الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر
الغسل هو بفتح الغين وضمها والفتح أفصح عند اللغويين والضم أشهر عند الفقهاء، وبالكسر ما يغسل به من سدر ونحوه فالغسل بضم الغين هو اسم للاغتسال وهو في الاصطلاح غسل البشرة والشعر وهو المراد هنا وهو أيضًا اسم الماء الذي يغتسل به كالأكل لما يؤكل وهو الاسم أيضًا من غسلته، وأما الغسل بالفتح فهو مصدر غسل الشيء غسلًا
(1)
قاله النووي في شرح مسلم: لو أريد به الماء فهو مضموم وأما في المصدر فيجوز به الضم والفتح لغتان مشهورتان
(2)
واعلم أن حقيقته هو جريان الماء على العضو
(3)
، ولا يشترط الدلك وإمرار اليد تقول العرب غسلتني السماء ولا يدخل فيه لإمرار اليد، وقد وصفت عائشة رضي الله عنها غسل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم من الجنابة ولم تذكر دلكا
(4)
، ولما كان الغسل من الجنابة معلوما قبل الإسلام بقية من دين إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام كما بقي الحج والنكاح لم يحتاجوا إلى تفسيره بل خوطبوا {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}
(5)
الآية وهي
(1)
الكواكب الدرارى (3/ 110)، والنجم الوهاج (1/ 374).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 99).
(3)
شرح النووى على مسلم (4/ 2).
(4)
الكواكب الدرارى (3/ 110).
(5)
سورة المائدة، الآية:6.
دليل الباب وذلك نذر أبو سفيان ألا يمس رأسه ماء من جنابة حتى يغزو رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
(1)
، وأما الحدث الأصغر فلم يكن معروفا عندهم قبل الإسلام فلذلك بين أعضاءه وكيفيته والسبب الموجب له
(2)
انتهى.
278 -
عَن عمار بن يَاسر صلى الله عليه وسلم أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلاثَة لا تقربهم الْمَلَائِكَة جيفة الْكَافِر والمتضمخ بالخلوق وَالْجنب إِلَا أَن يتَوَضَّأ" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن الْحسن بن أبي الْحسن عَن عمار وَلم يسمع مِنْهُ
(3)
وَرَوَاهُ هُوَ وَغَيره عَن عَطاء الْخُرَاسَانِي عَن يحيى بن يعمر عَن عمار قَالَ قدمت على أَهلِي لَيْلَا وَقد تشققت يداي فخلقوني بزعفران فَغَدَوْت على رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَسلمت عَلَيْهِ فَلم يرد عَليّ السَّلَام وَلم يرحب بِي وَقَالَ اذْهَبْ فاغسل عَنْك هَذَا فغسلته ثمَّ جِئْت فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ ورحب بِي وَقَالَ إِن الْمَلأئِكَة لا تحضر جَنَازَة الْكَافِر بِخَير وَلا المتضمخ بزعفران وَلا الْجنب قَالَ وَرخّص للْجنب إِذا نَام أَو أكل أَو شرب أَن يتَوَضَّأ
(4)
.
(1)
أخرجه ابن يسار في السير والمغازى (1/ 210) عن عبد اللّه بن كعب بن مالك.
(2)
الروض الأنف (5/ 405)، والنجم الوهاج (1/ 374).
(3)
أخرجه أبو داود (4180)، والبيهقى في الكبرى (5/ 56 رقم 8974). وضعفه الألباني في المشكاة (464)، وحسنه في صحيح الترغيب (173).
(4)
أخرجه الطيالسى (681)، وأحمد 4/ 320 (18886)، وأبو داود (4176) و (4177)، والبزار (1402)، وأبو يعلى (1635)، والطبراني في الشاميين (2452)، والبيهقي في الكبرى (1/ 213 رقم 982) و (5/ 55 - 56 رقم 8972 و 8973). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (130).
قَالَ الْحَافِظ رحمه الله المُرَاد بِالْمَلَائِكَةِ هُنَا هم الَّذين ينزلون بِالرَّحْمَةِ وَالْبركَة دون الْحفظَة فَإِنَّهُم لا يفارقونه على حَال من الأحْوَال ثمَّ قيل هَذَا فِي حق كل من أخر الْغسْل لغير عذر ولعذر إِذا أمكنه الْوضُوء فَلم يتَوَضَّأ وَقيل هُوَ الَّذِي يُؤَخِّرهُ تهاونا وكسلا ويتخذ ذَلِك عَادَة وَاللّه أعلم.
قوله: عن عمار بن ياسر تقدمن الكلام على فضائله.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة لا تقربهم الملائكة جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب إلا أن يتوضأ" قال الحافظ قدس اللّه سره: والمراد بالملائكة هنا هم الذين ينزلون بالرحمة والبركة دون الحفظ فإنهم لا يفارقونه على حال من الأحوال
(1)
انتهى، وزاد بعض العلماء أيضا: المراد بالملائكة غير الحفظة وغير ملائكة الموت، وقيل أراد لا تحضره الملائكة بخير
(2)
.
قوله: "جيفة الكافر" المراد بجيفة الكافر ذاته حيا لأنه نجس قال اللّه تعالى {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ}
(3)
(4)
، وقد جاء في رواية أبي داود عن عطاء الخراساني عن يحيى بن يعمر عن عمار فذكره إلى أن قال:"إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير" والجنازة بكسر الجيم وفتحها وسيأتي الكلام على ذلك في الجنائز مبسوطًا.
