الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في ركعتين بعد الوضوء
353 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لِبلَال يَا بِلَال حَدثنِي بأرجى عمل عملته فِي الْإِسْلَام إِنِّي سَمِعت دف نعليك بَين يَدي فِي الْجنَّة قَالَ مَا عملت عملا أَرْجَى عِنْدِي من أَنِّي لم أتطهر طهُورا فِي سَاعَة من ليل أَو نَهَار إِلَّا صليت بذلك الطّهُور مَا كتب لي أَن أُصَلِّي" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(1)
.
الدُّف بِالضَّمِّ صَوت النَّعْل حَال الْمَشْي.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام" الحديث، هو بلال بن رباح بفتح الراء وبخفة الموحدة الحبشي القرشي التيمي، وأمه: حمامة، كان قديم الإسلام من أول من أظهر الإسلام وكان ممن يعذب في الله على إسلامه مع جماعة يلبسون أذرع من الحديد ويصهرون في الشمس وكان شجيعا على دينه وهانت نفسه عليه في الله عز وجل فكانوا يعطونه للولدان يطوفون به في شهاب مكة والحبل في عنقه وهو يقول: أحد أحدٌ، فيقول له أبو بكر الصديق: إي والله يا بلال أحد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر الصديق: لو كان عندنا مال اشترينا بلالا فقال أبو بكر للعباس اشتره لنا فقال العباس لسيدته هل لك أن تبيعي هذا قبل أن تحرمي ثمنه، قالت: ما
(1)
أخرجه البخارى (1149)، ومسلم (108 - 2458).
تصنع به إنه خبيث فاشتراه العباس فبعث به إلى أبي بكر فأعتقه، وقيل: اشتراه وهو مدفون في الحجارة فأعتقه، وقيل: اشتراه بسبع أواني وقيل: خمس، وكان أمية بن خلف الجمحي بضم الجيم وفتح الميم وبالمهملة ممن يعذبه على إسلامه ويوالي عليه العذاب فكان من قدر الله تعالى أن بلالا قتله يوم بدر فقال أبو بكر الصديق فيه أبياتًا منها:
هنيئا زادك الرحمن خيرًا
…
فقد أدركت ثأرك يا بلال
وكان رضي الله عنه يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد أن يخرج إلى الشام فقال أبو بكر: بلى تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني وإن كنت أعتقتني لله عز وجل فذرني أذهب إلى الله، فقال: اذهب فذهب إلى الشام مجاهدا وكان ممن شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم فيما روي إلا مرة لعمر حين قدم الشام فلم ير باك أكثر من ذلك اليوم، وفي قدمة قدمها المدينة لزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم طلب الصحابة منه ذلك فأذن ولم يتم الأذان
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "حدثني بأرجى عمل عملته في الإسلام" أرجى: من أسماء التفضيل التي بنيت للمفعول، فإن العمل مرجو به الصواب وعلو الدرجة، ويجوز أن تكون إضافته إلى العمل لأنه سبب الرجاء، ويكون المعنى: حدثني بما أنت أرجى من نفسك به من أعمالك
(2)
.
(1)
الاستيعاب (1/ 178 - 182 ترجمة 213)، وأسد الغابة (1/ 415 - 418 ترجمة 493)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 136 - 137 ترجمة 88).
(2)
تحفة الأبرار (1/ 379)، وشرح المشكاة (4/ 1244).
قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "فإني سمعت دف نعليك بين يدي في الجنة" الحديث، الدف بالضم صوت النعل حال المشي، قاله المنذري، وقال البيضاوي في شرح المصابيح: الدف بفتح الدال ومعناه صوت دف نعليك، والدف والدفيف السير واللين
(1)
، وقال بعضهم أيضا: الدف بالفاء صوت النعل وحركته على الأرض
(2)
، وقال في النهاية: دف نعليك في الجنة أي صوتهما عند الوطئ عليهما، أو يروي بالدال المهملة
(3)
، وقال صاحب المغيث في قوله:"دف نعليك" أي خفضهما وما يحس من صوتهما عند وطئهما، ذكر صاحب التتمة بالذال المعجمة، وأصله السير السريع؛ ومنه قول الحسن: إنهم وإن دففت بهم الهمائج أي: أسرعت، وقد يقال: دف نعليك بالدال المهملة، ومعناهما: قريبان
(4)
، والله أعلم.
قوله: ما عملت عملا أرجى عندي من أني لم أتطهر طهورا في ساعة من ليل ولا نهار إلا صليت بذلك الطهور ما كتب لي أن أصلى، المراد بالطهور الوضوء، فيسن للمتوضئ صلاة ركعتين، وسيأتي الكلام على ذلك بعد.
354 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من أحد يتَوَضَّأ فَيحسن الْوضُوء وَيُصلي رَكْعَتَيْنِ يقبل بِقَلْبِه وَوَجهه عَلَيْهِمَا إِلَا وَجَبت لَهُ
(1)
تحفة الأبرار (1/ 379).
(2)
كشف المناهج (1/ 486).
(3)
النهاية (2/ 162).
(4)
المجموع المغيث (1/ 704).
الْجنَّة" رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه فِي حَدِيث
(1)
.
قوله: عن عقبة بن عامر، هو: عقبة بن عامر الجهني بن عمرو بن عدي بن عمرو بن رفاعة، واختلف في كنيته فقيل: أبو حامد، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو سعاد، وقيل: أبو عمرو، وقيل: أبو الأسود، وقيل: أبو أسد، أسلم بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، واشتهر عن عقبة بين المصريين أنه رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الحافظ ابن منده: المردفين ثلاثة وثلاثون مردوفا، ولم يذكر فيهم عقبة بن عامر، والذي صح أنه قاد بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر عقبة بالركوب هنية، رواه الإمام أحمد بن حنبل، وقيل: كان عقبة كبير الشأن من رفعة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحب بغلته يقود به في الأسفار وكان شريفا عالما فرضيا شاعرا مقرئا، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن وكان من الغزاة ومن الرماة المذكورين، وشهد فتوح الشام وكان البريد إلى عمر بن الخطاب بفتح دمشق ورسول عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاصي حين كتب يأمره بالرجوع إن لم يكن قد دخل مصر لما توجه إلى فتحها فلم يقرأ الكتاب حتى دخل أرض مصر وولي الديار المصرية لمعاوية بن أبي سفيان وعتبة بن أبي سفيان أخي معاوية في سنة أربع وأربعين وأقام عقبة بن عامر الجهني أميرا في الديار المصرية سنتين وثلاثة أشهر، وقيل: ثلاث سنين، وقيل: ثلاث سنين
(1)
أخرجه مسلم (17 - 234)، وابن ماجه (470)، وأبو داود (169 و 170) و (906)، والنسائى في المجتبى 1/ 338 (156)، وابن خزيمة (222).
