الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الوضوء وإسباغه
أصل الوضوء في اللغة من الوضاءة وهي الحسن والنظافة وسمي وضوء الصلاة وضوءا لأنه ينظف المتوضأ ويحسنه وكذلك الطهارة أصلها النظافة والتنزه
(1)
. وفي الشريعة غسل أعضاء مخصوصة ومسح الرأس
(2)
.
والمعنى اللغوي موجود فيه مشاهدة فإن الذي يواظب على الوضوء يكون وجهه أحسن ممن لا يواظب وإن استويا فى أصل الخلقة والجمال ولذلك يرى المواظب على الصلاة حسن الوجه نيره والذي لا يصلي على وجهه ظلمة وقتام لأن ترك الصلاة من أعظم الكبائر وقال ابن عمر رضي الله عنهما لا أعلم بعد الشرك وقتل النفس أعظم من ترك الصلاة ذكره ابن حزم واختاره فالذي يصلي تظهر الحسنة على وجهه لأن اللّه تعالى سمى الصلوات حسنات فقال {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}
(3)
والمراد بالحسنات هنا الصلوات بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر ذلك كذلك قاله في تهذيب النفوس.
فائدة: قال القاضي عياض: اختلفوا متى فرضت الطهارة للصلاة فذهب
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 99).
(2)
النجم الوهاج (1/ 311)، وحدود بن عرفة (ص 32)، والتعريفات (ص 142) للجرجانى.
(3)
سورة هود، الآية:114.
ابن الجهم إلى أن الوضوء في أول الإسلام كان سنة ثم نزل فرضه في آية التيمم وقال الجمهور بل كان قبل ذلك فرضا قال واختلفوا في أن الوضوء فرض على كل قائم إلى الصلاة على المحدث خاصة فذهب ذاهبون من السلف إلى أن الوضوء كالصلاة فرض بدليل قوله {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}
(1)
وذهب قوم إلى أن ذلك كان ثم نسخ وهل لكل صلاة على الندب فيه قولان، وقيل بل لم يشرع إلا لمن أحدث ولكن تجديده لكل صلاة مستحب وعلى هذا أجمع أهل الفتوى بعد ذلك ولم يبق بينهم فيه خلاف ومعنى الآية عندهم إذا قمتم محدثين هذا كلام القاضي، قال النووي واختلف أصحابنا في الموجب للوضوء على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يجب بالحدث وجوبًا موسعًا.
والثاني: لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة.
والثالث: يجب بالأمرين.
وهذا هو الراجح عند أصحابنا وأجمعت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين الصلاة المفروضة والنافلة وسجود التلاوة والشكر وصلاة الجنازة وأما المعذور كمن لم يجد ماء ولا ترابًا ففيه أربعة أقوال للشافعي وهي مذاهب العلماء، قال فكل واحد منها قائلون أصحها عند أصحابنا يجب عليه أن يصلي على حاله ويجب أن يعيد إذا
(1)
سورة المائدة، الآية:6.
تمكن من الطهارة. والثاني: يحرم عليه أن يصلي ويجب القضاء. والثالث: يستحب أن يصلي ويجب القضاء. والرابع: يجب أن يصلي ولا يجب القضاء وهذا القول اختيار المزني وأشهب وهو أقوى الأقوال دليلا
(1)
والله أعلم قاله في الديباجة.
تنبيه: أشهب قال الشافعي: ما رأيت أفقه من أشهب لولا طيش فيه وأشهب المذكور هو ابن عبد العزيز بن داود الفقيه المالكي المصري ولد في السنة التي ولد فيها الشافعي وهي سنة وخمسين ومائة وتوفي بعد الشافعي بثمانية عشر يوما.
قال ابن عبد الحكم: سمعت أشهب يدعوا على الشافعي بالموت فذكر ذلك للشافعي فقال رحمة الله عليه:
تمنى رجال أن أموت وإن أمت
…
فتلك سبيل لست فيها بأوحد
فقل للذي يبقى خلاف الذي
…
مضى تهيأ لأخرى مثلها فكأن قد
قال: فمات الشافعي فاشترى أشهب من تركته عبدا فاشتريته من تركته بعد ثلاثين يوما، والطيش خفة العقل
(2)
.
281 -
عَن ابْن عمر رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سُؤال جِبْرَائِيل إِيَّاه عَن الإِسْلَام فَقَالَ: "الإِسْلام: أَن تشهد أَن لا إِلَه إِلَا الله وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله وَأَن تقيم الصَّلاة وتؤتي الزَّكاة وتحج وتعتمر وتغتسل من الْجَنَابَة وَأَن تتمّ
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 102 - 103).
(2)
تهذيب الكمال (3/ 296 - 299 الترجمة 533).
الْوضُوء وتصوم رَمَضَان قَالَ فَإِذا فعلت ذَلِك فَأَنا مُسلم قَالَ: نعم، قَالَ: صدقت، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه هَكَذَا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا بِنَحْوهِ بِغَيْر هَذَا السِّيَاق
(1)
.
قوله: عن ابن عمر، تقدم، والمراد به عبد الله بن عمر بن الخطاب، قال أبو الفرج بن الجوزي: كنية ابن عمر أبو عبد الرحمن عبد الله بن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وأمه: زينب بنت مظعون، أسلم قبل أبيه بمكة ولم يكن بالغًا وهاجر مع أبيه إلى المدينة وعرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر فرده ويوم أحد فرده وعرض عليه يوم الخندق وهو ابن خمسة عشر سنة فأجازه
(2)
، قال نافع: فحدثت به عمر بن عبد العزيز في الغزو فقال: هذا فصل بين الصغير والكبير
(3)
، فهذا الحديث هو عمدة الجمهور في أن البلوغ يكون باستكمال خمس عشرة سنة قمرية، وروى الدارقطني أن النبي قال:"إذا بلغ المولود خمس عشرة سنة كتب ما له وما عليه وأقيمت عليه الحدود"
(4)
فبلوغ الصبي عند استكماله خمس عشرة
(1)
أخرجه ابن أبى شيبة في الإيمان (119) والمصنف 3/ 331 - 332 (14696) و 6/ 170 - 171 (30429)، وأحمد 1/ 52 (374)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (370) و (374)، والنسائى في الكبرى (5852)، وابن خزيمة (1) و (3065)، وأبو عوانة (4)، وابن حبان (173). وصححه الألباني فى الإرواء (1/ 34) والصحيحة (2903)، وصحيح الترغيب (175) و (1101).
(2)
صفة الصفوة (1/ 214).
(3)
أخرجه البخارى (2664)، ومسلم (91 - 1868)، وأبو داود (4407).
(4)
قال البيهقى في الكبرى (6/ 94): إسناده ضعيف لا يصح.
سنة قمرية، وقيل: بالطعن فيها، وقيل: حتى ستة أشهر منها واعتبر الشافعي رحمه الله أن يكون ذلك من تمام ولادته، وهكذا جميع الأحكام المترتبة عليه لا تثبت بخروج بعضه ولا أكثره عند الشافعي بل بجميعه من الإرث والعدة وغيرهما، وهذا السن تحديد لا تقريب، ولا فرق في ذلك بين الغلام والجارية، وعن مالك إنكار البلوغ بالسن، وعن أبي حنيفة أن بلوغ الغلام بثماني عشرة، وفي الجارية عنه روايتان إحداهما كذلك والثانية لتسع عشرة؛ والبلوغ يحصل بذلك أو بخروج المني لقوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ}
(1)
ولقوله صلى الله عليه وسلم: "رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم"
(2)
وهذا بالإجماع في الغلام والصحيح أن الجارية كذلك للآية والحديث، وفي وجه ضعيف أن الاحتلام ليس بلوغا في النساء لندرته فيهن
(3)
فعلى هذا قال الأصحاب: إذا احتلمت تؤمر بالاغتسال كما تؤمر بالوضوء من الحدث، وخالفهم الإمام ووقت إمكانه استكمال تسع سنين ولا عبرة بما يخرج قبل ذلك، وقيل: بمضي ستة أشهر من العاشرة، وقيل بتمامها
(4)
، وتزيد المرأة حيضا وحبلا فيحكم ببلوغ الحامل إذا كاثت ذات زوج إذا ولدت قبل ولادتها بستة أشهر ولحظة وإن كانت مطلقة وأتت بولد يلحقه
(1)
سورة النور، الآية:59.
(2)
أخرجه أبو داود (4401) و (4403)، والنسائى في الكبرى (7502)، وابن خزيمة (1003) و (3048)، وابن حبان (143)، والحاكم (1/ 258 و 2/ 59 و 4/ 389) عن على بن أبى طالب. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في الإرواء (2/ 5).
(3)
انظر: النجم الوهاج (4/ 399 - 400).
(4)
النجم الوهاج (4/ 400).
بحكم بلوغها قبل الطلاق بلحظة
(1)
، انتهى، قاله في الديباجة.
ومن مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب أنه قال: رأيت في المنام كأن بيدي قطعة إستبرق، ولا أشير بها إلى مكان من الجنة إلا طارت فقصتها حفصة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"إن أخاك رجل صالح"، أخرجاه في الصحيحين
(2)
، وعن عبيد الله بن عدي وكان مولى لابن عمر أنه قدم من العراق فقال لابن عمر: أهديت لك هدية، قال: وما هي؟ قال: جوارش، قال: وما هي؟ قال: تهضم الطعام، قال: والله ما ملأت بطني طعامًا منذ أربعين سنة فما أصنع بهديتك
(3)
؛ وجاء سائل لابن عمر فقال لابنه: أعطه دينارًا فأعطاه فلما انصرف قال له ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه فقال: لو أعلمت أن الله يقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم فلم يكن غائبًا أحب إلى من الموت، أتدري ممن يتقبل الله تعالى:{إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ}
(4)
(5)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في سؤال جبريل إياه عن الإسلام، فقال:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله وأن يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة" الحديث، جبريل عليه الصلاة والسلام قال علماء التأويل: جبر اسم وائل من أسماء الله
(1)
النجم الوهاج (4/ 402 - 403)، ومغنى المحتاج (3/ 134).
(2)
أخرجه البخارى (7015 و 7016)، وابن حبان (7072).
(3)
أخرجه أبو داود في الزهد (295) و (311)، وابن أبى الدنيا في إصلاح المال (365)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 300)، والبيهقى في الشعب (7/ 469 رقم 2594).
(4)
سورة المائدة، الآية:27.
(5)
صفة الصفوة (1/ 219)، وتاريخ دمشق (31/ 146).
تعالى فخير بمنزلة عبد وائل هو الله تعالى، ومعناه: عبد الله، وقد ثبت أن جبريل عليه السلام كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة دحية الكلبي، وقال ابن عباس: جبريل صاحب الوحي والعذاب إذا أراد الله تعالى أن يهلك قوما سلطه عليهم كما فعل بقوم لوط، وقال الكلبي: سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أن يأتيه في صورته التي خلقه الله عليها فقال: لا تستطيع أن تثبت، فقال:"بلى" فظهر في ستمائة جناح سد الأفق جناح منها فشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرًا عظيمًا فصعق، فذلك معنى قوله:{وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13)}
(1)
، وقال ابن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل:"إن الله وصفك بالقوة والطاعة والأمانة فأخبرني عن ذلك" فقال: أما قوتي فإني رفعت قرى قوم لوط من تخوم الأرض على جناحي إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح كلابهم ثم قلبتها عليهم، وأما طاعة المخلوقات لي فإني آمر رضوان خازن الجنة متي شئت بفتحها، وكذلك مالك خازن النار، وأما أمانتي فإن الله أنزل من السماء مائة كتاب وأربعة كتب لم يأمن عليها غيري
(2)
.
قوله: فقال الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله والفرق بين الإسلام والإيمان ألف الشيخ عز الدين بن عبد السلام فيه جزءًا لطيفًا
(3)
وأحسن ما قيل أن كلا منهما يطلق على الآخر من ناحية الشرع لا من جهة اللغة وأن كل
(1)
سورة النجم، الآية:13.
(2)
كنز الدرر (1/ 68 - 69).
(3)
جزء الفرق بين الإيمان والإسلام للعز بن عبد السلام.
واحد شرط في الآخر
(1)
.
قوله: وأن تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة إلى آخره وتحج وتعتمر الحديث إلى آخره سيأتي الكلام على كل واحدة من ذلك في موضعها مبسوطا في حديث جبريل الطويل وسيأتي بغير هذا السياق والله أعلم.
282 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن أمتِي يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة غرا محجلين من آثَار الْوضُوء فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(2)
وَقد قيل إِن قَوْله من اسْتَطَاعَ إِلَى آخِره إِنَّمَا هُوَ مدرج من كلَام أبي هُرَيْرَة مَوْقُوف عَلَيْهِ ذكره غير وَاحِد من الْحفاظ وَالله أعلم.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على فضائله، واختلف العلماء في اسمه اختلافا كثيرًا جدًا، قال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر: لم يختلف في اسم أحد في الجاهلية ولا في الإسلام كالاختلاف فيه، وذكر ابن عبد البر أنه اختلف فيه على عشرين قولا، وذكر غيره نحو ثلاثين قولا، واختلف العلماء في الأصح منها والأصح عند المحققين والأكثرين ما صححه البخاري وغيره من المتقنين أنه عبد الرحمن بن صخر، وذكر الحافظ تقي الدين محمد بن مخلد الأندلسي في مسنده لأبي هريرة خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة
(1)
النجم الوهاج (1/ 215).
