المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٢

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في مجالسة العُلماء

- ‌الترغيب بها إكراه العُلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌[الترهيب من تعلم العلم لغير وجه اللّه تعالى]

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌فصل

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه، ولقول ما لا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال - وهو: المخاصمة والمحاججة وطلب القهر والغلبة - والترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم وَالتَّرْغِيب فِي الانحراف عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره وعدم الاستنزاه منه

- ‌التَّرْهِيب من دُخول الرِّجَال الْحمام بِغَيْر أزر وَمن دُخُول النِّسَاء بأزر وَغَيرهَا إِلَّا نفسَاء أَو مَرِيضَة وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَن ذَلِك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام الشافعي:

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عمدًا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[الترغيب في الأذان وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان]

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌[الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر]

- ‌[الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة]

- ‌[الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها]

الفصل: ‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب

‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب

337 -

عَن أبي أَيُّوب يَعْنِي الْأنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ خرج علينا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ حبذا المتخللون من أمتِي قَالَ وَمَا المتخللون يَا رَسُول الله قَالَ المتخللون فِي الْوضُوء والمتخللون من الطَّعَام، أما تَخْلِيل الْوضُوء فالمضمضة وَالِاسْتِنْشَاق وَبَين الْأصَابع وَأما تَخْلِيل الطَّعَام فَمن الطَّعَام إِنَّه لَيْسَ شَيْء أَشد على الْملكَيْنِ من أَن يريَا بَين أَسْنَان صَاحبهمَا طَعَاما وَهُوَ قَائِم يُصَلِّي، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرَوَاهُ أَيْضا هُوَ وَالْإِمَام أَحْمد كِلَاهُمَا مُخْتَصرا عَن أبي أَيُّوب وَعَطَاء قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حبذا المتخللون من أمتِي فِي الْوضُوء وَالطَّعَام

(1)

وَرَوَاهُ فِي الْأَوْسَط من حَدِيث أنس

(2)

ومدار

(1)

أخرجه أحمد 5/ 416 (23527) وعبد بن حميد (217)، والطبراني في الكبير (4/ 177 رقم 4061 و 4062)، وابن عدي في الكامل (8/ 371)، وأبو نعيم في الطب (330 و 332). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 235: وفي إسنادهما واصل الرقاشي، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الإرواء (1975)، وضعيف الترغيب (151). وحسن الألباني شطره الأول فقط وهو قوله: حَبَّذا المُتَخَلِّلُون من أمَّتي

صحيح الترغيب (216).

(2)

أخرجه أبو يعلى في المعجم (59)، والطبراني في الأوسط (2/ 159 رقم 1573)، والقضاعى في مسند الشهاب (1333)، والخطيب في المتفق والمفترق (3/ 1891 رقم 1490). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن رقبة إلا محمد، ولا عن محمد إلا عفيف. تفرد به: محمد. قال الهيثمي في المجمع 1/ 235: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه =

ص: 475

طرقه كلهَا على وَاصل بن عبد الرَّحْمَن الرقاشِي وَقد وَثَّقَهُ شُعْبَة وَغَيره.

قوله: عن أبي أيوب، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حبذا المتخللون من أمتي" قالوا: وما المتخللون يا رسول الله؟

قال: "المتخللون في الوضوء والمتخللون من الطعام" الحديث، وفي حديث آخر "رحم الله المتخللين من أمتي في الوضوء والطعام" قاله في النهاية

(1)

: فرحم الله كلمة دعاء، وحبذا فعل مدح، فالمتخللون دعا لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ومدحهم، وحبذا مثل نعم ولذلك قال ابن مالك في ألفية:

ومثل نعم حبذا الفاعل ذا

وإن تردد ما فقل لا حبذا

وروى الترمذي عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا توضأت فخلل من أصابع يديك ورجلك" وقال: حديث حسن غريب

(2)

، الحديث الغريب: البعيد عن الصحة، قال أبو داود ولا يحتج بحديث غريب ولو رواه مالك بن أنس ويحيى القطان وغيرهما من الثقات

(3)

، وعن أبي عبد الرحمن الحبلي، واسمه عبد الله بن يزيد المصري ثقة توفي بأفريقية سنة مائة، وكان صالحا

= محمد بن أبي حفص الأنصاري، لم أجد من ترجمه. وضعفه الألباني بتمامه في ضعيف الترغيب (152). وحسنه الألباني في الصحيحة (2567) وصحيح الترغيب (217) شطره الأول فقط.

(1)

النهاية (2/ 73).

(2)

أخرجه الترمذى (39)، والحاكم (1/ 182). وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب. وحسنه الألباني في المشكاة (406).

(3)

الرسالة (ص 29).