وشهور، وولي عقبة على الصحيح من قول الحافظ ابن عساكر ومحمد بن سعد وأبو سعيد ابن يونس في سنة ثمان وخمسين من الهجرة بمصر، ودفن بمقبرتها بسفح الجبل المقطم وقبره معروف.
بها يتبرك به وهو معروف بإجابة الدعاء عنده وزرته مرارا وجربت ذلك، ولما دفن رضي الله عنه بهذه الجبانة كانوا يسمعون التلاوة من قبره، قاله ابن لهيعة في تاريخه، ذكره ابن الفرات الحنفي في تاريخه
(1)
، والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من أحد يتوضأ فيحسن الوضوء ويصلي ركعتين" الحديث.
قوله: ما من أحد دخل من هنا لاستغراق الجنس
(2)
والمراد من المسلمين كما صرح به في صحيح مسلم ولا فرق بين الذكر والأنثى والحر والعبد والصغير والكبير في ذلك والله أعلم.
قوله: فيتوضأ فيحسن الوضوء وإحسان الوضوء إسباغه وإكماله بالتثليث فيه وغير ذلك
(3)
مما سبق مبسوطًا.
قوله: ويصلي ركعتين، والمراد بالركعتين ما يستحب فعلهما بعد الوضوء ويحصل ذلك بكل صلاة نافلة كانت أو فرضا ركعتين أو أكثر وتتأدى السنة بذلك لوجود المعنى كما قالوا في تحية المسجد فإنها تتأدى بالفرض
(1)
انظر: تاريخ ابن يونس (1/ 345 - 347)، وفتوح مصر (ص 282)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 236 الترجمة 414)، وتهذيب الكمال (20/ 202 - 205 الترجمة 3978).
(2)
انظر: المخصص (4/ 230) لابن سيده.
(3)
الإفصاح (1/ 218).
والضحى وغيره
(1)
.
قوله: يقبل عليهما بقلبه ووجهه، والمراد بالإقبال على الصلاة الإقبال بالوجه ترك الالتفات والنظر إلى موضع السجود وبالقلب قطع الفكر عنه فيما سوى العبادة
(2)
، قاله في الديباجة.
وقال في شرح الإلمام: قوله يقبل بقلبه ووجهه عليهما أي يجمع بين خشوع الظاهر والباطن ولا يضره ما يخطر في قلبه ما خطر في نفسه إذا دفعه حالًا وفيه الجناس البديع بين حروف يقبل والقلب
(3)
.
قوله: "إلا وجبت له الجنة أي بمقتضى الوعد والفضل فإنه تعالى لا يجب عليه شيء عند أهل السنة وظاهر هذا الحديث ترتب دخول الجنة على ذلك، وفي الصحيح لا يدخل أحدكم الجنة بعمله" والجمع بينهما أن العمل المذكور وغيره من منة الله تعالى على عبده فصار الدخول بالرحمة والدرجات بالرحمة وكذلك ما في الآيات من قوله: {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}
(4)
ونحوها فإنه أيضا من النعم ليحث به عباده على الجد في طاعته ففي الحقيقة الجميع منه وما أصابكم من نعمة فمن الله {وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ}
(5)
وهذا ما لم يخش الكبائر وحقوق العباد وإلا فهو
(1)
شرح المشكاة (3/ 747).
(2)
كشف المشكل (1/ 150 - 151).
(3)
شرح الإلمام (5/ 160 - 161) وانظر: شرح النووى على مسلم (3/ 121).
(4)
سورة التوبة، الآية:82.
(5)
سورة النحل، الآية:53.
تحت مشيئة الله في المؤاخذة وعدمها ولابد للجنة بعد ذلك قاله في شرح الإلمام
(1)
، وقال في الديباجة: فإن قيل أيجوز أن يقطع بالجنة لمن صلى ركعتين أحضر فيهما قلبه لقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث إلا وجبت له الجنة؟ فالجواب إنا لا نقطع لأحد بعينه لأنه ربما لا يأتي بالحضور المطلوب كما ينبغي وربما وجبت الجنة لشخص ثم حال بينه وبينها عمل من أعماله القباح ولكن نرجو هذا
(2)
والله أعلم.
355 -
وعن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "مَن توضأَ فأحسنَ الوُضوءَ، ثم صلّى ركعتين، لا يسهو فيهما؛ غُفرَ له ما تقدم [من ذَنْبِهِ] ". رواه أبو داود
(3)
.
قوله: عن زيد بن خالد الجهني [هو أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو طلحة، وقيل: أبو زرعة، سكن المدينة، وشهد الحديبية، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد وثمانون حديثا، اتفقا على خمسة،
(1)
انظر: شرح الصحيح (10/ 180 - 181) لابن بطال، وإكمال المعلم (8/ 353)، وشرح النووى على مسلم (17/ 161)، والمفاتيح (1/ 352)، وجامع العلوم والحكم (2/ 799).
(2)
كشف المشكل (1/ 151).
(3)
أخرجه أبو عبيد في الطهور (10)، وأحمد 4/ 117 (17054) و 5/ 194 (21691)، وعبد بن حميد (280)، وأبو داود (905)، والطبراني في الكبير (5/ 249 رقم 5242 و 5243 و 5244)، والحاكم (1/ 131)، والبغوى (1013). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (228) و (394)، والمشكاة (577).
وانفرد مسلم بثلاثة. روى عنه السائب بن يزيد، والسائب بن خلاد الصحابيان، وجماعة من التابعين. توفى بالمدينة، وقيل: بالكوفة، وقيل: بمصر، سنة ثمان وستين، وهو ابن خمس وثمانين سنة، وقيل: توفى سنة خمسين، وقيل: سنة اثنتين وسبعين، وقيل: سنة ثمان وتسعين، رضى الله عنه
(1)
].
قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما غفر له ما تقدم من ذنبه" تقدم معنى إحسان الوضوء في الأحاديث المتقدمة.
قوله: ثم صلى ركعتين لا يسهو فيهما، وتقدم الكلام على صلاة الركعتين في حديث قبله وإذا سهى الإنسان في صلاته استحب له سجود السهو وفائدته جبر خلل لزيادة أو نقصان مخصوص
(2)
وعبارة بعضهم يشرع سجود السهو لترك مأمور أو ارتكاب منهي
(3)
والأول أولى وسواء في ذلك صلاة الفرض والنافلة على المذهب
(4)
، ثم قاعدة الباب أنه متى شك في فعل مأمور مما يسجد لتركه بعد فوات محله سجد للسهو لأن الأصل أنه لم يفعل، قال العلماء: وإذا شك في عدد الركعات وهو في الصلاة بنى الأمر على
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 203 الترجمة 188).
(2)
النجم الوهاج (2/ 248)، وانظر: المهذب (1/ 171)، والاصطلام (1/ 289)، وبحر المذهب (2/ 147)، والبيان (2/ 334).
(3)
نهاية المطلب (2/ 264)، والتهذيب (2/ 191)، وروضة الطالبين (1/ 298)، والمنهاج (ص 33).
(4)
النجم الوهاج (2/ 248).
