المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌هل يقع التعارض بين نصوص الكتاب والسنة - فتاوى واستشارات الإسلام اليوم - جـ ٤

[مجموعة من المؤلفين]

فهرس الكتاب

- ‌الاحتفال والتهنئة في أعياد الميلاد

- ‌الاحتفال بالموالد

- ‌هدايا الشركات بمناسبة رأس السنة

- ‌تخصيص ليلة النصف من شعبان بعبادة

- ‌الاذكار الجماعية بعد الفريضة

- ‌ذبح الثيران عند تأخر المطر

- ‌صيام يوم الميلاد

- ‌عادة مرتبطة بتقاليد شعبية في شعبان

- ‌قراءة سور مخصوصة قبل صلاة الجمعة

- ‌عيد الكريسماس

- ‌الاحتفال بيومين من يناير (الناير)

- ‌الاحتفال بعيد الحب

- ‌هدايا يوم الميلاد

- ‌فتوى الشيخ محمد العثيمين في عيد الحب

- ‌التعلق بأستار الكعبة

- ‌الاحتفال بيوم المعلم

- ‌اقتناء المجسمات لغرض فني

- ‌زيارة الآثار المبنية على القبور

- ‌عيد الشكر

- ‌السجود من أجل الدعاء

- ‌الصيام طوال أيام الحرب

- ‌الصلاة النارية

- ‌حكم التسبيح بالسبحة

- ‌الدعاء الجماعي بعد الصلاة

- ‌الاغتسال بالماء والسدر

- ‌تخصيص صيام يوم وقيامه لنصرة فلسطين

- ‌العمرة عن الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌وضع جدول للنوافل

- ‌توحيد الصيام والدعاء للعراق

- ‌دقيقة الصمت

- ‌يقيمون الليل جماعةً كل ليلة سبت

- ‌أذكار عبر الجوال

- ‌ركعتي الشكر

- ‌إهداء الأعمال الصالحة للنبي صلى الله عليه وسلم

- ‌التعبد بتلاوة أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم

- ‌قراءة آيات بعدد معين

- ‌تخصيص بعض الليالي ببعض الطاعات

- ‌شبهة في تشريع البدعة

- ‌البدعة الحسنة

- ‌هل هذه الطريقة مشروعة في صلاة النوافل

- ‌قول (حرماً) ، و (تقبّل الله) بعد الصلوات

- ‌طلب الدعاء عبر رسائل الجوال

- ‌دعاء سورة "يس

- ‌هذه الرسالة كذب وضلال

- ‌الأذكار عبر الجوال

- ‌تخصيص يوم للدعاء للمجاهدين

- ‌العلماء الذين صنفوا البدع

- ‌ختم الدعاء بالفاتحة

- ‌دعاء رد الضالة

- ‌الدعاء (اللهم ارحمنا بأسرار الفاتحة)

- ‌الدعاء الجماعي

- ‌دعاء العزاء في المسجد

- ‌الدعاء بجاه الله

- ‌سؤال الله بجاهه الكريم

- ‌الذكر بـ:"الله.. الله

- ‌قراءة سورة الأنعام في الحرب

- ‌قراءة الفاتحة بعد الدعاء

- ‌طريقة صوفية

- ‌أذكار لرؤية الرسول

- ‌افتتاح المنتديات بالتهليل والتكبير

- ‌الذكر بـ (الله الله الله)

- ‌البدعة وحديث "من سن في الإسلام سنة حسنة

- ‌هل مجالس الذكر من الذكر الجماعي

- ‌هل أجاز ابن تيمية الذكر الجماعي

- ‌حكم التهنئة بشهر رمضان

- ‌الاشتراك في جمعيات المآتم

- ‌البدع أشد أم المعاصي

- ‌إحداد الأقارب على ميتهم أربعين يوماً

- ‌شرب غسيل ملابس الميت

- ‌ما هي البدعة الحسنة

- ‌حمل الشعلة النارية في الافتتاح الرياضي

- ‌تبليغ السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

- ‌مجالسة المبتدعة

- ‌أخذ الحكم الشرعي من المنامات

- ‌إطلاق البدعة على المسائل الاجتهادية

- ‌رؤية المهدي

- ‌المعجزات والكرامات

- ‌سماع الرسول السلام عند قبره

- ‌كشف الحجاب ورؤية الجان

- ‌إغاثة الأولياء بعد موتهم

- ‌مِنْ معجزات النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌بين كرامات الأولياء ومعجزات الأنبياء

