الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْهِيب من دُخول الرِّجَال الْحمام بِغَيْر أزر وَمن دُخُول النِّسَاء بأزر وَغَيرهَا إِلَّا نفسَاء أَو مَرِيضَة وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَن ذَلِك
اعلم أن الحمام عربي مذكر اللفظ لا يؤنث بالاتفاق كما نقله الأزهري في تهذيب اللغة عن العرب، وجمعه حمامات
(1)
، مشتق من لفظة الحميم وهو الماء الحار، قال الله تعالى:{وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ}
(2)
ويقال: حمام مبارك
(3)
، وسمع تأنيثه في قول الشاعر: وإذا دخلت سمعت فيها رنة [لغط المعاول في بيوت هداد
(4)
].
266 -
عَن جَابر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: من كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر وَمن كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَلا يدْخل حليلته الْحمام رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتّرمِذِيّ وَحسنه وَالْحَاكم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(5)
.
(1)
تهذيب اللغة (7/ 226)، والمحكم (2/ 552)، والمجموع (3/ 159)، والقول التمام في آداب دخول الحمام (ص 26) لابن العماد.
(2)
سورة محمد، الآية:15.
(3)
المجموع (3/ 159)، والنجم الوهاج (2/ 243).
(4)
الصحاح (5/ 1778).
(5)
أخرجه أحمد 3/ 339 (14651)، والترمذى (2801)، والنسائى في المجتبى 1/ 515 (406) والكبرى (6741)، والحاكم (1/ 162) و (4/ 288). وقال الترمذى: هذا =
قوله: عن جابر، هو: جابر بن عبد الله، وتقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر" الحديث، الإيمان في اللغة هو التصديق بالقلب واليوم الآخر هو يوم القيامة، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا في حديث جبريل المطول.
وقوله: "ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام" الحليلة: هي الزوجة، كان الإمام أحمد بن حنبل وجماعة من العلماء يتورعون عن دخول الحمام، وذكر القاضي عياض في القسم الثاني من الشفاعة أنه حكي عن أحمد بن حنبل قال: كنت يومًا مع جماعة تجردوا ودخلوا الحمام فاستعملت الحديث: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر" ولم أتجرد، فرأيت تلك الليلة قائلا يقول لي: يا أحمد، أبشر فإن الله تعالى قد غفر لك باستعمال السنة وجعلك إماما يقتدى بك، قلت: من أنت؟ قال: جبريل
(1)
، قاله في الديباجة.
267 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ستفتح عَلَيْكُم أَرض الْعَجم وستجدون فِيهَا بُيُوتًا يُقَال لَهَا الحمامات فَلَا يدخلنها الرِّجَال إِلَّا بالأزر وامنعوها النِّسَاء إِلَّا مَرِيضَة أَو نفسَاء رَوَاهُ ابْن مَاجَه
= حديث حسن غريب، لا نعرفه من حديث طاووس، عن جابر إلا من هذا الوجه.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (164)، غاية المرام (190).
(1)
انظر: الشفا (2/ 16)، والمفاتيح (5/ 58 - 59).
وَأَبُو دَاوُد وَفِي إِسْنَاده عبد الرَّحْمَن بن زِيَاد بن أنعم
(1)
.
قوله: عن عبد الله بن عمرو بن العاص، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفتح عليكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتا يقال لها الحمامات فلا يدخلها الرجال إلا بالأزر وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء" الحديث؛ الحمامات: جمع حمام كما تقدم، وأول من اتخذ الحمام نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام، روى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما السلام، فلما دخله وجد حرة وغمة، فقال: أوه أوه من عذاب الله قبل أن لا يكون أوه"
(2)
، وحكي عن غير
(1)
أخرجه عبد بن حميد (350)، وابن ماجه (3748)، وأبو داود (4011)، والطبراني في الكبير (14/ 50 رقم 14643) و (14/ 96 - 97 رقم 14712)، والبيهقي في الآداب (571) والكبرى (7/ 504 رقم 14804) والشعب (15/ 207 - 208 رقم 7385). وضعفه الألباني في الضعيفة (6819)، وضعيف الترغيب (124).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوائل (12) والأوسط (1/ 37 رقم 461)، وابن عدى في الكامل (1/ 463)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 86)، وابن الجوزى في العلل (566) عن أبى موسى. قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي موسى إلا بهذا الإسناد، تفرد به: إبراهيم بن مهدي. قال ابن عدى: وإسماعيل بن عبد الرحمن يعرف بحديث الحمامات وقد ذكرنا له بإسناده حديثا آخر، ولا أعرف له غيرهما. قال أبو نعيم: تفرد به الأبار عن إسماعيل.
قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإسماعيل أحاديثه منكرة قال أبو بكر الخطيب وإبراهيم بن مهدي ضعيف. قال الهيثمي في المجمع 8/ 207: رواه الطبراني في الأوسط والكبير، وفيه إسماعيل بن عبد الرحمن الأودي وهو ضعيف.
واحد من العلماء الإجماع على دخوله
(1)
، وسيأتي تفصيل ذلك، وذكر بعضهم في دخوله خلافًا بين الصحابة على أقوال، أحدها: الجواز مطلقًا وهو قول أبي الدرداء وابن عباس وغيرهما.
الثاني: المنع منه مطلقًا، وهو محكي عن ابن عمر روي عنه أنه قال: الحمام من النعيم الذي أحدثوه، فهذا يقتضي أن تركه أولى، الثالث: المنع منه إلا لمريضة أو نفساء وهو مروي أيضًا عن ابن عمر وعائشة رضي الله عنهما، والرابع: منع النساء مطلقًا دون الرجال بالأزر
(2)
، فقد روي في ذلك أحاديث ستأتي إن شاء الله تعالى، فعن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من بيتها إذا هي في قعر بيتها"
(3)
.
وقد جاء في دخول الحمام عن السلف آثار متعارضة في الإباحة والكراهة على أقوال، وأما أصحاب الشافعي فكلامهم فيه قليل، وممن تكلم فيه الإمام الفقيه الحافظ أبو بكر بن السمعاني الروزي
(4)
، قال النووي: وجملة القول
(1)
نقله ابن المنذر في الإجماع (ص 55)، والمازرى في المعلم (2/ 244)، والقاضى عياض في إكمال المعلم (5/ 134)
(2)
الإلمام بآداب دخول الحمام (ص 75) للحافظ أبى المحاسن الحسينى الدمشقى.
(3)
أخرجه الترمذى (1173)، والبزار (2061) و (2062) و (2065)، وابن خزيمة (1685 و 1686 و 1687)، وابن حبان (5598 و 5599). وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الألباني في الإرواء (273)، وصحيح الترغيب (344)، والصحيحة (2688).
(4)
المجموع (2/ 204 - 205).
في دخول الحمام أنه مباح للرجال بشرط الستر وغض البصر ومكروه للنساء إلا بعذر من نفاس أو مرض، وإنما كره للنساء لأن أمرهن مبني على المبالغة في الستر، ولما في وضع ثيابهن في غير بيوتهن من الهتك، ولما في خروجهن واجتماعهن من الفتنة.
فائدة: وللداخل آداب منها أن يتذكر بحره حر النار، ويستعيذ بالله من حرها وشمأله الجنة وأن يكون قصده التنظيف والتطهير دون التنعم والترفه، وأن لا يدخله إذا رأى فيه عاريًا، ولا يقرأ القرآن ولا يسلم، ويستغفر الله تعالى إذا خرج، ويصلي ركعتين، فقد كانوا يقولون: يوم الحمام يوم إثم؟ وذكر الغزالي في الإحياء كلامًا حسنًا طويلًا مختصره أنه لا بأس بدخول الحمام، دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمامات بالشام، وعلى داخله واجبات وسنن، فمن الواجبات وت عورته عن نظر غيره ومسه، ف يتعاطى أمرها وإزالة وسخها إلا بيده، وواجبات في عورة غيره أن يغض بصره عنها، وأن ينهي عن كشفها لأن النهي عن المنكرات واجب فعليه ذلك، قال: ولا يسقط الإنكار في هذه الأزمان بترك دخول الحمام إذ لا يخلو من عورات مكشوفة لاسيما فوق العانة وتحت السرة، ولهذا يستحب إخلاء الحمام، قال: والسنن عشرة، النية بأن لا يدخل عبثًا لا لغرض الدنيا بل يقصد التنظيف المحبوب وأن يعطي الحمامي الأجرة قبل دخوله، ويقدم رجله اليسرى في دخوله قائلًا: بسم الله الرحمن الرحيم من الرجس والنجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، وأن يدخل وقت الخلوة أو يتكلف إخلاء
الحمام وأن لا يعجل بدخول البيت الحار حتى يعرق في الأول، وأن لا يكثر ضب الماء بل يقتصر على قدر الحاجة فهو المأذون فيه، وأن يتذكر بحرارته حرارة جهنم، وأن لا يكثر من الكلام ويكره دخلوه بين المغرب والعشاء وقريبا من المغرب، وأن يشكر الله إذا فرغ على هذه النعمة وهي النظافة، وقيل: إن الحار في الشتاء من النعيم الذي يسأل عنه، وقال ابن عمر: الحمام من النعيَم الذي أحدثوه، هذا من جهة الشرع، وأما من جهة الطب فقد قيل: بولة في الشتاء في الحمام قائما خير من شربة دواء، قال في الإحياء أيضًا: أجمع أربعون طبيبًا على أن البول قائما في الشتاء دواء من تسعين داء وغسل القدمين بالماء البارد بعد الخروج من الحمام أمان من النقرس، ويكره، من جهة الطب صب الماء البارد على الرأس عند الخروج من الحمام وشربه، ولا بأس بقوله لغيره عافاك الله ولا بالمصافحة ولا بأن يدلكه غيره يعني في غير عورته
(1)
.
268 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نهى عَن دُخُول الحمامات ثمَّ رخص للرِّجَال أَن يدخلوها فِي المآزر" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلم يُضعفهُ وَاللَّفْظ لَهُ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَلم يرخص للنِّسَاء
(2)
.
(1)
المجموع (2/ 205 - 206).
(2)
أخرجه أحمد 6/ 132 (25006) و 6/ 139 (25085) و 6/ 179 (25457)، والبخارى في التاريخ الكبير (9/ 61)، وابن ماجه (3749)، وأبو داود (4009)، والترمذى (2802). قال الترمذى: هذا حديث، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة =
قَالَ الْحَافِظ رحمه الله رَوَوْهُ كلهم من حَدِيث أبي عذرة عَن عَائِشَة وَقد سُئِلَ أَبُو زرْعَة الرَّازِيّ عَن أبي عذرة هَل يُسمى فَقَالَ لا أعلم أحدا سَمَّاهُ وَقَالَ أَبُو بكر بن حَازِم لا يعرف هَذَا الحَدِيث إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَأَبُو عذرة غير مَشْهُور وَقَالَ التِّرْمِذِيّ إِسْنَاده لَيْسَ بِذَاكَ الْقَائِم.
