المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في مجالسة العلماء - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٢

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في مجالسة العُلماء

- ‌الترغيب بها إكراه العُلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌[الترهيب من تعلم العلم لغير وجه اللّه تعالى]

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌فصل

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه، ولقول ما لا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال - وهو: المخاصمة والمحاججة وطلب القهر والغلبة - والترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم وَالتَّرْغِيب فِي الانحراف عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره وعدم الاستنزاه منه

- ‌التَّرْهِيب من دُخول الرِّجَال الْحمام بِغَيْر أزر وَمن دُخُول النِّسَاء بأزر وَغَيرهَا إِلَّا نفسَاء أَو مَرِيضَة وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَن ذَلِك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام الشافعي:

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عمدًا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[الترغيب في الأذان وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان]

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌[الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر]

- ‌[الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة]

- ‌[الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها]

الفصل: ‌الترغيب في مجالسة العلماء

‌الترغيب في مجالسة العُلماء

161 -

عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِذا مررتم برياض الْجنَّة فارتعوا"، قَالُوا: يَا رَسُول اللّه وَمَا رياض الْجنَّة؟ قَالَ: "مجَالِس الْعلم". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه راو لم يسم

(1)

.

قوله: "عن ابن عباس"، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا، قالوا: يا رسول اللّه، وما رياض الجنة؟ قال: مجالس العلم" الحديث.

الرتع: هو الأكل والشرب في خصب وسعة، انتهى، قاله الحافظ المنذري، والخصب بكسر الخاء المعجمة ضد الجدب، وورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"لمجلس علم عند اللّه أفضل من عبادة ألف سنة لا يعصى اللّه فيها طرفة عين"

(2)

ولهذا المعنى إذا مات العالم بكى عليه كلّ الخلق حتى الطير في الهواء والسمك في الماء، وروي أنه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تجلسوا مع كلّ عالم إلا عالمًا يدعوكم من خمس إلى خمس، من الشك إلى اليقين، ومن العداوة إلى النصيحة، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الرياء إلى الإخلاص، ومن الرغبة

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 95 رقم 11158). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 126: رواه الطبراني في الكبير، وفيه رجل لم يسم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (77).

(2)

ذكره ابن الحاج في مدخله (ص: 89)، ولم أجده مسندا عند أحد.

ص: 5

إلى الرهبة" خرجه أبو نعيم في حلية الأولياء من حديث جابر

(1)

.

وقال الإمام أبو بكر بن العربي في مراقي الزلف: قال أبو حنيفة رضي الله عنه: الحكايات عن العُلماء ومجالستهم أحب إليّ من كثير من الفقه لأنها آداب القوم وأخلاقهم؛ قال الغزالي رحمه الله: في أوائل الإيحاء: قال بعضهم: العُلماء سراج الأزمنة، كلّ واحد مصباح زمانه، يستضيء به أهل عصره.

تتمة: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "الحكمة ضالة المؤمن، فحيث وجدها فهو أحق بها"رواه الترمذي

(2)

، قال الحافظ شرف الدين الدمياطي تلميذ الحافظ المنذري عفا اللّه عنهما: شبه النبي صلى الله عليه وسلم الحكمة بالضالة وهي الشيء الضائع، ومعناه: أن المؤمن لا يزال يطلب الحكمة ويسعى في طلبها كما أن صاحب الضالة يطلبها وينشدها حتى يجدها، وفيه معنى آخر: وهو أن صاحب الضالة لا يتركها إذا وجدها عند صغير لصغره ولا عند حقير لحقارته، كذلك طالب العلم لا يأنف من أخذه عمن وجده عنده؛ وفيه معنى آخر وهو أن من كانت الضالة عنده لا يجوز له أن يكتمها ولا يحبسها عن صاحبها لأنه قد وجد ضالته عنده وهو مستحقها

(1)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (8/ 72)، والخطيب في تاريخ بغداد (5/ 510). قال أبو نعيم: وهذا الحديث كلام كان شقيق كثيرا ما يعظ به أصحابه والناس، فوهم فيه الرواة فرفعوه وأسندوه.

(2)

أخرجه الترمذي (2687)، وابن ماجة (4169). قال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه وإبراهيم بن الفضل المخزومي يضعف في الحديث من قبل حفظه. وقال الألباني: ضعيف جدًا المشكاة (216).

ص: 6

فيجب عليه أن يبذله له، واللّه أعلم، قاله في كتابه "المتجر الرابح"

(1)

.