(2)
أخرجه البخارى (136)، ومسلم (34 و 35 - 246). وقال الدارقطنى في العلل (1488) عن زيادة يطيل غرته: والصحيح أنه موقوف.
وسبعين حديثا
(1)
، وتقدم الكلام على إسلام أمه وعليه مبسوطًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من آثار الوضوء" الحديث الأمة: الجماعة، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم على معنيين أمة الدعوة وهي من بعث إليهم النبي صلى الله عليه وسلم، وأمة الإجابة الذين آمنوا وصدقوه، وهذه هي المراد بها هنا، وأما أمة الدعوة فليس هذا الحكم ثابت لجميعهم لأن من أمة الدعوة اليهود والنصارى
(2)
، وقد قال صلى الله عليه وسلم:"لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بي إلا وجبت له النار"
(3)
.
وقوله: "يدعون" إما من الدعاء بمعنى النداء أي: ينادون إلى موقف الحساب والميزان وغير ذلك بصفتهم وهي الغرة والتحجيل ويعرفون من بين سائر الأمم بهذه العلامة كما يعرف المجرمون بسيماهم، وإما من الدعاء بمعنى التسمية نحو دعوت ابني زيدًا أي: سميته به
(4)
، قاله ابن العماد في شرح عمدة الأحكام.
قوله: "غرًّا محجلين من آثار الوضوء"، غرًّا جمع أغر أي: ذو غرة، وهي بالضم أي: بيض الوجوه واليدين والرجلين من نور الوضوء بالفرس الأغر،
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 270)، وشرح النووى على مسلم (1/ 67).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 11)، والكواكب الدرارى (2/ 172).
(3)
أخرجه مسلم (240 - 153) عن أبى هريرة.
(4)
انظر: الميسر (1/ 123)، وإحكام الأحكام (1/ 92) والعدة شرح العمدة (1/ 107 - 108)، والمفاتيح (1/ 353)، وشرح المشكاة (3/ 748 - 749)، والكواكب الدرارى (2/ 172).
والأغر الأبرص، قال أهل اللغة: الغرة بياض في جبهة الفرس فوق الدرهم، واستعمل في الشهرة وطيب الذكر؛ والتحجيل: بياض في قوائم الفرس في يديها ورجليها أو في ثلاث منها أو في رجليه قل أو كثر، وإذا كان البياض في قوائمه الأربع فهو محجل، وإذا كان في الرجلين جميعا فهو محجل الرجلين وإن كان في إحدى رجليه فهو محجل الرجل اليمنى أو اليسرى، وإن كان في ثلاث قوائم بدون رجل أو يد فهو محجل الثلاث، وأصله من الحجل وهو الخلخال ثم استعير للنور الذي يعلو أعضاء المتوضئ يوم القيامة
(1)
؛ وقد جاء في الحديث: "غرًّا من السجود محجلين من الوضوء" سمي النور الذي يكون على مواضع الوضوء يوم القيامة غرة وتحجيلا تشبيهًا بغرة ألفرس وتحجله، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لكم سيما ليست لأحد من الأمم" والسيما العلامة فيها ثلاث لغات تقصر وهو الأفصح وبه جاء القرآن والمد والثالثة السيمياء بزيادة ياء مع المد لا غير
(2)
قاله في الديباجة، وقال الحافظ شرف الدين الدمياطي تلميذ الحافظ المنذري: الغرة بياض في وجه الفرس والتحجيل بياض في قوائمه، وذلك مما يكسبه حسنًا وجمالًا فشبه النبي صلى الله عليه وسلم النور الذي يكون يوم القيامة في أعضاء الوضوء بالغرة والتحجيل ليفهم أن هذا البياض في أعضاء الإنسان مما يزينه لا مما يشينه وقريب من
(1)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (4/ 578)، والمفهم (3/ 126)، والكواكب الدرارى (2/ 172)، والتوضيح (4/ 28 - 29).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 125).
هذا قوله تعالى: {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ} (1) والمراد من ذلك الحديث بيض موضع الوضوء من الوجوه والأيدي والأقدام (2) انتهى.
وقال النووي: ومعنى الحديث أنهم إذا دعوا على رؤوس الأشهاد أو إلى الجنة كانوا على هذه العلامة وأنهم يسمون بهذا الاسم لما يرى عليهم من آثار الو ضوء (3) والله أعلم.
واعلم أن هذه الأحاديث مصرحة باستحباب تطويل الغرة والتحجيل، أما تطويل الغرة فيكون في الوجه في موضعين الأول في الناصية ويستحب غسلها في الوضوء والثاني يستحب غسل الأذن كما نقله الدارمي عن الشافعي وكان ابن سريج يفعله وصفحة العنق كما قاله في المهذب (4)؛ وقال النووي: قال أصحابنا: هو غسل شيء من مقدم الرأس وما يجاوز الوجه زائدا على القدر الذي يجب غسله لاستيقان كمال الوجه وأما تطويل التحجيل فهو غسل ما فوق المرفقين والكعبين وهذا مستحب بلا خلاف بين أصحابنا، واختلفوا في القدر المستحب في التحجيل على أوجه أحدها أنه يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين وهذا مستحب من غير توقيت والثاني يستحب إلى نصف العضد والساق والعضد من الإنسان وغيره الساعد وهو ما بين المرفق إلى
الكتف والثالث يستحب إلى المنكبين والركبتين كما كان يفعله أبو هريرة وأحاديث الباب تقتضي هذا كله وأما دعوى الإمام الحسن بن بطال المالكي والقاضي عياض اتفاق العلماء على أنه لا يستحب الزيادة فوق المرفقين والكعبين فغير واضحة وكيف تصح دعواهما وقد ثبت فعل ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي هريرة وهو مذهبنا لا خلاف عندنا فيه كما ذكرناه ولو خالف فيه من خالف كان محجوجا بهذه السنن الصحيحة وأما احتجاجهما بقوله صلى الله عليه وسلم "من زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم" فلا يصح الاحتجاج به لأن المراد من زاد في عدد المرات أو نقمر عن المرة بأن لم يكملها
(1)
وقد استدل جماعة من العلماء بهذا الحديث على أن الوضوء من خصائص هذه الأمة زادها الله تشريفًا.
وقال آخرون ليس الوضوء مختص بهذه الأمة وإنما الذي اختصت به هذه الأمة الغرة والتحجيل فيه فقط واحتجوا بالحديث الآخر "هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي " قال ابن العطار في باب التيمم: والمشهور من قول العلماء أن الوضوء لم يكن خاصا بهذه الأمة وخصت بالتيمم بدلا عن الوضوء والغسل ومنهم من قال الوضوء لنا وللأنبياء دون أممهم وأجاب الأولون عن هذا الحديث بجوابين أحدهما إنه حديث ضعيف معروف الضعف والثاني أنه لو صح احتمل أن يكون الأنبياء اختصت بالوضوء دون أممهم إلا هذه الأمة والله اعلم.
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 135).
قوله: "فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل" وقد قيل إن قوله "فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل" إنما هو مدرج من كلام أبي هريرة إلى آخره، قاله الحافظ المنذري.
فائدة: في قوله "فمن استطاع أن يطيل غرته فليفعل" في الكلام حذف تقديره فمن استطاع أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل والعرب قد تحذف أحد الشيئين لدلالة الثاني عليه كقولهم: قطع الله يد ورجل من قالها ومعنى الحديث أي قدر أن يطيل غرته أي يغسل غرته بأن يوصل الماء من فوق الغرة إلى تحت الحنك طولا ومن الأذن إلى الأذن عرضا فكنى بالغرة عن نور الوجه
(1)
.
سؤال: فإن قيل: من آمن من هذه الأمة ومات قبل أن يتوضأ والأطفال الذين ماتوا قبل سن التمييز هل يبعثون غرا محجلين لكونهم من الأمة أم يبعثون بغير غرة وتحجيل كما هو ظاهر الخبر أو يفصل بين من ترك الوضوء عمدا وبين غيره لأن التارك عمدًا يستحق الحرمان كما أن شارب الخمر إذا مات قبل التوبة لا يشربها وإن دخل الجنة فيه نظر وقال بعض العلماء ظاهر الحديث أن الغرة والتحجيل لا يكونان إلا لمن توضأ من أمته صلى الله عليه وسلم فيدل على أن العصاة الذين لم يتوضأوا قط ولا صلوا لا يكون لهم غرة ولا تحجيل
(2)
(1)
شرح المشكاة (3/ 749)، والكواكب الدرارى (2/ 173).
(2)
قاله شيخ الإسلام ابن تيمية مجموع الفتاوى (35/ 107). وقال في مجموع الفتاوى (21/ 171): هذا الحديث دليل على أنه إنما يعرف من كان أغر محجلا وهم الذين=
وقد نقل خلافه.
وقال الشيخ أبو عمران الزناتى شارح رسالة ابن أبي زيد: قال العلماء الغرة والتحجيل حكم ثابت لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من توضأ منهم ومن لم يتوضأ كما قالوا لا يكفر أحد بذنب من أهل القبلة لأن أهل القبلة كل من آمن بالله من أمته وسواء صلى أم لم يصل ولم يعرف هذا النقل لغيره وقواعد السنة تساعده
(1)
.
لطيفة: قال الشيخ تقي الدين القشيري: قوله صلى الله عليه وسلم "من آثار الوضوء" المعروف فيه ضم الواو ويجوز أن يقال بفتح الواو أي من آثار الماء المستعمل في الوضوء فإن الغرة والتحجيل نشأ عن الفعل بالماء فيجوز أن ينسب إلى كل منهما قال وقد ذكر في الحديث الأمر بتطويل الغرة ولم يذكر الأمر بتطويل التحجيل مع إن الحديث ورد بهما فلم خص الغرة بالتطويل دون التحجيل؟
وأجاب: بأنه غلب ذكر الغرة فهو من باب تغليب أحد الاثنين على الآخر إذا كان لشيء واحد
(2)
انتهى.
= يتوضؤون للصلاة. وأما الأطفال فهم تبع للرجل. وأما من لم يتوضأ قط ولم يصل: فإنه دليل على أنه لا يعرف يوم القيامة.
(1)
انظر: الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 414) والتوضيح (4/ 34 - 35)، وعمدة القارى (2/ 250).
(2)
إحكام الأحكام (1/ 92 - 93).
وأجاب غيره بشيئين آخرين: أحدهما: أنه إنما خص الغرة بالذكر لأن محلها أشرف أعضاء الوضوء وآكدها في الغسل.
والثاني: أنه أول عضو يقع عليه البصر يوم القيامة
(1)
فلذلك خص بالذكر محافظة على تطويل الغرة فيه ليكثر نوره يوم القيامة حتى يصير كالعلم انتهى.
283 -
وَلمُسلم عَن أبي حَازِم قَالَ كنت خلف أبي هُرَيْرَة وَهُوَ يتَوَضَّأ للصَّلاة فَكَانَ يمد يَده حَتَّى يبلغ إبطه فَقلت لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَة مَا هَذَا الْوضُوء فَقَالَ يَا بني فروخ أَنْتُم هَاهُنَا لَو علمت أَنكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأت هَذَا الْوضُوء سَمِعت خليلي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول تبلغ الْحِلْية من الْمُؤمن حَيْثُ الْوضُوء" وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِنَحْوِ هَذَا إِلَّا أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن الْحِلْية تبلغ مَوَاضِع الطّهُور
(2)
.
"الْحِلْية" مَا يحلى بِهِ أهل الْجنَّة من الأساور وَنَحْوهَا.
قوله: ولمسلم من رواية أبي حازم قال: كنت خلف أبي هريرة وهو يتوضأ للصلاة فكان يمد يده حتى يبلغ إبطه فقلت له: يا أبا هريرة ما هذا الوضوء؟ فقال: يا بني فروخ أنتم ههنا لو علمت أنكم ههنا ما توضأت هذا الوضوء
…
(1)
الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 411) والتوضيح (4/ 32)، وفتح البارى (2/ 248).
(2)
أخرجه مسلم (40 - 250)، والنسائى في المجتبى 1/ 337 (154)، وأبو يعلى (6202)، وابن خزيمة (7)، وابن حبان (1045). وصححه الألباني في الصحيحة (252)، وصحيح الترغيب (176)، والمشكاة (291).