(1)
معالم السنن 1/ 75.
(2)
النهاية 1/ 302 والنجم الوهاج 1/ 377.
(3)
سورة التوبة، الآية:28.
(4)
المفاتيح (1/ 424)، وشرح المشكاة (3/ 821)، وشرح المصابيح (1/ 302).
وعطاء الخراساني كنيته أبو عثمان، قال الحافظ أبو نعيم: كان عطاء الخراساني يغازي ويحيي الليل صلاة فإذا ذهب من الليل ثلثه أو نصفه نادى يا فلان ويا فلان قوموا وصلوا فإن قيام هذا الليل وصيام هذا النهار أيسر من شراب الصديد ومقطعات الحديد الوحا الوحا النجا النجا ثم يقبل على صلاته، أسند عن أنس بن مالك وعبد اللّه بن عمر وأبي هريرة وغيرهم من الصحابة توفي سنة خمس وثلاثين ومائة
(1)
قاله في مختصر مجمع الأحباب.
قوله: "والمتضمخ بالخلوق" المتضمخ بالضاد والخاء المعجمتين أي متدهن بالطيب مكثر منه يقال تضمخ بالطيب إذا تلطخ به وتلوث وأكثر منه
(2)
، والخلوق بفتح الخاء طيب معروف مركب يتخذ من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الحمرة والصفرة وهو العبير أيضا على تفسير الأصمعي
(3)
قال أبو عبيد: العبير بفتح العين وكسر الموحدة عند العرب هو الزعفران وحده
(4)
وقد ورد تارة بإباحته وتارة بالنهي عنه والنهي أكثر وأثبت وإنما نهي عنه لأنه من طيب النساء وكن أكثر استعمالا له منه والظاهر أن أحاديث النهي ناسخة قاله في النهاية
(5)
، وقال بعض العلماء وكراهة الخلوق
(1)
الحلية (5/ 193)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 334 - 335 الترجمة 410).
(2)
الكواكب الدرارى (8/ 69).
(3)
النهاية (2/ 71).
(4)
الغريب المصنف (2/ 420).
(5)
النهاية (2/ 71).
إنما هو للرجال والخنثاء دون النساء
(1)
، وقد صح النهي عن التخلق بالخلوق والحكمة في ذلك أن التخلق تشبه بالنساء
(2)
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال "لعن اللّه المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجل"
(3)
.
قوله: وروى أبو داود وغيره عن عطاء الخراشي عن يحيى بن يعمر عن عمار قال: قدمت على أهلي ليلًا وقد تشققت يداي فلقوني بزعفران "أي لطخوني بمال خلقتني به" فتخلق أي تلطخ فغدوت على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فسلمت عليه فلم يرد علي السلام ولم يرجب بي وقال: "اذهب فاغسل هذا عنك" فذهبت فغسلته ثم جئت فسلمت عليه فرد علي ورحب بي انتهى قاله المنذري، وقد يروى في حديث أنس بن مالك قال:"نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل" رواه الشيخان
(4)
قال الترمذي: معنى كراهة التزعفر للرجل أن يتطيب به
(5)
، وقال البغوي
(6)
: النهي عن التزعفر للرجل يتناول الكثير منه
(1)
كشف المناهج (4/ 37).
(2)
شرح النووى على مسلم (9/ 216)، والعدة شرح العمدة (3/ 1311)، والمفاتيح (1/ 424).
(3)
أخرجه البخارى (5885)، وابن ماجه (1904)، وأبو داود (4097)، والترمذى (2784) عن ابن عباس.
(4)
أخرجه البخارى (5846)، ومسلم (77 - 2101)، وأبو داود (4179)، والترمذى (2815)، والنسائى في المجتبى 5/ 68 (2726) عن أنس.
(5)
السنن عقب حديث (2815).
(6)
شرح السنة (12/ 79).
أما القليل منه فقد وردت الرخصة فيه للرجل فإنَّ النبي-صلى الله عليه وسلم رأى عبد الرحمن بن عوف وعليه ردع من زعفران فقال "مهيم" فقال: تزوجت امرأة فقال "ما أصدقتها؟ " قال: وزن نواة من ذهب قال "بارك اللّه لك أولم ولو بشاة"
(1)
الحديث، الردع بالراء والدال والعين المهملات لطخ من بقية لون الزعفران وقيل أثر الزعفران ولونه
(2)
قال النووي: والصحيح في معنى هذا الحديث أنه تعلق به أتر من الزعفران وغيره من طيب العروس ولم يقصده ولم يتعمد التزعفر، وقد ثبت في الصحيح النهي عن التزعفر للرجال وكذا نهي الرجال عن الخلوق لأنه شعار النساء وقد نهي الرجال عن التشبه بالنساء، وهو الصحيح في معنى الحديث وهو الذي اختاره القاضي والمحققون قال القاضي وقيل إنه رخص في ذلك العروس أيام عرسه وقد جاء ذلك في أثر ذكره أبو عبيدة أنهم كانوا يرخصون في ذلك للشاب أيام عرسه وقيل كان في أول الإسلام من تزوج لبس ثوبًا مصبوغًا علامة لسروره وزواجه قال وهذا غير معروف وقيل لعله كان يسيرا فلم يكره وقيل يحتمل أنه كان بثيابه دون بدنه وقد ذهب مالك وأصحابه إلى جواز لبس الثياب المزعفرة وحكاه مالك
(1)
أخرجه مالك في الموطأ (1570)، وابن ماجه (1907)، وأبو داود (2109)، والترمذى (094) و (1933)، والنسائى في المجتبى 5/ 536 (3397) و 5/ 537 (3398) و (3399) و 5/ 547 (3413) واللفظ له. وصححه الألباني في الإرواء (1923).
