الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر]
405 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ خرج رجل بَعْدَمَا أذن الْمُؤَذّن فَقَالَ أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم صلى الله عليه وسلم ثمَّ قَالَ أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا كُنْتُم فِي الْمَسْجِد فَنُوديَ بِالصَّلَاةِ فَلَا يخرج أحدكُم حَتَّى يُصَلِّي" رَوَاهُ أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ وَإِسْنَاده صَحِيح
(1)
وَرَوَاه مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه
(2)
دون قَوْله أمرنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الخ.
406 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يسمع النداء فِي مَسْجِدي هَذَا ثمَّ يخرج مِنْهُ إِلَا لحَاجَة ثمَّ لَا يرجع إِلَيْهِ إِلَّا مُنَافِق" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(3)
.
(1)
أخرجه الطيالسي (2711)، وإسحاق (232)، وأحمد 2/ 537 (10933). قال الهيثمي في المجمع 2/ 5: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (175).
(2)
أخرجه مسلم (258 و 259 - 655)، وابن ماجه (733)، وأبو داود (536)، والترمذي (204)، والنسائي في المجتبى 2/ 161 (695) و 2/ 162 (696) والكبرى (1810) و (1811).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 149 - 150 رقم 3842). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث موصولا، عن أبي هريرة، عن صفوان وأبي حازم إلا ابن أبي حازم، تفرد به: أبو مصعب. وقال الهيثمي في المجمع 2/ 5: رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (262).
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: خرج رجل، يعني من المسجد، بعد ما أذن المؤذن فقال:"أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" الحديث، ففي هذا الحديث كراهة الخروج من المسجد بعد الأذان حتى يصلي المكتوبة إلا لعذر من انتقاض طهارة أو فوات رفقة أو صلاة في غيره
(1)
، والحديث يقتضي تحريم الخروج بعد الأذان وقبل الصلاة لكنه متروك الظاهر لوجهين، أحدهما: أن ذلك محمول على من خرج على نية ترك الصلاة مع الجماعة لأن الجماعة فرض عين أو كفاية أو سنة لا يعذر تاركها، ومن عزم على ترك فرض الكفاية أو العين أثم للوجه الثاني إذ المعصية قد تطلق ويراد بها الكراهة مجازًا لما بينهما من مطلق المخالفة للنهي كما ذكر بعض الأصوليين، وهذا كقوله صلى الله عليه وسلم:"من تعلم الرمي ثم تركه فقد عصاني"
(2)
مع أن ترك الرمي ونسيانه مكروه أو أنه محمول إما على نية ترك الجهاد كما قد فسره قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات وفي قلبه شعبة من النفاق"
(3)
وإما محمول على نية ترك فرض العين، ويحتمل وجه ثالث وهو أن الرجل الذي خرج كان منافقا معلوم النفاق لأبي هريرة، وإلا فالخروج من المسجد تقدم أنه غير
(1)
شرح أبي داود (2/ 504) للعيني.
(2)
أخرجه مسلم (169 - 1919) عن عقبة بن عامر.
(3)
أخرجه مسلم (158 - 1910)، وأبو داود (2502)، والنسائي في المجتبى 5/ 346 (3120) والكبرى (4499) عن أبي هريرة.
محرم، ويحتمل وجه رابع وهو أن يكون المعنى فقد قارب أن يعصي أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، ونظير هذا قوله صلى الله عليه وسلم في تارك الرمي:"فقد عصاني" أي: قارب أن يعصيني وهو كقوله تعالى: {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}
(1)
أي إذا قاربن بلوغ أجلهن يذهبن لأن بعد بلوغ الأجل وهو العدة لا رجعة، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله"
(2)
يحتمل فقد قارب أن يحبط عمله، وقد أجاب الشافعي رحمه الله بنحو ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل عليه السلام:"فصلى بي الظهر في اليوم الثاني حين صار ظل الشيء مثله"
(3)
أي حين قارب أن يصير مثله، قاله ابن العماد في شرح العمدة
(4)
.
قوله: فقال: "أما هذا فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم" ففيه تعظيم الرجل بذكره بالكنية، ففي كتاب أسماء النبي صلى الله عليه وسلم لابن دحية أن كنية النبي صلى الله عليه وسلم أبو الأرامل، والذي في الذخائر أن كنيته صلى الله عليه وسلم في الآخرة أبو الأرامل
(5)
، روى الحاكم في المستدرك بسنده إلى محمد بن عجلان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أنا أبو
(1)
سورة البقرة، الآية:234.
