الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه، ولقول ما لا يفعله
206 -
عَن زيد بن أَرقم رضي الله عنه أَنا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول: "اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَمن قلب لَا يخشع وَمن نفس لَا تشبع وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لَهَا". رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَهُوَ قِطْعَة من حَدِيث
(1)
.
قوله: عن زيد بن أرقم، هو: أبو عمر، وقيل: أبو عامر، وقيل: أبو سعيد، وقيل: أبو حمزة، وقيل: أبو أنيسة زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك الأنصاري الخزرجي المدني، غزا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة، استصغره رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وكان يتيمًا في حجر عبد اللّه بن رواحة وسار معه في غزوة مؤتة، روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم سبعون حديثًا، اتفقا على أربعة وللبخاري حديثان ولمسلم ستة، نزل الكوفة، وتوفي بها سنة ست وخمسين، وقال محمد بن سعد وآخرون سنة ثمان وستين، ومناقبه كثيرة مشهورة
(2)
.
(1)
أخرجه مسلم (73 - 2722)، والنسائي في الكبرى (7815 و 7816) و (7843) والمجتبى 8/ 346 (5502) و 8/ 391 (5582). وأخرجه الترمذي (3482) والنسائي في الكبرى (7825) والمجتبى 8/ 335 (5486) عن عبد اللّه بن عمرو بن العاص. وصححهما الألباني في صحيح الترغيب (123) و (826) وصحيح الجامع (1286) و (1297).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 199 الترجمة 184).
قوله: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع" الحديث، وفي الحديث أيضًا عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"سلوا اللّه علما نافعا وتعوذوا باللّه من علم لا ينفع"
(1)
ذكره أبو عمر.
قال الغزالي في الإحياء
(2)
: ولا ينكر كون العلم ضارا لبعض الناس كما يضر لحم الطير وأنواع الحلاوة اللطيفة بالطفل الرضيع، بل رب شخص ينفعه الجهل في بعض الأمور، فقد حكي أن بعض الناس شكى إلى طبيب عقم زوجته وأنها لا تلد، فجس الطبيب نبضها، وقال: لا حاجة بك إلى دواء الولادة فإنك ستموتين بعد أربعين يومًا، وقد دل النبض على ذلك، فاستشعرت المرأة خوفًا عظيمًا وتنغص عليها عيشها وأخرجت أموالها وأوصت وبقيت لا تأكل ولا تشرب حتى انقضت المدة فلم تمت فجاء زوجها إلى الطبيب فقال: لم تمت، فقال الطبيب: قد علمت ذلك فجامعها الآن فإنها تلد، فقال: كيف ذاك، قال: رأيتها سمينة وقد انعقد الشحم على فرجها وعلمت أنها لا تهزل إلا بخوف الموت فخوفتها بذلك حتى هزلت وزال المانع من الولادة، قال: فلهذا تعوذ النبي صلى الله عليه وسلم من علم لا ينفع، فاعتبر بهذه الحكاية، ولا تكن باحثًا عن علوم ذمها الشرع وزجر عنها، انتهى، قاله في الديباجة.
(1)
أخرجه ابن ماجة (3843)، وأبو يعلى (1927) و (1980) و (2196). وحسنه الألباني في الصحيحة (1511).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 30 - 31).
قوله: "ومن قلب لا يخشع" الخشوع: الخضوع.
قوله: "ومن نفس لا تشبع" استعاذة من الحرص والطمع والشره، وتعلق النفس بالآمال البعيدة، ويحتمل وجهين، أحدهما: أنها لا تقنع بما آتاها اللّه تعالى ولا يفتر عن الجمع لشدة ما فيها من الحرص الإنساني أن يراد به كثرة الأكل
(1)
.
قوله: "ومن دعاء لا يستجاب" أي: لا يستجاب ولا يعتد به فكأنه غير مسموع، وقال الخطابي
(2)
: الدعاء الذي لا يسمع معناه: لا يجاب، ومن هذا قول المصلي: سمع اللّه لمن حمده، يريد استجاب اللّه دعاء من حمده، قال الشاعر:
دَعَوْتُ اللّهَ حَتى خِفْتُ أَنْ لا
…
يَكْونَ اللّهُ يَسْمَعُ مَا أَقُولُ
وقال القرطبي
(3)
: العلم الذي لا ينفع هو الذي لا يعمل به كما قال عليه الصلاة والسلام: "العلم الذي لا يعمل به كالكنز الذي لا ينفق منه وأتعب صاحبه نفسه في جمعه ثم لم يصل إلى نفعه"
(4)
انتهى، وفي رواية البيهقي:"اللهم إني أعوذ بك من شر هذه الأربع"، وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول:
(1)
الميسر (2/ 578).
(2)
معالم السنن (1/ 296).
(3)
المفهم (22/ 100).
(4)
أخرجه الذهبي في ميزان الاعتدال (2/ 50)، وابن خير في فهرسته (ص 9) من طريق الطبراني قال: حدّثنا أبو مسلم إبراهيم بن عبد اللّه بن مسلم الكجي ويقال الكشي قال حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد النبيل عن محمد بن عجلان عن المقبري عن أبي هريرة. قال الذهبى: هذا يتهم به زيد، وقال: رفاعة الهاشمي، هو زيد بن عَبد اللّه بن مسعود الأديب، كذاب أشر، ركب أسانيد لأربعين حديثًا فسرقها منه ابن ودعان وادعاها.
"اللهم انفعني بما علمتني وعلمني ما ينفعني وزدني علما" والحمد للّه على كلّ حال [حديث زيد بن أرقم هذا أو غيره من الأدعية المسجوعة، دليل لما قاله العُلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو المكلف، فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص ويلهي عن الضراعة والافتقار وفراغ القلب، فأما ما يحصل بلا كلفة ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظا فلا بأس به بل هو حسن، واللّه أعلم
(1)
].
207 -
وَعَن أُسَامَة بن زيد رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول يجاء بِالرجلِ يَوْم الْقِيَامَة فَيلقى فِي النَّار فتندلق أقتابه فيدورها كَمَا يَدُور الْحمار برحاه فتجتمع أهل النَّار عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ يَا فلَان مَا شَأْنك أَلَسْت كنت تَأمر بِالْمَعْرُوفِ وتنهى عَن الْمُنكر فَيَقُول كنت آمركُم بِالْمَعْرُوفِ وَلا آتيه وأنهاكم عَن الشَّرّ وآتيه، قَالَ: وَإِنِّي سمعته يَقُول يَعْنِي النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَرَرْت لَيْلَة أسرِي بِي بِأَقْوَام تقْرض شفاههم بمقاريض من نَار قلت من هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ خطباء أمتك الَّذين يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ"، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ
(2)
وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أنس وَزَاد ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ فِي رِوَايَة لَهما ويقرؤون كتاب اللّه وَلَا يعْملُونَ بِهِ
(3)
.
(1)
شرح النووي على مسلم (17/ 41)، وكشف المناهج (2/ 335).
(2)
أخرجه البخارى (3267) و (7098)، ومسلم (51 - 2989).
(3)
أخرجه ابن أبي الدنيا في الصمت (509) و (570) وذم الكذب (45) و (108)، وابن حبان (53)، والبيهقى في الكبرى (3/ 270 - 271 رقم 1637) و (7/ 38 رقم 4611) و (7/ 39 رقم 4614). وصححه الألباني في الصحيحة (291) وصحيح الترغيب (125) و (2327).
قَالَ الْحَافِظ: وَسَيَأْتِي أَحَادِيت نَحوه فِي بَاب من أَمر بِمَعْرُوف أَو نهى عَن مُنكر وَخَالف قَوْله فعله.
قوله: عن أسامة بن زيد، هو مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وابن مولاه وابن مولاته وحِبّه، كنيته: أبو محمد، وقيل: أبو زيد، وقيل: أبو يزيد، وقيل: أبو خارجة أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل بن كعب بن عبد العزى الكلبي الهاشمي، وأمه: أم أيمن (بَرَكَةُ)، وفي صحيح البخاري عن أسامة رضي الله عنه: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم كان يأخذه والحسن بن علي فيقول: "اللهم أحبهما فإني أحبهما" ويقال في رواية له أيضًا قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقعدني على فخذه ويقعد الحسن على فخذه الآخرى ثم يضمهما ثم يقول: "اللهم إني أرحمهما فارحمهما"، وفي الترمذي عن عائشة رضي الله عنها قالت: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينحي كخاط أسامة، فقلت: دعني أفعل، فقال: يا عائشة أحبيه فإني أحبه، قال الترمذي: هذا حديث حسن، وولاه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إمراة الجيش وفيهم عمر بن الخطاب، وعقد له اللواء، وتوفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وله عشرون سنة، وقيل: تسع عشرة سنة، وقيل: ثماني عشرة سنة، وثبت في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل علي قائف [القائف في اللغة: متبع الآثار، والجمع: قافة كبائع وباعة] والنبي صلى الله عليه وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد مضطجعان فقال: إن هذه الأقدام بعضها من بعض، فسر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فأعجبه، قال العُلماء رضي الله عنهم: سبب سروره صلى الله عليه وسلم أن أسامة كان لونه أسود وكان طويلا خرج إلى أمه، وكان أبوه زيد قصيرًا أبيض، وقيل بين البياض والسواد، وكان بعض
المنافقين قصد المغايظة والإيذاء فدفع اللّه ذلك، وله الحمد والمنة
(1)
.