- ‌علم الأبراج

- ‌هل هذه كرامة أم خرافة

- ‌اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه

- ‌كرامة المشي على الماء

- ‌رفع القرآن في آخر الزمان

- ‌الفتن والملاحم

- ‌نزول عيسى عليه السلام آخر الزمان

- ‌الرايات السود في أحاديث الفتن

- ‌تكليم الرجل شراك نعاله

- ‌موقف المسلم من الفتن في هذا العصر

- ‌صحة حديث المهدي

- ‌(اللحيدي) وادعاء المهدوية

- ‌نزول عيسى بعد ظهور الدجال

- ‌مدة حصار العراق

- ‌ما وقع من علامات الساعة

- ‌تنزيل الأحاديث على الوقائع والأشخاص

- ‌إنكار خروج المهدي لضعف أحاديثه

- ‌علامات القيامة الكبرى

- ‌العلامات الصغرى للساعة

- ‌خسوف رمضان وظهور المهدي

- ‌هل ظهرت دلائل خروج المهدي

- ‌نزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان

- ‌من هو ابن صياد

- ‌شبهات حول نزول المسيح آخر الزمان

- ‌أرواح الأموات هل تؤذي الأحياء

- ‌البعث وأحوال القبور

- ‌هل من سبيل لتخفيف العذاب عن الميت

- ‌إحياء بني إسرائيل بعد موتهم

- ‌معاملة الزميل الكافر

- ‌الحكم في العامي إذا تربّى على عقيدة فاسدة

- ‌مسائل متفرقة

- ‌عقيدة ابن حجر والنووي

- ‌كمال الإيمان الواجب

- ‌حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم

- ‌القول بقدم العالم

- ‌الأصول الثلاثة وأدلتها

- ‌رد شبهة التناسخ

- ‌عقوبة المرتد…وحرية المعتقد

- ‌الرسالات السماوية والهنود الحمر

- ‌الدخول لمواقع اكترونية تسب الدين

- ‌الفرق بين الدين والاعتقاد

- ‌معنى العقيدة والدين

- ‌الشكوك الإيمانية

- ‌حقوق آل البيت

- ‌حكم القسم على الله

- ‌هل ينال الجنَّ عذابُ القبر

- ‌الفرق بين المسلم والمؤمن

- ‌حكم الرق في الإسلام

- ‌شبهة حول قتل المرتد

- ‌أهل الأهواء وأحكامهم

- ‌الشهادة على الكافر المعين بالنار

- ‌الأكل مع النصارى في أعيادهم

- ‌حمل الجن للأمانة مع الإنس

- ‌لماذا يتعذب الأطفال

- ‌سكرات الموت

- ‌ما الذي يفعله من أراد الدخول في الإسلام

- ‌من مات قبل أن تبلغه الدعوة

- ‌هل الإيمان في القلب دون الجوارح

- ‌علامات حسن الخاتمة

- ‌الانحناء في التدريب الرياضي

- ‌الوقوف للسلام الملكي

- ‌المناداة بـ (سيدي ومولاي)

