الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[كتاب الصلاة]
[الترغيب في الأذان وما جاء في فضله]
تقدم الكلام على اشتقاق الكتاب في كتاب الطهارة وغيرها وأما الصلاة فهي العبادة المخصوصة، وأصلها في اللغة عبارة عن الدعاء قال الله تعالى:{وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ}
(1)
الآية، أي: ادع لهم، والصلاة في الشرع أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم مع النية بشرائط مخصوصة
(2)
، وسميت العبادة المذكورة بذلك لاشتمالها على الدعاء من باب إطلاق اسم الجزء على الكل مجازًا، وأطلقت الصلاة على بقية العبادات لأن موضعها من الدين كموضع الرأس من الجسد وهي أول شرائع الأحكام بعد شهادة الحق ولأنها أفضل عبادات البدن، ومنها أنه ليس في العبادات بعد الإيمان عبادة سماها الله تعالى إيمانا وسمى رسوله تركها كفرًا إلا الصلاة، ومنها: اشتمالها على الإيمان إذ لابد فيها من الشهادتين ولا تنعقد إلا بذكر الله تعالى وتعظيمه وهو التكبير كما لا ينعقد الإيمان إلا بذكر الله تعالى وتوحيده وتتعلق صحتها بقراءة القرآن الذي هو حجة النبوة فتنزل منزلة الشهادة، ومنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل إقامتها من أسباب حقن الدم فقال: "نهيت عن قتل المصلين"، ومنها: أنها أشغل العبادات للزمان بعد
(1)
سورة التوبة، الآية:103.
(2)
كفاية النبيه (2/ 293)، والنجم الوهاج (2/ 7).
الإيمان لتكررها خمس مرات في اليوم والليلة مع سننها وروايتها ونوافلها فجميع الأوقات محتملة للصلاة إلا أوقات الكراهة وهي يسيرة من كثير، ومنها: أنها لا تسقط بالأعذار ولا تترك إلى الأبدال ولا تجزي فيها النيابة، ومنها: كثرة أركانها وفرائضها وسننها، ومنها: أنها من جنس عبادة الملائكة لأنهم موصوفون بالقيام والركوع والسجود والذكر والتسبيح بخلاف الزكاة والصيام والحج، ومنها: أن الله تعالى فرضها على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى أمته من غير واسطة بخلاف غيرها من العبادات فإنها بواسطة الوحي، ومنها: أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، ومنها: أنها اشتملت على التوبة وفيها الحمد وفيها الصيام لأن المصلى يأكل ولا يشرب، وفيها الصيام لأن المصلي لا يأكل ولا يشرب وفيها الجهاد لأنه يجاهد النفس والشيطان
(1)
.
قوله: الترغيب في الأذان وما جاء في فضله، الأذان هو في اللغة الإعلام {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
(2)
أي إعلام {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}
(3)
أي أعلمهم وفي الاصطلاح الذكر المخصوص سمي به لأنه شرع في الأصل للإعلام بدخول وقت الفريضة والأصل في مشروعيته قبل الإجماع قوله تعالى {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا}
(4)
وقوله تعالى: {إِذَا
(1)
انظر: المنهاج (2/ 288 - 292) باختصار، والتذكار (ص 78 - 82).
(2)
سورة التوبة، الآية:3.
(3)
سورة الحج، الآية:27.
(4)
سورة المائدة، الآية:58.
نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}
(1)
وفي الباب أحاديث كثيرة وأصحها بما نحن فيه حديث عبد الله بن زيد وفيه ذكر الناقوس
(2)
وذكر الغزالي والإمام القاضي حسين أن عبد الله بن زيد قال لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناقوس يعمل ليضرب به لجمع الناس للصلاة طاف بي رجل وأنا نائم يحمل ناقوسا في يده فقلت يا عبد الله تبيع الناقوس فقال وما تصنع به فقلت ندعو به للصلاة فقال ألا أدلك على ما هو خير من ذلك فقلت له بلى قال فقال الله أكبر الله أكبر وساق الأذان إلى آخرة سوى الترجيع ثم استأخر غير بعيد ثم قال تقول إذا قمت إلى الصلاة الله أكبر الله أكبر وساق كلمات الإقامة إلى آخره قال فلما أصبحت أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بما رأيت فقال: "إنها رؤيا حق إن شاء الله فقم مع بلال فألق عليه ما رأيت فليؤذن به فإنه أندى صوتا منك" فقمت مع بلال فجعلت ألقيه عليه ويؤذن به فسمع ذلك عمر بن الخطاب وهو في بيته فخرج يجر رداءه فقال: يا رسول الله والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى فقال صلى الله عليه وسلم: "فلله الحمد" رواه أبو داود وغيره
(3)
وذكر الغزالي والإمام والقاضي حسين أن عبد الله بن زيد أذن مرة بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أول مؤذن في الإسلام، قال ابن الصلاح لم أجد هذا
(1)
سورة الجمعة، الآية:9.
(2)
كفاية النبيه (2/ 390)، والنجم الوهاج (2/ 42).
(3)
أخرجه الدارمى (1224)، وابن ماجه (706)، وأبو داود (499)، والترمذى (189). وحسنه الألباني في الإرواء (1/ 265) وصحيح أبي داود (512).
بعد البحث عنه
(1)
وهذه القصة بالمدينة إذ بها شرع الأذان والجمعة والجماعة انتهى قاله في مختصر الكفاية.
358 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَو يعلم النَّاس مَا فِي النداء والصف الأول ثمَّ لم يَجدوا إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ لاستهموا وَلَو يعلمُونَ مَا فِي التهجير لاستبقوا إِلَيْهِ وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح لأتوهما وَلَو حبوا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(2)
.
قَوْله: "لاستهموا" أَي لاقترعوا والتهجير هُوَ التبكير إِلَى الصَّلَاة.
قوله: عن أبي هريرة تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول" الحديث، قال النووي رحمه الله: المراد بالنداء الأذان
(3)
وستأتي كلمات الأذان وكم هي والإقامة أيضا، والمراد بالصف الأول هو الذي يلي الإمام سواء تخلله منبر أو مقصورة أو أعمدة وغيرها وسواء جاء صاحبه متقدما أو متأخرا هذا هو الصحيح الذي تقتضيه ظواهر الأحاديث وصرح به المحققون، وقالت طائفة من العلماء: الصف الأول هو المتصل من طرف المسجد إلى طرفه لا تتخلله مقصورة ولا نحوها بأن يخلل الذي يلي الإمام شيء فليس بأول بل
(1)
كفاية النبيه (2/ 391 - 392) والنجم الوهاج (2/ 43).
(2)
أخرجه مالك في الموطأ (174 و 346)، والبخارى (615) و (654) و (721) و (2689)، ومسلم (129 - 437).
(3)
شرح النووى على مسلم (4/ 157).
الأول ألا يتخلله شيء وإن تأخر، وقيل الصف الأول عبارة عن مجيء الإنسان إلى المسجد أولا وإن كان في صف متأخر، وهذان القولان غلط صريح
(1)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا" الاستهام الاقتراع كذا فسره الحافظ ومعنى الحديث لو يعلمون ما في التأذين والصف الأول من الفضل والثواب ثم لم يجدوا له طريقا إلا الاستهام أي الاقتراع وطلب السهم بالقرعة لاقترعوا حرصا ويحتمل أن كون المراد به الإقامة على تقدير المضاف وهو أوفق لما بعده أي لو يعلمون ما في حضور الإقامة ونحوها لأقام والوقوف في الصف الأول ولم يجدوا إلا بالسهام لاستهموا
(2)
.
تنبيه: فيه دليل لمالك والشافعي وأحمد وجماهير العلماء في العمل بالقرعة من القسم بين الزوجات وفي العتق والوصايا والقسمة ونحو ذلك وقد جاءت بها أحاديث كثيرة قال أبو عبيد: وقد عمل بالقرعة ثلاثة من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين يونس وزكريا ومحمد صلى الله عليه وسلم قاله ابن المنذر: واستعمالها كالإجماع من أهل العلم فيما يقسم بين الشركاء وقال: فلا معنى لمن ردها وأبطلها والمشهور عن أبي حنيفة إبطالها وحكي عنه إجازتها
(3)
والله أعلم.
(1)
شرح النووى على مسلم (4/ 160).
(2)
تحفة الأبرار (1/ 243).
(3)
شرح الصحيح (8/ 75 - 76) لابن بطال، وشرح النووى على مسلم (17/ 103).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه" التهجير هو التبكير إلى الصلاة قاله المنذري أي صلاة كانت قاله الهروي وغيره، وخصه الخليل بالجمعة والصواب المشهور الأول
(1)
، وقال في النهاية: التهجير: التبكير إلى كل شيء والمبادرة إليه. يقال: هجر يهجر تهجيرا، فهو مهجر، وهي لغة حجازية، أراد المبادرة إلى أول وقت الصلاة. وفي حديث الجمعة "فالمهجر إليها كالمهدي بدنة"
(2)
أي المبكر إليها
(3)
، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في الجمعة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا" فيه الحث العظيم على حضور الجماعة في هاتين الصلاتين والفضل في ذلك لما فيهما من المشقة على النفوس من تنغيص أول يومها وآخره ولهذا كانت أثقل صلاة على المنافقين وفي هذا الحديث تسمية العشاء عتمة وقد ثبت النهي عنه وجوابه من وجهين:
أحدهما: أن هذه التسمية بيان للجواز وأن ذلك النهي ليس للتحريم.
والثاني: وهو الأظهر أن استعمال العتمة هنا لمصلحة ونفي مفسدة لأن العرب كانت تستعمل لفظ العشاء في المغرب فلو قال "لو يعلمون ما في
(1)
شرح النووى على مسلم (4/ 158).
(2)
أخرجه البخارى (929) ومسلم (24 - 850)، وابن ماجه (1092)، والنسائى في المجتبى 2/ 302 (876) و 3/ 172 (1401) عن أبى هريرة.
(3)
النهاية (5/ 246).
العشاء والصبح" لحملوها على المغرب ففسد المعنى وفات المطلوب فاستعمل العتمة التي يعرفونها ولا يشكون فيها وقواعد الشرع متظاهرة على أخف المفسدتين لرفع أعظمها
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لآتوهما ولو حبوا" هو بإسكان الباء وإنما ضبطته لأني رأيت من الكبار من يصحفه والله أعلم قاله النووي
(2)
. (ومن حبى الصبي حبوا إذا توكأ على أربع ودب على إسته
(3)
.
359 -
وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَو يعلم النَّاس مَا فِي التأذين لتضاربوا عَلَيْهِ بِالسُّيُوفِ" رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة
(4)
.
قوله: عن أبي سعيد هو الخدري، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم الناس ما في التأذين لتضاربوا عليه بالسيوف" الحديث، أي: لو يعلمون ما فيه من الأجر والثواب، والمضاربة هي المقاتلة وهي معروفة.
360 -
وَعَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة عَن أَبِيه أَن أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ لَهُ إِنِّي أَرَاك تحب الْغنم والبادية فَإِذا كنت فِي غنمك أَو
(1)
شرح النووى على مسلم (4/ 158).
(2)
شرح النووى على مسلم (4/ 158).
(3)
النهاية (1/ 336).
(4)
أخرجه أحمد 3/ 29 (11241)، وعبد بن حميد (934). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 325: رواه أحمد، وفيه ابن لهيعة، وفيه ضعف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (157).
باديتك فَأَذنت للصَّلَاة فارفع صَوْتك بالنداء فَإِنَّهُ لا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيء إِلَّا شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة قَالَ أَبُو سعيد سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَالنَّسَائيّ وَابْن مَاجَه وَزَاد وَلَا حجر وَلَا شجر إِلَّا شهد لَهُ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَلَفظه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا يسمع صَوته شجر وَلَا مدر وَلَا حجر وَلَا جن وَلَا إنس إِلَّا شهد لَهُ
(1)
.
قوله: عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه، هو: عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني المدني، ثقة
(2)
، وعبد الرحمن هذا من تابعي التابعين، يروي عن أبيه عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة، أبوه تابعي، روى عنه: ابناه محمد وعبد الرحمن وأيوب، سمع أبا سعيد الخدري، ومنهم من يقول فيه عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة فينسب عبد الله إلى جده، ومنهم من يقول عبد الرحمن بن أبي صعصعة فينسب إلى جد أبيه، روى عن السائب بن خلاد أن كان محفوظًا وعن أبيه عبد الله بن عبد الرحمن، روى عنه: سفيان بن عيينة وغيره وهو ثقة
(3)
، قاله في الديباجة.
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (176)، والبخارى (609) و (3296) و (7548)، وابن ماجه (723)، والنسائى في المجتبى 2/ 131 (654) والكبرى (1762) وابن خزيمة (389). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (232).
(2)
تهذيب الكمال (15/ 208 - 209 ترجمة 3381).
(3)
تهذيب الكمال (17/ 216 - 217 الترجمة 3870).
