المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب بها إكراه العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٢

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في مجالسة العُلماء

- ‌الترغيب بها إكراه العُلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌[الترهيب من تعلم العلم لغير وجه اللّه تعالى]

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌فصل

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه، ولقول ما لا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال - وهو: المخاصمة والمحاججة وطلب القهر والغلبة - والترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم وَالتَّرْغِيب فِي الانحراف عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره وعدم الاستنزاه منه

- ‌التَّرْهِيب من دُخول الرِّجَال الْحمام بِغَيْر أزر وَمن دُخُول النِّسَاء بأزر وَغَيرهَا إِلَّا نفسَاء أَو مَرِيضَة وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَن ذَلِك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام الشافعي:

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عمدًا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[الترغيب في الأذان وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان]

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌[الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر]

- ‌[الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة]

- ‌[الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها]

الفصل: ‌الترغيب بها إكراه العلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

‌الترغيب بها إكراه العُلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

164 -

عَن جَابر رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِي صلى الله عليه وسلم كَانَ يجمع بَين الرجلَيْن من قَتْلَى أحد يَعْنِي فِي الْقَبْر ثمَّ يَقُول أَيهمَا أَكثر أخذا لِلْقُرْآنِ فَإِذا أُشير إِلَى أَحدهمَا قدمه فِي اللَّحْد رَوَاهُ البُخَارِيّ

(1)

.

قوله: عن جابر، حيث أطلق جابرًا فالمراد: جابر بن عبد اللّه، وحيث أرادوا جابر بن سمرة، قيدوه بسمرة.

قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجمع بين الرجلين من قتلى أحد، يعني في القبر" الحديث رواه البخاري في صحيحه، ورواه الترمذي بنحوه، وصححه، ولفظ النسائي: عن هشام بن عامر الأنصاري قال: شكونا إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم أحد، فقلنا: يا رسول اللّه الحفر علينا لكل إنسان شديد، فقال:"احفروا وأعمقوا وأحسنوا وادفنوا الاثنين والثلاثة في قبر واحد"، قالوا: فمن تقدم يا رسول اللّه؟ قال: "قدموا أكثركم قرآنًا" وكان أبي ثالث ثلاثة في قبر

(2)

.

(1)

أخرجه البخارى (1343) و (1347) و (1353) و (4079)، وابن ماجة (1514)، وأبو داود (3138)، والترمذى (1036)، والنسائي في المجتبى 4/ 100 (1971).

(2)

أخرجه أبو داود (3215 و 3216 و 3217)، والترمذى (1713)، والنسائي في المجتبى 4/ 134 (2028) و 4/ 145 (2029) و 4/ 147 (2330) و (2034) و 4/ 148 (2035) و (2036) والكبرى (2148 و 2149) و (2153 - 2156)، والطبراني في الكبير =

ص: 12

وهشام هذا: هو هشام بن عامر بن أمية بن النجار بن مالك بن عامر بن غنم بن مالك بن النجار النجاري والد سعد بن هشام، له ولأبيه صحبة، قيل: كان اسمه في الجاهلية شهابًا فسماه النبي صلى الله عليه وسلم هشاما، واستشهد يوم أحد، وسكن البصرة، ومات بها، له في الكتب الستة هذا الحديث

(1)

.

وأما الأربعة أمر النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد أن يجمع الاثنان والثلاثة في قبر واحد، وفي رواية "في ثوب واحد" وكلاهما صحيح، لأنه ضاقت عليهم الثياب ففعلوا ذلك فيها، وفي القبر كما جاء مصرحا به، وذلك جائز للضرورة ككثرة القتلى والموتى بطاعون أو هدم أو غرق أو القحط أو الوباء، وبالناس ضعف بسبب القحط أو شغل الحرب وعز إفراد كلّ ميت بقبر أو لم يوجد إلا كفن واحد فلا يحرم على الأصح

(2)

، وأما عند عدم الضرورة فقال الرافعي: إنه لا يستحب

(3)

، وقال غيره: إنه ممنوع، وصرح في شرح المهذب: بتحريمه ولو بعد حين ما بقي من الأول شيء

(4)

، نعم إن نبش فرأى العظام

= (22/ 172 رقم 447). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في المشكاة (1703)، الإرواء (743).

(1)

أسد الغابة (5/ 377 ترجمة 5379)، وتهذيب الكمال (30/ 212 - 214 الترجمة 6580).

(2)

انظر العزيز شرح الوجيز (2/ 454)، وروضة الطالبين (2/ 138)، وكفاية النبيه (5/ 153)، وتحفة المحتاج (3/ 174).

(3)

العزيز شرح الوجيز (2/ 454).

(4)

المجموع (5/ 284).