ص: 476

روى له البخاري في الأدب والباقون عن المستورد بن شداد قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ فخلل بين أصابع رجليه بالخنصر، رواه أحمد وأبو داود والترمذي

(1)

، وقال القاضي أبو بكر بن العربي: الصحيح أنه عام في كل أصبع في الوضوء إلا أنه واجب في اليدين، واختلف في الرجلين فقال به أحمد وإسحاق، وقال مالك في المدونة لا يلزم ذلك لأنها متلاصقة يشق إيصال الماء إليها، والحديث محمول على الاستحباب، وإنما يجب عنده في غسل الجنابة

(2)

، وهذا الذي قاله عكس مذهب الشافعي فيما إذا لم يصل الماء إلا بالتخليل فإنه واجب قطعًا

(3)

، وكيفية التخليل في الرجلين أن يدخل خنصر يده اليسرى من أسافل الأصابع يبدأ بخنصر رجله اليمنى ويختم بخنصر اليسرى، وقيل: يخلل بين كل إصبعين من رجليه بأصبع من يديه ليكون بماء جديد، والأول هو المصحح إذا خلل أصابع اليدين، قال الرافعي: الذي يقرب من الفهم أن يشبك بينهما

(4)

، قاله في مختصر الكفاية، ولذلك قال الشيخ بدر الدين الزركشي: وينبغي أن يخلل باليد اليسرى لإزالة مستقذر، انتهى، قال إمام الحرمين: اليمنى واليسرى في ذلك سواء، واختار

(1)

أخرجه أحمد 4/ 229 (18010) و (18016)، وابن ماجه (446)، وأبو داود (148)، والترمذى (40). وقال الترمذى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن لهيعة. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (135)، المشكاة (407)، الروض النضير (475).

(2)

عارضة الأحوذى (3/ 7).

(3)

انظر: العزيز شرح الوجيز (1/ 130)، والمجموع (1/ 425).

(4)

انظر: المجموع (1/ 425)، وكفاية النبيه (1/ 309 - 310)، وكفاية الأخيار (ص 29).

ص: 477

النووي هذا، وقال: إنه الراجح دليلا، وإنما يستحب التخليل إذا وصل الماء إليها لا بالتخليل فإن لم يصل إلا به وجب، ويستحب التخليل كما ورد في حديت عثمان

(1)

، والله أعلم.

تنبيه: لو كانت أصابع يديه أو رجليه ملتصقة كأرجل الأوز حرم شقها ليصل الماء إليها وإن كانت ملتفة لا يصل الماء إلى باطنها إلا بالتخليل وجب تخليلها، ومذهب أبي حنيفة ومالك وأحمد كذلك

(2)

.

فرع: يستحب تخليل اللحية بالأصابع، وذكر السرخسي في الأمالي أنه يخللها من أسفلها بماء جديد، ويدل قول أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فيدخله تحت حنكه فخلل به لحيته، وقال:"هكذا أمرني ربي" رواه أبو داود ولم يضعفه، فيكون صحيحا أو حسنا، ولم يذكر الجمهور كيفية التخليل

(3)

، ونقل الرافعي عن بعضهم وجوب التخليل

(4)

، قال في الروضة

(5)

: ومراد قائله وجوب إيصال الماء إلى المنبت، فأما غسل ظاهر اللحية الكثيفة فواجب بلا خلاف، ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحتها عند الجمهور من الصحابة والتابعين وغيرهم، وحكى الرافعي قولا

(1)

المجموع (1/ 424 - 425).

(2)

التهذيب (1/ 269)، والبيان (1/ 133)، والمجموع (1/ 424) والروضة (1/ 62).

(3)

المجموع (1/ 376).

(4)

قاله المزنى كما في العزيز شرح الوجيز (1/ 127).

(5)

الروضة (1/ 60).

ص: 478

أنه يجب

(1)

قاله في الديباجة.

فائدة: وأما تخليل الأسنان فمستحب قال الفقيه أبو الليث السمرقندي إذا تخلل الإنسان فأخرج من بين أسنانه طعاما فإن ابتلعه جاز وإن ألقاه جاز، وقد جاء في الأثر الإباحة في الوجهين وهو ما روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:"من أكل طعاما فليتلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع فمن ألقاه فقد أحسن ومن لاك فلا حرج عليه" ويستحب إذا أراد أكل اللحم أن يأكل قبله لقمة أو لقمتين من الخبز يسد الخلال، ويكره الخلال باليابس والريحان وخشب الرمان، ويستحب أن يكون الخلال من الخلاق الأسود، انتهى، قاله في كتابه بستان العارفين

(2)

.

قوله: رواه الطبراني في الأوسط من حديث أنس، ومدار طرقه كلها على واصل بن عبد الرحمن الرقاشي، وقد وثقه شعبة، وهو شعبة هو بضم الشين غير منصرف الإمام أمير المؤمنين في الرواية والعلماء مجمعون على إمامته في الحديث وجلالته وإتقانه وعرفانه وورعه، قال الإمام الشافعي لولا شعبة ما حدث الحديث بالعراق، وقال الإمام أحمد: كان شعبة أمة وحده في هذا الشأن يعلم الحديث وأحوال الرواة، وقال الثوري: شعبة أمير المؤمنين في الحديث، وقيل: جف جلده على عظمه ليس بينهما لحم من كثرة عبادة الله تعالى، وكان ألثغ، قال الحافظ أبو نعيم: كان شعبة من أرق الناس قلبا يمر به السائل فيدخل

(1)

المجموع (1/ 374).