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا كنت في غنمك أو باديتك فارفع صوتك بالنداء" أي: بالأذان، قال العلماء: ويرفع صوته بالأذان لحديث أبي سعيد الخدري هذا، وقيل: إن انتظر حضور جماعة رفع وإلا فلا، والمراد برفعه أن يبالغ في رفعه ما أمكنه فإن لم يبالغ ولكنه أسمع بعض الناس حصل الأذان قطعا، وإن أذن بحيث لم يسمع إلا نفسه فإن كان منفردا صح عند الجمهور وإن لم يسمع نفسه فليس بأذان ولا يسمى كلاما، وبذلك يعلم أن رفع الصوت منقسم إلى واجب ومستحب وخلاف الأولى
(1)
؛ قال النووي في منهاجه: والجديد ندبه للمنفرد أي سواء كان في بلد أو صحراء هذا إذا لم يبلغ المنفرد أذان غيره فإن بلغه، ففي شرح مسلم: لا يؤذن، وفي [(شرح الوسيط) و (التحقيق): الأصح استحبابه، وهو مقتضى كلام (الشرح الصغير)، وعليه الفتوى
(2)
] والقديم لا يستحب لانتفاء المعنى المقصود منه وهو الإعلام، وقيل: إن رجا المنفرد حضور جماعة أذن وإلا فلا، أ. هـ، قاله الكمال الدميري في شرحه
(3)
.
فرع: يستحب أن يكون الأذان بقرب المسجد ويستحب أن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم بل يؤذن في كل مسجد
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" [المدى: الغاية: أي يستكمل مغفرة الله إذا استنفد وسعه في رفع
(1)
النجم الوهاج (2/ 46).
(2)
سقط من الأصل وأثبتناه من المصدر.
(3)
النجم الوهاج (2/ 46).
(4)
النجم الوهاج (2/ 59).
صوته، فيبلغ الغاية في المغفره إذا بلغ الغايه في الصوت
(1)
] قال الخطابي: مدى الشيء غايته
(2)
، قال بعض العلماء: وغاية الصوت تكون أخفى لا محالة فإذا شهد له من بعد عنه ووصل إليه همس صوته فلأن يشهد له من هو أدنى منه وسمع مبادئ صوته أولى
(3)
وإنما قال ذلك ولم يقل لا يسمع صوت المؤذن ليكون أبلغ وأشد تحريضًا وحثا له على رفع الصوت، وقد استحب العلماء رفع الصوت في الأذان ما أمكنه لتكثر شهداؤه على فعله ذلك
(4)
، والله أعلم.
تنبيه: وأنكر بعض العلماء أهل اللغة مد صوته، وقال الصواب: مدى صوته، وليس هو بمنكر بل هما لغتان مدى أشهر ويشهد للغة مد صوته رواية من قال:"يغفر للمؤذن مد صوته" بالتشديد أي بقدر مده صوته
(5)
، والله أعلم.
361 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يغْفر للمؤذن مُنْتَهى أَذَانه ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس سَمعه" رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَزَّار إِلَا أَنه قَالَ ويجيبه كل رطب ويابس
(6)
.
(1)
النهاية (4/ 310).
(2)
معالم السنن (1/ 155).
(3)
الكواكب الدرارى (5/ 9)
(4)
مبارق الأزهار (1/ 158).
(5)
انظر: تهذيب الأسماء واللغات (4/ 135).
(6)
أخرجه أحمد 2/ 136 (6201 و 6202)، والبزار كما في كشف الأستار (355)، والطبراني في الكبير (12/ 398 رقم 13469). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 326: رواه أحمد والطبراني في الكبير والبزار، إلا أنه قال: ويجيبه كل رطب ويابس. ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (233).
362 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قال الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مدى صَوته ويصدقه كل رطب ويابس" رَوَاهُ أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَعِنْدَهُمَا وَيشْهد لَهُ كل رطب ويابس
(1)
وَالنَّسَائِيّ
(2)
وَزَاد فِيهِ وَله مثل أجر من صلى مَعَه، وَابْن مَاجَه وابن حبان في "صحيحه"
(3)
وَعِنْده يغْفر لَهُ مد صَوته ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس وَشَاهد الصَّلَاة تكْتب لَهُ خمس وَعِشْرُونَ حَسَنة وَيكفر عَنهُ مَا بَينهمَا. قَالَ الْخطابِيّ رحمه الله مدى الشَّيْء غَايَته وَالْمعْنَى أَنه يستكمل مغْفرَة الله تَعَالَى إِذا استوفى وَسعه فِي رفع الصَّوْت فَيبلغ الْغَايَة من الْمَغْفِرَة إِذا بلغ الْغَايَة من الصَّوْت، قَالَ الْحَافِظ رحمه الله وَيشْهد لهَذَا القَوْل رِوَايَة من قَالَ يغْفر لَهُ مد صَوته، بتَشْديد الدَّال أَي بِقدر مُدَّة صَوته، قَالَ الْخطابِيّ رحمه الله وَفِيه وَجه آخر وَهُوَ أَنه كَلَام تَمْثِيل وتشبيه يُرِيد أَن الْكَلَام الَّذِي يَنْتَهِي إِلَيْهِ الصَّوْت لَو يقدر أَن يكون مَا بَين أقصاه وَبَين مقَامه الَّذِي هُوَ فِيهِ ذنُوب تملأ تِلْكَ الْمسَافَة غفرها الله
(4)
انْتهى
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام عليه.
(1)
أخرجه أحمد 2/ 266 (7611)، وأبو داود (515)، والنسائى في المجتبى 2/ 132 (655) والكبرى (1763)، وابن خزيمة (390). وصححه الألباني في صحيح أبى داود (528) وصحيح الترغيب (234).
(2)
هذه الزيادة من حديث البراء التالى.
(3)
أخرجه ابن ماجه (724)، وابن حبان (1666). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (234).
(4)
معالم السنن (1/ 155).
قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤذن يغفر له مدى صوته ويصدقه كل رطب ويابس" وزاد النسائي: "وله مثل أجر من صلى معه" تقدم الكلام على مدى صوته، والمعنى: أنه استكمل مغفرة الله تعالى إذا استوفى وسعه في رفع الصوت فيبلغ الغاية من المغفرة إذا بلغ الغاية من الصوت كذا نقله الحافظ عن الخطابي.
363 -
وَعَن الْبَراء بن عَازِب رضي الله عنه أَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ الْمُقدم والمؤذن يغْفر لَهُ مدى صَوته وَصدقه من سَمعه من رطب ويابس وَله أجر من صلى مَعَه" رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد حسن جيد
(1)
وَرَوَاهُ الطَّبْرَانِيّ عَن أبي أُمَامَة وَلَفظه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمُؤَذّن يغْفر لَهُ مد صَوته وأجره مثل أجر من صلى مَعَه
(2)
.
قوله: عن البراء بن عازب، البراء بفتح الباء والراء، وبالمد هو الصحيح المشهور عند طوائف العلماء من أهل الحديث، والتواريخ، والأسماء، واللغات، والمؤتلف والمختلف، وغيرهم، وحكي فيه القصر، وهو [أبو عمارة، ويقال: أبو عمرو، ويقال: أبو الطفيل البراء بن عازب بن الحارث بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن
(1)
أخرجه أحمد 4/ 284 (18506) و (18507)، والنسائى في المجتبى 2/ 133 (656) والكبرى (1764)، والطبراني في الأوسط (8/ 136 رقم 8198). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (235).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 241 رقم 7942). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 326: رواه الطبراني في الكبير، وفيه جعفر بن الزبير وهو ضعيف. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (236).
الأوس الأنصاري] الأوسي الحارثي المدني، وأمه: حبيبة بنت أبي حبيبة، وأبوه: عازب صحابي ذكر محمد بن سعد في الطبقات أنه أسلم، نزل الكوفة وتوفي بها زمن مصعب بن الزبير، استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأول مشاهده أحد، وفي البخاري عن البراء قال: غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة غزوة، وفي البخاري أيضًا عن البراء قال: ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة مهاجرا حتى قرأت سبح اسم ربك الأعلى في سور مثلها من المفصل، وشهد البراء مع أبي موسى غزوة تستر، وشهد مع علي الجمل وصفين والنهروان هو وأخوه عبيد بن عازب، وكان للبراء ابنان يزيد وسويد، ومناقبه كثيرة مشهورة
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله وملائكته يصلون على الصف المقدم والمؤذن يغفر له مد صوته" الحديث، تقدم معنى الصلاة في الأحاديث المتقدمة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يغفر للمؤذن مد صوته" قال بعض العلماء: معناه أن ذنوبه لو كانت أجساما غفر له قدر ما يملأ المسافة التي بينه وبين منتهى صوته
(2)
، وقيل: تمد له الرحمة بقدر مدى الأذان لكن لا ينبغي أن يبالغ بحيث يشق عليه
(3)
، والله أعلم، وكذلك تقدم معنى مدى صوته في أحاديث الباب والله أعلم.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 132 - 133 الترجمة 80)، وتهذيب الكمال (4/ 34 - 37 الترجمة 650).
(2)
معالم السنن (1/ 155)، وتحفة الأبرار (1/ 252)، وفتح البارى (5/ 227) لابن رجب.
(3)
فتح البارى (5/ 227) لابن رجب.
364 -
وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَد الرَّحْمَن فَوق رَأس الْمُؤَذّن وَإنَّهُ ليغفر لَهُ مدى صَوته أَيْن بلغ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأَوْسَط
(1)
.
قوله: روى عن أنس، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يد الرحمن فوق رأس المؤذن وأنه ليغفر له مدى صوته أين بلغ" اليد في حق الله تعالى تؤول بما يليق بجلاله سبحانه وتعالى كما يقال: المراد من اليد القدرة، أو في معنى ذلك
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إنه ليغفر له مدى صوته أين بلغ" قال بعض العلماء: معناه أن ذنوبه لو كانت أجساما غفر له قدر ما يملأ المسافة التي بينه وبين منتهى صوته كما تقدم مثله عن الخطابي وقيل: تمد له الرحمة بقدر مدى الأذان لكن لا ينبغي أن يبالغ بحيث يشق عليه والله أعلم.
365 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن اللَّهُمَّ أرشد الأئِمَّة واغفر للمؤذنين، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا إِلَّا أَنَّهُمَا قَالَا فأرشد الله الأئِمَّة وَغفر للمؤذنين وَلابْن خُزَيْمَة رِوَايَة كَرِوَايَة أبي دَاوُد
(3)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 281 رقم 1987). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 326: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عمر بن حفص العبدي، وقد أجمعوا على ضعفه. وضعفه جدا الألباني في ضعيف الترغيب (158) والضعيفة (5037).
(2)
هذا تأويل للصفات على مذهب الأشاعرة ومذهب أهل السنة إثباتها كما جاءت دون تمثيل أو تأويل.
(3)
أخرجه أبو داود (517 و 518)، والترمذى (207)، وابن خزيمة (1528 و 1529 =
366 -
وَفِي أُخْرَى لَهُ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم المؤذنون أُمَنَاء وَالأئِمَّة ضمناء اللَّهُمَّ اغْفِر للمؤذنين وسدد الْأَئِمَّة ثَلَاث مَرَّات
(1)
. وَرَوَاهُ أَحْمد من حَدِيث أبي أُمَامَة بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن، اللهم ارشد الأئمة واغفر للمؤذنين" الحديث الضمان فى اللغة الكفالة والحفظ والرعاية قاله الهروي وغيره
(3)
، وقال الخطابي فقوله: الإمام ضامن تأويله أنه يحفظ على القوم صلاتهم وليس من الضمان الموجب للغرامة وقال في الأحوذي شرح الترمذي: معنى ضمان الإمام لصلاة المأموم هو التزام شروطها وحفظ صلاته في نفسه لأن صلاة المأموم تبتني عليها
(4)
وقيل معناه: أنهم إذا قاموا بالصلاة بالجماعة سقط فرض الكفاية عن سائر الناس بفعلهم قاله
= و 1530) وابن حبان (1672). وصححه الألباني في الإرواء (1/ 231 - 235/ 217)، صحيح أبي داود (530 - 531)، الروض (1076 - 1079)، صحيح الترغيب (237).
(1)
أخرجه ابن خزيمة (1531)، والطبراني في الأوسط (4/ 336 رقم 4363)، والخطيب في تاريخ بغداد (7/ 104). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (237).
(2)
أخرجه أحمد (22238)، وأبو يعلى في مسنده الكبير كما في إتحاف الخيرة (1529)، والطبراني في الكبير (8/ 286 رقم 8097). وقال الهيثمي في المجمع 2/ 2: رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله موثقون. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (238).
(3)
الغريبين (4/ 1144).
(4)
عارضة الأحوذى (1/ 4).
النووى
(1)
، فعلم من ذلك أفضلية الإمامة وأن مرتبة الإمامة عظيمة لما فيها من التكفل بصلاتهم واقتدائهم به والحمل عنهم ومراعاة ضعيفهم ودعائه لهم وأن لا يخص نفسه به دونهم
(2)
، وأما قول الشافعي: حال الأمين خير من حال الضمين فيشير إلى سلامته فإن الإمامة خطرة فإن وفيت حقها تعدد ثوابه بعدد من صلى وراءه لأنه حصل الجماعة لهم ويقويه الدعاء له بالإرشاد، وللمؤذن بالمغفرة ليعلم ما بين الدرجتين قاله فى شرح الإلمام، فالأمانة أعلى من الضمان، والمغفرة أعلى من الإرشاد
(3)
.