ص: 13

جعلها ناحية، ويدفن معها، نص عليه الشافعي رحمه الله

(1)

، ولا فرق بين الرجلين والمرأتين والرجل والمرأة للضرورة، وقال ابن الصباغ: إذا كان بينهما زوجية أو محرمية فلا منع، ويجعل بين الرجال والنساء حاجز من تراب، وكذا بين الرجلين والمرأتين على الصحيح

(2)

.

قال النووي رحمه الله

(3)

: الذي تحرر أنها ثلاث مسائل، إحداها: ابتداء دفن الاثنين من نوع كرجلين أو امرأتين فيكره بلا ضرورة، الثانية: ابتداء دفن رجل وامرأة والذي يظهر فيها التحريم في غير المحارم، والسيد والزوج، الثالثة: نبش ميت ليدفن معه آخر، فهذا حرام ما لم يَبْل جميع الأول بقول أهل الخبرة، فإن حفره فوجد فيه العظام طمه ولم يتم حفره، فإن رآها بعد إتمام الحفر جعلها في جنب القبر ودفن الميت معها، انتهى.

فرع: لو اجتمع رجل وصبي وخنثى وامرأة قدم إلى القبلة الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة كما في الصلاة

(4)

.

فرع آخر: قال النووي

(5)

: وأما الفساقى في التي تعمل هذا الزمان لجمع الموتى، ففيه: إدخال ميت على ميت وهو حرام لما فيه من الهتك الول وظهور

(1)

المصدر السابق.

(2)

النجم الوهاج (3/ 82).

(3)

النجم الوهاج (3/ 81 - 82).

(4)

المجموع شرح المهذب (5/ 284).

(5)

النجم الوهاج (3/ 82).

ص: 14

رائحته، فيجب إنكار ذلك في الاكتفاء به في الدفن نظرٌ من وجهين، أحدهما: على هيئة الدفن المفهوم شرعًا، والثاني: أنها ليست معدة لكتم الرائحة، انتهى.

قوله: "من قتلى أحد" غزوة أحد كانت في السنة الثالثة من الهجرة، روى أنه صلى الله عليه وسلم غزا ستة وثلاثين غزوة، ثمانية عشر منها خرج بنفسه، وثمانية عشر بعص سرية ولم يخرج بنفسه، وروى في بعض الأخبار أنه غزى أربعين غزوة، وروى أكثر من ذلك، فمنها: غزوة أحد، وذلك أن قريشًا لما رجعوا من بدر جمعوا جمعًا كبيرًا في السنة الثانية وخرجوا إلى المدينة وكان القتال عند أحد وكانت الهزيمة على الكفار، وقتل من المسلمين يومئذ سبعون رجلًا وجرح كثير منهم وانهزم الباقون ثم صرف اللّه عنهم الكفار فرجعوا فذلك قوله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} وهو إلى قوله: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ}

(1)

أي: رجع الأمر عليكم، انتهى، قاله السمرقندي في كتابه بستان العارفين

(2)

. قال في شرح السنة

(3)

: السنة في الشهيد أن تنزع عنه الفراء والجلود والخفاف والأسلحة، ويدفن بما عليه من ثياب الحرب، وقال أبو حنيفة ومالك: لا ينزع شيء من الثياب التي قتل فيها فإن لم يكن له ثوب سابغ وجب تتميمه لقصة مصعب بن عمير، وسيأتي ذلك في الزهد في الدنيا، وإذا استشهد الجنب فالأصح أنه لا يغسل عن الجنابة، وكذلك منقطعة

(1)

سورة آل عمران، الآية:152.

(2)

بستان العارفين (1/ 422 - 423).

(3)

شرح السنة (5/ 366).

ص: 15

الحيض قبل الاغتسال لا تغسل أيضًا على الصحيح، وهذا الحديث صريح في الشهيد أنه لا يغسل ولا يصلى عليه، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد والجمهور، والأصح أنه حرام، وفرق أبو حنيفة بين الغسل والصلاة فأثبت الصلاة وأسقط الغسل، واستدل الجمهور بأن الشهيد حي بنص القرآن.

وقال الشافعي: جاءت الأحاديث من وجوه متواترة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل عليهم، ولم يصح حديث يخالف ذلك، وقال المزني: يصلى على الشهيد ولا يغسل كما قال أبو حنيفة لأنه روي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة وهو قول الثوري وأصحابه في الرأي وإسحاق، وقال الحسن وابن المسيب يغسل ويصلى عليه لأن كلّ ميت يجنب، وإنما لم يغسل شهداء أحد لكثرتهم والشغل عن ذلك، وقال الأولون: صلاته على حمزة دعاؤه لأن الصلاة في اللغة الدعاء.