(2)

بستان العارفين (ص 348).

ص: 479

بيته ويعطيه ما يكفيه، وكان كثير الصلاة والصيام، سخي النفس كان إذا حك جسمه انتثر منه التراب، وركب شعبة مرة حمارا له فلقيه سليمان بن المغيرة فشكا إليه الحاجة فقال له شعبة: والله ما أملك إلا هذا الحمار ثم نزل عنه ودفعه إليه، وكان قيمة حماره وسرجه ولجامه سبعة عشر درهما، أدرك شعبة الحسن وابن سيرين، وسمع قتادة ويونس وأيوب وخلق كثير من التابعين وتوفي بالبصرة سنة ستين ومائة وهو ابن سبع وسبعين سنة وكان شعبة مدنيا ثم انتقل إلى البصرة فاستوطنها وهو من تابعي التابعين وروى عنه الأعمش وأيوب السختياني والثوري وابن مهدي ووكيع وابن المبارك وخلائق لا يحصون من كبار الأئمة وقال أحمد بن حنبل لم يكن في زمن شعبة مثله في الحديث ولا أحسن حديثا منه قاله في مجمع الأحباب، وقال أبو بسطام ابن الحجاج بن الورد العتكي الأزدي مولاهم الواسطي ثم البصري من أئمة التابعين وساداتهم ومن أعلام المحدثين وكبار المحققين

(1)

.

338 -

وَعَن عبد الله يَعْنِي ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تخللوا فَإِنَّهُ نظافة والنظافة تَدْعُو إِلَى الْإِيمَان وَالْإِيمَان مَعَ صَاحبه فِي الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط هَكَذَا مَرْفُوعا وَوَقفه فِي الْكَبِير على ابْن مَسْعُود بِإِسْنَاد حسن وَهُوَ الْأشْبَه

(2)

.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 244 - 246 الترجمة 253).

(2)

أخرجه الطبراني في الأوسط (7/ 215 رقم 7311)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 224)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 223 - 224). وقال الطبراني: لم يرو هذا =

ص: 480

قوله: عن عبد الله بن مسعود تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تخللوا فإنه نظافة والنظافة تدعو إلى الإيمان والإيمان مع صاحبه في الجنة" الحديث، وفي النهاية "إن الله تبارك وتعالى نظيف يحب النظافة" الحديث، النظافة في حق الله تعالى كناية عن تنزيهه عن سمات الحدث وتعاليه في ذاته عن كل نقص وحبه النظافة من غيره كناية عن خلوص العقيدة ودفع الشرك ومجانبة الأهواء ثم نظافة القلب عن الغل والحقد والحسد وأمثالها ثم نظافة المطعم والملبس عن الحرام والشبه ثم نظافة الظاهر لملابسة العبادات

(1)

، وفي حديث رواه أبو نعيم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنقوا أفواهكم بالخلال فإنها مجلس الملكين الحافظين الكاتبين وأن مدادهما الذكر وقلمهما اللسان وليس شيء أشد عليهما من فضل الطعام في الفم"

(2)

وفي نسخة "من بقايا الطعام بين الأسنان" ولا بأس بالخلال قبل السواك وبعده ولأن الخلال تبلغ ما لا يبلغه السواك مما بين الأسنان المغير للفم فكان أهم من السواك وإذا قلع شيئا من الطعام الذي بين أسنانه بالخلال

= الحديث عن مغيرة إلا شريك، ولا عن شريك إلا إبراهيم بن حيان، تفرد به: النضر بن هشام. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 236: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن حيان، قال ابن عدي أحاديثه موضوعة. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (5277) وضعيف الترغيب (153).

(1)

النهاية (5/ 78 - 79).

(2)

أخرجه أبو الشيخ في طبقات الأصبهانيين (2/ 253)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 234). وقال الألباني: موضوع الضعيفة (3265).

ص: 481

كره ابتلاعه بل يطرحه فإن قلعه بلسانه أكله ولم يكره نص عليه الشافعي رحمه الله، قال في الإحياء: وهو مروي عن أهل البيت

(1)

، قاله في مختصر الكفاية.

339 -

وَرُوِيَ عَن وَاثِلَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من لم يخلل أَصَابِعه بِالْمَاءِ خللها الله بالنَّار يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(2)

.

قوله: عن واثلة هو بن أسقع بن [بن عبد العزى بن عبد ياليل الكناني الليثي تقدمت ترجمته].

قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يخلل أصابعه بالماء خللها الله بالنار" تقدم الكلام على تخليل الأصابع في حديث أبي أيوب وغيره.

340 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لتنتهكن الْأصَابع بالطهور أَو لتنتهكنها النَّار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط مَرْفُوعا وَوَقفه فِي الْكَبِير على ابْن مَسْعُود بِإِسْنَاد

(3)

وَالله أعلم.

