المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الاحتجاج بالعهد المكي لتسويف بعض التكاليف - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الاحتفال والتهنئة في أعياد الميلاد

- ‌الاحتفال بالموالد

- ‌هدايا الشركات بمناسبة رأس السنة

- ‌تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة

- ‌الاذكار الجماعية بعد الفريضة

- ‌ذبح الثيران عند تأخر المطر

- ‌صيام يوم الميلاد

- ‌عادة مرتبطة بتقاليد شعبية في شعبان

- ‌قراءة سور مخصوصة قبل صلاة الجمعة

- ‌عيد الكريسماس

- ‌الاحتفال بيومين من يناير (الناير)

- ‌الاحتفال بعيد الحب

- ‌هدايا يوم الميلاد

- ‌فتوى الشيخ محمد العثيمين في عيد الحب

- ‌التعلق بأستار الكعبة

- ‌الاحتفال بيوم المعلم

- ‌اقتناء المجسمات لغرض فني

- ‌زيارة الآثار المبنية على القبور

- ‌عيد الشكر

- ‌السجود من أجل الدعاء

- ‌الصيام طوال أيام الحرب

- ‌الصلاة النارية

- ‌حكم التسبيح بالسبحة

- ‌الدعاء الجماعي بعد الصلاة

- ‌الاغتسال بالماء والسدر

- ‌تخصيص صيام يوم وقيامه لنصرة فلسطين

- ‌العمرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وضع جدول للنوافل

- ‌توحيد الصيام والدعاء للعراق

- ‌دقيقة الصمت

- ‌يقيمون الليل جماعةً كل ليلة سبت

- ‌أذكار عبر الجوال

- ‌ركعتي الشكر

- ‌إهداء الأعمال الصالحة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌التعبد بتلاوة أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌قراءة آيات بعدد معين

- ‌تخصيص بعض الليالي ببعض الطاعات

- ‌شبهة في تشريع البدعة

- ‌البدعة الحسنة

- ‌هل هذه الطريقة مشروعة في صلاة النوافل

- ‌قول (حرماً) ، و (تقبّل الله) بعد الصلوات

- ‌طلب الدعاء عبر رسائل الجوال

- ‌دعاء سورة "يس

- ‌هذه الرسالة كذب وضلال

- ‌الأذكار عبر الجوال

- ‌تخصيص يوم للدعاء للمجاهدين

- ‌العلماء الذين صنفوا البدع

- ‌ختم الدعاء بالفاتحة

- ‌دعاء رد الضالة

- ‌الدعاء (اللهم ارحمنا بأسرار الفاتحة)

- ‌الدعاء الجماعي

- ‌دعاء العزاء في المسجد

- ‌الدعاء بجاه الله

- ‌سؤال الله بجاهه الكريم

- ‌الذكر بـ:"الله.. الله

- ‌قراءة سورة الأنعام في الحرب

- ‌قراءة الفاتحة بعد الدعاء

- ‌طريقة صوفية

- ‌أذكار لرؤية الرسول

- ‌افتتاح المنتديات بالتهليل والتكبير

- ‌الذكر بـ (الله الله الله)