قوله: عن عائشة، تقدم الكلام على مناقبها.
قوله: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم رخص للرجال أن يدخلوها في المأزر؛ وزاد ابن ماجه: نهى الرجال والنساء، وزاد أيضًا: ولم يرخص للنساء، الحديث، فدخول الحمام مباح للرجال، قال الغزالي في الإحياء
(1)
: دخل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حمامات الشام، وروى ابن أبي شيبة بسند صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما دخل حمام الجحفة
(2)
، وروى أيضًا عن أبي الدرداء أنه كان يدخل الحمام ويقول: نعم البيت الحمام، يذهب الطينة يعني الوسخ ويذكر بالنار؛ وروى عن ابن عمر نحوه
(3)
، وقال أبو هريرة: نعم البيت الحمام يدخله المؤمن فيزيل به الدرن ويستعيذ بالله فيه من النار؛ وجاء أن عليا وابنه الحسين وابن عمر وأبا هريرة وجرير بن عبد الله البجلي وعطاء
= وإسناده ليس بذاك القائم. وضعفه الألباني في غاية المرام (191)، وضعيف الترغيب (125).
(1)
إحياء علوم الدين (1/ 207).
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 103 (1169) و 3/ 346 (14791).
(3)
انظر: مصنف ابن أبى شيبة 1/ 103 (1167) عن أبى الدرداء، و 1/ 104 (1173) عن ابن عمر.
وغير واحد دخلوه
(1)
، فدخول الحمام مباح للرجال، هذا إذا دخله الإنسان إزالة الأوساخ والتنظيف ونحوه فإن دخله لغير حاجته بل يقصد الترفه والتزيين للأغراض الدنيوية فظهر كلام الغزالي في الإحياء وأبو بكر السمعاني إنه مكروه
(2)
.
واعلم أن دخول الحمام للرجال ينقسم على خمسة أقسام: واجب، ومستحب، ومباح، ومكروه، وحرام، فقد يعرض وجوبه في بعض الأحوال، وذلك كالدخول للغسل من الجنابة أو حصول نجاسة على البدن، ويتعذر إزالة ذلك في البيت أو بالماء البارد، فهذا يجب به دخول الحمام لأن ما لا يتم بالواجب إلا به فهو واجب، وقد يعرض استحبابه كما إذا دخله لغسل مندوب كالعيدين والجمعة ونحوهما أو لإزالة وسخ يتأذى به وانتهى به إلى حد يمنع الخشوع في الصلاة، ولم يمكنه الاغتسال خارجه، وقد تعرض إباحته كما إذا دخله لاتساخ رأسه أو بدنه أو للتداوي، وقد تعرض كراهته كما إذا دخله لغرض فاسد أو دخله بني المغرب والعشاء أو قبل الغروب فإن ذلك وقت انتشار الشياطين، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بكف الصبيان حتى تذهب فحمة العشاء، أو دخله وهو صائم فإنه يضعف عن الصوم أو دخله وفيه مبتلى، وقد تعرض الكراهة من جهة الطب كما إذا دخله من به حمى أو ورم
(1)
انظر: مصنف ابن أبى شيبة 1/ 103 (1168) و 1/ 104 (1170) عن أبى هريرة، و (1171) عن جرير و (1172) عن الحسين بن على و (1174) عن على، و 1/ 105 (1185) عن عطاء، وطاوس، ومجاهد.
(2)
القول التمام في آداب دخول الحمام (ص 31) لابن العماد.
أو أخلاط مستعدة لأن تعفن فتجلب حمى أو تسيل فتجلب ورمًا أو دخله وهو شبعان قبل هضم الطعام، وقد تعرض له الحرمة بأن يكون دخوله حراما كما إذا دخله مكشوف العورة أو دخله وفيه من لم يستر عورته أو أداه الدخول إلى خلوة محرمة كالخلوة بالأمرد الحسن ونحوه أو كان فيه تصاوير أو للفخر والترفه، ويكثر من استعمال الماء ويسرف فيه، فليعلم المرء المسلم أن ماء الحمام مال وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال
(1)
، فهذا تحريم دخوله الحمام، فإذا نوى الداخل بدخوله الغسل الواجما أو المستحب أو تنظيف رأسه أو بدنه فإن ذلك مندوب إليه الرجال مأمورون به، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام يوما يغسل فيه رأسه وجسده" أخرجاه في الصحيحين
(2)
، وقال الإمام أحمد حدثنا يعقوب فذكره إلى أن قال عن طاوس: قلت لعبد الله بن عباس يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اغتسلوا يوم الجمعة واغسلوا رؤوسكم وإن لم تكونوا جنبا ومسوا من الطيب" فقال ابن عباس: أما الطيب فلا أدري وأما الغسل فنعم
(3)
، هذا حكم الرجال
(4)
.
(1)
أخرجه مسلم (10 و 11 - 1715) عن أبى هريرة.
(2)
أخرجه البخارى (897) و (898) و (3487)، ومسلم (9 - 849) عن أبى هريرة.
(3)
أخرجه أحمد 1/ 265 (2383) و 1/ 330 (3058) و 1/ 367 (3471)، والبخارى (884) و (885)، ومسلم (8 - 848) عن ابن عباس.
(4)
انظر: القول التمام في آداب دخول الحمام (ص 32 - 33) لابن العماد.
269 -
وعنها رضي الله عنها قَالَت: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "الْحمام حرَام على نسَاء أمتِي " رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الإِسْنَاد
(1)
.
قوله: وعنها، تقدم الكلام عنها رضي الله عنها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الحمام حرام على نساء أمتي" الحديث، أما النساء فاختلف في إباحة الدخول لهن، فنقل عن الروياني وغيره عن أبي هريرة أنه يحرم عليهن الدخول مطلقا إلا لضرورة، وهذا ظاهر كلامه في الإحياء، ويدل عليه حديث أبي مليح كما سيأتي، وإستدل في الإحياء بقوله:"لا يحل للرجل أن يدخل حليلته الحمام إلا والبيت مستحم" وروى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "بيت بالشام لا يحل لمؤمنين أن يدخلوه ولا بمئزر" ولا يحل للمؤمنات أن تدخله البتة وهذا إذا لم تدع ضرورة، فإن دعت ضرورة كغسل من حيض أو نفاس أو جنابة أو وسخ ولم يمكنها الغسل خارجه جاز الدخول، قال الغزالي: وحينئذ فتدخل بمئزر سابغ، وصحح النووي في باب الجزية من الروضة جواز الدخول للمرأة مطلقا لكن مع الكراهة، وكذلك في شرح المهذب في أواخر باب الغسل، والجواب عن أحاديث الباب فيه عسر وإنما يباح لهن الدخول بشروط:
الأول: أن يأذن لها الزوج في ذلك فإن لم يأذن حرم، ويكره للزوج أن يأذن لها فيه، قال الغزالي في الإحياء: ويكره له أن يدفع لها الأجرة لأنه يعينها على
(1)
أخرجه الحاكم (4/ 289). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في الصحيحة (3439) وصحيح الترغيب (165).
المكروه، وهذا إذا لم تدع ضرورة كما تقدم
(1)
.
الثاني: أن لا يختلطن بالرجال فإن دخل في الحمام رجال ونساء نظر إن خلا فيه رجل بامرأة أجنبية حرم لأن ذلك محرم في غير الحمام ففيه أولى
(2)
.
الثالث: أن لا يدخلن إلا بمئزر وليس ذلك خاصا بالمرأة بل يشترك فيه الرجل والمرأة والخنثى ولابد في الثوب أن يكون مانعا من ظهور البشرة كالصلاة، ثم الواجب على المرأة الداخلة مع نسوة أن تستر ما بين السرة والركبة ولا يجب عليها بستر الزائد على ذلك وهذا معنى قول الغزالي: ألا تدخل إلا بمئزر سابغ أي للعورة
(3)
.
واعلم أن للمرأة أربع عورات:
إحداها: عورة الصلاة في جميع بدنها إلا الوجه والكفين.
ثانيها: عورتها بالنسبة إلى محارمها الذكور وهي ما بين السرة إلى الركبة على الصحيح.
ثالثها: عورتها بالنسبة إلى نظر الذمية وهو ما زاد على البادي حال المهنة، وأما البادي حال المهنة فلا يحرم كشفه بحضرة الذمية ولا تمنع منه الذمية على الأشبه في الرافعي وهذا تفريع على أنه يحرم نظر الذمية إلى المسلمة.
رابعها: عورتها بالنسبة إلى الزوج وهو حلقة الدبر خاصة لأن للزوج النظر
(1)
انظر: القول التمام في آداب دخول الحمام (ص 33 - 35) لابن العماد.
(2)
القول التمام (ص 40).
(3)
القول التمام (ص 40 - 41).
إلى جميع بدنها وليس له النظر إلى حلقة الدبر كما قاله الدارمي في الاستذكار، وفي تحريم نظره إلى فرجها وجهان أصحهما الجواز مطلقا مع الكراهة، ونظره إلى باطن فرجها أشد كراهة، يقال إن الولد بسبب ذلك يخلق أعمى، وتقدم شيء من ذلك قريبًا
(1)
.
الشرط الرابع: أن لا يدخلن الحمام إلا مع نسوة المسلمين فإذا دخلت امرأة مع نسوة كتابيات أو حربيات فوجهان أصحهما في الشرح والروضة في كتابي النكاح والجزية التحريم لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ} إلى قوله: {أَوْ نِسَائِهِنَّ}
(2)
، واعلم أن ما صححه الرافعي من تحريم الدخول مع الكتابيات محمول على ما إذا كشفت المسلمة الزائد على ما بين السرة والركبة كما هو الغالب، أما إذا سزت الجميع إلا ما يبدوا حال المهنة فلا وجه للتحريم في الحمام مع الجواز في غيره، ولو كان في الحمام كتابيات فدخلت مسلمة وانفردت بخلوة لم يمتنع لانتفاء المعنى، والله أعلم
(3)
.
فائدة: الرافعي هو الحبر العلامة إمام الدين عبد الكريم القزويني كان رحمه من بيت عالم أبوه وجده وجدته، قال في الأمالي: إنها كانت تفتي النساء في الرقائق، إنه منسوب إلى رافعان بلدة معروفة بقزوين، وقيل: إلى
(1)
القول التمام (ص 41 - 43).
(2)
سورة النور، الآية:31.
(3)
القول التمام (ص 43).
رافع بن خديج الصحابي، رآه ابن الصلاح والحافظ المنذري، توفي سنة ثلاث أو أربع وعشرين وستمائة وهو ابن ست وستين سنة، وكان إذا خرج إلى المسجد أضاءت له الكروم وكذلك والده، قاله الدميري في شرح المنهاج
(1)
.
