الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نواقض الوضوء على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:
فقال ابن الجوزي ونواقض الوضوء سبعة
(1)
: أحدها: الخارج من السبيلين نادرا كان أو معتادا طاهرا كان أو نجسا كالريح والبول.
الثاني: خروج النجاسات من بقية البدن فإن كانت بولا أو عذرة فلا فرق من قليلها أو كثيرها وإن كانت غير ذلك لم ينقض قليلها وينقض كثيرها وهو ما فحش في النفس.
والثالث: زوال العقل إلا بالنوم اليسير جالسا أو قائما راكعا أو ساجدا، وعن أحمد أن نوم الراكع والساجد ينقض بكل حال.
والرابع: أن يمس بشرة أنثى بشهوة وفي نقض الملموس روايتان.
والخامس: مس فرج الآدمي قبلا كان أو دبرا كبيرا أو صغيرا حيا أو ميتا.
والسادس: أكل لحم الجزور في أظهر الروايتين فإن شرب من ألبانها فعلى روايتين وإن أكل من كبدها أو طحالها فعلى وجهين.
والسابع: غسل الميت.
فهذه الشروط والفروض والآداب والنواقض قد ذكرت وما عداها سنن وكل ذلك نقل من تهذيب النفوس.
تنبيه: الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من فقهاء المسلمين على ترك الوضوء مما مست النار وأن ذلك كان ثم نسخ كما قال جابر رضي الله عنه
(2)
.
(1)
منهاج القاصدين (1/ 96).
(2)
شرح النووى على مسلم (4/ 43).
302 -
وَعَن أبي مَالك الأشْعَرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الطّهُور شطر الإِيمَان وَالْحَمْد لله تملأ الْمِيزَان وَسُبْحَان الله وَالْحَمْد لله تملآن أَو تملأ مَا بَين السَّمَاء وَالأرْض وَالصَّلَاة نور وَالصَّدَقَة برهَان وَالصَّبْر ضِيَاء وَالْقُرْآن حجَّة لَك أَو عَلَيْك كل النَّاس يَغْدُو فبائع نَفسه فمعتقها أَو موبقها" رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه إِلَّا أَنه قَالَ إسباغ الْوضُوء شطر الإِيمَان وَرَوَاهُ النَّسَائيِّ دون قَوْله كل النَّاس يَغْدُو إِلَى آخِره
(1)
.
قَالَ الْحَافِظ عبد الْعَظِيم وَقد أفردت لهَذَا الحَدِيث وطرقه وَحكمه وفوائده جُزْءًا مُفردًا.
قوله: عن أبي مالك، أبو مالك هذا أخرج له مسلم حديثين أحدهما هذا والثاني "أربع من أمر الجاهلية" وفي البخاري حديث رواه أبو عامر الأشعري أو أبو مالك الأشعري كذا على الشك وقد اختلف في اسم أبي مالك فقالى ابن أبي حاتم اسمه كعب بن عاصم ويقال عمرو وقالى ابن حبان اسمه الحارث بن مالك وقيل الحارث بن الحارث وقيل عبيد وقيل عبد الله وهو معدود في الشاميين فبهذا الاعتبار حال السند كلهم دمشقيون، توفي رضي الله عنه في خلافة عمر
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان" هذا حديث عظيم، أصل من أصول الإسلام، قد اشتمل على مهمات من قواعد الإسلام والأحكام
(3)
، فأما
(1)
أخرجه مسلم (1 - 223)، وابن ماجه (280)، والترمذى (3517)، والنسائى في المجتبى 4/ 452 (2456) والكبرى (2423)، وابن حبان (844).
(2)
تهذيب الكمال (34/ 245 - 246 الترجمة 7598).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 100).
الطهور فالمراد به عند الأكثرين: الفعل فالطهور بالضم التطهر، وبالفتح الماء الذي يتطفر به كالوضوء والوضوء والسحور والسحور
(1)
، قال سيبويه: الطهور بالفتح يقع على الماء والمصدر معًا
(2)
فعلى هذا يجوز أن يكون الحديث بفتح الطاء وضمها، والمراد بهما التطهر
(3)
، والماء الطهور في الفقه هو الذي يرفع الحدث ويزيل النجس والماء الطاهر غير الطهور هو الذي لا يرفع الحدث ولا يزيل النجس كالمستعمل في الوضوء والغسل، ومنه حديث:"ماء البحر هو الطهور ماؤه" أي المطهر، قاله في النهاية
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "شطر الإيمان " قال النووي: وأصل الشطر النصف، واختلفوا في معنى قوله صلى الله عليه وسلم:"الطهور شطر الإيمان " فقيل: إن معناه أن الأجر فيه ينتهي تضعيف ثوابه إلى نصف أجر الإيمان، وقيل: الإيمان يجب ما قبله من الخطايا، وكذلك الوضوء لكن الوضوء تتوقف صحته على الإيمان فصار نصفا، وقيل: المراد من الإيمان هنا الصلاة كما في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ}
(5)
أي: صلاتكم ببيت المقدس، وإنما جعل الطهارة شطر في صحة الصلاة، وشطر الشيء. نصفه لأن صحة الصلاة باجتماع أمرين الأركان والشرائط وأظهر الشروط وأقواها الطهارة فجعلت كأنها الشرط كله،
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 100).
(2)
النهاية (3/ 147)، والميسر (1/ 121).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 100)، النهاية (3/ 147)، والميسر (1/ 121).
(4)
النهاية (3/ 147).
(5)
سورة البقرة، الآية:143.
والشرط ما لابد منه وجعلت الطهارة شطر الإيمان على الاتساع لأن الإيمان هو الداعي إلى الصلاة والباعث عليها والطهور هو السبب إليها وليس يلزم من الشطر أن يكون نصفا حقيقيا، قال النووي وهذا القول أقرب الأقوال
(1)
.
وقال أبو العباس القرطبي: إنه قول فاسد إذ لا يكون شرط الشيء شطره لغة ولا معنى
(2)
، قال وقيل معناه أن الإيمان تصديق بالقلب وانقياد في الظاهر وهما شطر الإيمان
(3)
وقال أبو منصور الديلمي من حديث أنس الإيمان نصفان نصف صبر ونصف شكر، وروى الحافظ أبو نعيم والخطيب من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"الصبر نصف الإيمان"
(4)
.
وروى الطبراني وابن حيان أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الإيمان فقال "الصبر والسماحة"
(5)
.
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 100).
(2)
المفهم (3/ 100 - 101).
(3)
المصدر السابق (3/ 100).
(4)
أخرجه ابن الأعرابى (592)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (271)، وتمام في الفوائد (1083)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 34)، والخطيب في تاريخ بغداد (15/ 352)، والقضاعي في مسند شهاب (1/ 26: 158) وابن الجوزي في العلل (2/ 330: 1364).
