المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٢

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌الترغيب في مجالسة العُلماء

- ‌الترغيب بها إكراه العُلماء وإجلالهم وتوقيرهم والترهيب من إضاعتهم وعدم المبالاة بهم

- ‌[الترهيب من تعلم العلم لغير وجه اللّه تعالى]

- ‌الترغيب في نشر العلم والدلالة على الخير

- ‌فصل

- ‌الترهيب من كتم العلم

- ‌الترهيب من أن يعلم ولا يعمل بعلمه، ولقول ما لا يفعله

- ‌الترهيب من الدعوى في العلم والقرآن

- ‌الترهيب من المراء والجدال - وهو: المخاصمة والمحاججة وطلب القهر والغلبة - والترغيب في تركه للمحق والمبطل

- ‌كتاب الطَّهَارَة

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم وَالتَّرْغِيب فِي الانحراف عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها

- ‌التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم

- ‌الترهيب من البول في الماء والمغتسل والحجر

- ‌الترهيب من الكلام على الخلاء

- ‌الترهيب من إصابة البول الثوب وغيره وعدم الاستنزاه منه

- ‌التَّرْهِيب من دُخول الرِّجَال الْحمام بِغَيْر أزر وَمن دُخُول النِّسَاء بأزر وَغَيرهَا إِلَّا نفسَاء أَو مَرِيضَة وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَن ذَلِك

- ‌الترهيب من تأخير الغسل لغير عذر

- ‌الترغيب في الوضوء وإسباغه

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام الشافعي:

- ‌نواقض الوضوء على مذهب الإمام أحمد بن حنبل:

- ‌الترغيب في المحافظة على الوضوء وتجديده

- ‌الترهيب من ترك التسمية على الوضوء عمدًا

- ‌الترغيب في السواك وما جاء في فضله

- ‌الترغيب في تخليل الأصابع والترهيب من تركه وترك الإسباغ إذا خلا شيء من القدر الواجب

- ‌الترغيب في كلمات يقولهن بعد الوضوء

- ‌الترغيب في ركعتين بعد الوضوء

- ‌[كتاب الصلاة]

- ‌[الترغيب في الأذان وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان]

- ‌الترغيب في الإقامة

- ‌[الترهيب من الخروج من المسجد بعد الأذان لغير عذر]

- ‌[الترغيب في الدعاء بين الأذان والإقامة]

- ‌[الترغيب في بناء المساجد في الأمكنة المحتاجة إليها]

الفصل: ‌[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان]

[الترغيب في إجابة المؤذن وماذا يجيبه وما يقول بعد الأذان]

388 -

عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه. قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا سَمعتم الْمُؤَذن فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن" رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

.

قوله: عن أبي سعيد، أبو سعيد، تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن" أي: نداء المؤذن وأذانه، ويدخل فيه من أعلم بذلك بإشارة ونحوها لأنه في معناه وإن لم يسمعه، وكذا لو سمع بعضه فإنه يكمل الإجابة

(2)

، ويختص ذلك بأول مؤذن، فلو سمع الثاني هل يجيبه أيضًا، قال النووي: لم أره منقولا، والظاهر استحبابه ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:"إذا سمعتم المؤذن" لأن الألف واللام في المؤذن للجنس فيفيد العموم

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فقولوا مثل ما يقول المؤذن" قال القشيري: لفظة (مثل) لا تقتضي المساواة من كل وجه فإنه لا يريد مماثلته في رفع الصوت وغيره

(4)

.

(1)

أخرجه مالك (173)، والبخارى (611)، ومسلم (10 - 313)، وابن ماجه (720)، وأبو داود (522)، والترمذى (208)، والنسائى في المجتبى 2/ 153 (684) والكبرى (1798).

(2)

انظر: المجموع (3/ 120)، وحاشية الشربينى على الغرر (1/ 273)، وحاشية الشروانى (1/ 481).

(3)

المجموع (3/ 119)، والإعلام (2/ 473).

(4)

إحكام الأحكام (1/ 209).

ص: 602

فقوله صلى الله عليه وسلم: "فقولوا مثل ما يقول المؤذن" فإنه يقتضي الوجوب، وقد اختلف العلماء في ذلك فقيل: بوجوبها، وقد احتج جماعة من العلماء على وجوب إجابة المؤذن بناء على أن الأمر للوجوب منهم اللخمي من الشافعية والطحاوي من الحنفية، وقال في تهذيب النفوس: قلت في المحيط إن إجابة المؤذن واجب، وفي الذخيرة: ومن سمع الأذان فعليه أن يجيب

(1)

، والشافعي والجمهور حملوا الحديث على الاستحباب، وبه قال أكثر العلماء أيضًا

(2)

، ويدل عليه اقتصاره في رواية النسائي وأبي عوانة على بعضها وسكوته على ما فيه، وتتأدى السنة بذلك، واختاره الطحاوي

(3)

، واستدل لذلك بحديث ابن مسعود أنه عليه السلام سمع مؤذنا يكبر فقال:"على الفطرة" فلما هلل قال: "خرج من النار" قال الطحاوي: فهذا غير ما قاله المؤذن

(4)

، وقد اكتفى به، فحديث الباب يقتضي الوجوب كما تقدم، وجوابه حمل الأمر على الندب كما تقدم أيضًا جمعا بين الأدلة، ولو كان واجبا لم يتركه أحد من الصحابة قط ولم ينقل مواظبتهم على ذلك بحيث لم يخلوا به والله أعلم، وقال شمس الأئمة الحلواني: تكلم الناس في الإجابة فقال بعضهم هي الإجابة بالقدم لا باللسان حتى لو أجاب باللسان ولم يمش إلى المسجد

(1)

انظر: شرح معانى الآثار (1/ 146)، والبناية (2/ 98)، والبحر الرائق (1/ 273)، والمحيط البرهانى (1/ 350).

(2)

انظر شرح النووى على مسلم (4/ 88).

(3)

شرح معانى الآثار (1/ 143 - 146).

(4)

شرح معانى الآثار (1/ 146).

ص: 603

لا يكون مجيبا ولو كان حاضرا في المسجد حين سمع الأذان فليس عليه إجابة ولا إثم عليه ولا كراهة في تركها

(1)

انتهى.

وإذا أراد جواب المؤذن باللسان بنيل الثواب الموعود فكمل ما هو ثناء وشهادة يقول كما قال المؤذن وعند قوله حى على الصلاة حي على الفلاح يقول لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله كان

(2)

.

وظاهر حديث أبي سعيد المتقدم أن السامع يقول كما يقول المؤذن في سائر كلمات الأذان حتى في الترجيع وفي الحيعلتين والمسألة فيها أربعة مذاهب للعلماء، أحدها هذا والثاني: أنه يحكي ذلك إلا في الحيعلتين فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، والثالث: أنه يجمع بين الحيعلتين وبين لا حول ولا قوة إلا بالله جمعا بين الروايتين

(3)

، حكى هذه الأقوال الشيخ علاء الدين مغلطاي في شرح البخاري، والرابع: قال القاضي عياض: اختلف قول مالك في أنه يتابع المؤذن في كل كلمات الأذان أم إلى آخر الشهادتين لأنه ذكر وما بعده ليس بذكر وبعده تكرار لما سبق

(4)

، انتهى.

قال النووي: يستحب أن يقول من سمع المؤذن والمقيم مثل قوله إلا في قوله حي على الصلاة حي على الفلاح فإنه يقول لا حول ولا قوة إلا بالله

(1)

المحيط البرهانى (1/ 351)، والبحر الرائق (1/ 273).

(2)

المحيط البرهانى (1/ 351).

(3)

نقل هذه المذاهب ابن رجب كما في فتح البارى (5/ 251 - 253).

(4)

انظر: شرح النووى على مسلم (4/ 88)، والعدة (1/ 388).