اليقين وهو الأصل ويأتي بما بقي ويسجد للسهو سجدتين للحديث الوارد بذلك وسجود السهو سنة فإن تركه جاز ومحله قبل السلام وقال في موضع آخر إن كان السهو زيادة فمحله بعد السلام والأول أصح
(1)
فمن أراد الزيادة على ذلك فعليه بكتب الفقه هكذا هو عند الشافعية.
قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه" والمراد بغفران الذنوب ما تقدم من ذنبه الصغائر دون الكبائر كما تقدم والمغفرة الستر والتغطية والاستغفار طلب ذلك وغفرانك مصدر منصوب على المفعول أي هبنا ذلك وأعطنا قاله القاضي عياض
(2)
.
قوله: رواه أبو داود اسمه سليمان ويقال لأبي داود السجستاني اتفق العلماء على الثناء على أبي داود ووصفه بالحفظ التام والعلم الوافر والإتقان والورع والدين والفهم الثاقب في الحديث وغيره قال النووي: وروينا عن إبراهيم الحربي قال لما صنف أبي داود هذا الكتاب يعني كتاب السنن ألين لأبي داود الحديث كما ألين لنبي الله داود الحديد وروينا عن عبد الله بن محمد بن مخلد قال: كان أبو داود يفي بالمذاكرة مائة ألف حديث ولما صنف كتاب السنن وقرأه على الناس صار كتابه لأهل الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه
(1)
التنبيه (1/ 37)، وروضة الطالبين (1/ 307 - 308)، وكفاية النبيه (3/ 495 - 496)، وعمدة السالك (ص 64).
(2)
مشارق الأنوار (2/ 138).
وروينا عن الإمام أبي سليمان الخطابي قال: سمعت أبا سعيد بن الأعرابي ونحن نسمع منه كتاب السنن لأبي داود وأشار إلى النسخة وهي بين يديه يقول: لو أن رجلا لم يكن عنده من العلم إلا المصحف ثم هذا الكتاب لم يحتج معهما إلى شيء من العلم البتة وهذا كما قال، وروينا عن الحسن بن محمد بن إبراهيم الواراني قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وقال من أراد أن يستمسك بالسنن فليقرأ كتاب أبي داود ومناقب أبي داود وكتبه كثيرة مشهورة وفيما ذكر كفاية وقال أبو بكر بن داسة: سمعت أبا داود يقول: كتبت عن رسول الله خمسمائة ألف حديث فانتخبت منها ما ضمنته كتاب السنن جمت فيه أربعة آلاف وثمانمائة حديث وذكرت الصحيح وما يشبهه وما يقاربه، ولد أبو داود قدس الله سرة سنة ثنتين ومائتين وتوفي بالبصرة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين
(1)
وتقدم الكلام أيضا على بعض مناقبه.
356 -
وَعَن حمْرَان مولى عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه أَنه رأى عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه دَعَا بِوضُوء فأفرغ على يَدَيْهِ من إنائه فغسلهما ثَلَاث مَرَّات ثمَّ أَدخل يَمِينه فِي الْوضُوء ثمَّ تمضمض واستنشق واستنثر ثمَّ غسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه إِلَى الْمرْفقين ثَلَاثًا ثمَّ مسح بِرَأْسِهِ ثمَّ غسل رجلَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يتَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ قَالَ من تَوَضَّأ نَحْو وضوئي هَذَا ثمَّ صلى
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 224 - 227 ترجمة 777).
رَكْعَتَيْنِ لا يحدث فيهمَا نَفسه غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَغَيرهمَا
(1)
.
قوله: وعن حمران مولى عثمان بن عفان، هو حمران بن أبان مولى عثمان من سبي عين التمر اشتراه عثمان وأعتقه ونفاه إلى البصرة أو الكوفة وسبب نفيه ما روى رشدين بن سعد عن يحيى بن بكير قال حدثني الليث بن سعد أن عثمان بن عفان اشتكى شكاية خاف فيها فأوصى، واستخلف عبد الرحمن بن عوف، وكان عبد الرحمن في الحج، وكان الذي ولي كتابه ووصيته حمران مولى عثمان، فأمره أن لا يخبر بذلك أحدا فعوفي عثمان من مرضه، وقدم عبد الرحمن بن عوف، فلقيه حمران، فسأله عن حال عثمان، فأخبره بالذي أصابه من المرض، وأسر إليه الذي كان من استخلافه إياه، فَقَالَ عبد الرحمن لحمران: ماذا صنعت؟ مالي بد من أن أخبره. فَقَالَ حمران: إذا والله تهلكني. فَقَالَ: والله ما يسعني ترك ذلك لئلا يأمنك على مثلها، ولكن لا أفعل حتى أستأمنه لك.
فَقَالَ عبد الرحمن لعثمان: إن لبعض أهلك ذنبا ليس عليك إثم في العفو عنه، ولست مخبرك حتى تؤمنه. فقال عثمان: قد فعلت. فأخبره بالذي أسر إليه حمران، فدعا حمران فَقَالَ: إن شئت جلدتك مائة، وإن شئت فاخرج عني. فاختار الخروج فخرج إلى الكوفة فلما قدم "الحجاج""البصرة" آذاه
(1)
أخرجه البخارى (159) و (164) و (1934)، ومسلم (3 و 4 - 226)، وأبو داود (106)، والنسائى في المجتبى 1/ 284 (87) و 1/ 285 (88) و 1/ 315 (121).
وأخذ منه مائة ألف درهم. فكتب إلى "عبد الملك بن مروان" يشكوه، فكتب "عبد الملك" إلى "الحجاج": إن "حمران" أخو من مضى، وعمّ من بقي، فأحسن مجاورته، ورد عليه ماله، وأحسن مجاورته وقد أدرك أبا بكر وعمر فدعا بحمران فقال: كم أغرمناك قال مائة ألف فبعث بها إليه مع غلمان وقال هي لك مع الغلمان العشرة فقسمها حمران على أصحابه وأعتق الغلمان
(1)
.
مات حمران بعد سنة خمس وسبعين روى له الجماعة وهو تابعي ثقة والله أعلم وتقدم الكلام عليه مبسوطًا.
قوله: إنه رأى عثمان بن عفان دعا بوضوء فأفرغ على يديه من إنائه فغسلهما ثلاث مرات ثم أدخل يمينه في الوضوء ثم تمضمض واستنشق واستنثر، الحديث، هذا الحديث أصل عظيم في صفة الوضوء
(2)
.
قوله: دعا بوضوء، الوضوء بفتح الواو الماء الذي يتوضأ به وبضم الواو هو الفعل
(3)
وتقدم ذلك مرات ففي هذا الحديث الاستعانة بطلب الماء وإفراغ الماء على اليد قبل غمسها ثم إدخالها فيه ولم يذكر نية الاغتراف وسيأتي الكلام على ذلك، والاستعانة في الوضوء قال الأصحاب: هي على ثلاثة أقسام:
أن يستعين في إحضار الماء من البئر والبيت ونحوهما وتقديمه إليه وهذا
(1)
تاريخ دمشق (15/ 172 و 177 و 178 - 179).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 106).