فائدة: في ذكر موالي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم منهم: زيد بن حارثة وثوبان بن يجدد وأبو كبشة واسمه سليم، ورويفع وأبو بكر وهرمز وآنسة ورباح وأبو رافع ورافع ومدعم الأسود وهو الذي قتل بوادي القرى وكركرة الذي كان على ثقل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وسفينة وسلمان الفارسي وأيمن وهم كثيرون. واعلم أن هؤلاء الموالي لم يكونوا موجودين في وقت واحد للنبي صلى الله عليه وسلم.
بل كان بعض منهم في وقت، قال عبد اللّه بن المبارك وغيره: إذا أقام إنسان في بلد أربع سنين نسب إليه، وينسبون إلى القبيلة مولاهم، وتقدم شيء من ذلك مبسوطًا
(2)
.
قوله: "يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه" الحديث، الإندلاق: خروج الشيء من مكانه بسرعة، يريد: خروج أمعائه من جوفه، ومنه اندلق السيف من جفنه إذا شقه وخرج منه، قاله في النهاية
(3)
، والأقتاب: الأمعاء واحدتها عند الكسائي قتبة بالكسر وهي مؤنثة، وعند الأصمعي قتبة، وتصغيرها قتيبة، وبها سمى الرجل قتيبة قاله أبو عبيد
(4)
، وروي:"فتنفلق" بدل "فتندلق".
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 113 - 115 الترجمة 49).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 14 و 28).
(3)
النهاية (2/ 130).
(4)
غريب الحديث (2/ 31).
قوله: وزاد ابن أبي الدنيا والبيهقي في رواية لهما: "ويقرؤون كتاب اللّه ولا يعملون به" وذكر أبو عمر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إن في جهنم أرجاء تدور بعلماء السوء فيشرف عليهم بعض من كان يعرفهم فيقول: ما صيركم إلى هذا، وإنما كنا نتعلم منكم، قالوا: إنا كنا نأمركم بالأمر ونخالفكم إلى غيره
(1)
، وروى عن أبي أمامة رضي الله عنه قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إن الذين يأمرون الناس بالصبر وينسون أنفسهم يجرون قصبهم في نار جهنم فيقال لهم: من أين أنتم؟ فيقولون: نحن الذين كنا نأمر الناس بالخير وننسى أنفسنا"
(2)
، القصب: بضم القاف الأمعاء، وجمعه: أقصاب وهي المصارين
(3)
، وقد وصف كعب الأخبار علماء السوء فقال: يكون في آخر الزمان علماء يزهدون الناس في الدنيا ولا يزهدون ويخوفون ولا يخافون وينهون عن غشيان الولاة ويأتون، يؤثرون الدنيا على الآخرة، يقربون الأغنياء دون الفقراء يتغايرون على العلم كما يتغاير النساء على الرجال، يغضب أحدهم على جليسه إذا جالس غيره أولئك الجبارون أعداء الرحمن؛ وقال ابن مسعود رضي الله عنه: سيأتي على الناس زمان ملح فيه عذوبة القلوب فلا ينتفع يومئذ بالعلم عالمه ولا متعلمه فتكون قلوب علمائهم مثل الصباح ذوات الملح ينزل عليها قطر السماء فلا يوجد لها عذوبة، وذلك إذا مالت قلوبهم إلى حب الدنيا وإيثارها على الآخرة فعند
(1)
التذكرة (ص 877). والخبر أخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم (1177).
(2)
أخرجه ابن بهلول في أماليه (11).
(3)
النهاية (4/ 67 و 344).
ذلك يسلبها اللّه عز وجل ينابيع الحكمة وتطفئ مصابيح الهدى من قلوبهم، فما أخصب الألسن يومئذ وما أجدب القلوب
(1)
.
قال الغزالي في الباب السادس من آفات العلم
(2)
: العُلماء السوء علماء الدنيا الذين قصدهم من العلم التنعم بالدنيا والتوصل إلى الجاه والمنزلة عند أهلها " وقال مالك بن دينار: قرأت في بعض الكتب أن اللّه تعالى يقول: "إن أهون ما أصنع بالعالم إذا أحب الدنيا أن أخرج حلاوة مناجاتي من قلبه" يا معشر القراء يا ملح البلد من يصلح الملح إذا الملح فسد؟ وقال عبد اللّه بن وهب: بلغني أن القضاة يحشرون مع السلاطين وأن العُلماء يحشرون مع الأنبياء، قال الغزالي: ومعنى القضاة كلّ فقيه طلب الدنيا بعلمه، وروى الدارمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خيار الناس خيار العُلماء وشرار الناس شرار العُلماء".
قوله: وإني سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "مررت ليلة أسري بي بأقوام تقرض شفاههم بمقاريض من نار" الحديث، اختلف الناس في تاريخ الإسراء، فقال ابن الأثير
(3)
: الصحيح عندي أنه كان ليلة الاثنين ليلة سبع وعشرين من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة، وبهذا جزم شيخ الإسلام النووي في شرح مسلم
(4)
وجزم في فتاويه
(5)
في كتاب الصلاة بأنه
(1)
إحياء علوم الدين (1/ 64).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 58 - 63).
(3)
الكامل (1/ 51).
(4)
شرح صحيح مسلم (2/ 568).
(5)
فتاوى الإمام النووي (ص: 35).
كان في شهر ربيع الأول، وفي سير الروضة
(1)
أنه كان في شهر رجب، وإنما كان ليلا لتظهر الخصوصية بين جليس الملك ليلا وجليسه نهارًا، قال أهل التاريخ: ولد النبي صلى الله عليه وسلم عام الفيل وأقام في بني سعد خمس سنين ثم توفيت أمه بالأبواء وهو ابن ست وكفله جدّه عبد المطلب ثم توفي وهو ابن ثمان سنين فكفله عمه أبو طالب وخرج معه إلى الشام وهو ابن اثنتي عشرة سنة ثم خرج في تجارة لخديجة وهو ابن خمس وعشرين سنة وتزوجها في تلك السنة، وبنت قريش الكعبة ورضيت بحكمه فيها وهو ابن خمس وثلاثين سنة، وبعث وهو ابن أربعين سنة وتوفي أبو طالب وهو ابن تسع وأربعين سنة وثمانية أشهر وأحد عشر يومًا وتوفيت خديجة بعد أبي طالب بثلاثة أيام ثم خرج إلى الطائف ومعه زيد بن حارثة بعد ثلاثة أشهر من موت خديجة فأقام بها شهرا ثم رجع إلى مكة في جوار المطعم بن عدي، فلما أتت له خمسون قدم جن نصيبين فأسلموا، فلما أتت له إحدى وخمسون سنة وتسعة أشهر أسري به صلى الله عليه وسلم، وعاش ثلاثًا وستين سنة ونحر في حجة الوداع ثلاثًا وستين بدنة بيده، وأعتق ثلاثًا وستين رقبة صلى الله عليه وسلم، قاله في حياة الحيوان
(2)
.
208 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "الزَّبَانِيَة أسْرع إِلَى فسقة الْقُرَّاء مِنْهُم إِلَى عَبدة الأوْثَان فَيَقُولُونَ: يبْدَأ بِنَا قبل عَبدة الأَوْثَان فَيُقَال لَهُم لَيْسَ من يعلم كمن لَا يعلم" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَقَالَ: غَرِيب
(1)
روضة الطالبين (10/ 256)، كتاب السير.
(2)
حياة الحيوان (1/ 171 - 172).
من حَدِيث أبي طوالة تفرد بِهِ الْعمريّ عَنهُ يَعْنِي عبد اللّه بن عبد الْعَزِيز الزَّاهِد
(1)
.
قَالَ الْحَافِظ رحمه الله: وَلِهَذَا الحَدِيث مَعَ غرابته شَوَاهِد وَهُوَ حَدِيث أبي هُرَيْرَة الصَّحِيح إِن أول من يَدْعُو اللّه يَوْم الْقِيَامَة رجل جمع الْقُرْآن ليقال قارئ وَفِي آخِره أُولَئِكَ الثَّلَاثَة أول خلق اللّه تسعر بهم النَّار يَوْم الْقِيَامَة وَتقدم لفظ الحَدِيث بِتَمَامِهِ فِي الرِّيَاء.
