الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التَّرْهِيب من التخلي على طرق النَّاس أَو ظلهم أَو مواردهم
239 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ اتَّقوا اللاعنين قَالُوا وَمَا اللاعنان يَا رَسُول الله قَالَ الَّذِي يتخلى فِي طرق النَّاس أَو فِي ظلهم رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا
(1)
.
قَوْله: "اللاعنين" يُرِيد الْأَمريْنِ الجالبين اللَّعْن وَذَلِكَ أَن من فعلهمَا لعن وَشتم فَلَمَّا كَانَا سَببا لذَلِك أضيف الْفِعْل إِلَيْهِمَا فَكَانَا كَأَنَّهُمَا اللاعنان.
قوله: "عن أبي هريرة"، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا اللاعنين" قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله، الحديث، قال النووي
(2)
: وقع في صحيح مسلم: "اللعانين"، وفي رواية:"اللاعنين" والروايتان صحيحتان ظاهرتان، وفي الترمذي وأبي داود:"الملاعن"، وفي المفهم
(3)
: "اللاعنين" يروى هكذا وصحيح روايتنا: "اللعانين" بالتشديد على المبالغة؛ واللعن: الطرد والبعد، وقد فسرهما بالتخلي في الطرق والظلال، وقد فسر الحافظ رحمه الله اللاعنين فقال: يريد الأمرين الجالبين للعن، وذلك أن من فعلهما لعن وشتم فلما كانا وسببا لذلك أضيف الفعل
(1)
أخرجه مسلم (68 - 269)، وأبو داود (25)، وابن خزيمة (67)، وأبو عوانة (558 و 559)، وابن حبان (1415)، والحاكم 1/ 185 - 186.
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 161).
(3)
المفهم (3/ 149).
إليهما فكانا كأنهما اللاعنان، انتهى؛ قال النووي، قدس الله سره
(1)
: يعني عادة الناس لعنه وشتمه، قال: وقد يكون اللاعن بمعنى الملعون، فعلى هذا يكون التقدير: اتقوا الأمرين الملعون فاعلهما، وهذا على رواية أبي داود، وأما رواية مسلم فمعناها والله أعلم: اتقوا فعل اللاعنين.
قوله: قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله، قال:"الذي يتخلى في طرق الناس"، وفي رواية ابن منده:"في طريق المسلمين ومجالسهم"
(2)
، وذلك محمول على المواضع المشتركة التي لا تختص بأحد، أما ما اختص بالمستنجي فلا شك في جوازه، وما اختص به غيره فلا شك في تحريمه حتى لو تجمر بجدار الغير أو بجدار موقوف ونحوه فإنه حرام، وهو مما يتساهل الناس فيه، وحينئذ فيجب تطهيره والتحلل من صاحبه إن أضر ذلك به، والله أعلم، قاله في شرح الإلمام.
والتخلي: الجلوس للحاجة فمعناه يتغوط في موضع يمر الناس فيه، وعبر عنه بالتخلي لأنه لا يكون إلا خاليًا ولم يذكر البول
(3)
، وقد صرح النووي في الروضة بكراهته من زياداته
(4)
، والله أعلم.
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 161 - 162).
(2)
أخرجه ابن الجارود في المنتقى (33)، وأبو عوانة (558 و 559)، وابن المنذر في الأوسط (266) بلفظ:"الذي يتغوط على طريق الناس، أو في مجلس قوم" وعزاه ابن الملقن في البدر المنير لابن منده وقال: قال ابن منده: إسناده صحيح (2/ 312).
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 162).
(4)
روضة الطالبين (1/ 65).
قوله: "أو في ظلهم" سيأتي الكلام على الظل الذي اتخذه الناس مقيلًا، ونهى عن التخلي في الظل والطريق لما في ذلك من إيذاء المسلمين بتنجيس من يمر به ونتنه واستقذاره، وقد صرح الخطابي وغيره بتحريم ذلك، وقد عدوه من الصغائر
(1)
، والله أعلم.