فائدة: إذا أتى الداخل الحمام قال الغزالي
(2)
: يستحب له أن يقول عند إرادة الدخول: اللهم إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم، ويقدم رجله اليسرى في الدخول واليمنى في الخروج كالخلاء
(3)
، وتقدم الكلام على ضبط هذا الذكر قريبًا، فإذا أراد أن ينزع ثوبه قال: بسم الله لما رواه ابن أبي الدنيا في مكائد الشيطان من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ستر ما بين أعين الجن عورات بني آدم إذا نزع الرجل ثوبه أن يقول باسم الله ولا ينزع ثوبه حتى يسد المئزر"
(4)
.
(1)
النجم الوهاج (1/ 200).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 131).
(3)
المصدر السابق (1/ 139).
(4)
أخرجه الحكيم الترمذى (466)، والطبراني في الدعاء (368) والأوسط (3/ 67 - 68 رقم 2504) و (7/ 128 رقم 7066)، وابن السنى في اليوم والليلة (21) و (274)، وابن عدى في الكامل (4/ 148 و 427) و (7/ 568)، والإسماعيلى في المعجم (165)، وتمام في الفوائد (1708 و 1709 و 1710) قال ابن عدي وهذا الحديث لم يكن يعرف إلا بسعيد بن مسلمة، عن الأعمش ثم وجدناه من حديث سعد بن الصلت، عن الأعمش، ولا يرويه، عن الأعمش غيرهما.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 205: رواه الطبراني في الأوسط بإسنادين أحدهما فيه سعيد بن مسلمة الأموي، ضعفه البخاري وغيره، ووثقه ابن حبان وابن عدي، وبقية رجاله موثقون. وصححه الألباني في الإرواء (50)، والمشكاة (358).
مسألة: هل يسلم على ما في الحمام أم لا؟ قال بعض الحنفية: لا نص عليه في الخلاصة، الثاني: يصح، الثالث: على المستتر ولا يسلم على المكشوف، حكاه البخاري عن حماد عن إبراهيم النخعي، وكذا قال أبو الليث: يسلم على من كان مستورا، وتوقف الإمام أحمد بن حنبل في هذه المسألة، وقال: وقال لا احفظ فيها شيئا، وقال في الإحياء: فإن سلم عليه لم يرد، قيل يسكت ولا بأس بأن يصافح غيره.
تنبيه: ينبغي لداخل الحمام إذا دخله أن يتذكر به عذاب جهنم ويستعيذ بالله من النار ويسأله الجنة فقد كان السلف رضي الله عنهم يذكرون النار بدخول الحمام وكان ذلك لهم عبادة، دخل ابن وهب الحمام فسمع تاليا يتلو {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ}
(1)
فغشي عليه، وتزوج صلة بن أشيم فدخل الحمام ثم دخل على زوجته تلك الليلة فظل يصلي حتى أصبح وقال دخلت بالأمس بيتا ذكرني بالنار ودخلت الليلة بيتا ذكرني بالجنة ولم يزل فكري فيهما حتى أصبحت، كان بعض السلف إذا أصابه كرب الحمام يقول: يا بر يا رحيم من علينا وقنا عذاب السموم، صب بعض الصالحين على نفسه ماء من الحمام فوجده شديد الحر فبكى وقال: ذكرت قوله تعالى {يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ}
(2)
فهذه الدار الفانية ممزوجة بالنعيم والألم فما فيها من النعيم يذكر بنعيم الجنة وما فيها من الألم يذكر بألم النار،
(1)
سورة الغافر، الآية:47.
(2)
سورة الحج، الآية:19.
فبعض البقاع يذكر بالنار كالحمام
(1)
والله أعلم.
فائدة أخرى: يجوز الطلاء بالنورة للرجال والنساء، روى الحافظ أبو نعيم في تاريخ أصبهان عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"أول من صنعت له النورة ودخل الحمام سليمان بن داود عليهما السلام" الحديث تقدم في أول الباب بزيادة "وأما النساء فإنهن مأمورات بإظهار الزينة للزوج وهذا منه
(2)
، وقد ذكر الحسن أن بلقيس كان شعراء الساقين وإنهم بسبب ذلاك اتخذوا لسيدنا سليمان النورة والحمام، وقد ذكر ابن أبي شيبة عن عبد الله بن شداد قال:{فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا}
(3)
فإذا امرأة شعراء فقال سليمان عليه الصلاة والسلام: ما يذهب هذا؟ قالوا: النورة، قال: فجعلت النورة يومئذ
(4)
، وأما الرجال فيجوز لهم ذلك لما روي في سنن ابن ماجه أن أم سلمة قالت:"كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أطلى بدأ بعورته فطلاها وسائر جسده" الحديث إسناده صحيح ورجاله ثقات
(5)
ورواه أبو داود الطيالسي عن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتنور ويلي عانته بيده
(6)
، وفي مراسيل أبي داود عن ابي معشر زياد بن كليب أن رجلا نور رسول الله صلى الله عليه وسلم
(1)
لطائف المعارف (ص 318 - 319).
(2)
الإلمام بآداب الحمام (ص 173).
(3)
سورة النمل، الآية:44.
(4)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 105 (1187) و 6/ 336 (31853).
(5)
أخرجه ابن ماجه (3751). وضعفه الألباني.
(6)
أخرجه الطيالسي في مسنده (1610)، وابن ماجه (3752). وضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه (4174).
فلما بلغ العانة كف ونور رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه
(1)
، وعن مكحول قال: لما قدم أبو الدرداء وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الشام دخلوا الحمام وأطلوا بالنورة
(2)
، وروى ابن أبي شيبة عن مالك بن إسماعيل عن كامل عن حبيب قال: دخل الحمام عطاء وطاوس ومجاهد فأطلوا فيه
(3)
، وقد كره طائفة من السلف الإطلاء بالنورة
(4)
، أسند الخرائطي عن ابن عباس قال: أيها الناس اتقوا الله بى لا تكذبوا فوالله ما أطلى نبي قط
(5)
، وروى ابن أبي شيبة عن علي بن أبي طالب
(6)
قال: كان عمر رجلًا أهدب وكان يحلق عنه الشعر، وذكرت له النورة فقال: النورة من النعيم
(7)
، وروى عن الحسن قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر لا يطلون وهذا من مراسيل الحسن
(8)
، وقد تكلم فيها بعضهم والصحيح الأول وأن الإطلاء بها حسن مالم يفض ذلك إلى ما يتوصل به إلى محرم
(9)
، انتهى.
تنبيه: النورة من الأجسام الحجرية الحريفية وأجودها البيضاء وغير
(1)
أخرجه أبو داود في المراسيل (469).
(2)
أخرجه الخرائطى في مساوئ الأخلاق (812).
(3)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 105 (1185).
(4)
الإلمام بآداب الحمام (ص 176).
(5)
أخرجه الخرائطى في مساوئ الأخلاق (811).
(6)
كذا بالأصل وانما هو على ابن أبى عائشة.
(7)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 105 (1192).
(8)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 105 (1186).
(9)
الإلمام بآداب الحمام (ص 177).
المطفأة شديدة الحرارة محرقة والمطفأة منها إذا بقيت يومين أو ثلاثة فإنها لا تحرق والمغسولة خفيفة يابسة
(1)
، وقال في الإحياء
(2)
: قد قيل من جهة الطب أن الحمام بعد النورة أمان من الجذام، وقيل النورة في كل شهر تطفئ الحرارة وتبقي اللون وتزيد في الجماع.
لطيفة: قال أبو الليث السمرقندي
(3)
: يكره للإنسان أن يتنور وهو نجب فقد روي عن خالد بن معدان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من تنور قبل أن يغتسل جاءته كل شعرة يوم القيامة فتقول يا رب سله لما ضيعني ولم يغسلني" وإذا أراد الرجل أن يتنور ينبغي له أن لا يقرب النساء قبل ذلك بيوم وليلة وإذا خرج من الحمام لا يقرب امرأته بعد تمام يوم وليلة. انتهى.
270 -
وَعَن أبي أَيُّوب الأنْصَارِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم جَاره وَمن كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَلا يدْخل الْحمام إِلَّا بمئزر وَمن كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو ليصمت وَمن كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر من نِسَائِكُم فَلا يدْخل الْحمام، قَالَ فَنَمَيْتُ بذلك إِلَى عمر بن عبد الْعَزِيز رضي الله عنه: فِي خِلافَته فَكتب إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن سل مُحَمَّد بن ثَابت عَن حَدِيثه فَإِنَّهُ رَضِي فَسَألهُ ثمَّ كتب إِلَى عمر فَمنع النِّسَاء عَن الْحمام، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ
(1)
الآداب الشرعية والمنح المرعية (3/ 64).
(2)
الإحياء (1/ 140).
(3)
بستان العارفين (ص 372).
لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسنَاد وَرَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الْكَبِير والأوسط من رِوايَة عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث وَليسَ عِنْده ذكر عمر بِن عبد الْعَزيز
(1)
.
قوله: عن أبي أيوب الأنصاري، واسمه فْي زيد بن خالد تقدم الكلام على فضائله.
قوله: صلى الله عليه وسلم "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الأخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر من نساءكم فلا تدخل الحمام" سيأتي الكلام على الجار والصمت واليوم الآخر وبقية الألفاظ التي تتعلق بالحمام تقدمت.
قوله: في خلافته، الحديث، يقال نميت الحديث أنميه إذا باغته على وجه الإصلاح وطلب الخير، فإذا بلغته على وجه الإفساد والنميمة قلت نميته بالتشديد هكذا قاله أبو عبيد وابن قتيبة وغيرهما
(2)
.
(1)
أخرجه ابن حبان (5597)، والطبراني في الأوسط (8/ 288 - 289 رقم 8658) والكبير (4/ 124 رقم 3873)، والحاكم (4/ 289)، والبيهقي في الكبرى (7/ 504 رقم 14807) والشعب (10/ 202 - 203 رقم 7379). وصححه الحاكم.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 278: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد ضعفه أحمد وغيره. وقال عبد الملك بن شعيب بن الليث: ثقة مأمون. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (166).
(2)
غريب الحديث (1/ 339 - 340) لأبى عبيد، والصحاح (6/ 2516)، وتفسير غريب ما في الصحيحين (ص 571)، وكتاب الأفعال (3/ 278 - 279)، والنهاية (2/ 121).
وعمر بن عبد العزيز هو أبو حفص عمر بن عبد العزيز بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أبي أمية بن عبد شمس القرشي الأموي التابعي ولي عمر الخلافة بعد ابن عمه سليمان بن عبد الملك وبويع له بالخلافة حين مات ابن عمه سليمان بن عبد الملك لعشر خلون من صفر سنة 99 هـ وكانت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر نحو خلافة أبي بكر الصديق فملأ الأرض قسطا وعدلا وسن سننا حسنة وأمات الطرائق السيئة وصلى أنس بن مالك خلفه قبل خلافته وقال: ما رأيت أحدا أشبه صلاة برسول الله صلى الله عليه وسلم من هذا الفتى، وكان عمر بن عبد العزيز على ما شهر وذكر من الخير والصلاح والزهد والقيام وتلاوة القرآن حتى نسب إلى عمر بن الخطاب في حسن السيرة فقيل العمرين وكان الناس في أيامه ليس لهم اشتغال إلا في مثل ما هو عليه من الصلاح ويلقى الرجل صاحبه فيقول له: أنت صائم وإلا مفطر وكم تصوم في الجمعة يوما وكم وردك في كل ليلة ركعة وما تحفظ من القرآن وأشباه ذلك من أفعال الخير، وما أحسن كلام ابن العميد ههنا.