قوله: عن أنس، تقدم الكلام على ترجمته.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الزبانية أسرع إلى فسقة القراء منهم إلى عبدة الوثان" الحديث، الزبانية عند العرب: الشرط، وسمى بذلك بعض الملائكة لدفعهم أهل النار إليها وهو مشتق من الزبن وهو الدفع، وقيل: مفرده زباني وزابن أو زبنيت مثل عفريت، والعرب لا تكاد تعربه وتجعله من الجمع الذي لا واحد له مثل أبابيل، وقيل: واحدة زبنى كأنه نسبة إلى الزبن ثم غير للنسبة كقولهم: أمسى بكسر الهمزة، قاله الكرماني
(2)
.
قوله: "إلى عبدة الأوثان" جمع وثن، وتقدم تفسيره في الرياء.
(1)
أخرجه ابن مردويه في ما انتقاه على الطبراني (157)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 286)، وابن الجوزى في الموضوعات (1/ 266 - 267). قال ابن الجوزى: وقد رواه جابر بن مرزوق الجدي عن العمري، وهو حديث لا يصح عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وجابر بن مرزوق ليس بشيء، ولعل عبد الملك الجدي أخذه منه، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بجابر بن مرزوق فإنه روى هذا الحديث وهو خبر باطل، ما قاله رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ولا رواه أنس. قال الألباني في ضعيف الترغيب (99): منكر.
(2)
الكواكب الدرارى (14/ 70).
قوله: فقال لهم: "ليس من يعلم كمن لا يعلم" الحديث، قال أبو الدرداء رضي الله عنه: ويل لمن لا يعلم ولا يعمل، وويل لمن يعلم ولا يعمل سبع مرات، وقال أبو الدرداء أيضًا: إن أخوف ما أخاف أن يقال لي: قد علمت فماذا عملت فيما عملت؟ ويكفي في ذلك العالم إذا لم يعمل قول اللّه تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا}
(1)
يثقله حملها ولا ينفعه علمها، فكل من علم ثم لم يعمل بعلمه فهذا مثله
(2)
، انتهى.
وقال بكر بن حبيش: إن في جهنم لواديًا تتعوذ جهنم من ذلك الوادي كلّ يوم سبع مرات وإن في الجب لحية يتعوذ الجب والوادي وجهنم من تلك الحية كلّ يوم سبع مرات يبدأ بفسقة حملة القرآن، فيقولون: أي رب بدئ بنا قبل عبدة الأوثان، فقيل لهم: ليس من يعلم كمن لا يعلم لأن عذاب من يعلم أكبر من عذاب من لا يعلم، إذ زيادة العلم تقوي الحجة، قال اللّه تعالى:{أفمن يعلم كمن لا يعلم} [*]، وقال في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم:{مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ}
(3)
انتهى، قاله ابن الجوزي في تلبيس إبليس
(4)
.
(1)
سورة الجمعة، الآية:5.
(2)
حياة الحيوان (1/ 357).
(3)
سورة الأحزاب، الآية:30.
(4)
تلبيس إبليس (ص 102 - 103).
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: كذا بالمطبوع!!
قوله: رواه أبو نعيم وقال: غريب من حديث أبي طوالة، تفرد به العمري، يعني: عبد اللّه بن عبد العزيز الزاهد، انتهى. أبو طوالة: بضم الطاء المدني عبد اللّه بن عبد الرحمن بن معمر، ولاه عمر بن عبد العزيز قضاء المدينة، فلم يزل بها حتى مات عمر، ثقة كثير الحديث، توفي في آخر سلطان بني أمية، روى له الجماعة وهو مدني ثقة كان يسرد الصوم ويحدّث حديثًا حسنًا
(1)
.
209 -
وَرُوِيَ عَن صُهَيْب قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مَا آن بِالْقُرْآنِ من اسْتحلَّ مَحَارمه". رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب لَيْسَ إِسْنَاده بِالْقَوِيّ
(2)
.
قوله: عن صهيب، كنيته: أبو يحيى صهيب بن سنان بن خالد، وله أخ يقال له مالك بن سنان، وأمه اسمها: ليلى وهي من بني عمرو بن تميم، وكان صهيب يعرف بالرومي وليس منهم بل هو من النمر بن قاسط، وإنما أصابه سبي أخذته الروم بنينوى من أرض الموصل وهو صغير فتكلم بلسانهم وكانت فيه لكنة، فابتاعته كلبٌ فقدمت به إلى مكة فاشتراه عبد اللّه بن جدعان فأعتقه، وقيل: بل هرب من الروم بمال كثير فتحالف ابن جدعان
(1)
تهذيب الكمال (15/ 217 - 220 الترجمة 3385).
(2)
أخرجه الترمذي (2918)، والبزار (2084). قال الترمذي: هذا حديث ليس إسناده بالقوي. وقال أبو حاتم في العلل (1647): هذه كلها منكرة، ليست فيها حديث يمكن أن يقال إنه صحيح، وكأنه شبه الموضوع، وحديث ابنه أنكرها، ومحل يزيد محل الصدق، والغالب عليه الغفلة، فيحتمل أن يكون سمع من أبي المبارك هذا، وهو شبه مجهول، ومحمد بن يزيد أشد غفلة من أبيه، مع أنه كان رجلًا صالحا لم يكن من أحلاس الحديث. وضعفه الألباني في المشكاة (2203/ التحقيق الثاني)، وضعيف الترغيب (100).
وأقام معه إلى أن هلك، وقال الواقدي: أسلم هو وعمار بن ياسر في يوم واحد بعد بضعة وثلاثين رجلًا، ولما هاجر رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صهيب، فقالت له قريش: لا تفجعنا في نفسك ومالك فرد إليهم ماله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:"ربح البيع" فنزل فيه قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ}
(1)
روى عنه أنه قال: صحبت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قبل أن يوحى إليه.
وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "صهيب سابق الروم وسلمان سابق فارس وبلال سابق الحبشة" وروى عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فليحب صهيبا حب الوالدة ولدها" توفي رضي الله عنه: بالمدينة سنة ثمان وثلاثين من الهجرة، وقيل: سنة تسع وثلَاثين وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، وقيل: ابن سبعين، ودفن بالبقيع
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما آمن بالقرآن من استحل محارمه" الحديث، هذا محمول على ظاهره فإن من استحل ما حرمه اللّه فقد كذب به فهو كافر اتفاقًا، وأما من فعل ما حرمه القرآن من غير استحلال فهذا مذنب وليس بكافر عند العُلماء كافة إلا ما ذهب إليه الخوارج من تكفير أهل المعاصي، انتهى، قاله في التنقيح
(3)
.
(1)
سورة البقرة، الآية:207.
(2)
الاستيعاب (2/ الترجمة 1226)، وأسد الغابة (3/ الترجمة 2538)، وتهذيب الكمال (13/ الترجمة 2904).
(3)
كشف المناهج (2/ 244).
210 -
وَعَن أبي بَرزَة الْأَسْلَمِيّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: لا تَزُول قدما عبد حَتَّى يسْأَل عَن عمره فيمَ أفناه وَعَن علمه فيمَ فعل فِيهِ وَعَن مَاله من أَيْن اكْتَسبهُ وفيم أنفقهُ وَعَن جِسْمه فيمَ أبلاه رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره من حَدِيث معَاذ بن جبل عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا تزَال قدما عبد يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يسْأَل عَن أَربع عَن عمره فيمَ أفناه وَعَن شبابه فيمَ أبلاه وَعَن مَاله من أَيْن اكتَسبهُ وفيم أنفقهُ وَعَن علمه مَاذَا عمل فِيهِ
(1)
.
قوله: عن أبي برزة، أبو برزة اسمه: (نضلة، بنون ثم ضاد معجمة، ابن عبيد، هذا هو الصحيح المشهور في اسمه، ويقال: نضلة بن عمرو، ويقال: نضلة بن عبد اللّه. قال الحاكم أبو عبد اللّه في تاريخ نيسابور، وقيل: اسمه عبد اللّه بن نضلة، وقيل: نضلة بن نيار، قال: وقيل: كان اسمه نضلة بن نيار، فسماه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم عبد اللّه، وقال: نيار شيطان، وأبو برزة هذا أسلمى من ولد أسلم بن أفصى بن حارثة، أسلم أبو برزة قديمًا، وشهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فتح مكة. روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ستة وأربعون حديثًا، اتفق البخاري
(1)
أخرجه الدارمى (554)، والترمذى (2417)، وأبو يعلى (7434)، والبيهقى في المدخل (494) عن أبي برزة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، وسعيد بن عبد اللّه بن جريج هو بصري، وهو مولى أبي برزة، وأبو برزة اسمه: نضلة بن عبيد. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (126) و (3592)، والصحيحة (946)، والروض النضير (648).