(2)
الصحاح للجوهري (3/ 1218)، ورياض الأفهام (4/ 667)، والكواكب الدرارى (7/ 158).
عن علماء المدينة وهو مذهب ابن عمر وغيره، وقال الشافعي وأبو حنيفة لا يجوز ذلك للرجل
(1)
.
وقوله: "مهيم" كلمة يمانية معناها ما شأنك؟ أو ما هذه الحالة
(2)
.
وقوله: "وزن نواة من ذهب" قال الخطابي النواة اسم لقدر معلوم عندهم فسروها بخمسة دراهم من ذهب وكذا فسرها أكثر العلماء
(3)
،
وقال أحمد بن حنبل: هي ثلاثة دراهم وثلث وقيل المراد نواة التمر أي وزنها من ذهب والصحيح الأول وقال بعض المالكية ربع دينار عند أهل المدينة وظاهر كلام أبي عبيد أنه دفع خمسة دراهم قال ولم يكن هناك ذهب إنما خمسة دراهم تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية
(4)
والله أعلم.
قوله: "ولا الجنب إلا أن يتوضأ" وفي الرواية الأخرى، ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب إن توضأ، قال الحافظ:"ثلائة لا تقربهم الملائكة" وعد منهم الجنب ثم قيل هذا في حق كل من أخر الغسل لغير عذر ولعذر إن أمكنه الوضوء فلم يتوضأ وقيل هو الذي يؤخره تهاونا وكسلا واتخذ ذلك عادة والله أعلم انتهى.
قال العلماء وسمي الجنب جنبا لأنه يجتنب الصلاة والمسجد والقراءة
(1)
شرح النووى على مسلم (9/ 216).
(2)
غريب الحديث (2/ 191)، وأعلام الحديث (2/ 994) ومعالم السنن (3/ 210)، وشرح السنة (9/ 134)، ومشارق الأنوار (1/ 395)، وشرح الزركشى على مختصر الخرقى (5/ 279).
(3)
معالم السنن (3/ 210).
(4)
شرح النووى على مسلم (9/ 216).
ويتباعد عنها والجنابة في اللغة البعد وسمي الجنب جنبا أيضا لأنه نهي أن يقرب مواضع الصلاة ما لم يتطهر وقيل لمجانبته الناس ضى يغتسل، والجنب في الشرع الذي يجب عليه الغسل بالجماع وخروج المني ويقع على الواحد وعلى الاثنين والجمع والمؤنث بلفظ واحد فقال رجل جنب ورجلان جنب ورجال جنب وامرأة وامرأتان ونسوة جنب بلفظ واحد وقد يجمع على أجناب وجنبين وأجنب جنب أجنابًا
(1)
قاله في الديباجة.
وقيل ليس معناه من أصابته جنابة فأخر الاغتسال ولكنه الجنب الذي يتهاون بالغسل ويتخذ تركه عادة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينام وهو جنب ويطوف على نساءه بغسل واحد انتهى، وزاد بعض العلماء على ما قاله المنذري أنه يدل على قلة دينه وخبث باطنه
(2)
.
تنبيه: وأما أحكام المسلم فيحرم على الجنب الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله واللبث في المسجد وقراءة القرآن ويجوز له العبور من غير لطف سواء كان لحاجة أم لا، وحكي عن سفيان الثوري وأبي حنيفة وأصحابه وإسحاق بن راهويه أنه لا يجوز له العبور إلا أن لا يجد بدا منه فيتوضأ ثم يمر، وقال أحمد يحرم المكث ويباح العبور للحاجة لا لغيرها وقال المزني وداود وابن المنذر: يجوز للجنب المكث في المسجد مطلقًا
(3)
انتهى قاله في الديباجة.
(1)
النهاية (1/ 302).
(2)
النهاية (1/ 302).
(3)
المهذب (1/ 63)، والتهذيب (1/ 281)، والغاية والتقريب (ص 7)، والمجموع (2/ 155) و (2/ 160)، والنجم الوهاج (1/ 382 - 383).
قوله: ورخص للجنب إذا نام أو أكل أو شرب أن يتوضأ، قال العلماء يستحب للجنب أن لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يجامع حتى يغسل فرجه ويتوضأ وضوءه للصلاة
(1)
، ففي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك
(2)
، وفي الحديث أيضا قالوا يا رسول اللّه أيرقد أحدنا وهو جنب قال نعم إذا توضأ أحدكم فليرقد
(3)
ففيه دليل على استحباب الوضوء للجنب قبل النوم ويستحب للمحدث أيضا حدثا أصغر أن يتوضأ قبل النوم نقله النووي عن الأصحاب
(4)
واختلفوا في وضوء الجنب فعند الشافعية أنه يستحب وفي مذهب مالك قولان أحدهما: الوجوب وعليه داود الظاهري وقد ورد بصيغة الأمر في بعض الروايات الصحيحة وهو قوله صلى الله عليه وسلم "توضأ وانضح ذكرك"
(5)
لما سأله عمر أنه تصيبه الجنابة من الليل والقائلون بالوجوب اختلفوا في علته فقال النووي قال أصحابنا علته لأنه يخفف الحدث فشأنه أنه يرفع الحدث عن أعضاء الوضوء وربما نشط للغسل فيغتسل بالبيت على إحدى الطهارتين خشية أن يموت في يومه
(1)
النجم الوهاج (1/ 386).