(1)

آداب الأكل (ص 48).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 64 رقم 156) والشاميين (1509) و (3381) و (3405). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 236: رواه الطبراني في الكبير، وفيه العلاء بن كثير الليثي، وهو مجمع على ضعفه. وضعفه الألباني في الضعيفة (4655) وضعيف الترغيب (154).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 122 رقم 2674) مرفوعا، والكبير (9/ 246 رقم 9212). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي عوانة إلا شيبان، وقال الهيثمي في المجمع 1/ 236: رواه الطبراني في الأوسط، ووقفه في الكبير على ابن مسعود، وإسناده حسن. وقال الألباني: حسن صحيح الصحيحة (3489) وصحيح الترغيب (218).

ص: 482

341 -

وَفِي رِوَايَة لَهُ فِي الْكَبِير مَوْقُوفَة قَالَ خللوا الأصَابع الْخمس لَا يحشوها الله نَارا

(1)

.

قَوْله: لتنتهكن أَي لتبالغن فِي غسلهَا أَو لتبالغن النَّار فِي إحراقها والنهك الْمُبَالغَة فِي كل شَيْء.

قوله: عن عبد الله بن مسعود تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لتنتهكن الأصابع بالطهور أو لتنتهكنها النار" الحديث، أي لتبالغن في غسلها أو لتبالغن النار في إحراقها والنهك المبالغة في كل شيء قاله الحافظ.

342 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عَقِبَيْهِ فَقَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة تقدم.

قوله: إن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا لم يغسل عقبيه فقال ويل للأعقاب من النار" الحديث، ويل كلمة شتم ودعاء بالهلكة

(3)

يقال لكل واقع في هلكة، والويل الحزن، والهلاك والمشقة وكل من وقع في هلكة دعا بالويل

(4)

، وقيل

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (9/ 247 رقم 9213). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 236: رواه الطبراني في الكبير، وفيه راو لم يسم، وبقية رجاله ثقات. وصححه اللبانى في صحيح الترغيب (218).

(2)

أخرجه مسلم (28 - 242)، والبيهقى في الكبرى (1/ 113 - 114 رقم 323).

(3)

الفائق (4/ 85).

(4)

النهاية (5/ 236).

ص: 483

هي كلمة زجر يخاطب بها كل واقع في هلكة أو عذاب

(1)

ومعنى ويل لهم هلكة وخيبة

(2)

، وقيل ويل اسم واد في جهنم لو أرسلت فيه جبال الدنيا لماعت من شدة حره قاله ابن مسعود وعطاء قاله القرطبي

(3)

، وحكى صاحب الإكمال في ويل ستة أقوال؛ قيل هي كلمة تقال لمن وقع في الهلاك، وقيل كلمة تقال لمن استحق الهلاك وقيل هو الهلاك نفسه وقيل شدة العذاب وقيل الحزن وقيل واد في جهنم

(4)

، ولعل هذا الأخير هو المراد هنا فحمله من العارفين أن ذلك الويل هو ما يصيبه من نار جهنم انتهى.

قوله: الأعقاب جمع العقب بكسر القاف وهو مؤخر القدم وعقب الشيء آخره

(5)

وخص العقب بالعذاب لأنه العضو الذي لم يغسل وقيل أراد صاحب العقب على حذف المضاف

(6)

وفي هذا الحديث حجة لأهل السنة أن المعذب الأجساد الدنيوية لأنه صلى الله عليه وسلم قال ويل للأعقاب من النار ولا خلاف في اندراج السبب في العموم الواردة عليه فإنما النزاع فيها سوى السبب فأثبت الوعيد لتلك

(1)

شرح النووى على مسلم (18/ 40).

(2)

العدة (1/ 58).

(3)

المفهم (3/ 122).

(4)

إكمال المعلم (2/ 35).

(5)

تهذيب اللغة (1/ 181)، وإكمال المعلم (2/ 35)، ومشارق الأنوار (2/ 99)، والاقتضاب (1/ 46).

(6)

مشارق الأنوار (2/ 99)، وإكمال المعلم (2/ 34)، والاقتضاب (1/ 46)، والعدة (1/ 58).

ص: 484

الأعقاب المرتبة لذلك فلو كان المعذب غيرها لكان إبطالا لما دل عليه الحديث بنصه وفيه دليل لمن يقول التعذيب على الصغائر لأن ترك بعض العضو غير مغسول ليس من الكبائر

(1)

باختلاف الآية في فرض الرجلين فهذا محمد بن جرير الطبري وهو سني يقول بالتخيير ومعلوم إنه إذا مسح لا يستوعب العضو وما كان في مقام الاجتهاد وجواز التقليد فيه لا يصل إلى رتبة الكبائر اللهم إلا أن يصر عليه فيصير كبيرة كما جاء مبينا في السنة انتهى قاله في الديباجة.

وقال محيي السنة: معناه ويل لأصحاب الأعقاب المقصرين في غسلها من العقوبة بالنار وإنما قال ذلك لأنهم كانوا لا يستقصون غسل أرجلهم في الوضوء

(2)

.