وأخرجه الدارمى (556)، والبزار (2640)، والبيهقى في المدخل (493) والشعب (3/ 278 - 280 رقم 1648) عن معاذ بن جبل. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (127) وصححه برقم (3593).
ومسلم على حديثين، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بأربعة. روى عنه سيار بن سلامة، وأبو عثمان النهدي، والأزرق بن قيس، وغيرهم، نزل البصرة، وولد بها، ثم غزا خراسان، وقيل: إنه رجع إلى البصرة فتوفي بها، وقيل: توفي بخراسان في خلافة معاوية أو يزيد، وقيل: توفي سنة ثنتين، وقيل: سنة أربع وستين. قال الحاكم أبو عبد اللّه في تاريخ نيسابور: قيل: بخراسان، وقيل: بنيسابور، وقيل: بمفازة بين سجستان وهراة، وقيل: بالبصرة، رضي الله عنه
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَزُول قدما عبد حَتَّى يسْأَل عَن عمره فيمَ أفناه وَعَن علمه فيمَ فعل فِيهِ وَعَن مَاله من أَيْن اكْتَسبهُ وفيم أنفقهُ وَعَن جِسْمه فيمَ أبلاه"، وفي رواية البيهقي من حديث معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"ما تزول قدمًا عبد حتى يسأل عن أربع" الحديث، هذا مقام مخوف لأنه لم يقل وعن علمه ما قال فيه، وإنما قال عمل فيه، فلينظر العبد لنفسه ما عمل فيما علم، هل صدق اللّه في ذلك وأخلصه حتى يدخل تحت قوله وفيمن أثنى عليه بقوله:{أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا}
(2)
أو خالف علمه بفعله فيدخل في قوله تعالى: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ}
(3)
، وقوله تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}
(4)
الآية، والأخبار بهذا المعنى كثيرة جدًّا، ذكره القرطبي في التذكرة
(5)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 179 - 180 الترجمة 725).
(2)
سورة البقرة، الآية:177.
(3)
سورة الصف، الآية:2.
(4)
سورة البقرة، الآية:44.
(5)
التذكرة (ص 632).
تنبيه: قوله: "فيم أفناه" هذه (ما) الاستفهامية دخل عليها حرف الجر فسقطت ألفها، وقال الكرماني: أصله (فيما) فحذفت الألف
(1)
.
211 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لا يَزُول قدما ابْن آدم يَوْم الْقِيَامَة حَتَّى يسْأَل عَن خمس عَن عمره فيمَ أفناه وَعَن شبابه فيمَ أبلاه وَعَن مَاله من أَيْن اكْتَسبهُ وفيم أنفقهُ وَمَا عمل فِيمَا علم رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضًا وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه من حَدِيث ابْن مَسْعُود عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم إِلَّا من حَدِيث حُسَيْن بن قيس قَالَ الْحَافِظ حُسَيْن هَذَا هُوَ حَنش وَقد وَثَّقَهُ حُصَيْن بن نمير وَضَعفه غَيره وَهَذَا الحَدِيث حسن فِي المتابعات إِذا أضيف إِلَى مَا قبله وَاللّه أعلم
(2)
.
212 -
وَرُوِيَ عَن الْوَليد بن عقبَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِن أُنَاسًا من أهل الْجنَّة ينطلقون إِلَى أنَاس من أهل النَّار فَيَقُولُونَ بِمَ دَخَلْتُم النَّار فوَاللّه مَا دَخَلنَا الْجنَّة إِلَّا بِمَا تعلمنا مِنْكُم فَيَقُولُونَ إِنَّا
(1)
الكواكب الدرارى (25/ 237).
(2)
أخرجه الترمذي (2416)، والبزار (1435)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (846)، والبيهقى في الشعب (3/ 277 - 278 رقم 1647). وقال الترمذي: هذا حديث غريب، لا نعرفه من حديث ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من حديث الحُسين بن قيس، وحسين بن قيس يضعف في الحديث من قبل حفظه. قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن عبد اللّه بن مسعود إلا من هذا الوجه، وقد تقدم ذكرنا لحسين بن قيس بلينه فاستغنينا عن إعادة ذكره، ولا نعلم روى ابن عمر عن عبد اللّه بن مسعود إلا هذين الحديثين. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (128)، والصحيحة (946)، والروض النضير (648).
كُنَّا نقُول وَلَا نَفْعل". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(1)
.
قوله: عن الوليد بن عقبة، (هو أبو وهب الوليد بن عقبة بن أبي معيط، واسم أبي معيط أبان بن أبي عمرو، واسم أبي عمرو ذكوان بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القريشي الأموي، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف، وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب عمة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، فالوليد أخو عثمان بن عفان لأمه.
أسلم يوم فتح مكة هو وأخوه خالد بن عقبة. قال ابن عبد البر: أظنه لما أسلم كان قد ناهز الحلم. وقال ابن ماكولا: كان طفلا. وقال غيرهما: كان كبيرًا، وبعثه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على صدقات بني المصطلق. قال ابن عبد البر: ولا خلاف بين أهل العلم بتأويل القرآن فيما علمت أن قوله عز وجل: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ}
(2)
نزلت في الوليد بن عقبة، وذلك أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بعثه مصدقا إلى بني المصطلق، فعاد وأخبر عنهم أنهم ارتدوا ومنعو الصدقة؟ لأنهم خرجوا إليه يتلقونه وهم متقلدون السيوف فرحًا وسرورًا بقدومه، فخافهم فرجع وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بردتهم،
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 150 رقم 405) والأوسط (1/ 37 - 38 رقم 99) قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن إسماعيل بن أبي خالد إلا أبو بكر الداهري، تفرد به: زهير. قال الهيثمي في المجمع 1/ 185 و 7/ 276: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أبو بكر عبد اللّه بن حكيم الداهري، وهو ضعيف جدًّا. وضعفه الألباني جدًّا في الضعيفة (1268) وضعيف الترغيب (101) و (1396).
(2)
سورة الحجرات، الآية:6.
فبعث إليهم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد، فأخبروه الخبر وأنهم مسلمون، فنزلت الآية.
قال: ومما يرد قول من قال: كان صغيرًا، أن الزبير بن بكار وغيره من علماء السير ذكروا أن الوليد وعمارة ابني عقبة خرجًا من مكة ليردا أختهما أم كلثوم بنت عقبة عن الهجرة، وكانت هجرتها في الهدنة يوم الحديبية قبل الفتح، فمن يكون صغيرًا يوم الفتح لا يقوي لرد أخته قبل ذلك، ثم ولاه عثمان الكوفة، وكان من رجال قريش ظرفًا، وحلمًا، وشجاعة، وكرما، وأدبا، وكان شاعرا، وهو الذي صلى صلاة الصبح بأهل الكوفة أربع ركعات، فقال: أزيدكم، وكان سكران.
قال ابن عبد البر: وخبر صلاته سكران قوله: أزيدكم، بعد أن صلى بهم الصبح أربعا، مشهور من رواية الثقات من أهل الحديث، ولما شهدوا عليه بالشرب أمر عثمان فجلد وعزل من الكوفة، واستعمل عليها بعده سعيد بن العاص، ولما قتل عثمان اعتزل الوليد الفتنة، وأقام بالرقة إلى أن توفي بها، وله بها عقب. روى عنه ثابت بن الحجَّاج، والشعبي، وغيرهما
(1)
.
قوله: "إِن أُنَاسًا من أهل الْجنَّة ينطلقون إِلَى أنَاس من أهل النَّار فَيَقُولُونَ بِمَ دَخَلْتُم النَّار فوَاللّه مَا دَخَلنَا الْجنَّة إِلَّا بِمَا تعلمنا مِنْكُم فَيَقُولُونَ إِنَّا كنَّا نقُول وَلَا نَفْعل" الحديث، قال حاتم الأصم رحمة اللّه عليه: ليس في القيامة أشد حسرة من رجل علم الناس علما فانتفعوا به ولم يعمل هو به ففازوا بسببه وهلك
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 145 - 146 الترجمة 669).
هو
(1)
، وقال ابن عيينة عن فضيل بن عياض
(2)
: يغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنبٌ.
213 -
وَعَن مَالك بن دِينَار عَن الْحسن قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا من عبد يخْطب خطْبَة إِلَّا اللّه عز وجل سائله عَنْهَا أَظُنهُ قَالَ مَا أَرَادَ بهَا قَالَ جَعْفَر كانَ مَالك بن دِينَار إِذا حدّث بِهَذَا الحَدِيث بَكَى حَتَّى يَنْقَطِع ثمَّ يَقُول تحسبون أَن عَيْني تقر بكلامي عَلَيْكُم وَأَنا أعلم أَن اللّه عز وجل سائلي عَنهُ يَوْم الْقِيَامَة مَا أردْت بِهِ. رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالْبَيْهَقِيّ مُرْسلا بِإِسْنَاد جيد
(3)
.