الحديث، أبو حازم بالحاء المهملة والزاي اثنان أحدهما أبو حازم الأشجعي الراوي عن أبي هريرة وغيره اسمه سلمان مولى عزة الأشجعية كوفي نبيل روى عن أبي هريرة وجالسه خمس سنين وعن الحسن والحسين وغيرهم وثقه الإمام أحمد وابن معين مات في خلافة عمر بن عبد العزيز في حدود المائة، والثاني هو أبو حازم الراوي عن سهل بن سعد هو الأعرج المدني واسمه سلمة بن دينار أبو عبد العزيز
(1)
، ففي هذه الراوية دلالة على استحباب تطويل الغرة والتحجيل وأنكرت المالكية ذلك وتقدم الكلام على ذلك ونسبوا أبا هريرة إلى الانفراد به وليس كما قالوا الشافعي قد قال بذلك وقد كان جماعة من الصحابة منهم أبو هريرة يغسلون أيديهم إلى الآباط وأرجلهم إلى أنصاف الساقين
(2)
قاله في شرح عمدة الأحكام.
قوله: يا بني فروخ أنتم ههنا، فروخ بفتح الفاء وضم الراء المشددة وفتح الخاء المعجمة غير مصروف للعلمية والعجمة وهم العجم لكثرة هذه النسبة فيهم وقال صاحب العين: فروخ بلغنا أنه كان من ولد إبراهيم صلى الله عليه وسلم من ولد كان بعد إسماعيل وإسحاق كثر نسله ونما عدده فولد العجم الذين هم في وسط البلاد
(3)
انتهى قال القاضي عياض إنما أراد أبو هريرة هنا الموالي منهم وكان خطابه لأبي حازم فخاطبه وهو واحد بلفظ الجمع وإنما نظمه في
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 207 - 208).
(2)
انظر: المفهم (3/ 126)، والإلمام (4/ 299 - 300)، والعدة (1/ 107).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 140)
سلكه لسؤاله عن ذلك بصيغة الإنكار فبكته لاعتراضه وجمعه مع من لا يفهم والله أعلم، قال القاضي: إنما أراد أبو هريرة بكلامه هذا أنه لا ينبغي لمن يقتدى به إذا ترخص في أمر في ضرورة أو تشدد فيه الوسوسة أو لاعتقاده في ذلك مذهبا شذ به عن الناس أن يفعله بحضرة العامة والجهلة لئلا يترخص برخصة لغير ضرورة أو يعتقد إنما يشدد فيه وهو الفرض اللازم
(1)
قاله في شرح الأحكام.
قوله صلى الله عليه وسلم "تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء" أي ماء الوضوء قال الحافظ الحلية ما تحلى به أهل الجنة من الأساور ونحوها انتهى وقال بعض العلماء سميت حلية لأنها تحلي تلك الجوارح في أعين الناظرين
(2)
والحلية النور الحاصل في الأعضاء من أثر الوضوء وهو جمال لصاحبه كما يكون الحلي جمال للمرأة يقال حليته أحليه تحلية إذا ألبسته الحلية
(3)
.
284 -
وَعنهُ رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتَى الْمقْبرَة فَقَالَ السَّلَام عَلَيْكُم دَار قوم مُؤمنين وَإِنَّا إِن شَاءَ الله بكم عَن قريب لاحقون وددت أَنا قد رَأينَا إِخْوَاننَا، قَالُوا أولسنا إخوانك يَا رَسُول الله قَالَ أنتُم أَصْحَابِي وإخواننا الَّذين لم يَأْتُوا بعد، قَالُوا كيفَ تعرف من لم يَأْتِ بعد من أمتك يَا رَسُول الله قَالَ
(1)
إكمال المعلم (3/ 53 - 54)، وشرح النووى على مسلم (3/ 140 - 141).
(2)
نوادر الأصول (3/ 48).
(3)
كشف المشكل (3/ 447)، والنهاية (1/ 435)، والمفاتيح (1/ 354)، والمفهم (3/ 127)، وشرح المصابيح (1/ 234).
أَرَأَيت لَو أَن رجلا لَهُ خيل غر محجلة بَين ظَهْري خيل دهم بهم أَلا يعرف خيله قَالُوا بلى يَا رَسُول الله، قَالَ فَإِنَّهُم يأْتون غرا محجلين من الْوضُوء وَأنا فرطهم على الْحَوْض" رَوَاهُ مُسلم وَغَيره
(1)
.
قوله: وعنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المقبرة
…
الحديث، المقبرة بضم الباء وفتحها وكسرها ثلاث لغات ولغة الكسر قليلة
(2)
.
قوله: فقال "السلام عليكم دار قوم مؤمنين إنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون" قال في النهاية
(3)
: سمى موضع القبر دارا تشبيها بدار الأحياء لاجتماع الموتى فيهم وفي حديث الشفاعة "فاستأذن علي ربي في داره" أي في حضرة قدسه وقيل في جنته فإن الجنة تسمى دار السلام.
وفيه أن اسم الدار تقع على المقابر لأنها تقع على الخراب والمسكون
(4)
.
تنبيه: قوله "دار" منصوب على النداء أي يا أهل دار فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامهم وقيل منصوب على الاختصاص قال صاحب
(1)
أخرجه مالك (64)، وأحمد 2/ 300 (7993) و 2/ 408 (9292)، ومسلم (39 و 40 - 249)، وابن ماجه (4306)، والنسائى في المجتبى 1/ 337 (155) والكبرى (143)، وابن خزيمة (6)، وابن حبان (1046). وصححه الألباني في أحكام الجنائز (190)، الإرواء (776)، وصحيح التركيب (177).
(2)
شرح النووى علي مسلم (3/ 137).
(3)
النهاية (2/ 139).
(4)
معالم السنن (1/ 317 - 318).
المطالع: ويجوز جره على البدل من الضصر في "عليكم"
(1)
.
قوله: "وإنا إن شاء الله عن قريب بكم لاحقون" فأتى بالاستثناء مع أن الموت لا شك فيه، للعلماء فيه أقوال أحدها: أنه ليس للشك ولكنه صلى الله عليه وسلم قاله للتبرك وامتثال أمر الله تعالى في قوله عز وجل {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (23) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}
(2)
(3)
.
والثاني: حكاه الخطابي وغيره أنه عادة المتكلم يحسن به كلامه ويزينه به كما يقول الرجل لصاحبه إنك إن أحسنت إلي شكرتك إن شاء الله وإن آذيتني لم أخنك إن شاء الله ولا يريد بذلك الشك في كلامه حكاه الخطابي وغيره
(4)
.
والثالث: أن الاستثناء عائد إلى اللحوق في ذلك المكان وقيل إن بمعنى إذ ومعناه إذ شاء الله لأنه عليه السلام على يقين من وفاته على الإيمان
(5)
ففي هذا الحديث دليل على استحباب زيارة القبور والسلام على أهلها والدعاء لهم والترحم عليهم
(6)
قال الخطابي وغيره فيه أن السلام على الأموات والأحياء في تقديم السلام على عليكم بخلاف ما كانت الجاهلية
(1)
مطالع الأنوار (3/ 54)، وشرح النووى على مسلم (3/ 137 - 138) و (7/ 41).
(2)
سورة الكهف، الآيتان: 23 - 24.
(3)
إكمال المعلم (2/ 47)، وشرح النووى على مسلم (1/ 138)، وشرح المشكاة (3/ 754).
(4)
معالم السنن (1/ 318)، وشرح النووى على مسلم (1/ 138).
(5)
معالم السنن (1/ 318)، وشرح النووى على مسلم (1/ 138).
(6)
شرح النووى على مسلم (7/ 41).
عليه من قولهم:
عليك سلام الله قيس بن عاصم
…
ورحمته ماشاء أن يترحما
(1)
وهذا هو الجواب عن حديث "لا تقل عليك السلام فإنها تحية الموتى" أي في أشعار العرب، وأما أحاديث تقدم السلام فكثيرة وهي السنة، فالمقصود أن سلام الأحياء والأموات مخالف لما كان عليه أهل الجاهلية وفي بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخرج في آخر الليل فيزور البقيع وفيه فضيلة الدعاء آخر الليل وفضيلة زيارة قبور البقيع
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وددت أنا قد رأينا إخواننا قالوا أو لسنا بإخوانك يا رسول الله قال أنتم أصحابي وإخوننا الذين لم يأتوا بعد" قال العلماء رضي الله عنهم: في هذا الحديث جواز التمني لا سيما في الخير ولقاء الفضلاء وأهل الصلاح والمراد بقوله صلى الله عليه وسلم "وددت أنا قد رأينا إخواننا" أي رأيناهم في الحياة، قال القاضي عياض وقيل المراد تمني لقاءهم بعد الموت
(3)
.
قوله: "قالوا أو لسنا بإخوانك يا رسول الله قال أنتم أصحابي" قال الإمام الباجي: "بل أنتم أصحابي" ليس نفيا لأخوتهم ولكن ذكر مزيتهم الزائدة بالصحبة فهؤلاء أخوة صحابة والذين لم يأتوا أخوة ليسوا بصحابة كما قال
(1)
غريب الحديث (1/ 692) ومعالم السنن (4/ 195)، وشرح النووى على مسلم (7/ 41).
(2)
شرح النووى على مسلم (7/ 41).
(3)
إكمال المعلم (2/ 48)، وشرح النووى على مسلم (3/ 138).
الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}
(1)
(2)
ففرق بين الصحبة والأخوة في الصداقة لمزيد الصحبة وزيادتها على الأخوة العامة قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وليس في قوله "بل أنتم أصحابي" يعني أنهم ليسوا بإخواني بل خصهم بأفضل مزيتهم ووصفهم بأفضل مراتبهم ووصفهم بأخص صفاتهم
(3)
قال القاضي عياض: ذهب أبو عمر بن عبد البر في هذا الحديث وغيره من الأحاديث على أنه يجوز أن يكون في آخر أمته من هو أفضل من بعض الصحابة ولا حجة له في ذلك وإن قوله "خيركم قرني" على الخصوص معناه خير الناس قرني أي السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار ومن سلك مسلكهم فهؤلاء أفضل الأمة وهم المرادون بالحديث
(4)
، فإن الصحابة رضي الله عنهم جمعوا بين الأخوة والصحبة
(5)
.
تنبيه: اختلفوا في المراد بالسابقين في الآية في قوله تعالى {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ}
(6)
فقال سعيد بن المسيب: هم من صلى إلى القبلتين وقال الشعبي: أهل بيعة الرضوان وقال محمد بن كعب القرظي وعطاء: هم أهل
(1)
سورة الحجرات، الآية:10.
(2)
إكمال المعلم (2/ 48)، وشرح النووى على مسلم (3/ 138).
(3)
شرح المشكاة (3/ 754).
(4)
شرح النووى على مسلم (3/ 138).
(5)
شرح المشكاة (3/ 754).
(6)
سورة التوبة، الآية:100.
بدر
(1)
. والله أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم "أرأيت لو أن رجلا له خيل غر محجلة بين ظهري خيل دهم بهم ألا يعرف خيله
…
الحديث" أما "بين ظهري" فمعناه بينهما يقال هو نازل بين ظهريهم أي بينهم، وأما الدهم وهو الأسود والدهمة السمواد وأما البهم فجمع البهيم فقيل الشوداء أيضا وقيل البهم الذي لا يخالط لونه لون سواه سواء أكان أبيض أو أسود أو أحمر أو أصفر بل يكؤق لونه حالصا يقال أسود بهيم وأشقر بهيم وكميث بهيم وهذا قول ابن السكيت وأبي حاتم السجستاني وغيرهما
(2)
.
تنبيه: قال في النهاية: وفي الحديث "ما من أمتي أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة قالوا وكيف تعرفه مع كثرة الخلائق".
قال أرأيت لو دخلت صيرة فيها خيل دهم وفيها فهرس أغر محجل أما كنت تعرفه منها؟ الحديث، الصيرة حظيرة تتخذ للداوب من الحجارة وأغصان الشجر وجمعها صير قال الخطابي قال أبو عبيد صيرة بالفتح وهو غلط
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنهم يأتون يوم القيامة غرا محجلين من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض" الحديث، تقدم الكلام على الغرة والتحجيل وأما الفرط فهو
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 15).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 139).
(3)
النهاية (3/ 66).
الذي يقدم القوم الموارد ليصلح لهم الحياض والدلاء ونحوها من أمور الاستسقاء ويستسقي لهم ومنه قيل للطفل الميت الله اجعله لنا فرطا أي أجرا يتقدمنا حتى نرد عليه، وأنا فرطهم معناه أنه صلى الله عليه وسلم يتقدم الأمة فيهيئ لهم في الجنة منزلا ونزلا كما يتقدم فرط القافلة ويعد لهم ما يفتقرون إليه من الأسباب
(1)
؛ وفي هذا الحديث بشارة لهذه الأمة زادها الله شرفا فهنيئا لمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فرطه
(2)
اللهم أدخلنا في شفاعته وأمتنا على محبته آمين.