- ‌البدعة وحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة

- ‌هل مجالس الذكر من الذكر الجماعي

- ‌هل أجاز ابن تيمية الذكر الجماعي

- ‌حكم التهنئة بشهر رمضان

- ‌الاشتراك في جمعيات المآتم

- ‌البدع أشد أم المعاصي

- ‌إحداد الأقارب على ميتهم أربعين يوماً

- ‌شرب غسيل ملابس الميت

- ‌ما هي البدعة الحسنة

- ‌حمل الشعلة النارية في الافتتاح الرياضي

- ‌تبليغ السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مجالسة المبتدعة

- ‌أخذ الحكم الشرعي من المنامات

- ‌إطلاق البدعة على المسائل الاجتهادية

- ‌رؤية المهدي

- ‌المعجزات والكرامات

- ‌سماع الرسول السلام عند قبره

- ‌كشف الحجاب ورؤية الجان

- ‌إغاثة الأولياء بعد موتهم

- ‌مِنْ معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء

- ‌علم الأبراج

- ‌هل هذه كرامة أم خرافة

- ‌اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌كرامة المشي على الماء

- ‌رفع القرآن في آخر الزمان

- ‌الفتن والملاحم

- ‌نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان

- ‌الرايات السود في أحاديث الفتن

- ‌تكليم الرجل شراك نعاله

- ‌موقف المسلم من الفتن في هذا العصر

- ‌صحة حديث المهدي

- ‌(اللحيدي) وادعاء المهدوية

- ‌نزول عيسى بعد ظهور الدجال

- ‌مدة حصار العراق

- ‌ما وقع من علامات الساعة

- ‌تنزيل الأحاديث على الوقائع والأشخاص

- ‌إنكار خروج المهدي لضعف أحاديثه

- ‌علامات القيامة الكبرى

- ‌العلامات الصغرى للساعة

- ‌خسوف رمضان وظهور المهدي

- ‌هل ظهرت دلائل خروج المهدي

- ‌نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان

- ‌من هو ابن صياد

- ‌شبهات حول نزول المسيح آخر الزمان

- ‌أرواح الأموات هل تؤذي الأحياء

- ‌البعث وأحوال القبور

- ‌هل من سبيل لتخفيف العذاب عن الميت

- ‌إحياء بني إسرائيل بعد موتهم

- ‌معاملة الزميل الكافر

- ‌الحكم في العامي إذا تربّى على عقيدة فاسدة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌عقيدة ابن حجر والنووي

- ‌كمال الإيمان الواجب

- ‌حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم

- ‌القول بقدم العالم

- ‌الأصول الثلاثة وأدلتها

- ‌رد شبهة التناسخ

- ‌عقوبة المرتد…وحرية المعتقد

- ‌الرسالات السماوية والهنود الحمر

- ‌الدخول لمواقع اكترونية تسب الدين

- ‌الفرق بين الدين والاعتقاد

- ‌معنى العقيدة والدين

- ‌الشكوك الإيمانية

- ‌حقوق آل البيت

- ‌حكم القسم على الله

- ‌هل ينال الجنَّ عذابُ القبر

- ‌الفرق بين المسلم والمؤمن

- ‌حكم الرق في الإسلام

- ‌شبهة حول قتل المرتد

- ‌أهل الأهواء وأحكامهم

- ‌الشهادة على الكافر المعين بالنار

- ‌الأكل مع النصارى في أعيادهم

- ‌حمل الجن للأمانة مع الإنس

- ‌لماذا يتعذب الأطفال

- ‌سكرات الموت

- ‌ما الذي يفعله من أراد الدخول في الإسلام

- ‌من مات قبل أن تبلغه الدعوة

- ‌هل الإيمان في القلب دون الجوارح

- ‌علامات حسن الخاتمة

- ‌الانحناء في التدريب الرياضي

- ‌الوقوف للسلام الملكي

- ‌المناداة بـ (سيدي ومولاي)