تنبيه: الشهيد الذي تثبت له هذه الأحكام هو المقتول في قتال الكفار بسبب من أسبابه، والشهداء على ثلاثة أقسام: من قتل في معركة الكفار فهذا لا يغسل ولا يصلى عليه ويدفن في ثيابه التي قتل فيها، كما تقدم، الثاني: شهيد في الثواب دون أحكام الدنيا وهو المبطون والمطعون وصاحب الهدم ومن قتل دون ماله وغيرهم، فهذا يغسل ويصلى وله في الآخرة ثواب الشهداء، ولا يلزم أن يكون مثل ثواب الأول، والثالث: من غل في الغنيمة وشبهه بمن وردت الآثار بنفي تسميته شهيدًا، فهذا أيضًا لا يغسل ولا يصلى

ص: 16

عليه وليس له في الآخرة ثواب الشهداء

(1)

، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا في الجهاد.

قوله في الحديث: "ثم يقول: أيهما أكثر أخذا للقرآن فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد"، أما تقديم الأكثر قرآنا فلفضيلته، والتقديم في شيئين في اللحد قبل غيره وإلى جهة القبلة، قال العُلماء: يقدم الأسن الأقرأ إلى القبلة لهذا الحديث، وهذا إذا لم يكن أحدهما أب الآخر، كان كان الابن أفضل فإن كان قدم مطلقا، وكذا تقدم الأم على البنت والابن يقدم على الأم المذكورة، ويظهر أن الخنثى كذكر مع أنثى

(2)

.

فرع: لو اجتمع رجل وصبي وخنثى وامرأة، قدم إلى القبلة الرجل ثم الصبي ثم الخنثى ثم المرأة كما في الصلاة

(3)

.

وفي هذا الحديث فضيلة قراءة القرآن وعظيم ما أوتوه إذا كانوا عاملين به، وفيه: استخبار الحاكم عن الفضلاء ورفعهم إلى مراتبهم وقبول من يثق به في تعريف أحوالهم وإن من كان أقرأ كان أفضل لفضل علمه وعمله، وفيه: الحث على تعليمه وأن لا يغفلوه لإكرام اللّه أهله في الحياة والممات

(4)

.

(1)

انظر شرح السنة (5/ 366 - 367)، وروضة الطالبين (2/ 118 - 120)، والمجموع (5/ 267 - 260)، والنجم الوهاج (3/ 68 - 75).

(2)

كفاية النبيه (5/ 153).

(3)

المجموع (5/ 284)، وكفاية النبيه (5/ 153).

(4)

انظر شرح صحيح البخارى لابن بطال (3/ 334).

ص: 17

قوله: فإذا أشير إلى أحدهما قدمه في اللحد، أراد بالإشارة هنا العبارة فلا يجوز أن يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم قوما فيجيبونه بالإشارة دون العبارة، انتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: "أنا شهيد على هؤلاء" أي: بقتلهم في سبيل اللّه، أي: شهد لهم بأنهم بذلوا أرواحهم للّه تعالى ففيه رفعة شأنهم يأن يكون شاهدهم سيد الأولين والآخرين

(1)

، انتهى.

165 -

وَعَن أبي مُوسَى رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن من إجلال اللّه إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ وَلَا الجافي عَنهُ وإكرام ذِي السُّلْطَان المقسط. رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

قوله: عن أبي موسى الأشعري، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إِن من إجلال اللّه إكرام ذِي الشيبة الْمُسلم وحامل الْقُرْآن غير الغالي فِيهِ وَلَا الجافي عَنهُ" الحديث، إكرام ذي الشيبة هو: الشيخ المسلم وحامل القرآن.

قال ابن عبد البر

(3)

: حملة القرآن هم العالمون بأحكامه وحلاله وحرامه والعاملون بما فيه. قال الإمام أبو عبد اللّه القرطبي: ما أحسن هذا، وهذا هو الكمال

(4)

.

(1)

المفاتيح (2/ 439).

(2)

أخرجه أبو داود (4843). وحسنه الألباني في المشكاة (4972) وصحيح الترغيب (98).

(3)

التمهيد (17/ 430).

(4)

التذكار (ص 148).

ص: 18

قال الغزالي في الإحياء في أواخر الباب الأول من كتاب تلاوة القرآن

(1)

: عن الفضيل بن عياض: حامل القرآن حامل راية الإسلام لا ينبغي أن يلهو مع من يلهو أو لا يسهو مع من يسهو ولا يلغو مع من يلغو تعظيما لحق القرآن، انتهى.