285 -
وَعَن زر عَن عبد الله رضي الله عنه أَنهم قَالُوا يَا رَسُول الله كَيفَ تعرف من لم تَرَ من أمتك قَالَ غر محجلون بلق من آثَار الْوضُوء" رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(3)
وَرَوَاهُ أَحْمد وَالطبَرَانِيّ بإسْنَاد جيد نَحوه من حَدِيث أبي أُمَامَة
(4)
.
قوله: وعن زر عن عبد الله رضي الله عنه[هو ابن مسعود].
قوله: "إنهم قالوا يا رسول الله كيف تعرف من لم تر من أمتك؟ قال: غر محجلون بلق من آثار الوضوء" تقدم تفسير ذلك.
(1)
انظر: النهاية (3/ 434).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 139).
(3)
أخرجه أحمد 1/ 402 (3820) و 1/ 451 (4317) و 1/ 452 (4329)، وابن ماجه (284)، وأبو يعلى (5048) و (5300)، وابن حبان (1047) و (7242). وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (178).
(4)
أخرجه أحمد 5/ 261 (22257)، والطبراني في الكبير (8/ 106 رقم 7509). قال الهيثمي في المجمع (1/ 325): رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون.
286 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَنا أول من يُؤذن لَهُ بِالسّجُود يَوْم الْقِيَامَة وَأَنا أول من يرفع رَأسه فَأنْظر بَين يَدي فأعرف أمتِي من بَين الأُمَم وَمن خَلْفي مثل ذَلِك وَعَن يَمِيني مثل ذَلِك وَعَن شمَالي مثل ذَلِك فَقَالَ رجل كيفَ تعرف أمتك يَا رَسُول الله من بَين الأُمَم فِيمَا بَين نوح إِلَى أمتك قَالَ هم غر محجلون من أثر الْوضُوء لَيْسَ لاحَدَّ كذَلِك غَيرهم وأعرفهم أَنهم يُؤْتونَ كتبهمْ بأيمانهم وأعرفهم تسْعَى بَين أَيْديهم ذُرِّيتهمْ" رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وَهُوَ حَدِيث حسن فِي المتابعات
(1)
.
قوله: عن أبي الدرداء، أبو الدرداء اسمه عامر وقيل عويمر تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول من يؤذن له بالسجود يوم القيامة وأنا أول من يرفع رأسه" الحديث، سيأتي الكلام على ذلك في الشفاعة إن شاء الله تعالى في أواخر الكتاب.
(1)
أخرجه أحمد 5/ 199 (21737)، والبزار (4132)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (261)، والطبراني في الأوسط (3/ 304 رقم 3234)، والحاكم في المستدرك (2/ 478). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم يروى بلفظه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث فلذلك كتبناه وسعد بن مسعود هذا فليس بالمعروف، وعبد الله بن جبير فلا نعرفه بالنقل، ولكن لما ذكر في هذا الحديث زيادة لفظ ليس في حديث غيره كتبناه من أجل ذلك وبينا علته. وصححه الحاكم وسكت عنه الذهبى.
وصححه الألباني في صحيح الترغيب (180).
287 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا تَوَضَّأ العَبْد الْمُسلم أَو الْمُؤمن فَغسل وَجهه خرج من وَجهه كل خَطِيئَة نظر إِلَيْهَا بِعَيْنيهِ مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قطر المَاء فَإِذا غسل يَدَيْهِ خرج من يَدَيْهِ كل خَطِيئَة كانَت بطشتها يَدَاهُ مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قطر المَاء فَإِذا غسل رجلَيْهِ خرجت كل خَطِيئَة مشتها رِجْلَاهُ مَعَ المَاء أَو مَعَ آخر قطر المَاء حَتَّى يخرج نقيا من الذُّنُوب" رَوَاهُ مَالك وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَلَيْسَ عِنْد مَالك وَالتِّرْمِذِيّ غسل الرجلَيْن
(1)
.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ العبد المؤمن أو المسلم فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليه بعينه مع الماء أو مع آخر قطرة من الماء" الحديث، فقوله "إذا توضأ العبد المؤمن أو المسلم" هذا شك من الراوي وكذا قوله "مع الماء أو مع آخر قطرة من الماء" فهو شك من الراوي أيضًا
(2)
، وقال: غير هذا القائل قوله "مع الماء أو مع آخر قطرة من الماء" ليس شك من الراوي بل هو لأحد الأمرين
(3)
، قاله في شرح مشارق الأنوار.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينه" المراد بالخطايا الصغائر دون الكبائر كما جاء في الحديث الآخر ما لم تغش الكبائر، قال
(1)
أخرجه مالك (67)، وأحمد (8020)، ومسلم (32 - 244)، والترمذى (2)، وابن خزيمة (4)، وابن حبان (1040).
(2)
انظر: الاستذكار (1/ 202 - 203) و (21/ 261)، وإكمال المعلم (2/ 41)، وشرح النووى على مسلم (3/ 133)، والمفاتيح (1/ 349).
(3)
انظر: مبارق الأزهار (1/ 205)، ومرقاة المفاتيح (1/ 345).
القاضي عياض: المراد بخروجها مع الماء المجاز والاستعارة في غفرانها لأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة
(1)
، وبهذا استدل أبو حنيفة على نجاسة الماء المستعمل ولا حجة فيه، وعند مالك: أن الماء المستعمل طاهر مطهر غير أنه يكره استعياله مع وجود غيره للخلاف فيه، وعند الشافعي وأصبغ: أنه طاهر غير مطهر، وقيل: إنه مشكوك فيه، وقد سماه بعضهم ماء الذنوب
(2)
، والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا غسل يديه خرج من يديه كل خطيئة كانت تفعلها يداه ومشتها رجلاه" فمعناه: اكتسبتها
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه" الحديث، ففيه دليل لمذهب العلماء كافة أن الواجبب غسل الرجلين خلافا للشيعة الرافضة وإبطال قولهم الواجب مسح الرجلين دون الغسل
(4)
، والله أعلم.
288 -
وَعَن عُثْمان بن عَفَّان رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تَوضَّأ فَأحْسن الْوضُوء خرجت خطاياه من جسده حَتَّى تخرج من تَحت أَظْفَاره وَفِي رِوَايَة أَن عُثْمَان تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ مثل وضوئي هَذَا ثمَّ قالَ من تَوَضَّأ هَكَذَا غفر لَهُ مَا تقدم مق ذَنبه وَكَانَت صلَاته ومشيه إِلَى
(1)
إكمال المعلم (2/ 41)، وشرح النووى على مسلم (3/ 133).
(2)
المفهم (3/ 119).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 133).
(4)
شرح النووى على مسلم (3/ 133).
الْمَسْجِد نَافِلَة رَوَاهُ مسلم
(1)
وَالنَّسَائِيّ مُخْتَصرا وَلَفظه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من امرئ يتَوَضَّأ فَيحسن وضوءه إِلَّا غفر لَهُ مَا بَينه وَبَين الصَّلاة الْأُخْرَى حَتَّى يُصليهَا وَإِسْنَاده على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه مُخْتَصرا بِنَحْوِ رِوَايَة النَّسَائِيّ وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا بِاخْتِصَار وَزَاد فِي آخِره وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَلا يغتر أحد وَفِي لفظ النَّسَائِيّ قَالَ من أتم الْوضُوء كَمَا أمره الله فالصلوات الْخمس كَفَّارَات لما بَينهُنَّ
(2)
.
قوله: عن عثمان، تقدم الكلام على بعض مناقبه وأنه يجوز صرف عفان وعدمه، ومن بعض مناقب عثمان رضي الله عنه: قال حذيفة بعث النبي صلى الله عليه وسلم إلى عثمان في جيش العسرة وجيش العسرة هو جيش غزوة تبوك فبعث إليه عثمان بعشرة آلاف دينار فصبت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول بيده ويقلبها ظهرا لبطن ويقول "غفر الله لك يا عثمان ما أسررت وما أعلنت وما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ما يبالي عثمان ما عمل بعد هذا"
(3)
(1)
أخرجه مسلم (8 - 229) و (33 - 245).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (65)، وأحمد 1/ 57 (400) و (406) و 1/ 66 (473) و 1/ 69 (503)، ومسلم (10 و 11 - 231)، وابن ماجه (285) و (459)، والبزار (427 و 428)، والنسائى في المجتبى 1/ 334 (150) و (151) والكبرى (173)، وابن خزيمة (2)، وأبو عوانة في المستخرج (678)، وابن حبان (1041) و (1043). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (182).
(3)
أخرجه ابن عدى في الكامل (1/ 553)، وأبو نعيم في فضائل الخلفاء (78). قال ابن عدى: وهذا الحديث بهذا الإسناد غير محفوظ، وروى عن إسحاق بن إبراهيم هذا عبيد =
والله اعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء" الحديث، الوضوء بضم الواو هو الفعل وأصل الوضوء من الوضاءة وهو الحسن والنظافة وتقدم الكلام على ذلك في أول الباب وكذلك تقدم الكلام على الطهارة، والوضوء بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به، وإحسان الوضوء إكماله بمراعاة فرائضه وسننه وآدابه، والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خرجت الخطايا من جسده" تقدم الكلام على خروج الخطايا من الماء وأن المراد بهذا الاستعارة والمقصود بها الإعلام بتكفير الخطايا ونحوها من كتاب الحفظة وأنها ليست بأجسام فتخرج حقيقة.
قوله: وفي رواية أن عثمان توضأ تم قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مثل وضوئي هذا ثم قال: "من توضأ هكذا غفر له ما تقدم من ذنبه" المراد بغفران الذنوب سترها، والمراد الصغائر كما سيأتي الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وكانت صلاته ومشيته إلى المسجد نافلة" يعني زيادة على ثواب الفرض.
قوله: في رواية النسائي "ما من امرئ مسلم يتوضأ فيحسن الوضوء" تقدم الكلام على إحسان الوضوء.
قوله: في آخر الحديث وزاد ابن ماجه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ولا يغتر أحد"
= الله بن موسى، وأبو نعيم الفضل بن دكين وسعيد بن سليمان الواسطي وأحاديثه غير محفوظة.
المراد بذلك والله أعلم أن الإنسان إذا أذنب ذنبا ثم توضأ ولم يتب من الذنب قد يغتر بذلك ويقول غفر لي بالوضوء
(1)
والله أعلم.
289 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَنه تَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء ثمَّ قَالَ من تَوَضَّأ مثل وضوئي هَذَا ثمَّ أتى الْمَسْجِد فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثمَّ جلس غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه قَالَ وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لا تغتروا" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَغَيره
(2)
.
290 -
وَعنهُ رضي الله عنه: أَيْضا أَنه دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ ضحك فَقَالَ لاصحاب أَلا تَسْألونِي مَا أضحكني فَقَالُوا مَا أضْحكك يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تَوَضَّأ كمَا تَوَضَّأت ثمَّ ضحك فَقَالَ أَلا تَسْألونِي مَا أضْحكك فَقَالُوا مَا أضْحكك يَا رَسُول الله فَقَالَ إِن العَبْد إِذا دَعَا بِوضُوء فَغسل وَجهه حط الله عَنهُ كل خَطِيئَة أَصَابَهَا بِوَجْهِهِ فَإِذا غسل ذِرَاعَيْهِ كَانَ كَذَلِك وَإِذا طهر قَدَمَيْهِ كَانَ كَذَلِك رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَأَبُو يعلى وَرَوَاهُ الْبَزَّار بإِسْنَاد صَحِيح وَزَاد فِيهِ فَإِذا مسح رَأسه كَانَ كَذَلِك
(3)
.
قوله: وعنه، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: "إن العبد إذا دعا بوضوء فغسل وجهه حط الله عنه كل خطيئة
(1)
انظر: الكواكب الدرارى (22/ 204).
(2)
أخرجه أحمد 1/ 64 (459) و 1/ 66 (478)، والبخارى (6433)، وابن ماجه (285)، وابن حبان (360).
(3)
أخرجه أحمد 1/ 58 (415)، وعبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1/ 74 (553)، والبزار (420 و 421)، والطبراني في الشاميين (2692)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 297).
وصححه الألباني في صحيح الترغيب (184).
أصابها بوجهه" الوضوء بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به والمراد بحط الخطايا غفرانها والغفران الستر والمبراد الصغائر.