قال ابن الجوزي في العلل: تفرد به محمد بن خالد وهو مجروح، وقال يحيي والنسائي يعقوب بن حميد ليس بشيء وقال البيهقي في الشعب، والمحفوظ عن ابن مسعود من قوله غير مرفوع، وقال الحافظ في الفتح (1/ 48): ولا يثبت رفعه وقال الألباني في الضعيفة برقم 499) منكر.
(5)
أخرجه ابن أبى شيبة في المسند (757)، وأحمد 5/ 385 (19435)، وعبد بن حميد (300)، وابن أبى الدنيا في مكارم الأخلاق (59)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة =
قوله صلى الله عليه وسلم: "والحمد لله تملأ الميزان" أي ثوابها يملأ الميزان خيرًا، والمراد أن الثواب على ذلك كثير جدا بحيث لو كان له سلما لملأ ما بين السماء والأرض، وهذا الحديث طاهر في ثبوت الميزان في المعاد حقيقة خلافًا للمعتزلة أو بعضهم إذ قالوا الميزان الوارد ذكره في الكتاب والسنة كناية عن لإقامة العدل في الحساب لا أنه ميزان حقيقة ذو كفتين ولسان كما يقال يد فلان ميزان، والظواهر في إثبات كونه حقيقة مع أهل السنة وقد قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أين نجدك يا رسول الله في القيامة؟ قال:"عند الحوض أو الصراط أو الميزان "
(1)
وهو كما تراه ظا هر فيما ذكرنا
(2)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض"
= (644)، والطبراني في المكارم (155) عن عمرو بن عبسة.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 54: رواه أحمد، وفي إسناده شهر بن حوشب، وقد وثق على ضعف فيه. وقال في 1/ 161: رواه الطبراني في الكبير، وفيه شهر بن حوشب.
وأخرجه ابن أبى خيثمة في أخبار المكيين (158)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (643) و (645) و (882)، والفاكهى (198)، والطبراني في الكبير (17/ 49 رقم 105)، والحاكم (3/ 626) عن عمير بن قتادة. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى ففال: أورد له حديثا ضعيفًا. قال الهيثمي هذا الحديث في المجمع 5/ 235: رواه الطبراني، وفيه بكر بن خنيس، وهو ضعيف. وصححه الألباني في الصحيحة (551) و (554) والمشكاة (46).
(1)
أخرجه أحمد 3/ 178 (12825)، والترمذى (2433) عن أنس. وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وصححه الألباني في المشكاة (5595) وصحيح الترغيب (3625).
(2)
التعيين في شرح الأربعين (ص 175).
هذا التردد في تملآن أو تملأ شك من بعض الرواة وكلا الأمرين جائز لغة لأن سبحان الله والحمد لله جملتان في اصطلاح النحاة ويصدق عليهما كلمة عند أهل اللغة كما يسمون الخطبة والرسالة والقصيدة كلمة ويقولون قال فلان كلمة، ومعنى سبحان اله نزهت الله عما لا يليق به ومعناه أن ثوابهما لو قدر جسما لملأ ما بين السماء والأرض كما تقدم وسببهما اشتملتا عليه من التنزيه لله تعالى والتفويض إلى الله تعالى والاتكال عليه وشكر نعمه والاعتراف بسعة كرمه
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والصلاة نور" معناه أن الصلاة إذا فعلت بشروطها المصححة والمكملة نورت القلب بحيث تشرق فيه أنوار المعارف والمكاشفات حتى ينتهي أمر من يراعيها حق رعايتها أن يقول وجعلت قرة عيني في الصلاة، وأيضًا إنها تنور بين يدي مراعيها يوم القيامة في تلك الظلم وتنور وجه المصلي يوم القيامة فيكون ذا غرة وتحجيل لقوله صلى الله عليه وسلم "إن أمتى يدعون يوم القيامة غرًّا محجلين من الوضوء" وقيل معثاه أن الصلاة تمنع من المعاصي وتنهى عن الفحشاء والمنكر وتهدي إلى الصراط المستقيم كما أن النور يستضاء به فهي نور بهذا الاعتبار، وقيل أن ثوابها يكون نورًا لصاحبها يوم القيامة وقيل لأنها نورًا ظاهرًا على وجهه يوم القيامة وكذلك تكون في الدنيا فمن صلى بالليل نار وجهه بالنهار
(2)
انتهى.
(1)
المصدر السابق (ص 176) وشرح النووى على مسلم (3/ 101).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 101)، والمفهم (3/ 102)، والتعيين (ص 176 - 177)، وشرح المشكاة (3/ 739 - 740).
قوله صلى الله عليه وسلم: "والصدقة برهان" ذكر النووي فيه قولين أحدهما: أنها حجة لصاحبها في أداء حق المال، الثاني: أنها حجة في إيمان صاحبها لأن المنافق لا يفعلها غالبا والدليل على أنه حجة، لطالب الأجر من أجل أنها فرض يجازي الله به وعليه وقيل هي دليل على صحة إيمان صاحبها لطيب نفسه بإخراجها وذلك لعلاقة ما بين النفس والمال
(1)
.
قوله: برهان، فالبرهان هو الحجة المركبة من مقدمات قاطعة وأصل البرهان الوضوح ويقال هذا برهان هذا أي وضوحه وهو مصدر كالقرآن والعداون
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والصبر ضياء" هذه هي الرواية المشهورة ورواه بعضهم "والصوم" بالميم ووجهه أن الصوم يبر عنه بالصبر وسمى النبي صلى الله عليه وسلم شهر رمضان شهر الصبر كما سيأتي في الصوم، ومعناه الصبر المحبوب من الشرع وهو الصبر على طاعة الله تعالى والصبر عن معصية الله تعالى والصبر على النائبات وأنواع المكاره الدنيويات لأن الصبر تجرع المرارات مع الرضا بالقدر والمراد أن الصبر لا يزال صاحبه مهتديًا مستمرًا على الصراط المستقيم
(3)
قال إبراهيم الخواص: الصبر الثبات على الكتاب والسنة قال
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 101)، والتعيين (ص 177).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 85)، والتعيين (ص 177)، والمعين على تفهم الأربعين (ص 281).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 101)، والمفهم (3/ 103)، والتعيين (ص 177 - 178)، والمعين (ص 281).
ابن عطاء هو الوقوف على البلاء بحسن الأدب وقال الأستاذ أبو علي الدقاق: حقيقة الصبر ألا يعترض على المقدور فإما إظهار البلاء لا على الشكوى فلا ينافي الصبر لقول الله تعالى في أيوب {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا}
(1)
مع أنه قال: {مَسَّنِيَ الضُّرُّ}
(2)
(3)
وسيأتي الكلام على الصبر في بابه مبسوطًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والقرآن حجة لك أو عليك " يعني إن عملت به واهتديت بأنواره كان حجة لك فين أعرضت عنه ولم تعمل به كان حجة عليك
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل الناس يغدو فبائع نفسه" الحديث، معناه كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب، ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى باتباعها فيوبقها أي يهلكها بسخط الله عز وجل
(5)
.