قال محيي السنة: وفيه دليل على وجوب غسل الرجلين في الوضوء وبيان دلالته على وجوب غسل الرجلين الآية وهو قوله تعالى {وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}

(3)

فالغسل لنا على قراءة النصب فظاهر، وأما على قراءة الجر وإن كان ظاهرها يقتضي وجوب المسح لكن لا يمكن حملها عليه لأنه لم يرد من فعل النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلا الغسل فتعين، ويجاب عن الآية بأن العطف فيها على الجواب وهو جائز وذهب محمد بن جرير الطبري إلى التمييز بين الغسل والمسح جمعًا بين القراءتين، وهذا

(1)

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 241).

(2)

شرح السنة (1/ 429).

(3)

سورة المائدة، 6.

ص: 485

المذكور ليس هو محمد بن جرير الإمام إنما هو رجل من الشيعة موافق له في الاسم والنسبة وبه قال بعض أهل الظاهر يجب الجمع بين المسح والغسل ويرد ذلك إجماع من يعتد به

(1)

وأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى قوما يتوضئون وأعقابهم تلوح فقال "ويل للأعقاب من النار" رواه الشيخان

(2)

، وفي صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب، أن رجلًا توضأ فترك موضع ظفر على قدمه فأبصره النبي صلى الله عليه وسلم فقال:"ارجع فأحسن وضوءك"

(3)

، فهذا دليل على وجوب الغسل خلافا لمن يقول بالمسح وفي مسند أبي داود وغيره أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال:"يا رسول الله كيف الطهور فدعا بماء في إناء فغسل كفيه ثلاثًا" فذكر الحديث إلى أن قال: ثم غسل رجليه ثلاثًا ثلاثًا"، ثم قال: "هكذا الوضوء فمن زاد على هذا أو نقص فقد أساء وظلم"

(4)

وتقدم هذا.

343 -

وَفِي رِوَايَة أَن أَبَا هُرَيْرَة رأى قومًا يتوضؤون من المطهرة فَقَالَ أَسْبغُوا الْوضُوء فَإِنِّي سَمِعت أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم قَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار أَو ويل لِلْعَرَاقِيبِ من النَّار" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مُخْتَصرًا

(5)

.

(1)

انظر: شرح السنة (1/ 429)، وشرح النووى على مسلم (3/ 129) والمجموع (1/ 417 - 418).

(2)

أخرجه البخارى (60) و (96) و (163)، ومسلم (26 و 27 - 241) عن عبد الله بن عمرو ابن العاص.

(3)

أخرجه مسلم (31 - 243)، وابن ماجه (666).

(4)

انظر: المجموع (1/ 418 - 419).

(5)

أخرجه البخارى (165)، ومسلم (29 و 30 - 242)، وابن ماجه (453)، والترمذى (41)، والنسائى في المجتبى 1/ 310 (115).

ص: 486

قوله: أن أبا هريرة، أنه رأى قوما يتوضؤون من المطهرة فقال: أسبغوا الوضوء، قال العلماء المطهرة كل ما يتطهر منه، وهي كالإبريق. والركوة وغيرهما مما يتطهر به وهي بكسر الميم وفتحها لغتان مشهورتان ذكرهما ابن السكيت وجماعة من الأئمة، قال ابن السكيت: من كسرها جعلها آلة ومن فتحها جعلها موضع يفعل فيه

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أسبغوا الوضوء" والإسباغ لغة الإتمام وقال ابن عمر الإسباغ الإتمام وقال بعضهم الإسباغ الزيادة على المرة في غسل الأعضاء عند التوضأ قاله الكرماني

(2)

فلو لم يسبغ بالغسل حتى ترك شيئًا يسيرًا من أي عضو من أعضاء الوضوء لم تصح طهارته واستحق على ذلك العقوبة إذا تركه مع علمه بذلك لو كان على أعضاء الوضوء ما يمنع وصول الماء إلى البشرة كشمعة أو أثر عجين أو طعام أو غير ذلك فقد جاء التوعد بالنار على ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأعقاب أو العراقيب من النار" تقدم الكلام على النار وعقب الشيء آخره والعراقيب جمع عرقوب بضم العين في المفرد وفتحها في الجمع وهو العصب الغليظ فوق عقب الإنسان

(3)

والعرقوب أيضا هو الوتر الذي خلف الكعبين بين مفصل القدم والساق من ذوات الأربع وهو

(1)

شرح النووى على مسلم (3/ 131).

(2)

الكواكب الدرارى (2/ 216 - 217).

(3)

الصحاح (1/ 180)، وشرح النووى على مسلم (3/ 131).