قال أبو عمر: روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "القرآن أفضل من كلّ شيء، فمن وقر القرآن فقد وقر اللّه، ومن استخف بالقرآن فقد استخف بحق اللّه تعالى، حملة القرآن هم المحفوفون برحمة اللّه تعالى المعظمون كلام اللّه الملبسون نور اللّه فمن والاهم فقد والى اللّه ومن عاداهم فقد استخف بحق اللّه عز وجل"

(2)

، وعن عبد اللّه بن عمرو بن العاصي قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "أكرموا حملة القرآن فمن أكرمهم فقد أكرمني ومن أكرمني فقد أكرم اللّه عز وجل إن اللّه لينصت للقرآن ويستمع من أهله ألا ولا تنقصوا حملة القرآن حقوقهم فإنهم من اللّه بمكان، كاد حملة القرآن أن يكونوا أنبياء إلا أنه لا يوحى إليهم التالي والمستمع آية من كتاب اللّه عز وجل خير مما دون العرش إلى السماء السابعة السفلى التالي والسامع من كتاب اللّه خير من صبير ذهبا، قيل: يا رسول اللّه وما صبير؟ قال: يعني مثل أحد في الميزان"

(3)

،

(1)

إحياء علوم الدين (1/ 274).

(2)

أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (17/ 189). وفيه علي بن الحسن السامى: واهٍ جدًّا جدًّا متهم. وذكره السيوطى في الزيادات على الموضوعات (ص 103 - 104).

(3)

أخرجه الديلمى كما في الغرائب الملتقطة (100). وقال: إنه غريب جدًّا من رواية الأكابر عن الأصاغر وقال السخاوي في المقاصد الحسنة (ص 143): وفيه من لا يعرف وأحسبه غير صحيح. وقال الألباني في الضعيفة (2679): منكر.

ص: 19

خرجه الوائلي في كتاب الإبانة

(1)

، وقال: حديث غريب، قاله القرطبي في تذكاره

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "غير الغالي فيه" الغالي فيه: المتجاوز فيه عن الحد، وقيل: هو الذي يقول في القرآن برأى من عند نفسه، قال اللّه تعالى:{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}

(3)

أي: لا تتجاوزوا الحد في الدين الذي أنتم مطلوبون به

(4)

، فالغلو: التجاوز عن الحد والقرب، والغالي: المتجاوز في أمر الدين عامله وبين، ومنه الحديث، وحامل القرآن غير الغالي فيه إنما قال ذلك لأن من أخلاقه وآدابه التي أمر اللّه بها القصد في الأمور، وخير الأمور أوساطها وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وأصل الغلو: الارتفاع ومجاوزة القدر في كلّ شيء

(5)

، انتهى.

وقال ابن قيم الجوزية: الغلو مجاوزة الحد والغلو والتقصير كلّ واحد مذموم في الدين، فالغلو مجاوزته وتعديه وما أمر اللّه تعالى بأمر إلا وللشيطان

(1)

هو الإمام العالم الحافظ المجود شيخ السنة، أبو نصر؛ عبيد اللّه بن سعيد بن حاتم بن أحمد، الوائلي البكري السجستاني، شيخ الحرم، ومصنف الإبانة الكبرى في أن القرآن غير مخلوق، وهو مجلد كبير دال على سعة علم الرجل بفن الأثر. سير أعلام النبلاء (17/ 654).

(2)

التذكار (ص 148 - 149).

(3)

سورة النساء، الآية:171.

(4)

تفسير الثعالبى (2/ 331).

(5)

النهاية (3/ 382).

ص: 20

فيه نزعتان، فأما إلى غلو ومجاوزة، وأما إلى تفريط وتقصير وهما آفتان لا يخلص منهما في الاعتقاد، والقصد والعمل إلا من مشى خلف رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وترك أقوال الناس وآراءهم بما جاء به، وهذان المرضان الخطران قد استوليا على أكثر بني آدم

(1)

، انتهى.

قوله: "ولا الجافي عنه" الجافي: المتجانب عن العمل بأحكام القرآن والجفاء البعد عن الشيء يقال: جفاه إذا بعد عنه وأجفاه إذا أبعده، ومنه الحديث:"اقرءوا القرآن ولا تجفوا عنه" أي: تعاهده ولا تبتعدوا عن تلاوته، والجفاء أيضًا ترك الصلة والبر، قاله في النهاية

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإكرام ذي السلطان المقسط" أي: العادل.

لطيفة: قال ابن العماد في بعفر مؤلفاته: وإنما خصت هذه الثلاث المذكورة في الحديث لأنها راجعة إلى أوصاف الرب عز وجل، فذو الشيبة حصل له كبر السن، والباري سبحانه وتعالى له الكبرياء، وحامل القرآن كذلك لأن القرآن كلام اللّه وكلامه صفته فكأنه اتصف بشيء من صفات الرب عز وجل ولبس جها حلة الكرامة، فوجب أن يعامل بالإجلال والمهابة، وكذلك الإمام المقسط يعني السلطان العادل لما اتصف بالعدل الذي ضد الجور، والعدل من صفاته عز وجل وجب أن يعامل بالإجلال وبالسمع والطاعة والمبادرة إلى امتثال أمره ونهيه لأنه أمر بأمر اللّه تعالى.