قال الشافعي رحمه الله في الأم: يحتمل أنهم ضامنون لما ائتمنوا عليه من الإسرار بالقراءة والذكر
(4)
، وقيل: المراد ضمان الدعاء فيعم القوم به، ولا يخص به نفسه
(5)
، وقيل: معناه: أنه يتحمل القراءة عن المسبوق في بعض الأحوال وكذا القيام عمن أدركه راكعا، حكاهما البغوي في شرح السنة
(6)
، أ. هـ.
وقال ابن الأثير في النهاية في قوله: "المؤذن مؤتمن" أي: مؤتمن القوم
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (3/ 183 - 184).
(2)
انظر: غريب الحديث (1/ 636) ومعالم السنن (1/ 156) للخطابى، وشرح السنة (2/ 280)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 183 - 184)، والنفح الشذى (4/ 120)، وشرح المشكاة (3/ 915).
(3)
كفاية النبيه (2/ 399)، والنجم الوهاج (2/ 57).
(4)
الأم (1/ 186).
(5)
بحر المذهب (1/ 434).
(6)
شرح السنة (2/ 280).
الذي يثقون إليه ويتخذونه أمينا حافظا، يقال: ائتمن الرجل فهو مؤتمن يعني: أن المؤذن أمين الناس على صلاتهم وصيامهم
(1)
، وقال في موضع آخر: أما أمانة المؤذنين فعلى مواقيت الصلاة فلا يؤذن قبل دخولها
(2)
، وقيل: على حرم الناس لأنهم يشرفون على المواضع العالية
(3)
أ. هـ.
وقيل: إنه أمين في تبرعه بالقيام بالأذان لأنه ليس بفرض
(4)
والأمين أحسن حالا من الضمين كما فسره المحاملي في التجريد، فقال: إن الأمين متطوع بما يفعله، والضامن يفعل ما يجب عليه
(5)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فأرشد الله الأئمة" قال صاحب المحكم الرشد والإرشاد نقيض الغي
(6)
، وقال الهروي: الرشد والرشاد الهدى والاستقامة
(7)
، وقال الواحدي: الرشد في اللغة إصابة الخير وهو نقيض الغي
(8)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: في الرواية الأخرى "المؤذنون أمناء والأئمة ضمناء" وتقدم أن الأمانة أعلى من الضمان وقال الشافعي رحمه الله في الأم: في قوله الأئمة
(1)
النهاية (1/ 71).
(2)
جامع الأصول (9/ 413)، والشافى (1/ 448).
(3)
البيان (2/ 56)، والنفح الشذى (4/ 120).
(4)
البيان (2/ 56).
(5)
المجموع (3/ 78)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 75 - 76).
(6)
المحكم (8/ 26).
(7)
الغريبين (3/ 744).
(8)
التفسير البسيط (6/ 332).
ضمناء: يحتمل أنه ضامنون لما ائتمنوا عليه من الأسرار والذكر وقيل المراد ضمان الدعاء فيعم القوم به ولا يخص به نفسه وقيل أن يتحمل القراءة عن المسبوق في بعض الأحوال وكذلك القيام عمن أدركه راكعا حكاه البغوي في شرح السنة.
367 -
وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الإِمَام ضَامِن والمؤذن مؤتمن فأرشد الله الأئِمَّة وَعَفا عَن المؤذنين، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله عن عائشة: تقدم الكلام على مناقبها.
قوله: "الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن" الحديث: تقدم الكلام على ذلك في الأحاديث قبله وأما حكم أفضلية الأذان على الإمامة وعكسه ففيه أربعة أوجه لأصحاب الشافعي أصحها عند العراقيين والسرخسي والبغوي أن الأذان أفضل وهو نصه في الأم، قال النووي: وبه قال أكثر الأصحاب
(2)
(1)
أخرجه أحمد 5/ 260 (24363)، والبخارى في التاريخ الكبير (1/ 78)، والترمذى في العلل (92)، وأبو يعلى (4562)، وابن خزيمة (1532)، وابن حبان (1671).
وقال الترمذى: سمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث أبي صالح عن عائشة أصح من حديث أبي هريرة في هذا الباب، وسألت أبا زرعة فقال: حديث أبي هريرة أصح عندي من حديث عائشة، وذكر عن علي بن المديني قال: لا يصح حديث عائشة ولا حديث أبي هريرة، وكأنه رأى أصح شيء في هذا الباب عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (239).
(2)
المجموع (3/ 78).
لدعائه صلى الله عليه وسلم له بالمغفرة وللإمام بالإرشاد، والثاني أن الإمامة أفضل منه وهو الأصح عند الخراسانيين ونقلوه عن النص وصححه القاضي أبو الطيب وقطع به الدارمي وهو الذي صححه الرافعي لمواظبة الشارع صلى الله عليه وسلم والخلفاء عليها ووقع في الكفاية أن الروياني يرجح هذا وحكاه من نص الشافعي رحمه الله في كتاب الإمامة وعلله بأنها أشق وليس كذلك فالذي رجحه في البحر وحكاه عن النص في كتاب الإمامة التفرقة بين أن يعلم من نفسه القيام بحقوق الإمامة فيكون أفضل أو لا فالأذان أفضل ما علمه قال في هادي النبيه: والثالث هما سواء والرابع إن علم من نفسه القيام بحقوق الإمامة وجميع خصالها فهي أفضل وإلا فالأذان أفضل وقد نص الشافعي في الأم على كراهة الإمامة للضمان وما على الإمام فيها هذا نصه
(1)
.
سؤال: لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يؤم ولا يؤذن؟
فقال النيسابوري وغيره: لأنه لو أذن لكان كل من يخلف عن الإجابة يكون كافرا قال النيسابوري ولأنه كان داعيا فلم يجز أن يشهد لنفسه وقال غيره: لو أذن وقال أشهد أن محمدا رسول الله لتوهم أن هناك نبيا غيره وقيل لأن الأذان رآه غيره في المنام فوكله إلى غيره وأيضا كان صلى الله عليه وسلم لا يتفرغ من إليه من أشغاله وأيضا قال صلى الله عليه وسلم الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن فدفع الأمانة إلى غيره
(2)
وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: إنما لم يؤذن لأنه كان إذا عمل
(1)
المجموع (3/ 78 - 79).
(2)
نور الأبصار للشبلنجي ص 49.
عملا أثبته أي جعله ديمة وهو كان لا يتفرغ لذلك لاشتغاله بتبليغ الرسالة وهذا كما قال عمر رضي الله عنه: لولا الخلافة لأذنت، قال: وأما من قال أنه امتنع لئلا يعتقد أن الرسول غيره فخطأ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقول في خطبته وأشهد أن محمدا رسول الله
(1)
.
تنبيه: وقد أذن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة في سفر، رواه الترمذي
(2)
وقال بعض الشراح: لم يؤذن وإنما أمر بالتأذين فنسب إليه وقد جاء مصرحا بالأمر به في مسند الإمام أحمد في تلك الواقعة بذلك السند
(3)
والله أعلم قاله في شرح الإلمام.
فائدة: اعلم أن ألفاظ الأذان مشهورة قال العلماء والأذان تسع عشرة كلمة والترجيع عندنا سنة وهو أنه إذا قال بعال صوته الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر قال سرًّا بحيث يسمع نفسه ومن بقربه أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ثم يعود إلى الجهر وإعلاء الصوت فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله، والحكمة في الترجيع أنه يقول سرا بتدبر وإخلاص والتثويب عندنا أيضا سنة وهو أن يقول في أذان الصبح خاصة بعد فراغة من حي على الفلاح الصلاة خير من النوم الصلاة
(1)
فتاوى العز بن عبد السلام (ص 51).
(2)
أخرجه أحمد 4/ 173 (17573)، والترمذى (411)، والطبراني في الكبير (22/ 256 - 257 رقم 663)، والدارقطنى (1429). وضعفه الألباني في الإرواء (2/ 348).
(3)
انظر: القبس (1/ 199)، والمجموع (3/ 106)، وفتح البارى (2/ 79).
خير من النوم وقد جاءت الأحاديث بالترجيع والتثويب وهي مشهورة واعلم أنه لو ترك الترجيع والتثويب صح أذانه وكان تاركا للأفضل
(1)
.
تتمة: اختلف العلماء في لفظ الإقامة فالمشهور من مذهبنا الذي تظاهرت عليه نصوص الشافعي وقال أحمد وجمهور العلماء إن الإقامة إحدى عشرة كلمة الله أكبر الله أكبر الله أكبر إلى آخره، وقال مالك هي عشر كلمات فلم يثن لفظ الإقامة وهو قول قديم للشافعي، ولنا قول شاذ أنه يقول في الأول الله أكبر وفي الأخير الله أكبر ويقول: قد قامت الصلاة مرة فيكون ثماني كلمات، والصواب الأول، وقال أبو حنيفة الإقامة تسع عشرة كلمة يثنيها كلها ودليله ما تقدم، قال الخطابي: مذهب جمهور العلماء والذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى مع تكرر قوله قد قامت الصلاة إلا مالكا فإن المشهور عنه أنه لا يكررها
(2)
.
تنبيه: الحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرره ليكون أبلغ في إعلامهم والإقامة للحاضرين فلا حاجة لتكرارها، ولهذا يرفع صوته في الأذان بخلاف الإقامة، وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لأنه مقصودها
(3)
.
(1)
المجموع (3/ 90 - 97)، والنجم الوهاج (2/ 48 - 49).
(2)
شرح النووى على مسلم (4/ 78 - 79).
(3)
شرح النووى على مسلم (4/ 79).
واعلم أن الأذان والإقامة سنتان عند الشافعية على المذهب الصحيح المختار وسواء في ذلك أذان الجمعة وغيرها أي من سنن الكفاية لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك والمواظبة عليه ودلت الأخبار على أنه ليس بفرض عين ولا كفاية ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بهما الأعرابي في حديث المسيء صلاته مع ذكره الوضوء والاستقبال وجمع النبي صلى الله عليه وسلم بي صلاتين فترك الأذان للثانية والجمع بين صلاتين سنة فلو كان الأذان واجبا لما تركه لأجل سنة، وقال بعض أصحابنا فرض كفاية في الجمعة دون غيرها، فإن قلنا فرض كفاية فتركه أهل بلد أو محلة قوتلوا على تركه، وإن قلنا سنة لم يقاتلوا على المذهب الصحيح المختار كما لا يقاتلون على سنة الظهر وغيرها، وقال بعض أصحابنا: يقاتلون لأنه شعار ظاهر، أ. هـ؛ قاله النووي
(1)
.
فائدة: وشرط المؤذن: الإسلام فلا يصح أذان الكافر لأنه ليس من أهل الصلاة فلا يكون داعيا إليها، والتمييز لأن غير المميز ليس من أهل العبادة والعقل، ولذلك لا يصح أذان السكران الذي لا تمييز له في الأظهر كالمجنون، والذكورة فلا يصح أذان المرأة والخنثى للرجال قياسا على إمامتهما لهم، فلو بانت ذكورة الأنثى بعد أذانهما فالوجه إجزاؤه، ويشترط أيضا أن يكون عارفا بالوقت إذا كان راتبا
(2)
، قال النووي:"ووقع في كلام بعضهم أنه مستحب وهو مؤول"
(3)
، ويستَحب أن يكون حرًّا بالغًا لما روى البيهقي أن عمر رضي الله عنه قال
(1)
الأذكار (ص 86)، والمجموع (3/ 81 - 82).
(2)
النجم الوهاج (2/ 53).
(3)
المجموع (3/ 102).
لقيس بن أبي حازم التابعي الجليل: من مؤذنوكم؟ قال: مؤذنونا كذا وعبيدنا، فقال: إن ذلك لنقص كبير، ويصح أذان الأعمى لكن يكره إذا لم يكن معه بصير
(1)
، ومن شرط الأذان الوقت لأنه إعلام به فلا يصح قبله اتفاقا إلا الصبح فمن نصف الليل وفيه أقوال، الخامس منها: أنه من السحر قبيل طلوع الفجر وصححه النووي تبعا للقاضي والبغوي والمتولي، وضبطه بين الفجر الكاذب والصادق لأنه المنقول عن بلال رضي الله عنه
(2)
والله أعلم.
368 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان وَله ضراط حَتَّى لا يسمع التأذين فَإِذا قضي الأذَان أقبل فَإِذا ثوب أدبر فَإِذا قضي التثويب أقبل حَتَّى يخْطر بَين الْمَرْء وَنَفسه يَقُول اذكر كَذَا اذكر كَذَا لما لم يكن يذكر من قبل حَتَّى يظل الرجل مَا يدْرِي كم صلى، رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
(3)
، قَالَ الْخطابِيّ رحمه الله التثويب هُنَا الإِقَامَة والعامة لا تعرف التثويب إِلَا قَول الْمُؤَذّن فِي صَلَاة الْفجْر الصَّلاة خير من النّوم وَمعنى التثويب الإِعْلَام بالشَّيْء والإنذار بِوُقُوعِهِ وَإِنَّمَا سميت الإِقَامَة تثويبا لِأَنَّهُ إِعْلَام بِإِقَامَة الصَّلَاة وَالأَذَان إِعْلَام بِوَقْت الصَّلَاة.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
(1)
النجم الوهاج (2/ 53).