قوله: المرء أشبه شيء بزمانه وصيغة كل زمان سجية من سجايا سلطانه
(1)
وكان رضي الله عنه يسمى راهب بني أمية، وقيل لما تولى عمر سمع الصراخ في بيته فجاء الناس يسألون ما الخبر؟ فقيل: إنه خبر نسائه وأهله وقال: من شاءت أن تقيم ومن شاءت أن تنطلق فقد جاءني أمر شغلني عن محادثة النساء لا ينتفع أهل عمر بعدها بمحادثة النساء، وكان يرى أثر المني في ثيابه
(1)
خاص الخاص (ص 11).
ويقول شغلنا أمر الناس وصلاحهم عن إصلاح أجسامنا وروي أن السدي دخل عليه في أول خلافته فقال: عمر أيسرك ما رأيت أم أساءك؟ فقال: سرني للناس وساءني لك فقال عمر: إني أخاف أن أكون أوبقت نفسي، فقال له: ما أحسن حالك إن كنت تخاف ولكني أخاف عليك ألا تخاف، فقال: عظني، فقال: إن أبانا آدم خرج بخطيئة واحدة، وبكى يوما عمر بن عبد العزيز فبكت زوجته فاطمة لبكائه وبكى أهل الدار معهما، ثم قالت له زوجته: بالله يا أمير المؤمنين لما [بكيت؟ قال: يا فاطمة ذكرت منصرف القوم من بين يدي الله تعالى فريق في الجنة وفريق في السعير ثم خرج وغشي عليه، وروي أنه لما كان في خلافة المعتصم بالله ابن الرشيد بلغه أنه في بعض الديور بالروم قميص لعمر بن عبد العزيز ما وضعه عليه ذو علة إلا وأبرأه الله تعالى من علته فسير المعتصم إلى ملك الروم رسولا يقول: إن هذا القميص لنا ونحن أحق به منكم إذ هو من آثار سلفنا وكان قد بلي الروم من المعتصم بما لم يبلوا بمثله من غيره فسير ملك الروم إلى ذلك الأمير يطلب القميص هايفاده فحضر كبير ذلك الدير أنفذني رسولا فإني سأسد باب هذا الطلب فأنفذه فلما مثل بين يدي المعتصم سأله عن القميص وهل الذي بلغه عنه له صحة؟ فقال: نعم يا أمير المؤمنين، فقال: ولما لا أحضرته؟ أنقضتم المهادنة بيننا إذ الشرط لا نطلب منكم شيئا كائنا ما كان فتمنعوه، قال كبير الدير: يا أمير المؤمنين فهذا القميص لمن كان؟ قال لأحد خلفائنا المسلمين، فقال: وثبت ذلك عند أمير المؤمنين؟ قال: نعم قال: وكذلك هو عندنا ثابت فيا
أمير المؤمنين لتكن أنت مثل ذلك الخليفة واعمل بعمله يكن لباسك أجمعه كهذا القميص الذي طلبت، قال: فأصرفه المعتصم وأعاده إلى بلاده مكرما من غير جواب، انتهى. قاله في تاريخ كنز الدرر، توفي عمر بن عبد العزيز بدير سمعان قرية قريبة من حمص وقبره هناك مشهور يزار ويتبرك به. ولد بمصر سنة إحدى وستين وتوفي يوم الجمعة لخمس بقين من رجب سنة إحدى ومائة وعمره تسع وثلاثون سنة وستة أشهر، ومناقبه كثيرة مشهورة
(1)
.
قوله: فَكتب إِلَى أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم أَن سل مُحَمَّد بن ثَابت عَن حَدِيثه فَإِنَّهُ رَضِي فَسَأَلهُ ثمَّ كتب إِلَى عمر فَمنع النِّسَاء عَن الْحمام الحديث، أبو بكر هذا هو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم بالحاء المفتوحة والزاي الساكنة الأنصاري أبو محمد ولي القضاء والإمرة والموسم زمن عمر بن عبد العزيز، مات بالمدينة سنة عشرين ومائة
(2)
والله أعلم، فهذه الآثار كلها تدل على إباحة الحمام للرجال دون النساء وتقدم الكلام على إباحة دخول النساء الحمام بالشروط التي تقدم ذكرها.
قوله: ورواه الطبراني في الكبير من رواية عبد الله بن صالح كاتب الليث، عبد الله بن صالح هذا [هو عبد الله بن صالح بن محمد بن مسلم الجهني، مولاهم، أبو صالح المصري كاتب الليث بن سعد صالح الحديث وله
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 17 - 24 الترجمة 442)، وتهذيب الكمال (21/ 432 - 447 الترجمة 4277).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 195 الترجمة 739).
مناكير، قال صالح جزرة: كان ابن معين يوثقه وهو عندي يكذب في الحديث، وقال النسائي: ليس بثقة، يحيى بن بكير أحب إلينا منه، وقال أبو حاتم: سمعت ابن معين يقول أقل أحواله أن يكون قرأ هذه الكتب على الليث وأجازها له، قال وسمعت أحمد بن حنبل يقول كان أول أمره متماسكًا ثم فسد بآخره، وقال عبد الملك بن شعيب بن الليث ثقة مأمون، وقال أبو حاتم: صدوق أمين ما علمت وقال ابن عدي: هو عندي مستقيم الحديث إلا أنه يقع في أسانيده ومتونه غلط ولا يتعمد، وقال ابن حبان كان في نفسه صدوقًا إنما وقعت المناكير في حديثه من قبل جار له فسمعت ابن خزيمة يقول كان له جار كان بينه وبينه عداوة كان يضع الحديث على شيخ أبي صالح ويكتبه بخط يشبه خط عبد الله ويرميه بين كتبه فيتوهم عبد الله أنه خطه فيتحدث به وقد روى عنه البخاري في صحيحه].
271 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "احْذَرُوا بَيْتا يُقَال لَهُ الْحمام قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّه ينقي الْوَسخ قَالَ فاستتروا" رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ رَوَاهُ النَّاس عَن طَاوس مُرْسلا قَالَ الْحَافِظ وَرُوَاته كلهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم وَلَفظه اتَّقوا بَيْتا يُقَال لَهُ الْحمام قَالُوا يَا رَسُول الله إِنَّه يذهب الدَّرن وينفع الْمَرِيض قَالَ فَمن دخله فليستتر
(1)
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الْكَبِير بِنَحْوِ الْحَاكِم وَقَالَ فِي أَوله
(1)
أخرجه البزار (4888)، والحكيم الترمذى في نوادر الأصول (754)، والطبراني في الكبير (11/ 27 رقم 10732)، وأبو الطاهر المخلص في المخلصيات (1202)، والحاكم
شَرّ الْبيُوت الْحمام ترفع فِيهِ الأصْوَات وَتكشف فِيهِ العورات.
الدَّرن بِفَتْح الدَّال وَالرَّاء هُوَ الْوَسخ.
قوله: عن ابن عباس تقدم الكلام على فضائله كان علي بن عبد الله بن عباس إذا طاف بالبيت كأن الناس حوله مشاة وهو راكب من طوله لأنه كان مفرطا في الطول وكان مع هذا الطول يكون إلى منكب أبيه عبد الله، وكان عبد الله إلى منكب أبيه العباس وكان العباس إلى منكب أبيه عبد المطلب
(1)
، وقال محمد بن الحسن مؤلف مجمع الأحباب
(2)
: إن الإمام عبد الله بن
= (4/ 228)، والبيهقي في الكبرى (7/ 504 رقم 14805 و 14806) والشعب (10/ 199 - 201 رقم 7375 و 7376 و 7377). قال البزار: وهذا الحديث إنما يروله الناس، عن ابن طاووس، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، ولا نعلم أحدا قال فيه: عن طاووس، عن ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوسف، عن يعلى عن الثوري، ورواه غير يوسف، عن يعلى عن الثوري، عن ابن طاووس، عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم. وصححه الحاكم.
قال الهيثمي في المجمع 1/ 277: رواه البزار، والطبراني في الكبير إلا أنه قال:"قالوا: يا رسول الله، إنه يذهب بالدرن، وينفع المريض". ورجاله عند البزار رجال الصحيح، إلا أن البزار قال: رواه الناس عن طاوس مرسلًا. وضعفه الألباني في الضعيفة (3744) والإرواء (2582)، وضعيف الترغيب (127).
(1)
وفيات الأعيان (3/ 277)، وتاريخ ابن الوردى (2/ 192).
(2)
مجمع الأحباب، وتذكرة أولي الألباب لمحمد بن حسن بن عبد الله بن محمد بن القاسم الحسيني، الشافعي. المتوفى: سنة 776، ست وسبعين وسبعمائة. في مجلدات. رتبه: على تراجم الرجال الزاهدين. ابتدأ تراجم كتابه: بالصديق الأكبر رضي الله عنه. (كشف الظنون 2/ 1596).
عباس كان من أحواله الصبر والرضا فإنه لما ذهب بصره كان صابرا راضيا كثير الإيمان والرضا بالقضاء والصبر على البلاء، ولقد وصف الله عباده الصابرين بأوصاف كثيرة وجمع للصابرين بين أمور لم يجمعها لغيرهم فقال تعالى {أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}
(1)
والهدى والصلوات والرحمة مجموعة للصابرين والآيات والأخبار في الصبر لا تنحصر ولقد أحسن من قال
(2)
:
يا أيها الراضي بأحكامنا
…
لا بد أن تحمد عقبى الرضى
فوض إلينا وابق مستسلمًا
…
فالراحة العظمى لمن فوضا
وإن تعلقت بأسبابنا
…
فلا تكن عن بابنا معرضا
كان فينا خلقا باقيا من
…
كل ما يأتي وما قد مضى
لا ينعم المرء بمحبوبه
…
حتى يرى الخيرة فيما قضى
قوله صلى الله عليه وسلم: "احذروا بيتًا يقال له الحمام قالوا: يا رسول الله إنه ينقي الوسخ، قال: فاستتروا" وفي رواية الحاكم: "اتقوا بيتا يقال له الحمام فقالوا يا رسول الله إنه يذهب الدرن وينفع المريض قال: فمن دخله فليستتر" وفي رواية الطبراني وقال في أوله: "شر البيوت الحمام ترفع فيه الأصوات وتكشف فيه العورات "يباح للرجال دخول الحمام بالشروط المتقدمة وعليهم غض أبصارهم وصون عوراتهم فقد روى أن الرجل إذا دخل الحمام عاريًا لعنه
(1)
سورة البقرة، الآية:157.