ص: 604

ويقول في قوله: الصلاة خير من النوم صدقت وبررت

(1)

لخبر ورد فيه

(2)

، وقيل يقول صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة خير من النوم

(3)

كما استدركه في التصحيح وإن كان لا أصل له في السنة ويقول في كلمتي الإقامة وهي قول المقيم قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض

(4)

أخرجه أبو داود وزاد في النهاية واجعلني من صالحي أهلها بصيغة الأمر

(5)

ويقول عقب قوله أشهد أن محمدا رسول الله وأنا أشهد أن محمدا رسول الله ثم يقول: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا ورسولا

(6)

، قال النووي وإذا سمع المؤذن أو المقيم وهو يصلي لم يجبه في الصلاة فإذا سلم أجابه كما يجيبه من لا يصلي فلو أجابه في الصلاة كره ولم تبطل صلاته وهكذا إذا سمعه وهو على الخلاء لا يجيبه في الحال ويجيبه في نفسه كما لو عطس فإنه يحمد الله تعالى في نفسه فإذا خرج أجابه بلسانه، فأما إذا كان يقرأ القرآن أو يسبح أو يقرأ حديثا أو علما أو غير ذلك فإنه يقطع جميع هذا ويجيب المؤذن ثم يعود إلى ما كان فيه لأن الإجابة تفوت وما كان هو فيه لا يفوت غالبا وحيث لم يتابعه حتى فرغ

(1)

المجموع (3/ 117)، وروضة الطالبين (1/ 203).

(2)

كفاية النبيه (2/ 433).

(3)

بحر المذهب (1/ 421)، والمجموع (2/ 117).

(4)

الإقناع (1/ 36)، والتنبيه (ص 27)، والمهذب (1/ 115)، والنجم الوهاج (2/ 64).

(5)

النجم الوهاج (2/ 65).

(6)

المجموع (2/ 116).

ص: 605

المؤذن يستحب له المتابعة ما لم يطل الفصل

(1)

، انتهى.

389 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِي رضي الله عنهما أَنه سمع النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَقُول إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا يَقُول ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة صلى الله بهَا عشرا ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة لا تنبغي إِلَّا لعبد من عباد الله وَأَرْجُو أَن أكون أَنا هُوَ فَمن سَأل لي الْوَسِيلَة حلت لَهُ الشَّفَاعَة" رَوَاهُ مسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(2)

.

قوله: عن عبد الله بن عمرو بن العاصي، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول المؤذن ثم صلوا عليّ" أي: قولوا اللهم صل على محمد أي عظمه في الدنيا بإظهار دعوته وإبقاء شريعته وفي الآخرة بتشفيعه في أمته وتضعيف أجره

(3)

.

تنبيه: إنما تكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم طاعة إذا قصد بها التحية والدعاء والقرب، فأما إذا اتخذها عبادة كالبياع الذي يقولها على معاشه تنفيقا لها، وقد حكى الحليمي في منهاجه إنه يكفر بذلك

(4)

، انتهى.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم سلوا الله لي الوسيلة" ولما أمرنا بالصلاة عليه ولم نبلغ قدر الواجب من ذلك أحلناه عليه تعالى لأنه أعلم بما يليق به

(5)

، والصلاة من الله تعالى الرحمة، قال إسماعيل السدي: قال بنو إسرائيل لموسى عليه

(1)

انظر المجموع (3/ 120)، وشرح النووى على مسلم (4/ 87).

(2)

أخرجه مسلم (11 - 384)، وأبو داود (523)، والترمذى (3614)، والنسائى في المجتبى 2/ 157 (689) و 2/ 158 (690) والكبرى (1803) و (1804).

(3)

النهاية (3/ 50) وشرح مسند الشافعى (1/ 372).

(4)

كشف الأسرار (لوحة 63).

(5)

النهاية (3/ 50).

ص: 606

تعالى الرحمة، قال إسماعيل السدي: قال بنو إسرائيل لموسى عليه الصلاة والسلام: أيصلي ربنا فكبر ذلك على موسى عليه السلام فأوحى الله تعالى إليه أن قل لهم: إني أصلي، صلاتي رحمتي

(1)

، والمراد بالوسيلة هنا: منزلة في الجنة كما في الحديث، وإنما سميت الوسيلة لأنها منزلة يكون الواصل إليها قريبا من الله تعالى فائزا بلقائه فيكون كالوصلة التي يتوصل بالوصول إليها والحصول فيها إلى الزلفى من الله تعالى

(2)

، وروى الإمام أحمد من طريق ابن لهيعة عن موسى بن وردان قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الوسيلة درجة عند الله ليس فوقها درجة فسلوا الله أن يؤتيني الوسيلة"

(3)

وجاء في الحديث: "إنها درجة في الجنة لا ينالها إلا رجل واحد وأرجوا أن أكون أنا هو".

فقوله صلى الله عليه وسلم: "وأرجوا أن أكون أنا هو" يجوز أن يكون قد قال ذلك على وجه التواضع

(4)

، ويحتمل أن يكون إذ ذاك لم يقطع بذلك لنفسه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" يروي: "حلت له

(1)

تفسير الثعلبى (8/ 51) وتفسير البغوى (3/ 647).

(2)

تحفة الأبرار (1/ 249 - 250).

(3)

أخرجه أحمد 3/ 83 (11783)، وابن أبى الدنيا في صفة الجنة (199)، والأزدى في فضل الصلاة على النبى (49)، والطبراني في الأوسط (1/ 89 رقم 263) و (2/ 126 - 127 رقم 1466). قال الهيثمي في المجمع 1/ 332: رواه أحمد والطبراني في الأوسط، وفيه ابن لهيعة وفيه ضعف، وقال الطبراني فيه:"فسلوا الله عز وجل أن يؤتيني الوسيلة على خلقه". وصححه الألباني في فضل الصلاة والصحيحة (3571).

(4)

المفاتيح (6/ 111).

ص: 607

الشفاعة" ويروي "حلت عليه الشفاعة" فمن رواها باللام فمعناها: حصلت له، ومن رواها بعلى فمعناه وقعت عليه شفاعتي، قاله في حادي الأرواح

(1)

، وقال بعضهم في قوله:"حلت له الشفاعة" أي: استحقت لأن من كان الشيء حلاله كان مستحقًا لذلك

(2)

، وقال في الديباجة:"حلت له الشفاعة" أي: وجبت، وقيل: نالته ونزلت به

(3)

، وقال بعضهم أيضًا في قوله:"حلت له شفاعتي" معناه: غشيته وحلت عليه لأنها كانت حراما عليه قبل ذلك، واللام هنا بمعنى على، وذلك موجود في القرآن، قال الله تعالى:{يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا}

(4)

يعني على الأذقان سجدًا

(5)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "حلت" من حل يحل بالكسر أي: وجب حل يحل بالضم أي نزل

(6)

وكأنها لزمته ولم تنفصل عنه، ويؤيده التعدية بعلى، وسبب ذلك الإيمان بها والتصديق بمقتضاها وتأكيده بالسؤال لها

(7)

والله أعلم.

وفي هذا الحديث إثبات الشفاعة للأمة صالحا وطالحا لزيادة الثواب أو إسقاط العذاب، وفيه حجة على المعتزلة حيث خصصوها بالمطيع لزيادة

(1)

حادى الأرواح (ص 83).

(2)

عمدة القارى (5/ 123).

(3)

شرح النووى على مسلم (4/ 86).

(4)

سورة الإسراء، الآية:107.

(5)

شرح الصحيح (2/ 243) لابن بطال.

(6)

إكمال المعلم (2/ 253).

(7)

عارضة الأحوذى (1/ 9).

ص: 608

درجاته فقط

(1)

، قال العلماء: له صلى الله عليه وسلم شفاعات متعددة يوم القيامة، أولاها: تخليص الناس من هول الموقف فهذه الشفاعة يندرج فيها الخليل والكليم، الثانية: في تخليص الناس من دخول النار، بعد أن استوجبوها، والثالثة: في إدخال قوم إلى الجنة بغير حساب، الرابعة: في إخراج الموحدين من النار وأنكرت المعتزلة هذه الرابعة وقالوا بتخليد أهل الكبائر ويكفي في إبطال ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وسلم: "شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي"، والخامسة: في زيادة الدرجات في الجنة، والسادسة: قوله لعمه أبي طالب في التخفيف عنه وقال: لعله تنفعه شفاعتي فتجعل في ضحضاح من نار تبلغ كعبيه يغلى منه دماغه، فإن قيل: قال الله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}

(2)

قيل: لا تنفع في الخروج من النار

(3)

، وسيأتي الكلام على الشفاعة أطول من هذا في بابه آخر الكتاب إن شاء الله تعالى.