291 -
وَعَن حمْرَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ دَعَا عُثْمَان رضي الله عنه بِوضُوء وَهُوَ يُرِيد الْخُرُوج إِلَى الصَّلاة فِي لَيْلَة بَارِدَة فَجِئْته بِمَاء فَغسل وَجهه وَيَديه فَقلت حَسبك الله وَاللَّيْلَة شَدِيدَة الْبرد فَقَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لا يسبغ عبد الْوضُوء إِلَّا غفر الله لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: عن حمران هو بضم الحاء المهملة وإسكان الميم وراء وهو حمران بن أبان مدني قرشي أموي كنيته أبو يزيد وقيل أبو زيد وكان من سبي عين التمر حين فتحها خالد بن الوليد في أول خلافة عمر وقيل في أول خلافة أبي بكر وهو رجل من النمر بن قاسط وقال ابن معين هو حمران بن أبا وقيل إنه وجد مختونا يوم سبي سباه المسيب بن نجية الفزاري في أيام أبي بكر الصديق وكان لعثمان بن عفان رضي الله عنه عدة من الموالي المشهور منهم حمران وكيسان، وكان حمران يهوديا واسمه طويد وقيل غير ذلك كما تقدم وأسلم فأعتقه عثمان وكان يكتب له ويحجبه ثم تزوج امرأة في عدتها فجلده عثمان ونفاه إلى البصرة وهو الذي سعى بعامر بن عبد قيس حتى نفاه عثمان إلى الشام وذكره ابن سعد في الطبقات في الطبقة الثانية في التابعين من أهل المدينة
(1)
أخرجه ابن أبى عاصم في الآحاد والمثانى (150)، والبزار (422). قال البزار: ولا نعلم أسند محمد بن كعب، عن حمران إلا هذا الحديث. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 237: رواه البزار، ورجاله موثقون، والحديث حسن -إن شاء الله-. وقال الألباني: منكر الضعيفة (5036) وضعيف الترغيب (132).
وفي أهل البصرة فقال: حمران بن أبان مولى عثمان بن عفان روى عن عثمان وتحول إلى البصرة فنزلها.
وكان كثير الحديث ولم أرهم يحتجون بحديثه وقيل إنه أفشى سر عثمان فنفاه إلى البصرة وقيل سبب نفيه أن عثمان بعثه للكوفة ليكشف عما قيل عن الوليد بن عقبة فرشاه الوليد فلم يخبر عثمان وأخبر مروان فأخبر مروان عثمان رضي الله عنه. فنفاه
(1)
.
قوله: دعا عثمان بوضوء وهو يريد الخروج في ليلة باردة فجئته بماء فغسل وجهه ويديه فقلت حينئذ والليلة شديدة البرد، الحدلمجما، تقدم الكلام على الوضوء وأنه بفتح الواو وأنه الماء الذي يتوضأ به وبالضم هو الفعل ففي هذا الحديث دليل على جواز الاستعانة واستحبابها في حق من يحضر له الماء لأنه إعانة على طاعة، والاستعانة تفرض على ثلاثة أوجه:
الأول: أن يستعين بمن يحضر له الماء ولا كراهة فيه
(2)
والأولى ألا يفعل ذلك لأن العبد في مقام الطاعة ينبغي أن يكون عبدا فيكون خادما لا مخدوما وقال بعضهم لأنه نوع من التنعم والتكبر وذلك لا يليق بحال المتعبد والأجر على قدر النصب
(3)
وأما في الأمور الدنيوية فله طلب الخدمة وقد نقل عن
(1)
تاريخ دمشق (36/ 8 - 9)، وشرح الإلمام (3/ 404 - 406)، وتهذيب الكمال (7/ الترجمة 1496)، نزهة الألباب (1/ 448).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 169)، وروضة الطالبين (1/ 62).
(3)
انظر: نهاية المطلب (1/ 96)، وفتح العزيز (1/ 443)، وشرح الإلمام (5/ 111)، والإقناع (1/ 51)، ومغنى المحتاج (1/ 192).
عمر رضي الله عنه أنه كان لا يستعين بأحد من عبيده في ماء الوضوء مع كثرتهم.
الوجه الثاني: أن يستعين بمن يصب عليه الماء فهذا إن كان لعذر لضعف ونحوه فلا كراهة
(1)
وقد استعان صلى الله عليه وسلم بالمغيرة بن شعبة فصب عليه الماء لأنه صلى الله عليه وسلم كان عليه جبة ضيقة الكمين وإن كان لغير عذر لم يكره على الصحيح
(2)
.
الوجه الثالث: أن يستعين بمن يغسل له أعضاء الوضوء فهذا مكروه
(3)
فإن استعان بجاريته أو زوجته لم يصح لأن اللمس ناقض إلا أن يغتسل بحائل أو تكون الجارية محرما له كالأخت والعمة
(4)
، وقد تجب هذه الاستعانة كما في حق مقطوع اليدين فإن لم يجد من يعينه وجب عليه استئجار من يحضر له الماء ويغسل له أعضاء وضوءه
(5)
.
قوله: فقلت له حسبك والليلة شديدة البرد، حسبك معناها يكفيك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يسبغ عبد الوضوء إلا غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر" تقدم الكلام على تفسير ذلك في الأحاديث قبله.
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 169) وروضة الطالبين (1/ 62)، والإقناع (1/ 51)، ومغنى المجتاج (1/ 192).
(2)
أخرجه البخارى (363) و (2918) و (4421) و (5798) و (5799)، ومسلم (77 و 78 و 79 و 81 و 105 - 274).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 169)، وروضة الطالبين (1/ 62).
(4)
انظر: المجموع (2/ 2/ 26 - 30)، والنجم الوهاج (1/ 272 - 273)
(5)
المجموع (1/ 392)، والنجم الوهاج (1/ 355).
لطيفة فيها بشرى: قال السهروردي: قد ورد في الآثار أن المؤمن إذا توضأ للصلاة تباعدت عنه الشياطين في أقطار الأرض خوفا منه لأنه يتأهب للدخول على الملك فإذا كبر حجب عنه إبليس وضرب بينه وبينه سرادق لا ينظر إليه وواجهه الجبار تبارك وتعالى بوجهه فإذا قال الله أكبر اطلع الملك في قلبه فإذا رآه ليس في قلبه أكبر من الله تعالى فيقول صدقت الله في قلبك كما تقول ويتشعشع من قلبه نور يلحق بملكوت العرش ويكشف له بذلك النور ملكوت السموات والأرض ويكتب له حشو ذلك النور حسنات
(1)
أ. هـ والله أعلم.
292 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الْخصْلَة الصَّالِحَة تكون فِي الرجل فيصلح الله بهَا عمله كله وطهور الرجل لصلاته يكفر الله بطهوره ذنُوبه وَتبقى صلَاته لَهُ نَافِلَة"، رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط من رِوَايَة بشار بن الحكم
(2)
.
قوله: وعن أنس بن مالك، تقدم الكلام.
(1)
عوارف المعارف (2/ 353).
(2)
أخرجه البزار كما في اتحاف الخيرة (1/ 313 رقم 527/ 1) والمطالب العالية (82/ 2)، وأبو يعلى (3297) وعنه ابن عدى في الكامل (2/ 185) والطبراني في الأوسط (2/ 289 - 288 رقم 2006)، والطبراني في الأوسط (7/ 140 رقم 7102)، والسهمى في تاريخ جرجان (1/ 489). قال الهيثمي في المجمع 1/ 225: رواه أبو يعلى والبزار والطبراني في الأوسط، وفيه بشار بن الحكم، ضعفه أبو زرعة وابن حبان، وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. وضعفه الألبا ني في الضعيفة (2999) وضعيف الترغيب (133).
قوله صلى الله عليه وسلم: "وطهور الرجل لصلاته يكفر الله بطهوره ذنوبه وتبقى صلاته له نافلة" الطهور بفتح الطاء الماء الذي يتطهر به وبضمها الفعل الذي هو المصدر والمراد به ههنا الوضوء والطهارة في اللغة النظافة وفي الشرع فعل ما يستباح به الصلاة من وضوء أو غسل أو تيمم أو إزالة نجاسة
(1)
ولفظها يشمل طهارة الجسم وطهارة النفس فمن الأول قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}
(2)
ومن الثاني {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ (222)}
(3)
، و {أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ}
(4)
(5)
.
قوله: "وتبقى له صلاته نافلة" أي زيادة.
قوله: من رواية بشار بن الحكم [ضعفه ابن حبان وغيره وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به].
293 -
وَعَن عبد الله الصنَابحِي رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا تَوَضَّأ العَبْد فَمَضْمض خرجت الْخَطَايَا من فِيهِ فَإِذا استنثر خرجت الْخَطَايَا من أَنفه فَإِذا غسل وَجهه خرجت الْخَطَايَا من وَجهه حَتَّى تخرج من تَحت أشفار عَيْنَيْهِ فَإذا غسل يَدَيْهِ خرجت الْخَطَايَا من يَدَيْهِ حَتَّى تخرج من تَحت أظفار يَدَيْهِ فَإِذا
(1)
كفاية النبيه (1/ 102)، وفتح القريب (1/ 24).
(2)
سورة المائدة، الآية:6.
(3)
سورة البقرة، الآية:222.
(4)
سورة الأعراف، الآية:82.
(5)
النجم الوهاج (1/ 222).
مسح بِرَأْسِهِ خرجت الْخَطَايَا من رَأسه حَتَّى تخرج من أُذُنَيْهِ فَإِذا غسل رجلَيْهِ خرجت الْخَطَايَا من رجلَيْهِ حَتَّى تخرج من تَحت أظفار رجلَيْهِ ثمَّ كانَ مَشْيه إِلَى الْمَسْجِد وَصلاته نَافِلَة" رَوَاهُ مَالك وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَالْحَاكم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَلا عِلّة لَهُ والصنابحي صَحَابِيّ مَشْهُور
(1)
.
قوله: عن عبد الله الصنابجي قال الحافظ: هو صحابي مشهور انتهى، والصنابجي ممن قصد النبي صلى الله عليه وسلم فقبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو بالجحفة فقدم المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ العبد فتوضأ خرجت الخطايا من فيه" الحديث ولم يذكر غسل الكفين هنا وهو في مسند أحمد.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه" وتقدم معنى خروج الخطايا وأنها الصغائر. قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى تخرج من تحت أشفار عينيه" وأشفار العينين حروف الأجفان التي ينبت عليها الشعر وهو الهدب الأعلى والأسفل وحرف كل شيء شفره
(3)
.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (66)، وأحمد 4/ 349 (19091)، البخاري في التاريخ الكبير 5/ 322، وفي الصغير 1/ 166، والنسائى في الأربعون (17) والمجتبى 1/ 301 (107) والكبرى (131)، والحاكم (1/ 129 - 130)، والبيهقي في الكبرى (1/ 133 رقم 383) والشعب (4/ 254 رقم 2478). وصححه الحاكم وقال الذهبى: لا. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (185).
(2)
تهذيب الكمال (17/ الترجمة 3905).
(3)
الصحاح (2/ 701)، والاقئضاب في غريب الموطأ (1/ 60).
قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى تخرج من أذنيه" وفي حديث الصنابجي هذا دليل لقول مالك أن الأذنين من الرأس والمراد بذلك أنهما يمسحان كما تمسح الرأس لأنهما يمسحان مع الرأس
(1)
ويحكى عن ابن شهاب أنه قال: ما أقبل منهما على الوجه فهو مع الوجه يغسل معه وما يلي الرأس من الرأس فيمسح معها
(2)
انتهى قاله في الديباجة.
294 -
وَعَن عَمْرو بن عَنْبَسَة السّلمِيّ رضي الله عنه قَالَ كنت وَأَنا فِي الْجَاهِلِيَّة أَظن أَن النَّاس على ضَلَالَة وَأنهُمْ لَيْسُوا على شَيْء وهم يعْبدُونَ الاَّوْثَان فَسمِعت بِرَجُل فِي مَكَّة يخبر أَخْبَارًا فَقَعَدت على رَاحِلَتي فَقدمت عَلَيْهِ فَإِذا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فَقلت يَا نَبِي الله فالوضوء حَدثيي عَنهُ فَقَالَ مَا مِنْكُم رجل يقرب وضوءه فيمضمض ويستنشق فيستنثر إِلَّاخرت خَطَايَا وَجهه من فِيهِ وخياشيمه ثمَّ إِذا غسل وَجهه كمَا أمره الله إِلَّاخرت خَطَايَا وَجهه من أَطْرَاف لحيته مَعَ المَاء ثمَّ يغسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين إِلَّاخرت خَطَايَا يَدَيْهِ من أنامله مَعَ المَاء ثمَّ يمسح رَأسه إِلَّاخرت خَطَايَا رَأسه من أَطْرَاف شعره مَعَ المَاء ثمَّ يغسل رجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ إِلَّاخرت خَطَايَا رجلَيْهِ من أنامله مَعَ المَاء فَإِن هُوَ قَامَ وَصلى فَحَمدَ الله تَعَالَى وَأثْنى عَلَيْهِ ومجده
(1)
انظر: المنتقى (1/ 71)، والمسالك (2/ 117).
(2)
انظر: المفهم (2/ 120)، وقال القفال في حلية العلماء (1/ 125): وذهب الشعبي والحسن بن صالح إلى أن ما أقبل منهما على الوجه من الوجه فيغسل معه وما أدبر منهما عنه يمسح مع الرأس.
بِالَّذِي هُوَ لَهُ أهل وَفرغ قلبه لله تَعَالَى إِلَّا انْصَرف من خطيئته كيَوْم وَلدته أمه رَوَاهُ مُسلم
(1)
.
قوله: "ثم كان مشيه إلى المسجد وصلائه نافلة" تقدم معنى هذا في آخر حديث قبله.