(2)
مجموع رسائل ابن رجب (1/ 175).
ملكاه
(1)
وقال العلماء: كشف العورة في حال الخلوة بحيث لا يراه آدمي إن كان لحاجة جاز وإن كان لغير حاجة ففيه خلاف في كراهته وتحريمه والأصح عند الشافعية أنه حرام
(2)
قاله في النهاية، وقال ابن بطال
(3)
: أجمعوا على وجوب ستر العورة عن أعين الناظرين، وقال أئمة الفتوى: من دخل الحمام بغير مئزر تسقط شهادته واختلفوا فيمن نزع مئزره ودخل الحوض وبدت عورته عند دخوله فقال مالك والشافعي: تسقط وقال أبو حنيفة: لا تسقط لأنه يعذر به إذ لا يمكن التحرز منه واتفقوا على أن للرجل أن يرى عورة أهله وترى عورته
(4)
.
وقال الإمام أبو عبد اللّه القرطبي في تفسيره
(5)
: أما دخول الحمام في هذه الأزمان فحرام على أهل الفضل والدين لغلبة الجهل على الناس واستسهالهم إذا توسطوا الحمام وفي مبارزهم حتى ترى النهي ذو الشيبة قائما منتصبا وسط الحمام وخارجه باديا عن عورته وضاما فخذه بين فخذيه ولا أحد يعيب عليه، هذا أمر الرجال، فكيف أمر النساء لا سيما بالديار المصرية فلا حول ولا قوة إلا باللّه.
(1)
انظر: النجم الوهاج (1/ 400)، وتحفة المحتاج (1/ 284)، والإقناع (1/ 70).
(2)
انظر: شرح النووى على مسلم (4/ 22)، والكواكب الدرارى (3/ 140)، وعمدة القارى (3/ 328).
(3)
شرح الصحيح (1/ 395).
(4)
شرح الصحيح (1/ 396) لابن بطال.
(5)
تفسير القرطبى (12/ 224).
قوله: رواه الناس عن طاوس مرسلا، قال ورواته محتج بهم في الصحيح قال الحافظ عبد الحق الإشبيلى في أحكامه: هذا أصح إسناد حديث في هذا الباب
(1)
والله أعلم، وطاوس هو طاوس بن كيسان الحميري اليمني تابعي جليل أحد فقهاء الإسلام، روى عن ابن عباس توفي سنة ست ومائة وهو ابن نيف وسبعين سنة
(2)
.
قوله: مرسلا وحقيقة المرسل عند المحدثين إضافة التابعي أمرا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من غير ذكر الصحابي والشافعي رحمه الله لا يحتج بالمرسل، وأما ما في كتب المذهب من أنه يحتج بمراسيل سعيد بن المسيب فليس الأمر كذلك على الإطلاق فقد ذكر البيهقي والخطيب أن الشافعي ترك بعض مراسيل سعيد بن المسيب وعمل ببعض مراسيل غيره، وأبو حنيفة يرى المرسل حجة
(3)
وتقدم الكلام على ذلك مبسوطًا.
قوله: في الرواية الأخرى ورواه الطبراني وقال في أوله "شر البيوت الحمام ترفع فيه الأصوات وتكشف فيه العورات" الحديث روى عن نافع أن ابن عمر دخل الحمام وعليه إزار فلما دخل إذا هو بهم عراة قال: فجعل وجهه نحو الجدار ثم قال: ائتني بثوب يا نافع قال: فأتيته به فالتف به وغطى على وجهه ثم ناولني يده فقدته حتى خرج منه ثم لم يدخله بعد ذلك، وقيل له بعد
(1)
الأحكام الصغرى (1/ 150) والوسطى (1/ 244).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 251 ترجمة 269).
(3)
كشف المناهج (1/ 57).
ذلك: ألا تدخل الحمام؟ فكره ذلك. فقيل: إنك تستر، فقال: إني أكره أن أرى عورة غيري
(1)
، وقال أيضا رضي الله عنه إني لأغتسل في البيت المظلم فأحني ظهري إذا أخذت ثوبي حياء من ربي عز وجل
(2)
، وأسند الخرائطي عن صالح الدهان قال: دخل جابر بن زيد الحمام فرأى قوما عراة فقال: سبحان اللّه مسلمون هؤلاء ثم وضع يده على عينيه وخرج
(3)
. قلت: وهكذا انزعاج القلوب النيرة المتبعة للسنة وأما القلوب المظلمة فلا تتأسف على البدع ولا تبالي بل هي مرتكبة للمعاصي والدواهي
(4)
، وعن سلمان الفارسي رضي الله عنه: قال: لأن أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر ثم أموت ثم أنشر أجب إلي من أن أرى عورة الرجل ويراها مني
(5)
، وقد امتنع ابن عمر من الدخول إلى الحمام لهذا السبب
(6)
فيكره دخول الحمام وفيه قوم عراة بغير أزر، فروى ابن أبي شيبة عن ابن سيرين كراهة ذلك
(7)
لئلا يرى عورتهم
(8)
فيجب على الداخل
(1)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1125 - 1126).
(2)
أخرجه ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 100 (1128)، وأحمد في الزهد (1108)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (829)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 260) عن أبى موسى.
(3)
أخرجه الخرائطى في المساوئ (828).
(4)
سلوة الأحزان (ص 18).
(5)
أخرجه ابن أبى شيبة 1/ 101 (1133)، وأحمد في الزهد (839).
(6)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (1125 و 1126).
(7)
ابن أبى شيبة في المصنف 1/ 103 (1164).
(8)
الآداب والأحكام المتعلقة بالحمام (ص 51 - 52) لابن كثير، والإلمام بآداب الحمام (ص 107 - 108).
إلى الحمام ستر عورته بما لا يصف البشرة وأن يغير ما يراه من المنكر إن أمكنه بيده وإلا بلسانه وإلا بقلبه ويكون ذلك برفق فيقول: استتروا ستركم اللّه، ومن دخل الحمام بغير سترة فسق ولا تقبل شهادته كما تقدم سواء كان رجلا أو امرأة وكذلك إذا دخل بسترة ثم نزعها بحضرة الناس وجعل عريانا يغتسل بالسدر ونحوه أو لا يغتسل فإن ذلك فسق مسقط للشهادة
(1)
.
تنبيهات: تنبه أيها الداخل إلى الحمام لأمور:
أحدها: غض البصر عن النظر فقد قال مولانا جل جلاله {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ}
(2)
الآية.
الثاني: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لمن يراه مكشوف العورة وعليك العمل بذلك حسب استطاعتك.
الثالث: حفظ عورتك والحذر من كشفها بين الناس فإن كنت خاليا في خلوة أو في ظهر لا يراك أحد فلك كشفها وتركه أولى
(3)
.
وإذا دخلت الحمام وقتا من أوقات الصلاة فاحذر أن تجلس غير مصل حتى يخرج الوقت ثم تخرج فتصلي فإن تأخير الصلاة عن وقتها من غير عذر شرعي كبيرة من الكبائر فاحذره وتب إلى الله منه فإن لم يكن لابد من جلوسك في الحمام حتى يخرج الوقت فاغتسل من الجنابة إن كنت
(1)
سلوة الأحزان (ص 18).
(2)
سورة النور، الآية:30.
(3)
انظر: القول التمام (ص 96 و 97).
جنبا ثم استر عورتك وهي ما بين سرتك وركبتك واستر الركبة والسرة واجعل على عاتقك منشفة أو سترة ما حتى تخرج من الخلاف وصل داخل الحمام، قال أبو العباس ابن تيمية: فقد نص الإمام أحمد بن حنبل على عدم جواز الصلاة ولبس على عاتقه شيء ولو لم يجد مئزرا طرح على عاتقه خرقة أو نحوها فارتكاب الكراهة خير من تفويت الصلاة وخروجها عن وقتها، وقد اختلف العلماء في جواز الصلاة في الحمام، فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى جوازها مع الكراهة.
وقال الإمام أحمد في المشهور عنه: إنها لا تصح مطلقا في مسلخه ووسطه وقيل إن ضاق الوقت عليه صلى فيه وإلا فلا لأن مراعاة الوقت أولى من مراعاة المكان فإن كان في الوقت سعة أسرع في الاغتسال وخرج إلى المسجد فإن خشي ذهاب الوقت في ذهابه إلى المسجد صلى ظاهر الحمام لأن ظاهره أسهل في الكراهة من داخله وهو قول الجمهور: فيكره الصلاة في الحمام لقوله صلى الله عليه وسلم: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام" رواه الإمام الشافعي وأبو داود والترمذي وابن ماجه والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري والصحيح في سبب النهي أنها مأوى الشياطين لما يكشف فيها من العورات وقيل لغلبة النجاسة فيه فلو صلى موقنا من تحقق طهارته أو في المسلخ كره على الأول دون الثاني" وإياك أن تكون كما قال بعض السلف: يدخل أحدكم فينقي بدنه ويملأ قلبه درنا ووسخا لما يفعل من كشف عورته ورؤيته عورة غيره ويؤخر الصلاة عن
وقتها ويكثر اللغو في الحديث الباطل ويرى المنكرات المتعددة فلا يغيرها ولقد ابتلينا في هذه الأزمان بهذه البلية وإنها لبلية عظيمة مخالطة من يكره مخالطته من فجار الناس وهم مرتكبون لعدة منكرات ومن ذهب يغير عليهم آذوه وسبوه لقلة حيائهم وعدم دينهم ومروءتهم وإذا وعظوا فلا ينزجرون وإذا أمروا بالستر فلا يستترون وإذا نصحوا فلا يقبلون فإنا للّه وإنا إليه راجعون.
فرع: وإذا دخل وقت الصلاة بطلوع الفجر ولم يمكنه إذا اغتسل أن يصلي حتى تطلع الشمس لكون الماء بعيدا أو الحمام مغلقة أو لكونه فقيرا ليس معه أجرة الحمام فإنه يتيمم ويصلي في الوقت ولا يؤخر الصلاة حتى تفوت وإن لم يستيقظ إلا وق ضاق الوقت عن الاغتسال وكان الماء موجودا فهذا يغتسل ويصلي بعد طلوع الشمس عند أكثر العلماء فإن الوقت في حين من حين يستيقظ بخلاف اليقظان فإن الوقت في حقه من حين طلوع الفجر ولابد من الصلاة في وقتها ولا يجوز لأحد تأخيرها عن الوقت أصلا. انتهى قاله أبو العباس أحمد بن تيمية الحنبلي
(1)
.
فائدة: واعلم أن عورة الرجل من سرته إلى ركبته عند جمهور العلماء، وهل السرة أو الركبة من العورة أو لا فيه خلاف تقدم، قال أبو حنيفة: السرة ليست من العورة والركبة من العورة، وقال بعض أصحاب الشافعي وأهل
(1)
انظر: الإلمام بآداب دخول الحمام (ص 182 - 184) ومجموع الفتاوى (21/ 448 و 22/ 161 - 162).