ص: 487

من الإنسان فوق عقب الإنسان

(1)

والكعبان هما العظمان الناتئان على الفصيح لا الذي في وسط القدم عند معقد الشراك في طرف الساق وملتقى القدم هذا قول الأصمعي وأبي زيد

(2)

وقال بعضهم الكعبين ظهر القدم وقيل هو مفصل الساق المقدم وكلام العرب الأول قاله عياض

(3)

ومراد مسلم بإيراده هنا الاستدلال به على وجوب غسل الرجلين وأن المسح لا يجزئ وهذه مسألة اختلف الناس فيها على مذاهب فذهب جميع الفقهاء إلى أن الواجب غسل القدمين مع الكعبين ولا يجزئ غسلهما ولا يجزئ المسح مع الغسل ولم يثبت خلاف هذا عن أحد يعتد بخلافه فى الإجماع بتوعد الأعقاب أو العراقيب بالنار لعدم طهارتها ولو كان المسح كافيا لما توعد من ترك غسل عقبيه بالنار

(4)

أو لأن من قال بالمسح قال بوجوب مسح الأعقاب فدل على أن المراد الغسل وإنما قال يمسح إشارة إلى تقليل استعمال الماء فيه وعدم الإسباغ أو أراد بالمسح الغسل لما روي عن أبى زيد الأنصاري أنه قال المسح في كلام العرب قد يكون غسلا ومنه مسح الله ما بك أي غسل عنك وطهرك قاله الكرماني

(5)

وتقدم شيء من ذلك وقد أجمعت الأمة على

(1)

النهاية (3/ 221).

(2)

شرح الصحيح (1/ 288) لابن بطال، ومشارق الأنوار (1/ 343)، والنهاية (4/ 178)، وتهذيب الأسماء واللغات (4/ 115)، والكواكب الدرارى (3/ 32).

(3)

مشارق الأنوار (1/ 343).

(4)

شرح النووى على مسلم (3/ 128 - 129).

(5)

الكواكب الدرارى (2/ 8).

ص: 488

تحريم الصلاة بغير طهارة من ماء أو تراب ولا فرق بين صلاة الفرض والنفل فلو صلى محدثا متعمدًا بلا عذر أثم وهل يكفر قال جماعة من العلماء منهم أبو حنيفة إنه يكفر لتلاعبه

(1)

والله أعلم.

344 -

وروى التِّرْمِذِيّ مِنْهُ ويل لِلْأعْقَابِ من النَّار ثمَّ قَالَ وَقد رُوِيَ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ وبطون الْأقْدَام من النَّار

(2)

، قَالَ الْحَافِظ وَهَذَا الحَدِيث الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ التِّرْمِذِيّ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ أَحْمد مَوْقُوفًا عَلَيْهِ

(3)

.

قوله: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "ويل للأعقاب وبطون الأقدام من النار" تقدم الكلام على الويل والأعقاب وأما بطون الأقدام فمعروف.

قوله: عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيدي كنيته أبو الحارث نزيل مصر له صحبة شهد فتح مصر واختط بها وسكنها روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال

(1)

شرح النووى على مسلم (3/ 103).

(2)

أخرجه الترمذى (41).

(3)

أخرجه أحمد 4/ 190 (17706) موقوفا، وأبو عبيد في الطهور (381)، وأحمد 4/ 191 (17710)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 299، ويعقوب بن سفيان 2/ 496 - 497، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2484)، وابن خزيمة (163)، والطحاوى في معانى الآثار (195 و 196)، والحاكم 1/ 162، والضياء في المختارة 9/ 214 (203) من طريق الطبراني مرفوعًا. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 240: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد والطبراني ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (220).

ص: 489

أبو سعيد بن يونس توفي سنة ثمان وثمانين وذكر أبو جعفر الطحاوي أن وفاته كانت بأسفل أرض مصر بالقرية المعروفة بصفط القدور

(1)

انتهى.

345 -

وَعَن أبي الْهَيْثَم قَالَ رَآنِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ فَقَالَ بطن الْقدَم يَا أَبَا الْهَيْثَم" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه ابْن لَهِيعَة

(2)

.

قوله: عن أبي الهيثم أبو الهيثم اسمه [لا يعرف وقيل أبو الهيثم بن التيهان، وليس بجيد، لأن بكر بن سوادة لم يدركه، وأفرده أبو موسى عن ابن التيهان، لأن بكر بن سوادة لم يلق ابن التيهان، فتبين أنه غيره

(3)

].

رآني رسول الله صلى الله عليه وسلم أتوضأ فقال "بطن القدم يا أبا الهيثم" وخص بطون الأقدام لأن المتوضئ ربما تساهل في غسل ما يتعلق بها من الوحل وغيره وكذلك ورد الوعيد أيضا على ترك تخليل الأصابع كما تقدم لأن بين الأصابع يحتوي على الأوساخ غالبا والله أعلم.

346 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رأى قومًا وَأَعْقَابهمْ تلوح فَقَالَ ويل لِلْأعْقَابِ من النَّار أَسْبغُوا الْوضُوء" رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَرَوَاهُ البُخَارِيّ بِنَحْوِهِ

(4)

(1)

تهذيب الكمال (14/ 392 - 393 الترجمة 3212).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 362 رقم 911)، وعنه أبو نعيم في المعرفة (7060). قال الهيثمي في المجمع 1/ 240 - 241: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف، وبكر بن سوادة ما أظنه سمع أبا الهيثم. والله أعلم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (155).