قوله: عن عمرو بن عبسة السلمي كنيته أبو نجيح وقيل أبو شعيب فهو عمرو بن عبسة بعين مهملة ثم باء موحدة مفتوحتين ثم سين مهملة على وزن عدسة وهذا الضبط لا خلاف فيه بين أهل الحديث والأسماء والتواريخ وهو عمرو بن عبسة بن عامر بن خالد السلمي الصحابي الصالح له رواية أسلم قديما وأنه قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم رابع أربعة فطلب من النبي صلى الله عليه وسلم الإقامة بمكة معه فقال لا تقدر على ذلك الآن ولكن ارجع إلى قومك فإذا سمعت بخروجي فائتني وأنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك مهاجرا وأقام ببني سليم حتى مضت بدر وأحد والخندق والحديبية وخيبر ثم قدم المدينة وشهد اليرموك ثم سكن حمص إلى أن مات وحديث هجرته طويل مشتمل على جمل من أنواع العلم والأصول والقواعد وهو بجملته في صحيح مسلم قبيل صلاة الخوف وكان أخا لأبي ذر لأمه أمهما رملة بنت رفعة بن حرام بن غفار روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان قبل أن يسلم يعتزل عبادة الأصنام ويراها باطلا وضلالا وكانت تظله سحابة في الهجير على قدر ما فيها فقيل لم يخرج له
(1)
أخرجه مسلم (294 - 832)، وابن ماجه (283)، والنسائى في المجتبى 1/ 335 (152) والكبرى (182)، وابن خزيمة (260). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (186).
البخاري شيئا وإنما أخرج مسلم روى عنه جماعة من الصحابة منهم ابن مسعود وأبو أمامة وسهل بن سعد وجماعة من التابعين
(1)
.
قوله: فقلت يا رسول الله فالوضوء حدثني عنه "ما منكم رجل يقرب وضوءه" وفي رواية "ما من أحد" وهو أعم وعلى الأولى فالنساء كذلك لما ورد أنهم شقائق الرجال وإنما الخطاب كان مع الرجال فذكر الرجل كذلك.
قوله: يقرب وضوءه معناه يحضر الماء الذي يتوضأ به.
قوله: فيمضمض ويستنشق فيستنثر، أما حقيقة المضمضة قال النووي: فقال أصحابنا كمالها أن يجعل الماء في فمه ثم يديره ثم يمجه وأما أقله فإنه يجعل الماء في فيه ولا يشترط إدارته على الشرط الذي قاله الجمهور، وأما الاستنشاق فهو إيصال الماء إلى داخل الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه، ويستحب المبالغة في المضمضة والاستنشاق إلا أن يكون صائما فيكره له ذلك لحديث لقيط بن سبرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا"
(2)
وهو حديث صحيح، قال أصحابنا وعلى أي صفة أوصل الماء إلى الأنف والفم حصلت المضمضة والاستنشاق
(3)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 31 - 32 الترجمة 454).
(2)
أخرجه ابن ماجه (407)، وأبو داود (2366)، والترمذى (788)، والنسائى في المجتبى 1/ 287 (90) والكبرى (117) عن لقيط بن صبرة. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (130)، المشكاة (405).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 105).
وقوله: فيستنثر وقال جمهور أهل اللغة والفقهاء والمحدثين الاستنثار هو إخراج الماء من الأنف بعد الاستنشاق مع ما في الأنف من مخاط وغبار وشبهه قيل ذلك لما فيه من المعونة على القراءة وتنقية مجرى النفس الذي به التلاوة وبإزالة ما به من الثقل تصح مجاري الحروف وجاء في بعض الروايات "فليستنثر فإن الشيطان يبيت على خياشيمه"
(1)
قاله الكرماني
(2)
قال أهل اللغة مأخوذ من النثرة وهو طرف الأنف، قال الأزهري روى سلمة عن الفراء أنه قال نثر الرجل وانتثر إذا حرك النثرة في الطهارة
(3)
.
واعلم أن السنة في المضمضة والاستنشاق تتأدى بالجمع والفصل على مذهب الشافعي رحمه الله وهذا الخلاف في الأفضل والا فلو توضأ واستنشق كيف كان فقد أدى سنتها فالرافعي يصحح قول الفصل بغرفتين، ومعنى الفصل أن لا ينقل إلى الأنف حتى يفرغ من الفم، والنووي يصحح قول الجميع بثلاث غرف "جمع الغرفة بالضم" وهو قدر ما يغرف من الماء بالكف وجمعها غرف وهو الأكثر في الأحاديث فالجمع بين المضمضة والاستنشاق أفضل وعلى هذا فقيل يجمع بينهما بثلاث غرفات، وقوله: قطعا تبع فيه شرح المهذب والكفاية لكن في النهاية الجزم بامتناع الخلط إذا اشترطنا الترتيب بين المضمضة والاستنشاق فاستدرك التنبيه
(4)
.
(1)
أخرجه البخارى (3295)، ومسلم (23 - 238) عن أبى هريرة.
(2)
الكواكب الدرارى (2/ 211).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 159) وشرح النووى على مسلم (3/ 105).
(4)
انظر الهداية إلى أوهام الكفاية (20/ 30 - 31).
فائدة: المعتبر في المضمضة والاستنشاق عدد الغرفات وفي غيرها عدد الغسلات، واختلف العلماء في وجوب المضمضة والاستنشاق على أربعة مذاهب أحدها مذهب مالك والشافعي وأصحابهما أنهما سنتان في الوضوء والغسل وذهب إليه من السلف الحسن البصري والزهري وجماعات كبيرة والمذهب الثاني أنهما واجبان في الوضوء والغسل لا يصحان إلا بهما وهو المشهور عن أحمد بن حنبل ومذهب ابن أبي ليلى وحماد وإسحاق بن راهويه ورواية عن عطاء والمذهب الثالث أنهما واجبان في الغسل دون الوضوء وهو مذهب أبو حنيفة وأصحابه وسفيان الثوري والمذهب الرابع أن الاستنشاق واجب في الوضوء والغسل والمضمضة سنة فيهما ومذهب أبي ثور وأبي عبيد وداود الظاهري وأبي بكر بن المنذر ورواية عن الإمام أحمد بن حنبل
(1)
والله أعلم.
وقد أجمع العلماء رضي الله عنهم على كراهية الزيادة على الثلاث والمراد بالثلاث المستوعبة للعضو وأما إذا لم يستوعب العضو إلا بغرفتين فهي غسلة واحدة ولو شك هل غسل ثلاثا أو اثنين جعل ذلك اثنتين وأتى بثالثة وهذا هو الصواب الذي قاله الجمهور من أصحابنا
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا خرت خطايا وجهه من فيه وخياشيمه" أي سقطت وذهبت ويروى "جرت" بالجيم أي جرت مع ماء الوضوء
(3)
والصحيح بالخاء وهو
(1)
المجموع (1/ 362 - 363)، وشرح النووى على مسلم (3/ 107).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 109).
(3)
النهاية (2/ 21).
رواية الجمهور
(1)
وفي الحديث إعلام بتكفير الخطايا ومحوها وإلا فليست أجساما حتى يصح منها الخروج، والمراد بالخطايا الصغائر دون الكبائر ثم لايبعد أن يكون بعض الأشخاص يغفر له الكبائر والصغائر بحسب ما يحضره من الإخلاص ويراعيه من الإحسان والآداب وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء
(2)
.
قوله: "من فيه وخياشيمه" والخياشيم جمع خيشوم وهو أقصى الأنف والخياشيم عظام رقاق في أصل الأنف بينه وبين الدماغ
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يغسل يديه إلى المرفقين" والمرفقين مجتمع عظم الساعد وعظم العضد، وقيل رأس عظم الساعد فقط
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يغسل رجليه إلى الكعبين" يستحب تقديم اليمنى في غسل اليدين والرجلين قال القفال في محاسن الشريعة: والحكمة في تقديم اليمين أن لفظها مأخوذ من اليمن وهو حصول الخير والشمال تسمى الشؤم
(5)
، فإن قدم اليسرى كان مكروها نص عليه في الأم
(6)
انتهى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن هو قام وصلى فحمد الله وأثنى عليه ومجده بالذي هو له
(1)
إكمال المعلم (3/ 208)، وشرح النووى على مسلم (6/ 117).
(2)
المفهم (3/ 119).
(3)
شرح النووى على مسلم (6/ 117).
(4)
البيان (1/ 120)، وكفاية النبيه (1/ 299).
(5)
محاسن الشريعة (ص 62).
(6)
النجم الوهاج (1/ 352).
أهل وفرغ قلبه لله" الحديث، مجده ذكره بالتعظيم، وفرغ قلبه أي حاضرا لله وجعل خاليًا عن الأشغال الدنيوية
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا انصرف من خطيئته كيوم ولدته أمه" يعني لا ذنب له، و"كيوم" يجوز فيه فتح الميم وكسرها والله أعلم.
فائدة جليلة يذكر فيها الحكمة في غسل أعضاء الوضوء ذكرها الشيخ الإمام العلامة شمس الدين السعودي في كتابه تهذيب النفوس وهو كتاب نافع أربع مجلدات فقال: قلت: هذا الحديث يعني حديث عمرو بن عبسة وما أشبهه من الأحاديث محمولة على ما قاله الإمام أبو عبد الله بن الحاج المالكي في المدخل فإنه قال: أفعال الوضوء مرتبة على ما هو أسرع حركة من غيره بدأ به، فبدأ بالمضمضة أولا على سبيل السنة لأنه أكثر الأعضاء حركة فيما ذكر لأن غيره من الأعضاء قد يسلم وهو كثير العطب قليل السلامة في الغالب، ألا ترى ما ورد فى الحديث في شأنه وهو أن الأعضاء في كل يوم تناشده من أن يسلمها من آفاته لأنه إذا هلك لا يهلك وحده بل يهلك نفسه ويهلك إخوانه، فإذا جاء المؤمن إلى غسل فمه يذكر إذ ذاك أن طهارة الظاهر إنما هي إشارة إلى طهارة الباطن فوجد إذ ذاك أنه مطلوب منه الطهارة الباطنة فتاب إلى الله تعالى وأقلع مما تكلم به لسانه ونطق ثم يتوب إلى الله تعالى مما شم به أنفه واستنشق ثم يتوب إلى الله تعالى مما نظرت إليه
(1)
المفاتيح (2/ 212).
العينان والتذت فإذا تاب من هذه الأمور دخل إذ ذاك في قوله عليه السلام: "التوبة تجب ما قبلها" جاء الحديث: "فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من أشفار عينيه" ثم بعد ذلك أمره الشرع بغسل اليدين لأنه إذا تكلم اللسان ونظرت العينان بطشت اليد أو لمست فاليدان بعدهما في ترتيب المخالفة فأمر بطهارتهما، فإذا جاء لطهارتهما ابتدأ بطهارتهما باطنا فتاب مما لمست يداه أو تحركت؛ الندم. توبة، التوبة تجب ما قبلها، جاء الحديث:"فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه" ثم بعد ذلك أمره الشرع بمسح رأسه، وإنما أمره بالمسح ولم يأمره والله أعلم بالغسل لأجل أنه لم يقع منه مخالفة بنفسه وإنما هو مجاور لمن يقع منه مخالفة وهو اللسان والعينان، فلما لم يكن بنفسه هو المخالف لكن كان مجاورًا للمخالف أعطي حكما بين حكمين فأمر بالمسح ولم يؤمر بالغسل، وأيضا فقد اختلف الناس في الأذنين هل هما من الرأس أم لا؟ والأذنان يسمعان ما لا ينبغي لكن لما كان السمع قد يطرأ على الإنسان في الغالب وهو لا يتعمده خفف أمره فكان المسح، فإذا مسحه قدم طهارته الباطنة بالتوبة مما سمعت منه الأذنان وما وقع فيه من مجاورة تلك الأعضاء، الندم توبة، التوبة تجب ما قبلها، جاء الحديث:"فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه" ثم أمر الشرع بعد ذلك بغسل رجليه لأن العينين إذا نظرتا وتكلم اللسان ولمست اليد وسمعت الأذن حينئذ تسعى الرجل فالرجل آخر الجميع في المخالفة فجعلت آخر
الجميع في الغسل فغسلها إذ ذاك، وقدم طهارتهما الباطنة فابتدأ بالتوبة مما سعت فيه من المخالفة، الندم توبة، التوبة تجب ما قبلها، جاء الحديث:"فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أطفار رجليه" فلما أن غسل رجليه على هذا الترتيب أراد صاحب الشرع صلوات الله وسلامه عليه أن يقيمه في أكمل الحالات وأتمها فقال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء" إشارة منه عليه السلام إلى تطهير القلب من الالتفات إلى العوارض والخواطر والوسواس والنزعات ففهم المؤمن إذا ذاك المراد فامتثل طهارة القلب مما ينبغي من تجديد الإيمان وتجديد التوبة والإخلاص، ولهذا المعنى كان سيدي أبو محمد رحمه الله يقول: ينبغي للمؤمن أن يكون إيمانه جديدا في كل وقت ويحترز عليه لئلا يكون خَلِقًا، والخلق أن لا يتعاهد نفسه بتجديد الشهادة والتوبة، كان بعض الفضلاء يستيقظ من الليل فيمر بيديه على وجهه ويتشهد فقيل له في ذلك فقال: أما تشهدي فأتفقد به الإيمان هل بقي أم لا؟ لأن أعمالي لا تشبه أعمال المؤمنين، وأما تمشية يدي على وجهي فأتفقده إن كان حول إلى القفا أو مسخ به أم لا؟ فإذا وجدته سالمًا حمدت الله الذي ستر علي بفضله ولم يعاقبني ويفضحني بعملي، هذا قوله، وكان له قدم في الدين وسبق وتقدم، وسيأتي اسم قائل ذلك في موضعه إن شاء الله تعالى، فما بالك بأحوالنا اليوم على ما يشاهد بعضنا من بعض، فبالأولى
والأحرى أن يتفقد الإيمان اليوم في كل وقت وحين، فلما أن أمره صاحب الشرع صلوات الله وسلامه بتطهير الباطن وتطهير الظاهر شرع له إذ ذاك الدعاء وهو قوله:"اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين" إشارة منه إن شاء الله تعالى في قبول ما أتى به لقوله صلى الله عليه وسلم: "الدعاء مخ العبادة" فكمل الحال وتمت النعمة، وقيل: الدعاء بتخييره من أي أبواب الجنة يدخل لأن هذا عبد قد تاب من كل ما جنى وتطهر باطنا وظاهرا: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}
(1)
ولأجل هذا المعنى جاء الحديث، فمن امتثل ما ذكر من إسباغ الوضوء وكماله إن صلاته نافلة، والنوافل: الزوائد، أي: لم تجد من الذنوب شيئا تكفره الصلاة للتوبة المتقدمة والتطهير الظاهر والباطن فبقيت صلاته نافلة، أي: زائدة، فكان موضعها رفع الدرجات لا غير؛ فيحصل لنا من هذا أنه يتوب مما تكلم به اللسان وشم الأنف ونظرت العينان وسمعت الأذن وبطشت اليد وسمعت الرجل وخطر بالقلب وإن كان سالما من ذلك كله كانت التوبة للغفلات الواقعة، فإن كان سالما من الغفلات كانت التوبة لعدم التوفية بحق الربوبية كما يجب لها، وذلك لا يقدر عليه العبد أصلا، فهذه سبعة منضمة إلى شروط وجوب الطهارة والفرائض والسنن، والفضائل التي نص عليها العلماء فيه
(2)
، والله أعلم.