390 -

وَعَن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا قَالَ الْمُؤَذّن الله أكبر الله أكبر فَقَالَ أحدكُم الله أكبر الله أكبر ثمَّ قَالَ أشهد أَن لا إِلَه إِلَا الله قَالَ أشهد أَن لا إِلَه إِلَا الله ثمَّ قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله قَالَ أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله ثمَّ قَالَ حَيّ على الصَّلاة قَالَ لا حول وَلا قُوَّة إِلَا بِالله ثمَّ قَالَ حَيّ على الْفَلاح قَالَ لا حول وَلا قُوَّة إِلَا بِالله ثمَّ قَالَ الله أكبر الله أكبر قَالَ الله

(1)

الكواكب الدرارى (5/ 14).

(2)

سورة المدثر، الآية:48.

(3)

التذكرة (ص 607 - 608).

ص: 609

أكبر الله أكبر ثمَّ قَالَ لا إِلَه إِلَا الله قَالَ لا إِلَه إِلَا الله من قلبه دخل الْجنَّة" رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

قوله: عن عمر بن الخطاب، تقدم الكلام علي مناقبه مبسوطا في أوائل هذا التعليق.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال المؤذن الله أكبر الله أكبر، فقال أحدكم: الله أكبر الله أكبر" إلى أن قال: "ثم قال حي على الصلاة، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله؛ ثم قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله" الحديث، قال النووي: وريناه في كتاب ابن السني عن معاوية قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا سمع المؤذن يقول حي على الفلاح، قال:"اجعلنا مفلحين"

(2)

وفي شرح المهذب وفي محيط الحنفية يقول في الحيعلة الأولى: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وفي الثانية: ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، لأن إعادة الحيعلتين يشبه المحاكاة

(3)

، ومعنى: حي على الصلاة أي تعالوا على الصلاة وأقبلوا

(1)

أخرجه مسلم (12 - 385)، وأبو داود (527)، والنسائى في اليوم والليلة (40).

(2)

أخرجه ابن السنى في اليوم والليلة (92). قال ابن حجر في نتائج الأفكار (1/ 357): هذا حديث غريب في سنده نصر بن طريف، وهو بطاء مهملة مفتوحة وآخره فاء وهو القصاب، كنيته أبو جزي بفتح الجيم وكسر الزاي، وهو بها أشهر، وهو متروك عندهم، والراوي عنه مشهور بكنيته أيضًا، وهو أبو قتادة الحراني، قال البخاري: تركوه، وإنما سميا ليخفيا من شدة ضعفهما. وقال الألباني في الضعيفة (706): موضوع. وانظر: الأذكار (ص 90).

(3)

تحفة الفقهاء (1/ 116)، وتحفة الملوك (ص 50)، وبدائع الصنائع (1/ 155)، والمجموع (3/ 115)، والمحيط البرهانى (1/ 351).

ص: 610

إليها قال: وفتحت الياء لسكونها وسكون الياء السابقة المدغمة

(1)

، وقال في النهاية

(2)

: أي هلموا إليها وأقبلوا وتعالوا مسرعين، ومعنى: حي على الفلاح، أي: هلموا إلى الفلاح وهو الفوز والنجاة والبقاء الدائم

(3)

، وقال بعض العلماء: الفلاح الظفر بالمطلوب والنجاة من المرهوب

(4)

، وقال في النهاية: الفلاح البقاء والفوز والظفر وهو من أفلح كالنجاح من أنجح أي هلموا إلى سبب البقاء في الجنة والفوز بها وهو الصلاة والجماعة، ومنه حديث الخليل:"من ربطها عدة في سبيل الله فإن شبعها وجوعها وريعها وأظفارها وأرواثها وأبوالها فلاح في موازينه يوم القيامة" أي: ظفر وفوز

(5)

، وقال بعض العلماء: ليس في كلام العرب كلمة أجمع للخير من لفظة الفلاح

(6)

، أي: أقبلوا على سبب الفوز في الآخرة من النجاة من النار والبقاء في الجنة

(7)

، وقال الزمخشري في الكشاف: والمفلح الفائز بالبغية كأنه الذي انفتحت له وجوه الظفر ولم تستغلق عليه، والمفلج بالجيم مثله، ومنه قولهم للمطلقة: استفلجي بأمرك بالحاء والجيم، والتركيب دال على معنى الشق

(1)

شرح النووى على مسلم (4/ 81).

(2)

النهاية (1/ 472).

(3)

شرح النووى على مسلم (4/ 81)، والعدة (1/ 379).

(4)

النجم الوهاج (2/ 64).

(5)

النهاية (3/ 469).

(6)

شرح النووى على مسلم (4/ 87).

(7)

شرح النووى على مسلم (4/ 87).

ص: 611

والفتح

(1)

، والفلح بفتح الفاء واللام لغة في الفلاح حكاها الجوهري

(2)

، وقال في مختصر الكفاية: ولأن الحيعلة دعاء، فلو قالها السامع، لكان الناس كلهم دعاة، فمن يبقى المجيب؛ فحسن من السامع الحوقلة

(3)

وتسمى الحيعلة والحولقة والحوقلة وهي عبارة لا حول ولا قوة إلا بالله، ومثله قولهم الحمدلة إشارة إلى الحمد لله، والبسملة وهي إشارة إلى بسم الله، والهيللة وهي لا إله إلا الله، والسبحلة وهي سبحان الله

(4)

، قال الروياني: ويقول لا حول ولا قوة إلا بالله مرتين مرة عند حي على الصلاة ومرة عند حي على الفلاح لأنه ظاهر التثنية، قال: ويحتمل خلافه

(5)

والله أعلم.

وأما الحولقة والحوقلة كما تقدم فإنها كنز من كنوز الجنة كما ورد في السنن، وقد ألف في فضل ذلك الأحاديث كتابا ليس له نظير، وكذلك تكلم عليه ابن عبد البر في مقاصد الصلاة بما يتعين الوقوف عليه والله أعلم.

ومعنى: لا حول ولا قوة إلا بالله، قال الهروي وغيره: الحول الحركة، أي: لا حركة ولا قوة إلا بالله، وقيل: لا حول عن معصية الله تعالى إلا بعصمته ولا قوة على طاعته إلا بمعونته، وقيل: لا حول في دفع شر ولا قوة

(1)

الكشاف (1/ 46).

(2)

شرح النووى على مسلم (4/ 81).

(3)

كفاية النبيه (2/ 433).

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (3/ 75 و 79).

(5)

بحر المذهب (1/ 419)، والهداية إلى أوهام الكفاية (20/ 105).

ص: 612

في تحصيل خير إلا بالله، وحكى هذا عن ابن مسعود

(1)

وفي الصحاح لغة غريبة ضعيفة لا حيل ولا قوة إلا بالله بالياء بدل الواو يقال: والحيل والحول بمعنى

(2)

.

تنبيه: في إعراب لا حول ولا قوة إلا بالله -يجوز فيه خمسة أوجه، أحدها: فتح اللام وتاء التأنيث بلا تنوين، والثاني: فتح الأول ونصب الثاني منونا، والثالث: رفعهما بالتنوين، والرابع: فتح الأول ورفع الثاني منونا، والخامس: عكسه

(3)

، والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم قال لا إله إلا الله من قلبه دخل الجنة" إشارة إلى قصد الإخلاص، فلا يدخل المرائي وكذا العاصي ونحوه.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "دخل الجنة" محمول على من لم يتعلق بمظالم العباد والكبائر إلا أن يتوب أو يكون جاء بعد المقاصة أو بعفو الله أو برضا غرماءه كما في نظير هذا الحديث، وقد جاء في الصحيح:"حتى إذا هذبوا ونقوا"

(4)

"يقال: تواهبوا فيما بينكم وادخلوا الجنة برحمتي"

(5)

، قال القاضي عياض: وإنما حاز المجيب هذا الثواب العظيم لأن ذلك توحيد وثناء على الله تعالى

(1)

تحرير ألفاظ التنبيه (ص 55)، وشرح النووى على مسلم (4/ 87).

(2)

شرح النووى على مسلم (4/ 87).

(3)

تحرير ألفاظ التنبيه (ص 55).

(4)

أخرجه البخارى (2445) و (6535)، وابن حبان (7434) عن أبى سعيد.

(5)

أخرجه البحيرى في الثالث من الفوائد (11)، والبغوى في شرح السنة (4365) عن أنس. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (1279).