قوله: عن مالك بن دينار عن الحسن، هو: مالك بن دينار (هو أبو يحيى مالك بن دينار البصري الزاهد التابعي الناجي، بالنون والجيم، مولى امرأة من بني ناجية بن سلمة بن لؤي بن غالب بن فهر. سمع مالك بن أنس، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، والقاسم بن محمد، وسالم بن عبد اللّه، وسعيد بن جبير، وآخرين من الأئمة. روى عنه أبان بن يزيد، والسري بن يحيى، وعبد اللّه بن شوذب، وجفر بن سليمان، وعبد العزيز بن عبد الصمد، وعبد السَّلام بن حرب، وأخوه عثمان ابن دينار. قال النسائي: هو ثقة. توفي
(1)
إحياء علوم الدين (1/ 63).
(2)
المدخل (449) للبيهقي، وتنبيه الجاهلين (ص 435).
(3)
أخرجه أحمد في الزهد (1922) ومن طريقه البيهقي في الشعب (3/ 280 رقم 1649)، وأبن أبي الدنيا في الصمت (510) وذم الكذب (46). وضعفه الألباني في الضعيفة (2122) وضعيف الترغيب (102) و (1395).
سنة ثلاث وعشرين ومائة، وقيل: سنة تسع وعشرين
(1)
.
قوله: عن الحسن البصري (هو الإمام المشهور المجمع على جلالته في كلّ فن، أبو سعيد الحسن بن أبي الحسن يسار التابعي البصري، بفتح الباء وكسرها، الأنصاري، مولاهم مولى زيد بن ثابت، وقيل: مولى جميل بن قطبة، وأمه اسمها خيرة مولاة لأم سلمة أم المؤمنين، رضي الله عنها. ولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر بن الخطاب، رضي الله عنه. قالوا: فربما خرجت أمه في شغل فيبكي فتعطيه أم سلمة، رضي الله عنها، ثديها فيدر عليه، فيرون أن تلك الفصاحة والحكم من ذلك، ونشأ الحسن بوادي القري، وكان فصيحا، رأى طلحة بن عبيد اللّه، وعائشة، رضي الله عنها، ولم يصح له سماع منها. وقيل: إنه لقي علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، ولم يصح، وسمع ابن عمر، وأنسا، وسمرة، وأبا بكرة، وقيس بن عاصم، وجندب بن عبد اللّه، ومعقل بن يسار، وعمرو بن تغلب، بالمثناة والغين المعجمة، وعبد الرحمن بن سمرة، وأبا برزة الأسلمي، وعمران بن الحصين، وعبد اللّه بن مغفل، وأحمر بن جزء، وعائد بن عمرو المزني الصحابيين، رضي الله عنهم. وسمع خلائق من كبار التابعين، روى عنه خلائق من التابعين وغيرهم.
وقال الفضيل بن عياض، رحمه الله: سألت هشام بن حسان: كم أدرك الحسن من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم؟ قال: مائة وثلاثين، قلت: فابن سيرين؟ قال: ثلاثين. وروينا عن الحسن، قال: غزونا غزوة إلى خراسان معنا فيها
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 80 - 81 الترجمة 543).
ثلاثمائة من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وكان الرجل منهم يصلي بنا ويقرأ الايالت من السورة ثم يركع، قال يحيى بن مَعين، وأبو حاتم، وابن أبي خيثمة، وغيرهم: ولم يصح للحسن سماع من أبي هريرة، فقيل ليحيى: يجيء في بعض الحديث عن الحسن، قال: حدّثنا أبو هريرة؟ قال: ليس بشيء، قيل له: فسالم الخياط قال: سمعتُ الحسن يقول: سمعتُ أبا هريرة، فقال: سالم الخياط ليس بشيء، وأثنى علي ابن المديني، وأبو زرعة على مراسيل الحسن، قال مطر الوراق: كان الحسن كأنما كان في الآخرة، فهو يخبر عما رأى وعاين. وقال أبو بردة: لم أر من لم يصحب النبي صلى الله عليه وسلم أشبه بأصحابه من الحسن، وقال الربيع بن أنس: اختلفت إلى الحسن عشر سنين أو ما شاء اللّه، ما من يوم إلا أسمع منه ما لم أسمع قبله، وقال محمد بن سعد: كان الحسن جامعًا، عالمًا، رفيعًا، فقيهًا، ثقة، مأمونا، عابدًا، ناسكًا، كثير العلم، جميلًا، وسيمًا. وقدم مكة فأجلسوه على سرير، واجتمع الناس إليه، فيهم طاووس، وعطاء، ومجاهد، وعمرو بن شعيب، فحدّثهم، فقالوا، أو قال بعضهم: لم ير مثل هذا قط. وقال بكر بن عبد اللّه: الحسن أفقه من رأينا. ومناقبه كثيرة مشهورة. توفي سنة عشر ومائة، ومن حكم الحسن ما ذكره الشافعي، رضي الله عنه، في المختصر في قول اللّه تعالى:{وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ}
(1)
، قال الحسن: كان غنيًّا عن مشاورتهم، ولكن أراد أن يستن به الحكام بعده. وقال في قوله تعالى:{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ}
(2)
الآية: لولا هذه
(1)
آل عمران، الآية:159.
(2)
سورة الأنبياء، الآية:79.
الآية لرأيت الحكام هلكوا، ولكن أثنى على هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده
(1)
.
قال الغزالي في أوائل الإحياء في الباب الخامس من أبواب العلم
(2)
: كان الحسن البصري أشبه الناس كلاما بكلام الأنبياء وأقربهم هديًا بالصحابة، واتفقت العُلماء في حقه على ذلك، وكان أكثر كلامه في خواطر القلوب وفساد الأعمال ووساوس النفوس والصفات الخفية الغامضة من شهوات النفس، وقيل له: يا أبا سعيد: إنك لتتكلم بكلام ليس يسمع من غيرك، فمن أين أخذته؟ قال: من حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال: وقيل لحذيفة: نراك تتكلم بكلام لا يسمع من غيرك من الصحابة، فمن أين أخذته؟ قال: خصني به رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، كان الناس يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه وعلمت أن الخير يسبقني، وقال مرة: أن من لا يعرف الشر لا يعرف الخير، وكان حذيفة قد خص أيضًا بعلم المنافقين، وكان عمر وعثمان وأكابر الصحابة يسألونه عن الفتن العامة والخاصة، وكان يسأل المنافقين فيخبر بعدد من بقي ولا يعين أسماءهم، وكان عمر إذا دعي إلى جنازة نظر فإن حضر حذيفة صلى عليها وإلا ترك، وكان يسمى صاحب السر، والعناية بمقامات القلب وأحواله هو دأب علماء الآخرة لأن القلب هو الساعي إلى قرب الرب عز وجل، وقد صار هذا الفن غريبا مندرسا فإذا تعرض العالم لشيء منه واستبعد، قيل: هذا تزويق المذكرين فأين التحقيق، ويرون ان
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 161 - 162 الترجمة 122).
(2)
إحياء علوم الدين (1/ 77 - 78).
التحقيق في دقائق المجادلات، ولقد صدق القائل:
الطرق شتى، طريق الحق واحدة
…
والسالكون طريق الحق أفراد
لا يعرفون ولا تدرى مقاصدهم
…
فهم على مهل يمشون قصاد
والناس في غفلة عما يراد بهم
…
وجلهم عن طريق الحق رفاد
انتهى، وهذه الأبيات أنشدها أبو طالب المكي في القوت: لعبد الواحد بن زيد الإمام الزاهد، هذه عبارته، واللّه أعلم
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من عبد يخطب خطبة إلا اللّه عز وجل سائله عنها" أظنه قال: "ما أراد بها" الحديث، المراد بالخطبة: الموعظة.
214 -
وَعَن لُقْمَان يَعْنِي ابْن عَامر قَالَ كَانَ أَبُو الدَّرْدَاء رضي الله عنه يَقُول إِنَّمَا أخْشَى من رَبِّي يَوْم الْقِيَامَة أَن يدعوني على رُؤُوس الْخَلَائق فَيَقُول لي يَا عُوَيْمِر فَأَقُول لبيْك رب فَيَقُول مَا عملت فِيمَا علمت رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
(2)
.
قوله: عن لقمان، يعني: ابن عامر (الوصابي ويقال: الأوصابي أيضًا، أبو عامر الشامي الحمصي، قال أبو حاتم: يكتب حديثه روى عن أبي الدرداء مرسلًا
(3)
.