(1)

الروح (ص 257).

(2)

النهاية (1/ 281).

ص: 21

قال اللّه تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ}

(1)

، قال العُلماء: المراد بأولي الأمر: من أوجب اللّه تعالى طاعته من الولاة والأمراء، هذا قول جماهير السلف والخلف من المفسرين والفقهاء وغيرهم، وقيل: هم العُلماء، وقيل: الأمراء والعلماء، وأما قول من قال: الصحابة خاصة فقد أخطأ

(2)

.

وهذه الآية فيها الحث على السمع والطاعة إذ بذلك تجتمع كلمة المسلمين، فإن الخلاف يسبب فساد أحوالهم في دينهم ودنياهم

(3)

، انتهى، واللّه أعلم.

166 -

وَعَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ الْبركَة مَعَ أكابركم. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(4)

.

قوله: عن ابن عباس، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "البركة مع أكابركم" وسيأتي أحاديث في الزهد، وفيها:"خيركم من طال عمره وحسن عمله".

(1)

سورة النساء، الآية:59.

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 223).

(3)

شرح النووي على مسلم (12/ 225).

(4)

أخرجه البزار (1957/ كشف الأستار)، وابن حبان (559)، والطبراني في الأوسط (9/ 13 رقم 8991)، والحاكم (1/ 62). وصححه الحاكم. وقال الهيثمي في المجمع 8/ 15: رواه البزار والطبراني في الأوسط إلا أنه قال: "البركة مع أكابركم". وصححه الألباني في "الصحيحة"(1778)، وصحيح الترغيب (99).

ص: 22

167 -

وَعنهُ عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ منا من لم يوقر الْكَبِير وَيرْحَم الصَّغِير وَيَأْمُر بِالْمَعْرُوفِ وينه عَن الْمُنكر. رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صحِيحه

(1)

.

قوله: وعنه أيضًا، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس منا من لم يوقر الكبير ويرحم الصغير" الحديث، وفي حديث آخر رواه الترمذي في أبواب البر قال أنس بن مالك: جاء شيخ يريد النبي صلى الله عليه وسلم، فأبطأ القوم عنه أن يوسعوا له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويوقر كبيرنا" وفي الترمذي أيضًا عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "ما أكرم شاب شيخا لسنه إلا قيض اللّه له من يكرمه عند سنه" وفي رواية "عند كبره" وهو حديث غريب

(2)

، قوله:"قيض اللّه له" معناه: سبب وقدر، ومنه قوله تعالى:{وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ}

(3)

أي: سببنا، يقال: هذا قيضٌ لهذا وقياس له، أي: مساوٍ له، قاله في النهاية

(4)

؛ وقوله: "ما أكرم شاب شيخًا" أطلق ولم يقيد بالإسلام ليكون عاما، وقوله "صغيرنا" لسوء أدبه.

قوله: "ويوقر كبيرنا" لشيبه وعجزه.

(1)

أخرجه أحمد 1/ 257 (2329)، والترمذى (1921)، وابن حبان (458) و (464)، والطبراني (11/ 72 رقم 11083). قال الترمذى: هذا حديث غريب. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (80) و (1367) والضعيفة (5033).

(2)

أخرجه الترمذى (2022). وضعفه الألباني في الضعيفة (304)، المشكاة (4971).

(3)

سورة فصلت، الآية:35.

(4)

النهاية (4/ 132).

ص: 23

وقوله: "فليس منا" الحديث، معناه عند أهل العلم: أنه ليس ممن اهتدى بهدينا واهتدى بعلمنا وعملنا وحسن طريقتنا أي لا أنه أخرجه بين المؤمنين كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله: لست مني، وهكذا القول في كلّ الأحاديث الواردة بنحو هذا القول، واللّه أعلم، انتهى، قاله النووي في شرح مسلم وغيره

(1)

.

168 -

وَعَنْ عَبْدِ اللّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما يبلغ بِهِ النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ منا من لم يرحم صَغِيرنَا وَيعرف حق كَبِيرنَا. رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(2)

.

169 -

وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ من أمتِي من لم يجل كَبِيرنَا وَيرْحَم صَغِيرنَا وَيعرف لعالمنا. رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم إِلَّا أَنه قَالَ: "لَيْسَ منا"

(3)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 109).

(2)

أخرجه أحمد 2/ 222 (7073)، والبخارى في الأدب المفرد (354)، وأبو داود (4943)، والحاكم (1/ 62). وصححه الحاكم. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (100).