(2)
النجم الوهاج (2/ 59 - 60).
(3)
أخرجه مالك (177)، والبخارى (608) و (1222) و (1231) و (1232) و (3285)، ومسلم (16 و 17 و 18 و 19 و 20 - 389) و (83 و 84 - 389)، وأبو داود (516)، والنسائى في المجتبى 2/ 151 (681) والكبرى (1795).
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين"؛ لطيفة: شبه إشغال الشيطان نفسه وإغفالها عن سماع التأذين بالصوت ثم سماه ضراطًا تقبيحًا له
(1)
، وقيل: إن الحمار إذا كان حمله ثقيلا جدا أو يعدو يخرج منه الضراط لثقل الحمل وشدة العدو، وكذلك الشيطان يخرج منه الضراط لثقل الأذان عليه وهو مثل معنى يثقل عليه الأذان كما يثقل على أحدكم الحمل حتى يخرج منه الضراط، انتهى، قاله في شرح المصابيح
(2)
؛ قال العلماء رضي الله عنهم: وإنما أدبر الشيطان عند الأذان لئلا يسمعه فيضطر إلى أن يشهد له بذلك يوم القيامة لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع قول المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" قال القاضي عياض: وقيل: إنما يشهد له المؤمنون من الجن والإنس فأما الكافر فلا شهادة له ولا يقبل هذا من قائله لما جاء في الآثار من خلافه، وقيل: هذا فيمن تصح منه الشهادة فمن يسمع، وقيل: بل هو عام في الحيوان والجماد وأن الله تعالى يخلق لهما ولما لا يعقل من الحيوان إدراكًا للأذان وعقلا ومعرفة، وقيل: إنما يدبر الشيطان لعظم أمر الأذان لما اشتمل عليه من قواعد التوحيد وإظهار شعائر الإسلام وإعلانه، وقيل: ليأسه من وسوسة الإنسان عند الإعلان بالتوحيد قاله النووي في شرح مسلم
(3)
.
(1)
تحفة الأبرار (1/ 247).
(2)
المفاتيح (2/ 46).
(3)
شرح النووى على مسلم (4/ 92).
تنبيه: فإن قلت كيف يهرب الشيطان عند الأذان ولا يهرب عند الصلاة فيهما قراءة القرآن؟ قلت: لما يرى من أنها إنفاق الكل على الإعلان بشهادة التوحيد وإقامة شعار الشريعة ومن نزول الرحمة العامة عليهم ومن يأسه أن يردهم عما أعلنوا، وقيل: لا فلا يضطر إلى الشهادة لابن آدم بشهادة اعترافه بالوحدانية يوم القيامة كما تقدم، قاله الكرماني
(1)
.
فائدة: روى النسائي في آخر سننه الكبرى من حديث الحسن عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل فإذا تغولت لكم الغيلان فبادروا بالأذان"
(2)
قال النووي رحمه الله
(3)
: ولذلك ينبغي أن يؤذن أذان الصلاة إذا عرض للإنسان شيطان لما روي مسلم عن سهيل بن أبي صالح أنه قال: أرسلني أبي إلى بني حارثة ومعي غلاء لنا أو صاحب لنا فناداه مناد من حائط باسمه فأشرف الذي معي على الحائط فلم ير شيئا فذكرت ذلك لأبي فقال: لو شعرت أنك تلقى هذا لم أرسلك ولكن إذا سمعت صوتا فناد بالصلاة فإني سمعت أبا هريرة حدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا الشيطان إذا نودي بالصلاة أدبر"
(4)
انتهى، قاله في حياة الحيوان
(5)
.
(1)
الكواكب الدرارى (5/ 8).
(2)
أخرجه أحمد 3/ 305 (14277) و 3/ 381 (15091)، والنسائى في الكبرى (10902) واليوم والليلة (955)، وابن خزيمة (2548). وضعفه الألباني في الضعيفة (1140)
(3)
الأذكار (ص 237).
(4)
أخرجه مسلم (18 - 389).
(5)
حياة الحيوان (2/ 264).
قوله صلى الله عليه وسلم: "فإذا قضى الأذان أقبل فإذا ثوب أدبر فإذا قضى التثويب أقبل" قال الحافظ نقلا عن الخطابي المراد بالتثويب هنا الإقامة ومعنى التثويب الإعلام بالشيء والإنذار بوقوعه، وإنما سميت الإقامة تثويبا لأنه إعلام بإقامة الصلاة والأذان إعلام بوقت الصلاة، انتهى، مأخوذ من قولهم ثاب إذا رجع
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يخطر بين المرء ونفسه" الحديث، يخطر بضم الخاء وكسرها هما لغتان حكاهما القاضي عياض في المشارق
(2)
، قال: ضبطناه عن المتقنين بالكسر وسمعناه من أكثر الرواة بالضم، قال: والكسر هو الوجه في هذا ومعناه أنه يوسوس ومنه رمح خطا رأى ذو اضطراب وهو من قولهم خطر الفحل بذنبه إذا حركه فضرب به فجذبه، وفسره الخليل بهذا وأما بضم الطاء فمن السلوك والمرور أي يدنوا منه فيمن بين نفسه وبينه وبين قلبه فيذهله عما هو فيه، وبهذا فسره الشارحون للموطأ وغيره
(3)
.
تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يخطر بين المرء وبين نفسه" أو قال "قلبه"، فإن قلت: كيف يتصور خطورة بين المرء ونفسه وهما عبارتان عن شيء واحد؟ قلت: إما أن يراد بالنفس الروح أو القلب فهو كقوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ}
(4)
وإما أن يكون تمثيلا لغاية القرب منه، أ. هـ. قاله الكرماني
(5)
.
(1)
معالم السنن (1/ 155).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 234 - 235).
(3)
شرح النووى على مسلم (4/ 92).
(4)
سورة الأنفال، الآية:24.
(5)
الكواكب الدرارى (5/ 8).
قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى" وظل هنا بالظاء القائمة المفتوحة بمعنى يصير كما في قوله تعالى: {ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ}
(1)
كذا رواهما فيها وكذا قال الداودي، وقيل: يظل هاهنا يبقى ويدوم كما قال ظللت ردائي فوق رأسي قاعدا، وحكى الداودي أنه روى يضل بكسر الضاد وهو من الضلال وهو التحير والكسر في المستقبل أشهر كما قال تعالى:{أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى}
(2)
أي تنسى وهو صحيح والضلال النسيان أيضًا وهذا التفسير يأتي على رواية مالك في كتابه فإنه إنما ذكره هو بالظاء بمعنى يصير وهو أليق بالكلام أهـ، قاله عياض
(3)
. والمقصود أن الشيطان يسهيه في صلاته.
369 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "إِن الشَّيْطَان إِذا سمع النداء بِالصَّلَاةِ ذهب حَتَّى يكون مَكَان الروحاء"، قَالَ الرَّاوِي والروحاء من الْمَدِينة على سِتَّة وَثلاثِينَ ميلًا رَوَاهُ مُسلم
(4)
.
قوله: عن جابر هو جابر بن عبد الله الصحابي بن الصحابي كنيته أبو عبد الله وقيل أبو عبد الرحمن وقيل أبو محمد جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام بالراء بن الخزرج الأنصاري السلمي المدني هو أحد المكثرين الروايات عن
(1)
سورة النحل، الآية:58.
(2)
سورة البقرة، الآية:282.
(3)
مشارق الأنوار (1/ 331).
(4)
أخرجه مسلم (15 - 388)، وابن خزيمة (393)، وابن حبان (1664).
رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعون حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على ستين حديثًا وانفرد البخاري بستة وعشرين حديثًا ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثا توفي جابر بالمدينة سنة ثلاث وسبعين. وقيل سنة ثمان وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وكان قد عمى بصره في آخر عمره ومناقبه كثيرة مشهورة فحيث أطلق جابر في كتب الحديث فهو جابر بن عبد الله هذا وإذا أرادوا جابر بن سمرة قيدوه بسمرة
(1)
والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الشيطان إذا سمع النداء بالصلاة ذهب حتى يكون مكان الروحاء" قال الراوي: والروحاء من المدينة على ستة وثلاثين ميلا رواه مسلم قاله المنذري، وقال غيره من العلماء والروحاء بفتح الراء والحاء المهملتين والمد وهي موضع من عمل الفرع بضم الفاء وإسكان الراء المهملة من عمل المدينة وقيل اسم بلد وبينها وبين مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وثلاثون ميلا كما ذكره الراوي في صحيح مسلم
(2)
.
وحكى صاحب المطالع أن بينهما أربعين ميلًا وأن في كتاب ابن أبي شيبة بينهما ثلاثين ميلا كما تقدم
(3)
، روي أنه كان لبني سليم معدن لا يزال يصاب فيهم الإنسان من قبل الجن فشكوا ذلك إلى زيد بن أسلم فأمرهم بالأذان فيه وأن
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 142 - 143 ترجمة 100).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 305)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 132).
(3)
مطالع الأنوار (3/ 208)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 132).
يرفعوا به أصواتهم ففعلوا فانسلخ ذلك عنهم
(1)
قاله في شرح مشارق الأنوار.
370 -
وَعَن مُعَاوِيَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول المؤذنون أطول النَّاس أعناقا يَوْم الْقِيَامَة، رَوَاهُ مُسلم
(2)
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه
(3)
.
قوله: عن معاوية هو معاوية بن أبي سفيان تقدم الكلام مبسوطًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "المؤذنون أطول الناس أعناقا يوم القيامة" الحديث، هذا عام أريد به الخصوص فلا يدخل فيه الأنبياء ونحوهم بل يحمل على أنهم أطول الأمة فى ذلك فأما الأنبياء والعلماء والأولياء والشهداء فلهم مراتب أخرى أعلى من ذلك ولا يلزم من اتصافهم بوصف أن لا يفوقهم غيرهم في أوصاف أخر
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أعناقًا"، هو بفتح الهمزة على المشهور وهو جمع عنق واختلف السلف والخلف في معناه فقيل معناه أكثر الناس تشوفا إلى الله
(1)
أخرجه ابن سعد في الطبقات - الجزء المتمم (1/ 315)، وابن أبى الدنيا في الاشراف (470)، واللالكائى في كرامات الأولياء (ص 127).
(2)
أخرجه مسلم (14 - 387)، وابن ماجه (725)، وابن حبان (1669).
(3)
أخرجه ابن حبان (1669)، والطبراني في الأوسط (7/ 61 رقم 6851). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن خالد بن أبي الصلت إلا القعنبي وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 326: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو الصلت، قال المزي: روى عنه علي بن زيد، ولم يذكر غيره. وقد روى عنه ابنه خالد بن أبي الصلت في الطبراني، في هذا الحديث، وبقية رجاله موثقون. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (243).
(4)
انظر: نوادر الأصول (2/ 7 - 8).
تعالى لأن المتشوف يطيل عنقه لما يتطلع إليه فمعناه كثرة ما يرونه من الثواب
(1)
وقيل معناه أكثر الناس رجاء يوم القيامة لأن من رجا شيئا مد عنقه إليه
(2)
، وقال ابن الأعرابي معناه أكثر الناس أعمالا وقالوا فلان عنق من الخير أي قطعه
(3)
وقيل هو من طول الأعناق حقيقة لأن الناس يوم القيامة إذا كانوا في الكرب والعرق والازدحام منهم من يلحقه العرق ومنهم من يبلغ شحمة أذنه ومنهم من يعلوه فوق رأسه كان المؤذنون يومئذ أطول الناس رقابا وأرفعهم رؤوسا مشرئبين أي رافعي رؤوسهم لأن يؤذن لهم في دخول الجنة مجازاة لهم على ليهم أعناقهم يمينا وشمالا في الحيعلتين
(4)
.
قال الشيخ شرف الدين الدمياطي: قلت ويحتمل أعناقهم لا تزيد طولا وإنما هو لعلو مكانهم وأنهم يكونون يوم القيامة على كثيب المسك والناس في أرض المحشر كما سيأتي في حديث ابن عمر "فرؤوس الناس مستوية" الاستواء موقفهم وطولهم فهم يشرفون على الناس بطولهم وأعناقهم بعلو مكانهم وارتفاع مما تحت أرجلهم وهذا ليس ببعيد
(5)
وقيل معناه أكثر الناس أتباعا يقال فلان جاء في عنق من الناس أي في جماعة كثيرة ومنه قوله تعالى
(1)
شرح النووى على مسلم (4/ 91 - 92).
(2)
المفاتيح (2/ 45).
(3)
شرح السنة (2/ 277).
(4)
شرح السنة (2/ 278)، والمسالك (2/ 328)، ومطالع الأنوار (5/ 7)، والميسر (1/ 192)، والمفاتيح (2/ 45).