(1)
سورة البقر ة، الآية:222.
(2)
المدخل (1/ 35 - 38).
295 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَيّمَا رجل قَامَ إِلَى وضوئِهِ يُرِيد الصَّلَاة ثمَّ غسل كفيه نزلت كل خَطِيئَة من كفيه مَعَ أول قَطْرَة فَإِذا مضمض واستنشق واستنثر نزلت خطيئته من لِسَانه وشفتيه مَعَ أول قَطْرَة فَإِذا غسل وَجهه نزلت كل خَطيئَة من سَمعه وبصره مَعَ أول قَطْرَة فَإِذا غسل يَدَيْهِ إِلَى الْمرْفقين وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ سلم من كل ذَنْب كَهَيْئَته يَوْم وَلدته أمه قَالَ فَإذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة رفع الله دَرَجَته وَإِن قعد قعد سالمًا" رَوَاهُ أَحْمد وَغَيره من طَرِيق عبد الحميد بن بهْرَام عَن شهر بن حَوْشَب وَقد حسنها التِّرْمِذِيّ لغير هَذَا الْمَتْن وَهُوَ إِسْنَاد حسن فِي المتابعات لا بَأْس بِهِ
(1)
.
قوله: عن أبي أمامة، اسمه: صدي بن عجلان، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل قام إلى وضوئه يريد الصلاة" الوضوء بفتح الواو هو الماء الذي يتوضأ به، وتقدم معنى الصلاة في اللغة والشرع في مواضع من هذا التعليق.
قوله: "ثم غسل كفيه نزلت كل خطيئة من كفيه مع أول قطرة" تقدم معنى ذلك في الأحاديث قبله.
(1)
أخرجه أحمد 5/ 263 (22267)، والآجري في الأربعون حديثًا (22)، والطبراني في الكبير (8/ 276 رقم 8061). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 222: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط، وفي إسناد أحمد عبدالحميد بن بهرام عن شهر، واختلف في الاحتجاج جمهما، والصحيح أنهما ثقتان، ولا يقدح الكلام فيهما. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (187).
قوله: "فإذا قام إلى الصلاة رفع الله درجته" رفع الدرجات أعلى المنازل في الجنة.
قوله: قوله رواه أحمد وغيره من طريق عبد الحميد بن بهرام عن شهر بن حوسب، هو عبد الحميد بن بهرام (الفزاري المدائني روى عن: شهر بن حوشب أحاديث كثيرة، وعن: عاصم الأحول حديثا واحدا في الدعاء، ورأي عكرمة مولى ابن عباس، ووصفه، وثَّقه أحمد وابنُ معين وأبو داود. وأثنى عليه شعبة، وقال: نعم الشيخ. وقال ابنُ معين في روايةٍ والنسائيُّ والعجليُّ، وابنُ عديّ: لا بأس به، وقال أبو حاتم: أحاديثه عن شهرٍ صحاح، لا أعلم روى عن شهر بن حوشب أحاديث أحسن منها ولا أكثر منها، وقال ابنُ عدي: هو في نفسه لا بأس به وإنما عابوا عليه كثرة رواياته عن شهر وشهر ضعيفٌ وقال الخطيبُ: الحمل في الصحيفة التي ذكر أنها منكرة على شهر، لا على عبد الحميد
(1)
.
296 -
وَفِي رِوَايَة لَهُ أَيْضا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ فأسبغ الْوضُوء غسل يَدَيْهِ وَوَجهه وَمسح على رَأسه وَأُذُنَيْهِ وَغسل رجلَيْهِ ثمَّ قَامَ إِلَى صَلَاة مَفْرُوضَة غفر لَهُ فِي ذَلِك الْيَوْم مَا مشت إِلَيْهِ رجله وقبضت عَلَيْهِ يَدَاهُ وَسمعت إِلَيْهِ أذنَاهُ وَنظرت إِلَيْهِ عَيناهُ وَحدث بهِ نَفسه من سوء، قَالَ وَالله لقد سمعته من نَبِي الله صلى الله عليه وسلم مَا لَا أحصيه
(2)
.
(1)
تهذيب الكمال (16/ الترجمة 3706).
(2)
أخرجه أحمد 5/ 263 (22272)، وأحمد بن منيع في مسنده كما في إتحاف الخيرة =
297 -
وَرَوَاهُ أَيْضا بِنَحْوِهِ من طَرِيق صَحِيح وَزَاد فِيهِ أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ الْوضُوء يكفر مَا قبله ثمَّ تصير الصَّلَاة نَافِلَة
(1)
.
298 -
وَفِي أُخْرَى لَهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا تَوَضَّأ الرجل الْمُسلم خرجت ذنُوبه من سَمعه وبصره وَيَديه وَرجلَيْهِ فَإِن قعد قعد مغفورا لَهُ" وَإسْنَاد هَذِه حسن
(2)
.
299 -
وَفِي أُخْرَى لَهُ أَيْضًا إِذا تَوَضَّأ الْمُسلم فَغسل يَدَيْهِ كفر عَنهُ مَا عملت ليداه فَإِذا غسل وَجهه كفر عَنهُ مَا نظرت إِلَيْهِ عَيناهُ وَإِذا مسح بِرَأْسِهِ
= (1/ 306 رقم 518/ 5)، ومن طريقه الطبراني في الكبير (8/ 266 رقم 8032) وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (28). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (134). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 222: رواه أحمد والطبراني بنحوه في الكبير، وفيه أبو مسلم، ولم أجد من ترجمه بثقة ولا جرح، غير أن الحاكم ذكره في الكنى، وقال: روى عنه أبو حازم. وهنا روى عنه أبان بن عبد الله. وكذلك ذكره ابن أبي حاتم. وقال في 1/ 300: رواه الطبراني في الكبير من رواية أبي مسلم الثعلبي عنه، ولم أر من ذكره، وبقية رجاله موثقون.
(1)
أخرجه الطيالسى (1225)، وأبو عبيد في الطهور (22)، وأحمد 5/ 251 (22162) وأبو سعيد الأشج في حديثه (86)، والمروزى في مختصر قيام الليل (ص 34)، والطبراني في الكبير (8/ 125 رقم 7570). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 223: رواه أحمد من طريق صحيحة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (187).
(2)
أخرجه وأحمد 5/ 251 (22171) و 5/ 256 (22206)، وابن السماك في الثانى من أماليه (1)، والطبراني في الكبير (8/ 123 رقم 7560) والبيهقى في الشعب (4/ 282 - 283 رقم 2524). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 323: رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه، وإسناده حسن. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (187) وقال إسناد هذه حسن.
كفر بِهِ مَا سَمِعت أذنَاهُ فَإِذا غسل رجلَيْهِ كفر عَنهُ مَا مشت إِلَيْهِ قدماه ثمَّ يقوم إِلَى الصَّلَاة فَهِيَ فَضِيلَة، وَإسْنَاد هَذِه حسن أَيْضًا
(1)
.
300 -
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي الْكَبِير قَالَ أَبُو أُمَامَة لَو لم أسمعهُ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَا سبع مَرَّات مَا حدثت بِهِ قَالَ إِذا تَوَضَّأ الرجل كَمَا أَمر ذهب الإِثْم من سَمعه وبصره وَيَديه وَرجلَيْهِ وَإِسْنَاده حسن أَيْضًا
(2)
.
قوله: في رواية الطبراني: قال أبو أمامة: لو لم أسمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سبع مرات ما حدثت به، الحديث أنه لا يرى ظاهره التحديث إلا بما سمعه أكثر من ذلك، ومعلوم أن من سمع مرة واحدة جاز له الرواية بل تجب عليه
(1)
أخرجه الروياني (2/ 271 - 272)، والطبراني في الصغير (2/ 242 رقم 1099)، والخطيب في تاريخ بغداد (9/ 462). قال الطبراني: لم يروه عن زكريا بن ميسرة إلا يونس بن محمد.
قال الهيثمي في المجمع 1/ 322: وأبو غالب مختلف في الاحتجاج به، وبقية رجاله ثقات، وقد حسن الترمذي لأبي غالب وصحح له أيضًا. وصححه الألباني في صحيح الترغيِب (187) وقال إسنادها حسن.
(2)
أخرجه أبو عبيد في الطهور (20 و 21)، وأحمد 4/ 113 (17021) و 5/ 264 (22275) و (22281، والنسائى في الكبر ى (10753) واليوم والليلة (807)، والطبراني في الأوسط (2/ 139 - 140 رقم 1505) والكبير (8/ 124 رقم 8565 و 7566). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الحكم إلا سليمان، تفرد به: محمد بن سليمان.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 223: رواه أحمد والطبراني في الكبير والأوسط بنحوه، وقال فيه: من بات طاهرا على ذكر الله، وإسناده حسن. وقال الألباني: إسناده حسن صحيح الترغيب (187).
إذا تعين لها؟ وجوابه أن معناه لو لم أتحققه وأجزم به لما حدثت به، وذكر المرات بيانا لصورة حاله ولم يرد أن ذلك شرط
(1)
، والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا توضأ الرجل كما أمر ذهب الإثم من سمعه وبصره ويديه ورجليه" الحديث، تحسين الوضوء، فيه الحكمة في غسل الأعضاء المذكورة في الوضوء دون ما عداها أنه ليس في البدن ما يتحرك للمخالفة أسرع من هذه الأعضاء فأمر أولا بغسلها تنبيها على طهارتها [الباطنة]
(2)
؛ ترتب غسلها على ترتيب سرعة الحركة في المخالفة فما كان إلى التحرك أسرع من غيره أمر بغسله فأمر بالوجه أولا قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ}
(3)
فأمر بالوجه أولا وفيه الفم والأنف والعينان فابتدئ بالمضمضة على وجه السنة لأن اللسان أكتر الأعضاء وأشدهم حركة فيما ذكر لأن غيره من أعضاء قد يسلم وهو كثير العطب قليل السلامة غالبا، ثم الأنف ليتوب مما شم به، ثم غسل جميع الوجه ليتوب مما نظر ثم غسلت اليدان ليتوب من البطش تم خصت الرأس بالمسح لأنه مجاور لما يقع منه المخالفة وهو اللسان والعينان ولم يكن مخالفا بنفسه، ثم الأذن لأجل السماع، ثم الرجل لأجل المشي، ثم أرشده بعد ذلك إلى تجديد الإيمان بالشهادتين فافهم سر ذلك، قاله في هادي النبيه
(4)
، وتقدم
(1)
شرح النووى على مسلم (6/ 118).