(3)

أخرجه أحمد 5/ 323 (22755)، وابن أبي الدنيا في العيال (185)، والبزار (2718)، والطحاوي في مشكل الآثار (1328)، والطبراني في مكارم الأخلاق (147)، والحاكم 1/ 122. قال الهيثمي في المجمع 1/ 127 و 8/ 14: رواه أحمد والطبراني، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (101).

ص: 24

170 -

وَعَن وَاثِلَة بن الْأَسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ منا من لم يرحم صَغِيرنَا ويجل كَبِيرنَا". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة ابْن شهَاب عَن وَاثِلَة وَلم يسمع مِنْهُ

(1)

.

171 -

وَعَن عَمْرو بن شُعَيْب عَن جدّه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيْسَ منا من لم يرحم صَغِيرنَا وَيعرف شرف كَبِيرنَا. رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَأَبُو دَاوُد إِلَّا أَنه قَالَ وَيعرف حق كَبِيرنَا

(2)

.

172 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم تعلمُوا الْعلم وتعلموا للْعلم السكينَة وَالْوَقار وتواضعوا لمن تعلمُونَ مِنْهُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(3)

.

قوله: وروي عن أبي هريرة، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تعلموا العلم وتعلموا للعلم السكينة والوقار" الحديث تقدم الكلام على فضل العلم وتعلمه.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 95 رقم 229). قال الهيثمي في المجمع 8/ 14: رواه الطبراني، والزهري لم يسمع من واثلة. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (102).

(2)

أخرجه البخارى في الأدب المفرد (358) و (363)، وأبو داود (4943)، والترمذى (1920)، والطوسى في مختصر الأحكام (1520). وقال الطوسي: وهذا حديث حسن.

وصححه الألباني في صحيح الترغيب (100).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 200 رقم 6184)، وابن عدى في الكامل (5/ 542). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 129 - 130: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عباد بن كثير، وهو متروك الحديث. وضعفه الألباني جدًّا في الضعيفة (5160)، وضعيف الترغيب (81).

ص: 25

قوله: "وتعلموا للعلم السكينة والوقار" السكينة هي الوقار كما فسره أئمة اللغة لكن في بعض طرق الحديث في صحيح البخاري: "وعليكم بالسكينة والوقار" قال القاضي عياض في المشارق

(1)

: كرر فيه الوقار للتأكيد، وقال في الصحاح

(2)

: الوقار الحلم والرزانة، وقال النووي قدس اللّه روحه

(3)

: الظاهر أن بينهما فرقًا وأن السكينة التأني في الحركات واجتناب العبث ونحو ذلك، والوقار في الهيئة وغض البصر وخفض الصوت. والإقبال على طريقه من غير التفات ونحو ذلك، واللّه أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وتواضعوا لمن تعلمون منه" التواضع مطلوب من الطالب لشيخه، قال أبو الليث السمرقندي

(4)

: ينبغي للمتعلم أن يعظم أستاذه فإن بتعظيمه تظهر فيه بركة العلم، وإذا استخف يذهب عنه بركة العلم، ويقال: إنما ينتفع المتعلم بكلام العالم إذا كان في المتعلم ثلاث خصال: التواضع في نفسه والحرص على التعلم والتعظيم للعالم، فإن بتواضعه ينجع فيه العلم وبحرصه يستخرج العلم وبتعظيمه يستعطف العالم، فأول ما يحتاج إليه المتعلم أن يصحح نيته لينتفع بما يتعلم وينتفع به من يأخذ عنه، فإذا أراد به أن يصحح نيته يحتاج أن ينوي ثلاثة أشياء: أحدها: أن ينوي بتعلمه الخروج

(1)

مشارق الأنوار (2/ 216).

(2)

الصحاح (2/ 849).

(3)

شرح النووي على مسلم (5/ 100).

(4)

بستان العارفين (ص 313 - 315).

ص: 26

من الجهل، والثاني: أن ينوي به منفعة الخلق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير الناس من ينفع الناس"، والثالث: أن ينوي إحياء العلم لأن الناس لو تركوا العلم لذهب العلم كما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تعلموا العلم قبل أن يرفع ورفعه ذهاب العُلماء" وينبغي للمتعلم أن ينوي به وجه اللّه تعالى والدار الآخرة ولا ينوي به طلب الدنيا لأنه إذا طلب به وجه اللّه تعالى ينال الأمرين جميعا، وإذا لم يقدر على تصحيح النية فالمتعلم أفضل من تركه فإنه إذا تعلم العلم فإنه يرجى له أن يصحح النية، قال مجاهد: طلبنا العلم وما لنا فيه كبير نية تم رزقنا اللّه فيه النية، ولا ينبغي للمتعلم أن يدع شيئًا من الفرائض أو يؤخرها عن وقتها فتذهب بركة علمه، ولا ينبغي أن يؤذي أحدًا لأجل تعلمه فتذهب بركة علمه أيضًا، ولا ينبغي أن يكون بخيلا بعلمه إذا استعار منه إنسان كتابا أو استعان به لتفهيم مسألة أو نحوه ولا ينبغي أن يبخل به، فإنه يقصد بتعلمه منفعة الخلق وينبغي للمتعلم أن يوقر العلم أولا، ولا ينبغي أن يضع الكتاب على التراب، وينبغي للمتعلم أن يرضى بالدون من العيش من غير أن يترك حظ نفسه من الكل والشرب والنوم، وينبغي للمتعلم أن يقل معاشرة الناس والنساء ومخالطتهم ولا يشتغل بما لا يعنيه، ويقال بها المثل: من اشتغل بما لا يعنيه فاته ما يعنيه، وينبغي للمتعلم إذا وقع بينه وبين شخص منازعة أو خصومة أن يستعمل الرفق والإنصاف ليكون فرقا بينه وبني الجاهل لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما دخل الرفق في شيء إلا زانه، وما دخل الخرق في شيء إلا شانه" أي: عابه، انتهى، قاله بها بستان العارفين.