240 -
وَعَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقوا الْملَاعن الثَّلَاث البرَاز فِي الْمَوَارِد وقارعة الطَّرِيق والظل". رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه كِلَاهُمَا عَن أبي سعيد الْحِمْيَرِي عَن معَاذ وَقَالَ أَبُو دَاوُد هُوَ مُرْسل يَعْنِي أَن أَبَا سعيد لم يدْرك معَاذًا
(2)
.
الْملَاعن: مَوَاضِع اللَّعْن.
قَالَ الْخطابِيّ: وَالْمرَاد هُنَا بالظل هُوَ الظل الَّذِي اتَّخذهُ النَّاس مقيلا ومنزلا ينزلونه وَلَيْسَ كل ظلّ يحرم قَضَاء الْحَاجة تَحْتَهُ فقد قضى النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَاجته تَحت حايش من النّخل وَهُوَ لَا محَالة لَهُ ظلّ انْتهى.
قوله: عن معاذ، تقدم الكلام عليه، وتوفي رضي الله عنه شهيدًا بالطاعون سنة ثماني عشرة وهو ابن ثمان وثلاثين سنة، وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بين معاذ بن جبل وبين ابن مسعود، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وسبعة وخمسون
(1)
معالم السنن (1/ 22)، وتنبيه الغافلين (ص 323).
(2)
أخرجه ابن ماجه (328)، وأبو داود (26)، والحاكم 1/ 167. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. قال البوصيري في الزجاجة 1/ 48: هذا إسناد ضعيف. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (146)، المشكاة (355)، الإرواء (62).
حديثا، وسيأتي الكلام على مناقبه مبسوطًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث" الحديث، الملاعن مواضع اللعن أي: اتقوا الأمور التي هي سبب اللعن الحاملين للناس عليه والداعين إليه
(1)
.
والملاعن: جمع ملعنة كمقبرة ومجزرة موضع القبر والجزر، وهي الفعلة التي يُلعن بها فاعلها كأنها مكان للعن ومحل له
(2)
، وسميت ملاعن: لأن الناس يلعنون فاعل ذلك فهو مواضع اللعن
(3)
، وما ذاك إلا أنه مرافق المسلمين، فمن جاء يرتفق بها يجد هناك نجاسة فيقول: لعن الله من فعل هذا، والنبي صلى الله عليه وسلم بأمته رؤوف رحيم فنهاهم أن يفعلوا ما يلعنون بسببه
(4)
، وقد قال ابن هبيرة في كتاب اتفاق الأئمة الأربعة واختلافهم
(5)
: اتفقوا على أن الطريق لا يجوز تضييقها، انتهى.
قوله: "البراز في الموارد" البراز: بفتح الباء، وأكثر الرواة يقولونه بكسر الباء وهو غلط اسم للفضاء الواسع من الأرض، ثم سمي به الحدث، ومنه الحديث:"أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد البراز أبعد"
(6)
فكنوا به عن قضاء الغائط كما كنوا بالخلاء عنه لأنهم كانوا يتبرزون في الأمكنة الخالية من الناس،
(1)
معالم السنن (1/ 21)، والمجموع (2/ 87).
(2)
الفائق في غريب الحديث (3/ 318)، والنهاية (4/ 255).
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 127).
(4)
المدخل (1/ 247).
(5)
إجماع الأئمة الأربعة واختلافهم (2/ 19)، والمدخل (1/ 247).
(6)
أخرجه ابن ماجه (335)، وأبو داود (2). وصححه الألباني في المشكاة (344).
ويبرز الرجل أي خرج إلى البراز للحاجة
(1)
، وهو عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي
(2)
؛ وفي الحديث: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتبرز لحاجته فأتيته بالماء فيتغسل به"
(3)
قوله "يتبرز" فمعناه يأتي البراز بفتح الباء
(4)
، وتقدم الكلام عليه، قوله "فيتغسل به" فمعناه يستنجي به ويغسل محل الاستنجاء
(5)
، والله أعلم.