- ‌الفرق بين الإسلام والإيمان

- ‌ما يجب تعلمه من العقيدة

- ‌نسخ الإسلام للأديان السابقة

- ‌الاستثناء في أصل الإيمان

- ‌شبه حول نزول الباري عز وجل

- ‌لماذا نعبد الله تعالى

- ‌أرواح الحيوانات بعد الموت إلى أين

- ‌رؤيا الأموات المذكورة في كتاب الروح

- ‌هل اليقين يزيد وينقص

- ‌الجمع بين حديث استغفار النبي لأمته، وإخباره بمنع بعضهم من ورود حوضه

- ‌هل بين هذه المصطلحات فروق: العقيدة، الإيمان، التوحيد

- ‌موت الفجأة وسكرات الموت

- ‌التعبيد لغير الله في الأسماء

- ‌هل أفعال البشر مخلوقة

- ‌إيقاد شعلة النار في المناسبات الرياضية

- ‌حكم من لم يبلغه الإسلام

- ‌قص الشريط عند افتتاح المشاريع والاحتفالات

- ‌الموتى كثرٌ فكيف يسألهم الملكان

- ‌الحكم على الكافر المعين بأنه من أهل النار

- ‌الفرق بين الموت والقتل

- ‌أثر التوحيد في وحدة المسلمين

- ‌الإيمان بعذاب القبر

- ‌ما هي شعب الإيمان السبعون

- ‌هل يدخل أبناء المسلمين الجنة، وأبناءُ الكفار النارَ

- ‌العاصي هل تقبض روحه ملائكة العذاب أم الرحمة

- ‌هل قال ابن تيمية بفناء النار

- ‌حساب من لم يبلغه الإسلام

- ‌وسوسة عقدية

- ‌علم الكشف عن أسرار الناس

- ‌حقيقة الروح

- ‌أين الله

- ‌هل الإيمان يزيد وينقص

- ‌تعليق المعصية بالمشيئة

- ‌التخلص من أوراق بها اسم الجلالة

- ‌هل يصح هذا العبارة: (عرفنا ربنا بالعقل)

- ‌متى خلقت الجنة والنار

- ‌ما الحكمة من خلق الكون

- ‌درجات أهل الإيمان في الجنة

- ‌هل الاستعانة بالمخلوق تقدح في الاستعانة بالله

- ‌تقسيم ابن تيمية للإيمان

- ‌ترجمة ما فيه بعض المخالفات الشرعية

- ‌مقولة: " بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم الكمال البشري

- ‌ادعاء خلق آدم من أب وأم

- ‌الفرق بين عذاب القبر وفتنة القبر

- ‌الاستغفار للكافر وتوبته

- ‌الله غني عن عبادتنا.. فلماذا خلقنا

- ‌القول فيمن يعبد الله بالحب وحده

- ‌اجتماع النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء عليهم السلام ليلة الإسراء

