الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إحياء بني إسرائيل بعد موتهم
المجيب د. ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
العقائد والمذاهب الفكرية/البعث وأحوال القبور
التاريخ 16/11/1425هـ
السؤال
ذكر الله سبحانه وتعالى، أنه كتب على الإنسان موتة واحدة فقط في الدنيا لا يذوقها إلا مرة واحدة، إذًا كيف نفسر قوله تعالى في قصة أصحاب موسى عندما أحياهم، حيث قال سبحانه:(ثم بعثناكم من بعد موتكم لعلكم تشكرون) . أي أنهم بعد هذا الإحياء ماتوا الموتة الثانية كسائر البشر؟ وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد:
فقد جرت سنته تعالى في خلقه أن يتوفاهم بعد أن أوجدهم في هذه الحياة ثم يعيدهم مرة أخرى للحساب والجزاء، يقول تعالى:(اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَلِكُم مِّن شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)[الروم:40] . هذه سنته تعالى في خلقه عمومًا، لكن لا يمتنع على الله تعالى، أن يعيد بعض خلقه مرة أخرى في هذه الدنيا بعد أن أماته، وقبل يوم الحساب، ذلك أنه تعالى هو الذي أوجده أول مرة، فإعادته أهون عليه، وله في ذلك الحكمة البالغة، وهذا كما أنه غير ممتنع عقلاً، فقد ثبت نصًّا، في صور منها:
ما ذكره تعالى في خبر الذين خرجوا من ديارهم فرارًا من الموت فأماتهم الله ثم أحياهم، يقول تعالى:(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ)[البقرة: 243] .
ومنها أيضًا ما ذكره تعالى من إماتة بعض بني إسرائيل ثم أحياهم يقول تعالى: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ* ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)[البقرة: 55، 56] .
ومنها كذلك خبر القتيل من بني إسرائيل الذي أحياه الله، يقول تعالى:(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[البقرة: 73] .
ومنها ما ذكره تعالى من خبر الرجل الذي مر على القرية الخاوية، يقول تعالى:(أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هََذِهِ اللهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ)[البقرة: 259] .
فهذه الصور كلها تضمنت إحياء الموتى في هذه الدنيا، وأكثر من هذا أن الله تعالى جعل بعض آيات أنبيائه الدالة على صدق نبوتهم ورسالتهم، قدرتهم على إحياء الموتى بإذنه، كما هو معروف عن عيسى عليه السلام، يقول تعالى في شأنه عليه السلام:(وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللهِ)[آل عمران: 49] .
وإذا تقرر هذا فالأصل أن الخلق عمومًا لا يموتون إلا موتة واحدة، كما يشير إليه قوله تعالى:(لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ)[الدخان: 56] . إلا ما ورد من تخصيص بعض البشر بأن الله تعالى يعيد خلقهم مرة أخرى في هذه الدنيا، ولعل من حكمة ذلك إقامة البرهان على قدرة الله تعالى على بعث خلقه ونشرهم للحساب والجزاء، وإلى هذا يشير قوله تعالى في خبر القتيل من بني إسرائيل:(فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)[البقرة: 73] .
أسأل الله تعالى أن يهدينا سبيل الرشاد. والله أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.