(2)
زيادة من المخطوط.
(3)
سورة المائدة، الآية:6.
(4)
هادى النبيه (لوحة 9/ ب/ ظاهرية رقم 2121).
شيء من ذلك فيما قاله صاحب المدخل.
فائدة فيها بشرى: روى الإمام أحمد في المسند عن أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "ما من عبد مسلم يسمع أذان صلاة فقام إلى وضوئه إلا غفر له بأول قطرة تصيب كفه من ذلك الماء فبعدد ذلك القطر حتى يفرغ من وضوئه إلا غفر له ما سلف من ذنوبه وقام إلى صلاته وهي نافلة" قال أبو غالب قلت لأبي أمامة أنت سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أي والذي بعثه بالحق بشيرا ونذيرا غير مرة ولا مرتين ولا ثلاث ولا أربع ولا خمس ولا ست ولا سبع ولا ثمان ولا عشر وصفق بيديه
(1)
والله أعلم.
301 -
وَعَن ثَعْلَبَة بن عباد عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ: مَا أَدْرِي كم حَدَّثَنِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَزْوَاجًا أَو أفرادا قَالَ مَا من عبد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء فَيغسل وَجهه حَتَّى يسيل المَاء على ذقنه ثمَّ يغسل ذِرَاعَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء على مرفقيه ثمَّ غسل رجلَيْهِ حَتَّى يسيل المَاء من كعبيه ثمَّ يقوم فَيصَلي إِلَّا غفر لَهُ مَا سلف من ذَنبه" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد لين
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد 5/ 254 (22188)، والطبراني في الكبير (8/ 265 رقم 8028)، وابن بشران (826). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 222 - 223: رواه أحمد والطبراني في الكبير وأبو غالب مختلف في الاحتجاج به، وبقية رجاله ثقات، وقد حسن الترمذي لأبي غالب وصحح له أيضًا.
(2)
أخرجه عبد الرزاق في المصنف (156) ومن طريقه الطبراني كما في جامع المسانيد والسنن (5673) وعنه أبو نعيم في معرفة الصحابة (4861)، والطحاوى في معاني الآثار
الذقن بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة وَالْقَاف أَيْضًا وَهُوَ مُجْتَمع اللحيين من أسفلهما.
قوله: عن ثعلبة بن عباد [العبدي البصري، روى عن: سمرة بن جندب، وأبيه عباد العبدي، وله صحبة، قال علي بن المديني: الأسود يروي عن مجاهيل منهم: ثعلبة بن عباد وذكره بن حبان في الثقات وقال بن حزم مجهول وتبعه بن القطان وكذا نقل ابن المواق عن العجلي
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "من عبد يتوضأ فيحسن الوضوء" الحديث، أي يأتي به تاما بكمال صفته وآدابه وفي هذا الحديث الحث على الاعتناء بتعليم آداب الوضوء وشروطه والعمل بذلك والاحتياط فيه والحرص على أن يتوضأ على وجه يصح عند جميع العلماء ولا يترخص بالاختلاف فينبغي أن يحرص على التسمية والنية والمضمضة والاستنشاق ومسح جميع الرأس ومسح الأذنين ودلك الأعضاء والتتابع في الوضوء وترتيبه وغير ذلك منت المختلف فيه وتحصيل ماء طهور بالإجماع فقد روى الإمام أحمد بمسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"مفتاح الجنة الصلاة ومفتاح الصلاة الطهور".
= (182 و 183)، والطبراني كما في جامع المسانيد (5673) من طريق أبى الوليد. قال الهيثمي في المجمع 1/ 224: رواه الطبراني في الكبير، ورواه بإسناد آخر فقال: عن ثعلبة بن عمارة، وقال: هكذا رواه إسحاق الدبري عن عبد الرزاق. ووهم في اسمه، والصواب ثعلبة بن عباد. ورجاله موثقون. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (188).
(1)
تهذيب الكمال (4/ الترجمة 844) وتهذيب التهذيب (2/ 24).
قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يسيل الماء على ذقنه"، الذقن بفتح الذال المعجمة والقاف مجتمع اللحيين من أسفلهما قاله المنذري، واللحيان بفتح اللام العظمان الذان عليهما الأسنان واحدهما لحي بفتحهما.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يقوم فيصلي إلا غفر له ما سلف من ذنب" الحديث.
فائدة: المغفرة مأخوذة من الغفر وهو الستر وغفران الذنوب هو سترها في الآخرة، وأما الرحمة فهي إنعام الله تعالى على عبده أو إرادة ذلك، فعلى الأول هي صفة فعل، وعلى الثاني فهي صفة ذات، والرحمة أعم من المغفرة فهي من باب ذكر العام بعد الخاص كما في قوله تعالى:{فَاغْفِرْ لِي إنك أنت الغفور الرحيم} الغفور في مقابلة اغفر لي والرحيم في مقابلة ارحمني فالأول للأول والثاني للثاني، وقد يأتي على خلاف ذلك بمعنى آخر وفيه التصريح بتفرده تعالى بذلك وانحصاره فيه لا إله غيره قاله في شرح الإلمام.
تتمة: واعلم أن للوضوء فروض وشروط وآداب ونواقض، ففروض الوضوء أربعة: قال الله تعالى {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}
(1)
هذه الآية تقتضي فرضية هذه الأعضاء الأربعة قال الجمهور: معنى الآية إذا قمتم إلى الصلاة محدثين وبهذا قرأ ابن عباس أو فسره فالفرائض المتفق عليها هي ما قال الله تعالى في كتابه العزيز فأول ما ذكر الله تعالى غسل الوجه، الفرض الثاني غسل اليدين إلى المرفقين فرض
(1)
سورة المائدة، الآية:6.
فيه، الفرض الثالث مسح الرأس اكتفى فيه الشافعي فيما يصدق عليه اسم الرأس من ثلاث شعرات أو شعرة واحدة وعن مالك الكل أو الثلثان أو الثلث وعن أبي حنيفة مقدار الناصية والصحيح من مذهبه مقدار ثلاثة أصابع ولا يختلفون أن مسح الرأس كله أفضل لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعله غالبا ومذهب الإمام أن مسح الرأس جميعها فرض، الفرض الرابع غسل الرجلين إلى الكعبين أي معهما هذه جملة متفق على فرضيتها أعني الأعضاء الأربعة وهذا القدر اقتصر عليه أبو حنيفة وزاد مالك والشافعي وأحمد النية عند غسل الوجه وكيفيتها أن ينوي رفع الحدث أو الطهارة عن الحدث أو الطهارة للفرض أو أداء فرض الوضوء أو أداء الوضوء بحذف الفرض أو أداء الطهارة كما ذكره في تقريبه أو الوضوء على الأصح أو استباحة الصلاة أو فريضة الوضوء وتقدم شيء من ذلك في باب الغسل والترتيب وزاد مالك والشافعي في القديم وأحمد الولاء وهو غسل العضو قبل جفاف الآخر وقبل الاشتغال بعمل آخر بين العضوين، وزاد الإمام أحمد بن حنبل التسمية والمضمضة والاستنشاق ذكره ابن الجوزي في منهاجه
(1)
قاله في تهذيب النفوس.
وأما شروط الوضوء فهي ثلاثة عشر: الإسلام والتمييز فالمميز هو من يفهم الخطاب ويحسن رد الجواب ولا ينضبط بسن بل يختلف باختلاف الأذهان
(2)
والعقل والعلم بكيفية الوضوء وتمييز فرائضه من سننه وقال
(1)
منهاج القاصدين (1/ 94).
(2)
المجموع (7/ 28).
بعض العلماء إن اعتقد أن الجميع فرض صح وإلا فلا وهذا للعامة، والنقاء من الحيض والنفاس وألا يمنع مانع من جريان الماء على العضو من دهن كثيف ونحوه كوشم وكشطه واجب إن لم يخف ضررا يوجبما فوت العضو وكوسخ تحت ظفر فيقلم أظفاره ويزيل الوسخ أو المانع منه ومن جميع الأعضاء
(1)
ودوام النية حكما لا ذكرا وذلك بأن يصرفها إلى غيره كتبرد ونحوه ولو قطعها صح ما مضى ونوى لبقية أعضائه نية جديدة والماء المطلق والعلم بإطلاقه وأن يكون بعد تيقن الحدث وأن يكون بعد دخول الوقت في حق أصحاب الضرورات كمن به سلس البول والمستحاضة وألا يكون على يديه نجاسة علمية ولا حكمية
(2)
.
فرع: الشرط في اصطلاح العلماء ما يلزم من عدمه العدم لذاته ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم قيل ما كان خارج الماهية إلى آخرها وما كان داخلها وانقطع فإنه يسمى ركنا
(3)
والله أعلم قاله في شرح الإلمام.
وأما آداب الوضوء، فمن آدابه استقبال القبلة لما روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "خير المجالس ما استقبل به القبلة" وأن يصلي عقبه، وأن يبدأ
(1)
بحر المذهب (1/ 253) والمجموع (1/ 468) و (2/ 602)، والنجم الوهاج (1/ 328).
(2)
انظر المقدمة الحضرمية (ص 33) والمنهج القويم (1/ 33)، وغاية البيان (1/ 44 - 45)، ونهاية المحتاج (1/ 153 - 155).
(3)
انظر المنهاج القويم (1/ 33).
في غسل وجهه بأعلاه وفي غسل اليدين والرجلين من أطراف الأصابع إن كان يغسل بنفسه، فإن صب عليه غيره غسل من مرفقيه وعقبه إلى أطراف الأصابع وأن يجعل الماء عن يساره وإن كان يقلب منه فإن غرف فعن يمينه والجلوس بحيمث لا يناله رشاش والشرب من فضل الوضوء بعد الفارغ من هيئاته ولا يلطم وجهه بالماء ولا يتكلم في أثنائه إلا بذكر الله
(1)
ويكره الكلام بغير ذلك إلا لضرورة، وإياك والوسوسة في الوضوء فإنها من البدع التي تؤدي إلى الجنون، واعلم أن الشيطان الموكل بالوضوء يسمى الولهان يلعب بابن آدم أعاذنا الله منه بمنه وكرمه.
تتمة يذكر فيها طرف من أقوال العلماء في نواقض الوضوء على مذاهب الأئمة الأربعة:
أما نواقض الوضوء على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة
(2)
: الخارج من السبيلين معتادا كان أو غيره ينقض عند أبي حنيفة وأصحابه سوى الريح الخارجة من القبل غير منتنة ودودة من ذكر أو فرج لكن يستحب لها الوضوء والخارج من غير السبيلين ينقض إن سال نجسا والقيء ملء الفم بأن لا يضبط إلا بتكلف أو علق أو طعام أو ماء ولو من معدته والدم والقيح والصديد ولو من أذنه بوجع أو ماء أصفر من سرته أو دموع من عينيه من
(1)
عمدة السالك (ص 14) والنجم الوهاج (1/ 359).
(2)
انظر: الهداية (1/ 17 - 19)، والعناية شرح الهداية (1/ 36 - 55)، والبناية شرح الهداية (1/ 256 - 310).
بعينيه رمد ومص العلقة ممتلئة لا القراد وغرز الإبرة إذا ظهر أكثر من رأسها وقيل لا ينقض وكذا الحلال ونوم مضطجع ولو مريضا أو في الصلاة في الصحيح، والصحيح أنه إذا كان مقعده على الأرض لا ينقض كيف ما كان أو متكئا ولو على يديه قاعدا مربعا أو مادا رجليه أو محتبيا أو مقعيا أو قائما أو راكعا في الصلاة لا سجدة الشكر عند الإمام، وقهقهة مصل بالغ منتبه، والإغماء والجنون والسكر والنعاس الثقيل الذي يخفي عليه عامة ما قيل عنده والمباشرة الفاحشة بلا اشتراط مماسة الفرجين في الظاهر، ولا ينقض مس فرج أو ذكر أو دبر وسقوط لحم أو دودة من جرح أو فم أو أنف.
أو أذن أو خروج ريح من جائفة أو عرق مدمى وماء من الأذن هذه الجملة منقولة من كتاب الشامل والله أعلم.
نواقض الوضوء عند الإمام مالك بن أنس رحمه الله: قال الإمام أبو عبد الله القرطبي
(1)
: الذي يوجما الوضوء عند أهل المدينة مالك وأصحابه أربعة أنواع أحدها ما يخرج من المخرجين ما خلا المني فإنه يوجما الغسل، والحجة في ذلك قوله تعالى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}
(2)
وذلك كناية عن كل ما يخرج من الفرجين معتادا معروفا دون ما خرج منها نادرا.
الثاني: ما غلب على العقل من الإغماء والنوم الثقيل والسكر والصرع، فإن كان النوم خفيفا لا يخامر العقل ولا يغمره لم يضر.
(1)
هو ابن عبد البر وكلامه هذا في الكافى في فقه أهل المدينة (1/ 145 - 149) بتصرف.
(2)
سورة النساء، الآية:43.