الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هل مجالس الذكر من الذكر الجماعي
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
العقائد والمذاهب الفكرية/ البدع/بدع الأذكار والأدعية
التاريخ 02/07/1426هـ
السؤال
كثيراً ما يقال: إنه ليس هناك دليل على الذكر الجماعي بصوت واحد، فما الحكم إذا لم يكن بصوت واحد، بحيث تجتمع فئات مختلفة من الناس للذكر ما بين رجل يحمد وآخر يكبر وثالث يهلل، فيكون هناك اختلاف في أذكارهم، ويفعلون ذلك دون التشويش على بعضهم، ولا تشبه مجالسهم مجالس غيرهم من صوفية ومن شابههم.
أي أن الذكر لا يكون بصورة جماعية بصوت واحد، لكنه مجلس مقصوده التجمع معاً لذكر الله بكلمات من صلب الشريعة وموافقة للسنة.
ويقال إن الصحابة لم يفعلوا الذكر الجماعي، بينما ثبت من الحديث وجود مجالس الذكر، أفلا يكون هذا كافياً لإثبات المسألة، ويكون حديث معاوية -الذي رأى فيه الناس مجتمعين في مجالس الذكر مثالاً واضحاً على مشروعية مجالس الذكر الجماعي؟
أرشدوني مأجورين، وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، وبعد:
الاجتماع للقراءة والذكر مستحب، سواء في مسجد أو بيت أو مدرسة أو غيرها من المواضع إذا لم يقترن بذلك بدعة، مثل كونه بصوت واحد، أو يصاحب الذكر حركات مبتدعة كالتمايل والدوران ونحو ذلك، أو إفراده بزمان أو مكان معين، واتخاذ ذلك سنة راتبة، وقد وردت أحاديث تدل على فضل الاجتماع لقراءة القرآن وذكر الله، ومن ذلك ما يأتي:
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمْ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمْ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ وَذَكَرَهُمْ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ" أخرجه مسلم (2699)
- حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ –رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ عَلَى حَلْقَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ:"مَا أَجْلَسَكُمْ؟ قَالُوا: جَلَسْنَا نَذْكُرُ اللَّهَ وَنَحْمَدُهُ عَلَى مَا هَدَانَا لِلْإِسْلَامِ وَمَنَّ بِهِ عَلَيْنَا –قَالَ: "آللَّهِ مَا أَجْلَسَكُمْ إِلَّا ذَاكَ؟ " قَالُوا: وَاللَّهِ مَا أَجْلَسَنَا إِلَّا ذَاكَ، قَال: َ "أَمَا إِنِّي لَمْ أَسْتَحْلِفْكُمْ تُهْمَةً لَكُمْ وَلَكِنَّهُ أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخْبَرَنِي أَنَّ اللَّهَ عز وجل يُبَاهِي بِكُمْ الْمَلَائِكَةَ" أخرجه مسلم (2701) .
- حديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه عن النبي –صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا: هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ، قَالَ: فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، قَالَ: فَيَسْأَلُهُمْ رَبُّهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْهُمْ: مَا يَقُولُ عِبَادِي؟ قَالُوا: يَقُولُونَ: يُسَبِّحُونَكَ وَيُكَبِّرُونَكَ وَيَحْمَدُونَكَ وَيُمَجِّدُونَكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: هَلْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: فَيَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ مَا رَأَوْكَ، قَالَ: فَيَقُولُ: وَكَيْفَ لَوْ رَأَوْنِي؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْكَ كَانُوا أَشَدَّ لَكَ عِبَادَةً وَأَشَدَّ لَكَ تَمْجِيدًا وَتَحْمِيدًا وَأَكْثَرَ لَكَ تَسْبِيحًا. قَالَ: يَقُولُ: فَمَا يَسْأَلُونِي؟ قَالَ: يَسْأَلُونَكَ الْجَنَّةَ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا قَالَ يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا؟! قَالَ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّهُمْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ عَلَيْهَا حِرْصًا وَأَشَدَّ لَهَا طَلَبًا وَأَعْظَمَ فِيهَا رَغْبَةً، قَالَ: فَمِمَّ يَتَعَوَّذُونَ؟ قَالَ: يَقُولُونَ: مِنْ النَّارِ، قَالَ: يَقُولُ: وَهَلْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ مَا رَأَوْهَا، قَالَ: يَقُولُ: فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْهَا؟ قَالَ: يَقُولُونَ: لَوْ رَأَوْهَا كَانُوا أَشَدَّ مِنْهَا فِرَارًا وَأَشَدَّ لَهَا مَخَافَةً، قَالَ: فَيَقُولُ: فَأُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ، قَالَ: يَقُولُ مَلَكٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فِيهِمْ فُلَانٌ لَيْسَ مِنْهُمْ، إِنَّمَا جَاءَ لِحَاجَةٍ، قَالَ: هُمْ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ "
أخرجه البخاري (6408) ، ومسلم (2689) .
قال شيخ الإسلام – رحمه الله: " الاجتماع لذكر الله واستماع كتابه والدعاء عمل صالح وهو من أفضل القربات والعبادات في الأوقات.... لكن ينبغي أن يكون هذا أحيانا في بعض الأوقات والأمكنة فلا يجعل سنة راتبة يحافظ عليها "[ينظر: مجموع الفتاوى (22/520) ] .
وقال الشاطبي: "وإذا اجتمع القوم على التذكر لنعم الله، أو التذاكر في العلم - إن كانوا علماء – أو كان فيهم عالم فجلس إليه متعلمون، أو اجتمعوا يذكر بعضهم بعضاً بالعمل بطاعة الله والبعد عن معصيته
…
وما أشبه ذلك مما كان يعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم في أصحابه، وعمل به الصحابة والتابعون، فهذه المجالس كلها مجالس ذكر، وهي التي جاء فيها من الأجر ما جاء " [ينظر: الاعتصام (1/341) ] .
ويجوز الجهر ورفع الصوت بالذكر إذا لم يترتب عليه تشويش وأذى لمن حوله، ففي الحديث القدسي، يقول الله عز وجل:" أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ...." الحديث أخرجه البخاري (7405) ، ومسلم (2675) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
وفي حديث أَبِي هُرَيْرَةَ –رضي الله عنه السابق: "إِنَّ لِلَّهِ مَلَائِكَةً يَطُوفُونَ فِي الطُّرُقِ يَلْتَمِسُونَ أَهْلَ الذِّكْرِ فَإِذَا وَجَدُوا قَوْمًا يَذْكُرُونَ اللَّهَ تَنَادَوْا هَلُمُّوا إِلَى حَاجَتِكُمْ قَالَ فَيَحُفُّونَهُمْ بِأَجْنِحَتِهِمْ إِلَى السَّمَاءِ
…
" الحديث.
وورد رفع الصوت بالذكر عقب الصلوات المكتوبة، ففي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال إِنَّ رَفْعَ الصَّوْتِ بِالذِّكْرِ حِينَ يَنْصَرِفُ النَّاسُ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كُنْتُ أَعْلَمُ إِذَا انْصَرَفُوا بِذَلِكَ إِذَا سَمِعْتُهُ" أخرجه البخاري (84) ، ومسلم (583) ، هذا والله أعلم.