ص: 613

وانقيادًا لطاعته وتفويض إليها بقوله لا حول ولا قوة إلا بالله، فمن حصل هذا فقد حاز حقيقة الإيمان مشتملة على نوعيه من العقليات والسمعيات، والأول: إثبات الذات مما يستحب من الكمال والتنزيه عن ضد ذلك، وذلك بقوله: الله أكبر، وهذه الأمور السابقة دالة على ما ذكرناه، ثم صرح بإثبات الوحدانية مع نفي ضدها من الشرك المستحيل في حقه سبحانه وتعالى، وهذه عمدة الإيمان والتوحيد المقدمة على كل تصانيف الدين، ثم صرح بإثبات النبوة والشهادة بالرسالة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهي قاعدة عظيمة بعد الشهادة بالوحدانية وموضعها بعد التوحيد لأنها دليل الأفعال الجائزة الوقوع وتلك المقدمات من باب الواجبات وبعد هذه الواجبات كملت العقائد العقليات فيما يجب ويستحيل ويجوز في حقه سبحانه وتعالى، ثم دعا إلي ما دعاهم إليه من العبادات فدعاهم إلى الصلاة وحقها بعد إثبات النبوة لأنه معرفة وجوبها من جهة النبي صلى الله عليه وسلم لا من جهة العقل، ودعاهم إلى الفلاح وهو الفوز والبقاء في النعيم المقيم، وفيه: إشعار بأمور الآخرة من البعث والجزاء وهي آخر عقائد تراجم الإسلام، ثم كرر ذلك بإقامة الصلاة للإعلام بالشروع فيها وهو متضمن لتأكيد الإيمان، وتكرار ذكره عند الشروع في العبادة بالقلب واللسان وليدخل المصلي فيه على بينة من أمره وتعبيره من إيمانه، ويستشعر عظيم ما دخل فيه وعظمة حق من يعبده وجزيل ثوابه

(1)

والله أعلم، قاله في شرح الإلمام.

(1)

إكمال المعلم (2/ 253 - 254)، وشرح النووى على مسلم (4/ 88 - 89).

ص: 614

391 -

وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَالَ حِين يسمع النداء اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلاة الْقَائِمَة آت مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة والفضيلة وابعثه مقَاما مَحْمُودًا الَّذِي وعدته حلت لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ البُخَارِيّ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه

(1)

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْكُبْرَى وَزَاد فِي آخِره إِنَّك لا تخلف الميعاد

(2)

.

قوله: عن جابر، تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع النداء" أي: الأذان أي بعد الإجابة، وقد جاء مصرحًا في الحديث.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة" إلى آخره، فقوله:"اللهم" أصله يا الله فحذفت ياءه وعوض عنها الميم، ولهذا لا يجوز الجمع بينهما

(3)

، قوله:"رب هذه الدعوة التامة" الدعوة: بفتح الدال هي دعوة الأذان، وسميت بهذا لكمالها وعظيم موقعها وسلامتها من نقص يتطرق إلى غيرها

(4)

، وإنما وصفها بالتمام لأنها ذكر الله عز وجل يدعو بها إلى عبادته، وهذه الأشياء وما يشبهها هي التي تستحق صفة الكمال والتمام،

(1)

أخرجه البخارى (614) و (4719)، وابن ماجه (722)، وأبو داود (529)، والترمذى (211)، والنسائى في المجتبى 2/ 159 (692) والكبرى (1806).

(2)

أخرجه البيهقى في الكبرى (1/ 603 - 604 رقم 1933). وضعفه الألباني في الإرواء (1/

260 -

261/ 243).

(3)

النجم الوهاج (2/ 65).

(4)

المجموع (3/ 117).

ص: 615

وما سواها من أمور الدنيا معرض للنقص والفساد أو لأنها محمية عن النسخ والإبدال وعملها باقية إلى يوم التناد

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والصلاة القائمة" أي: التي ستقوم أي تقام وتفعل بصفاتها

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "آت محمدًا" فهذا هو الأولى لأن مقام دعاء مقام ذلة وخضوع فلا تقول: آت سيدنا محمد على أن حقيقة هذا المقام لمن كثرت خصاله المحمودة فهو أعلى ما يذكر، وفيه مناسبة للمقام المحمود، وهذه فضيلة الذكر عند ذكره في الصلاة عليه، وهل الأولى سلوك الأدب أو امتثال الأمر ولكل منهما وجهة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الوسيلة" والوسيلة درجة في الجنة لا تنبغي إلا له، والوسيلة: أصلها ما يتوصل إلى الشيء، والجمع: وسائل، والمراد بها القرب من الله تعالى، وقيل: الوسيلة منزلة في الجنة، ففي صحيح مسلم وفي شرح التنبيه للعيني: الوسيلة قبتان على أعلى عليين أحدهما من لؤلؤة بيضاء يسكنها محمدا وآله، والأخرى من ياقوتة صفراء يسكنها إبراهيم عليه السلام وآله، انتهى.

وقال في حادي الأرواح عن الوسيلة

(3)

: وسميت درجة النبي صلى الله عليه وسلم الوسيلة لأنها أقرب الدرجات من الرب تبارك وتعالى وهي أقرب الدرجات إلى الله تعالى كما تقدم، ومعنى الوسيلة: من الوصلة ولهذا كانت أفضل الجنة

(1)

شأن الدعاء (ص 135)، والميسر (1/ 194 - 195).

(2)

تحرير ألفاظ التنبيه (1/ 54).

(3)

حادى الأرواح (ص 82 - 83).

ص: 616

وأشرفها نورًا، ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى الخلق عبودية لربه وأعظمهم له محبة وأعلمهم وأشدهم له خشية كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله تعالى وهي أعلى درجة في الجنة كما تقدم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يسألوها له لينالوا بهذا الدعاء الزلفى من الله تعالى وزيادة الإيمان، وأيضًا فإن الله سبحانه وتعالى قدرها له أسباب، منها: دعاء أمته له بها بما نالوه على يده من الإيمان والهدى.

تنبيه: قال ابن العربي في قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(1)

الآية، دليل على أنه لا بأس بطلب الدعاء من الغير وإن كان الطالب أفضل من المطلوب منه

(2)

، وهذه المسألة تكلم فيها الإمام محمد بن جرير الطبري لما تكلم في قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر:"سيأتيكم أمداد اليمن، فيهم أويس بن عامر، فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل" رواه مسلم

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والفضيلة"، أي: المرتبة الزائدة على سائر الخلق

(4)

، ووقع في الشرح والروضة والمحرر: بعد الفضيلة زيادة والدرجة الرفيعة ولا وجود لهما في كتب الحديث

(5)

.

(1)

سورة الأحزاب، الآية:56.

(2)

انظر الأذكار للنووى (ص 630)، وشرح النووى على مسلم (16/ 95).

(3)

أخرجه مسلم (225 - 2542).

(4)

الكواكب الدرارى (5/ 14)، وفتح البارى (2/ 95)، وعمدة القارى (5/ 122).

(5)

النجم الوهاج (2/ 66). وهذا الذى قرره الدميرى صاحب النجم الوهاج صحيح فالحديث: أخرجه ابن السنى في اليوم والليلة (95) من طريق النسائى عن جابر وهذه زيادة ليست في الحديث. انظر إرواء الغليل (1/ 261).

ص: 617

قوله صلى الله عليه وسلم: "وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته" قال النووي: قوله "مقاما محمودا" ففى هذا الحديث وقع منكرًا، هكذا في البخاري وجميع كتب الحديث، فينبغي الإتيان به كذلك تأدبا مع القرآن بقوله تعالى:{عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}

(1)

(2)

، وأنكر قوله معرفا في كتب الفقه، وهذا ليس بصحيح لأنه ثبت في البيهقي معرفًا، وكذا رواه ابن حبان في صحيحه عن شيخه ابن خزيمة بالتعريف أيضًا

(3)

، والله أعلم، ولم يأت في آخره يا أرحم الراحمين، ووقع في شرح ابن يونس بيان التنبيه في آخر الدعاء يا أرحم الراحمين، وزاد البيهقي في آخر الحديث أيضًا:"إنك لا تخلف الميعاد" وتقدم على هذا الدعاء الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم كما صح، قلت: وكذا السلام، قاله في هادي التنبيه

(4)

.

واعلم أنه جاء في حق السامع خمس سنن: الإجابة ثم الوسيلة ثم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يقول: رضيت بالله ربًّا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا وبالإسلام دينًا،

(1)

سورة الإسراء، الآية:79.