(5)
المتجر الرابح (ص 55).
{فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ} [الشعراء: 4] أي جماعاتهم أي المؤذنون أكثر الناس أتباعا وهم من أجابوه إلى الصلاة
(1)
وقيل معناه أنهم سادة رؤساء والعرب تصف السادة بطول الأعناق
(2)
وقيل طول العنق كناية عن علو درجته وأنافته على غيره إذ العرب تصف السادة بطول الأعناق كما تقدم كما أن خضوع العنق وانكساره كناية عن الحيرة والهوان والهيم
(3)
أو وصفهم بطول الأعناق لأنهم مشرئبون يومئذ تحقيقا لطمعهم في دخول الجنة
(4)
وأن من رجى شيئًا طال إليه عنقه وهو وجه حسن لما فيه من المطابقة بين المؤذنين وبين ما وصفوا به وذلك لأنهم يمدون أعناقهم إذا رفعوا أصواتهم بالأذان فيجازون في القيامة بما يناسب حالهم في العبادة وهو أن الناس يكونون في الكرب وهم في الروح أي الرحمة فيشرئبون أن يؤذن لهم في دخول الجنة
(5)
.
وفي جميل الغرائب تفسيره الدنو من رحمة الله تعالى
(6)
، وفي نوادر الأصول "المؤذنون هم دعاة إلى الله" فزيدوا على الناس مرتبة بطول أعناقهم ليشرفوا على الناس بأعناقهم وهذا الطول عندنا في شخصهم وخيالهم فأما نفس الخلقة فحيث خلقها الله من جنس خلق أهل الجنة
(7)
، ورواه بعضهم
(1)
الحاوى (2/ 61)، وشرح السنة (2/ 278)، والبيان (2/ 56)، وشرح المشكاة (3/ 910).
(2)
مشارق الأنوار (2/ 92).
(3)
الميسر (1/ 192 - 193).
(4)
الميسر (1/ 192).
(5)
النهاية (3/ 210)، والمفاتيح (2/ 45).
(6)
قاله يونس بن عبيد كما في إكمال المعلم (2/ 255).
(7)
نوادر الأصول (2/ 6).
إعناقا بكسر الهمزة أي أكثر إسراعا إلى الجنة ومنه الحديث: "لا يزال المؤمن معنقا صالحا ما لم يصب دما حرامًا" أي مسرعا في طاعته منبسطا في عمله والأعناق والعنق السير بسرعة وقال بعضهم العنق الخطو الفسيح ومنه أيضا الحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنه كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص" والنص فوق العنق
(1)
.
371 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "لَو أَقْسَمت لبررت إِن أحب عباد الله إِلَى الله لرعاة الشَّمْس وَالْقَمَر يَعْنِي المؤذنين وَإِنَّهُم ليعرفون يَوْم الْقِيَامَة بطول أَعْنَاقهم"، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأَوْسَط
(2)
.
قوله عن أنس تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أقسمت لبررت" القسم الحلف.
(1)
النهاية (3/ 310).
(2)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 106 رقم 4808)، والخطيب في تاريخ بغداد (4/ 167)، وابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 321، 322).
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد 1/ 326 - 327: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه جنادة بن مروان، قال الذهبي: اتهمه أبو حاتم.
وقال الحافظ: هذا حديث غريب. ونقل عن الطبراني أنه قال -بعد أن روي بهذا السند ستة أحاديث-: لم يرو هذه الأحاديث عن أنس إلا الحارث بن النعمان.
قال الحافظ: وهو ابن أخت سعيد بن جبير، وقد ضعفه البخاري وأبو حاتم -انظر: الضعفاء الصغير (ص 60) - والراوي عنه جنادة -بضم الجيم وتخفيف النون- ضعفه أبو حاتم أيضا، وخالفه ابن حبان فذكره في الثقات. وضعفه الألباني في الضعيفة (5038) وضعيف الترغيب (159).
قوله: لبررت ومعناه لم أحنث في حلفي.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحب عباد الله إلى الله لرعاة الشمس والقمر" يعني المؤذنين وإنهم ليعرفون بطول أعناقهم تقدم الكلام على ذلك في حديث معاوية.
372 -
وَعَن ابْن أبي أوفى رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "إِن خِيَار عباد الله الَّذين يراعون الشَّمْس وَالْقَمَر والنجوم لذكر الله" رَواهُ الطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَزَّار وَالْحَاكِم وَقَالَ: صَحِيح الإِسْنَاد ثمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفًا وَقَالَ: هَذَا لَا يفْسد الأول لِأَن ابْن عُيَيْنَة حَافظ وَكَذَلِكَ ابْن الْمُبَارك انْتهى، وَرَواهُ أَبُو حَفْص بن شاهين وَقَالَ تفرد بِهِ ابْن عُيَيْنَة عَن مسعر وَحدث بِهِ غَيره وَهُوَ حَدِيث غَرِيب صَحِيح
(1)
.
قوله: عن ابن أبي أوفى الصحابي ابن الصحابي كنيته أبو إبراهيم وقيل: أبو محمد وقيل: أبو معاوية عبد الله بن أبي أوفى واسم ابن أبي اوفى علقمة وقيل:
(1)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1304)، والبزار (3350) و (3351)، والطبراني في الدعاء (1876)، وابن شاهين في الأفراد (مجموع 37/ لوحة 83)، والمخلص في المخلصيات (3102)، وأبو نعيم في "الحلية"(7/ 227)، والحاكم (1/ 51)، والبيهقي (1/ 558 رقم 1781)، والبغوى (398).
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا رواه عن مسعر بهذا الإسناد إلا سفيان بن عيينة، ومحمد بن الوليد الذي حدثنا بهذا الحديث لا نعلم أحدا تابعه على روايته عن يحيى بن أبي بكير عن ابن عيينة، والحديث إنما يعرف لعبد الجبار، والصحيح الذي روى عن مسعر، عن إبراهيم، عن رجل، عن أبي الدرداء موقوفًا. وقال ابن شاهين: تفرد به سفيان بن عيينة عن مسعر ما حدث به عنه غيره وهو حديث غريب صحيح حسن قد حدث به عن ابن عيينة يحيى بن أبي بكير الكرماني. وقال أبو نعيم: تفرد سفيان عن مسعر برفعه. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 327: رواه الطبراني في الكبير والبزار، ورجاله موثقون، [لكنه معلول]. وصححه الألباني في الصحيحة (3440) وصحيح الترغيب (244).
طعمة بضم الطاء وإسكان العين المهملة بن خالد بن الحارث بن أسيد بفتح الهمزة بن رفاعة بن ثعلبة بن هوازن الأسلمي شهد بيعة الرضوان وخيبر وما بعدها من المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يزل بالمدينة حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم تحول إلى الكوفة وهو آخر من بقي من الصحابة بالكوفة روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وتسعون حديثا اتفق منها على عشرة وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بحديث ونزل الكوفة وتوفي بها سنة ست وثمانين وقيل سنة سبع أو ثمان وهو آخر من توفي من الصحابة بالكوفة
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "إن خيار عباد الله الذين يراعون الشمس والقمر والنجوم لذكر الله" يعني المؤذنين.
حادثة: سئل شيخ الإسلام أيما أفضل الرئيس الذي يراعي الشمس والقمر والنجوم والأظلة لذكر الله تعالى وينصب محاريب المسلمين أو المؤذن الذي يجهل ذلك؟ فقال: الأول قائم بفرض والثاني قائم بسنة فالأول يفضل الثاني بهذا الاعتبار وللثاني فضيلة الأذكار والقيام بالشعار فهو بالنظر لذلك له رجحان وتمييز انتهى.
والظاهر أن المؤذن أفضل مطلقا وإن كان قائما بسنة كمبتدئ الإسلام والمجيب فإن القائم بالشعار هو المؤذن والرئيس عالم بالوقت ومقصود العلم العمل انتهى قاله في الديباجة.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 261 الترجمة 281).
قوله: رواه أبو حفص ابن شاهين وقال: تفرد به ابن عيينة عن مسعر، قال أبو الفرج ابن الجوزي في كتابه تلبيس إبليس: وكان ابن شاهين قد صنف في الحديث مصنفات كثيرة أقلها جزء وأكثرها التفسير وهو ألف جزء وما كان يعرف من الفقه شيئًا
(1)
.
قوله: وقال تفرد به ابن عيينة عن مسعر ما حدث به غيره أما ابن عيينة فاسمه [سفيان] وأما مسعر فهو مسعر بن كدام الهلالي العامري الحافظ أبو سلمة الكوفي كان معادن الصدق وكان عنده نحو ألف حديث وكان من أثبت الناس وكان يسمى المصحف لكثرة ضبطه وكان شعبة وسفيان إذا اختلفا قالا اذهب بنا إلى الميزان مسعر بن كدام روى مسعر عن مائة شيخ لم يرو عنهم سفيان قال مصعب بن المقدام: لما مات مسعر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم وهو طائف فقفلت يا رسول الله مات مسعر قال نعم واستبشر لموته أهل السماء توفي سنة ثلاث وخمسين ومائة وقيل سنة خمس وخمسين ومائة روى له الجماعة
(2)
.
373 -
وَرُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن المؤذنين والملبين يخرجُون من قُبُورهم يُؤذن الْمُؤَذّن ويلبي الملبي" رَواهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط
(3)
.
(1)
تلبيس إبليس (ص 104).
(2)
انظر: تهذيب الكمال (27/ 461 - 469 الترجمة 5906).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (4/ 40 رقم 3558)، وابن شاهين في الترغيب في فضائل الأعمال (567)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 397) وقال الطبراني: لم يرو هذا =
قوله: عن جابر هو بن عبد الله تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن المؤذنين والملبين يخرجون من قبورهم يؤذن المؤذن ويلبي الملبي" الحديث وذكر ابن الجوزي عن جابر أيضًا رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "ثلاثة أصوات يباهي الله عز وجل بهن الملائكة الأذان والتكبير في سبيل اللّه ورفع الصوت بالتلبية" أخرجه ابن عساكر بإسناده من طريق رشدين ولا بأس به في الرقائق
(1)
وذكر ابن الجوزي أيضا في العلل من حديث أنس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يحشر المؤذنون يوم القيامة على نوق من نوق الجنة يقدمهم بلال رافعي أصواتهم ينظر إليهم الجمع فيقال من هؤلاء فيقال مؤذنو أمة محمد صلى الله عليه وسلم يخاف الناس ولا يخافون ويحزن الناس ولا يحزنون"
(2)
وقد
= الحديث عن أبي الزبير، إلا أبو بكر الهذلي، ولا عن أبي بكر، إلا أبو الوليد الضبي -وهو: العباس بن بكار-، ولا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 327: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه مجاهيل لم أجد من ذكرهم. وضعفه جدا الألباني في الضعيفة (2276) وضعيف الترغيب (160).
(1)
أخرجه الديلمى كما في الغرائب الملتقطة (1340)، وابن حجر في نتائج الأفكار (5/ 229 - 230). وقال ابن حجر: هذا حديث غريب. وضعفه الألباني في الضعيفة (3434).
(2)
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (15/ 28)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (10/ 461)، وابن الجوزى في العلل (1/ 391 رقم 653).
قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح وقال أحمد: داؤد ليس حديثه بشيء وقال يحيى ليس بشيء وقال علي بن المديني رميت حديثه وأما موسى بن إبراهيم فقال يحيى كان كذابا وقال الدارقطني: متروك. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (774).
روي عن ابن عمر موقوفًا ومرسلا ولا يصح مسندًا، وروى الحافظ أبو بكر الخطيب في كتاب موضح أوهام الجمع والتفريق: عن جابر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أول من يدخل الجنة الأنبياء ثم مؤذنو البيت الحرام ثم مؤذنو بيت المقدس ثم مؤذنو مسجدي ثم سائر المؤذنين قال ومؤذن البيت بلال"
(1)
رضي الله عنه وعن معقل بن يسار رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله لا يأذن لشيء من أهل الأرض أي لا يستمع إلا لأذان المؤذنين والصوت الحسن بالقرآن
(2)
.
وعن ابن عمر رضي الله عنه: قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أهل السماء لا يسمعون شيئا من الأرض إلا الأذان"
(3)
.
(1)
أخرجه بحشل في تاريخ واسط (ص 191 - 192)، والعقيلى في الضعفاء (4/ 114)، وأبو بكر الشافعى في الغيلانيات (928)، وابن عدى (9/ 329) ومن طريقه ابن الجوزى في العلل (1/ 392 - 393 رقم 656 و 657)، والخطيب في موضح أوهام الجمع (1/ 56). قال ابن الجوزى: هذا لا يصح والحمل فيه على محمد بن عيسى وهو الذي تفرد به قال البخاري منكر الحديث وقال ابن حبان: يروي عن ابن المنكدر العجائب وعن الثقات الأوابد.
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 216 رقم 501)، والخطيب في تاريخ بغداد (10/ 271)، وابن الجوزى في العلل (1/ 393 - 394 رقم 658). قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح وقال يحيى سلام لا يكتب حديثه وقال النسائي متروك وقال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج بخبر زيد العمي. وقال الألباني في الضعيفة (3108): موضوع.