- ‌الفرق بين الإسلام والإيمان

- ‌ما يجب تعلمه من العقيدة

- ‌نسخ الإسلام للأديان السابقة

- ‌الاستثناء في أصل الإيمان

- ‌شبه حول نزول الباري عز وجل

- ‌لماذا نعبد الله تعالى

- ‌أرواح الحيوانات بعد الموت إلى أين

- ‌رؤيا الأموات المذكورة في كتاب الروح

- ‌هل اليقين يزيد وينقص

- ‌الجمع بين حديث استغفار النبي لأمته، وإخباره بمنع بعضهم من ورود حوضه

- ‌هل بين هذه المصطلحات فروق: العقيدة، الإيمان، التوحيد

- ‌موت الفجأة وسكرات الموت

- ‌التعبيد لغير الله في الأسماء

- ‌هل أفعال البشر مخلوقة

- ‌إيقاد شعلة النار في المناسبات الرياضية

- ‌حكم من لم يبلغه الإسلام

- ‌قص الشريط عند افتتاح المشاريع والاحتفالات

- ‌الموتى كثرٌ فكيف يسألهم الملكان

- ‌الحكم على الكافر المعين بأنه من أهل النار

- ‌الفرق بين الموت والقتل

- ‌أثر التوحيد في وحدة المسلمين

- ‌الإيمان بعذاب القبر

- ‌ما هي شعب الإيمان السبعون

- ‌هل يدخل أبناء المسلمين الجنة، وأبناءُ الكفار النارَ

- ‌العاصي هل تقبض روحه ملائكة العذاب أم الرحمة

- ‌هل قال ابن تيمية بفناء النار

- ‌حساب من لم يبلغه الإسلام

- ‌وسوسة عقدية

- ‌علم الكشف عن أسرار الناس

- ‌حقيقة الروح

- ‌أين الله

- ‌هل الإيمان يزيد وينقص

- ‌تعليق المعصية بالمشيئة

- ‌التخلص من أوراق بها اسم الجلالة

- ‌هل يصح هذا العبارة: (عرفنا ربنا بالعقل)

- ‌متى خلقت الجنة والنار

- ‌ما الحكمة من خلق الكون

- ‌درجات أهل الإيمان في الجنة

- ‌هل الاستعانة بالمخلوق تقدح في الاستعانة بالله

- ‌تقسيم ابن تيمية للإيمان

- ‌ترجمة ما فيه بعض المخالفات الشرعية

- ‌مقولة: " بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الكمال البشري

- ‌ادعاء خلق آدم من أب وأم

- ‌الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر

- ‌الاستغفار للكافر وتوبته

- ‌الله غني عن عبادتنا.. فلماذا خلقنا

- ‌القول فيمن يعبد الله بالحب وحده

- ‌اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام ليلة الإسراء

- ‌هل كل ما في اللوح المحفوظ لا يتغيَّر

- ‌تعزية المسلم للكافر

- ‌إذا كان أحدنا لا يدخل الجنة بعمله؛ فلِمَ العمل

- ‌المقصود بالحنيفية

- ‌تعريض أسماء الله للامتهان

- ‌رؤية الملائكة

- ‌هل يغتسل المرتد لدخوله الإسلام

- ‌الفرق بين "الملة" وبين "الدين

- ‌لماذا يحتكر المسلمون الجنة

- ‌خطورة لعبة اليوغي

- ‌الديانات الإبراهيمية

- ‌هل ما فعله الخضر إلهام

- ‌الاحتجاج بالعهد المكي لتسويف بعض التكاليف

- ‌عبارة: أنا مؤمن إن شاء الله

- ‌هل في البيتين محذور

- ‌اعتقاد بعض الصوفية بحياة الرسول

- ‌أصول الفقه

- ‌هل ما تأنف منه النفس حرام

- ‌ الأحكام وأدلتها

- ‌العبادات.. وظني الثبوت

- ‌التذرع بالخلافات الفقهية

- ‌المقصود باقتضاء النهي للتحريم

- ‌من هو المكلف شرعاً

- ‌الفرق بين المطلق والعام

- ‌الجلوس بين الظل والشمس

- ‌التفريق بين مسائل العقيدة والفقه

- ‌البلوغ والتكاليف الشرعية

- ‌العبادات الواجبة والمسنونة

- ‌الحر والعبد أمام الأحكام الشرعية

- ‌التكاليف..والتخلف العقلي

- ‌الحد الشرعي والحكم القبلي

- ‌معنى عدم قبول صلاة شارب الخمر

- ‌المجاز في القرآن

- ‌يقين الحل لا يزول بشك الحرمه

- ‌إنكار أدلة القياس في التحريم

- ‌النسخ في القرآن الكريم

- ‌الأخذ بالكتاب والسنة دون فهم السلف

- ‌سنة الخلفاء الراشدين

- ‌صفة السلام على الجماعة

- ‌استخدام الواقي هل يدرأ حد الزنى

- ‌مضاعفة الذنب في زمان أو مكان

- ‌الفرق بين حجاب الحرة والأمة

- ‌التدرج في التقوى

- ‌الحكمة من قضاء الحائض الصيام دون الصلاة

- ‌العقل ونصوص الشريعة

- ‌الزندقة وتتبع الرخص

- ‌التكني بأبي القاسم

- ‌استخدام الميل الفضي

- ‌الحكمة من تحريم الأغاني والموسيقى

- ‌الاشتغال بالإعجاز العلمي في النصوص الشرعية

- ‌تأويل حديث: (القاتل والمقتول في النار)