- ‌هل كل ما في اللوح المحفوظ لا يتغيَّر

- ‌تعزية المسلم للكافر

- ‌إذا كان أحدنا لا يدخل الجنة بعمله؛ فلِمَ العمل

- ‌المقصود بالحنيفية

- ‌تعريض أسماء الله للامتهان

- ‌رؤية الملائكة

- ‌هل يغتسل المرتد لدخوله الإسلام

- ‌الفرق بين "الملة" وبين "الدين

- ‌لماذا يحتكر المسلمون الجنة

- ‌خطورة لعبة اليوغي

- ‌الديانات الإبراهيمية

- ‌هل ما فعله الخضر إلهام

- ‌الاحتجاج بالعهد المكي لتسويف بعض التكاليف

- ‌عبارة: أنا مؤمن إن شاء الله

- ‌هل في البيتين محذور

- ‌اعتقاد بعض الصوفية بحياة الرسول

- ‌أصول الفقه

- ‌هل ما تأنف منه النفس حرام

- ‌ الأحكام وأدلتها

- ‌العبادات.. وظني الثبوت

- ‌التذرع بالخلافات الفقهية

- ‌المقصود باقتضاء النهي للتحريم

- ‌من هو المكلف شرعاً

- ‌الفرق بين المطلق والعام

- ‌الجلوس بين الظل والشمس

- ‌التفريق بين مسائل العقيدة والفقه

- ‌البلوغ والتكاليف الشرعية

- ‌العبادات الواجبة والمسنونة

- ‌الحر والعبد أمام الأحكام الشرعية

- ‌التكاليف..والتخلف العقلي

- ‌الحد الشرعي والحكم القبلي

- ‌معنى عدم قبول صلاة شارب الخمر

- ‌المجاز في القرآن

- ‌يقين الحل لا يزول بشك الحرمه

- ‌إنكار أدلة القياس في التحريم

- ‌النسخ في القرآن الكريم

- ‌الأخذ بالكتاب والسنة دون فهم السلف

- ‌سنة الخلفاء الراشدين

- ‌صفة السلام على الجماعة

- ‌استخدام الواقي هل يدرأ حد الزنى

- ‌مضاعفة الذنب في زمان أو مكان

- ‌الفرق بين حجاب الحرة والأمة

- ‌التدرج في التقوى

- ‌الحكمة من قضاء الحائض الصيام دون الصلاة

- ‌العقل ونصوص الشريعة

- ‌الزندقة وتتبع الرخص

- ‌التكني بأبي القاسم

- ‌استخدام الميل الفضي

- ‌الحكمة من تحريم الأغاني والموسيقى

- ‌الاشتغال بالإعجاز العلمي في النصوص الشرعية

- ‌تأويل حديث: (القاتل والمقتول في النار)

- ‌هل يقع التعارض بين نصوص الكتاب والسنة

- ‌دلالة الاقتضاء والإيماء

- ‌حدود الله في (الطلاق- والمعاملات- والعبادات)

- ‌ما فائدة الإجماع مع ورود النص في المسألة

- ‌الفرق بين الحكمة والعلة

- ‌الفرق بين العاصي والفاسق والفاجر

- ‌أدلة مضاعفة دية الرجل لدية المرأة

- ‌عن حديث "لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة

- ‌حجية القياس

- ‌(المصلحة: ضوابطها وتطبيقاتها

- ‌النقاب..وكشف الوجه

- ‌أصل العبادات والمعاملات

- ‌الأصل الشرعي لعقوبة السجن

- ‌الفرق بين قياس الشمول وقياس التمثيل

- ‌ثبوت الأحكام بفعل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌المسكوت عنه في الشرع

- ‌متى يسوغ تأويل النص

- ‌الخروج عن المذاهب الأربعة

- ‌الاجتهاد والتقليد

- ‌الموقف من الأئمة المجتهدين

- ‌تقليد العامي لأحد الأئمة

- ‌هل يجب التزام مذهب معين

- ‌تقليد العامي لأحد المذاهب

- ‌التقليد عند اختلاف العلماء

- ‌التقليد وبراءة الذمة

- ‌أسباب اتباع كل بلد لإمام معين

- ‌الحق واحد أم متعدد

- ‌اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم واختلافهم

- ‌الاجتهاد في استنباط الأحكام من النصوص

- ‌التمذهب واتباع الدليل

- ‌التعارض بين النصوص الشرعية

- ‌التعارض والترجيح

- ‌احترنا بين أقوال العلماء

- ‌الجمع بين البراءة من النصارى والزواج بنسائهم

- ‌استبدال الكفارات بالأدعية

- ‌الجمع بين إيجاب حد الردة وآية "لا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ

- ‌كيف نجمع بين هذين النصين

- ‌أقل الجمع

- ‌هل اختلاف الأمة رحمة

- ‌هل هناك إجماع يعارض نصاً

- ‌الطعن في فتاوى كبار العلماء

- ‌الفتوى والإفتاء

- ‌متى استفتى

- ‌أخذ الأجرة على الفتوى

- ‌جرأة غير المختصين على الفتوى

- ‌الأجرة مقابل الفتوى

- ‌شروط المفتي

- ‌الأصوب في منهج الإفتاء

- ‌بفتوى مَن نأخذ

- ‌الموقف عند اختلاف الفتوى

- ‌هل في التيسير جناية على الشريعة

- ‌إذا لم يجد المستفتي إلا مفتياً فاسقاً

- ‌درجات المفتين في الاجتهاد

- ‌المشاركة في الانتخابات في الغرب

- ‌السياسة الشرعية

- ‌التأريخ بالهجرة والميلاد

- ‌بين بيعتي العقبة والرضوان

- ‌هل الربا أعظم من الزنى

- ‌هل تقتضي الشورى المحاسبة

الفصل: ‌هل يقع التعارض بين نصوص الكتاب والسنة

‌هل يقع التعارض بين نصوص الكتاب والسنة

؟

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ 7/10/1424هـ

السؤال

السلام عليكم.