303 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا من مُسلم يتَوَضَّأ فيسبغ الْوضُوء ثمَّ يقوم فِي صلَاته فَيعلم مَا يَقُول إِلَّا انْفَتَلَ وَهُوَ كَيَوْم وَلدته أمه الحَدِيث رَوَا مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم
(1)
سورة ص، الآية:44.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:83.
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 101 - 102)، وشَرح الأربعين (ص 86) لابن دقيق العيد، والمعين (ص 282).
(4)
شرح النووى على مسلم (3/ 102)، والمفهم (3/ 103 - 104)، والتعيين (ص 180)، والمعين (ص 284).
(5)
شرح النووى على مسلم (3/ 102)، وشرح الأربعين (ص 86) لابن دقيق العيد، والتعيين (ص 181)، والمعين (ص 285).
وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد
(1)
.
قوله: عن عقبة بن عامر، هو عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني ولي مصر لمعاوية بن أبي سفيان ومات بها سنة ثمان وخمسين كان بريدا لعمر بن الخطاب رضي الله عنه فأتاه إلى المدينة بفتح الشام وأخبره به ثم رجع إلى الشام من المدينة في يومين ونصف بدعائه عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوسله به في تسهيل طريقه ومناقبه كثيرة مشهورة
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من مسلم يتوضأ فيسبغ الوضوء" الحديث، الإسباغ عبارة عن الإتيان بالوضوء بكمال سننه وآدابه
(3)
وفي الشرع عبارة عن غسل أعضاء مخصوصة مفتتحه بالنيه
(4)
وتقدم الكلام عليه مبسوطا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يقوم في صلاته فيعلم ما يقول إلا انفتل كيوم أمه" أي رجع لا ذنب له.
(1)
أخرجه مسلم (17 - 234)، وأبو داود (169 و 170 و 906)، والنسائي في المجتبى 1/ 338 (156) والكبرى (223)، وابن خزيمة (222)، وابن حبان (1050)، والحاكم (2/ 398 - 399) واللفظ له. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (190) و (395) و (546).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 336 ترجمة 414).
(3)
شرح الإلمام (3/ 512)، والمفاتيح (1/ 399)، والكواكب الدرارى (4/ 140).
(4)
الشافى في شرح مسند الشافعى (1/ 61)، والنجم الوهاج (1/ 311)، وأسنى المطالب (1/ 28)، وفتح الوهاب (1/ 14).
304 -
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إسباغ الْوضُوء فِي المكاره وإعمال الأقْدَام إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلَاة يغسل الْخَطَايَا غسلا رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم
(1)
.
قوله: عن علي، هو علي بن أبي طالب كنيته أبو الحسن وكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا تراب وهو أخو رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة وأحد أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأحد الخلفاء الراشدين وأحد العلماء الربانيين والشجعان المشهورين والزهاد المذكورين وأحد السابقين للإسلام ولم يسجد لصنم قط وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين نفسه وبات ليلة الهجرة على فراشه يقيه بنفسه وكان يحمل راية النبي صلى الله عليه وسلم العظمى يتقدم بها في نحر العدو وشهد معه المشاهد كلها إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة
(2)
.
(1)
أخرجه أبو عبيد في الطهور (14)، وعبد بن حميد (91)، والبزار (528 و 529)، وأبو يعلى (488)، والحاكم (1/ 132). وصححه الحاكم. وقال الدارقطنى في العلل (374): ضعيف.
وقال الهيثمي في المجمع 2/ 36: رواه أبو يعلى والبزار ورجاله رجال الصحيح، وزاد البزار في أوله:"ألا أدلكم على ما يكفر الله به الخطايا"، وزاد في أحد طريقيه رجلا وهو أبو العياس غير مسمى وقال: إنه مجهول، قلت: أبو العياس بالياء المثناة آخر الحروف والسين المهملة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (191) و (313) و (449).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 344 - 350 الترجمة 430).
قوله صلى الله عليه وسلم: "إسباغ الوضوء على المكاره" المكاره هي جمع مكرهة وهو ما يكرهه الإنسان ويشق عليه والكره بالضم والفتح المشقة والمعنى أن يتوضأ مع البرد الشديد والعلل التي يتأذى معها بمس الماء ومع إعوازه والحاجة إلى طلبه والسعي في تحصيله أو ابتياعه بالثمن الغالي وما أشبه ذلك من الأسباب الشاقة
(1)
، فإسباغ الوضوء.
في شدة البرد من أفضل الأعمال ومن أعلى خصال الإيمان فلو لم يسبغ الوضوء بالغسل حتى ترك قدرا يسيرا من أي عضو من أعضاء الوضوء لم تصح طهارته
(2)
واستحق على ذلك العقوبة إذا ترك شيئا بذلك وكذا لو كان على أعضاء الوضوء ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كشمعة أو أثر عجين أو طعام أو غير ذلك
(3)
، وقد توعد على ذلك بالنار ففي الحديث "ويل للأعقاب من النار"
(4)
وقد أجمحت الأمة على تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين صلاة الفرض والنفل، فلو صلى محدثا متعمدا بلا عذر أثم، وهل يكفر، قال جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة أنه يكفر لتلاعبه
(5)
.
(1)
غريب الحديث (1/ 284) للخطابى، ومشارق الأنوار (1/ 340)، والنهاية (4/ 168 - 169).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 131).
(3)
انظر: التعليقة (1/ 306)، والمجموع (1/ 426) و (2/ 198).
(4)
أخرجه البخارى (60) و (96) و (163)، ومسلم (26 و 27 - 241) عن عبد الله بن عمرو.
(5)
شرح النووى على مسلم (3/ 103).
فائدة: نذكر فيها أحوال القوم في وضوءهم
كان علي بن الحسين رضي الله عنه: إذا توضأ اصفر لونه فيقول له أهله: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟ فيقول: أتدرون بين يدي من أقوم
(1)
، وقد روى عن داود بن رشيد قال: قام رجل ليلة باردة ليتوضأ للصلاة فأصاب الماء باردا فنودي أما ترضى أنا أنمثاهم وأقمناك حتى تبكي علينا خرجه ابن السمعاني
(2)
، وقال داود بن رشيد أيضا: قام بعض أخواني في ليلة شديد البرد وكان عليه خلقان فضربه البرق فبكى فهتف به هاتف أقمناك وأنمناهم تبكي علينا
(3)
، وروى ابن سعد بإسناده أن عمر رضي الله عنه: وصى ابنه عند موته فقال له: يا بني عليك بخصال الإيمان قال وما هي؟ قال الصوم في شدة الحر أيام الصيف وقتل الأعداء بالسيف والصبر على المعصية وإسباغ الوضوء في اليوم الشات وتعجيل الصلاة في يوم المغنم وترك ردغة الخبال، قال: وما ردغة الخبال؟ قال: شرب الخمر
(4)
، وفي كتاب الزهد للإمام أحمد بن حنبل عن عطاء بن يسار قال: قال موسى صلى الله عليه وسلم: "يا رب، من هم أهلك الذين تظلهم في ظل عرشك؟ قال: هم البرية أيديهم، الطاهرة قلوبهم، الذين يتحابون
(1)
أخرجه ابن أبى الدنيا في الرقة والبكاء (148) ومن طريقه الدينورى في المجالسة (787).
