الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ما الحكمة من خلق الكون
؟
المجيب د. محمد بن إبراهيم دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
العقائد والمذاهب الفكرية/مسائل متفرقة
التاريخ 28/08/1425هـ
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السؤال غريب نوعاً ما، ولكن لا حياء في الدين، ومن حبي لخالقي -سبحانه- تجرأت لكي يطمئن قلبي، السؤال: ما حاجة الله سبحانه وتعالى في أن يخلق الكون؟ ولماذا المسابقة التي نحن نعيشها وهو الله القادر على كل شيء، إنس وجن وعبادة، ثم حساب وثواب أو عقاب؟ ما حكمته سبحانه من هذا كله؟. وشكرًا لكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
يُولد الإنسان مفطورًا على جملة تساؤلات: من أنا؟ وكيف جئت؟ وإلى أين المصير؟ ولماذا أبدع الله كل هذا؟ ، وتظل تلك التساؤلات تجول في النفس، إلَاّ أن يسترها الإلف وتطمسها التقاليد والعادات، أما السؤال: كيف؟ فالسبيل لمعرفة جوابه وبلوغ الاطمئنان هو التطلع والنظر بتجرد إلى المخلوقات، ذلك هو طريق العلم وبه يَسْلَم الإنسان من الأوهام والخرافات، وأما السؤال: لماذا؟ وكل ما يتعلق بالخالق فلا سبيل لمعرفة جوابه بيقين، سوى الوحي الصادق المؤيد بالبينة، أما الاجتهاد المجرد فلا يسلم من الزلل ولا يصلح كدليل، فقد أدى التسليم بالمعتقد بمجرد الادعاء إلى الخلط بين صفات الخالق والمخلوق، فشاعت في تاريخ البشرية المنحوتات، وعُبدت خلائق كالأبقار وأجرام السماوات، وجُعل الخالق بشراً يأكل ويشرب ويمشي في الأسواق.
وعندما تعتمل إذن في نفسك التساؤلات فابتهج؛ لأنها علامة على أنك حي مطلبك الدليل لم يأسرك التقليد، فلم تنلك الضلالات التي أصابت الكثير من أدعياء الفطنة، وتحقيق الاطمئنان وراحة البال مضمون على ألا تغفل عن معالم الطريق واتباع قواعد السير منذ البَدء وعمادها التمييز بين صفات الخالق والمخلوق، أما الدليل العلمي القائم على التطلع إلى المخلوقات فهو ينصر القرآن، ويقدم البينة على أنه الوحي المحفوظ بلا اختلاف في المحتوى أو تحريف في المضمون أو التقيد بزمن أو بيئة المكلفين، ولا يوجد اليوم أي كتاب يُنسب للوحي يداني القرآن في سلامة المحتوى وأصالة المضمون وفطرية التشريع والتطابق التام مع مفاخر العلم، ذلك هو مرجعك الوثيق في كل أمر، ولك أن تدعه يجيبك عن كل ما يحيرك وأنت واثق مطمئن.
والتساؤل: لماذا خلق الله العالم والإنسان؟ ، أو وفق تعبير القرآن: لماذا (خَلَق السّمَاوَاتِ وَالأرْضَ) ؟ و (خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) ؟ ، جوابه واحد، وهو كما يقول العلي القدير:(لِيَبْلُوَكُمْ أَيّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً)[هود 7 والملك 2] ، فالعالم ليس إلا ساحة النظر والتأمل والاستدلال وتجليات القدرة الطليقة والمشيئة النافذة أمام ذوي الأبصار، وللسيد أن يتفضل ويبين لعبده قبل أن يسأل: كيف؟ ، ولكن هل يملك العبد أن يراجع سيده الحر المشيئة ويسأل: لماذا؟؛ في الحقيقة لا يملك العبد سوى طاعة من يملك الأمر، فما بالك بمن يملك السماوات والأرض وهو على كل شيء قدير! ، يقول العلي القدير:(لَا يُسْأَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء:23] ، وفي بيان الوظيفة التي قامت من أجلها السماوات العامرة بالساجدين المستورين، والأرض الزاخرة بدعوة المرسلين يقول تعالى:(وَمَا خَلَقْتُ الْجِنّ وَالإِنسَ إِلاّ لِيَعْبُدُونِ. مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مّن رّزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ)[الذاريات:56-57] ، وبهذا يعفيك القرآن من التشاغل عن التوجه لمن خضع لمشيئته كل شيء، والمستحق وحده الحمد، يقول سبحانه:(ذَلِكُمُ اللهُ رَبّكُمْ لآ إِلََهَ إِلاّ هُوَ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)[الأنعام 102] . والله تعالى أعلم.