(2)
أخرجه البخارى (286) و (288)، ومسلم (21 و 22 - 305).
(3)
أخرجه البخارى (287) و (289) و (290)، ومسلم (23 و 24 و 25 - 306) عن ابن عمر.
(4)
المجموع (1/ 324).
(5)
كذا بالأصل وصوابه قوله لعمر: "توضأ واغسل ذكرك، ثم نم".
ذلك ولأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه جنب فيزول ذلك بالوضوء
(1)
واختلف في وجوبه للجنب عند المالكية وقال به أهل الظاهر، ونقله ابن العربي عن الشافعي ولا يعرف في مذهبه غير الاستحباب وعليه أكثر العلماء وقال بعض أشياخ المالكية: لا تسقط العدالة بتركه لاختلاف العلماء فيه والمراد به الوضوء الشرعي وفي رواية شعبة اغسل ذكرك ثم توضأ وارقد هذا هو الصحيح يعني الأمر بغسل الذكر قبل الوضوء
(2)
وقال الطوسي الأكبر: وإنما أمر بالوضوء عند النوم لأن الأرواح تصعد إلى اللّه تعالى وهي تبعث على ما فارقت أجسادها عليه في الدنيا
(3)
، والطوسي الأكبر هو أبو حامد أحمد بن محمد الغزالي الأكبر عم حجة الإسلام وهو أحد الأئمة من أصحاب الوجوه متفقة على أبي طاهر الزيادي ومات بطوس سنة خمس وثلاثين وأربعمائة قاله تاج الدين السبكي في طبقاته
(4)
قاله في شرح الإلمام.
تتمة: هذا الوضوء لا يبطله الحدث وإنما يبطل بالواقع بين الجماعين بمعاودة الجماع وإذا نام ولم يتوضأ فليستغفر اللّه تعالى، وتقدم أن مالكا لا
(1)
أنظر: المعلم (1/ 371)، شرح النووي على مسلم (3/ 218)، وإحكام الأحكام (1/ 135 - 136) والكواكب الدراري (3/ 151 - 152)، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (2/ 50).
(2)
المسالك (2/ 204 - 206)، والعدة شرح العمدة (1/ 213)، ورياض الأفهام (1/ 390 - 391).
(3)
المسالك (2/ 207).
(4)
ترجمه السبكى في طبقات الشافعيين (4/ 87 - 90) وابن قاضى شهبة في طبقات الشافعية (1/ 204/ 205).
يجوزه على قول قاله ابن العربي، وعلله بأنه لم يشرع لرفع حدث ينقضه الحدث، وإنما شرع عبادة فلا ينقضه إلا ما أوجبه
(1)
والله أعلم.
فرع في الوضوء بعد الوطئ: إذا قيل ما الوضوء وحقيقته؟ فهل الأولى أن ينوي به رفع الحدث الأصغر أو سنة العود أو رفع جنابة ما أصابه الماء من الأعضاء المغسولة؟
الظاهر الأولى لتكون عبادة مستقلة أو مخففة للحدث بزوال أحد الحدثين ويندرج فيه سنة الغسل
(2)
واللّه أعلم.
279 -
وَعَن عَليّ بن أبي طَالب كرم اللّه وَجهه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لا تدخل الْمَلائِكَة بَيْتا فِيهِ صُورَة وَلا كلب وَلا جنب" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(3)
.
280 -
وَعَن الْبَزَّار بِإِسْنَاد صَحِيح عَن ابْن عَبَّاس قَالَ ثَلَاثة لا تقربهم الْمَلائِكَة الجنب والسكران والمتضمخ بالخلوق
(4)
.
(1)
المسالك (2/ 206)، وعارضة الأحوذى (9/ 5 - 6).
(2)
انظر: فتح العزيز (2/ 179)، والمجموع (2/ 183)، وفتح القريب (ص 43).
(3)
أخرجه أحمد 1/ 150 (1290)، وابن ماجه (3650)، وأبو داود (227) و (4152)، (4) والنسائى في المجتبى 1/ 413 (266) و 7/ 64 (4319) والكبرى (253) و (4774)، وابن حبان (1205)، والحاكم (1/ 171). وصححه الحاكم. وضعفه الألباني في المشكاة (463) وضعيف أبى داود (30) وضعيف الترغيب (131).
(4)
أخرجه البزار كم في كشف الأستار (2930). قال البزار: رواه غير العباس بن أبي طالب مرسلًا، ولا نعلمه يروى عن ابن عباس إلا هذا الوجه، وروي عن عمار نحوه. وقال الهيثمي في المجمع =
قوله: عن علي بن أبي طالب تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا تدخل الملائكة بيتا فيه صورة ولا كلب ولا جنب" الحديث قال الخطابي إن الجنب تصحيف وصوابه جبت بالباء الموحدة وبالتاء المثناة فوق ومرده ما رواه الإمام أحمد في مسنده "لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا ذو جنابة" أي ولا صاحب جنابة تقدم الكلام على الجنب وسيأتي الكلام على الصورة والكلب في بابهما إن شاء اللّه تعالى.