(2)
أخرجه الآجرى في فضل قيام الليل (30)، والبيهقى في الشعب (4/ 541 - 542 رقم 2981). وانظر لطائف المعارف (ص 328).
(3)
انظر المصادر السابقة.
(4)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 359)، والبيهقى في الشعب (4/ 270 رقم 2501).
بجلالي، الذين إذا ذكرت ذكروا بي، وإذا ذكروا ذكرت بذكرهم، الذين يسبغون الوضوء في المكاره، وينيبون إلى ذكري؛ كما تنيب النسور إلى أوكارها، ويكلفون بحبي؛ كما يكلف الصبي بحب الناس، ويغضبون لمحارمي إذا استحلت؛ كما يغضب النمر إذا حرب"
(1)
.
305 -
وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ أَلا أدلكم على مَا يمحو الله بِهِ الْخَطَايَا وَيرْفَع بِهِ الدَّرَجَات قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ إسباغ الْوضُوء على المكاره وَكثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة فذلكم الرِّبَاط فذلكم الرِّبَاط فذلكم الرِّبَاط رَوَاهُ مَالك وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه بِمَعْنَاهُ وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ إِلَّا أنَّهُمَا قَالا فِيهِ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَلا أدلكم على مَا يكفر الله بِهِ الْخَطَايَا وَيزِيد بِهِ فِي الْحَسَنَات وَيكفر بِهِ الذُّنُوب قَالُوا بلَى يَا رَسُول الله قَالَ إسباغ الْوضُوء على المكروهات وَكثْرَة الخطا إِلَى الْمَسَاجِد وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة فذلكم الرِّبَاط رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن شُرَحْبِيل بن سعد عَنهُ
(2)
.
(1)
أخرجه أحمد في الزهد (389)، وابن أبى الدنيا في الأولياء (37).
(2)
أما حديث أبى هريرة: أخرجه مالك في الموطأ (445)، ومسلم (41 - 251)، وابن ماجه (428)، والترمذي (51) و (52)، والنسائى في المجتبى 1/ 332 (148) والكبرى (178). وأما حديث أبى سعيد الخدري: أخرجه أحمد 3/ 3 (10994)، وابن ماجه (427) و (776)، وابن خزيمة (177) و (357)، وابن حبان (1093).
وقال الألباني: حسن صحيح صحيح الترغيب (193) و (311) وأما حديث شرحبيل بن
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات" الحديث، قال القاضي عياض رحمه الله
(1)
: محو الخطايا كناية عن غفرانها، قال ويحتمل محوها من كتاب الحفظة ويكون دليل على غفرانه، والعفو الستر كما تقدم ورفع الدرجات أعلى المنازل في الجنة.
قوله صلى الله عليه وسلم "وإسباغ الوضوء على المكاره" وإسباغ الوضوء إتمامه وإكماله وتقدم ذلك مبسوطا والمكاره يكون بشدة البرد والحر ونحو ذلك ويجوز أن يراد به إعواز الماء وضيقه حتى لا يقدر عليه إلا بالثمن الغالي
(2)
كما تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "وكثرة الخطى إلى المساجد" وكثرة الخطى يكون ببعد الدار وكثرة التكرار
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "فذلك الرباط" أي الرباط المرغب فيه وأصل الرباط الحبس على الشيء كأنه حبس نفسه على هذه الطاعة وقيل ويحتمل أنه أفضل الرباط كما قيل الجهاد جهاد النفس ويحتمل أنه الرباط المتيسر الممكن أي أنه من أنواع الرباط هذا كلام القاضي وكله حسن
(4)
، وأما حكمة تكراره
= سعد عن جابر: أخرجه ابن حبان (1039). وصححه الألباني في صحمِح الترغيب (193) و (312).
(1)
إكمال المعلم (2/ 55)، وشرح النووي على مسلم (3/ 141).
(2)
غريب الحديث (1/ 284).
(3)
إكمال المعلم (2/ 55) وشرح النووي على مسلم (3/ 141).
(4)
إكمال المعلم (2/ 55 - 56)، وشرح النووي على مسلم (3/ 141).
فذلكم الرباط ثلاثا فقيل للاهتمام به وتعظيم شأنه وقيل كرره صلى الله عليه وسلم على عادته في تكرار الكلام ليفهم عنه والأول أظهر
(1)
والله أعلم.
قوله: عن جابر بن عبد الله تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويكفر به الذنوب" وفي الحديث "ويرفع به الدرجات بدل "ويكفر به الذنوب" وهذا الباب من تعداد المكفرات والأعمال المضاعفات واسع جدا ولا يبرح المؤمن بين أمر مكفر وأمر رافع للدرجات ثم إن المكفرات لذنوب المؤمن لا تنحصر في أعماله الصالحة بل تكون مما يجريه الله عليه ويقدره من الأسقام والآلام والأعراض التي لا ينفك عنها الإنسان وآخرها الموت وهو كفارة لكل مسلم كما صح في الحديث.
فإن قلت: قد قيد بعض الأحاديث التكفير بالصغائر فماذا يصنع صاحب الكبائر؟
قلت: يلجأ إلى الله تعالى بالتوبة فإن الله يحب توبة العبد ما لم يغرغر كما ثبت في الحديث مما رواه الترمذي وقال فيه: حديث حسن.
قوله: رواه ابن حبان عن شرحبيل بن سعد [أبو سعد الخطمي المدني مولى الأنصار يروي عن أبي هريرة وابن عباس وجابر وعنه ابن أبي ذئب ومالك وكنى عنه ولم يسمه، قال ابن عيينة: كان يفتي ولم يكن أحد أعلم
(1)
شرح النووى على مسلم (2/ 142).
بالمغازي والبدريين منه، ثم احتاج فكأنهم اتهموه، وكانوا يخافون إذا جاء إلى الرجل يطلب منه فلم يعطه أن يقول: لم يشهد أبوك بدرا ضعفوه وقال الدارقطني ضعيف يعتبر به
(1)
].
306 -
وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أَسْبغ الْوضُوء فِي الْبرد الشَّديد كَانَ لَهُ من الأجر كفلان" رَوَاهُ الطَّبَرَانيِّ فِي الأوْسَط
(2)
.
قوله: عن علي بن أبي طالب تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر كفلان" أي نصيبان والكفل هو النصيب من الأجر أو الوزر.