وأما البراز بكسر الباء فهو مصدر المبارزة يقال: بارزته في الحرب مبارزة وبرازا، قاله المغيث في غريب القرآن والحديث
(6)
، وروى الطبراني في معجمه الأوسط والبيهقي "المبارزة" في الدعوات الكبير من حديث عكرمة عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد قضاء الحاجة أبعد، فذهب يوما فقعد تحت شجرة فنزع خفيه، قَالَ: وَلَبِسَ أَحَدَهُمَا، فَجَاءَ طَائر فَأَخَذَ خُفَّهُ الْآخَرَ فَحَلَّقَ بِهِ فِي السَّمَاءِ، فَاسْتُلِبَ مِنْهُ أَسْوَدُ سَالِخٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "هَذِهِ كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللهُ بِهَا، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي
(1)
النهاية (1/ 118)، والصحاح (3/ 864).
(2)
قال الجوهري هو الغائط الصحاح (3/ 864)، وقال النووي في تعريف الغائط: وأصل الغائط المطمئن من الأرض ثم صار عبارة عن الخارج المعروف من دبر الآدمي. انظر شرح النووي على مسلم (3/ 154).
(3)
أخرجه مسلم (71 - 271) عن أنس.
(4)
إكمال المعلم (2/ 78)، وشرح النووي على مسلم (3/ 168).
(5)
شرح النووي على مسلم (3/ 168).
(6)
المجموع المغيث (1/ 148).
عَلَى رِجْلَيْهِ، وَمِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ، وَمِنْ شَرِّ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ"
(1)
.
قوله: "في الموارد" أي: المجاري والطرق إلى الماء، واحدها مورد وهو مفعل من الورود، يقال: وردت الماء أرده وروده إذا أحضرته لشرب، والمورد الماء الذي يرد عليه، قاله في النهاية
(2)
، وقال بعضهم: الموارد: طرق الماء
(3)
، وقيل: المواضع التي يرد الناس إليها
(4)
، قال العلماء: يكره التغوط والبول في الموارد وبقرب المياه وإن لم يصل إليها لعموم النهي ولما فيه من إيذاء المارة بالماء ولما يخاف من وصوله إلى المياه
(5)
.
قوله: "وقارعة الطريق" قال ابن الأثير في النهاية: وإنما أطلقت القارعة على الطريق لما فيها من القرع وهو الذي بالجرار والنعال
(1)
أخرجه الخرائطى في مكارم الأخلاق (1041) و (1054)، والطبراني في الأوسط (9/ 121 - 122 رقم 9304)، وابن عدى في الكامل (3/ 352 - 353)، والبيهقي في الدعوات الكبير (363). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن عكرمة إلا سعد بن طريف تفرد به حبان بن علي ولا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد. قال ابن عدى: وهذا لا يرويه، عن أبي سعد غير حبان وعن حبان رواه أحمد بن الصلت ولحبان بن علي أحاديث صالحة وعامة حديثه إفرادات وغرائب، وهو ممن يحتمل حديثه ويكتب. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 203: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه سعد بن طريف، واتهم بالوضع.
(2)
النهاية (5/ 173).
(3)
كفاية النبيه (1/ 441)، والنجم الوهاج (1/ 293).
(4)
تحفة الأبرار (1/ 182)، وكفاية النبيه (1/ 441)، والمفاتيح (1/ 383).
(5)
شرح النووي على مسلم (3/ 188).
وغيرهما
(1)
، انتهى، وقارعة الطريق أعلاه، قاله الأزهري والجوهري وغيرهما
(2)
، وقيل: وسطه
(3)
، وقيل: صدره، وقيل: ما برز منه، وكله متقارب
(4)
، والمراد شارع المارين وهو نفس الطريق، والمعنى فيه: تأذي المارة، والمراد بالطريق هنا المسلوك، وأما الطريق المهجور فلا منع فيه، وفي البيهقي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"مَنْ سَلَّ سَخِيمَتَهُ عَلَى طَرِيقٍ عَامِرٍ مِنْ طُرُقِ الْمُسْلِمِينَ، فَعَلَيْهِ لَعْنَهُ اللهِ"
(5)
(1)
لم أجده في النهاية وإنما ذكره بنحوه أبو عبد الله بطال في النظم المستعذب (ص 37) قال: قارعة الطريق سميت قارعة؛ لأنها تقرع، أي: تصيبها الأرجل والحوافر والأظلاف والأخفاف، فاعلة بمعنى مفعولة.