(3)
العدة (1/ 85).
جائز ولا يقال خلاف الأولى.
والثاني: أن يستعين بمن يغسل الأعضاء فهذا مكروه كراهة تنزيه إلا أن يكون معذورا بمرض أو غيره.
والثالث: أن يستعين بمن يصب عليه فإن كان لعذر فلا بأس به وإلا فهو خلاف الأولى.
وهل يسمى مكروها فيه وجهان أصحهما ليس بمكروه لأنه لم يثبت فيه نهي، وأما استعانة النبي صلى الله عليه وسلم بأسامة والمغيرة بن شعبة في غزوة تبوك وبالربيع بنت معوذ فلبيان الجواز ويكون أفضل في حقه حينئذ لأنه مأمور بالبيان وأنه لا كراهة في المناولة وكذا الصب عليه على الأصح بخلاف الاستعانة في غسل الأعضاء مع القدرة فإنه يكره جزما
(1)
.
وفي ابن ماجه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكل طهوره إلى أحد، ولا صدقته التي يتصدق بها، يكون هو الذي يتولاها بنفسه"
(2)
.
قوله: فأفرغ على يديه، أي فأفرغ عليهما من الإناء ففيه دليل على استحباب غسل اليدين ثلاثا قبل الوضوء وإنه إن شك في طهارتهما كره غمسهما في الإناء قبل غسلهما ثلاثا، فإن غسلهما دون الثلاث لم تزل
(1)
انظر: شرح النووى على مسلم (3/ 168 - 169) والمجموع (1/ 338 - 339)، والنجم الوهاج (1/ 354 - 355).
(2)
أخرجه ابن ماجه (362) عن صفوان ابن عسال. وقال الألباني: ضعيف جدا، الضعيفة (4250).
الكراهة المستفادة من مخالفة الأمر وتزول الكراهة من جهة الشك في النجاسة فإن النجاسة المشكوك فيها تزول بالغسل مرة أو مرتين وإن تحقق طهارة يده لم يكره غمسهما في الإناء قبل غسلهما وإذا لم يمكنه عند الشك في طهارة يده الإفراغ عليهما من الإناء استعان بمن يصب عليه فإن لم يجد أخذ بفمه أو بطرف منديله وصبه عليه
(1)
.
قوله: فغسلهما ثلاث مرات، فيه دليل على أن السنة غسلهما قبل الوضوء سواء تحقق طهارتهما قبل الغسل أم لا
(2)
.
قوله: ثم أدخل يمينه في الوضوء، فيه دليل على استحباب أخذ الماء بيمينه في الوضوء والغسل
(3)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب التيمن في وضوءه في شأنه كله
(4)
الحديث. وتقدم الكلام على ذلك مبسوطا.
قوله: ثم تمضمض واستنشق واستنثر، تقدم الكلام على ذلك أيضا مبسوطا.
قوله: ثم غسل وجهه ثلاثا، فيه دليل على جواز الاغتراف للوجه بيد واحدة وهو أرفق في استعمال الماء فلو اغترف بيديه جميعا لوجهه كان أيسر
(1)
المجموع (1/ 34/- 349) وروضة الطالبين (1/ 58)، وكفاية النبيه (1/ 280 - 281)، والنجم الوهاج (1/ 344 - 345).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 105)، والروضة (1/ 60)، وشرح الإلمام (3/ 588 - 589).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 160).
(4)
أخرجه البخارى (168) و (426) و (5380) و (5854) و (5926)، ومسلم (66 و 67 - 268) عن عائشة.
لأن الوجه يغسل باليدين جميعا
(1)
.
قوله: ويديه إلى المرفقين ثلاثا، وفي رواية ثم أدخل يديه مرتين إلى المرفقين المعنى أدخل يديه فاغترف فغسلهما مرتين خارج الإناء على المرفقين أي مع المرفقين، وفيه دليل على أن نية الاغتراف لا تجب فيه غسل الوجه فإن غسل اليد عن الحدث إنما يصح بعد غسل الوجه مراعاة لترتيب اليد مع الوجه
(2)
.
فائدة: واعلم أن نية الاغتراف تكون صارفة للنية لا قاطعة لها ويدخل وقتها بالغسلة الأولى من الوجه فإذا وضع يده في الماء بعد الغسلة الأولى من الوجه فله ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يضعها بنية رفع الحدث عن اليد فما غسله من اليد في الماء يرتفع حدثه ويصير الماء مستعملا بالنسبة إلى الباقي.
الثاني: أن يطلق فيصير مستعملا أيضا لأنه إذا وضع اليد في الماء يرتفع حدثها عن الباقي.
الثالث: أن يضعها بنية أن يغترف للغسلة الثانية أو الثالثة من الوجه فلا يصير مستعملا لأجل صرف الغسل إلى الوجه، وكذلك إذا وضعها بعد غسل الوجه ثلاثا ونوى الاغتراف ليغسل اليد خارج الإناء لا يصير مستعملًا لأن اليد حينئذ تصير كالآلة التي ينقل بها الماء
(3)
.
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 122)، وشرح الإلمام (3/ 589)
(2)
انظر: المجموع (1/ 163 - 164).
(3)
انظر الوسيط (1/ 127 - 128)، وشرح مشكل الوسيط (1/ 29 - 30)، وشرح الإلمام (3/ 594)، والنجم الوهاج (1/ 236).
والجنب تكون نية اغترافه بعد النية لعدم الترتيب
(1)
وفيه دليل على أن الثلاثة سنة في الوضوء وقد جاءت الأحاديث الصحيحة بالغسل مرة مرة وثلاثا ثلاثا وبعض الأعضاء ثلاثا وبعضها مرتين وبعضها مرة لحديث حمران فيه غسل الأعضاء ثلاثا ثلاثا ومسح الرأس مرة واحدة وفي حديث عبد الله بن زيد أنه غسل بعض الأعضاء مرتين ولا خلاف أن الأولى هو غسل الأعضاء ثلاثا ثلاثا أكمل وأفضل
(2)
.
قال العلماء: فاختلافها دليل على جواز ذلك كله وأن الثلاثة هي الأكمل والواحدة تجزئ
(3)
واختلف العلماء في مسح الرأس فهل السنة أن يمسحه ثلاثة أو واحدة؟
قال ابن عبد البر: وجمهورهم يقول بمسح الرأس مسحة واحدة وإليه ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والأكثرون إلى أن السنة مرة واحدة كاملة لا يزيد عليهم إلا الشافعي رحمه الله فإنه قال: من توضأ ثلاثا ثلاثا مسح رأسه ثلاثا على ظاهر الأحاديث في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ثلاثا ثلاثا وفي بعض الروايات اثنان عن عثمان في صفة وضوء النبي صلى الله عليه وسلم، ثم مسح ثلاثا وأكثرها على مرة واحدة
(4)
، قال أبو داود: أحاديث عثمان الصحاح تدل على أنه صلى الله عليه وسلم
(1)
روضة الطالبين (1/ 9)، والنجم الوهاج (1/ 236).