307 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتانِي اللَّيْلَة آتٍ من رَبِّي قَالَ يَا مُحَمَّد أَتَدْرِي فيمَ يخْتَصم الْمَلأ الأعْلَى قلت نعم فِي الْكَفَّارَات والدرجات وَنقل الأقْدَام للجماعات وإسباغ الْوضُوء فِي السبرات وانتظار الصَّلاة بعد الصَّلاة وَمن حَافظ عَلَيْهِنَّ عَاشَ بِخَير وَمَات بِخَير وَكَانَ من ذنُوبه كيَوْم وَلدته أمه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي حَدِيث يَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله
(1)
تهذيب الكمال (12/ الترجمة 2714).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 298 رقم 5366)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 424). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن علي بن زيد إلا أبو حفص العبدي واسمه عمر بن حفص. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 327: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن حفص العبدي، وهو متروك. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (839) و (840) وحكم عليه بالوضع وضعيف الترغيب (135).
تَعَالَى فِي صَلاة الْجَمَاعَة وَقَالَ حَدِيث حسن
(1)
السبرات جمع سُبْرَة وَهِي شدَّة الْبرد.
قوله: عن ابن عباس تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "أتاني الليلة آت من ربي فقال يا محمد أتدري فيما يختصم الملأ الأعلى قلت نعم قال في الدرجات والكفارات ونقل الأقدام للجماعات وإسباغ الوضوء في السبرات" الحديث، ويختصم الملأ الأعلى معناه يزدحم ويستبق في ترقيه إلى الله تعالى لأن الملأ الأعلى يتقرب إلى الله تعالى برفع الأعمال الصالحات
(2)
وقيل معنى يختصم يناظر ويتمنى
(3)
والملأ الأعلى هم الملائكة المقربون كجبريل وميكائيل وغيرهم من الملائكة المقربين
(4)
وسيأتي الكلام على رفع الدرجات ونقل الأقدام في الحلقات وأما السبرات فجمع سبرة وهي شدة البرد قاله المنذري.
وأما قوله "أتاني الليلة آت من ربي" قال السهيلي
(5)
: الوحي على سبعة أوجه:
(1)
أخرجه أحمد 1/ 368 (3484)، وعبد بن حميد (682)، والترمذى (3233) و (3234). وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.
وصححه الألباني في الإرواء (684) وصحيح الترغيب (194) و (302) و (408) و (451)، وصحيح الظلال (388).
(2)
تحفة الأبرار (1/ 262)، وشرح المشكاة (3/ 945)، وشرح المصابيح (1/ 438).
(3)
المفاتيح (2/ 78).
(4)
النهاية (4/ 351).
(5)
الروض الأنف (2/ 258 - 259).
أحدها: نزول الملك في صورة دحية. الثاني: على صورته له ستمائة جناح.
الثالث: نزول إسرافيل في أول البعث. الرابع: النفث في الروع. الخامس: المنام كما في هذا الحديث. السادس: الصلصلة. السابع: بلا واسطة من وراء حجاب. أهـ.
ولم يذكر أنواعا أخرى كمجيء جبريل كشاب شديد بياض الثوب شديد سواد الشعر كما في حديث الإيمان والإسلام المطول وملك الجبال لما أتى إليه وقال: إن شئت أطبقت عليهم الأخشبين، وقال في الديباجة: قال الخطابي وغيره: قال بعض العلماء: أقام صلى الله عليه وسلم يوحى إليه ثلاثا وعشرين سنة عشر سنين بالمدينة وثلاث عشرة بمكة وكان قبل ذلك ستة أشهر يرى في المنام الوحي وهو جزء من ستة وأربعين جزءا
(1)
والله أعلم وسيأتي كلام على الوحي مبسوطًا.
308 -
وَعَن ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من تَوَضَّأ وَاحِدَة فَتلك وَظِيفَة الْوضُوء الَّتِي لا بُد مِنْهَا وَمن تَوَضَّأ اثْنَيْنِ فَلهُ كفلان من الأجر وَمن تَوَضَّأ ثَلَاثًا فَذَلِك وضوئي ووضوء الأَنبِيَاء قبلي رَوَاهُ الإِمام أَحْمد وَابْن مَاجَه وَفِي إسنادهما زيد الْعمي وَقد وثق وَبَقِيَّة رُوَاة أَحْمد رُوَاة الصَّحِيح وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أطول مِنْهُ من حَدِيث عَنْ أُبَيِّ بْنِ كعْبٍ بِإِسْنَاد ضَعِيف
(2)
.
(1)
شرح النووى على مسلم (15/ 21)، والكواكب الدرارى (24/ 99).
(2)
أخرجه الطيالسى (2036)، وأحمد 2/ 98 (5735)، وابن ماجه (419)، وأبو يعلى (5598) والمعجم (46)، والطبراني في الكبير (13/ 234 - 235 رقم 13968)، =
قوله: عن أبي بن كعب تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم "من توضأ واحدة فتلك وظيفة الوضوء التي لابد منها" الحديث أي غسل كل عضو مرة واحدة واستوعبه بالغسل.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ اثنين" أي غسل كل عضو اثنين.
قوله "فله كفلان من الأجر" تقدم معنى الكفل أنه النصيب من الأجر أو الوزر.
قوله صلى الله عليه وسلم "من توضأ ثلاثًا فذلك وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي" وفي البخاري عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة
(1)
.
قال الشيخ تقي الدين: لم يزل الناس يفهمون من هذا اللفظ الاقتصار على
= والدارقطنى في السنن (258 و 259 و 260 و 261 و 262)، والحاكم (1/ 150). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: مداره على زيد العمي وهو واه. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 230 - 231: رواه أحمد، وفيه زيد العمي، وهو ضعيف، وقد وثق. وبقية رجاله رجال الصحيح، ولابن عمر عند ابن ماجه حديث مطول في هذا، وفي كل من الحديثين ما ليس في الآخر. والله أعلم. وأخرجه ابن ماجه (420)، وابن المنذر في الأوسط (411)، والعقيلى في الضعفاء (2/ 288)، والشاشى (1498)، والآجرى في الأربعبن (15)، والدارقطنى (263).
قال البوصيرى في الزجاجة 1/ 62: هذا إسناد فيه زيد بن الحواري هو العمي ضعيف وكذلك الراوي عنه رواه الدارقطني في سننه من هذا الوجه رواه الإمام في مسنده عن أسود بن عامر عن إسرائيل عن زيد العمي عن نافع عن ابن عمر. وضعفه الألباني في الإرواء (95)، والضعيفة (4735)، وضعيف الترغيب (136).
(1)
أخرجه البخارى (157).
مرة واحدة في غسل كل عضو وهو المعلوم منه
(1)
، وأما الاقتصار على المرة فقال مالك لا أحبها إلا من العالم لأنه لابد من إيصال الماء إلى ما تحت الشعور الخفيفة وما استثني من الكثيفة وخالف فيه بعض المالكية
(2)
.