الظاهر: لا عورة إلا القبل والدبر
(1)
وهذا كله بالنسبة إلى النظر واللمس وأما جميع البدن فإنه يحرم لمسه والنظر إليه إذا كان بشهوة سواء في ذلك الوجه وغيره وسواء الأمرد والملتحي واللّه أعلم
(2)
.
تتمة: هل الفخذ عورة أم لا؟ فيه أقوال:
أحدها: إنها عورة وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي ورواية عن الإمام أحمد.
والقول الثاني: إنها ليست بعورة وهو مشهور من مذهب الإمام أحمد ورواية عن مالك وإليه ذهب داود الظاهري واختاره أبو سعيد الإصطخري من أصحاب الشافعي.
والقول الثالث: إنها عورة في الجماعة فأما مع الواحد والاثنين فلا.
والقول الرابع: إنها عورة في المسجد وليست بعورة في الحمام.
والصحيح إنها عورة مخففة ليست كالقبل والدبر فكشفها مع الواحد والاتنين أخف خطرا من كشفها في الجمع الكبير واللّه أعلم
(3)
.
فائدة في تحسين الخلق في الحمام: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "خياركم أحاسنكم أخلاقًا" والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدًّا وروى هشام بن عروة عن أبيه
(1)
انظر: الأوسط (5/ 67)، وشرخ الصحيح (2/ 32) لابن بطال، والبيان (2/ 117)، واختلاف الأئمة (1/ 100 - 101)، والمجموع (3/ 168).
(2)
الإلمام (ص 109)، وسلوة الأحز ان (ص 18).
(3)
الإلمام (ص 94 و 96 و 102 و 103).
قال: مكتوب في الحكمة: لتكن كلمتك طيبة وليكن وجهك منبسطا تكن أحب إلى الناس ممن يعطيهم العطاء
(1)
، ينبغي أن يعامل الناس في الحمام بالخلق الحسن والمروءة وإعانة الضعيف والشيخ الكبير وأن يدلك ظهر من لا يستطيع دلك ظهر نفسه ويساعده بما معه من قوة أو حاجة إذا طلبت منه ولا يمنع أحدا من الاغتراف من الحوض الجالس عليه ولا يزدري بأحد فقد نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عن احتقار الناس فقال:"بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"
(2)
فينبغي أن لا يحتقر ممن يراه شعثا أو ضعيفا وذا عيال بل يساعدهم ويعينهم على تطهيرهم، ويحرم على داخل الحمام أن يمكن أحد من غسل عورته بل يتولى غسله هو بنفسه ولا بأس بما جرت به العادة من ذلك القيم ظهر المتغسل وإخراج الوسخ بالكف ونحو ذلك فيباح إذا لم ينظر إلى العورة أو يمسها ولا بأس بالتكبيس في الحمام وغيره لأنه من باب التداوي
(3)
لما ذكره ابن أبي شيبة من حديث عمر بن الخطاب فذكره حتى قال: جئت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجده في ظل شجرة فإذا غلام أسود يغمز ظهره فسألته فقال: إن الناقة اقتحمت بي
(4)
واللّه أعلم.
(1)
أخرجه أحمد في الزهد (274).
(2)
أخرجه مسلم (32 - 2564)، وابن ماجه (4213)، وأبو داود (4882)، والترمذى (1927) عن أبى هريرة.
(3)
الإلمام (ص 170).
(4)
انظر: مسند الفاروق (3/ 66)، والإلمام (ص 170 - 173) و (ص 184 - 185)، والقول التمام (ص 122 - 123)، وسلوة الأحزان (ص 18). والحديث أخرجه: البزار (282)، =
فرع: قال في الإلمام: فإذا دخل المغتسل إلى الحمام للغسل من الجنابة أو الحيض أو النفاس أو لاتساخ رأسه أو بدنه أو للتداوي فإنه يستحب له أن يغسل بالسدر أو الخطمى للحديث الوارد بذلك في أبي داود
(1)
، واللّه أعلم.
272 -
وَعَن قاص الأجناد بِالْقُسْطَنْطِينِيَّةِ أَنه حدث أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ يَا أَيهَا النَّاس إِنِّي سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول من كانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يقعدن على مائدة يدار عَلَيْهَا الْخمر وَمن كانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلا يدْخل الْحمام إِلَّا بإزار وَمن كانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلا يدْخل حليلته الْحمام رَوَاهُ أَحْمد.
(2)
= وابن الأعرابى (2423)، والطبراني في "الأوسط"(8/ 95 رقم 8077) و "الصغير"(1/ 148 رقم 226) ومن طريقه الضياء في المختارة 1/ 183 - 184 (91).
قال البزار: وهذا الحديث لا يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عن عمر عنه، ولم يروه عن عمر إلا
أسلم ورواه عن زيد هشام بن سعد وعبد اللّه بن زيد. وقال الطبراني: لم يروه عن زيد بن أسلم إلا هشام بن سعد، ولا عن هشام بن سعد إلا أبو القاسم بن أبي الزناد تفرد به عبد الرحمن بن يونس. وقال الضياء: إسناده حسن.
وقال الهيثمي في المجمع 5/ 96: رواه البزار، والطبراني في الأوسط والصغير، ورجال البزار والطبراني رجال الصحيح خلا عبد اللّه بن زيد بن أسلم، وقد وثقه أبو حاتم وغيره، وضعفه ابن معين وغيره. وقال العراقى في تخريج الإحياء (ص 165): أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عمر بسند ضعيف.
(1)
الإلمام بآداب الحمام (ص 168)، وسلوة الأحزان (ص 18).
(2)
أخرجه ابن وهب في الجامع (62)، وأحمد 1/ 20 (125)، وأبو يعلى (251)، والبيهقى في الكبرى (7/ 433 - 434 رقم 14549) والشعب (10/ 203 - 204 رقم 7380). =
وَقاص الأجناد لَا أعرفهُ وَرُوِىَ آخِره أَيْضًا عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه أَبُو خيرة لَا أعرفهُ أَيْضًا.
(1)
الحليلة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة هِيَ الزَّوْجَة.
قوله: عن قاص الأجناد بالقسطنطينية، قال الحافظ رحمه الله: قاص الأجناد لا أعرفه، قال صاحب الإلمام
(2)
: إسناد هذا الحديث جيد، وقاص الأجناد قيل اسمه عبد الله بن يزيد.
والقاص بفتح القاف وبعد الألف صاد مهملة نسبة إلى القصص والمواعظ، وقد نسب لذلك غير واحد، وأما القصاص بضم القاف فجمع قاص وهو الذي يقرأ القصص على الناس، قال أهل اللغة: القصة الأمر بالخير وقد اقتصصت الحديث إذا رويته على وجهه وقص عليه الخير قصصا بفتح القاف، والاسم أيضًا القصص بالفتح، والقصص بكسر القاف اسم جمع القصة
(3)
، واللّه أعلم.
= قال ابن كثير في مسند الفاروق (2/ 177): هذا إسناد حسن، ليس فيه مجروح، ولم يخرجوه. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 277: رواه أحمد، وفيه رجل لم يسم. وصححه الألباني في الإرواء (1949) وصحيح الترغيب (167).
(1)
أخرجه أحمد 2/ 321 (8275)، والطبراني في الشاميين (3470)، والمخلص في المخلصيات (1064). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 277: رواه أحمد، وفيه أبو خيرة، قال الذهبي: لا يعرف. وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (168).
(2)
الإلمام بآداب الحمام (ص 39).
(3)
انظر: الصحاح (3/ 1051)، والنهاية (4/ 70).
قوله: بالقسطنطينية، والقسطنطينية بفتح القاف وإسكان السين وضم الطاء الأولى وكسر الثانية وبعدها ياء ساكنة ثم نون، قال النووي: هذا هو المشهور، ونقله في المشارق عن المتقنين والأكثرين وعن بعضهم زيادة ياء مشددة بعد النون
(1)
، وفي الديباجة وشرح مشارق الأنوار للشيخ وجيه الدين بضم القاف وإسكان السين وضم الطاء الأولى كما تقدم، وفي مختصر الأنساب لابن السمعاني
(2)
مثل الضبط الأول خلا الطاء الأولى فإنه قال بفتحها وهي مدينة مشهورة من أعظم مدن الروم وهي مثلثة الشكل منها جانبان في البحر وجانب بالبر وفيه باب الذهب وطولها تسعة أميال وعليها سور حصين طول ارتفاعه أحد وعشرون ذراعا ولها من الأبواب مائة باب أكبرها الباب المصمت وهو الباب الكبير وهو ممزوج بالذهب وبها القصر المشهور، بناها قسطنطين الملك وهو أول من أظهر دين النصرانية من ملوك الروم، قالوا ولها سبعة أسوار، وسمك سورها الكبير أحد وعشرون ذراعًا وفيه مائة باب وهي على خليج نصب في البحر الرومي وهي متصلة ببلاد رومية والأندلس، وقد جاء في ذكرها حديث، قال مسلم بإسناده لأبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يغزوها سبعون ألفا من ولد إسحاق فإذا جاؤها فلم يقاتلوا بسلاح ولم يرموا بسهم قالوا لا إله إلا اللّه واللّه أكبر فيسقط أحد جانبيها ثم يقولون لا إله إلا اللّه واللّه أكبر فيسقط الجانب
(1)
مشارق الأنوار (2/ 199)، وشرح النووى على مسلم (18/ 21 - 22).
(2)
الأنساب (10/ 419)، واللباب (3/ 36).
الآخر فيقولون الثالثة كذلك فتفرج لهم فيدخلوها فيغنمون ما فيها فبينما هم يقسمون الغنائم إذ جاءهم الصريخ أن الدجال قد خرج فيتركون كل شيء ويرجعون" وهو حديث طويل وفيه "أمارات الساعة" وانفرد بإخراجه مسلم
(1)
، وقال ثور بن يزيد: هي القسطنطينية وقال أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن إسحاق حدثنا أيوب حدثنا أبو قبيل قال: كنا عند عمرو بن العاصي وسئل أي المدينتين تفتح أولا القسطنطينية أو رومية؟ فقال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مدينة هرقل"
(2)
يعني القسطنطينية، ومدينة رومية الكبرى من مدائن الروم ذكر في كتاب المسالك والممالك
(3)
أن طولها من الباب الغربي إلى الباب الشرقي في ثمانية وعشرون ميلا ولها سورا من حجارة بينهما مقدار ستون ذراعا فصار سمك السور الأول اثنان وسبعون ذراعا وسمك الثاني اثنان وأربعون ذراعا وبين السورين نهر مغطى بباب من نحاس طول كل بلاطة سبعة وأربعين ذراعًا، قال: والنهر الذي يدخل فيها من البحر يدخل فيه المراكب بقلوعها فتقف على جوانبه التجار تبيع وتشتري وفي داخلها كنسية
(1)
صحيح مسلم (2920).