(2)
التنبيه (1/ 16)، والمهذب (1/ 42)، وشرح النووى على مسلم (3/ 230).
(3)
شرح النووى على مسلم (3/ 230).
(4)
الاستذكار (1/ 129).
مسح مرة
(1)
انتهى.
وأجمع العلماء على وجوب مسح الرأس واختلفوا في قدر الواجب فيه فذهب الشافعي في جماعة إلى أن الواجب ما يطلق عليه الاسم ولو شعرة واحدة وذهب مالك وأحمد وجماعة إلى وجوب استيعاب الرأس وقال أبو حنيفة في رواية الواجب ربعه
(2)
قال ابن عبد البر كان مالك يقول في مسح الرأس يبدأ بمقدم رأسه ثم يذهب بيديه إلى مؤخره ثم يردهما إلى مقدمه على حديث عبد الله بن زيد، قال: وهو أبلغ ما سمعت في مسح الرأس وهو قول الشافعي
(3)
.
وقال في الغاية: والأظهر أن يضع كفيه وأصابعه على مقدم رأسه ومدهما إلى قفاه على وجه يستوعب جميع رأسه ثم يمسح أذنيه بأصبعيه
(4)
والسنة أن يمسح أذنيه بماء الرأس عند أبي حنيفة وأصحابه خلافا للشافعي
(5)
لما في رواية أبي داود عن المقدام بن معد كرب أن النبي صلى الله عليه وسلم مسح أذنيه ظاهرهما وباطنهما وأدخل أصابعه في صماخها
(6)
.
(1)
سنن البيهقى الكبرى (1/ 103).
(2)
شرح النووى على مسلم (2/ 107).
(3)
الاستذكار (1/ 129).
(4)
انظر: تبيين كنز الحقائق (1/ 5)، ودرر الحكام (1/ 11)، والبحر الرائق (1/ 27).
(5)
تحفة الفقهاء (1/ 14)، وبدائع الصنائع (1/ 23)، والهداية (1/ 16).
(6)
أخرجه ابن ماجه (442)، وأبو داود (121) و (122) و (123)، والطبراني في الكبير (20/ 277 - 276 رقم 654 و 655 و 656) والشاميين (1076 و 1077). وصححه الألباني في صحيح أبى داود (112 و 113 و 114).
فائدة: روى الدارقطني وغيره عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله أعطاني نهرا يقال له الكوثر في الجنة لا يدخل أحد أصبعيه في أذنيه إلا سمع خرير ذلك النهر، قالت: فقلت يا رسول الله فكيف ذلك؟ قال: أدخلي أصبعيك في أذنيك وسدي، فالذي تسمعيه فيهما فمن خرير الكوثر
(1)
، وهذا النهر خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم يتشعب منه جميع أنهار الجنة
(2)
، انتهى.
قوله: في حديث عثمان رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ نحو وضوئي هذا ثم قال: من توضأ نحو وضوئي هذا، ولم يقل مثل وضوئي، وهل بين النحو والمثل فرق؟
والجواب: إنما قال صلى الله عليه وسلم نحو وضوئي هذا ولم يقل مثل وضوئي لوجوه:
الأول: أنه صلى الله عليه وسلم رتب حصول ذلك الثواب على الإتيان بوضوء يقارب وضوءه لأن النحو يطلق على ما قارب الشيء في غالب وجوه الشبه وإن خالفه في أدنى مخالفة ولم يشرط في الحصول الإتيان بذلك الحصول ليتسع ذلك على الأمة، والتوسعة عليهم في أبواب الفضل ويقرب منه قوله صلى الله عليه وسلم "سددوا وقاربوا" أي إنكم لم تستطيعوا الإتيان بما أمرتم به فقاربوا الإتيان بمثله والذي يقرب من الشيء نحوه
(3)
كما تقدم.
(1)
أخرجه ابن جرير في التفسير (24/ 681) موقوفًا. وقال السهيلى في الروض (3/ 408): ورواه الدارقطني من طريق مالك بن مغول عن الشعبي عن مسروق عن عائشة. وقال الألباني: منكر الضعيفة (6985).
(2)
العين (5/ 348) للفراهيدى.
(3)
شرح الإلمام (3/ 506).
الثاني: إنه صلى الله عليه وسلم إنما قال نحو وضوئي هذا ولم يقل مثل وضوئي هذا لأن أحدا من الأمة لا يستطيع أن يأتي بمثل العبادة التي أتى بها النبي صلى الله عليه وسلم في صفاتها الكاملة من الإخلاص وحضور القلب والخشوع والمراقبة وحسن الأداء والإشارة إلى ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: "أنا أتقاكم لله وأشدكم له خشية" وقد قيل في قوله تعالى: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ}
(1)
إنما قال ذلك لأن عبادته صلى الله عليه وسلم مقطوع بقبولها وقيل إن فرائضه لا تكمل من نوافله لكمالها وعدم نقصها بخلاف الأمة فإن النوافل تجبر ما يقع في فرائضها من الخلل
(2)
.
الثالث: لابد في حصول ذلك من مراعاة النحو فيأتي بوضوء يقارب ذلك الفعل ولا يأتي به بعيدا عنه لأن مدلول النحو القصد ونحا إذا قصد ونحا نحوه إذا قصد قصده
(3)
.
الرابع: إنما قال صلى الله عليه وسلم نحو وضوئي ولم يقل مثل وضوئي، لأن المثل شرطه أن يكون مساويا في سائر وجوه الشبه وفي التعبير بالنحو توسعة للمكلفين لأن أفعال المكلفين مغيرة كتغاير الدواب فالمثلية فيها لا تتحقق لقوله تعالى:{وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ}
(4)
ومن جملة آيات الله تعالى اختلاف
(1)
سورة الإسراء، الآية:79.
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 108)، ورياض الأفهام (1/ 142)، وغاية السول (ص 87)، وإمتاع الأسماع (13/ 25) وسبل الهدى والرشاد (10/ 403).
(3)
إحكام الأحكام (1/ 85)، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 347).
(4)
سورة الروم، الآية:22.
أفعالنا أيضا، حق إن الشخص الواحد لا يماثل فعله اليوم فعله بالأمس وقال شيخ الإسلام القشيري: إن لفظة نحو لا تقتضي المساواة من كل وجه بخلاف لفظة مثل
(1)
كما تقدم، وقال في حديث:"إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول" إن لفظة مثل لا تقتضي المساواة من كل وجه فإنه لا يريد مماثلة في رفع الصوت وغيره
(2)
انتهى.