قال النووي: أجمع العلماء على أن الواجب في غسل الأعضاء مرة مرة وعلى أن الثلاث سنة وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين وبعضها مرة.
قال العلماء فاختلافها دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاث هي الكمال والواحدة تجزئ فعلى هذا يحمل اختلاف الأحاديث وأما اختلاف الرواة فيه عن الصحابي الواحد في القصة الواحدة فذلك محمول على أن بعضهم حفظ وبعضهم نسي فيؤخذ بما زاد الثقة كما تقرر في قبول زيادة الثقة الضابط واختلف العلماء في مسح الرأس فذهب الشافعي في طائفة إلى أنه يستحب فيه المسح ثلاث مرات كما في باقي الأعضاء.
وذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والاكثرون إلى أن السنة مرة واحدة ولا يزاد عليها واحتج الشافعي وبما رواه أبو داود في سننه أنه صلى الله عليه وسلم مسح رأسه ثلاثا وبالقياس على باقي الأعضاء وأجاب عن أحاديث المسح مرة واحدة بأن ذلك لبيان الجواز وأجمعوا على وجوب غسل
(1)
شرح الإلمام (4/ 213).
(2)
انظر شرح الإلمام (4/ 215 - 216).
الرجلين فخالفت الرافضة فأجازوا المسح وأخطئوا فخالفوا النصوص المتظاهرة
(1)
والله أعلم.
قوله: وفي إسنادهما زيد العمي.
فروع لما تعلق بما ذكر: الأول: تكره الزيادة على الثلاث لما روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا وفي حديث آخر "فمن زاد على هذا ونقص فقد أساء وظلم" رواه أبو داود وغيره بإسناد صحيح
(2)
، أي أساء الأدب بتركه السنة والتأدب بأدب الشرع وظلم نفسه بما نقصها من الثواب بترداد المرات في الوضوء
(3)
وقال ابن الرفعة أيضا مراده أساء بالتعدي عن المرات وظلم بالزيادة على الثلاث وقيل عكسه فالزيادة على الثلاث مكروه على الصحيح وقيل حرام وقيل خلاف الأولى
(4)
ونقل الدارمي عن قوم أنه متى زاد على الثلاث لم يصح وضوءه
(5)
.
الثاني: توضأ مرة مرة ثم توضأ ثانيا كذلك قبل صلاة ثم ثالثًا كذلك نال
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 106 - 107).
(2)
أخرجه ابن ماجه (422)، وأبو داود (135)، والنسائى في المجتبى 1/ 330 (145) والكبرى (103 و 104) و (218). وقال الألباني: حسن صحيح، المشكاة (417)، صحيح أبي داود (124).
(3)
النهاية (3/ 161).
(4)
انظر: المجموع (1/ 438 - 440)، وشرح الإلمام (4/ 46 - 47)، وكفاية النبيه (1/ 336)، والنجم الوهاج (1/ 348 - 349).
(5)
انظر: المجموع (1/ 438 - 440).
فضيلة التثليث كما أفهمه كلام الفوراني والروياني والإمام وغيرهم، وفي فروق الجويني ما يقتضي خلافه
(1)
، والله أعلم.
الثالث: يكره الإسراف في الماء في الوضوء وكذا الغسل أيضا جزم المتولي بتحريمه
(2)
لما روى البيهقي في الشعب عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بسعد وهو يتوضأ فقال: "ما هذا السرف يا سعد؟ " قال: أفي الوضوء إسراف، وفي بعض الروايات: أفي الماء إسراف؟ قال: "نعم وإن كنت على نهر جار"
(3)
، وقال الشافعي رحمه الله: وقد يرفق الفقيه بالقليل فيكفي ويخرق الجاهل بالكثير فلا يكفي
(4)
، والفقهاء يذكرون أنه عليه الصلاة والسلام توضأ بماء لا يبل الثرى
(5)
، ولم أجد له في المسانيد أثرًا
(6)
، قاله شارح الإلمام.
الرابع: ما ابتدعه كثير من المتعبدين والمتفقهين في الوضوء أو الغسل من الوسواس في الطهارة، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم اعتداء، قال صلى الله عليه وسلم: "سيكون في هذه
(1)
النجم الوهاج (1/ 349).
(2)
النجم الوهاج (1/ 358).
(3)
أخرجه أحمد 2/ 221 (7065)، وابن ماجه (425)، والبيهقى في الشعب (4/ 286 - 287 رقم 2533). وضعفه الألباني في المشكاة (427) والضعيفة (4782)، والإرواء (140)، والرد على بليق (98). وصححه في الصحيحة (3292).
(4)
المهذب 1/ 65، وبحر المذهب 1/ 178 - 179، والمجموع 2/ 189، وكفاية النبيه (1/ 556)، والنجم الوهاج (1/ 324) و (1/ 396 - 397).
(5)
انظر ما سبق.
(6)
قال النووى: لا أعلم له أصلا المجموع 2/ 190. وقال الدميرى: لا يعرف النجم الوهاج 1/ 395.
الأمة قوم يعتدونٍ في الطهور والدعاء" رواه أبو داود وابن حبان في صحيحه
(1)
، قال ابن القيم
(2)
: لما ذكر حديث: "سيكون في هذه الأمة قوم يعتدونٍ في الطهور" إذا قرنت هذا الحديث بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ}
(3)
وعلمت أن الله يحب عبادته أنتج لك هذا أن وضوء الموسوس ليس بعبادة.
وقال
(4)
: فمنهم من ينتظر الحوض في الحمام حتى يفيض ثم يغتسل منه وحده ولا يمكن أحدا من استعماله حتى يفرغ، وهذا مبتدع مخالف للسنة، وقال ابن القيم: قال شيخنا: ويستحق التعزير البليغ الذي يزجره وأمثاله عن أن يشرعوا في الدين ما يأذن به الله ويعبدوا الله بالبدع
(5)
، انتهى.
وثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل هو وعائشة من قصعة بينهما فيها أثر العجين، وفي الصحيحين عن ابن عمر أنه قال: كان الرجال والنساء على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضئون من إناء واحد مع أن آنيتهم لم تكن قدر حوض الحمام ولا قريبا منه، بل صح أن الإناء الذي كان النبي ع صلى الله عليه وسلم يغتسل منه هو وأهله قدر الفرق وهو قريب من خمسة أرطال بالدمشقي،
(1)
أخرجه ابن ماجه (3864)، وأبو داود (96)، وابن حبان (6763 و 6764)، والحاكم في المستدرك (1/ 162 و 540). وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: فيه إرسال. وصححه الألباني في صحيح أبى داود (86)، والإرواء (1/ 171).
(2)
إغاثة اللهفان (1/ 147).
(3)
سورة البقرة، الآية:190.
(4)
إغائة اللهفان (1/ 225).
(5)
إغاثة اللهفان (1/ 225).