قوله: قال كان أبو الدرداء يقول: إنما أخشى من ربي يوم القيامة يدعوني على رؤوس الخلائق، فيقول: يا عويمر، فأقول: لبيك رب، فيقول: ما عملت
(1)
قوت القلوب (1/ 263).
(2)
أخرجه المروزى في تعظيم قدر الصلاة (849)، والبيهقى في الشعب (3/ 302 رقم 1711) والمدخل (489) و (492). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (129).
(3)
تهذيب الكمال (24/ الترجمة 5011).
فيما علمت؟ الحديث، أبو الدرداء، اسمه عامر، وعامر إذا صغر عويمر، وفي حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم صغره فقالي: عويمر سلمان أعلم منك، والمراد: ما عملت فيما علمت؟ العلم، هل عمل به أو خالف قوله فعله، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: ما منكم من أحد إلا سيخلو به ربه عز وجل كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر، أو قال: لليلته، ثم يقول ابن آدم ما غرك بي، ما عملت فيما علمت؟ يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟
215 -
وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه قَالَ: تعرضت أَو تصديت لرَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يطوف بِالْبَيْتِ فَقلت يَا رَسُول اللّه أَي النَّاس شَرّ فَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "اللَّهُمَّ غفرا سل عَن الْخَيْر وَلا تسْأَل عَن الشَّرّ شرار النَّاس شرار الْعلمَاء فِي النَّاس"رَواهُ الْبَزَّار وَفِيه الْجَلِيل بن مرّة وَهُوَ حَدِيث غَرِيب
(1)
.
قوله: عن معاذ بن جبل، تقدم.
قوله: تعرضت أو تصديت لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يطوف بالبيت؟ التصدي التعرض للشيء، وقيل: هو الذي يستشرق ناظرًا إليه، قاله في النهاية
(2)
.
قوله: فقلت: يا رسول اللّه، أي الناس شر؟ فقال:"شرار الناس شرار العُلماء في الناس" الحديث، وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال:
(1)
أخرجه البزار (2649)، والطبراني في الشاميين (447)، وابن عدى (3/ 286)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 242) و (5/ 219 - 220). قال الهيثمي في المجمع 1/ 185: رواه البزار، وفيه الخليل بن مرة، قال البخاري: منكر الحديث، ورد ابن عدي قول البخاري، وقال أبو زرعة: شيخ صالح. وضعفه الألباني في الضعيفة (1418)، وضعيف الترغيب (103).
(2)
النهاية (3/ 19).
"ليأتين على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه ولا يبقى من القرآن إلا رسمه، مساجدهم يومئذ عامرة وقلوبهم من الهدى خراب علماؤهم يومئذ شر علماء تحت أديم السماء، من عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود" قاله أبو الليث السمرقندي في كتابه بستان العارفين
(1)
، وروى الدارمي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"خيار الناس خيار العُلماء وشرار الناس شرار العُلماء"
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم غفرًا" فمعناه: سؤال الاستعاذة، أي: نسألك أن تعيذنا من ذلك وأن تغفر لنا، والغفر: الستر، وتقدم الكلام على شيء من ذلك.
قوله: رواه البزار، وفيه الخليل بن مرة، البزار: اسمه أبو بكر، والخليل بن مرة (هو الضبعي: ضعفه ابن مَعين، وقال البخاري: منكر الحديث، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، وقال ابن عدي: ليس بمتروك، وقال أبو زرعة: شيخ صالح).
215 -
م - وَرُوِيَ عَن أبي بَرزَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "مثل الَّذِي يعلم النَّاس الْخَيْر وينسى نَفسه مثل الفتيلة تضيء على النَّاس وَتحرق نَفسهَا" رَوَا الْبَزَّار
(3)
.
(1)
بستان العارفين (1/ 375). والخبر أخرجه ابن أبي الدنيا في العقوبات (8)، والدينورى في المجالسة (519) موقوفًا. وضعفه الألباني جدًّا في الضعيفة (1936).
(2)
أخرجه الدارمى (382). وضعفه الألباني في المشكاة (267).
(3)
أخرجه أبو الحُسين القدورى في جزء حديثه (16)، ومن طريقه الخطيب في اقتضاء العلم (71)، والطبراني كما في المنتقى من المعجم الكبير للطبراني (مجموع 6/ ق 82/ أ).
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 184: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن جابر =
216 -
وَعَن عبد اللّه بن عَمْرو رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "رب حَامِل فقه غير فَقِيه وَمن لم يَنْفَعهُ علمه ضره جَهله اقرإ الْقُرْآن مَا نهاك فَإِن لم ينهك فلست تقرؤه". رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه شهر بن حَوْشَب
(1)
.
قوله: عن عبد اللّه بن عمر، وتقدم الكلام على مناقبه. قوله صلى الله عليه وسلم:"رب حمامل فقه غير فقيه" الحديث، تقدم الكلام على (ربَّ) وعلى معنى الحديث. قوله:"اقرأ القرآن ما نهاك، فإن لم ينهك فلست تقرؤه" أو قال"فلا تقرؤه" وقال الحسن: إن أولى الناس بهذا القرآن من اتبعه وإن لم يكن يقرؤه.
قوله في الكلام على الرجال وفيه: شهر بن حوشب، تقدم الكلام عليه مبسوطًا في الرياء.
217 -
وَعَن جُنْدُب بن عبد اللّه الأزْدِيّ رضي الله عنه: صَاحب النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مثل الَّذِي يعلم النَّاس الْخَيْر وينسى نَفسه كمثل السراج يضيء للنَّاس وَيحرق نَفسه". الحَدِيث رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَإِسْنَاده حسن إِن شَاءَ اللّه تَعَالَى
(2)
.
= السحيمي، وهو ضعيف لسوء حفظه واختلاطه. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (130) و (2329).
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (13/ 622 رقم 14543) وفي الشاميين (1345)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله (200)، والقضاعي في مسند الشهاب (392 و 741).
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 184: رواه الطبراني في الكبير، وفيه شهر بن حوشب؛ وهو ضعيف، وقد وثق. وضعفه الألباني في الضعيفة (2524) وضعيف الترغيب (104).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 165 رقم 1681) و (2/ 167 رقم 1685)، وأبو الشيخ في أمثال الحديث (276). قال الهيثمي في المجمع 6/ 232: رواه الطبراني من طريقين في =
قوله: عن جندب بن عبد اللّه الأزدي صاحب النبي صلى الله عليه وسلم، هو: جندب بن عبد اللّه الأزدي (هو ابن سفيان البجلي العلقي وعلقة بفتح العين واللام: بطن من بجيلة، وهو علقة بن عبقر بن أنمار بن إراش بن عمرو بن الغوث، أخي الأزد بن الغوث. له صحبة ليست بالقديمة، يكنى أبا عبد اللّه، سكن الكوفة، ثم انتقل إلى البصرة، قدمها مع مصعب بن الزبير. روى عنه من أهل البصرة: الحسن، ومحمد، وأنس ابنا سيرين، وأبو السوار العدوي، وبكر بن عبد اللّه، ويونس بن جبير الباهلي، وصفوان بن محرز، وأبو عمران الجوني، وروى عنه من أهل الكوفة عبد الملك بن عمير، والأسود بن قيس، وسلمة بن كهيل
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل الذي يعلم الناس الخير وينسى نفسه كمثل السراج" الحديث، المراد بالخير هنا العلم.
218 -
وَعَن وَاثِلَة بن الأسْقَع قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "كلّ بُنيان وبال على صَاحبه إِلَّا مَا كانَ هَكَذَا وَأَشَارَ بكفه وكل علم وبال على صَاحبه إِلَّا من عمل بِهِ" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير أَيْضًا وَفِيه هانئ بن المتَوَكل تكلم فِيهِ ابْن حبَان
(2)
.
= إحداهما: ليث بن أبي سليم، وهو مدلس، وفي الأخرى علي بن سليمان الكلبي، ولم أعرفه، وبقية رجالهما ثقات. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (131) و (2328).
(1)
الاستيعاب لابن عبد البر: 1/ الترجمة 340، وأسد الغابة 1/ الترجمة 804، وتهذيب الكمال 5/ الترجمة 973.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (22/ 55 رقم 131) والشاميين (3380). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 164: رواه الطبراني في الكبير، وفيه هانئ بن المتوكل، قال ابن حبان: لا يحل الاحتجاج به بحال. وضعفه الألباني جدًا في الضعيفة (2608) وضعيف الترغيب (105).