(2)
انظر: غريب الحديث (3/ 1024) للحربي، وتهذيب اللغة (1/ 155)، والصحاح (3/ 1263).
(3)
النهاية (4/ 45).
(4)
المجموع (2/ 87) و (3/ 162)، وتحرير ألفاظ التنبيه (ص 38)، وتهذيب الأسماء واللغات (4/ 88) للنووي.
(5)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 320 رقم 5426) والصغير (2/ 77 رقم 811)، وابن عدى في الكامل (9/ 289)، والحاكم (1/ 186)، والبيهقي في الكبرى (1/ 158 - 159 رقم 470). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا محمد بن عمرو أبو سهل الأنصاري، تفرد به: كامل بن طلحة الجحدري. قال ابن عدى: ومحمد بن عمرو أبو سهل هذا هو عزيز الحديث، وله غير ما ذكرت أحاديث أيضًا، وأحاديثه أفرادات، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء، وصححه الحاكم. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 204: رواه الطبراني في الأوسط - وله في الصحيح: اتقوا اللعانين - وفيه محمد بن عمرو الأنصاري، ضعفه يحيى بن معين، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات. وضعفه ابن حجر =
الحديث، السخيمة: الغائط
(1)
.
قوله: "والظل" المراد هنا بالظل هو: الظل الذي اتخذه الناس مقيلًا ومنزلًا، فإن قيل: ليس كل ظل يحرم قضاء الحاجة تحته فقد قضى النبي صلى الله عليه وسلم حاجته حائش من نخل وهو لا محالة له ظل، انتهى، قاله الحافظ نقلًا عن الخطابي
(2)
، والحائش النخل الملتزق المجتمع كأنه لالتفافه يحوش شيء بعضه بعضًا
(3)
، وهذا محمول على ما ليس له ثمر وكان ممن لا ينتفع به يكره ذلك، ولا فرق بين شجر يملكه أو لا يملكه، ولا بين وقت الثمرة أو غيره، نعم القائل بتحريمه تحت الثمرة لا يقول بذلك عند عدم الثمرة، لأن التنجيس لم يتحقق
(4)
، قال شيخنا جمال الدين الإسنوي: والذي ينبغي أن يقال: إنه لا يكره البول تحت شجرة لا ثمر لها وإذا كانت مثمرة قبل طلوع الثمرة، وفي الشرح الصغير للرافعي بحث في أن النهي عن الغائط تحت المثمرة أضر منه على البول لأن الغائط يظهر في التراب أو يغسل، ولعل هذا الحديث محمول على حالة الثمرة أو على الحالة الأولى قبل أن يتخذ الكنف ونحو ذلك.
= في التمييز (ص 276). وضعفه الألباني في الإرواء (1/ 101) والضعيفة (5151) وضعيف الترغيب (117).
(1)
النجم الوهاج (1/ 293).
(2)
معالم السنن (1/ 21 - 22).
(3)
النهاية (1/ 468).
(4)
انظر المجموع (2/ 87)، وكفاية النبيه (1/ 439 - 440)، والنجم الوهاج (1/ 294).
وفيه من الفقه: اسْتِحْبَابُ الاِسْتِتَارِ عِنْدَ قَضَاءِ الْحَاجَةِ بِحَائِطٍ أَوْ هَدَفٍ أَوْ وَهْدَةٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ بِحَيْثُ يَغِيبُ جَمِيعُ شَخْصِ الْإِنْسَانِ عَنْ أَعْيُنِ النَّاظِرِينَ وَهَذ سُنَّةٌ متأكده
(1)
، والواجب ستر العورة عنهم فقط وسبب مجيئه عليه الصلاة والسلام للحايش أكثر من غيره ما فيه من زيادة الستر من غالب الجوانب ومن القبلة من الجهتين وعن الشمس أو القمر وقد يكون في الهدف نحو من ذلك، لسبب استدارته أو ارتفاعه، واللّه أعلم، قاله في شرح الإلمام.
