الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل ما فعله الخضر إلهام
؟!
المجيب خالد بن عبد العزيز السيف
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 20/03/1427هـ
السؤال
ما حكم من استدل على قصة الخضر في قتل الغلام بأن هذا من الإلهام، ويجوز أن يكون في أي عصر؟
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقصة الخضر مع موسى عليه السلام جاءت في القرآن، وجاءت أيضاً مفصلة أكثر في السنة، كما عند البخاري ومسلم وغيرهما، وسبب لقاء موسى بالخضر -كما جاء في الصحيحين- أن موسى عليه السلام قام خطيبا في بني إسرائيل، فسئل: أي الناس أعلم؟ فقال: أنا أعلم. قال: فعتب الله عليه؛ إذ لم يرد العلم إليه، فأوحى الله إليه أن عبدا من عبادي بمجمع البحرين هو أعلم منك، فسأل موسى ربه: كيف له به، فدله عليه.
وفي الحديث أيضاً أن الخضر قال لموسى لما التقيا: "إنك على علم من علم الله علمكه الله لا أعلمه، وأنا على علم من علم الله علمنيه لا تعلمه".
أي كل منهما عنده من العلم ما ليس عند الآخر وكله من علم الله، وقال الخضر في نفس الحديث لما وقع عصفور على حرف السفينة ونقر في البحر، قال:"ما نقص علمي وعلمك من علم الله إلا مثل ما نقص هذا العصفور من البحر" صحيح البخاري (3401) ، وصحيح مسلم (2380) .
وفي تفسير قصة الخضر -كما جاءت مفصلة في الصحيحين- أن الخضر كان على علم علمه الله إياه، كما قال تعالى:"فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً"[الكهف:65] وهذا العلم لا يعلمه موسى، ولذلك أنكر على الخضر في كثير من الأعمال التي عملها، ولذلك قال الخضر لموسى:"وكيف تصبر على ما لم تحط به خبرا"[الكهف:68] .
فما فعله الخضر -سواء من قتل الغلام أو غيره مما ذكر في القصة- كان من العلم الذي علمه الله إياه، ولم يكن تصرفاً مجرداً، وقتل الخضر للغلام إنما كان بأمر الله، وهو قتله دفاعاً لصولته على أبويه في الدين، كما قال تعالى في نفس السياق:"فخشينا أن يرهقهما طغياناً وكفراً "[الكهف:80] والصبي لو صال على مسلم في بدنه أو ماله ولم يندفع عن المسلم إلا بالقتل جاز قتله، بل الصبي إذا قاتل المسلمين قُتِل، ولكن من أين يُعلم أن هذا الصبي سيصول على أبويه يفتنهما في دينهما؟ فهذا من الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، وهو العلم الذي علمه الله للخضر، ولذلك قال ابن عباس –رضي الله عنهما لنجدة الخارجي لما استفتاه في قتل الغلمان قال:"إن علمت منهم ما علم الخضر من ذلك الغلام فاقتلهم وإلا فلا".
أما موضوع الإلهام فالإلهام كلمة فضفاضة يدخل فيها كثير من المعاني الصحيحة والفاسدة، مع العلم أن الإلهام قد يكون في الخير وقد يكون في الشر أيضاً، كما في قوله تعالى:"فألهمها فجورها وتقواها"[الشمس:8] .
والإلهام على فرض حصوله فهو يقع بغير حجة ولا استدلال ولا نظر وهو ليس بحجة إطلاقاً، كما يدعيه بعض المتصوفة، وليس لهذا الادعاء أي أساس لا من عقل ولا من نقل، بل هو ادعاء يناقضه الدليل العقلي والنقلي، وعلى هذا لا يمكن أن يدعي أي إنسان -بعد انقطاع الوحي- أن أعماله تقع من باب الإلهام، فقد تكون من حديث النفس أو قد تكون من شهوة النفس أيضاً، وقد تكون وساوس شيطانية، فالإلهام ليس مصدراً لتقييم صواب العمل من خطئه، فالاتصال بين الله والبشر انقطع بموت النبي صلى الله عليه وسلم وليس لأحد أن يدعي أي نوع من الاتصال سواء سُمي وحياً أو إلقاء في الروع أو إلهاماً أو كشف الحجاب أو غيرها من الأسماء التي تزعم اختصاص بعض النفوس بشيء من العلم اللدني دون بقية الناس.
والاستدلال بقتل الغلام في قصة الخضر على أن هذا من الإلهام، وأنه يجوز أن يكون في كل عصر قول بعيد عن الصواب لما تقرر. والله أعلم.