سؤال: لم أمر بغسل جميع البدن في الجنابة دون البول؟
قيل: لأن تحت كل شعرة جنابة وأيضا كل عضو من أعضائك وجد لذة التمتع فيجب لكل عضو شكر وأيضا لمخالفة الكفار فإنهم لا يغتسلون فأمرك بالغسل لمخالفتهم ويقال لأنه ليس في الجنة اغتسال ليريهم قدر الجنة وأيضا التمتع على وفاق النفس والاغتسال على مخالفتها وخلاف الهوى واجب ولأن المني جاوز مياه المشركين في صلب آدم صلى الله عليه وسلم فقال اغتسل منه لأن زهومة مياه المشركين أصاب ماءك قاله في كشف الأسرار
(1)
.
فائدة: قال الغزالي في الإحياء
(2)
: ولا ينبغي أن يحلق أو يقلم أو يستحد أو يخرج الدم أو يبين من نفسه جزءًا وهو جنب إذ ترد إليه سائر أجزائه في
= (5/ 72): رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا العباس بن أبي طالب، وهو ثقة. وصححه الألباني في الصحيحة (1804) وصحيح الترغيب (174) و (2374).
(1)
كشف الأسرار (لوحة 42/ خ).
(2)
إحياء علوم الدين (2/ 51).
الآخرة فيعود جنبًا ويقال إن كل شعرة تطالبه بجنابتها. انتهى.
فائدة أخرى: خروج المني يوجب الغسل من الرجل والمرأة في النوم واليقظة ولا فرق عند الشافعي وأصحابه بين خروجه بجماع أو احتلام أو استمناء أو نظر أو بغير سبب سواء خرج بشهوة أو غيرها وسواء تلذذ بخروجه أو لا وسواء خرج كثيرا أو يسيرا من الرجل والمرأة العاقل أو المجنون فإن رأى منيا في فراش نام فيه هو وغيره ممن يمكن أن يمني فلا غسل عليه احتمال أنه من صاحبه ولا يجب على صاحبه لاحتمال أنه من الآخر ولا يجوز أن يصلي أحدهما خلف الآخر قبل الاغتسال والمستحب لكل واحد منهما أن يغتسل نص عليه الشافعي في الأم، واختلف فيما إذا اغتسل الجنب ثم خرج منه مني بعد ذلك فقال الشافعي رحمه الله إذا أمنى واغتسل ثم خرج مني منه على القرب بعد غسله لزمه الغسل ثانية سواء كان ذلك قبل أن يبول بعد المني أو بعد بوله وبه قال الليث بن سعد وأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه، وقال أبو حنيفة: إن كان بعد البول فلا غسل عليه وقبله فيه الغسل وهو رواية ثانية عن الإمام أحمد وعنه رواية ثالثه أنه يجب الغسل مطلقا، وقال مالك وسفيان والثوري وأبو يوسف وإسحاق بن راهويه لا غسل عليه على الإطلاق وعن الإمام أحمد رواية نحوه وهي أشهر الروايات عنه
(1)
انتهى واللّه أعلم.
(1)
الإلمام بآداب دخول الحمام (ص 117 - 120) بتصرف.
فائدة ثالثه: قال النووي رحمه الله
(1)
: والنية شرط في صحة الوضوء والغسل والتيمم وقال أبو حنيفة والثوري يصح الوضوء والغسل بغير نية وقال في الإلمام ومحل النية القلب باتفاق العلماء فلو نوى بقلبه ولم يتكلم بلسانه أجزأته النية، فإذا اتفقت النية واللسان فهو أكمل وقيل أن مالكا كره النطق باللسان فيما فرضه النية
(2)
وقال الإمام أبو العباس بن تيمية قد قال العلماء هل يستحب التلفظ بالنية على قولين: فقالت طائفة من أصحاب أبي حنيفة والشافعي وأحمد: يستحب التلفظ بها لكونه أوكد وقالت طائفة من أصحاب مالك وأحمد لا يستحب التلفظ بها لأن ذلك بدعة لم ينقل عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أحد من أمته أنه تلفظ بالنية ولا علم ذلك أحد من المسلمين ولو كان مشروعا لم يهمله صلى الله عليه وسلم وأصحابه مع أن الأمة مبتلاة به كل يوم وليلة قال: وهذا القول أصح [الأقوال]
(3)
بل التلفظ بالنية نقص في العقل والدين أما في الدين فإنه بدعة وأما في العقل فلأن هذا بمنزلة من إذا كان يأكل طعاما فقال أنوي بوضع يدي في هذا الإناء أخذ لقمة منه فأضعها في فمي فأمضغها ثم أبلعها لأشبع فهذا حمق وجهل وذلك لأن النية تتبع العمل فمتى علم العبد ما يفعل كان قد نواه ضرورة فلم يتصور ما وجود العلم بالفعل أن يفعل بلا نية إنما يتصور عدم النية إذا لم يعلم ما يريد مثل من نسي الجنابة واغتسل
(1)
المجموع (1/ 312)، والإلمام (ص 146).
(2)
الإلمام بآداب دخول الحمام (ص 146).
(3)
زيادة من مجموع الفتاوى.
من نظافة ومن يريد أن يعلم غيره الوضوء ولم يرد أن يتوضأ لنفسه
(1)
انتهى.
فروع: الأول: من وجب عليه وضوء وغسل أجزأه الغسل على ظاهر المذهب لأنهما طهارتان فتداخلتا كغسل الجنابة والحيض
(2)
.