هل يمكن أن يعارض حديث صحيح القرآن الكريم؟ هل يمكن أن ينسخ حديث صحيح حكماً من أحكام القرآن، أو يضيف حكماً إضافياً لحكم ثابت بالقرآن؟ أرجو التوضيح بأمثلة على كل مسألة، وجزاكم الله خيراً.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

أولاً: يقول الله سبحانه وتعالى:"ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً"[النساء: 82] ، وانطلاقاً من هذه الآية الكريمة ومثيلاتها فإن النصوص الشرعية-من الكتاب والسنة- يصدق بعضها بعضاً، ويؤكد بعضها ما يدل عليه البعض الآخر. ونتيجةً لهذا الترابط بين الأدلة الشرعية فإنه لا يمكن ولا يتصور أن يقع تعارض حقيقي بين دلالات النصوص الشرعية، بحيث يدل بعضها على حكم وبعضها الآخر على حكم مخالف للحكم الأول، بحيث لا يمكن الجمع بينهما.

وقد يقول قائل: كيف يقرر هذا الأمر ونحن نجد كثيراً من الأدلة الشرعية حكم العلماء بوقوع التعارض بينها، ومصداقاً لذلك فإنهم وضعوا القواعد والضوابط التي يجب أن يراعيها الإنسان عندما يعرض له دليلان متعارضان كل منهما يدل على خلاف ما يدل عليه الآخر؟ وهذا يدل على وقوع التعارض بين الأدلة الشرعية. فيقال: إن التعارض بين الأدلة الشرعية ليس واقعاً في نفس الأمر وحقيقته؛ لأن الأدلة الشرعية منزَّهة عن الاضطراب والخلل؛ لأنها منزلة من أحكم الحاكمين الذي خلق فأحسن ما خلق وشرع فأحكم ما شرع، وإنما هو في نظر الإنسان فقط، نتيجةً لقصور فهمه، ويؤيد هذا أنه قد يتعارض عند إنسان أدلةٌ لا تتعارض عند غيره، مما يدل على أن هذا التعارض ليس في حقيقة الأمر. ومن خلال ما سبق يتبين أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان صحيحان أبداً سواءٌ أكانا من الكتاب أو من السنة أو منهما، ولكن إذا عرض للإنسان دليلان يظهر أنهما متعارضان، فإن الواجب عليه أن يسلك طرق دفع التعارض ورفعه التي قررها أهل العلم، وهي:

(1)

الجمع بينهما، وهو أول الطرق وأولاها؛ لأن الجمع بين الدليلين فيه عمل بكلا الدليلين، وهو المتعين عند القدرة عليه، قال الخطيب البغدادي في كتاب الفقيه والمتفقه (المجلد الثاني 222-223) :(ما من نصين صحيحين متخالفين إلا ويمكن الجمع بينهما) .

ويمكن التمثيل لهذا الطريق بالتعارض الذي يظهر بادئ الأمر بين قوله تعالى: "والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما"[المائدة: 38] .

وقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تقطع اليد إلا في ربع دينارٍ فما فوقه" أخرجه البخاري (6790)، ومسلم (1684) من حديث عائشة رضي الله عنها ووجه التعارض هنا: أن الآية تفيد قطع يد كل سارق سواءٌ أسرق كثيراً من المال أو قليلاً، والحديث يفيد أن القطع لا يكون إلا لمن سرق ربع دينارٍ فصاعداً، ولكن هذا النوع من التعارض ليس حقيقياً، ولذلك فإنه يدفع بوجهٍ من وجوه الجمع، وهو حمل العام على الخاص، حيث نخصص عموم الآية بالحديث فنقطع يد كل من سرق ربع دينارٍ فصاعداً ولا نقطع يد من سرق أقل من ذلك، وفي هذا الجمع عمل بكلا الدليلين. فإن تعذر الجمع بين الدليلين المتعارضين بأي وجهٍ من وجوه الجمع انتقلنا إلى الطريق الثاني، وهو:

(2)

النسخ، فنحكم بأن أحد الدليلين المتعارضين ناسخٌ لحكم الدليل الآخر، فنعمل بالدليل الناسخ ونترك الدليل المنسوخ، ولكن هذا الطريق مشروط بمعرفة تاريخ كلٍ من النصين؛ لأن النسخ عبارة عن رفع حكم الدليل الأول بالدليل الثاني المتأخر عنه، وإذا جهلنا التاريخ لم نعرف المتقدم من المتأخر، فلا نستطيع معرفة الناسخ من المنسوخ. ويمكن التمثيل لهذا الطريق بقوله تعالى:"واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهم أربعةً منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلاً " فإن هذه الآية دالة على أن المرأة إذا اقترفت الفاحشة وثبتت عليها فإنها تمسك في البيوت حتى يتوفاها الموت أو يجعل الله لها سبيلاً، إلا أن هذه الآية منسوخة بقول النبي صلى الله عليه وسلم:" خذوا عني، خذوا عني، خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلاً، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة أو الرجم ". (رواه مسلم، كتاب: الحدود، باب: حد الزنى، رقم الحديث: 4414) ، وكذلك آية الوصية للوالدين والأقربين، وهي قوله تعالى:" كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف حقاً على المتقين" نُسخت بقوله صلى الله عليه وسلم:" إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه، فلا وصية لوارث"(رواه أبو داود، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء في الوصية للوارث، رقم الحديث: (2870) ، والترمذي، كتاب: الوصايا، باب: ما جاء لا وصية لوارث، رقم الحديث:(2120)، وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) فإن تعذَّر معرفة الناسخ من المنسوخ من الدليلين المتعارضين فإنا ننتقل إلى الطريق الثالث، وهو:

3-

الترجيح، فإذا تعارض عند الإنسان دليلان ولم يستطع الجمع بينهما، وتعذَّر عليه معرفة الناسخ من المنسوخ، فإن عليه حينئذٍ المصير إلى الترجيح بينهما، فينظر في الدليلين المتعارضين ويعمل بوجوه الترجيح التي ذكرها أهل العلم، فما ترجح منهما وجب أخذه والعمل به؛ لأن العمل بالراجح متعين، ومن نظر في أحوال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن بعدهم وجدهم متفقين على العمل بالراجح وترك المرجوح. فإن تعذر عليه معرفة الراجح من المرجوح، فإن العلماء قد اختلفوا فيما يجب عليه، والذي يظهر من أقوالهم أن الدليلين يتساقطان ويطلب الحكم من غيرهما. وهذا الكلام المذكور يسري في جميع الأدلة التي يظهر منها التعارض، سواءٌ أكان الدليلان المتعارضان من الكتاب أو من السنة أو أحدهما من الكتاب والآخر من السنة. ما سبق ذكره هو الواجب عندما يعرض للإنسان دليلان يظهر منهما التعارض، وقد ذكرت هذه الطرق على سبيل الإيجاز والاختصار، وإلا فلأهل العلم فيها كلام طويل لا يناسب المقام ذكره، ومن أراده فعليه بالرجوع إلى مباحث التعارض والترجيح المذكورة في كتب أهل العلم خصوصاً ما كتبوه في مؤلفاتهم في أصول الفقه.