(3)
أخرجه أبو أمية الطرطوسى في مسند ابن عمر (ص 24)، وأبو يعلى كما في اتحاف الخيرة (1/ 477 رقم 888) والمطالب (237)، وابن حبان في المجروحين (2/ 63 - 64)، =
374 -
وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة على كُثْبَان الْمسك وَأرَاهُ قَالَ يَوْم الْقِيَامَة زَاد فِي رِوَايَة يَغْبِطهُمْ الأَولونَ وَالآخرُونَ عبد أدّى حق الله وَحقّ موَالِيه وَرجل أم قوما وهم بهِ راضون وَرجل يُنَادي بالصلوات الْخمس فِي كل يَوْم وَلَيْلَة رَوَاهُ أَحْمد وَالتِّرْمِذِيّ من رِوَايَة سُفْيَان عَن أبي الْيَقظَان عَن زَاذَان عَنهُ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب
(1)
قَالَ الْحَافِظ وَأَبُو الْيَقظَان واه وَقد روى عَنهُ الثِّقَات واسْمه عُثْمَان بن قيس قَالَه التِّرْمِذِيّ وَقيل عُثْمَان بن عُمَيْر وَقيل عُثْمَان بن أبي حميد وَقيل غير ذَلِك
= وابن عدى في الكامل (5/ 520) ومن طريقه ابن الجوزى في العلل (1/ 394 رقم 659). قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح قال يحيى عبيد الله الوصافي ليس بشيء وقال الفلاس متروك الحديث. قال البوصيرى: هذا إسناد ضعيف، عبيد الله بن الوليد أجمعوا على ضعفه، وقال الحاكم: روى عن محارب بن دثار أحاديث موضوعة. وقال ابن حجر: عبيد الله ضعيف جدًّا. وقال الألباني: ضعيف جدا الضعيفة (3173).
(1)
أخرجه أحمد 2/ 26 (4799)، والترمذى في العلل (586) و (ص 377) والسنن (1986) و (2566)، والطبراني في الكبير (13/ 97 - 98 رقم 13740). قال الترمذى: سألت محمدا عن هذا الحديث فقال: هو حديث سفيان لا أعرفه من حديث غيره. وقال: هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلا من حديث سفيان الثوري، وأبو اليقظان اسمه: عثمان بن عمير، ويقال: ابن قيس. وقال الدارقطنى في العلل (3040): اختلف فيه على زاذان؛ فرواه أبو اليقظان، عثمان بن عمير، عن زاذان، عن ابن عمر.
وخالفه منصور بن زاذان، فرواه عن زاذان، عن أبي هريرة، وأبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم وكلاهما غير محفوظ. وضعفه الألباني في المشكاة (666)، ونقد التاج (184)، وضعيف الترغيب (161) و (255) و (1186).
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَالصَّغِير بِإِسْنَاد لا بَأْس بِهِ.
375 -
وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاثة لا يهولهم الْفَزع الأَكْبَر وَلَا ينالهم الْحساب هم على كثب من مسك حَتَّى يفرغ من حِسَاب الْخَلائق رجل قَرَأَ الْقُرْآن ابْتِغَاء وَجه الله وَأم بِهِ قوما وهم بِهِ راضون وداع يَدْعُو إِلَى الصَّلَاة ابْتِغَاء وَجه الله وَعبد أحسن فِيمَا بَينه وَبَين ربه وَفِيمَا بَينه وَبَين موَالِيه
(1)
. وَرَواَهُ فِي الْكَبِير.
376 -
وَلَفظه عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ لَو لم أسمعهُ من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَا مرّة وَمرَّة وَمرَّة حَتَّى عد سبع مَرَّات لما حدثت بِهِ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ثَلَاثة على كثْبَان الْمسك يَوْم الْقِيَامَة لا يهولهم الْفَزع وَلا يفزعون حِين يفزع النَّاس رجل علم الْقُرْآن فَقَامَ بِهِ يطْلب بِهِ وَجه الله وَمَا عِنْده وَرجل نَادَى فِي كل يَوْم وَلَيْلَة خمس صلوَات يطْلب وَجه الله وَمَا عِنْده ومملوك لم يمنعهُ رق الدُّنْيَا من طَاعَة ربه
(2)
.
(1)
أخرجه الطبراني في الأوسط (9/ 113 رقم 9280) والصغير (2/ 252 رقم 1116)، وأبو نعيم في الحلية (9/ 320) وأخبار أصبهان (2/ 311). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن بشير بن عاصم إلا عمرو بن أبي قيس، ورواه الثوري، عن أبي اليقظان، عن زاذان، عن ابن عمر.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 328: رواه الترمذي باختصار، وقد رواه الطبراني في الأوسط والصغير، وفيه عبد الصمد بن عبد العزيز المقرئ ذكره ابن حبان في الثقات.
وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (161) و (255) و (863) و (1186).
(2)
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 433 رقم 13584). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 327: رواه الطبراني في الكبير، وفيه بحر بن كنيز السقاء وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (161) و (863) و (1186).
قوله: عن عبد الله بن عمر تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة على كثبان المسك" قال: أراه قال يوم القيامة الحديث، الكثبان جمع كثيب وأصله الرمل المستطيل وقيل قطعة محدوبة وهو من الكثب وهو الشيء الصب وكل مصبوب كثب والكثبة اللبن القليل قاله صاحب المغيب في تفسير غريب القرآن والحديث، وأراه معناها أظنه.
قوله صلى الله عليه وسلم: زاد في رواية "يغبطهم الأولون والآخرون" الغبطة التمني وسيأتي الكلام على الغبطة مبسوطا في محله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عبد أدى حق الله وحق مواليه" حق الله معروف وهو ما عليه من الطاعة لله تعالى وحق مولاه هو ما عليه من الخدمة لسيده وسيأتي الكلام على ذلك في بابه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل أم قوم وهم به راضون" سيأتي الكلام على ذلك أيضًا. قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل ينادي بالصلوات الخمس في كل يوم وليلة" المراد بذلك الأذان.
قوله: رواه أحمد والترمذي من رواية سفيان عن أبي اليقظان واسمه عثمان بن قيس قاله الترمذي وقيل عثمان بن عمر وقيل عثمان بن أبي حميد وقيل غير ذلك قاله المنذري. قوله صلى الله عليه وسلم: في الرواية الأخرى "ثلاثة لا يهولهم الفزع الأكبر ولا ينالهم الحساب" الفزع الأكبر قيل هو إذا أطبقت النار على أهلها وقيل هو النفخ في الصور وقيل هو حين تعرض على النار وقيل: هو حين يذبح الموت، قاله في التنقيح على المصابيح
(1)
.
(1)
كشف المناهج (3/ 337).
377 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجلا وَهُوَ فِي مسير لَهُ يَقُول الله أكبر الله أكبر فَقَالَ نَبِي الله صلى الله عليه وسلم على الْفطْرَة فَقَالَ أشهد أَن لا إِلَه إِلَا الله قَالَ خرج من النَّار فَاسْتَبق الْقَوْم إِلَى الرجل فَإِذا راعي غنم حَضرته الصَّلَاة فَقَامَ يُؤذن رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَهُوَ فِي مُسلم بِنَحْوِهِ
(1)
.
قوله: عن أنس، تقدم.
قوله: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا وهو في مسير له يقول: الله أكبر الله أكبر، الحديث، معنى الله أكبر: أن ينسب إليه ما لا يليق بجلاله ووحدانيته وصمديته، وقال في النهاية: وقيل معناه: الله أكبر من كل شيء أي أعظم، وقيل: معناه الله أكبر من أن يعرف كنه كبريائه وعظمته، وراء أكبر في الأذان ساكنة لا تضم للوقف، فإذا وصل بكلام ضم
(2)
، انتهى.
قوله: فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "على الفطرة" أي: على الإسلام.
قوله: فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، قال:"خرج من النار" أي: بالتوحيد، ففيه أن الأذان مشروع للمنفرد وهذا هو الصحيح المشهور من مذهبنا ومذهب غيرنا، وتقدم الكلام على ذلك في أوائل الباب، وفيه أن النطق
(1)
أخرجه أحمد 3/ 132 (12351) و 3/ 229 (13399) و 3/ 241 (13532) و 3/ 253 (13652) و 3/ 270 (13852)، ومسلم (9 - 382)، والنسائي في اليوم والليلة (828)، وابن خزيمة (399)، وابن حبان (1665) و (4753). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (245).
(2)
النهاية (4/ 140).
بالشهادتين يكون إسلامًا وإن لم يكن باستدعاء ذلك منه، وهذا هو الصواب
(1)
، وقال بعض أصحاب الشافعي: لا يكون إسلامًا.
378 -
عَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ بِلال يُنَادي فَلَمَّا سكت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ مثل هَذَا يَقِينا دخل الْجنَّة رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فقام بلال ينادي" أي: يؤذن، بلال هو بلال بن رباح الحبشي، مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أول من أذن في الإسلام، ولم يؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير مرة لعمر رضي الله عنه حين دخل الشام فبكى الناس بكاء شديدًا، وروى ابن أبي شيبة وابن عبد البر أنه أذن لأبي بكر إلى أن مات ولم يؤذن لعمر، وأمه: حمامة، ووقع في الصحاح (حمام) وهو وهم، وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا، والله أعلم.
تتمة: وذكر ابن حزم في هذا الباب في الخلاء أنه لا يكمل حسن الحور العين في الجنة إلا بسواد بلال، فإنه يفرق سواده شامات في خدودهن فسبحان من أكرم أهل طاعته
(3)
، وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير السودان
(1)
المجموع (3/ 99) وشرح النووى على مسلم (4/ 84).
(2)
أخرجه أحمد 2/ 352 (8624)، والنسائى في المجتبى 2/ 154 (685) والكبرى (1802)، وابن حبان (1667)، والحاكم (1/ 204). وصححه الحاكم. وحسنه الألباني في المشكاة (676) وصحيح الترغيب (246) و (255).
(3)
النجم الوهاج (2/ 44).
ثلاثة: بلال، ومهج، ولقمان"
(1)
ومهج هو مولى عمر وهو أول قتيل قتل من المسلمين في بدر
(2)
.
تنبيه: والمؤذنون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أربعة: بلال وابن أم مكتوم كانا بالمدينة وأبو محذورة بمكة وسعد القرظ بقباء
(3)
، وأبو محذورة بالحاء المهملة وضم الذال المعجمة اسمه سلمة بن معير بميم مكسورة ثم عين ساكنة ثم مثناة تحت مفتوحة ثم راء، ويقال: أوس بن معير وهو قرشي جمحي كان من أحسن الناس صوتا، أسلم بعد الفتح وتوفي بمكة سنة تسع وخمسين، وقيل: غير ذلك، روى الدارمي وابن خزيمة أن النبي صلى الله عليه وسلم اختار أبا محذورة لحسن صوته، وروى البزار أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عشرين رجلا فأذنوا فأعجبه صوت أبي محذورة فعلمه الأذان، ولم يهاجر أبو محذورة ولم يزل مقيما بمكة إلى أن مات بها، قال ابن قتيبة: أسلم أبو محذورة بعد خيبر وبقي الأذان بمكة فيه وفي أولاده قرنا بعد قرن إلى زمن الشافعي رحمه الله تعالى
(4)
.
379 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ جَاءَ رجل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَلمنِي أَو دلَّنِي على عمل يدخلني الْجنَّة قَالَ كن مُؤذنًا قَالَ لا أَسْتَطِيع
(1)
أخرجه الحاكم (3/ 284). وصححه الحاكم. وقال الذهبى: كذا قال: مولى رسول الله، ولا أعرف ذا. وقال الألباني في الضعيفة (1455): منكر.
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 117 ترجمة 612).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 30).
(4)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 266 - 267 الترجمة 858).
قَالَ كن إِمَامًا قَالَ لا أَسْتَطِيع فَقَالَ فَقُمْ بإِزَاءِ الإِمَام رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَالطّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط
(1)
.
قوله: عن ابن عباس، تقدم الكلام على مناقبه.
قوله: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: علمني أو دلني على عمل يدخلني الجنة، قال:"كن مؤذنًا" قال: لا أستطيع، قال:"فقم بإزاء الإمام" أي: وراء الإمام.
380 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب كالشهيد المتشحط فِي دَمه يتَمَنَّى على الله مَا يَشْتَهِي بَين الأذَان وَالإِقَامَة رَوَاهُ الطبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَرَوَاهُ فِي الْكَبِير
(2)
.
(1)
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (1/ 37)، والعقيلى في الضعفاء (4/ 21)، والطبراني في الأوسط (7/ 363 - 364 رقم 7737)، وابن عدى في الكامل (7/ 284). قال أبو عبد الله البخارى: منكر الحديث، لا يتابع على هذا. قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سعيد بن جبير إلا أبو المعلى، ولا عن أبي المعلى إلا محمد بن إسماعيل، تفرد به: علي بن حميد. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 327: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه محمد بن إسماعيل الضبي، وهو منكر الحديث. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (162).