قوله: عن واثلة بن الأسقع، هو: واثلة بن الأسقع بن عبد العزى بن عبد ياليل بن ناشب بن غيرة بن سعد بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة الكناني الليثي، وقيل: إنه واثلة بن عبد اللّه بن الأسقع، قيل: أسلم والنبي صلى الله عليه وسلم يتجهز إلى تبوك، وشهدها معه، وشهد فتح دمشق وحمص، وقيل: إنه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين، وكان من أهل الصفة، روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ستة وخمسون حديثًا، روى له البخاري حديثًا ومسلم آخر، سكن الشام فسكن دمشق، ثم استوطن بيت جبرين، وهي بلدة بقر بيت المقدس، ودخل البصرة، وكان له بها دار، روى عنه عبد الواحد بن عبد اللّه البصري، بالصاد المهملة، وشداد بن عبد اللّه بن عامر اليحصبي، وأبو إدريس الخولاني، ومكحول، وأبو المليح، ويونس بن ميسرة، وخلق سواهم، توفي بدمشق سنة ست أو خمس وثمانين، وهو ابن ثمان وتسعين سنة، قاله أبو مسهر. وقال سعيد بن خالد: توفي سنة ثلاث وثمانين، وهو ابن مائة وخمس سنين، والصحيح الأول
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كلّ بنيان وبال على صاحبه إلا ما كان هكذا وأشار بكفه" الحديث؛ الوبال في الأصل الثقل والمكروه، ويريد به في الحديث العذاب في الآخرة
(2)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 141 - 142 الترجمة 662).
(2)
النهاية (5/ 146).
قال الإمام أبو عبد اللّه القرطبي
(1)
: أما البنيان فما كان منه ضروريًا يكن الإنسان ويحفظه فذلك مخلوف عليه ومأجور ببنيانه، وذلك حفظ نفسه وستر عورته، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"ليس لابن آدم حق سوى هذه الخصال: بيت يسكنه، وثوب يواري عورته، وجلف الخبز والماء"
(2)
، وهذا القدر هو الذي لا يسأل عنه العبد في الآخرة إن شاء اللّه، وقد جاء الحض علي بناء المساجد والقناطر إلى غير ذلك من مصالح المسلمين.
قوله: "وكل علم وبال على صاحبه" الحديث، تقدم معنى الوبال.
قوله: وفيه هانئ بن المتوكل، هو: هانئ بن المتوكل بن (إسحاق الإسكندراني بن إبراهيم بن حرملة الإسكندراني مولى لبني شبابة من فهم، كان فقيها نزل الإسكندرية، توفي بعد الثلاثين ومائتين، وكان مسنا قال ابن حبّان: كان يدخل عليه لما كبر فيجيب، فكثرت المناكير في روايتُه، فلا يجوز الاحتجاج به بحال
(3)
.
219 -
وَروِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَشد النَّاس عذَابا يَوْم الْقِيَامَة عَالم لم يَنْفَعهُ علمه رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير وَالْبَيْهَقِيّ
(4)
.
(1)
تفسير القرطبي (14/ 308).
(2)
أخرجه الترمذي (2341) والحاكم (4/ 312). وقال الترمذي: هذا حديث صحيح.
وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وضعفه الألباني في الضعيفة (1063) والمشكاة (5186).
(3)
المجروحين (3/ 97)، والمؤتلف والمختلف (3/ 1374).
(4)
أخرجه الدينورى في المجالسة (90)، والطبراني في الصغير (1/ 305 رقم 507)، والبيهقى في الشعب (3/ 273 - 274 رقم 1642). قال العراقى في تخريج الإحياء (8): =
220 -
وَرُوِيَ عَن عمار بن يَاسر رضي الله عنه قَالَ بَعَثَنِي رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِلَى حَيّ من قيس أعلمهم شرائع الإِسْلَام فَإِذا قوم كَأَنَّهُمْ الْإِبِل الوحشية طامحة أَبْصَارهم لَيْسَ لَهُم هم إِلَّا شَاة أَو بعير فَانْصَرَفت إِلَى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا عمار مَا عملت فقصصت عَلَيْهِ قصَّة الْقَوْم وأخبرته بِمَا فيهم من السهوة فَقَالَ يَا عمار أَلا أخْبرك بِأَعْجَب مِنْهُم قوم علمُوا مَا جهل أولَئِكَ ثمَّ سَهوا كسهوهم" رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير
(1)
.
قوله: عن عمار بن ياسر، كنيته: أبو اليقظان عمار بن ياسر العبسي الشامي الدمشقي، كان من السابقين إلى الإسلام وكان هو وأبوه وأمه سمية ممن أسلم أولا، وكان إسلام عمار وصهيب في وقت واحد حين كان النبي صلى الله عليه وسلم في دار الأرقم، وأسلم بعد بضعة وثلاثين رجلًا، روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اثنان وستون حديثًا اتفقا على حديثين منها وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بحديث، قتل رضي الله عنه بصفين مع علي بن أبي طالب في شهر ربيع الأول، وقيل: الآخر سنة سبع وثلاثين وهو ابن ثلاث، وقيل: أربع وتسعين سنة، وأوصى أن يدفن بثيابه فدفنه علي بن أبي طالب بثيابه ولم يغسله، وكان رضي الله عنه آدم اللون طويلًا
= رواه الطبراني في الصغير والبيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي هريرة بإسناد ضعيف. وضعفه الألباني جدًا في الضعيفة (1634) وضعيف الترغيب (156).
(1)
أخرجه البزار (1431). قال البزار: وهذا الكلام لا نعلم رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا عمار، ولا يروى عن عمار إلا بهذا الإسناد. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 185: رواه البزار والطبراني في الكبير، وفيه عباد بن أحمد العزرمي، قال الدَّارقُطْنِي: متروك. وضعفه الألباني جدًّا في ضعيف الترغيب (107).
لا يغير شيبه، وثبت في الصحيحين أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"ويح عمار، تقتله الفئة الباغية" وكانت الصحابة رضي الله عنهم يوم صفين يتبعونه حيث توجه لعلمهم أنه مع الفئة العادلة بهذا الحديث، قالوا: وكان عمار أول من بنى مسجدًا للّه تعالى في الإسلام، بنى مسجد قباء وشهد قتال اليمامة في زمن أبي بكر فأشرف على صخرة ونادى: يا معاشر المسلمين، أمن الجنة تفرون، إليّ إليّ أنا عمار بن ياسر، وقطعت أذنه وهو يقاتل أشد القتال، ومناقبه كثيرة مشهورة رضي اللّه تعالى عنه
(1)
.
تنبيه: قوله: "ويح عمار" ويح فلان: كلمة ترحم وتوجع، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها، وقد تقال بمعنى المدح والتعجب، وهي منصوبة على المصدر، وقد ترفع وتضاف ولا تضاف، يقال: ويح زيد ويحًا له وويحٌ له، وفي الحديث أيضًا أنه قال لعمار:"ويس ابن سمية"، وفي رواية:"يا ويس ابن سمية" ويس: كلمة ترحم وترفق مثل ويح، وحكمها حكمه، قاله في النهاية
(2)
واللّه أعلم.
قوله: بعثني رسول اللّه إلى حي من قيس، أصل الحي منزل القبيلة ثم سميت القبيلة به إتساعًا لأن بعضهم يحيى ببعض
(3)
، قيس: حي من مضر، أبوهم: إلياس ولقبه قيس بن مضر، ومضر بضم الميم وفتح الضاد المعجمة
(1)
تهذيب الأسماء والصفات (2/ 37 - 38 الترجمة 465).
(2)
النهاية (5/ 235).
(3)
الكواكب الدرارى (1/ 208).
غير منصرف وهو: مضر بن نزار بن معد بن عدنان
(1)
.
قوله: فإذا قوم كأنهم الإبل الوحشية طامحة أبصارهم ليس لهم هم إلا شاة أو بعير، الحديث، الطمح هو طمح بصره إلى الشيء ارتفع وكل مرتفع طامح
(2)
.
221 -
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِنِّي لا أَتَخَوَّف على أمتِي مُؤمنا وَلا مُشْركًا فَأَما الْمُؤمن فيحجزه إيمَانه وَأما الْمُشرك فيقمعه كفره وَلَكِن أَتَخَوَّف عَلَيْكُم منافقا عَالم اللِّسَان يَقُول مَا تعرفُون وَيعْمل مَا تنكرون رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط من رِوَايَة الْحَارِث وَهُوَ الأَعْوَر وَقد وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَغَيره
(3)
.
قوله: عن علي بن أبي طالب، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لا أتخوف على أمتي مؤمنًا ولا مشركًا، فأما المؤمن فيحجزه إيمانه وأما المشرك فيقمعه كفره" الحديث، الحجز المنع، وأما القمع فهو من قمعته وأقمعته بمعنى قهرته وزجرته فانقمع.
(1)
الكواكب الدرارى (1/ 208).
(2)
الصحاح (1/ 388)، والإفصاح (8/ 290).