ثانياً: ذهب كثير من أهل العلم إلى جواز أن تكون السنة ناسخة للقرآن الكريم، سواء أكانت السنة متواترةً أو آحاداً، واستدلوا بأدلة عديدة، أهمها وأولاها: الوقوع، وهو أقوى أدلة الجواز عموماً. ومن أمثلة نسخ السنة المتواترة للقرآن الكريم ما تقدم ذكره، وهو نسخ عقوبة الزنا الواردة في القرآن الكريم بقوله عليه الصلاة والسلام:"خذوا عني ......وكذلك نسخ الوصية للوالدين والأقربين الواردة في القرآن الكريم بقوله عليه الصلاة والسلام:" لا وصية لوارث". ومن أمثلة نسخ السنة الآحادية للقرآن الكريم: قوله تعالى:" قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة" الآية، فإنها منسوخة بأن النبي عليه الصلاة والسلام:" نهى عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير " (رواه مسلم، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، رقم الحديث: 4994) ، وهو خبر آحاد.

ثالثاً: أما ما سألت عنه من جواز أن تضيف السنة حكما إضافيا لحكم ثابت بالقرآن؟ فهذه المسألة تكلم عنها أهل العلم في المباحث المتعلقة بالسنة وبحثوها تحت عنوان: استقلال السنة بالتشريع، أي: هل يجوز أن تثبت السنة أحكاماً غير ثابتة في القرآن؟ وهذه المسألة وقع فيها خلاف بين أهل العلم، حيث أجازه قوم ومنعه آخرون، والراجح - والله أعلم - هو الجواز، ويدل للجواز أدلة عديدة قوية، ومن أهمها:

1-

عموم عصمة النبي صلى الله عليه وسلم عن الخطأ في التبليغ لكل ما جاء به عن الله تعالى، ومن ذلك ما روته السنة وسكت عنه الكتاب.

2-

عموم آيات الكتاب الدالة على حجية السنة، فهي دالةٌ على حجيتها: سواءٌ أكانت مؤكدةً لما في الكتاب، أم مبينةً له، أم مستقلة.

3-

الوقوع، فقد ثبتت أحكام كثيرة لم يكن لها ذكر في القرآن، وإنما كان مستندها السنة المستقلة عن القرآن، وأجمع المسلمون على مشروعيتها، ولو لم يكن هذا النوع من السنة محتجاً به لما ثبتت هذه الأحكام، ولما أجمع المسلمون عليها، ومن هذه الأحكام:

أ - ميراث الجدة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الجدة السدس (رواه أبو داود، كتاب: الفرائض، باب: في الجدة، رقم الحديث:2894، والترمذي، كتاب: الفرائض، باب: ما جاء في ميراث الجدة، رقم الحديث: 2100، وقال ابن قدامة في المغني (9/54) :قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح) .

ب - مشروعية الشفعة، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بالشفعة فيما لم يقسم (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: الشفعة، باب: الشفعة فيما لم يقسم، رقم الحديث: (2257) ، ومسلم، كتاب: المساقاة والمزارعة، باب: الشفعة، رقم الحديث:(4128) .

ج - تحريم الجمع بين المرأة وعمتها في النكاح، فقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عنه (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: النكاح، باب: لا تنكح المرأة على عمتها، رقم الحديث: (5110) ، ومسلم، كتاب: النكاح، باب: تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها في النكاح، رقم الحديث:(3443) .

د - تحريم لحوم الحمر الأهلية، فقد ثبت نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها (متفق عليه، رواه البخاري، كتاب: الذبائح والصيد، باب: لحوم الحمر الإنسية، رقم الحديث: (5521) ، ومسلم، كتاب: الصيد والذبائح، باب: تحريم أكل لحم الحمر الإنسية، رقم الحديث:(5009) .

وغير ذلك من الأحكام التي ثبتت، وعمل بها المسلمون قديماً وحديثاً، وكان مستندهم في ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم من غير أن يكون لها ذكر في القرآن الكريم. ومن أراد الاستزادة حول موضوع استقلال السنة بالتشريع فعليه بكتاب: حجية السنة، للدكتور عبد الغني عبد الخالق رحمه الله فقد جمع في كتابه هذا كلام أهل العلم في المسألة ووجهه بطريقة علمية متميزة. والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

ص: 451