الثاني: إذا اجتمع على المرأة غسل جنابة وغسل حيض فاغتسلت لأحدهما أجزأها عنهما لأن فرضهما واحد فأجزأ نية أحدهما
(3)
.
الثالث: يكره الوضوء بعد الغسل إذا لم يحدث لم روي في أبي داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم لا يتوضأ بعد الغسل
(4)
، فحاصله أنه لا يشرع وضوءان في غسل واحد سواء أكان جنبا محدثا أو جنبا فقط
(5)
.
الرابع: في كيفية النية في الغسل إذا أراد الإنسان الغسل الواجب نوى الغسل من الجنابة إن كان جنبا أو الحيض إن كانت المرأة حائضا وكذا الغسل من النفاس إن كانت نفساء لأنه الذي عليه فلو نوى أحدهما غير ما
(1)
مجموع الفتاوى (22/ 231 - 232) و (18/ 262 - 264) وانظر الإلمام (ص 146 - 147).
(2)
المجموع (2/ 193).
(3)
المجموع (1/ 327) والإلمام (ص 154).
(4)
أخرجه ابن ماجه (579)، وأبو داود (250)، والترمذى (107)، والنسائى في المجتبى 1/ 407) (257) و 1/ 534 (435) والكبرى (245). وقال الترمذى: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في المشكاة (445).
(5)
المجموع (2/ 195).
عليه فإن تعمد فلا يصح وإن غلط صح كما قاله النووي في شرح المهذب
(1)
وتكون النية مقارنة للفعل كما قاله أصحاب الشافعي
(2)
، ويكفيه أيضا نية إذا فرض الغسل وكذا في الغسل بحذف الفرض وكذا الغسل لفروض أو فريضة الغسل أو الطهارة للصلاة أو رفع الحدث عن جميع البدن وكذا إن أطلق في الأصح لأن الحدث هو المنع من الصلاة والواجب من الغسل النية أي لا عمل بدونها للمخير والمشهور وقتها عند غسل أول جزء من البدن فأي جزء بدأ بغسله واقترنت النية اعتد به وبما بعده لأنه لا ترتيب في الغسل
(3)
.
والواجب منه أيضا إيصال الماء للشعر والبشرة سواء قل الشعر أو كثر خف أو كثف وسواء شعر الرأس أو البدن وسواء أصوله وما استرسل منه لأن الحدث عم جميع البدن فوجب تعميمه بالغسل
(4)
ولقوله صلى الله عليه وسلم "تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشرة" رواه أبو داود وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "من ترك موضع شعرة من جنابة لم يغسله فعل به كذا وكذا من النار" وهو صحيح الإسناد فلو بقيت شعرة لم يغسلها ويصبها الماء لم يجزه ويجب غسل الذؤابة "الذؤابة جمعها الذوائب وهي الشعر المضفر من شعر الرأس وذؤابة الجميع أعلاه واللّه أعلم" ونقض الضفائر إن لم يصل الماء
(1)
انظر: العزيز (1/ 100)، وفتح العزيز (1/ 320)، المجموع (2/ 225 - 226).
(2)
انظر: التنبيه (1/ 30)، والمهذب (1/ 134)، والمجموع (3/ 277)، والنجم الوهاج (1/ 313).
(3)
انظر المجموع (1/ 323)، والنجم الوهاج (1/ 315 - 316)، والإلمام (ص 147).
(4)
انظر: المجموع (2/ 184)، ونهاية المحتاج (1/ 224).
للشعر والبشرة إلا به
(1)
ويلزم الثيب أيضا غسل ما ظهر من فرجها إذا قعدت لقضاء الحاجة على الأصح
(2)
واللّه أعلم.
الخامس: احتلم ولم ير المني أو شك هل خرج منه شيء أو لا لم يلزمه الغسل فإن رأى المني ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل لما روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الرجل يجد البلل ولم يذكر احتلاما؟ قال: "يغتسل"، وعن الرجل يرى أنه احتلم ولم يجد البلل فقال:"لا غسل عليه" رواه الدارمي وأبو داود والترمذي وغيرهم لكنه ضعيف
(3)
.
السادس: إذا رأى في ثوبه منيا أو في فراش لا ينام فيه غيره ولم يذكر احتلاما وجب عليه الغسل على الصحيح المنصوص ويجب عليه إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوث المني بعدها وأطلق الجمهور المسألة وقيدها الماوردي بما إذا رأى المني في باطن الثوب فإن رآه في ظاهره فلا يحل لاحتمال أنه أصابه من غيره ولأن لبن الخفاش يشبه مني الآدمي في لونه ورائحته وفي ذلك قصة غريبة اتفقت لأبي يوسف مع أبي حنيفة رحمهما اللّه
(4)
.
السابع: خرج منه شيء وأشكل عليه أهو مني أو مذي فالأصح أنه يتخير من أن يجعله منيا فيغتسل أو مذيا فيتوضأ ويغسل ما أصابه منه
(5)
.
(1)
المجموع (2/ 187).
(2)
المجموع (2/ 186) و (6/ 314).
(3)
المجموع (2/ 142).
(4)
المجموع (2/ 142 - 143)، والنجم الوهاج (1/ 380).
(5)
النجم الوهاج (1/ 381).
الثامن: في الوضوء قبل الغسل: ففي الصحيحين عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، وعن أبي ثور أنه شرط ونقل ابن المنذر الإجماع على خلافه والأصح.