(2)
أخرجه أحمد 2/ 176 (6645)، والدارمى (503)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 256 - 257، والطبراني في الكبير (14/ 130 رقم 14749) والأوائل (61)، والحاكم في المستدرك (4/ 422) و (4/ 508) و (4/ 555). وصححه الحاكم. وقال الهيثمي في المجمع 6/ 219: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير أبي قبيل، وهو ثقة. وصححه الألباني في الصحيحة (4).
(3)
المسالك والممالك ص 113 - 115.
وطولها ميل وأبوابها من الذهب الأحمر انتهى، قاله في تاريخ كنز الدور
(1)
.
قوله: إن عمر بن الخطاب قال: يا أيها الناس إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يقعدن على مائدة يدار عليها الخمر، ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل حليلته الحمام "سيأتي الكلام على الخمر، وأما الحليلة فهي الزوجة وتقدم الكلام على دخول الرجال والنساء بالمئزر بالشروط المتقدمة.
273 -
وَعَن أبي الْمليح الْهُذلِيّ رضي الله عنه: أَن نسَاء من أهل حمص أَو من أهل الشأم دخلن على عَائِشَة رضي الله عنها فَقَالَت أنتن اللَّاِتي تدخلن نساءكن الحمامات سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من امْرَأَة تضع ثِيَابهَا فِي غير بَيت زَوجهَا إِلَا هتكت السّتْر بَينهَا وَبَين رَبهَا" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ حَدِيث حسن وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا
(2)
.
وروى أَحْمد وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم أَيْضا من طَرِيق دراج أبي السَّمْح عَن السَّائِب أَن نسَاء دخلن على أم سَلمَة رضي الله عنها فسألتهن من أنتن قُلْنَ من أهل حمص قَالَت من أَصْحَاب الحمامات قُلْنَ وَبهَا باس قَالَت
(1)
كنز الدرر (1/ 121 - 122).
(2)
أخرجه أحمد 6/ 173 (25407) و (25408) و 6/ 267 (26304)، وابن ماجه (3750)، وأبو داود (4010)، والترمذى (2803)، والحاكم (4/ 288 - 289). وقال الترمذى: هذا حديث حسن. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (170).
سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول أَيّمَا امْرَأَة نزعت ثِيَابهَا فِي غير بَيتهَا خرق اللّه عَنْهَا ستره
(1)
.
قوله: عن أبي المليح، أبو المليح الهذلي اسمه [قيل: اسمه عامر، وقيل: زيد بن أسامة بن عمير، وقيل: ابن أسامة بن عامر بن عمير بن حنيف بن ناجية بن عمرو بن الحارث بن كثير بن هند بن طابخة بن لحيان بن هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر البصري، وقال الدارقطني: أبو المليح بن أسامة بن عمير بن عامر بن أقيشر واسم الأقيشر عمير قال أبو زرعة، ومحمد بن سعد: ثقة
(2)
].
قوله: أتى نساء من أهل حمص أو من الشام دخلن على عائشة رضي الله عنها فقالت: أنتن اللاتي تدخلن نساءكن الحمامات، الحديث، أما حمص فمدينة معروفة من مشارق الشام لا تنصرف وإن كانت اسما ثلاثيا ساكن الأوسط لأنها عجمية اجتمع فيها العجمية والعلمية والتأنيث كماه وجور ونظائرهما وهي من المدن الفاضلة، وفي حديث ضعيف "إنها من مدن الجنة" وكانت في أول الأمر أشهر بالفضل من دمشق وهي في مستوى من
(1)
أخرجه أحمد (26569)، وأبو يعلى (7031)، والطبراني في الكبير (23/ 314 رقم 710) و (23/ 402 رقم 962)، والحاكم (4/ 289). وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبى. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 277: رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو يعلى، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. وقال البوصيرى في اتحاف الخيرة 1/ 303: هذا إسناد ضعيف؟ لضعف عبد اللّه بن لهيعة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (171).
(2)
تهذيب الكمال (34/ الترجمة 7648).
الأرض حصينة مقصودة من سائر النواحي وأهلها في خصب ورغد وعيش وفي نسائها جمال فائق، وكافت في قديم الزمان أكثر البلاد وأحسنها، ويقال إنها مطلسمة لا يدخلها حية ولا عقرب ومتى وصلت الحية والعقرب إلى باب المدينة هلكت وتحمل من تراب حمص للبلاد فيوضع على لسعة العقرب فيبرأ ولها على القبة العالية التي وسطها صنم من نحاس على صورة إنسان راكب على فرس يدور مع الريح كيفما دارت وفي حائط القبة حجر فيه صورة عقرب يحيي المللذوغ والملسوع ومعه طين يطبعه على تلك الصورة ويدعه على اللذعة واللسعة وجميع شوارعها وأزقتها أو طرقها مفروش بالحجر الصلد وبها جامع كبير جدا وأهلها موصوفون بالرقاعة وقلة العقل وذكر الثعلبي في كتاب العرائس في فضل الشام أنه نزل حمص تسعمائة رجل من الصحابة رضي اللّه تعالى عنهم أجمعين
(1)
.
قول عائشة: أنتن اللاتي تدخلن نساءكن الحمامات سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت زوجها إلا هتكت الستر فيما بينها وبين ربها" الحديث.
قال العلماء: ويترتب في إتيان النساء الحمام مفاسد منها ترك الصلاة ومنها لإظهار الزينة التي أمرت بإخفائها ومنها التشويش على الرجال بما يظهر من تحت الثوب من الحلي والقماش الملون أو مشية بتمايل أو رائحة طيبة
(1)
انظر: ربيع الأبرار (5/ 439)، وعرائس المجالس (ص 323)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 86)، وحياة الحيوان (2/ 190)، وخريدة العجائب (ص 105 - 106).
ونحو ذلك من الفضائل التي يفعلها نساء أهل الزمان فإن ذلك مما يفتح طرق الشياطين ويتمادى به كثير من الناس، قال معاذ بن جبل رضي الله عنه: أخوف ما أخاف عليكم فتنة النساء إذا تسورن الذهب ولبس رياط الشام وعصب اليمن فأتعبن الغني وكلفن الفقير ما لا يجد. رواه الإمام أحمد
(1)
، وعن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"إن إبليس لما أهبط إلى الأرض قال رب اجعل لي بيتًا فكان الحمام قال فاجعل لي مجلسًا فالأسواق ومجامع الطرق، قال فاجعل لي مصائد قال النساء"
(2)
، ورواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان عن أبي أمامة بزيادة "إن إبليس لما أنزل إلى الأرض قال: يا رب أنزلتني إلى الأرض وجعلتني رجيمًا، فاجعل لي بيتا، قال: الحمام، قال: فاجعل لي مجلسًا، قال: الأسواق ومجامع الطرقات، قال: فاجعل لي طعامًا، قال: كل ما لم يذكر اسم الله عليه، قال: فاجعل لي شرابا، قال: كل مسكر، قال:
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (785)، وابن أبى شيبة في المصنف 7/ 466 (37281)، والخرائطى في اعتلال القلوب (219)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 236 - 237) من طريق الإمام أحمد، وابن بشران (1429)، والبيهقى في الشعب (13/ 181 رقم 10146) والزهد الكبير (437)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 312)، وابن الجوزي في ذم الهوى (ص 134). وضعفه الألباني في الضعيفة (2788) وضعيف الجامع (881).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 207 رقم 7837)، والكلاباذى في بحر الفوائد (879) و (1115). قال العراقى في تخريج الإحياء ص 912: أخرجه الطبراني في الكبير وإسناده ضعيف جدًّا ورواه بنحوه من حديث ابن عباس بإسناد ضعيف أيضًا. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 119: رواه الطبراني، وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو ضعيف. وقال الألباني: منكر جدًّا الضعيفة (6054).
فاجعل لي مؤذنًا، قال: المزمار، قال: فاجعل لي قرآنًا، قال: الشعر، قال: فاجعل لي كتابًا، قال، الوشم، قال: فاجعل لي حديثًا، قال: الكذب، قال: فاجعل لي رسلًا، قال: الكهنة، قال: فاجعل لي مصائد، قال: النساء"
(1)
.
وفي صحيح مسلم: "فاتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول فتنة بني إسرائيل من النساء"
(2)
وفي الصحيحين من حديث أسامة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء"
(3)
ومن المفاسد المترتبة على دخول النساء الحمام فالمرأة المفسدة قد لا تتمكن من فعل ما تريد إلا بحجة الحمام فإن كيد النساء أعظم من كيد الشيطان.
قال اللّه عز وجل {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا}
(4)
وقال في النساء: {إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ}
(5)
قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني اعص النساء في المعروف حتى لا يأتينك بالمنكر واتق شرارهن وكن مع خيارهن على حذر فإنهن لا يسارعن إلى خير بل هن إلى الشر أسرع فينبغي للرجل الحازم أن لا يمكن أهله من دخول الحمام إلا في خلوة وقد استحب ذلك جماعة من السلف وقال بعضهم: الدرهم الذي أخلي به الحمام أحب إلي من الدرهم
(1)
أخرجه ابن أبى الدنيا في مصائد الشيطان (43). وانظر التخريج السابق.
(2)
أخرجه مسلم (99 - 2742) عن أبى سعيد الخدرى.
(3)
أخرجه البخارى (5096)، ومسلم (97 و 98 - 2740).
(4)
سورة النساء، الآية:76.
(5)
سورة يوسف، الآية:28.
الذي أتصدق به
(1)
.
فائدة: قال الشافعية: يحرم على المسلمة التعري بحضرة الكتابية قال اللّه تعالى: {لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} إلى قوله {أَوْ نِسَائِهِنَّ}
(2)
الآية. وتقدم ذلك عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي عبيدة: بلغني أن نساء من نساء المسلمين فقيل يدخلن الحمامات ومعهن نساء من أهل الكتاب فأزجر عن ذلك وحل دونه، فقال أبو عبيدة وهو غضبان ولم يكون رضي الله عنه غضوبا: اللهم أيما امرأة دخلت الحمام من غير علة ولا سقم تريد بذلك أن تبيض وجهها سود وجهها يوم تبيض وجوه فيجب منع الذميات من دخول الحمام مع المسلمات وكذلك الإماء الكافرات، أما المملوك العفيف فقال جماعة من أصحاب الشافعي: هو كالمحرم في النظر وقال أبو حنيفة والإمام أحمد: لا يكون محرما ولا كالمحرم فيحرم دخوله مع سيدته الحمام سواء كان مميزا أو بالغا، وأما الطفل الذي لا يميز فيجوز بلا خلاف، وأما البالغ الممسوح فجوزه بعضهم ومنعه بعضهم وكذلك المجذوب الذي نقيت أنثياه والخصي الذي نقي ذكره والعنين العاجز عن الجماع والمخنث والشيخ الهرم فجوز قوم نظر هؤلاء إلى النِّساء ومنعه آخرون، فأما من جوز نظرهم إليهن فقال: إنهم ليسوا من أولي الإربة ومن منعه قال لعموم قوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
(1)
الإلمام (ص 133 - 136).
