إلا بإذن الله ورسوله، قال النبي صلى الله عليه وسلم لما خطبهم في حجة الوداع: " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم

(1) انظر "صحيح مسلم"(125)، من حديث أبي هريرة.

(2)

"انظر: "صحيح البخاري" (3344) ومسلم (1064) من حديث أبي سعيد.

ص: 244

هذا في بلدكم هذا" (1) وقال صلى الله عليه وسلم: " كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" (2) وقال صلى الله عليه وسلم: " من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ذمة الله ورسوله" (3) وقال: " إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار" قيل: يا رسول الله! هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: " إنه أراد قتل صاحبه" (4) وقال: " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض" (5) وقال: " إذا قال المسلم لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما " (6) وهذه الأحاديث كلها في الصحاح.

وإذا كان المسلم متأولا في القتال أو التكفير لم يكفر بذلك، كما قال عمر بن الخطاب لحاطب بن أبي بلتعة: يا رسول الله! دعني أضرب عنق هذا المنافق! فقال صلى الله عليه وسلم: " إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم"؟! وهذا في (الصحيحين)(7) وفيها أيضا من حديث الإفك: أن أسيد بن الحضير قال لسعد بن

(1): "رواه البخاري"(105) ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة.

(2)

رواه مسلم (2564).

(3)

"رواه البخاري"(391) من حديث أنس بن مالك.

(4)

"رواه البخاري"(31) ومسلم (2888) من حديث أبي بكرة

(5)

"رواه البخاري"(4405) ومسلم (1679) من حديث أبي بكرة.

(6)

"رواه البخاري"(6104) من حديث ابن عمر.

(7)

"رواه البخاري"(3007) ومسلم (2494) من حديث علي.

ص: 245

عبادة: إنك منافق تجادل عن المنافقين! (1) واختصم الفريقان فأصلح النبي صلى الله عليه وسلم بينهم.

فهؤلاء البدريون فيهم من قال لآخر منهم: إنك منافق ولم يكفر النبي صلى الله عليه وسلم لا هذا ولا هذا، بل شهد للجميع بالجنة، وكذلك ثبت في "الصحيحين" عن أسامة بن زيد أنه قتل رجلا بعدما قال: لا إله إلا الله، وعظم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لما أخبره، وقال " يا أسامة! أقتلته بعدما قال لا إله إلا الله؟ " وكرر ذلك عليه حتى قال أسامة: تمنيت أني لم أكن أسلمت إلا يومئذ (2) ومع هذا لم يوجب عليه قودا ولا دية ولا كفارة؛ لأنه كان متأولا ظن جواز قتل ذلك القائل لظنه أنه قالها تعوذا.

فهكذا السلف قاتل بعضهم بعضا من أهل الجمل وصفين ونحوه، وكلهم مسلمون مؤمنون كما قال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (3) فقد بين الله تعالى أنهم مع اقتتالهم وبغي بعضهم على بعض أخوة مؤمنون، وأمر بالتصالح بينهم بالعدل، ولهذا كان السلف مع الاقتتال يوالي بعضهم بعضا موالاة الدين، ولا يعادون كمعاداة الكفار، فيقبل بعضهم شهادة بعض، ويأخذ بعضهم العلم عن بعض، ويتوارثون،

(1) انظر: "صحيح البخاري"(2661) ومسلم (2770) من حديث عائشة.

(2)

رواه" البخاري (4269). ومسلم (96) من حديث أسامة ابن زيد.

(3)

سورة الحجرات، الآية (9).

ص: 246

ويتناكحون، ويتعاملون بمعاملة المسلمين بعضهم مع بعض، مع ما كان بينهم من القتال.

وقد ثبت في الصحيح: أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل ربه أن لا يهلك أمته بسنة عامة فأعطاه ذلك، وسأله أن لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم، فأعطاه ذلك، وسأله ألا يجعل بأسهم بينهم، فلم يعط ذلك (1) وأخبر أن الله لا يسلط عليهم عدوا من غيرهم يغلبهم كلهم، حتى يكون بعضهم يقتل بعضا، وبعضهم يسبي بعضا. وثبت في "الصحيحين" لما نزل قوله تعالى:{قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ} قال (أعوذ بوجهك)، {أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ} قال (أعوذ بوجهك)، {أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ} قال:(هاتان أهون)(2).

هذا مع أن الله أمر بالجماعة والائتلاف ونهى عن البدعة والاختلاف، وقال:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (3) وقال صلى الله عليه وسلم: " عليكم بالجماعة فإن يد الله على الجماعة"(4). وقال: "الشيطان مع الواحد وهو من الاثنين أبعد"(5).

وقال: (الشيطان ذئب الإنسان كذئب الغنم، والذئب إنما يأخذ القاصية

(1) رواه مسلم (2889) من حديث ثوبان.

(2)

"رواه البخاري"(7313) وحده من حديث جابر بن عبد الله.

(3)

سورة الأنعام الآية (159)

(4)

رواه الترمذي (2165) وقال حسن صحيح غريب، والنسائي (2165) من حديث عمر.

(5)

رواه الترمذي (2165) وقال: حسن صحيح غريب، والنسائي (2165) من حديث عمر.

ص: 247

والنائية من الغنم) (1)(2).

(1)(رواه أحمد 5/ 232)، والطبراني (20/ 344 - 355). وضعفه العراقي، كما في "الفيض" للمناوي (2/ 350)، ولكن له شاهد عند البيهقي في الشعب" (2860) لعله يتقوى به.

(2)

"أضواء من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية" لفضيلة الشيخ صالح بن فوزان الفوزان (1/ 273).

ص: 248