162 -

عَن أبي أُمَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِن لُقْمَان قَالَ لِابْنِهِ: يَا بني عَلَيْك بمجالسة الْعلمَاء واسمع كلَام الْحُكَمَاء فَإِن اللّه ليحيي الْقلب الْمَيِّت بِنور الْحِكْمَة كمَا يحيي الأرْض الْميتَة بوابل الْمَطَر" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق عبيد اللّه بن زحر عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم وَقد حسنها التِّرْمِذِيّ لغير هَذَا الْمَتْن وَلَعَلَّه مَوْقُوف وَاللّه أعلم

(2)

.

قوله: "عن أبي أمام"، هو الباهلي، واسمه: صدي بن عجلان، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن لقمان قال لابنه: يا بني عليك بمجالسة العُلماء واسمع كلام الحكماء"، كان لقمان أسود اللون وكان حبشيًّا من النوبة، وكان منشؤه وتعلمه ببلاد الشام، ومات بها وقبره بمدينة الرملة من أعمال فلسطين، وكان ساكنا في هذه المواضع، وكان في زمن داود عليه السلام، وكان عبدًا لرجل من بني إسرائيل كان قد اشتراه بثلاثين مثقالًا ذهبًا، وكان يعمل له وقصته مع مولاه مطولة، اختصرتها، وقال في آخرها: فأعتقه مولاه، وكان يختلف إلى داود صلى الله عليه وسلم ويقتبس منه الحكمة، قال: وأرسل اللّه إليه ملكًا فظنه في الحكمة غطاء

(1)

المتجر الرابح (ص 19 - 20).

(2)

أخرجه الرامهرمزى في الأمثال (ص 87 - 88)، والطبراني في الكبير (8/ 199 رقم 7810).

وقال الهيثمي في المجمع 1/ 125: رواه الطبراني في الكبير، وفيه عبيد اللّه بن زحر عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف لا يحتج به. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (78).

ص: 7

فأصبح وهو أحكم أهل الأرض، وعن الدارمي قال: كان لقمان الحكيم عبدًا حبشيًّا نجارًا، واختلف العُلماء في نبوته فقال الإمام أبو إسحاق الثعلبي

(1)

: اتفق العُلماء على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًّا إلا عكرمة والشعبي كلاهما قالا: كان نبيًّا، وتفردا بهذا القول، وقال الجمهور: كان لقمان وليًّا قاضيًا في بني إسرائيل، واسمه: لقمان بن باعور بن ماخور بن تارخ وهو آزر، وقيل: لقمان بن عنقاء بن سدون بن خالة أيوب عليه السلام، وقيل: ابن أخته، واللّه أعلم.

تنبيه: وابن لقمان الذي قال له: {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ}

(2)

، فقيل: اسمه أنعم، وقال بعض العُلماء: اسم ابن لقمان ثاران، وقيل: مشكم، وقيل: أنعم

(3)

، واللّه أعلم. فائدة: قال النووي في أذكاره فإن قيل: إذا ذكر لقمان ومريم، هل يصلى عليهما كالأنبياء، أم يترضى عنهما كالصحابة والأولياء أم نقول عليهما السلام؟ فالجواب: أن الجماهير من العُلماء على أنهما ليسا بنبيين، وقد شذ من قال: نبيان، ولا التفات إليه ولا تعريج عليه، فإذا عرف ذلك فقد قال بعض العُلماء: كلاما يفهم منه أنه يقول قال لقمان أو مريم صلى الله عليه وسلم لأن مقامهما ترفعان عن حال من يقال رضي الله عنه لما في القرآن العزيز مما يرفعهما، والذي أراه أن هذا لا بأس به، وأن الأرجح أن يقال رضي الله عنه أو عنهما

(1)

عرائس المجالس (ص 377 - 383)، وتفسير الثعلبي (7/ 312 - 313).

(2)

سورة لقمان، الآية:13.

(3)

تفسير القرطبي (14/ 64)، والبداية والنهاية (2/ 123).

ص: 8

لأن هذا رتبة غير الأنبياء ولم يثبت كونهما نبيين، وقد نقل إمام الحرمين إجماع العُلماء على أن مريم ليست بنبية، ذكره في الإرشاد، ولو قال عليه السلام أو عليهما السلام، فالظاهر أنه لا بأس به، انتهى

(1)

.