ص: 27

173 -

وَعَن سهل بن سعد السَّاعِدِيّ أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ لا يدركني زمَان أَو قَالَ لا تدركوا زَمَانا لا يتبع فِيهِ الْعَلِيم وَلَا يستحى فِيهِ من الْحَلِيم قُلُوبهم قُلُوب الأعَاجِم وألسنتهم أَلْسِنَة الْعَرَب. رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة

(1)

.

قوله: "عن سهل بن سعد الساعدي" [هو هو أبو العبَّاس، وقيل: أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي المدني، كان اسمه حزنًا، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم سهلا. شهد سهل قضاء رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في المتلاعنين.

قال الزهري: سمع من النبي صلى الله عليه وسلم، وكان له يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة. وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثمانين، وقيل: سنة إحدى وتسعين. قال ابن سعد: هو آخر من مات من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف. وقال غيره: بل فيه خلاف. روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثًا، اتفقا على ثمانية وعشرين، وانفرد البخاري بأحد عشر. روى عنه الزهري، وأبو حاتم، وغيرهما

(2)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يدركني زمان" أو قال: "لا تدركوا زمانًا لا يتبع فيه العليم" الحديث، المراد باتباع العليم: العالم بالأحكام الشرعية المبتغي فيها وجه اللّه.

(1)

أخرجه أحمد 5/ 340 (22879)، وابن عبد الحكم في فتوح مصر ص 275 - 276. قال الهيثمي في المجمع 1/ 183: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (1371)، وضعيف الترغيب (82).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 238 ترجمة 237).

ص: 28

قوله: رواه أحمد، وفي إسناده ابن لهيعة، اسمه: عبد اللّه بن لهيعة بفتح اللام وكسر الهاء، قال الأزهري في تهذيب اللغة: قال ابن الأعرابي: يقال: في فلان لهيعة: إذا كان فيه فترة وكسل، وقال بعضهم أيضًا: رجل فيه لهيعة ولهاعة: أي غفلة، وقيل: هي التواني في البيع والشراء حتى يغبن فيه، وقال صاحب المحكم: اللهع التفهق في الكلام، ولهيعة اسم منه، وقيل: مشتقة من الهلع مقلوبة منه، وعبد اللّه بن لهيعة هذا هو الإمام البارع أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن لهيعة بن عقبة بن فرعان بضم الفاء وإسكاء الراء وبالعين المهملة الحضرمي، ويقال الغافقي المصري، قاضي مصر، وقال روح بن صلاح: لقي ابن لهيعة اثنين وسبعين تابعيًا، روى عن عطاء وابن أبي مليكة والأعرج وعمرو بن شعيب، وروى عنه: يحيى بن بكير وقتيبة والمقبري، قال أبو داود: سمعتُ أحمد بن حنبل يقول: من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه، وقال النووي: هو الإمام البارع، قال سفيان الثوري: عند ابن لهيعة الأصول وعندنا الفروع، وقال: حججت لألقى ابن لهيعة، وقال ابن مهدي: حدّثني واللّه الصادق البار عبد اللّه بن لهيعة، وقال الفلاس: احترقت كتبه، فمن روى عنه قبل ذلك كابن المبارك والمنقري فهو أصح ممن كتب عنه بعد ذلك وكان احترق كتبه سنة سبعين ومائة، قال البيهقي: أجمع أصحاب الحديث على ضعفه وترك الاحتجاج بما انفرد به، وفصل ابن سعد بين أول أمره وآخره فحديث ابن المبارك وابن وهب والمقرئ عنه أحسن وأجود، وبعض الأئمة صحح رواية هؤلاء عنه، واحتج

ص: 29

بها، توفي ابن لهيعة بمصر سنة أربع وسبعين ومائة، وكان مولده سنة سبع وتسعين

(1)

، واللّه أعلم.