- ‌هل يقع التعارض بين نصوص الكتاب والسنة

- ‌دلالة الاقتضاء والإيماء

- ‌حدود الله في (الطلاق- والمعاملات- والعبادات)

- ‌ما فائدة الإجماع مع ورود النص في المسألة

- ‌الفرق بين الحكمة والعلة

- ‌الفرق بين العاصي والفاسق والفاجر

- ‌أدلة مضاعفة دية الرجل لدية المرأة

- ‌عن حديث "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة

- ‌حجية القياس

- ‌(المصلحة: ضوابطها وتطبيقاتها

- ‌النقاب..وكشف الوجه

- ‌أصل العبادات والمعاملات

- ‌الأصل الشرعي لعقوبة السجن

- ‌الفرق بين قياس الشمول وقياس التمثيل

- ‌ثبوت الأحكام بفعل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المسكوت عنه في الشرع

- ‌متى يسوغ تأويل النص

- ‌الخروج عن المذاهب الأربعة

- ‌الاجتهاد والتقليد

- ‌الموقف من الأئمة المجتهدين

- ‌تقليد العامي لأحد الأئمة

- ‌هل يجب التزام مذهب معين

- ‌تقليد العامي لأحد المذاهب

- ‌التقليد عند اختلاف العلماء

- ‌التقليد وبراءة الذمة

- ‌أسباب اتباع كل بلد لإمام معين

- ‌الحق واحد أم متعدد

- ‌اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم

- ‌الاجتهاد في استنباط الأحكام من النصوص

- ‌التمذهب واتباع الدليل

- ‌التعارض بين النصوص الشرعية

- ‌التعارض والترجيح

- ‌احترنا بين أقوال العلماء

- ‌الجمع بين البراءة من النصارى والزواج بنسائهم

- ‌استبدال الكفارات بالأدعية

- ‌الجمع بين إيجاب حد الردة وآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ

- ‌كيف نجمع بين هذين النصين

- ‌أقل الجمع

- ‌هل اختلاف الأمة رحمة

- ‌هل هناك إجماع يعارض نصاً

- ‌الطعن في فتاوى كبار العلماء

- ‌الفتوى والإفتاء

- ‌متى استفتى

- ‌أخذ الأجرة على الفتوى

- ‌جرأة غير المختصين على الفتوى

- ‌الأجرة مقابل الفتوى

- ‌شروط المفتي

- ‌الأصوب في منهج الإفتاء

- ‌بفتوى مَن نأخذ

- ‌الموقف عند اختلاف الفتوى

- ‌هل في التيسير جناية على الشريعة

- ‌إذا لم يجد المستفتي إلا مفتياً فاسقاً

- ‌درجات المفتين في الاجتهاد

- ‌المشاركة في الانتخابات في الغرب

- ‌السياسة الشرعية

- ‌التأريخ بالهجرة والميلاد

- ‌بين بيعتي العقبة والرضوان

- ‌هل الربا أعظم من الزنى

- ‌هل تقتضي الشورى المحاسبة

الفصل: ‌الاحتجاج بالعهد المكي لتسويف بعض التكاليف

‌الاحتجاج بالعهد المكي لتسويف بعض التكاليف

!