(2)
سورة النور، الآية:31.
{أَبْصَارِهِمْ}
(1)
قال ابن الصباغ في الشامل: لا يجوز للخصي النظر إلى بدن المرأة إلا أن يكبر ويهرم وتذهب شهوته وكذلك المخنث ويحرم الخلوة بالمرأة الأجنبية سواء كان في حمام أو بيت أو طريق
(2)
واللّه أعلم.
قوله: رواه أحمد وأبو يعلى من طريق دراج أبي السمح، دراج لقب أبي السمح القرشي السهمي المصري القاضي مولى عبد اللّه بن عمرو بن العاصي رأى مولاه عمرو بن العاصي وكان دراج كريمًا إذا أتاه من يطلب العلم يحدثه حتى يطعم عنده، توفي سنة عشرين ومائة، وروى له البخاري في الأدب وغيره والأربعة
(3)
.
274 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من كَانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام إِلَا بمئزر وَمن كانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام وَمن كانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فليسع إِلَى الْجُمُعَة وَمن اسْتغنى عَنْهَا بلهو أَو تِجَارَة اسْتغنى اللّه عَنهُ وَاللّه غَنِي حميد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَزَّار دون ذكر الْجُمُعَة وَفِيه عَليّ بن يزِيد الألْهَانِي
(4)
.
(1)
سورة النور، الآية:30.
(2)
الإلمام بآداب دخول الحمام (ص 107 - 108) و (ص 110 - 111).
(3)
تهذيب الكمال (8/ الترجمة 1797).
(4)
أخرجه البزار كما في كشف الأستار (318)، والطبراني في الأوسط (7/ 218 رقم 7320). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن فضيل بن مرزوق إلا علي بن يزيد، تفرد به: محمد بن حرب. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 278: رواه الطبراني في الأوسط،
=
قوله: عن أبي سعيد الخدري: تقدم الكلام على فضائله.
قوله: "ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليسع إلى الجمعة ومن استغنى عنها بلهو أو تجارة استغنى الله عنه" الحديث، والمراد بقوله "استغنى اللّه عنه" أي طرحه ورمى به من عينه فعل من استغنى عن الشيء فلم يلتفت إليه، وقيل جزاه جزاء استغنائه عنها كقوله تعالى {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}
(1)
قال ابن الأثير في النهاية
(2)
.
قوله: "ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يدخل الحمام إلا بمئزر" تقدم.
قوله: وفيه علي بن يزيد الألهاني، هو علي بن يزيد بن [أبي هلال الألهاني، ويقال: الهلالي، أبو عبد الملك، ويقال: أبو الحسن، الشامي الدمشقي].
275 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أنَهَا سَأَلت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم عَن الْحمام فَقَالَ: "إِنَّه سَيكون بعدِي حمامات وَلَا خير فِي الحمامات للنِّسَاء فَقَالَت يَا رَسُول اللّه إِنَّهَا تدخله بإزار فَقَالَ لا وَإِن دَخلته بإزار وَدرع وخمار وَمَا من امْرَأَة تنْزع خمارها فِي غير بَيت زَوجهَا إِلَا كشفت السّتْر فِيمَا بَينهَا وَبَين رَبهَا"
= والبزار باختصار ذكر الجمعة، وفيه علي بن يزيد الألهاني، ضعفه أبو حاتم وابن عدي، ووثقه أحمد وابن حبان. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (126).
(1)
سورة التوبة، الآية:67.
(2)
النهاية (3/ 391).
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط من رِوَايَة عبد اللّه بن لَهِيعَة
(1)
. قوله: عن عائشة، تقدم الكلام على مناقبها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه سيكون بعدي حمامات ولا خير في الحمامات للنساء، فقالت: يا رسول اللّه إنها تدخله بإزار، فقال: لا وإن دخلته بإزار ودرع وخمار" الحديث، الدرع هو القميص الخصيف السابغ الذي يستر ظهور القدمين قاله ابن أبي زيد المالكي في كتابه الرسالة
(2)
، والخمار هو ما يغطي به الرأس
(3)
، وتقدم الكلام على دخولهن الحمام بالشروط المتقدمة واللّه أعلم.
قوله: رواه الطبراني من رواية عبد اللّه بن لهعية، وعبد اللّه بن لهيعة تقدم الكلام.
276 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "من كَانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل الْحمام وَمن كَانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يدْخل حليلته الْحمام من كَانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يشرب الْخمر من كَانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلا يجلس على مائدة يشرب عَلَيْهَا الْخمر من
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 321 رقم 3286). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عروة إلا أبو الأسود، تفرد به ابن لهيعة. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 278: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. وقال الألباني: منكر الضعيفة (6216)، وضعيف الترغيب (128).
(2)
الرسالة (ص 37).
(3)
النهاية (2/ 78).
كَانَ يُؤمن بِاللّه وَالْيَوْم الآخر فَلَا يخلون بِامْرَأَة لَيْسَ بَينه وَبَينهَا محرم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه يحيى بن أبي سُلَيْمَان الْمدنِي
(1)
.
قوله: عن ابن عباس تقدم.
قوله: "ومن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس بينه وبينها محرم" الحديث المحرم القرابة وهو من يحرم عليه نكاحها.
قوله: فيه يحيى بن أبي سليمان المدني.
277 -
وَرُوِيَ عَن الْمِقْدَام بن معد يكرب رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُم ستفتحون أفقا فِيهَا بيُوت يُقَال لَهَا الحمامات حرَام على أمتِي دُخُولهَا فَقَالُوا: يَا رَسُول اللّه إِنَّهَا تذْهب الوصب وتنقي الدَّرن قَالَ: فَإِنَّهَا حَلأل لذكور أمتِي فِي الأزر حرَام على إناث أمتِي" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ
(2)
.
الْأُفق بِضَم الْألف وَسُكُون الْفَاء وَبِضَمِّهَا أَيْضًا هِيَ النَّاحِيَة والوصب الْمَرَض. قوله: عن المقدام بن معد كرب، هو المقدام بن معد كري الكندي بفتح الكاف وكسرها، وأما كرب فيجوز كسر الباء مع التنوين على الإضافة ويجوز فتحها على البناء، كنيته أبو كريمة وقيل أبو صالح وأبو يحيى وأبو
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 191 رقم 11462). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 279: رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى بن أبي سليمان المدني، ضعفه البخاري وأبو حاتم، ووثقه ابن حبان. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (172).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 284 رقم 671) والشاميين (1857). قال الهيثمي في المجمع 1/ 278: رواه الطبراني، وفيه مسلمة بن علي الخشني، وقد أجمعوا على ضعفه. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (129).
بسر والأول أشهر، وفد على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في وفد كنده، ضرب النبي صلى الله عليه وسلم على منكبيه ثم قال "أفلحت يا قديم إن مت ولم تكن أميرا ولا كاتبا ولا عريفا" الحديث وعداده في أهل الشام سكن حمص وروى له عن النبي صلى الله عليه وسلم سبعة وأربعون حديثا روى عنه خالد بن معدان وراشد بن سعد وجبير بن نفير وغيرهم، توفي بالشام سنة سبع وثمانين وهو ابن إحدى وتسعين سنة روى له الجماعة سوى مسلم
(1)
.
قوله: صلى الله عليه وسلم "إنكم ستفتحون أفقا فيها بيوت يقال لها الحمامات حرام على أمتي دخولها" الحديث، الأفق: بضم الألف وسكون الفاء وبضمها أيضا هي الناحية قاله الحافظ، وقال بعض العلماء: هي الناحية والجانب وجمعها آفاق والآفاق النواحي وآفاق الأرض نواحيها وأطرافها ورجل أفقي بفتح الهمزة وألفا إذا كان من آفاق الأرض وبعضهم يقول بضمها وهو القياس هذا خطأ لغوي وأما قوله تعالى {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ}
(2)
فقال مجاهد والحسن والسدي والمنهال وابن قتيبة أن الآفاق ما يفتح من القرى وفي أنفسهم فتح مكة
(3)
. انتهى قاله في الديباجة.
قوله: فقالوا يا رسول اللّه إنها تذهب الوصب وتنقي الدرن قال "فإنها
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 112 - 113 ترجمة 603).
(2)
سورة فصلت، الآية:53.
(3)
انظر: الصحاح (4/ 1446)، وتفسير البغوى (7/ 179)، ومشارق الأنوار (1/ 48)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 9)، والنهاية (1/ 56).
حلال لذكور أمتي في الأرض حرام على إناث أمتى" الوصب المرض قاله الحافظ والدرن الوسخ وتقدم الكلام على دخول الرجال والنساء الحمامات بالشروط المتقدمة واللّه أعلم.
فائدة: قال الغزالي في الإحياء
(1)
: يستحب للإنسان أن يعطي الأجرة قبل الدخول فإن ما يستوفيه مجهول وكذا ما ينتظره الحمامي فتسليم الأجرة قبل الدخول دفع للجهالة من أحد العوضين انتهى.
خاتمة الباب: تتعلق بالطب: قال الفقيه أبو الليث السمرقندي في كتابه بستان العارفين: إذا أراد الإنسان أن يدخل الحمام لا ينبغي له أن يدخل بدفعة واحدة في البيت الداخل ولكن ينبغي أن يمكث في كل بيت قليلا ثم يدخل في الآخر وكذلك في حال الخروج ويكره أن يصب على رأسه بعدما يخرج ماء بارد.
أو يشرب ماء باردًا فإن ذلك يضر البدن، ويقال دخول الحمام في أيام الصيف أنفع للبدن من أيام الشتاء ولا ينبغي للحمام أن يكون سخينا جدًّا في أيام الصيف فإن ذلك يخاف منه الآفة وإذا خرج من الحمام في أيام الشتاء ينبغي له أن يلبس ثيابا أسرع ما أمكنه كيلا يجد برد الهواء فيضره، وينبغي له أن يغطي رأسه لكيلا يصيبه وجع الرأس فإن أراد أن يتنور يستحب له أن لا يقرب النساء قبل ذلك بيوم وليلة ويقال إكثار الاغتسال بالماء البارد يشوه
(1)
الإحياء (1/ 139).
البشرة ويهيج به المرء، ويقال الغسل في أيام الصيف أرفق بالبدن إذا لم يكن حارا شديدا ولا باردًا شديدًا، ودخول الحمام جائعا يتولد منه اليبوسة في البدن، وإن كان في حال الامتلاء يخاف منه داء في البطن والديدان في الأمعاء، وقال ابن المقنع من دخل الحمام وهو شبعان فأصابه القولنج فلا يلومن إلا نفسه، ومن أكل السمك الطري وقام من المائدة ودخل الحمام فأصابه القولنج والفالج فلا يلومن إلا نفسه
(1)
انتهى.
(1)
بستان العارفين (ص 372).