(2)
أخرجه البخاري (553) و (594)، والنسائي في المجتبى 1/ 573 (481) والكبرى (444) عن بريدة.
(3)
أخرجه أبو داود (393)، والترمذي (149 و 150) عن ابن عباس.
وقال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن.
وصححه الألباني في المشكاة (583)، الإرواء (249)، صحيح أبي داود (416).
(4)
ذكره أيضا في تسهيل المقاصد (لوحة 48 و 49).
(5)
الذخائر والأعلاق في آداب التقوى ومكارم الأخلاق (ص 415).
القاسم، الله يعطي وأنا أقسم"
(1)
، وقال أبو عبد الله الأشبيلي في كتاب الذخائر والأعلاق في آداب التقوى ومكارم الأخلاق وهو كتاب حسن نحو مجلدين: وكني رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم لأنه يقسم الجنة بين الخلق يوم القيامة
(2)
، وروى الحاكم بإسناد به ابن لهيعة عن أنس بن مالك قال: لما ولد إبراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل عليه السلام، فقال: السلام عليك يا أبا إبراهيم
(3)
، وفي الصحيحين عن جماعة من الصحابة منهم جابر
(4)
وأبو هريرة
(5)
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي"، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب فذهب الشافعي ومن وافقه إلى أن ذلك لا يحل لأحد
(1)
أخرجه ابن سعد (1/ 106)، وأحمد 2/ 433 (9598)، والبخاري في الأدب المفرد (844) والتاريخ الأوسط (1/ 14) والبزار (8365)، وابن حبان (5817)، والحاكم (2/ 604). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في الصحيحة (2946).
(2)
الذخائر والأعلاق في آداب التقوى ومكارم الأخلاق (ص 415).
(3)
أخرجه ابن سعد في الطبقات (1/ 135)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (3127) و (3128) و (3129)، والدولابي في الكنى (17) و (18)، والطبراني في الأوسط (4/ 89 - 90 رقم 3687)، وابن السني (410)، والحاكم (2/ 604). قال الطبراني: لم يَرو هذا الحديث عن الزهري إلا يزيد بن أبي حبيب وعقيل بن خالد، تفرد به ابن لهيعة عنهما. وقال الهيثمي في المجمع 9/ 161: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(4)
أخرجه البخاري (3114) و (3115) و (3538) و (6187) و (6196)، ومسلم (3 و 4 و 5 و 6 - 2133).
(5)
أخرجه البخاري (110) و (3539) و (6188) و (6197)، ومسلم (8 - 2134).
سواء كان اسمه محمدًا أو غيره، وممن رواه عن الشافعي، البيهقي، والبغوي في تهذيبه في أول كتاب النكاح، وأبو القاسم بن عساكر في تاريخ دمشق
(1)
.
والمذهب الثاني: مذهب مالك أن ذلك جائز مطلقا لمن اسمه محمد وغيره، ويجعل النهي خاصا بحياة النبي صلى الله عليه وسلم
(2)
.
والمذهب الثالث: أنه لا يجوز لمن اسمه محمد ويجوز لغيره، قال الرافعي: يشبه أن يكون هذا الثالث أصح لأن الناس لم يزالون يكتبون به في جميع الأمصار من غير إنكار، قال النووي: وهذا الذي قاله صاحب هذا المذهب فيه مخالفة لظاهر الحديث يعني الذي في الصحيحين: "تسموا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي" وأما إطباق الناس على فعله مع أن المتكنين به أئمة أعلام وأهل الحل والعقد الذين يقتدى بهم في فعل الدين ففيه تقوية لمذهب الإمام مالك في جوازه مطلقا ويكون قد فهموا من النهي الاختصاص بحياته صلى الله عليه وسلم لما هو مشهور من سبب النهي في تكني اليهود بذلك ومناداتهم به للإيذاء وهذا المعنى قد زال
(3)
والله أعلم.
تنبيه: له صلى الله عليه وسلم ثلاثة بنين القاسم وبه يكنى ولد قبل النبوة وتوفي وهو ابن سنتين وعبد الله ويسمى الطيب والطاهر وقد ولد بعد النبوة، وقيل الطيب والطاهر غير عبد الله والصحيح الأول والثالث إبراهيم ولد بالمدينة ومات
(1)
السنن الكبرى (9/ 519 - 520)، والتهذيب (5/ 224)، وتاريخ دمشق (3/ 43 - 44).