استحباب التسمية في أوله وقيل: لا لأن نظمها نظم القرآن وقيل الأولى أن يقول بسم اللّه العظيم الحمد للّه على الإسلام قال ابن الصلاح: لم أجد لأحد من أصحابنا تعرضا لنيته إلا لمحمد بن عقيل الشهرزوري كما روي فإنه قال ينوي به الغسل قال وأنا أقول إن كان غير محدث فالأمر كما قال وإن كان جنبا محدثا فينوي بوضوئه رفع الحدث الأصغر إلا أن يكون جنبا غير محدث فينوي سنة الغسل ويتصور في تجرد الجنابة عن الحدث في إتيان الغلام والبهيمة فإذا لف على ذكره خرقة وأولج في فرج امرأة وإذا أنزل بنظر أو فكر أو احتلم قاعدا
(1)
انتهى قاله كمال الدين الدميري.
التاسع: يحرم بالجنابة ما يحرم بالحدث من الصلاة والطواف ومس المصحف وحمله بل هي أولى لغلظ حكمها
(2)
.
فائدة في المني: اختلف العلماء في طهارته ونجاسته فقال الشافعي وأحمد بطهارته وقال مالك وأبو حنيفة بنجاسته، والذين قالوا بنجاسته اختلفوا في كيفية إزالته فقال مالك يغسل رطبه ويابسه وقال أبو حنيفة يغسل رطبه ويفرك يابسه ودليل الطهارة قول عائشة رضي الله عنها كنت أفرك المني من ثوب
(1)
النجم الوهاب (1/ 390).
(2)
النجم الوهاب (1/ 382).
رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فركا فيصلي فيه، فإنه لو كان نجسا لما طهر بالفرك لأن النجس لا يطهر إلا بالماء وفي البخاري عن ابن عباس أنه قال أمطه عنك ولو بإذخرة فإنما هو كالمخاط والبصاق وعن عائشة رضي الله عنها أنه نزل بها ضيف فأعطته ملاءة فنام فيها فأجنب فغسلها ثم ردها فقالت من قال له يفسد علينا ملاءتنا لقد كنت أفركه من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فيصلي فيه
(1)
، وقال النووي رحمه اللّه تعالى
(2)
: ذهب كثيرون إلى طهارة المني روي ذلك عن علي بن أبي طالب وان عمر وعائشة وداود وأحمد في أصح الروايتين عنه وهو مذهب الشافعي وأصحاب الحديث ولنا قول شاذ أن مني المرأة نجس دون مني الرجل وقول أشذ منه أن مني الرجل والمرأة نجس والأصح طهارة المني من سائر الحيوان إلا من الكلب والخنزير واستدل الشافعي على طهارته بقوله تعالى {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ}
(3)
وإن من جملة بني آدم الأنبياء ولم يكن ليخلقهم من ماء نجس
(4)
.
والاستدلال بحديث: "كنت أفركه من ثوب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم" قد ضعف فإنه يحتمل أن يكون ذلك من مني النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم فضلاته طاهرة فلا
(1)
إحكام الأحكام (1/ 139 - 140)، والعدة (1/ 221 - 223)،
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 197 - 198). وانظر التعليقة (2/ 938) ونهاية المطلب (2/ 308 - 309)، وشرح السنة (2/ 90)، والبيان (1/ 419 - 421)، والمجموع (2/ 553 - 555).
(3)
الإسراء، الآية:70.
(4)
تفسير الشافعى (2/ 1042) ومعرفة السنن (3/ 380) للبيهقى.
يلزم من طهارة منيه طهارة مني غيره والجواب بعد تسليم الحكم أن الغالب كون هذا المعنى عن جماع لأنه صلى الله عليه وسلم لا يحتلم لأن الشيطان لا يعترضه في النوم وإذا كان عن جماع فالغالب أنه يختلط بماء المرأة فيدل ذلك على الطهارة مطلقا وبه استدل على [طهارة] رطوبة فرج المرأة
(1)
.
تنبيه: منى المرأة يبرز إلى ظاهر فرجها ودليل ذلك حديث هل على المرأة من غسل إذا احتلمت قال: "نعم إذا رأت الماء" خلافا لمن أنكر ذلك وأوجب الغسل عليها بإنزال المني إلى باطن فرجها والمنقول عن مالك أنه يوجب الغسل بإنزال المني من الصلب حتى لو نزل إلى ذكره فأمسك ذكره فرجع المني وجب عليه الغسل وعند الشافعي لا يجب لأنه لم يبرز من الذكر وقياس ما ذكره في الرجل أن يقول في المرأة مثله حتى يجب عليها الغسل بوصول المني إلى باطن الفرج
(2)
قاله ابن العماد في شرح العمدة.
فرع: إذا سبق مني الرجل مني المرأة يشبه الولد بالوالد وإن سبق مني المرأة مني الرجل يشبه الوالدة
(3)
.
فرع آخر في المذي: وهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند الملاعبة وعند شهوة الجماع لا بشهوة ولا تدفيق ولا يعقبه فتور ويكون ذلك في الرجل والمرأة وفي النساء أكثر منه في الرجال ويقال أنه مني لم يكمل لكنه نجس
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 198 - 199)، والعدة (1/ 224)، والإعلام (2/ 82 - 83).
(2)
انظر: العدة شرح العمدة (1/ 219)، ورياض الأفهام (1/ 398 - 399).
(3)
الكواكب الدرارى (21/ 218).