(2)

المجموع (3/ 117)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 54).

(3)

أخرجه النسائى في المجتبى 2/ 159 (692)، وابن خزيمة (420) وعنه ابن حبان (1689)، والطحاوى في معانى الآثار (895)، والطبراني في الدعاء (430) والأوسط (5/ 54 رقم 4654) والصغير (2/ 3 رقم 670)، والبيهقى في الدعوات (49) والكبرى (1/ 603 - 604 رقم 1933). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (540)، تخريج فقه السيرة (385).

(4)

هادى النبيه (لوحة 34/ مخطوط 2121 ظاهرية) و (لوحة 39/ مخطوط 2134 ظاهرية).

ص: 618

ثم يدعو الله تعالى فإن الدعاء حينئذ لا يرد، وفي هذا الخمس المذكورة أحاديث عدة، ويشترك معه المؤذن في الأربعة الأخيرة، والله أعلم.

فائدة جليلة: المقام المحمود هو مقام الشفاعة العظمى في القيامة المختصة به صلى الله عليه وسلم، سمي بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أوتي مقاما محمودًا يحمده فيه الأولون والآخرون

(1)

، وقال مجاهد والطبري: المقام المحمود أن الله تعالى يجلسه على العرش

(2)

، والحكمة في سؤال هذا المقام مع أنه موعود به صلى الله عليه وسلم بوعد الله تعالى إنما هو إظهار لشرفه وكمال منزلته وعظيم حقه ورفيع ذكره وتوقيره

(3)

، وهذا ظاهر في مزية الأذان والاعتناء بهذا الدعاء بحقه ليحصل الفوز والامتنان.

فائدة جليلة أيضًا: وجدوا هذا التعليق على كاتب غيره من كتاب العلم المشهور لابن دحية الكلبي وهو كتاب جليل بأمثال سمعتها من ابن طلحة أن رجلا يمنيا سأل الله تعالى أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فوفقه الله لرؤيته صلى الله عليه وسلم وألهمه الله تعالى أن قال: يا رسول الله علمني كلمات أدخل بها الجنة فقال صلى الله عليه وسلم: "عليك بمؤذن إيلياء" فاستيقظ الرجل فرحا وسافر إلى إيلياء فاجتمع بمؤذنها فأخبره بالمنام فقال له المؤذن: إني أقول بعد فراغ كل أذان: (أبدًا أبدًا لا إله إلا الله عليها أحيي وعليها أموت وعليها أبعث حيا إن شاء الله تعالى

(1)

مشارق الأنوار (1/ 200)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 54).

(2)

النجم الوهاج (2/ 66).

(3)

تحرير ألفاظ التنبيه (ص 54).

ص: 619

أشهد بها مع الشاهدين وأرغم بها أنف الجاحدين ذخيرة إلى يوم الدين وأشهد أن الرسول كما أرسل وأن الكتاب كما أنزل وأن القضاء كما قدر وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور

(1)

قال: فلم يزل يواظب عليها بقية عمره وأخبر بها جملة من العلماء فقالوا: اعتقاد صحيح ومعنى مليح غفرانك وثناؤك وإليك المصير.

392 -

وَعَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَالَ حِين يسمع الْمُؤَذّن وَأَنا أشهد أَن لا إِلَه إِلَّا الله وَحده لا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله رضيت بِالله رَبًّا وَبِالإِسْلَامِ دينا وَبِمُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم رَسُولا غفر الله لَهُ ذنُوبه" رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد وَلم يقل ذنُوبه وَقَالَ مُسلم غفر لَهُ ذَنبه

(2)

.

قوله: عن سعد بن أبي وقاص، واسم أبي وقاص مالك بن أهيب بضم الهمزة، وقيل: وهيب بن عبد بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي، أحد العشرة، أسلم بعد أربعة وله سبع عشرة سنة، فتح مدائن كسرى وولاه عمر بن الخطاب العراق، هو أول من أراق دما في سبيل الله وأول من رمى

(1)

ذكره ابن عساكر في تاريخ دمشق (60/ 280)، والحموي في معجم البلدان (1/ 233) وعندهم أنه مؤذن أفيق من رواية سعيد بن هاشم بن مرثد عن أبيه قال أخبرونا عن منخل بن المشجعي.

(2)

أخرجه مسلم (13 - 386)، وابن ماجه (721)، وأبو داود (525)، والترمذي (210)، والنسائي في المجتبى 2/ 158 (691) والكبرى (1805).

ص: 620

سهما في سبيل الله، رمى يوم أحد ألف سهم، توفي بالعقيق على أميال من المدينة وحمل إليها سنة خمس وخمسين ومناقبه كثيرة مشهور

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين يسمع المؤذن وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله" الحديث، المراد بذلك غفران الصغائر كما تقدم في نظائره، قال في حدائق الأولياء بعد سياق الحديث: قلت وأي راحة أعظم من ذلك وسعادة أبلغ مما هنالك وقد زال الخوف والقلق ونامت العين وزال الأرق

(2)

.

393 -

وَعَن هِلَال بن يسَاف رضي الله عنه أَنه سمع مُعَاوِيَة يحدث أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من سمع الْمُؤَذّن فَقَالَ مثل مَا يَقُول فَلهُ مثل أجره رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش عَن الْحِجَازِيِّينَ لَكِن مَتنه حسن وشواهده كَثِيرَة

(3)

.

قوله: عن هلال بن يساف، في يساف ثلاث لغات: بكسر الياء المثناة تحت وبعدها سين مهملة مفتوحة وبعد الألف فاء هكذا يقوله المحدثون، قاله صاحب المطالع، وقال أبو عبيد: ويقال إساف بكسر الهمزة، وقال غيره وهو

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 213 - 214 ترجمة 205).

(2)

حدائق الأولياء (2/ 104).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (19/ 346 رقم 802). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 331: رواه الطبراني في الكبير من رواية إسماعيل بن عياش عن الحجازيين، وهو ضعيف فيهم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (168).

ص: 621

كلام العرب

(1)

، قال صاحب المطالع: وقال بعضهم هو بفتح الباء لأنه لم يأت في كلام العرب كلمة أولها ياء مكسورة إلا قولهم يسار لليد

(2)

، وهذا الذي قاله حكاه العزيزي في الياء اليسار في آخر كتابه

(3)

؛ وسئل الشيخ أبو محمد عبد الله بن بوي: كم تم كلمة أولها ياء مكسورة فقال: لغتان قولهم يسار في اسم اليد، ويقاظ جمع يقظان، فقيل له قولهم في اسم الرجل فقال هلال بن يساف، فقال: يلحق بهما لأن الياء بدل من الهمزة في إساف ولا تكون الياء إلا مكسورة كما كانت الهمزة، قال النووي: قلت والأشهر عند أهل اللغة إساف بالهمزة، وقد ذكر ابن السكيت وابن قتيبة وغيرهما فيما يغيره الناس ويكنون فيه فقالوا: هو هلال بن إساف

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من سمع المؤذن فقال مثلما يقول فله مثل أجره" الحديث، يترتب أن يتابع عقب كل كلمة لا معها ولا يتأخر عنها، وعبر بالسامع ليؤخذ منه المستمع من باب أولى، قالوا: ولا فرق بين الاستحباب بين المتطهر والمحدث والجنب والحائض وغيرهم ممن لا مانع له، وفيه نظر لما روي من قوله صلى الله عليه وسلم:"كرهت أن أذكر الله إلا على طهر" والتوسط أنه يستحب للمحدث دون الجنب والحائض لأنه كان يذكر الله على كل إيحانه إلا

(1)

مشارق الأنوار (2/ 306).

(2)

مطالع الأنوار (6/ 293).

(3)

نزهة القلوب (ص 235).

(4)

شرح النووي على مسلم (3/ 130).

ص: 622

الجنابة

(1)

والله أعلم. قوله: من رواته إسماعيل بن عياش، تقدم.

394 -

وَرُوِيَ عَن مَيْمُونَة أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَامَ بَين صف الرِّجَال وَالنِّسَاء فَقَالَ يَا معشر النِّسَاء إِذا سَمِعْتُمْ أَذَان هَذَا الحبشي وإقامته فَقُلْنَ كَمَا يَقُول فَإِن لَكِن بِكُل حرف ألف ألف دَرَجَة قَالَ عمر رضي الله عنه هَذَا للنِّسَاء فَمَا للرِّجَال قَالَ ضعفان يَا عمر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه نَكَارَة

(2)

.