(2)
إكمال المعلم (7/ 7)، والمجموع (8/ 439).
(3)
المجموع (8/ 440).
بها سنة عشر وهو ابن سبعة عشر شهرا أو ثمانية عشرا وكلهم من خديجة رضي الله عنها إلا إبراهيم فإنه من مارية القبطية وكلهم توفوا قبله الذكور والإناث إلا فاطمة رضي الله عنها فإنها عاشت بعده ستة أشهر على الأصح والله أعلم.
قوله رضي الله عنه: ثم قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنتم في المسجد فنودي بالصلاة فلا يخرج أحدكم حتى يصلي" اعلم أن هذا الحديث من المرفوع وكذلك حديث "من لم يأت الدعوة فقد عصى الله ورسوله"
(1)
احتملا على أن يكون الصحابي سمع تحريم ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى ابن عبد البر في حديث الدعوة أنه مرفوع عندهم لَا يختلفون في ذلك
(2)
قال عقيل: وللنظر فيه مجال وقال المنذري عن أبي القاسم الجوهري إنه موقوف
(3)
انتهى قاله في شرح الإلمام.
تنبيه: والمذهب الصحيح المختار الذي ذهب إليه الفقهاء وأصحاب الأصول والمحققون من المحدثين وصححه الخطيب البغدادي أن الحديث إذا رواه بعض الثقات متصلا وبعضهم مرسلا أو بعضهم مرفوعا وبعضهم موقوفا حكم بالاتصال وبالمرفوع ووجب العمل به لأنها زيادة ثقة وهي
(1)
أخرجه مالك (1573)، والبخاري (5177)، ومسلم (107 و 108 و 109 - 1432) عن أبي هريرة.
(2)
انظر الاستذكار (5/ 530) والتمهيد (10/ 175).
(3)
مسند الجوهري (ص 193).
مقبولة عند الجماهير من كل الطوائف والله أعلم قاله النووي
(1)
.
قوله: عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة ثم لا يرجع إليه إلا منافق" النفاق أصغر وأكبر على ما فصله العلماء في كتبهم، فيكره الخروج من مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بعد الأذان، وهذا وإن كان عاما في كل مسجد إلا أنه يتأكد هنا، قاله الزركشي
(2)
.
407 -
وَرُوِيَ عَن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أدْركهُ الْأَذَان فِي الْمَسْجِد ثمَّ خرج لم يخرج لحَاجَة وَهُوَ لَا يُرِيد الرّجْعَة فَهُوَ مُنَافِق رَوَاهُ ابْن مَاجَه
(3)
.
408 -
وَعَن سعيد بن الْمسيب رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لا يخرج من الْمَسْجِد أحد بعد النداء إِلَّا مُنَافِق إِلَّا لعذر أخرجته حَاجَة وَهُوَ يُرِيد الرُّجُوع رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله
(4)
.
قوله: عن سعيد بن المسيب هو الإمام الجليل أبو محمد سعيد بن
(1)
شرح النووي على مسلم (1/ 32).
(2)
إعلام الساجد بأحكام المساجد (ص 272).
(3)
أخرجه ابن ماجه (734)، وأبو نعيم في صفة النفاق (61). وضعفه الألباني جدا في المشكاة (1076) ثم صححه في صحيح الترغيب (263)، الروض النضير (1074)، الصحيحة (2518).
(4)
أخرجه ابن وهب في الجامع (476)، وعبد الرزاق (1946)، والدارمى (460)، وأبو داود في المراسيل (25). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (264).
المسيب القرشي المخزومي التابعي إمام التابعين، وأبو المسيب وجده (حزن) صحابيان، أسلما يوم فتح مكة، ويقال: المسيب بفتح الياء وكسرها والفتح أشهر، وحكى عنه أنه كان يكرهه، ومذهب أهل المدينة الكسر، ولد سعيد بن المسيب لسنتين مضتا من خلافة عمر بن الخطاب، وقيل: أربع سنين ورأى عمر وسمع منه ومن عثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وجماعات كثيرة من الصحابة غير من ذكر، واتفق العلماء على إمامته وجلالته وتقدمه على أهل عصره في العلم والفضيلة ووجوه الخير، واتفقوا على توثيقه، وروى له البخاري ومسلم، توفي سنة ست وقيل سنه سبع وخمسين ومائة، وقيل: غير ذلك (1).
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يخرج من المسجد أحد بعد النداء إلا منافق" المراد بالنداء الأذان، وتقدم معنى الحديث في الأحاديث قبله.