المجيب د. محمد بن عبد الله الخضيري

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة

التاريخ 22/04/1427هـ

السؤال

كيف السبيل إلى معرفة الله عز وجل؟ لأنني سمعت أنه على المسلم أن يعرف الله أولاً، ثم ينتقل بعد ذلك إلى تطبيق شرع الله، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يهتم في العهد المكي بتعليم الصحابة الصيام والعبادات! ولكنه كان يركز على معرفة الله، فكيف نربي أنفسنا كما ربى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحابة؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:

ثبت في الصحيحن من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه، كما تُنْتَجُ البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟ ". ثم يقول أبو هريرة رضي الله عنه: (فطرة الله التي فطر الناس عليها) صحيح البخاري (1358) ، وصحيح مسلم (2658) .

وهذه الفطرة هي الإسلام، وهذا الحديث صريح في أن كل مولود يولد مسلماً، فإذا كان أبواه غير مسلمين، فإن أطاعهما فيما يدعوانه إليه من يهودية، أو نصرانية، أو مجوسية، خرج عن الفطرة إلى ما يدعوانه إليه ويربيانه عليه، وإن هداه الله إلى الإسلام فهو مسلم، باقٍ على الفطرة التي فطره الله عليها.

إذا عرفت هذا فاعلم أن الإنسان يولد مسلماً، ثم إذا وصل إلى السن التي يكون فيها مخاطباً شرعاً فإن أسلم بلسانه وقلبه وجوارحه، -لله تعالى- فهو مسلم، وإن اختار غير ذلك فهو على ما اختار.

ص: 406

لكن لا بدّ أن يُعلم أن الفطرة لا تكفي وحدها لهداية الناس، فالشريعة مكملة للفطرة، ومفصلة للأحكام التي لا تستقل الفطرة بإثباتها، فمثل الفطرة مع الشريعة، كمثل العين مع النور، فإن العين إذا غاب النور عنها لم تبصر شيئاً، وكذلك الفطرة إذا غابت عنها الشريعة المنزلة!

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فالفطرة مُكَمَّلَةٌ بالشريعة المنزلة، فإن الفطرة تعلم الأمر مجملاً، والشريعة تفصله وتبينه، وتشهد بما لا تستقل الفطرة به) . [مجموع الفتاوى (4/45) ] . انتهى

ويقول أيضاً: (فإن الله فطر عباده على الحق، والرسل بعثوا بتكميل الفطرة وتقريرها، لا بتحويل الفطرة وتغييرها) . [مجموع الفتاوى (5/260) ] . ووجود الله تعالى ثابت ومستقر بدلالة الكتاب، والسنة، والإجماع، ودلالة العقل، والفطرة، والحس.

فإذا تقرر لك هذا جلياً، أَنتقِلُ إلى الجانب الآخر من السؤال، فأقول:

اعلم -رعاك الله- أنه ليس هناك مرحلة معرفة دون عمل، ثم مرحلة عمل، فمن معرفة الله وقدره حق قدره أن تعبده، وأن تجتهد لما خُلقت له "وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" [الذاريات: 56] .

أما القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يهتم بالعبادة في أول الإسلام، فهذا غير صحيح، فشريعة الله عز وجل كانت تتنزل شيئا فشيئا، ففرضت الصلاة، ثم الصيام، والزكاة، والحج، والحدود. قال تعالى:"وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً"[الإسراء: 106] ، حتى اكتملت الشريعة، فأنزل الله عز وجل:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً"[المائدة:3] . فالشريعة كملت، والمسلم مأمور بها كلها بعد ذلك.

ص: 407

أوضح لك أكثر، فأقول: اعلم -أرشدك الله لطاعته– أن الرسول صلى الله عليه وسلم مكث في مكة ثلاث عشرة سنة، وكما هو معلوم لم يفرض صيام رمضان في مكة، وإنما فرض بعد الهجرة.

فالرسول صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة بعد الهجرة إذا أتاه أحد وأسلم. هل يقول له: لا تصم رمضان ثلاث عشرة سنة ثم بعد ذلك صم؟!.

لا شك أنه لا يقول له ذلك، وإنما يأمره بشرائع الإسلام كلها، ومنها الصيام. وقل مثل هذا الكلام في بقية شعائر الدين.