(3)

الإصابة (7/ 367 الترجمة 10690).

(4)

أخرجه البخارى (60) و (96) و (1636)، ومسلم (26 و 27 - 241)، وابن ماجه =

ص: 490

348 -

وعن أبي روح الكُلاعي قال: صلّى بنا نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم صلاةً فقرأ فيها بسورةِ (الروم)، فلُبِّس عليه بعضُها، فقال:"إنما لَبِّسَ علينا الشيطانُ القراءةَ من أجلِ أقوامٍ يأتون الصلاةَ بغيرِ وضوءٍ، فإذا أتيتم الصلاةَ، فأحسنوا الوضوءَ" وفي رواية: فتردَّدَ في آيةٍ، فلما انصرفَ قال:"إنه لُبِّسَ علينا القرآنُ؛ أنّ أقوامًا منكم يصلُّون معنا لا يُحسنون الوضوءَ، فَمَنْ شهدَ الصلاةَ معنا فليُحْسِن الوضوء". رواه أحمد هكذا، ورجال الروايتين محتجٌّ بهم في الصحيح وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن أبي روح عَن رجل

(1)

.

قوله: عن عبد الله بن عمرو تقدم.

قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى قوما وأعقابهم تلوح فقال "ويل للأعقاب من النار" الحديث، ففي هذا الحديث وعيد لمن توضأ وترك شيئا من أعضاء وضوءه بغير غسل والويل واد في جهنم روي أن جهنم تستعيذ منه كل يوم سبعين مرة والمراد أن الويل حاصل لأصحاب الأعقاب وخص الأعقاب بالذكر لأنه صلى الله عليه وسلم رأى قوما توضئوا وأعقابهم تلوح لم يمسها الماء فقال "ويل لهم من النار" لأنهم إذا فعلوا ذلك صلوا بغير وضوء وإذا صلوا بغير طهارة

= (450)، وأبو داود (97)، والنسائى في المجتبى 1/ 310 (116) و 1/ 332 (147) والكبرى (141) و (6063).

(1)

أخرجه أحمد 3/ 471 (15872)(15873) و (15874) و 5/ 363 (23072) و 5/ 368 (23125)، والنسائى في المجتبى 2/ 362 (959) والكبرى (1112)، قال الهيثمي في المجمع 1/ 241: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (222)، وضعفه في المشكاة (295).

ص: 491

لم تصح طهارتهم ومن ترك الصلاة استحق الوعيد وفيه دليل على أن تارك الوضوء بعضه يقتل كما يقتل تارك الصلاة لأنه استحق الوعيد الذي استحقه تارك الصلاة، وقيل خص الأعقاب بالذكر لأن التغافل يقع فيها كثير لانخفاضها ونتوء الكعب عليها ويؤخذ من هذا الحديث أن من توضأ وتحت أظفاره وسخ يمنع وصول الماء ضر على الأصح من زوائد الروضة

(1)

، ولو كان على جسده فإن كان من الغبار لم يصح وإن نشأ من بدنه صح قاله البغوي في فتاويه

(2)

، وقال القفال في فتاويه

(3)

وقد سئل عن رجل كان على يديه وسخ كثير فتوضأ يجوز وضوءه وإن لم يتحقق وصول الماء إلى أسفل الوسخ لأنه صار كجزء منه قال وعلى هذا لو مس ذلك من امرأته أو مسته امرأته بذلك انتقض وضوءه، وقال محمد بن الحارث لا يجوز وضوءه ما لم يتحقق وصول الماء إلى أسفل الوسخ وكذا لمسه لا يوجب الوضوء عندهم

(4)

.

فائدة: جاء في مسند أبي داود الطيالسي أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله فقال: "يسألني أحدهم عن خبر السماء ويدع أظفاره كأظفار الطير يجمع فيها

(1)

روضة الطالبين (1/ 64).

(2)

فتاوى البغوى (ص 51).

(3)

هادى النبيه (لوحة 11/ ب).

(4)

المجموع (1/ 287) وذهب إلى قول القفال الغزالى كما في الإحياء (1/ 141) وذهب إلى القول الثانى المتولى.

ص: 492

الجنابة والتفث"

(1)

والتفث الوسخ الذي تحت الأظفار.

ففي قوله صلى الله عليه وسلم يجمع الجنابة دليل على عدم صحة الوضوء وفي الحديث كيف لا يحتبس الوحي ورفع أحدكم تحت أظفاره وصحح الغزالي أن الوسخ تحت الأظفار لا يمنع صحة الوضوء وقال العبادي: محل الخلاف إذا حصل ذلك من غير عجين ونحوه فإن حصل من العجين وجب غسله بلا خلاف ولو كان على العضو دهن أو أثر حناء لم يمنع أثر الوضوء

(2)

أهـ قاله ابن العماد.