(3)
أخرجه إسحاق كما في اتحاف الخيرة (385 و 386) والمطالب العالية (2987/ 1 و 2)، والطبراني في الصغير (2/ 250 رقم 1024) والأوسط (7/ 128 رقم 7065). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي إسحاق إلا عباد بن بشر. قال الهيثمي في المجمع 1/ 187: رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وفيه الحارث الأعور، وهو ضعيف جدًّا. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (108) و (1398).
قوله: "ولكن أتخوف عليكم منافقًا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون" المراد بعالم اللسان هو العالم، ووري عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر: إن أخوف ما أخاف عليكم المنافق العليم، قالوا: كيف يكون المنافق عليما، قال: يتكلم بالحكمة ويعمل بالجور أو قال: المنكر
(1)
، وسئل حذيفة رضي الله عنه: من المنافق؟ قال: الذي يصف الإيمان ولا يعمل به
(2)
، وقال بلال بن سعد: المنافق يقول ما تعرف ويعمل ما تنكر، ومن هنا كان الصحابة رضي الله عنهم يخافون النفاق على أنفسهم، ولما تقرر عند الصحابة رضي الله عنهم أن النفاق هو خلاف السر والعلانية، خشي بعضهم أن يغير عليه خشوع قلبه ورقته وحضوره عند سماع الذكر برجوعه إلى الدنيا والاشتغال بالأهل والأولاد والأموال أن يكون ذلك نفاقا، وحاصل الأمر أن النفاق الأصغر كلّه يرجع إلى اختلاف السريرة والعلانية كما قال الحسن
(3)
، وقال الحسن أيضًا: من النفاق اختلاف القلب واللسان واختلاف السريرة والعلانية، واختلاف الدخول والخروج
(4)
، وقالت طائفة من السلف: خشوع
(1)
أخرجه عبد بن حميد (11)، والمروزى في تعظيم قدر الصلاة (685)، والبيهقى في الشعب (3/ 372 رقم 1641).
(2)
أخرجه أحمد في السنة (716)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (682)، وابن بطة في الإبانة (914).
(3)
أخرجه: أبو نعيم في صفة النفاق ونعت المنافقين (128).
(4)
أخرجه: الفريابي في صفة المنافق (49)، وابن بطة في الإبانة (910)، وأبو نعيم في صفة النفاق ونعت المنافقين (128).
النفاق أن ترى الجسد خاشعا والقلب ليس بخاشع، وقد روي معنى ذلك عن عمر رضي الله عنه، قاله ابن رجب
(1)
. قوله: رواه الطبراني من رواية الحارث وهو الأعور الحارث هو: الأعور الهمداني بإسكان الميم وبالدال المهملة ينسب إلى همدان قبيلة من العرب (وهم ولد همدان بن مالك بن زيد بن أوسلة بن ربيعة بن الخيار بن مالك بن زيد بن كهلان).
222 -
وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: إِن أخوف مَا أَخَاف عَلَيْكُم بعدِي كلّ مُنَافِق عليم اللِّسَان رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَزَّار وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث عمر بن الْخطاب
(2)
.
قوله: عن عمران بن حصين رضي الله عنهما: اعلم أن العُلماء اختلفوا في إسلام حصين والد عمران وصحبته، والصحيح إسلامه وصحبته، فلهذا قلت: رضي الله عنهما
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم بعدي كلّ منافق عليم اللسان" تقدم تفسير ذلك في الحديث قبله.
(1)
جامع العلوم والحكم (3/ 1258).
(2)
أخرجه البزار (3514)، والفريابى في صفة النفاق (23)، والطبراني في الكبير (18/ 237 رقم 593). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 187: رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (132). وأخرجه أحمد 1/ 22 (143) و 1/ 44 (310)، وعبد بن حميد (11) عن عمر بن الخطاب. وصححه الألباني في الصحيحة (1013) وصحيح الترغيب (133).
(3)
الأذكار (ص 558).
223 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الرجل لَا يكون مُؤمنا حَتَّى يكون قلبه مَعَ لِسَانه سَوَاء وَيكون لِسَانه مَعَ قلبه سَوَاء وَلا يُخَالف قَوْله عمله ويأمن جَاره بوائقه رَوَاهُ الأصْبَهَانِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ نظر
(1)
.
قوله: عن أنس بن مالك، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل لا يكون مؤمنا حتى يكون قلبه مع لسانه سواء ويكون لسانه مع قلبه سواء ولا يخالف قوله عمله ويأمن جاره بوائقه" الحديث، المراد بقوله:"لا يكون مؤمنًا" كامل الإيمان، والمراد بالبوائق: الشر وغائلته.
224 -
وَعَن عبد اللّه بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ: إِنِّي لأحسب الرجل ينسى الْعلم كمَا تعلمه للخطيئة يعملها. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مَوْقُوفا من رِوَايَة الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن بن عبد اللّه عَن جدّه عبد اللّه وَلم يسمع مِنْهُ وَرُوَاته ثِقَات
(2)
.
قوله: عن ابن مسعود، تقدم الكلام عليه.
قوله: "إني لأحسب الرجل ينسى العلم كما تعلَّمه للخطيئة يعملها" وهذا
(1)
أخرجه الأصبهانى في الترغيب والترهيب (53)، والديلمى كما في الغرائب الملتقطة من طريق ابن لال (843). وضعفه الألباني في الضعيفة (5304) وضعيف الترغيب (109) و (1397).
(2)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (83)، وزهير بن حرب في العلم (132)، والدارمى (388)، وأبو داود في الزهد (169)، والطبراني في الكبير (9/ 189 رقم 8930). قال الهيثمي في المجمع 1/ 199: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله موثقون، إلا أن القاسم لم يسمع من جدّه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (110) و (1474).
الحديث هو بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم: "من قارف الذنب ذهب عنه من عقله قدر لا يعود إليه أبدًا" قاله في الديباجة.
قوله: رواه الطبراني موقوفًا من رواية القاسم بن عبد الرحمن بن عبد اللّه عن جدّه عبد اللّه، هو: القاسم (بن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن مسعود الهذلي المسعودي، أبو عبد الرحمن الكوفي قاضيها، أخو معن بن عبد الرحمن روى عن أبيه، وأبي ذر، وعبد اللّه بن عمر، وجابر بن سمرة. روى عنه الأعمش، والمسعودي، ومسعر، وآخرون. قال ابن سعد: كان ثقة كثير الحديث. وقال يحيى بن مَعين: هو ثقة. وقال أحمد بن عبد اللّه: هو ثقة، رجل صالح، وكان لا يأخذ على القضاء والفتيا أجرًا، واتفقوا على توثيقه. قال علي بن المديني: لم يلق القاسم أحدًا من أصحاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم غير جابر بن سمرة، قيل له: فلقي ابن عمر؟ فقال: كان يحدّث عنه حديثين، ولم يسمع منه شيئًا
(1)
.
وتقدم الكلام على الحديث الموقوف في مواضع.
225 -
وَعَن مَنْصُور بن زَاذَان قَالَ: نبئت أَن بعض من يلقى فِي النَّار تتأذى أهل النَّار بريحه فَيُقَال لَهُ وَيلك مَا كنت تعْمل مَا يكفينا مَا نَحن فِيهِ من الشَّرّ حَتَّى ابتلينا بك وبنتن رِيحك فَيَقُول كنت عَالما فَلم أنتفع بعلمي. رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَيْهَقِيّ
(2)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 54 الترجمة 497).
(2)
أخرجه أحمد في الزهد (2255)، وأبو نعيم من طريق الإمام أحمد في الحلية (3/ 59)، والبيهقى في الشعب (3/ 315 رقم 1755). وضعفه الألباني جدًّا في ضعيف الترغيب (111).
قوله: عن منصور بن زاذان هو منصور بن زاذان (الواسطي، أبو المغيرة الثقفي، مولى عبد اللّه بن أبي عقيل الثقفي أخي المغيرة بن أبي عقيل، ويقال: كنية أبيه زاذان: أبو عقيل عن أنس وأبي العالية والحسن وعنه شعبة وهشيم ثقة كبير الشأن سريع القراءة جدًا مات سنة ثمان وعشرين ومائة وقيل سنة تسع وعشرين ومائة وقيل مات في الطاعون سنة الوباء سنة إحدى وثلاثين ومائة
(1)
.
قوله: نبئت، معناها: أخبرت. قوله: فيقال له: ويلك ما كنت تعمل؟ وَيْلَك كَلِمَةٌ تُسْتَعْمَلُ فِي التَّغْلِيظِ عَلَى الْمُخَاطَبِ. قوله: فيقول: كنت عالمًا فلم أنتفع بعلمي، معناه: لم أعمل بعلمي الذي تعلمته.
(1)
تهذيب الكمال (28/ الترجمة 6191) والكاشف: 3/ الترجمة 5733، وتذكرة الحُفَّاظ: 2/ 141، وتذهيب التهذيب: 10/ 306 - 307.