قوله: رواه أبو داود وابن ماجه عن أبي سعيد الحميري، اسمه: أبو سعيد (لحميري شامي، قال ابن القطان: مجهول. وروايته عن معاذ مرسلة).
241 -
وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ: سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول اتَّقوا الْملاعن الثَّلاث قيل مَا الْملاعن الثَّلاث يَا رَسُول اللّه قَالَ أَن يقْعد أحدكُم فِي ظلّ يستظل بِهِ أَو فِي طَرِيق أَو نقع مَاء" رَوَاهُ أَحْمد
(2)
.
قوله: عن ابن عباس، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا الملاعن الثلاث" الحديث، تقدم الكلام على الملاعن الثلاث، وتقدم الكلام أيضا على الظل في الحديث قبله ومواضع الظل في الشتاء ومواضع الظل في الصيف، وكذلك المتحدث بفتح الدال موضع الحديث الذي جرت عادة الناس التحدث فيه، ويسمى النادي، وفي معناه:
(1)
شرح النووي على مسلم (4/ 35)، وروضة الطالبين (1/ 65).
(2)
أخرجه أحمد 1/ 299 (2715). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (147).
كلّ موضع يقصد لمعيشة أو لمقيل مسافر ومبيته ونحو ذلك إلا أمكنة المكس فإنها أسوأ حالًا من الأخلية
(1)
، واللّه أعلم.
قوله: "أو في نقع ماء" قيل: النقع الماء الناقع وهو المجتمع
(2)
.
242 -
وَعَن حُذَيْفَة بن أسيد رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من آذَى الْمُسلمين فِي طرقهم وَجَبت عَلَيْهِ لعنتهم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(3)
.
قوله: عن حذيفة بن أسيد، هو حذيفة بن أسيد (بن خالد بن الأغوس بن الوقيعة بن حرام بن غفار بن مليل، قاله خليفة، وقال ابن الكلبي: حذيفة بن أسيد بن الأغوز بن واقعة بن حرام بن غفار، فقال خليفة: الأغوس بالغين المعجمة والسين، وقال الكلبي مثله إلا أنه جعل عوض السين زايا، وقال عوض وقيعة: واقعة، وكان ممن بايع تحت الشجرة بيعة الرضوان، ونزل الكوفة، وتوفي بها، وصلى عليه زيد بن أرقم، وكبر عليه أربعا، روى عنه: أبو الطفيل، والشعبي، والربيع بن عميلة، وحبيب بن حماز، وهو بكنيته أشهر
(4)
.
(1)
النجم الوهاج (1/ 293).
(2)
النهاية (5/ 108).
(3)
أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 179 رقم 3050)، والخطيب في تاريخ بغداد (20/ 123) قال الدارقطنى في أطراف الغرائب والأفراد (3/ 36): تفرد به أبو العوام عمران القطَّان عن قتادة عن أبي الطفيل عنه. وقال الهيثمي في المجمع 1/ 204: رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن. وحسنه الألباني في الصحيحة (2294) وصحيح الترغيب (148).
(4)
أسد الغابة (1/ الترجمة 1108، و 6/ الترجمة 5947)، وتهذيب الكمال (5/ الترجمة 1145).
قوله صلى الله عليه وسلم: "من آذى المسلمين في طرقهم وجبت عليه لعنتهم" الحديث.