قوله: عن أبي روح الكلاعي بفتح الكاف اسمه [شبيب بن أبي روح، أو شبيب بن نعيم أبو روح الكلاعي الحمصي ثقة من الثالثة أخطأ من عده في الصحابة].

قوله صلى الله عليه وسلم: "صلى بنا نبي الله صلى الله عليه وسلم صلاة فقرأ فيها بسورة الروم فلبس عليه بعضها فقال إنما لبس علينا الشيطان القراءة من أجل قوم يأتون الصلاة بغير

(1)

أخرجه الطيالسى (597)، وأحمد 5/ 417 (23542)، والبخارى في التاريخ الكبير (4/ 128)، والشاشى (1138 و 1139 و 1140)، والطبراني في الكبير (4/ 184 رقم 4086)، والبيهقى في الكبرى (1/ 271 رقم 828 و 829). قال أبو عبد الرحمن: قال أبي: سبقه لسانه، يعني وكيعا، فقال: لقيت أبا أيوب الأنصاري، وإنما هو أبو أيوب العتكي. قال أبو حاتم في العلل (2369): هذا خطأ، ليس هو واصل بن سليم؛ إنما هو أبو واصل سليمان ابن فروخ، عن أبي أيوب، وليس هو من أصحاب النبي (صلى الله عليه وسلم)، هو أبو أيوب يحيى بن مالك العتكي من التابعين. قال البيهقي: هذا مرسل، أبو أيوب غير أبي أيوب الأنصاري. وقال الهيثمي في المجمع 5/ 168: رواه أحمد، والطبراني باختصار، ورجالهما رجال الصحيح خلا أبا واصل، وهو ثقة.

(2)

حاشية الشروانى على تحفة المحتاج (1/ 187)، وحاشية الجمل (1/ 220).

ص: 493

وضوء" الحديث، وفي رواية: "أن قوما يأتون الصلاة بغير وضوء" الحديث "منكم يصلون معنا لا يحسنون الوضوء" لبس بتخفيف الموحدة المفتوحة هو الصحيح أي خلط عليه أمر صلاته وشبهها عليه، وقد ضبطه بعض العلماء بتشديدها والتخفيف أفصح، قال الله تعالى:{وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ}

(1)

فالتخفيف في جميعها لشيوخنا في الموطأ، وفي رواية الأصيلي بالتشديد أي: خلط وشوش خاطره وأوقع في قلبه بالأشغال الدنيوية

(2)

.

349 -

وَعَن رِفَاعَة بن رَافع أَنه كانَ جَالِسا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنَّهَا لا تتمّ صَلَاة لأحَدٍ حَتَّى يسبغ الْوضُوء كمَا أَمر الله يغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" رَوَاهُ ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد جيد

(3)

.

قوله: عن رفاعة بن رافع، هو أبو معاذ رفاعة بن رافع بن مالك بن عجلان ابن عمرو بن عامر بن زريق الأنصاري الزرقي المدني، شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة وبدرًا وأحدًا والخندق وبيعة الرضوان والمشاهد كلها، وأبو

(1)

سورة الأنعام، الآية:9.

(2)

مشارق الأنوار (1/ 354)، والمفاتيح (2/ 196).

(3)

أخرجه الدارمى (1368)، والبخارى في التاريخ الكبير (3/ 319)، وابن ماجه (460)، وأبو داود (857) و (858)، والبزار (3726) و (3727)، والطحاوى في معانى الآثار (161)، والطبراني في الكبير (5/ 37 رقم 4525 و 5/ 38 رقم 4526)، والحاكم 1/ 241. وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (223) و (536)، والإرواء (1/ 321 - 322)، صحيح أبي داود (747).

ص: 494

رفاعة صحابي اختلفوا في شهوده بدرًا وشهد العقبتين الأولى والثانية، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة وعشرون حديثًا، روى البخاري منها ثلاثة، روى عنه ابنه معاذ ويحيى بن خلاد وعبد الله بن شداد، وتوفي في أول خلافة معاوية وذكره في المهذب في فضل الاعتدال من الركوع، وقال فيه: رفاعة بن مالك فنسبه إلى جده وهو في صحيح البخاري في باب شهود الملائكة بدرًا عن معاذ بن رفاعة بن رافع، وكان رفاعة من أهل بدر، وكان رافع من أهل العقبة، وكان يقول لأبيه: ما يسرني أني شهدت بدرًا بالعقبة، وظاهر هذا أن رافعًا لم يشهد بدرا

(1)

، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إِنَّهَا لَا تتمّ صَلَاة لأحَدٍ حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أَمر الله يغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ" الحديث، تقدم معنى الإسباغ في مواضع من هذا التعليق، ففي هذا الحديث الاكتفاء بغسل الأعضاء الأربعة المذكورة في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ}

(2)

فهذه الأعضاء الأربعة من الفرائض، وباقي غسل الأعضاء في الوضوء سنة، والله أعلم.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 190 - 191 الترجمة 169)، وتهذيب الكمال (9/ 203 - 204 الترجمة 1915).

(2)

سورة المائدة، الآية:6.

ص: 495