(2)
أخرجه أبو القاسم الطراز في الفوائد (140)، والطبراني في الأوسط (2/ 52 رقم 1221). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن سالم إلا قيس، تفرد به: إبراهيم.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 327: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه إبراهيم بن رستم ضعفه ابن عدي، وقال أبو حاتم: ليس بذاك، ومحله الصدق، ووثقه ابن معين. وضعفه الألباني في الضعيفة (852) وضعيف الترغيب (163).
381 -
وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمُؤَذّن الْمُحْتَسب كالشهيد المتشحط فِي دَمه إِذا مَاتَ لم يدود فِي قَبره وَفِيهِمَا إِبْرَاهِيم بن رستم وَقد وثق
(1)
.
قوله: عن ابن عمر، تقدم. قوله صلى الله عليه وسلم:"المؤذن المحتسب كالشهيد المتشخط في دمه" أي: يتخبط فيه ويضطرب ويتمرغ
(2)
. قوله صلى الله عليه وسلم: "يتمنى على الله ما يشتهي بين الأذان والإقامة"، والأذان هو في اللغة الإعلام، هذا أصله، قال الله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ}
(3)
أي: إعلام، {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ}
(4)
أي: أعلمهم، وفي الشرع: ذكر مخصوص شرع للإعلام
(1)
أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 422 رقم 14311)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (2/ 76)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (655). ووقع عند ابن الجوزى: عن عبد الله بن عمرو بن العاص. وقال الدارقطنى في العلل (3114): يرويه سالم الأفطس، واختلف عنه؛ فرواه إبراهيم بن رستم المروزي، وهو مشهور، وليس بقوي، عن قيس ابن الربيع، عن سالم، عن مجاهد، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه محمد بن الفضل بن عطية، فرواه عن سالم، عن مجاهد، عن ابن عمر، موقوفا، ورواه أبو إلياس، وهو ابن بنت وهب بن منبه، عن عكرمة بن خالد، وطاووس، وعطاء، ومجاهد، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا، والأشبه مرسلًا.
وقال الهيثمي في المجمع 2/ 3: رواه الطبراني في الكبير، وفيه محمد بن الفضل القسطاني ولم أجد من ذكره. وضعفه الألباني في الضعيفة (853) وضعيف الترغيب (164).
(2)
النهاية (2/ 449).
(3)
سورة التوبة، الآية:3.
(4)
سورة الحج، الآية:27.
بدخول وقت الصلاة المفروضة، والإقامة في الأصل مصدر أقام، وسمي الذكر بذلك لأنه يقيم إلى الصلاة، والأصل في مشروعيته قبل الإجماع قوله تعالى:{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}
(1)
الآية، وقوله:{إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ}
(2)
ومن السنة أحاديث منها: حديث عبد الله بن زيد المطول وتقدم في أول الباب، وكذلك تقدم شيء مما يتعلق بالأذان، وروى البزار أن النبي صلى الله عليه وسلم أرى الأذان ليلة الإسراء أو أسمعه مشاهدة فوق سبع سموات ثم قدمه جبريل عليه الصلاة والسلام قام أهل السماء والأرض وفيهم آدم ونوح فأكمل الله له الشرف على أهل السموات والأرض
(3)
وكان ينبغي أن يذكر بعض هذا في أول الباب مع ما تقدم لكن حصل ذهول عن ذكره هناك في كل خير.
قوله: في رواية الطبراني "المؤذن المحتسب إذا مات لم يدود في قبره" أي: لا يأكله الدود، يقال: داد الطعام وأداد ودود فهو مدود بكسر الواو وإذا وقع
(1)
سورة المائدة، الآية:58.
(2)
سورة الجمعة، الآية:9.
(3)
انظر: النجم الوهاج (2/ 42 - 43). والحديث المشار إليه: أخرجه البزار (508)، وابن شاهين في الناسخ (178)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (276).
قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ عن علي إلا بهذا الإسناد. وزياد بن المنذر فيه شيعية، وقد روى عنه مروان بن معاوية وغيره. وقال الأصبهاني: الحديث غريب لا أعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 328 - 329: رواه البزار، وفيه زياد بن المنذر وهو مجمع على ضعفه.
قال الحافظ في الفتح (2/ 218): وللبزار وغيره من حديث علي قال: فذكره، وفي إسناده زياد بن المنذر أبو الجارود وهو متروك.
فيه الدود وكذلك مسوس، قال الراجز:
قد أطعمتني دقلا حوليا
…
مسوسًا مدودًا حجريًّا
(1)
قاله الجوهري في صحاحه
(2)
، وقال الله تعالى:{وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}
(3)
قال قتادة ومجاهد: هو سوس النبات ودود الفاكهة
(4)
.
لطيفة: حكي عن الشيخ أبي العباس المرسي أن امرأة قالت له كان عندنا قمح مسوس طحناه فطحن السوس معه وكان عندنا فول مسوس دششناه فخرج السوس حيا، فقال له: صحبة الأكابر تورث السلامة، قلت: ويقرب من هذا ما حكاه ابن عطية في تفسير سورة الكهف أن والده حدثه عن أبي الفضيل الجوهري الواعظ بمصر أنه قال في مجلسه: من صحب أهل الخير عادت عليه بركتهم، هذا كلب صحب قوما صالحين وكان من بركتهم عليه أن ذكره الله في القرآن ولا يزال يتلى على الألسنة أبدًا، ولذلك قيل: من جالس الذاكرين انتبه من غفلته، ومن خدم الصالحين ارتفع بخدمته
(5)
.
فائدة من الفوائد المستغربة: ما أخبرني به بعض أهل الخيرات أن أسماء الفقهاء السبعة الذين كانوا بالمدينة الشريفة إذا كتبت في رقعة وجعلت في
(1)
زرارة بن صعب بن دهر كما في لسان العرب (3/ 167).
(2)
الصحاح (2/ 471).
(3)
سورة النحل، الآية:8.
(4)
حياة الحيوان (2/ 52).
(5)
حياة الحيوان (2/ 53).
القمح لا يسوس ما دامت الرقعة فيه، وهم مجموعون في قول الأول:
إلا أن من لا يقتدي بأئمة
…
فقسمته ضيري عن الحق خارجة
فخذهم عبيد الله عروة قاسم
…
سعيد أبو بكر سليمان خارجة
وأفادني بعض أهل التحقيق أن أسماءهم إذا كتبت وعلقت على الرأس أو ذكرت عليه أزالت الصداع العارض له، قاله الدميري في منافع الحيوان
(1)
.
382 -
وَرُوِيَ عَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا أذن فِي قَرْيَة أمنها الله عز وجل من عَذَابه ذَلِك الْيَوْم رَوَاهُ الطّبَرَانِيّ في معاجيمه الثَّلَاثَة
(2)
.
383 -
وَرَوَاهُ فِي الْكَبِير من حَدِيت معقل بن يسَار وَلَفظه قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا قوم نُودي فيهم بِالأَذَانِ صباحا إِلَّا كَانُوا فِي أَمَان الله حَتَّى يمسوا وَأَيّمَا قوم نُودي فيهم بِالأَذَانِ مسَاء إِلَا كَانُوا فِي أَمَان الله حَتَّى يصبحوا
(3)
.
(1)
حياة الحيوان (2/ 53 - 54). وقد ذكره السخاوي في الأجوبة المرضية (3/ 983) بتحقيقنا نقلا عن الدميري أيضا ولم يذكر دليلا مرفوعًا عليه، ولم أهتد إلى من يثبت هذا.
(2)
أخرجه الطبراني في الصغير (1/ 309 ر قم 499) والأوسط (4/ 83 رقم 3671) والكبير (1/ 257 رقم 746). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن صفوان بن سليم، إلا عبد الرحمن بن سعد، تفرد به: بكر بن محمد. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 328: رواه الطبراني في الثلاثة، وفيه عبد الرحمن بن سعد بن عمار ضعفه ابن معين. وضعفه الألباني في الضعيفة (2207) وضعيف الترغيب (165).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (20/ 215 رقم 498). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 328: رواه الطبراني في الكبير، وفيه أغلب بن تميم وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (166) والضعيفة (2606).
384 -
وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول يعجب رَبك من راعي غنم على رَأس شظية للجبل يُؤذن بِالصَّلَاةِ وَيُصلي فَيَقُول الله عز وجل انْظُرُوا إِلَى عَبدِي هَذَا يُؤذن وَيُقِيم الصَّلَاة يخَاف مني قد غفرت لعبدي وأدخلته الْجنَّة رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
(1)
.
"الشظية" بِفَتْح الشين وَكسر الظَّاء معجمتين وبعدهما يَاء مثناة تَحت مُشَدّدَة وتاء تَأْنِيث هِيَ الْقطعَة تَنْقَطِع من الْجَبَل وَلم تنفصل مِنْهُ.
قوله: عن عقبة بن عامر، هو: عقبة بن عامر بن عبس بن عمرو الجهني، واختلف في كنيته فقيل: أبو حماد، وقيل: أبو عمرو، وقيل: غير ذلك، روى عن عمر ولي مصر لمعاوية سنة أربع وأربعين ثم صرفه بمسلمة بن مخلد بضم الميم وفتح الخاء وتشديد اللام وفتحها، وكان له بدمشق دار مشهورة بناحية توما، وقيل: إنه حضر صفين مع معاوية مات سنة ثمان وخمسين، وصححه ابن عساكر، وقيل: سنة ثمان وثلاثين بمصر، ودفن بالمقطم في مقبرة مصر، وكان بنى بها دارا، قاله ابن يونس وولى غزو البحر سنة أربع وأربعين، وكان يخضب بالسواد وكان عالما بكتاب الله وبالفرائض وكان فصيحا شاعرًا مقرؤها، قال ابن يونس: ومصحفه الآن موجودًا بخطه رأيته
(1)
أخرجه أحمد 4/ 145 (17312) و 4/ 157 - 158 (17442 و 17443)، وأبو داود (1203)، وابن أبى الدنيا في العزلة (196)، والنسائى في المجتبى 2/ 148 (677)، وابن حبان (1660). وصححه الألباني في الصحيحة (41)، وصحيح أبى داود (1086)، وصحيح الترغيب (247) و (414).
عند ابن قديد على غير التآليف الذي في مصحف عثمان، وفي آخره، وكتبه عقبة بن عامر بيده، ولم أزل أسمع شيوخنا يقولون مصحف عقبة لا يشكون فيه، وكان له هجرة وسابقة، وكان من أحسن الناس صوتا بالقرآن، وتقدم الكلام أيضًا على بعض مناقبه
(1)
، قاله في شرح الإلمام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يعجب ربك من راعي غنم" الحديث، أي: عظم ذلك عنده وكبر لديه، وقيل: يرضي ويسر، أعلم الله سبحانه وتعالى أنه إنما يتعجب الآدمي من الشيء إذا عظم موقعه عنده وخفى عليه سببه فأخبرهم بما يعرفون ليعلموا موقع هذه الأشياء عنده، وقيل: معنى (عجب ربك) أي: رضى وأثاب فسماه عجبا مجازا وليس بعجب في الحقيقة كما قال الله عز وجل: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ}
(2)
معناه: ويجازيهم الله على مكرهم، والأول الوجه، ومنه الحديث:"عجب ربك من شاب ليست له صبوة" وإطلاق التعجب على الله مجاز لأنه لا يخفى عليه أسباب الأشياء، والتعجب ما خفى سببه ولم يعلم، قاله في النهاية
(3)
.
(4)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 336 الترجمة 414).
(2)
سورة الأنفال: 30.
(3)
النهاية (3/ 184).
(4)
ومن الصفات التي يثبتها ويؤمن بها أهل السنة والجماعة "صفة التعجب" فيصفون الله تعالى بالتعجب، لأنه وصف نفسه بها ووصفه بها رسوله صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه، على ما يليق بالله سبحانه وتعالى وهي من الصفات التي تتجدد حسب مشيئته تعالى وإرادته، فهي فعل من أفعال الله الكثيرة التي تصدر عن حكمة خفية لا يعلمها إلا الله تعالى.
قوله صلى الله عليه وسلم: "في رأس شظية للجمل" الشظية بفتح الشين وكسر الظاء معجمتين بعدها ياء مثناة تحت مشددة وتاء تأنيث هي القطعة تنقطع من الجبل ولم تنفصل منه، قاله الحافظ، وقال في النهاية: الشظية قطعة مرتفعة في رأس الجبل، والشظية الفلقة من العصى ونحوها، والجمع الشظايا وهو من التشظي التشعب والتشقق، ومنه الحديث:"إن الله تعالى لما أراد أن يخلق لإبليس نسلا وزوجة ألقى عليه الغضب فطارت شظية ووقعت منه أخرى من شدة الغضب"
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "انظروا إلى عبدي هذا يؤذن ويقيم الصلاة يخاف مني" الحديث، قال الخطابي رحمه الله: مذهب جمهور العلماء الذي جرى به العمل في الحرمين والحجاز والشام واليمن ومصر والمغرب إلى أقصى بلاد الإسلام أن الإقامة فرادى، قال: ومذهب عامة العلماء أنه يكرر قوله: قد قامت الصلاة إلا مالكا، فإن المشهور عنه أنه لا يكررها، والحكمة في إفراد الإقامة وتثنية الأذان أن الأذان لإعلام الغائبين فيكرر ليكون أبلغ في إعلامهم والإقامة للحاضرين فلا حاجة إلى تكرارها، ولهذا قال العلماء: يكون رفع الصوت في الإقامة دونه في الأذان، وإنما كرر لفظ الإقامة خاصة لكونه مقصود الإقامة والله أعلم
(2)
.