وقال في كتاب الديباجة: والمراد بنحو وضوئي أن يكون عالما بأن الوضوء يمحو الذنوب بشرط تقدم التوبة فإنها إذا تقدمت وجاء الوضوء بعدها تمت فإن قيل التوبة وحدها مسقطة للذنوب فما فعل الوضوء؟
فالجواب: إن الوضوء متم كذلك لأنه نور على نور إذ به يعلم أن التوبة الأولى مقبولة وعلى كل حال فالأمر مشكل انتهى.
وقال بعض العلماء: رتب المغفرة على ثلاثة شروط:
الأول: الإتيان بنحو وضوئه ومراعاة الكيفية المذكورة من تثليث الغسل في الأعضاء والإتيان بغسل الكف والمضمضة والاستنشاق بأن نقص عن ذلك أو ترك هذه السنن وأتى بواجبات الوضوء احتمل حصول الثواب وحصول المغفرة لأن من أتى الواجب فقد أتى بنحو فعله فعلى هذا إذا توضأ مرة مرة ثم صلى غفر له ويحتمل منع الوصول لتفريطه في السنة بترك
(1)
النجم الوهاج (1/ 204).
(2)
إحكام الأحكام (1/ 85)، وشرح الإلمام (3/ 506)، والإعلام (1/ 347)، والنجم الوهاج (1/ 204).
الإتيان بكل ما فعله ولو زاد في الوضوء فغسل أربع مرات أو أسرف في الماء من غير حاجة فالمتجه عدم الحصول لأنه زاد على النحو وغلا في الدين وعد من المسرفين، وقد حكى الدارمي في الاستدراك قولا أنه لا يصح وضوءه كمن زاد في الصلاة ركوعا أو سجودا أو تشهدا
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كل عمل ليس عليه أمرنا فهو رد".
الثاني: قوله صلى الله عليه وسلم "ثم صلى ركعتين" وفي رواية "ثم قام فصلى ركعتين" فيه دليل على اشتراط الصلاة من قيام هذه الزيادة في مسلم أيضا فلو صلى من قعود لم يحصل هذا الثواب المرتب لإخلاله بالقيام.
الثالث: أنه لو صلى ركعة واحدة لم يحصل له ذلك لأن الأجر إذا رتب على درهمين لم يحصل على درهم ولو زاد على ركعتين فصلى أربع ركعات أو ثلاثا فالظاهر الحصول لأنه قد أتى بالركعتين وزيادة
(2)
.
تنبيه: لم يبين في الحديث ماذا ينوي بالركعتين وقد قيل ينوي بهما سنة الوضوء لحديث بلال السابق المخرج في الصحيح أنه متى توضأ صلى أي ركعتين وقال: إنه أرجى عمل له قال.
النووي في شرح مسلم: في هذا الحديث دليل على استحباب ركعتين فأكثر عقيب الوضوء وهو سنة مؤكدة، قال: قال أصحابنا: ويفعل هذه الصلوات في أوقات النهي وغيرها لأن لها سببا، واستدلوا بحديث بلال أنه
(1)
المجموع (1/ 440).
(2)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 85 - 86)، والعدة (1/ 91)، والإعلام (1/ 351).
كلما توضأ صلى ركعتين وقال: إنه أرجى عمل له، قال: ولو صلى فريضة أو نافلة مقصودة حصلت هذه الفضيلة كما تحصل تحية المسجد بصلاة ركعتين
(1)
، ولو توضأ وأحرم بأربع ركعات ثم ينتهي في ركعتين وحضر قلبه في ركعتين ثم سلم، فظاهر الحديث حصول هذا الثواب لأنه صدق عليه أنه صلى ركعتين لم يحدت فيهما نفسه، وهل يستحب في هاتين التطويل أم الإسراع؟
المتجه استحباب الإسراع تعجيلا لحصول المغفرة ولأنه قد يموت قبل إكمالهما إذا طولهما وروى أبو هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم من الليل فليفتتح صلاته بركعتين خفيفتين" وقد ذكروا له معنيين أحدها الإسراع والمبادرة إلى حل عقد الشيطان كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم "يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد" الحديث وفي رواية ابن ماجه "يعقد الشيطان في حبل على قافية رأس أحدكم" والحبل هنا مجاز ولطوله مناسبة لقوله صلى الله عليه وسلم "عليك ليل طويل" قال بعض أشياخنا: المراد بقوله صلى الله عليه وسلم إذا هو نام النوم عن صلاة العشاء لأن من صلى العشاء ثم نام لا يصبح خبيث النفس وإنما يصبح خبيثا إذا ترك الواجب
(2)
.
والثاني: إذا قام من الليل وشرع في الصلاة فربما بقيت عنده بقايا نوم وشوائب
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 108).
(2)
انظر: شرح النووى على مسلم (6/ 66)، والمدخل (2/ 197)، وطرح التثريب (3/ 85 - 86).
فإذا صلى ركعتين حصل له إدمان على الطاعة وإقبال على العبادة
(1)
.
قال الحليمي: ولهذه الحكمة قدمت النوافل على الفرائض
(2)
وعلى المعنيين يستحب الإسراع في ركعتي الفجر والتطويل في صلاة الصبح ويقرب من هذا المعنى الأول أقوال حكاها بعض العلماء في أن الإتيان بكلمة الشهادة هل يستحب فيها المد بالإسراع قيل يستحب المد فيقول لا إله إلا الله بالمد وقد ورد في الحديث "من قال لا إله إلا الله مادا بها صوته" وقال صلى الله عليه وسلم "يغفر للمؤذن مد صوته" وفي رواية أحمد "مد صوته" والمراد بمد الصوت الموضع الذي ينتهي إليه صوته ومدى الشيء نهايته
(3)
.
والقول الثاني: إنه يستحب القصر مخافة أن يموت قبل إتمامها.
والثالث: إن كان كافرا يستحب له القصر لئلا يموت قبل إتمامها فيكون كافرا وإن كان مسلما استحب له المد كالمؤذن
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم قام فصلى" فيه دليل على اشتراط الصلاة، لكنه معارض بما رواه الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا توضأ خرج نقيا من الذنوب ورواه الإمام أحمد وزاد "فإذا صلى كانت صلاته نافلة"
(5)
وفيه دليل
(1)
انظر: شرح النووى على مسلم (6/ 10)، والمفاتيح (2/ 258)، والمفهم (7/ 8)، وفتح البارى (3/ 46).
(2)
إحكام الأحكام (1/ 199).
(3)
شرح المشكاة (3/ 911).
(4)
انظر: إحكام الأحكام (1/ 109)، والعدة (1/ 388)، والنفح الشذى (4/ 135)، ورياض الأفهام (2/ 45).
(5)
أخرجه مسلم (32 - 244)، والترمذى (2) عن أبى هريرة. وأخرجه أحمد 4/ 348 =
على أنه لابد وأن يترك الوسوسة في أول صلاته وينبغي أن يأتي بالصلاة عقيب الوضوء لتتصل الوسيلة بالتوسل إليه
(1)
.