لأن الولد لا يخلق منه والغالب أن الرجل إذا خالط أهله يسبقه المذي فإذا واقع أهله عقيب خروج المذي صار منيه متنجسا لملاقته لرأس الذكر وكذلك لو بال ولم يغسل ذكره ثم جامع أهله وخرج منيه كمن غير جماع فعليه التحرز من رطوبة الفرج حال الجماع لأنها تتنجس بملاقاة رأس الذكر وفيه لغات مذي بفتح الميم وإسكان الذال المعجمة ومذي بكسر الذال وتشديد الياء ومذي بكسر الذال وتخفيف الياء فالأولتان مشهورتان أولهما أفصحهما وأشهرهما والثالثة حكاها أبو عمرو الزاهد عن ابن الأعرابي يقال مذي وأمذى ومذي الثالثة بالتشديد
(1)
.
وأما حكم خرج المذي: فقد أجمع العلماء على أنه لا يوجب الغسل وقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد يوجب الوضوء لهذا الحديث وهو: كنت مذاء وفي الحديث من الفوائد أنه لا يوجب الغسل فإنه يوجب الوضوء وأنه نجس ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم غسل الذكر والمراد به عند الشافعي والجماهير غسل ما أصابه المذي لا غسل جميع الذكر وحكي عن مالك وأحمد في رواية عنهما إيجاب غسل جميع الذكر واللّه أعلم
(2)
.
فرع آخر: إذا أحدث الإنسان في أثناء غسله جاز له أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته لكن لا يصلي به حتى يتوضأ كذا في زوائد الروضة وحمله في المهمات على صورة خاصة وهو ما إذا أحدث بعد فراغ أعضاء الوضوء
(3)
انتهى.
(1)
شرح النووى على مسلم (3/ 213).
(2)
شرح النووى على مسلم (3/ 213).
(3)
النجم الوهاج (1/ 399 - 400).
فرع آخر: لا يجوز الغسل بحضرة الناس إلا مستور العورة ويجوز في الخلوة مكشوفها والستر أفضل وينبغي للمغتسل من الإناء كالإبريق أن يتفطن لدقيقة قد يغفل عنها وهو أنه إذا استنجى وطهر محل الاستنجاء بالماء أن يغسله بعد ذلك بنية غسل الجنابة لأنه إذا لم يغسله ربما غفل عنه بعد ذلك فلا يصح غسله لتركه ذلك ولو ذكره احتاج إلى مس فرجه فينتقض وضوءه أو إلى كلفة إلى لف خرقة على يده
(1)
واللّه أعلم.
تنبيه: ومن سنن الغسل استصحاب النية إلى آخر الغسل والابتداء بالميامن يغسل شقه الأيمن ثم الأيسر وهذا متفق على استحبابه وكذا الابتداء بأعلى البدن واستقبال القبلة وتكرار الغسل ثلاثا ويستحب إفاضة الماء على جميع البدن ثلاث مرات صرح به خلق من العلماء وعدوه منه قال النووي: مذهبنا إن ذلك الأعضاء في الغسل وفي الوضوء سنة ليس بواجب وبه قال العلماء كافة إلا مالكا والمزني فإنهما شرطاه في صحة الغسل والوضوء واختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق في الغسل فأوجبهما أبو حنيفة ونفى الوجوب مالك والشافعي لقوله صلى الله عليه وسلم في الرواية الأخرى "أما أنا فإني أفيض على رأسي أكفًّا" المراد ثلاث حفنات
(2)
.
أجمع المسلمون على أن الماء الذي يجزئ في الوضوء والغسل غير مقدر بل يكفي فيه القليل والكثير إذا وجد شرط الغسل وهو
(1)
النجم الوهاج (1/ 400).
(2)
المجموع (2/ 184 - 185).
جريان الماء على العضو وقد يرفق بالقليل فيكفي ويخرق بالكثير فلا يكفي والمستحب ألا ينقص في الغسل عن صاع ولا في الوضوء عن مد والصاع خمسة أرطال وثلث بالبغدادي والمد رطل وثلث وذلك معتبر على التقريب لا على التحديد ولنا وجه أن الصاع ههنا ثمانية أرطال والمد رطلان
(1)
وبغداد بدالين معجمتين ومهملتين ومهملة ثم معجمة وعكسه وبغدان ومغدان ومعدان والزوراء ومدينة السلام
(2)
قاله ابن الأبياني في شرح التبريزي وأجمع العلماء على أن النهي في الإسراف في الماء لو كان على شاطئ البحر والأظهر أنه مكروه كراهة تنزيه وقيل تحريم
(3)
وقال ابن العماد في القول التمام في آداب دخول الحمام والزيادة في الغسل على الثلاث مكروهة على الصحيح وقيل حرام وقيل خلاف الأولى ومحل الخلاف ما إذا توضأ من نهر أو ماء مملوك فإن توضأ من ماء موقوف على من يتطهر أو يتوضأ منه حرمت الزيادة وحرم السرف بلا خلاف لأن الزيادة غير مأذون فيها والماء الذي في المدارس من هذا القبيل لأنه إنما يوقف إنما يوقف ويساق لمن يتوضأ الوضوء الشرعي ولم تقصد إباحته في غير ذلك
(4)
. انتهى.
(1)
شرح النووى على مسلم (4/ 2).
(2)
تحرير ألفاظ التنبيه (ص 110)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 38).
(3)
شرح النووى على مسلم (4/ 2).
(4)
القول التمام (ص 67).