قوله: في حديث أبي أمامة الباهلي "إن اللّه ليحيي القلب الميت بنور الحكمة كما يحي الأرض الميتة بوابل المطر" الحديث، تقدم الكلام على الحكمة مبسوطًا في أول هذا التعليق، وتقدم قريبًا من كلام الأئمة، والوابل: المطر الشديد، والطل أضعف المطر، قال اللّه تعالى:{فَإِنْ لَمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ}

(2)

وقال اللّه تعالى: {فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}

(3)

الآية، فالمطر أثر رحمته التي تحيي بها القلوب الغافلة الميتة {إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِ الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}

(4)

وقال تعالى: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ}

(5)

الآية، انتهى.

وذكر إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أمره ربه يدعو الخلق إليه، فقال: يا رب كيف أدعوهم إليه مع قساوة قلوبهم فأمره اللّه بالخروج إلى الساحل فأخرج اللّه له دابة من البحر طولها فرسخ في فرسخ فمزقتها السباع والطيور

(1)

الأذكار (ص 228).

(2)

سورة البقرة، الآية:265.

(3)

سورة الروم، الآية:50.

(4)

سورة الروم، الآية:50.

(5)

سورة الأنعام، الآية:122.

ص: 9

ثم أحياها اللّه تعالى فسبحت في الماء، فقال اللّه تعالى له:"إن اللّه أحيا مما ترى لقادر على أن يحيى القلوب الميتة"، وهذا إشارة إلى قوله تعالى:{أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (33)}

(1)

انتهى من كتاب الزاهد أبي الحسن بن فرحون القرطبي.

والمقصود أن حياة القلب بالعلم والهمة والناس إذا شاهدوا ذلك من الرجل حيِّ القلب، وللحياة مراتب، المرتبة الأولى: حياة الأرض بالنبات قال اللّه تعالى: {وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}

(2)

، المرتبة الثاثية: حياة النمو والغذاء وهي مشتركة بين النبات والحيوان، والمرتبة الثالثة: حياة الحيوان بقدر زائد على النبات وهو إحساسه وحركته، ولهذا يألم بقطع بعرض ما يتصل به، المرتبة الرابعة: حياة الحيوان الذي لا يتغذى بالطعام والشراب كحياة الملائكة وحياة الأرواح مع مفارقتها الأبدان، المرتبة الخامسة: حياة العلم مع موت الجهل، فإن الجهل موت لأهله، كما قيل:

وَفي الجهلِ قَبْلَ الموْتِ مَوْتٌ لأهْلِه

وَأَجْسَامُهُمْ قَبْلَ القُبُورِ قُبُورُ

وَأَرْوَاحُهُمْ في وَحْشَةٍ مِنْ جُسُومِهمْ

وَلَيْسَ لهمْ حَتَّى النُّشُورِ نُشُورُ

وَإِنَّ امرأ لم يحيى بِالْعِلْمِ مَيِّتٌ

وَلَيْسَ لَهُ حَتَّى الممات نُشُورُ

(1)

سورة الأحقاف، الآية:33.

(2)

سورة النحل، الآية:65.

ص: 10

فالجاهل ميت القلب والروح وإن كان حي البدن، فجسده قبر يمشي على وجه الأرض، قال اللّه تعالى:{وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 22] شبههم في موت قلوبهم بأهل القبور فإنهم ماتت أرواحهم وصارت أجسامهم قبورًا لها، فكما لا يسمع أصحاب القبور لا يسمع هؤلاء، وليس هذا تشبيهًا بموت البدن بل ذلك موت القلب والروح، والمقصود (قوله) لأن العلم حياة القلوب من الجهل فالقلب ميت وحياته بالعلم والإيمان، وإذا كانت الحياة من الحس والحركة، فهذه القلوب لما لم تحس بالعلم والإيمان ولم تتحرك له كانت ميتة حقيقة، واللّه أعلم

(1)

.

163 -

وَعَن ابْن عَبَّاس قَالَ قيل يَا رَسُول اللّه أَي جلسائنا خير قَالَ من ذكركُمْ اللّه رُؤْيَته وَزَاد فِي علمكُم مَنْطِقه وذكركم بِالآخِرَة عمله رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح إِلَّا مبارك بن حسان

(2)

.

(1)

مدارج السالكين (3/ 244 - 248) باختصار.

(2)

أخرجه عبد بن حميد (631)، وابن أبي الدنيا في الأولياء (25)، وأبو يعلى (2437). قال البوصيرى في إتحاف الخيرة (6/ 382): هذا إسناد رواته ثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (2830)، وضعيف الترغيب (79).

ص: 11