فإن قيل: لما قال صلى الله عليه وسلم "ثم قام فصلى" فأتى بثم في الأول وبالفاء في الثاني قلت لأن الصلاة لا تقع في موضع الوضوء ولا تفعل إلا في مكان آخر غالبا فلابد من مهلة في الزمان يمكنه المشي فيها إلى موضع الصلاة المهيأ لها فلذلك أتى بثم وإذا قام إلى الصلاة استحب التحرم عقيب القيام وترك الوسوسة عند التكبير وهذا سر لطيف فاعرفه.
الرابع: قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحدث فيهما نفسه" اعلم أن الغزالي رحمه الله قد ذكر في كتاب الجواهر أن النفس والروح والعقل بمعنى، قال وهو السر الرباني وللناس في هذا اختلاف كبير وترجيح فالذي يقرب أن الإنسان له نفسان نفس حيوانية ونفس روحانية، فالنفس الحيوانية لا تفارقه إلا بالموت والنفس الروحانية التي هي من أمر الله فبها يفهم ويعقل وهي التي يتوجه لها الخطاب وهي التي تفارق الإنسان عند الموت وإليها الإشارة بقوله تعالى:{اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا}
(2)
وأما النفس الحيوانية فلا تفارق الإنسان بالنوم فلهذا يتحرك الإنسان ويتنفس وحرارة جسمه باقية وإذا مات
= (19064) و 4/ 349 (19065) و (19068)، والنسائى في المجتبى 1/ 201 (107) والكبرى (131) عن الصنابحى. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (185).
(1)
شرح الإلمام (4/ 608 - 609).
(2)
سورة الزمر، الآية:42.
فارقه جميع ذلك
(1)
، وأما قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يحدث فيهما نفسه" المراد النفس الروحانية والمراد به لا يحدث نفسه بشيء من أمور الدنيا وما لا يتعلق بالصلاة ولو عرض له حديث ما فأعرض عنه بمجرد عروضه عفي عن ذلك وحصلت له هذه الفضيلة إن شاء الله لأن هذا ليس فعله وقد عفي لهذه الأمة عن الخواطر التي تعرض ولا تستقر قاله الماوردي
(2)
والقاضي والنووي فقالوا: حديث النفس في الحديث هو المجتلب والمكتسب وأما ما يقع في الخواطر غالبا فليس هو المراد لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس وإنما حصلت له هذه المرتبة لمجاهدة نفسه من خطوات الشيطان ونفيها عنه ومجاهدته ومحافظته عليها حتى لم يشتغل عنها طرفة عين وسلم من الشيطان باجتهاده وتفريغ قلبه وقال بعضهم هذا الذي يكون من غير قصد يرجى أن تقبل معه الصلاة ويكون دون صلاة ومن لم يحدث نفسه بشيء لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ضمن الغفران لداعي ذلك لأنه قل من تسلم صلاته من حديث النفس
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "غفر له ما تقدم من ذنبه" قال النووي في شرح مسلم: الصغائر من الذنوب فقد قال الأصحاب نظير ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في صوم عرفة "أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده" أنهم ذكروا أن
(1)
الكليات (ص 898) للكفوى.
(2)
كذا في الأصل والصواب المازرى.
(3)
المعلم (1/ 351)، وإكمال المعلم (3/ 19)، وشرح النووى على مسلم (3/ 109).
المراد الصغائر
(1)
ونازعهم صاحب الذخائر وقال: ما قالوه يحتاج إلى دليل وفضل الله أوسع من ذلك
(2)
وظاهر هذا يقتضي العموم في جميع الذنوب لأن قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تقدم من ذنبه" صيغة عموم ولكنه قد خصص بقوله صلى الله عليه وسلم: "الصلوات الخمس والجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهن ما اجتنبت الكبائر" وفي هذا الحديث وقفة وهو أن قوله صلى الله عليه وسلم: "ما اجتنبت الكبائر" هل هو قيد في التكفير حتى ولو كان مصرا على الكبائر لم يغفر له شيء من الصغائر أو هو قيد في التعميم أي تعميم المغفرة فعلى هذا تغفر الصغائر وإن ارتكب الكبائر والأقرب الثاني وإلا لم يكن لذلك تأثير في التكفير لأن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر بدليل قوله تعالى: {إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ}
(3)
الآية
(4)
وفي الآية: والحديث دليل على انقسام الذنوب إلى صغائر وكبائر وقد خالف الأستاذ أبو إسحاق الإسفرائيني وقال: ليس في الذنوب صغيرة والذنوب كلها كبائر نظرا إلى عظمة من يعصى وفي الآية والحديث دليل على أن الكبائر متميزة عن الصغائر وحكي الشبلي في التذكرة قولا أن الكبائر مبهمة في المعاصي كما أخفى الله ليلة القدر في رمضان وساعة الإجابة في يوم الجمعة وفائدة إبهام الكبائر التحامي عن
(1)
شرح النووى على مسلم (8/ 51).
(2)
انظر: مغنى المحتاج (2/ 183)، ونهاية المحتاج (3/ 206).
(3)
سورة النساء، الآية:31.
(4)
المنثور في القواعد (1/ 420).
الوقوع في سائر المعاصي لأنه ما من معصية إلا ويجوز أن تكون من الكبائر وهذا القول غير بعيد
(1)
واعلم أن من الأعمال ما يرفع الذنب السابق ولا يرفع اللاحق ومنها ما يرفع الذنب السابق واللاحق ويسمى رافعا ودافعا فمن صلى ركعتين بالصفة المذكورة غفر له ما تقدم من ذنبه فالركعتان رافعتان للذنب وصوم يوم عرفة يكون رافعا لذنوب السنة الماضية ولذنوب السنة المستقبلة حتى إذا فعل ذنبا لم تأخذه عليه الملائكة وصدقة الفطر طهرة للصائم من لغوه ورفثه الواقع في رمضان كما جاء في الخبر وعندنا يجوز تقدمهما من أول رمضان فهي حينئذ تكون دافعة لما يقع من الصائم من اللغو والرفث وإن تأخرت كانت رافعة
(2)
فمن صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه فقد قام بهذه الأوصاف فلذلك يغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ومن صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه فقد دخل في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ}
(3)
.
فائدة صوفية جليلة:
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه" إشارة إلى مقام الإحسان وهو أن تعبد الله كأنك تراه وإذا كنت تراه اشتغلت بمناجاته وغفلت عن نفسك وعما تحدث فيها من الفواحش الواردة من جهة النفس
(1)
انظر: التفسير البسيط (6/ 474)، وشرح النووى على مسلم (2/ 84 - 85).
(2)
المنثور (1/ 431).
(3)
سورة التوبة، الآية:111.