وتقدم الكلام على الفرق في أوائل هذا التعليق في حديث الغار
(1)
، ومنهم من يتوضأ مرات ويغتسل مرات، وهذا أيضًا مبتدع مكروه على الصحيح، وقيل: حرام وإليه ذهب جماعات من العلماء واستدلوا فيه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "فمن زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم" وتقدم تفسير ذلك في الفرع الأول وهو دليل ظاهر، وحكي أبو الفرج ابن الجوزي عن أبي الوفاء بن عقيل أن رجلا لو انغمس في الماء مرارًا كثيرة وشك هل صح لي الغسل أم لا، فماذا ترى في ذلك؟ فقال له الشيخ: اذهب فقد سقطت عنك الصلاة، قال: وكيف ذلك؟ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "رفع القلم عن ثلاثة المجنون حتى يفيق والنائم حتى يستيقظ والصبي حتى يبلغ" ومن ينغمس في الماء مرارا وشك هل أصابه الماء أم لا فهو مجنون
(2)
، قلت: ومحل الخلاف في الكراهية والتحريم إنما هو إذا فعل ذلك بما يملكه أو في ثهر ونحوه، وأما إذا فعل ذلك في الحمام فإن ذلك حرام قطعا إذ يخرج وذمته مغمورة بمال الغير لاستعماله ما زاد على حاجته، وكذلك إذا توضأ من الحياض المسبلة التي تحمل إليها الماء لاستعمال غيره فإنه يحرم عليه أن يستعمل منها ما زاد على قدر الحاجة، انتهى، قاله ابن النحاس في تنبيهه
(3)
، وتقدم شيء من ذلك.
الفرع الخامس: شك في أثناء وضوئه في غسل بعض الأعضاء بني على
(1)
إغاثة اللهفان (1/ 222).
(2)
إغاثة اللهفان (1/ 233 - 234).
(3)
تنبيه الغافلين (ص 516 - 519).
اليقين وهو أنه لم يفعل وإن شك بعد الفراغ فالأظهر المختار الصحة، قاله الكمال الدميري
(1)
.
السادس: يرتفع حدث كل شيء بغسله، وقال الإمام: يتوقف على فارغ الأعضاء وتطهر، فائدة الخلاف فيما لو أحدث في الأثناء هو أو غيره أن يتوضأ بماء كان قد استعمله في الأعضاء السابقة، فإن قلنا بالأول لم يجز أو بمقالة الإمام جاز، قاله أيضا الكمال في شرحه
(2)
.
السابع: في نفض أعضاء الوضوء وتنشيفها، أما نفض أعضاء الوضوء فقد قال العلماء في كتب الفقه وأن لا ينفض يديه لقوله صلى الله عليه وسلم:"إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مرواح الشياطين"
(3)
ثم إذا خالف ونفض يديه لم يكره لحديث ميمونة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم اغتسل فأتيته بالمنديل فلم يأخذها وجعل ينفض
(1)
النجم الوهاج (1/ 335).
(2)
النجم الوهاج (1/ 358).
(3)
أخرجه إسحاق (348)، وابن حبان في المجروحين (1/ 203)، وابن عدي فيالكامل (2/ 57)، ومن طريق ابن حبان أخرجه ابن الجوزي فيالعلل المتناهية (1/ 348). قال أبو حاتم في العلل (73): هذا حديث منكر، والبختري ضعيف الحديث، وأبوه مجهول.
قال ابن حبان في ترجمة البختري: "يروي عن أبيه عن أبي هريرة نسخة فيها عجائب، ولا يحل الاحتجاج به إذا انفرد؛ لمخالفته الأثبات في الروايات مع عدم تقدم عدالته ". وقال عنه ابن عدي: "روى عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قدر عشرين حديثًا، عامتها مناكير، فيها: أشربوا أعينكم الماء، وفيها: الأذنان من الرأس". وقال الذهبى في الميزان 1/ 299: أنكر ما روى عن أبيه عن أبي هريرة- مرفوعًا: إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم فإنها مراوح الشيطان. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (903).
الماء بيديه، متفق عليه
(1)
، وهذا رجح النووي في الروضة أنه لا يكره نفض اليد في الوضوء والغسل، وجزم الرافعي بأنه مكروه
(2)
، وأما تنشيف أعضاء الوضوء فيستحب أن لا ينشف أعضاء الوضوء وهو الأصح لحديث ميمونة المذكور، ففيه دليل على أنه لا يستحب تنشيف الأعضاء من ماء الطهارة، وقيل: يستحب، وقيل: يكره، وقيل: فعله وتركه سيان، وقيل: يكره صيفا لا شتاء، وبعضهم قال: إن كان هناك غبار لم يكره لأنه يتعلق بالجسد عند الرطوبة
(3)
، ويستثنى من عدم الاستحباب ما إذا اغتسل وفي توبه دم براغيث.
فإنه لو لبسه على الرطوبة لانتشرت النجاسة، فمن قال إن دم البراغيث لا يعفى عنه إذا انتشر بعرق؟ نقول هنا كذلك، ومن قال بالعفو هناك في الظاهر أنه لا يقول به هاهنا لأنه يمكنه تنشيف بدنه قبل لبس الثوب ولا يمكنه دفع العرق
(4)
، والله أعلم، قاله ابن العماد في شرح العمدة.
الثامن: وفي مسح الرقبة بعد الأذنين أوجه، أحدهما: أنه ليس بماء جديد لما روى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مسح الرقبة أمان من الغل يوم القيامة"
(5)
، واختاره
(1)
أخرجه البخارى (274) و (276)، ومسلم (38 - 317).
(2)
انظر: الحاوى (1/ 134)، والمهذب (1/ 44)، وروضة الطالبين (1/ 63) والمجموع (1/ 458)، والنجم الوهاج (1/ 355).
(3)
انظر: المهذب (1/ 44)، والمجموع (1/ 461 - 462) وروضة الطالبين (1/ 63)، وكفاية النبيه (1/ 313 - 314)، والنجم الوهاج (1/ 355 - 356).
(4)
انظر كفاية النبيه (2/ 522 - 523).
(5)
أخرجه أبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 78) عن ابن عمر بلفظ: "من توضأ ومسح عنقه لم يغل بالأغلال يوم القيامة". وقال الألباني: موضوع الضعيفة (69) و (744).
الروياني والغزالي
والوجه الثاني: وإليه ميل الأكثرين أنه أدب وليس بسنة.
الوجه الثالث: أنه بدعة واختاره النووي
(1)
، والله أعلم.
التاسع: قوله في الحديث: "فأخرجنا له تورا من صفر" شبه الطست، فيه: دليل على جواز الطهارة من إناء الصفر وهو النحاس
(2)
، وقال أبو طالب المكي في كتابه قوت القلوب بالكراهة، وروي فيه أثرًا أن العبد إذا توضأ حضرته الملائكة وذهبت عنه الشياطين فإن توضأ في إناء من نحاس ذهبت عنه الملائكة وحضرته الشياطين
(3)
، انتهى قاله ابن العماد في شرح العمدة.