قوله: عن ميمونة، هي أم المؤمنين بنت الحارت بالمثلثة بن حزن ابن هلال بن عامر، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ست أو سبع من الهجرة، روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة أربعون حديثا، خرج البخاري منها ثمانية، توفيت رضي الله عنها بسرف بفتح السين وكسر الراء وبالفاء: موضع على عشرة أميال من مكة سنة إحدى وخمسين، وقيل: سنة ست وستين في المكان الذي تزوجها فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل: إنها آخر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إذ لم يتزوج بعدها وهي أخت لبابة بضم اللام وموحدة خفيفة مكررة زوجة العباس وأم أولاده عبد الله والفضل وغيرهما، وهي أول امرأة أسلمت بعد خديجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يزورها وهي لبابة الكبرى وأختها لبابة الصغرى أم خالد بن الوليد، كانت ميمونة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت أبي رُهم، وقيل:

(1)

النجم الوهاج (2/ 61).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (24/ 11 رقم 15). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 331 - 332: رواه الطبراني في الكبير بإسنادين، في أحدهما عبد الله الجزري عن ميمونة ولم أعرفه. وعباد بن كثير وفيه ضعف، وقد وثقه جماعة، وبقية رجاله ثقات، والإسناد الآخر فيه جماعة لم أعرفهم. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (169).

ص: 623

تحت سخبرة بن أبي رُهم

(1)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم أذان هذا الحبشي وإقامته" الحديث، الحبشي هو بلال بن حمامة مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، تقدم الكلام على مناقبه مبسوطًا، وتقدم الكلام أيضًا على الأذان والإقامة قريبًا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لكن بكل حرف ألف ألف درجة" قال عمر: هذا للنساء فما للرجال؟ قال: "ضعفان يا عمر"، ضعفا الشيء مثلاه مرتين.

395 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَامَ بِلَال ويُنَادي فَلَمَّا سكت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ مثل مَا قَالَ هَذَا يَقِينا دخل الْجنَّة رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن حبان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإِسْنَاد

(2)

. وَرَوَاهُ أبُو يعلى عَن يزِيد الرقاشِي عَن أنس بن مَالك

(3)

وَلَفظه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عرس ذَات لَيْلَة فَأذن بِلَال فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ مثل مقَالَته وَشهد مثل شَهَادَته فَلهُ الْجنَّة.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 355 - 356 الترجمة 1189).

(2)

أخرجه أحمد وابنه 2/ 352 (8624)، والنسائي في المجتبى 2/ 154 (685) والكبرى (1802)، وابن حبان (1667)، والحاكم (1/ 204). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (255).

(3)

أخرجه أبو يعلى (4138)، وابن عدى في الكامل (6/ 99)، وابن فاخر في موجبات الجنة (92). وقال الهيثمي في المجمع 1/ 332: رواه أبو يعلى، وفيه يزيد الرقاشي ضعفه شعبة وغيره، ووثقه ابن عدي وابن معين في رواية. وقال البوصيري في اتحاف الخيرة 1/ 488: يزيد بن أبان الرقاشي ضعيف، وكذا زيد العمي الراوي عنه. وقال ابن حجر في المطالب العالية (3/ 120): إسناده ضعيف. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (6715) وضعيف الترغيب (170).

ص: 624

عرس الْمُسَافِر بتَشْديد الرَّاء إِذا نزل آخر اللَّيْل ليستريح.

قوله: عن أبي هريرة، تقدم.

قوله: فقام بلال ينادي، المراد بالنداء الأذان، وقد اختلف فيه هل هو فرض كفاية أو سنة، على وجهين: أصحهما الثاني، والمراد أنه سنة كفاية وبماذا يحصل ذلك، فقيل بانتشاره في جميع أهل ذلك المكان، فإن كانت قرية صغيرة فبحيث إنه إذا أذن واحد سمعوه كلهم وإن كانت كبيرة فيؤذن في كل ناحية واحد بحيث ينتشر في جميعهم

(1)

، قال الفوراني: ويسقط الفرض بأذان واحد في كل يوم وليلة، قال الإمام: ولم أر لأصحابنا إيجابه لكل صلاة، قال النووي: وهذا خلاف ظاهر، وكلام أصحابنا مقتضاه وجوبه لكل صلاة، وهذا على القول بأنه فرض كفاية وهو الصواب

(2)

، ونقل عن مالك أنه فرض كفاية في مساجد الجماعات، وعند الظاهرية أنه فرض عين، وقيل: هو فرض سفرًا وحضرًا للجماعة، وقيل: هو فرض في السفر، وقال أبو حنيفة: إنه سنة مطلقًا

(3)

، وقد كان الأذان أمانا من القتال فإذا لم يسمع في قرية أغير عليهم

(4)

، ويستحب أن يؤذن في كل مسجد واحد وإن قربوا

(5)

،

(1)

انظر: المجموع (3/ 81)، وغاية البيان (ص 90).

(2)

المجموع (3/ 81 - 82).

(3)

انظر: حلية العلماء (2/ 30 - 31)، المجموع (3/ 82)، وفتح الباري (5/ 238 - 239).

(4)

فتح الباري (5/ 232 و 240).

(5)

المجموع (3/ 128)، والنجم الوهاج (2/ 59).

ص: 625

واختلف هل الأذان حق للوقت أو للصلاة أو للجماعة، الصحيح الأول

(1)

.

ويستحب في الأذان أمور منها: الطهارة فيكره للمحدث وللجنب أشد

(2)

، ومنها: الصوت الرفيع الحسن المتحزن

(3)

، ومنها: أن يكون على موضع عال قائما

(4)

، ومنها: أن يكون عدلا ثقة فقيل: إن العدالة للحر والثقة للعبد، وقيل: أن يكون عدلا في دينه ثقة في علمه بالوقت

(5)

، ومنها: أن يكون بصيرًا أو معه بصير يخبره به

(6)

، ومنها: أن يجعل أصبعيه في أذنيه لحديث أبي جحيفة

(7)

، ومنها ألا يستدبر القبلة لما في سنن أبي داود أنه التفت في الحيعلتين يمينا وشمالا ولم يستدبر

(8)

، ومنها أن يستقبل القبلة في الأذان والإقامة لحديث "إن لكل شيء شرفا وشرف المجلس ما استقبل به

(1)

النجم الوهاج (2/ 47).

(2)

المنهاج (ص 23)، والنجم الوهاج (2/ 53 - 54).

(3)

الزاهر في غريب ألفاظ الشافعي (ص 56)، والمجموع (3/ 108).

(4)

المجموع (3/ 106 - 107).

(5)

بحر المذهب (1/ 426)، والعزيز شرح الوجيز (1/ 421)، والمجموع (3/ 102).

(6)

المجموع (3/ 103).

(7)

المجموع (3/ 104). وحديث أبى جحيفة نصه: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح، وهو في قبة حمراء، فخرج بلال فأذن، فاستدار في أذانه، وجعل إصبعيه في أذنيه واللفظ لابن ماجه. أخرجه ابن ماجه (711)، وأبو داود (520)، والترمذي (197). وصححه الألباني في الإرواء (230)، الروض النضير (333).

(8)

المجموع (3/ 106).

ص: 626

القبلة"

(1)

رواه الحاكم

(2)

.

قوله: ورواه أبو يعلى عن يزيد الرقاشي عن أنس، أبو يعلى اسمه [أحمد بن عليّ بن المثني بن يحيى بن عيسى بن هلال التَّميميّ، أبو يعلى الموصليّ الحافظ المتوفى: 307 هـ، قال يزيد بن محمد الأزديّ من أهل الصَّدق والأمانة والدَّين والحِلْم. غلقت أكثر الأسواق يوم موته، وحضر جنازته من الخلق أمر عظيم. وكان عاقلًا حليمًا صبورًا، حسَن الأدب، وقال أبو عَمْرو بن حمدان وذكر أبا يعلى ففضّله على الحَسَن بن سفيان، فقيل له: كيف تفضله على الحَسَن بن سفيان ومسند الحَسَن أكبر، وشيوخه أعلى؟ قال: لأنّ أبا يعلى كان يحدّث احتسابًا، والحسن كان يحدّث اكتسابًا].