فالله عز وجل أنزل القرآن في ثلاث وعشرين سنة، يأمر بأوامر، وينهى عن نواهي، ويشرع، وينسخ، ويفعل الله ما يشاء، حتى إذ اكتملت الرسالة قال:"الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُم دِينَكُم وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلَامَ دِيناً".

فلا يأتينّ قائل ويقول في مكة: لم يشرع صيام رمضان، ولا حرم الخمر، ولا شرع الحج والزكاة، إلى آخر ذلك

ويهدم بذلك الإسلام.

فأحكام الفترة المكية التي نسخها الله بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، لا يجوز للمسلم أن يعمل بها؛ لأنها بعد نسخها لم تعد أحكاماً شرعية، فمن عمل بها وترك العمل بما نسخها كان فيه شبه بمن عمل بدين منسوخ، وأعرض عن دين الإسلام الذي نسخ ما سواه من الأديان، كما أن هذا يفتح الباب لترك كل الأحكام التي شرعت في المرحلة المدنية، ولا شك أن ذلك هدم للإسلام وتغيير لأحكامه، فليحذر المسلم من هذا.

وفي قول السائل –وفقه الله– كيف يمكن أن يربي الواحد منا نفسه على العبادات؟ فأختصر الكلام حول هذه القضية فأقول إن للمسلم أعداء يمنعونه من الطاعات، وهم:

أولاً: نفسه التي بين جنبيه، قال تعالى:"إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ"[يوسف:53] .

ص: 408

والسلاح في دفع هذا العدو، هو: جهاده وكبح جماحه، قال الله تعالى:"وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى"[النازعات:40-41] .

وقال الله تعالى: "وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ"[العنكبوت:69] .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله". رواه أحمد (22840) ، وغيره.

ثانياً: الجهل، وأخطره الجهل بالله تعالى، وعظيم رحمته، وشدة عذابه ونقمته، والجهل بحقيقة الدنيا، وأنها دار زيف وزوال، والآخرة وأنها دار نعيم مقيم، أو عذاب أليم، والسلاح الذي يدفع به هذا العدو، هو: العلم.

ثالثاً: الشيطان، قال الله تعالى:"إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ"[فاطر:6] .

والسلاح الذي يدفع به هذا العدو، هو: الذكر، والاعتصام بحبل الله تعالى، والاستعاذة به من كيد الشيطان، وقد بين الله لنا ضعف كيد الشيطان، فقال الله تعالى:"إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً"[النساء:76] .

رابعاً: الدنيا، وعلاجها: الزهد فيها، والإقبال على الآخرة.

خامساً: رفقة السوء، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل". رواه أحمد (7685) وأبو داود (4833) وغيرهما.

وأختم فأقول –رعاك الله– ملاك الأمر؛ في مجاهدة النفس على طاعة الله، وتذكر دائماً وأبداً ما أعده الله لأوليائه المؤمنين في دار كرامته، كذلك تذكر ما أعده الله للعصاة في دار الهوان والخزي والندامة –وقانا الله عذاب جهنم-.

ولا بدّ للسالك في هذا الدين أن يتحلى بالجدية في التمسك بهذا الدين، قال تعالى:"يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً"[مريم:12] .

ص: 409

وقال تعالى: "وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ"[الأعراف:145] .

روى مسلم (145) عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بدأ الإسلام غريبًا وسيعود كما بدأ غريبًا فطوبى للغرباء".

وهذه بشارة من النبي صلى الله عليه وسلم للغرباء في وقت الغربة، فإنهم يشبهون في تمسكهم بالإسلام السابقين من الصحابة، الذين ثبتوا على الدين في غربته الأولى.

ولقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بصفات هؤلاء الغرباء فقال: "بدأ الإسلام غريبًا، ثم يعود غريبًا كما بدأ، فطوبى للغرباء". قيل: يا رسول الله! ومن الغرباء؟ قال: "الذين يصلحون إذا فسد الناس". رواه أحمد (6094) وصححه الألباني.

نسأل الله أن يجعلنا هداةً متقين، صالحين مصلحين. والله أعلم.

ص: 410