309 -
وَعَن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أتم الْوضُوء كَمَا أمره الله فالصلوات المكتوبات كفَّارَات لما بَينهُنَّ رَوَاهُ النَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه بِإِسْنَاد صَحِيح
(4)
.
قوله: عن عثمان بن عفان، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أتم الوضوء كما أمره الله فالصلوات المكتوبات مكفرات لما بينهن" الحديث، المكتوبات هي الصلوات الخمس المفروضات،
(1)
النجم الوهاج (1/ 351).
(2)
كفاية النبيه (1/ 209) والنجم الوهاج (1/ 255).
(3)
قوت القلوب (2/ 152).
(4)
أخرجه أحمد 1/ 57 (406) و 1/ 66 (473) و 1/ 69 (503)، وعبد بن حميد (58)، ومسلم (11 - 231)، وابن ماجه (459)، والبزار (416 و 417)، والنسائى في المجتبى 1/ 334 (150) والكبرى (180)، وابن حبان (1043).
وسيأتي الكلام على المفروضات إذا اتجنبت الكبائر في الأحاديث بعده.
310 -
وَعَن أبي أَيُّوب رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من تَوَضَّأ كمَا أَمر وَصلى كمَا أَمر غفر لَهُ مَا تقدم من عمل رَوَاهُ النَّسَائيِّ وَابْن مَاجَه وَابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه
(1)
.
قوله: عن أبي أيوب الأنصاري، تقدم الكلام على بعض مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى كما أمر وتوضأ كما أمر غفر له ما قدم من عمل" تقدم معنى الغفران وأنه الستر في الآخرة على العبد، والمراد غفران الصغائر دون الكبائر كما هو مذكور في الأحاديث الصحيحة ما اجتنبت الكبائر، واختلف السلف من أهل السنة في تأويل هذا الشرط في قوله:"مما اجتنبت الكبائر"، فقال جمهورهم هو شرط في معنى الوعد كله إن اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورة كفارة للذنوب فإن لم تجتنب لم تكفر العبادات شيئا من الصغائر، وقالت فرقة: معنى قوله إن اجتنبت الكبائر أي التي لا تحطها العبادات وحطت الصغائر وبهذا أقول وهذا الذي يقتضيه حديث خروج الخطايا مع قطر الماء وغيره وذلك كله بشرط التوبة وتلك الصغائر ويحرم الإصرار عليها وهذا نص الحذاق الأصوليين وعلى التأويل الآخر
(1)
أخرجه القاسم بن سلام في الطهور (5)، وأحمد 5/ 423 (23595)، وعبد بن حميد (227)، والدارمى (744)، وابن ماجه (1396)، والنسائى في المجتبى 1/ 333 (149) والكبرى (179)، وابن حبان (1042). وقال الألباني: حسن صحيح في صحيح الترغيب (196) و (396).
تجيء هذه مخصوصة في مجتنبي الكبائر فقط
(1)
، حكاه ابن عطية في تفسيره في آخر سورة هود وقال ابن عطية أيضا: واختلف العلماء في هذه المسألة فجماعة من الفقهاء وأهل الحديث يرون أن الرجل إذا اجتنب الكبائر وامتثل الفرائض، كفرت صغائره كالنظر وشبهه قطعًا بظاهر هذه الآية وظاهر الحديث، وأما الأصوليون فقالوا: لا يجب على القطع تكفير الصغائر باجتناب الكبائر، وإنما يحمل ذلك على غلبة الظن وقوة الرجاء، والمشيئة ثابتة، ودل على ذلك أنه لو قطعنا لمجتنب الكبائر وممتثل الفرائض بتكفير صغائره قطعا لكانت له في حكم المباح الذي يقطع بأنه لا تباعة فيه، وذلك نقض لعرى الشريعة
(2)
. ومحمل الكبائر عند الأصوليين في هذه الآية أجناس الكفر، والآية التي قيدت الحكم فترد إليها هذه المطلقات كلها: قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}
(3)
ذكره ابن عطية في قوله {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْه}
(4)
(5)
انتهى.
لطيفة: نختم بها الباب في وضوء النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فخرج بلال بوضوء فمن ناضح ونائل"
(6)
الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ كادوا
(1)
تفسير ابن عطية (3/ 213).
(2)
تفسير ابن عطية (2/ 44).
(3)
سورة النساء، الآية:48.
(4)
سورة النساء، الآية:31.
(5)
المصدر السابق (2/ 44).
(6)
أخرجه مسلم (249 - 503) عن أبى جحيفة.
يقتتلون على وضوئه فمن أصاب من فضل ماء وضوئه شيئًا رش به جسده ومن لم يصب أخذ من بلل أخيه فيناله البلل
(1)
ويؤخذ من هذا الحديث استحباب التبرك بما يلابس الصالحين وبما يلابسه الصالحون
(2)
والتبرك بخريطة المصحف وجلده وبكسوة الكعبة وبحملة القرآن والعلم وقد سمى الله تبارك وتعالى القرآن مباركا فقال: {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ}
(3)
ويسمى حامله مباركًا فقال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا}
(4)
ومثله في الحج أيضا في حلق الرأس بمنى ففي صحيح مسلم "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رمى ونحر نسكه وحلق ناول الحالق شقه الأيمن فحلقه، ثم دعا أبا طلحة الأنصاري فأعطاه إياه، ثم ناوله الشق الأيسر"، فقال:"احلق فحلقه، فأعطاه أبا طلحة"، فقال:"اقسمه بين الناس"
(5)
. الحديث، ففيه التبرك بآثار الصالحين وادخار ذلك للنوائب والمهمات
(6)
فإن المقسوم عليهم شعره صلى الله عليه وسلم الكريم ادخروه لذلك ومنهم من جعله معه في حفرته ومنهم من جعله متوارثا بينهم لتكون بركته بين
(1)
أخرجه البخارى (5859)، ومسلم (250 - 503) عن أبى جحيفة.
(2)
إحكام الأحكام (1/ 205).
(3)
سورة الأنبياء، الآية:50.
(4)
سورة مريم، الآية: 30 - 31.
(5)
أخرجه مسلم (326 - 1305) عن أنس.
(6)
انظر شرح النووى على مسلم (9/ 54).
ظهرانيهم
(1)
، قال المؤلف: ولقد بلغني أن بعضر أمراء هذا الزمان وقعت له شعرة واحدة فهي لا تفارقه ووقع له امتحانات عظيمة ووقائع مهلكة ونجاه الله منها ببركتها اللهم أعد علينا وعلى المسلمين من بركاته صلى الله عليه وسلم في الدنيا والآخرة قاله شارح الإلمام.
(1)
انظر المفاتيح (3/ 324).