ويزيد الرقاشي قد وثق على ضعفه وقد روى عن أنس بن مالك والحسن البصري وغيرهما وكان رجلًا صالحًا روى الناس عنه وليس بالقوي في الحديث، حج يزيد الرقاشي مرة وكان يبكي الليل كله وإذا مرة بجبل يقول:

(1)

أخرجه عبد بن حميد (675)، والحارث في المسند (1070)، والطبراني في الكبير (10/ 320 رقم 10781)، والحاكم في المستدرك (4/ 269 - 270). وصححه وتعقبه الذهبى فقال: فيه هشام بن زياد، وهو متروك، ومحمد بن معاوية كذبه الدارقطني، فبطل الحديث. وقال الهيثمي في المجموع 8/ 59: رواه الطبراني، وفيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك. وقال البوصيرى في الاتحاف (7/ 407): رواه عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة ومدار إسناديهما على هشام بن زياد أبي المقدام وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (2786).

(2)

بحر المذهب (1/ 402).

ص: 627

يا جبل تصير هباء منثورا ويبقى على يزيد الحساب، وكان يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقرأت عليه سورة فلما فرغت قال: يا يزيد هذه القراءة فأين البكاء، وكان من البكائين، عطش نفسه أربعين سنة لم يفطر فيها إلا خمسة أيام، وكان يبكي على نفسه ويقول: يا يزيد إذا مت من يتصدق عليك، إذا مت من يصوم عنك، وكان إذا دخل بيته بكى وإذا جلس إلى إخوانه بكى وأبكاهم فقال له ابنه يوما: يا أبتي لم تبكي يا أبتي والله لو كانت النار خلقت لك ما زدت على البكاء، فقال: ثكلتك أمك يا بني وهل خلقت النار إلا لي ولأصحابي ولأخواننا من الجن أما تقرأ يا يبني {سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلَانِ (31)}

(1)

أما تقرأ {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (35)}

(2)

وجعل يبكي ويقرأ حتى تناثرت أشفار عينيه

(3)

.

ومن كلامه: أيها المنفرد في حفرته المتخلي في قبره بوحدته المستأنس في بطن الأرض بأعماله ليت شعري بأي أعمالك استبشرت وبأي أخوانك اغتبطت ثم بكى حتى بل عمامته ثم يقول: استبشر والله بأعماله الصالحة واغتبط والله بأخوانه المتعاونين على الطاعة وكان يبكي يسقط ثم يفيق ثم يسقط فيحمل مغشيا عليه، وكان يقول: ابكوا قبل البكاء ونوحوا قبل يوم النياحة وتوبوا قبل انقطاع التوبة، إنما سمي نوحا لأنه كان نواحا فنوحوا

(1)

سورة الرحمن، الآية:31.

(2)

سورة الرحمن، الآية:35.

(3)

تهذيب الكمال (32/ 64 - 77 ترجمة 6958).

ص: 628

معشر الكهول والشباب على أنفسكم، وكان يتكلم والدموع جارية على لحيته وخديه وكان يقول: إن العبد إذا وضع في قبره احتوشته أعماله ثم ينطقها الله تعالى فتقول: أيها العبد المنفرد في حفرته انقطع عنك الأخلاء والأهلون فلا أنيس لك اليوم غيرنا ثم يبكي يزيد ويقول طوبى لمن كان أنيسه صالحا والويل لمن كان أنيسه عليه [وبالا] ثم يتمثل بهذا البيت:

وإنا لنفرح بالأيام نقطعها

وكل يوم مضى يدني من الأجل

وكان يقول: ليتنا لم نخلق وليتنا إذا خلقنا لم نمت، وليتنا إذا متنا لم نحاسب وليتنا إذا حوسبنا لم نعذب، وليتنا إذا عذبنا لم نخلد.

دخل يزيد يوما على عمر بن عبد العزيز فقال له: عظني فقال أنت أول خليفة تموت يا أمير المؤمنين، قال: زدني.

قال: لم يبق أحد من آبائك من لدن آدم إلى أن بلغت النوبة إليك إلا وقد ذاق الموت، قال زدني قال ليس بين الجنة والنار منزل والله يقول:{إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (13) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ (14)}

(1)

وأنت أبصر ببرك وفجورك فبكى عمر حتى سقط عن سريره، ولما حضرته الوفاة قال:{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}

(2)

ألا إن الأعمال محضرة والأجور مكملة ولكل ساع ما سعى وغاية الدنيا وأهلها إلى الموت ثم بكى، وقال: يا من القبر مسكنه بين يدي الله موقفه والنار غدا مرده ماذا

(1)

سورة الإنفطار، الآيتان: 13 - 14.

(2)

سورة آل عمران، الآية:185.

ص: 629

قدمت لنفسك ماذا أعددت لصرعك ماذا أعددت لوقوفك بين يدي ربك، وقيل له عند الموت لم تبكي؟ قال: على ما يفوتنني من قيام الليل وصيام النهار

(1)

.

قوله: عرس النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأذن بلال، الحديث، عرس المسافر بتشديد الراء إذا نزل آخر الليل ليستريح قاله الحافظ، وسيأتي الكلام على التعريس قريب كتاب الوتر مبسوطًا.

396 -

وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من قَالَ حِين يُنَادي الْمُنَادِي اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلاة النافعة صل على مُحَمَّد وَارْضَ عني رضى لَا سخط بعده اسْتَجَابَ الله لَهُ دَعوته رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَفِيه ابْن لَهِيعَة

(2)

وَسَيَأْتِي فِي بَاب الدُّعَاء بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة حَدِيث أبي أُمَامَة إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

قوله عن جابر هو ابن عبد الله تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من قال حين ينادي" النداء هو الأذان وتقدم.

قوله ف: "اللهم رب" أصله يا الله حذفت ياؤه وعوض عنها الميم أي

(1)

المصدر السابق.

(2)

أخرجه أحمد 3/ 337 (14619)، وأبو يعلى كما في اتحاف الخيرة (1/ 490 رقم 916)، وابن السنى في اليوم والليلة (96)، والطبراني في الأوسط (1/ 69 رقم 194). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن أبي الزبير إلا ابن لهيعة، ولا يروى عن جابر إلا بهذا الإسناد. قال البوصيري: رواه أحمد بن حنبل في مسنده والطبراني في الأوسط من طريق ابن لهيعة، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (171).

ص: 630

صاحبها وقيل المتمم لها والزائد في أهلها والعمل بها والإجابة لها قاله في النهاية

(1)

، ووصف هذه الدعوة بالتمام لأنها ذكر الله تعالى، قال الكرماني: ومعنى بالدعوة الأذان المشتمل على شهادة الإخلاص والرسالة ولذلك استحق الدخول في الإسلام

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والصلاة القائمة" أي التي ستقام وتفعل بصفاتها كما تقدم.

قوله: صل على محمد، تقدم معنى الصلاة في عدة مواضع وسمي نبينا محمد لكثرة خصاله المحمودة وتقدم ذاك أيضا مبسوطا في الخطبة وغيرها.

قوله: وارض عني رضا لا سخط بعده، الرضا ضد السخط قال قحيف العقيلي:

إذا رضيت علي بنو قشير

لعمر الله أعجبني رضاها

(3)

397 -

وَعَن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أَن رجلا قَالَ يَا رَسُول الله إِن المؤذنين يفضلوننا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قل كَمَا يَقُولُونَ فَإِذا انْتَهَيْت فسل تعطه" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه

(4)

.

(1)

النهاية (1/ 197) و (2/ 179).

(2)

الكواكب الدراري (5/ 14).

(3)

أدب الكاتب (1/ 507)، والمنتخب من كلام العرب (ص 611).

(4)

أخرجه أبو داود (524)، والنسائي في الكبرى (9789)، وابن حبان (1695)، والطبراني في الكبير (14/ 36 رقم 14633) و (14/ 79 رقم 14685). وحسنه الألباني في المشكاة (673) وصحيح أبي داود (537) وصحيح الترغيب (256) و (267).