(1)
النهاية (2/ 476).
(2)
معالم السنن (1/ 152 - 154)، وشرح النووى على مسلم (4/ 78 - 79).
تنبيه: الإقامة تتعلق بنظر الإمام فلا تقيم إلا بإذنه لقوله صلى الله عليه وسلم: "المؤذن أملك بالأذان والإمام أملك بالإقامة"
(1)
رواه ابن عدي من رواية أبي هريرة فلو أقام المؤذن بغير إذن الإمام اعتد به على الأصح
(2)
.
385 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أذن اثْنَتَيْ عشرَة سنة وَجَبت لَهُ الْجنَّة وَكتب لَهُ بتأذينه فِي كل يَوْم سِتُّونَ حَسَنَة وَبِكُل إِقَامَة ثَلَاثُونَ حَسَنة رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط البُخَارِيّ
(3)
.
قَالَ الْحَافِظ وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن عبد الله بن صَالح كَاتب اللَّيْث وَإِن كَانَ فِيهِ كَلَام فقد روى عَنهُ البُخَارِيّ فِي الصَّحِيح.
(1)
أخرجه ابن عدى (5/ 18)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (267). قال ابن عدى: وهذا بهذا اللفظ لا يروى إلا عن شريك من رواية يحيى بن إسحاق عنه وإنما رواه الناس، عن الأعمش بلفظ آخر، وهو قوله الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن اللهم أرشد الأئمة واغفر للمؤذنين.
وقال البيهقى في الكبرى (2/ 30): وروي عن شريك، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة مرفوعا وليس بمحفوظ.
(2)
النجم الوهاج (2/ 59).
(3)
أخرجه البخارى في التاريخ الكبير (8/ 306)، والفاكهى في أخبار مكة (1323) و (1324)، وابن ماجه (728)، والبزار (5933)، والدارقطني في السنن (929 و 930)، والحاكم في المستدرك (1/ 204 - 205)، والبغوى (418). وصححه الحاكم. وقال أبو حاتم في العلل (366): هذا منكر جدًّا.
وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلم أحدًا يرويه إلا عبد الله بن صالح، عن يحيى بن أيوب، عن ابن جريج، عن نافع، عن ابن عمر. وقال البغوى: عبد الله بن صالح أبو صالح الجهني، مصري، كاتب الليث، صدوق، غير أنه وقع في حديثه مناكير. وصححه الألباني في الصحيحة (42) وصحيح الترغيب (248).
386 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أذن محتسبًا سبع سِنِين كتب لَهُ بَرَاءَة من النَّار وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث غَرِيب
(1)
.
قوله: عن ابن عباس، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من أذن محتسبًا سبع سنين كتبت له براءة من النار" الحديث أي مجانًا بلا أخذ شيء من الأجرة ومال الوقف [وفى أبى داود والترمذى من حديث عثمان بن أبى العاص قال: إن آخر ما عهد إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على أذانه أجرًا"
(2)
قاله الحافظ الدمياطى.
تتمة: نعم، لو كان المتطوع فاسقًا أو حرش الصوت، جاز أن يرزق أمينًا أو حسن الصوت فى أصح الوجهين وهما مبنيان على القولين فيما إذا طلبت الأم أجرة الرضاع ووجد الأب متبرعة، وأنه إذا كان فى البلد مساجد رزق مؤذنين بحسب المساجد والحاجة وإن أمكن جمعهم بلا مشقة فإن استأجر عليه جاز كما تقدم، لأنه عمل معلوم؛ فجاز الاستئجار عليه ككتبه المصحف، وهذا ما حكاه المتولى وأبو الطيب عن أكثر الأصحاب قال
(1)
أخرجه ابن ماجه (727)، والترمذى (206). وقال الترمذى: حديث غريب. وقال الألباني: ضعيف، المشكاة (664)، الضعيفة (850)، وضعيف الترغيب (167).
(2)
أخرجه أبو داود (531)، والترمذى (209)، والنسائى في المجتبى 2/ 152 (683) والكبرى (1797)، والحاكم (1/ 199، 201). وصححه الحاكم ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في الإرواء (1492).
الرافعى بالأظهر، ثم إذا جوزنا للإمام الاستئجار على الأذان فهل يجوز لآحاد الناس ذلك فيه وجهان أصحهما الجواز على الصواب، ثم إنه إذا استأجر من بيت المال لا يشترط بيان جملة المدة بل يكفى أن يقول استأجرتك كل شهر بكذا بخلاف ما إذا استأجر من مال الإمام أو الآحاد ففيه وجهان أصحهما عند النووى أنه لا تكفيه بل يجب بيان المدة
(1)
ذكره فى مختصر الكفاية
(2)
.
فرع: قال صاحب البحر: إذا لم يكن للمسجد منارة استحب أن يؤذن على بابه فإن أذن فى صحنه جاز وترك المستحب
(3)
.
فرع: يستحب أن يكون الأذان بقرب المسجد، ويكره أن يخرج من المسجد بعد الأذان قبل أن يصلي إلا لعذر ويستحب أن لا يكتفي أهل المساجد المتقاربة بأذان بعضهم، بل يؤذن في كل مسجد
(4)
].
ففي هذا الحديث أن الإحتساب بالأذان له رتبة عظيمة، وفيه أنه لا يجوز الإستئجار عليه، وبه قال أبو حنيفة كما لا يجوز عنده أخذ الأجرة على تعليم القرآن، ورخص فيه مالك، وكرهه الأوزاعي والشافعي، قال الشافعي: ولا
(1)
انظر: المجموع (3/ 126 - 128)، وكفاية النبيه (2/ 447 - 449)، والنجم الوهاج (2/ 66 - 67).
(2)
مختصر الكفاية (لوحة 196/ وجه ب ظاهرية 2175).
(3)
هادى النبيه (لوحة 34/ أ).
(4)
النجم الوهاج (2/ 59).
بأس أن يرزق من بيت المال أو من بعض الناس وصححه جماعات من أصحابنا آخرهم الرافعي والنووي، ولا يشترط بيان المدة إذا كان من بيت المال وإن كان من أحاد الناس اشترط على الأصح، وتدخل الإقامة في ذلك، ولا تفرد بالإستئجار، والفرق بين الرزق والأجرة أن الرزق هو أن يعطيه كفايته هو وعياله والأجرة ما يقع به التراضي
(1)
، قال النووي: والحديث محمول على الندب عند الشافعي
(2)
والحديث بمنع الأجرة على تعليم القرآن لم يصح بل في الصحيح ما يخالفه في حديث الرقية بالفاتحة على قطيع من الغنم بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله تعالى"
(3)
انتهى، قاله في شرح الإلمام.
قوله صلى الله عليه وسلم: "محتسبًا" أي: طالبا بأذانه وجه الله وما عنده مؤملا من فضل الله تعالى أن يجعله مما يحاسبه بثوابه يوم القيامة قد أعده ذخرًا له يوم فاقته وعند حاجته إلى الجزاء لم يأخذ عليه أجرا ولم يشتر به ثمنا ولم يطلب عليه ثناء ولا شكرًا قد أخلص فيه نيته وصحح عزيمته ووثوقا بالله ورسوله فيما وعدا به من حسن الجزاء وعظيم الثواب
(4)
.
فائدة فيها بشرى: روى أبو الشيخ الحافظ عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(1)
مغنى المحتاج (1/ 327)، وغاية البيان (ص 93).
(2)
المجموع (3/ 126).
(3)
أخرجه البخارى (5737) عن ابن عباس.
(4)
المتجر الرابح (ص 61).
"من أذن خمس صلوات إيمانا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه"
(1)
.
387 -
وَعَن سلمَان الْفَارِسِي رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا كَانَ الرجل بِأَرْض قي فحانت الصَّلَاة فَليَتَوَضَّأ فَإِن لم يجد مَاء فليتيمم فَإِن أقامَ صلى مَعَه ملكاه وَإِن أذن وَأقَام صلى خَلفه من جنود الله مَا لا يرى طرفاه رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي كِتَابه عَن ابْن التَّمِيمِي عَن أَبِيه عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ
(2)
.
القي بِكَسْر الْقَاف وَتَشْديد الْيَاء هِيَ الأَرْض القفر.
قوله: عن سلمان الفارسي، قال في شرح الإلمام: وكره قتادة أن سمي الفارسي وإنما هو سلمان المسلم، ذكره ابن أبي خيثمة، ولهذا يقال له ابن الإسلام، وأصله من أصبهان من قرية يقال لها جيّ بفتح الجيم وتشديد الياء، وكان أبوه دهقان أرضه وكان على المجوسية ثم لحق بالنصارى ثم صار إلى المدينة، وله قصة طويلة فيها، ذكر خروجه عن أبيه وخدمة جماعة ممن لم يعبر من الرهبان ثم إن آخرهم دله على نبينا صلى الله عليه وسلم في أرض الحجاز، قال
(1)
أخرجه البيهقى في الكبرى (1/ 636 رقم 2039)، والخطيب في تاريخ بغداد (6/ 587)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (58 و 283). قال البيهقى: لا أعرفه إلا من حديث إبراهيم بن رستم عن حماد ولم يصح إسناده. وضعفه الألباني في الضعيفة (851).
(2)
أخرجه عبد الرزاق (1955) ومن طريقه الطبراني في الكبير (6/ 249 رقم 6120). وأخرجه ابن المبارك في الزهد (341)، وابن أبى شيبة في المصنف 1/ 198 (2277)، والنسائى في الكبرى (11835)، والبيهقى في الكبرى (1/ 596 رقم 1906 و 1907) عن سلمان موقوفًا. قال البيهقى: هذا هو الصحيح موقوف وقد روي مرفوعًا ولا يصح رفعه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب (249) و (414).
الذهبي: وكان عند اليهود ممن أسلم بمكة والأول أثبت، قاله الطبري، وشهد الخندق وما بعده وجاء في فضله ومدحه أحاديث منها:"لو كان الدين بالثريا لناله رجال من هؤلاء" وفي رواية: "من أهل فارس" وفي رواية ضعيفة: "لو كان العلم بالثريا" فذكره، رواها ابن عدي وابن طاهر في التذكرة، ومنها:"إن الله يحب من أصحابي أربعة علي وأبو ذر وسلمان والمقداد" أخرجه الترمذي وابن ماجه، ومنها:"إن الجنة لتشتاق إلى سلمان وعلي وعمار" وقال فيه علي: إنه لقمان الحكيم أدرك العلم الأول والآخر وهو بحر لا ينزف، وآخى عليه السلام بينه وبين أبي الدرداء، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم:"سلمان منا أهل البيت"، وسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي طالب فقال:"ليس مني ولست منه" وأنشدوا فيه:
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
…
فلا تدع التقوى اتكالا على النسب
لقد رفع الإسلام سلمان فارس
…
وقد وضع الشرك اللعين أبا لهب
(1)
ومن مناقبه: قيل إنه اشترى وسقا من طعام فقيل له: يا أبا عبد الله تفعل هذا وأنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن النفس إذا أحرزت قوتها اطمأنت وتفرغت لعبادة الله تعالى وييأس منها الشيطان والوسواس، وتوفى بالمدائن سنة ست وثلاثين، وقيل: سنة سبع، وقال جعفر بن أحمد بن فارس الأصبهاني: سمعت العباس بن يزيد يقول: قال أهل العلم: عاش سلمان
(1)
البيتان ينسبان إلى على بن أبى طالب انظر تاريخ دمشق (21/ 426).
ثلثمائة سنة وخمسين سنة، فاما مائتين وخمسون فلا يشكوا فيه
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا كان الرجل بأرض فحانت الصلاة فليتوضأ فإن لم يجد ماء فليتيمم فإن أقام صلى معه ملكاه وإن أذن وأقامه صلى خلفه من جنود الله ما لا يرى طرفاه" الحديث، إن الإنسان إذا كان بأرض فلاة ودخل عليه وقت الصلاة فإن صلى بغير أذان ولا إقامة صلى وحده، وإن صلى بأذان وأقام صلى ملكاه فإن صلى بأذان وإقامة صلى معه صف من الملائكة أوله بالمشرق وآخره بالمغرب، قاله في مختصر الكفاية.
قوله: في آخر الحديث عن أبي عثمان النهدي، واسمه عبد الرحمن بن مل بفتح الميم وكسرها وضمها مع تشديد اللام ويقال: ملء بالكسر مع إسكان اللام وبعدها همزة، وسيأتي الكلام عليه مبسوطًا إن شاء الله تعالى.
(1)
انظر: التاريخ الكبير - السفر الثانى (1/ 262 - 263) لابن أبى خيثمة، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 226 - 228 الترجمة 218).