174 -

وَعَن أبي أمَامَة عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَةٌ لا يَسْتَخِفُّ بحَقِّهِمْ إِلَّا مُنَافِقٌ: ذُو الشَّيْبَةِ فِي الإِسْلَامِ، وَذُو الْعِلْمِ، وَإِمَامٌ مُقْسِطٌ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق عبيد اللّه بن زحر عَن عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم وَقد حسنها التِّرْمِذِيّ لغير هَذَا الْمَتْن

(2)

.

قوله: عن أبي أمامة، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا يستخف بهم إلا منافق، ذو الشيبة في الإسلام أي: المسلم، وذو العلم وإممام مقسط" الحديث، وذو العلم هو العالم بالأحكام الشرعية المبتغى بذلك وجه اللّه تعالي، والإمام المقسط هو السلطان العادل في أحكامه وأقواله وأفعاله بما يسوغ شرعا، وتقدم الكلام على الثلاثة في أحاديث الباب مبسوطًا في ذلك وحامل القرآن وفي هذا الحديث وذو العلم.

175 -

وَعَن عبد اللّه بن بسر رضي الله عنه: قَالَ لقد سَمِعت حَدِيثا مُنْذُ زمَان إِذا كنت فِي قوم عشْرين رجلًا أَو أقل أَو أَكثر فتصفحت وُجُوههم فَلم ترَ فيهم

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 383 - 384 الترجمة 328).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 202 رقم 7619)، والبيهقي في المدخل (667). قال البيهقى: خالد بن يزيد هذا هو ابن عبد الرحمن بن مالك الشامي ليس بالقوي. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 127: رواه الطبراني في الكبير من رواية عبيد اللّه بن زحر عن علي بن يزيد، وكلاهما ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (83).

ص: 30

رجلًا يهاب فِي اللّه عز وجل فَاعْلَم أَن الأمر قد رق. رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَإِسْنَاده حسن

(1)

.

176 -

وَرُوِيَ عَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ أَنه سمع النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَقُول لا أَخَاف على أمتِي إِلَّا ثَلَاث خلال أَن يكثر لَهُم من الدُّنْيَا فيتحاسدوا [فيقتتلوا] وَأَن يفتح لَهُم الْكتاب يَأْخُذهُ الْمُؤمن يَبْتَغِي تَأْوِيله {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [آل عمران: 7] وَأَن يرَوا ذَا علم فيضيعوه وَلا يبالوا عَلَيْهِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(2)

.

قوله: عن أبي مالك الأشعري، أبو مالك الأشعري، اسمه:(كعب بن عاصم الأشعري كنيته أبو مالك، وقيل: اسم أبي مالك عمرو)

(3)

.

(1)

أخرجه أحمد 4/ 188 (17679)، والطبراني في الشاميين (1008 و 1009)، وابن بشران (602)، والبيهقي في الشعب (11/ 355 - 356 رقم 8657). قال الهيثمي في المجمع 1/ 183: رواه أحمد، والطبراني في الكبير بنحوه، وإسناده حسن، ورجاله موثقون، وأزهر بن عبد اللّه قال فيه البخاري: إنه أزهر بن سعيد. قال فيه الذهبي: تابعي حسن الحديث.

وقال في 7/ 276: رواه أحمد والطبراني، وإسناد أحمد جيد. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (104).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 293 رقم 2936) والشاميين (1665). قال الهيثمي في المجمع 1/ 128: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن إسماعيل بن عيَّاش عن أبيه، ولم يسمع من أبيه. وضعفه الألباني في الضعيفة (5657)، وضعيف الترغيب (84) و (1725).

(3)

الاستيعاب (3/ الترجمة 2196)، وأسد الغابة (6/ الترجمة 6218).

ص: 31

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا أخاف على أمتي إلا ثلاث خلال" أي: خصال.

قوله: "أن يكثر لهم من الدنيا فيتحاسدوا" الحسد معروف، وتقدم الكلام عليه، وسيأتي الكلام عليه مبسوطًا في بابه.

قوله: "وأن يفتح لهم الكتاب يأخذه المؤمن يبتغي تأويله وما يعلم تأويله إلا اللّه والراسخون" الآية، المراد بالكتاب القرآن، وسيأتي الكلام على ذلك، ومذاهب العُلماء واختلافهم في باب الطيرة، أو قبله.

قوله: "وإن يروا ذا علم فيضيعونه ولا يبالون عليه" ذا علم بمعنى: صاحب علم، المراد بتضييعه عدم الاهتمام به وبعلومه، وكذلك عدم الاهتمام بالدين، وذلك من علامات الساعة، واللّه أعلم.

ص: 32