والوساوس الواردة من جهة الشيطان فإن حصلت له غفلة وخطرت له وساوس أو هواجس أضرب عنها واشتغل بالمناجاة وتدبر معاني القرآن فإذا فعل ذلك ولم يشتغل بحديث نفسه ومطاوعتها غفر له ما تقدم هذا إن كان عليه ذنب وإلا فقد روى الإمام أحمد في المسند أن الرجل إذا توضأ وأحسن الوضوء خرج نقيا من الذنوب فإن صلى كانت صلاته نافلة فإن اتصف بذلك كانت صلاته نافلة ورفع في الدرجات
(1)
فإن قيل أحد الخبرين يدل على حصول المغفرة بالوضوء وحده والآخر يقتضي أن المغفرة لا تحصل إلا بصلاة ركعتين لا يحدث فيهما نفسه مع الوضوء، وطريق الجمع بين الحديثين أنه يحتمل أنه صلى الله عليه وسلم رتب المغفرة أولا على الوضوء وصلاة ركعتين ثم رتبها ثانيا على الوضوء وحده فيكون في ذلك البشارة مرتين كما في قوله صلى الله عليه وسلم:"صلاة الجماعة تزيد على صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة" وفي الرواية الأخرى "بسبع وعشرين" قال ذلك ليبشرهم ثانيًا بالزيادة وكما قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "ألا ترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة فكبرنا ثم قال ألا ترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة فكبرنا ثم قال ألا ترضون أن تكونوا نصف أهل الجنة فكبرنا"
(2)
بشرهم صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات انتهى.
(1)
انظر إكمال المعلم (2/ 18)، وشرح النووى على مسلم (3/ 108 - 109)، وإحكام الأحكام (1/ 86) وشرح الإلمام (3/ 508 - 509)، والإعلام (1/ 353).
(2)
أخرجه البخارى (3132) و (4741)، ومسلم (379 و 380 - 222) عن أبى سعيد الخدرى.
[أما تكبيرهم فلسرورهم بهذه البشارة العظيمة، وأما قوله ربع أهل الجنة ثم ثلث أهل الجنة ثم الشطر ولم يقل أولا شطر أهل الجنة فلفائدة حسنة وفي أن ذلك أوقع في نفوسهم وأبلغ في إكرامهم فإن إعطاء الإنسان مرة بعد أخرى دليل على الاعتناء به ودوام ملاحظته وفيه فائدة أخرى هي تكريره البشارة مرة بعد أخرى وفيه أيضا حملهم على تجديد شكر الله تعالى وتكبيره وحمده على كثرة نعمه والله أعلم ثم إنه وقع في هذا الحديث شطر أهل الجنة وفي الرواية الأخرى نصف أهل الجنة وقد ثبت في الحديث الآخر أن أهل الجنة عشرون ومائة صف هذه الأمة منها ثمانون صفا فهذا دليل على أنهم يكونون ثلثي أهل الجنة فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أولا بحديث الشطر ثم تفضل الله سبحانه بالزيادة فأعلم بحديث الصفوف فأخبر به النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ولهذا نظائر كثيرة في الحديث معروفة
(1)
].
تنبيه: ويحسن أن يقال إن الشخص إذا دخل في الصلاة بطهارة واحدة ولم يحدث نفسه غفرت له الصغائر وإن دخل بالطهارتين جميعا أي طهارة بالقلب وطهارة الأعضاء غفر له الجميع والإنسان إذا عالج قلبه وأخرج منه الحقد والغل والكبر والحسد وأمراض القلب كلها فقد دخل بالطهارتين قيل وإذا طهارة القلب إشارة لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينظر إلى صوركم وأبشاركم ولكن ينظر إلى قلوبكم"
(2)
وقال الغزالي رحمه الله: وإلى طهارة القلب
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 95 - 96).
(2)
أخرجه مسلم (33 و 34 - 2564) عن أبى هريرة.
الإشارة لقوله صلى الله عليه وسلم: "الطهور شطر الإيمان" ومعناه التصديق بالقلب
(1)
قاله ابن العماد بشرح عمدة الأحكام.
357 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "من تَوَضَّأ فَأحْسن وُضُوءَهُ ثمَّ قَامَ فصلى رَكْعَتَيْنِ أَو أَرْبعًا يشك سهل يحسن الذِّكر والخشوع ثمَّ اسْتغْفر الله غفر لَهُ" رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
قوله: عن أبي الدرداء تقدم الكلام عن مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من توضأ فأحسن الوضوء" تقدم الكلام على إحسان الوضوء.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم قام فصلى ركعتين يحسن فيهما الركوع والخشوع" الحديث، قال البغوي: السنة في الركوع عند عامة العلماء أن يضع راحتيه على ركبتيه ويفرج بين أصابعه ويجافي مرفقيه عن جنبيه ويسوي ظهره وعنقه ورأسه وفي الحديث: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدبح الرجل في الصلاة كما يدبح الحمار"
(3)
(1)
إحياء علوم الدين (1/ 126 و 4/ 316).
(2)
أخرجه أحمد 6/ 450 (27546)، وابن أبى عاصم في الآحاد والمثانى (2040)، وأبو يعلى كما في المطالب العالية (572)، والطبراني في الدعاء (1848) والأوسط (5/ 186 رقم 5026). قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به: صدقة بن أبي سهل.
وقال الهيثمي في المجمع 2/ 278 - 279: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن. وصححه الألباني في الصحيحة (3398) وصحيح الترغيب (230) و (393).
(3)
أخرجه الدارقطنى في السنن (426) عن على بن أبى طالب. وأخرجه بحشل في تاريخ واسط (ص 232)، وابن عدى في الكامل (5/ 187)، والبيهقى في الكبرى (2/ 121 رقم =
وأراد بالتدبيح أن يطأطأ رأسه حتى يكون أخفض من ظهره
(1)
.
وفي المسند عن علي بن أبي طالب قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لو وضع قدح ماء على ظهره لم يهراق
(2)
، وقد اختلف العلماء في الطمأنينة في الركوع والاعتدال والسجود فذهب الجمهور إلى أن ذلك فرض لا تصح الصلاة إلا به
(3)
وذهب أبو حنيفة ومحمد إلى أن الطمأنينة واجبة والواجب ما يأثم بتركه ولا تفسد به صلاته وذكر النيسابوري في كتاب المعاني.
والحكم: الصلاة أربعة أشياء حضور وشهود وخضوع وخشوع فالحضور بالنفس والشهود بالقلب والخضوع بالأركان والخشوع بالنفس فمن لم يحضر بالنفس فهو ساه ومن لم يشهد بالقلب فهو لاه ومن لم يخضع بالأركان فهو واه ومن لم يخشع بالسر فهو مضاه
(4)
والله أعلم.
= 2553). وضعفه ابن الملقن في البدر المنير (3/ 600 - 602)، وابن حجر في التلخيص الحبير (1/ 589 - 590).
(1)
شرح السنة (3/ 94).
(2)
أخرجه عبد الله بن أحمد في زوائد المسند 1/ 123 (997) وجادة.
(3)
انظر: شرح السنة (3/ 96)، والمجموع (3/ 410).
(4)
انظر: عوارف المعارف (2/ 349)، وشرح الأربعين للنووى (ص 9).