ص: 631

398 -

وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول إِذا سمع الْمُؤَذّن اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة صل على مُحَمَّد وأعطه سؤله يَوْم الْقِيَامَة وَكَانَ يسْمعهَا من حوله وَيُحب أَن يَقُولُوا مثل ذَلِك إِذا سمعُوا الْمُؤَذّن قَالَ وَمن قَالَ مثل ذَلِك إِذا سمع الْمُؤَذّن وَجَبت لَهُ شَفَاعَة مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبْرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط

(1)

وَلَفظه كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِذا سمع النداء قَالَ اللَّهُمَّ رب هَذِه الدعْوَة التَّامَّة وَالصَّلَاة الْقَائِمَة صل على عَبدك وَرَسُولك واجعلنا فِي شَفَاعَته يَوْم الْقِيَامَة قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من قَالَ هَذَا عِنْد النداء جعله الله فِي شَفَاعَتِي يَوْم الْقِيَامَة، وَفِي إسنادهما صَدَقَة بن عبد الله السمين.

قوله: عن أبي الدرداء، أبو الدرداء اسمه عويمر تقدم الكلام على مناقبه.

قوله: "من قال إذا سمع المؤذن اللهم رب هذه الدعوة التامة" تقدم الكلام على ذلك في الحديث قبله.

قوله: "وجبت له شفاعة محمد صلى الله عليه وسلم" وجبت معناها حقت ولزمت وثبتت

(1)

أخرجه ابن أبي عاصم في الصلاة على النبى (75)، والطبراني في الأوسط (4/ 78 - 79 رقم 3662) والدعاء (432). وقال الطبراني في الأوسط: لا يروى هذا الحديث عن أبي الدرداء إلا بهذا الإسناد، تفرد به: عمرو بن أبي سلمة. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 333: رواه الطبراني في الكبير، وفيه صدقة بن عبد الله السمين ضعفه أحمد والبخاري ومسلم وغيرهم، ووثقه دحيم وأبو حاتم وأحمد بن صالح المصري. وقال أيضا: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه صدقة المذكور قبل هذا الحديث. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (172).

ص: 632

وأنه لابد منها بوعده الصادق وفي ذلك بشارة لأمته صلى الله عليه وسلم لأنه صلى الله عليه وسلم شافع مشفع لا ترد له شفاعة لا في حياته ولا بعد وفاته ولا في عرصات القيامة، وتقدم الكلام على الشفاعة وسيأتي الكلام عليها أيضا مبسوطا في أواخر الكلام في هذا الباب.

399 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سلوا الله لي الْوَسِيلَة فَإِنَّهُ لم يسْأَلهَا لي عبد فِي الدُّنْيَا إِلَا كنت لَهُ شَهِيدا أَو شَفِيعًا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط من رِوَايَة الْوَليد بن عبد الْملك الْحَرَّانِي عَن مُوسَى بن أعين والوليد مُسْتَقِيم الحَدِيث فِيمَا رَوَاهُ عَن الثِّقَات وَابْن أعين ثِقَة مَشْهُور

(1)

.

400 -

وَرَوَاهُ فِي الْكَبِير أَيْضا وَلَفظه قَالَ من سمع النداء فَقَالَ أشهد أَن لا إِلَه إِلَا الله وَحده لَا شريك لَهُ وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وبلغه دَرَجَة الْوَسِيلَة عنْدك واجعلنا فِي شَفَاعَته يَوْم الْقِيَامَة وَجَبت لَهُ الشَّفَاعَة" وَفِيه إِسْحَاق بن عبد الله بن كيسَان وَهُوَ لين الحَدِيث

(2)

.

(1)

أخرجه عبد بن حميد (688)، والأزدى في فضل الصلاة على النبى (48)، والطبراني في الأوسط (1/ 198 - 199 رقم 633)، قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن ابن أبي ذئب إلا موسى.

قال الهيثمي في المجمع 1/ 333: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني، وقد ذكره ابن حبان في الثقات وقال: مستقيم الحديث إذا روى عن الثقات. قلت: وهذا من روايته عن موسى بن أعين، وهو ثقة. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (257).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (12/ 85 رقم 12554). قال الهيثمي في المجمع 1/ 333: رواه الطبراني في الكبير، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان لينه الحاكم وضعفه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني جدا في الضعيفة (6813) وضعيف الترغيب (173).

ص: 633

قوله: عن ابن عباس تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم "سلوا الله لي الوسيلة" الحديث، تقدم الكلام عن الوسيلة واشتقاقاتها والمراد بها في الحديث القرب من الله تعالى وقيل هي الشفاعة يوم القيامة وقيل هي منزلة من منازل الجنة وكل ما جاء في هذا الباب تقدم الكلام عليها مبسوطا.

قوله: وفيه الوليد بن عبد الملك الحراني وهو مستقيم الحديث وفيه ابن أعين وهو ثقة مشهور واسم ابن أعين [موسى بن أعين الجزري، أبو سعيد الحراني مولى بني عامر بن لؤي وهو والد محمد بن موسى بن أعين، وعم الحسن بن محمد بن أعين].

قوله: في رواية الطبراني في آخر الحديث، وفيه إسحاق بن عبد الله بن كيسان وهو لين الحديث.

401 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذا سمع الْمُؤَذّن يتَشَهَّد قَالَ وَأَنا وَأَنا" رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الإسْنَاد

(1)

.

(1)

أخرجه أبو داود (526)، والبزار (18/ 108 رقم 50)، وابن حبان (1683)، والحاكم (1/ 204). قال البزار: وهذا الحديث قد رواه غير واحد، عن هشام بن عروة، عن أبيه مرسلا وأسنده علي بن مسهر وحفص بن غياث، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها. ورواه عمرو بن ميمون، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في المشكاة (677) وصحيح أبي داود (538) وصحيح الترغيب (258).

ص: 634

قوله: عن عائشة، تقدم الكلام على مناقبها.

قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا سمع المؤذن يتشهد قال: "وأنا وأنا" الحديث، استعمال لفظة:"وأنا" يكره إطلاقه في الشرع لأن إبليس قال: وأنا

(1)

، وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استأذن عليه جابر وقال:"من بالباب" قال: أنا، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يقول:"أنا أنا ينكر ذلك على جابر"

(2)

.

وقال الحريري في شرحه لملحة الإعراب

(3)

: يحرم على الشخص أن يقول عن نفسه نحن فعلنا لأن في ذلك نوع عظمته وليس ذلك إلا لله عز وجل، فلفظه: أنا، من غير أن يضاف إليها فلان تضمن نوع كبر كأنه يقول: أنا الذي لا أحتاج أن أسمي نفسي أو أتكبر عن تسميتها، فيكره لهذا أيضًا

(4)

، ويستثني من كراهة قوله أنا مواضع منها: إذا سمع المؤذن يستحب أن يقول وأنا أشهد لأنه مقام يطلب فيه تعظيم بالشاهد، ومنها: إذا قرأ أو سمع: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}

(5)

الآية، استحب أن يقول وأنا أشهد بما شهد الله وأستودع الله هذه الشهادة، وهذه الشهادة وديعة لي عند الله يؤديها

(1)

انظر: أعلام الحديث (3/ 2233)، والإفصاح (8/ 287)، وكشف المشكل (3/ 29)، وزاد المعاد (2/ 434 - 435).

(2)

أخرجه البخارى في الأدب المفرد (1086) والصحيح (6250)، ومسلم (38 و 39 - 2155) عن جابر.

(3)

اللمحة في شرح الملحة (1/ 143).

(4)

كشف المشكل (3/ 29).

(5)

سورة آل عمران، الآية:18.

ص: 635

إلىَّ يوم القيامة، كما أورد الواحدي في ذلك حديثًا في تفسيره

(1)

؛ ومنها: إذا بارز العدو يقول أنا فلان ليرهب عدوه، قال علي رضي الله عنه: أنا الذي سمتني أمي حيدرة؛ ومنها: إذا قرأ: {أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ (8)}

(2)

قال: بلى وأنا على ذلك من الشاهدين، وما أشبه ذلك.

(1)

أخرجه العقيلي في الضعفاء (3/ 325)، والطبراني في الكبير (10/ 199 رقم 10453)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (607)، والواحدي في التفسير (142). قال العراقي في تخريج الإحياء (ص 399): وفيه عمر بن المختار روى الأباطيل قاله ابن عدي. قال الهيثمي في المجمع 6/ 326: رواه الطبراني، وفيه عمر بن المختار، وهو ضعيف. وقال الألباني: منكر الضعيفة (6239).

(2)

سورة التين، الآية:8.

ص: 636