تنبيه: هل يجوز لعن فاعل ذلك؟ ظاهر الحديث جوازه، وهذا معنى قول القرطبي العادي والشرعي
(1)
، واقتصر النووي على قوله عادة لأنه محل نظر
(2)
، فإن اللعن الوارد في السنة غالبًا في أهل الكبائر، وهذا قد يقال إنه لا ينتهي إلى التحريم فضلًا أن يكون كبيرة لكن يحرم الرافعي في الشهادات نقلًا عن صاحب العدة بأن التغوط حرام في الطريق وارتضاه
(3)
وتبعه عليه في الروضة
(4)
، وأما في شرحيه لمسلم والمهذب فقال: ظاهر كلام الأصحاب أن الكراهة للتنزيه، وينبغي أن يكون محرما لهذه الأحاديث الواردة، وفي كلام الخطابي والقرطبي إشارة إليه لما فيه من إيذاء المسلمين
(5)
، وقد روى البيهقي عن ابن سيرين كما سيأتي قال: قال رجل لأبي هريرة: أفتيتنا في كلّ شيء، يوشك أن تفتينا في الخراء، فقال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من سل سخيمته على طريق عامر من طرق المسلمين فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين" لكن قال شيخنا الذهبي: هو حديث منكر، وضعفة، نعم لا يجوز لعن المعين على ما صححه الجمهور ولو كان كافرًا لاحتمال وفاته على الإسلام والتوبة، وأما أبو بكر بن العربي
(1)
المفهم (3/ 150).
(2)
انظر شرح النووي على مسلم (3/ 161 - 162) والإيجاز في شرح سنن أبي داود (ص 162).
(3)
العزيز شرح الوجيز (13/ 7 - 8).
(4)
روضة الطالبين (1/ 65).
(5)
معالم السنن (1/ 21 - 22)، والمفهم (3/ 150)، والمجموع (2/ 87).
فصحح الجواز
(1)
، وقال النووي في الأذكار: وظواهر الأحاديث يقتضي جوازه
(2)
واللّه أعلم، قاله في شرح الإلمام.
243 -
وَعَن مُحَمَّد بن سِيرِين رضي الله عنه: قَالَ: قَالَ رجل لأبي هُرَيْرَة أفتيتنا فِي كلّ شَيْء يُوشك أَن تفتينا فِي الخراء فَقَالَ: سَمِعت رَسول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول: "من سل سخيمته على طَرِيق من طرق الْمُسلمين فَعَلَيهِ لعنة اللّه وَالْمَلائِكَة وَالنَّاس أَجْمَعِينَ "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا وَرُوَاته ثِقَات إِلَّا مُحَمَّد بن عَمْرو الْأَنْصَارِيّ
(3)
.
قَوْله: "يُوشك" بِكَسْر الشين الْمُعْجَمَة وَفتحهَا لغية، مَعْنَاهُ: يكَاد ويسرع والخراء والسخيمة الْغَائِط.
(1)
أحكام القرآن (1/ 74).
(2)
الأذكار (ص 560).
(3)
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 320 رقم 5426) والصغير (2/ 77 رقم 811)، وابن عدى في الكامل (9/ 289)، والحاكم (1/ 186)، والبيهقي في الكبرى (1/ 158 - 159 رقم 470). قال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن محمد بن سيرين إلا محمد بن عمرو أبو سهل الأنصاري، تفرد به: كامل بن طلحة الجحدري. قال ابن عدى: ومحمد بن عمرو أبو سهل هذا هو عزيز الحديث، وله غير ما ذكرت أحاديث أيضًا، وأحاديثه أفرادات، ويكتب حديثه في جملة الضعفاء. وصححه الحاكم.
وقال الهيثمي في المجمع 1/ 204: رواه الطبراني في الأوسط - وله في الصحيح: اتقوا اللعانين - وفيه محمد بن عمرو الأنصاري، ضعفه يحيى بن معين، ووثقه ابن حبان، وبقية رجاله ثقات. وضعفه ابن حجر في التمييز (ص 276). وضعفه الألباني في الإرواء (1/ 101) والضعيفة (5151) وضعيف الترغيب (117).
قوله: عن محمد بن سيرين، هو: محمد بن سيرين الأنصاري التابعي الإمام في التفسير والحديث وتعبير الرؤيا والمقدم في الزهد والورع، واسم أم محمد بن سيرين: صفية مولاة أبي بكر الصديق، طيبها ثلاث من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ودعين لها وحضر أملاكها ثمانية عشر بدريًّا منهم أبي بن كعب يدعو لهم بالبنون، وأولادها ستة: محمد هذا ومعبد وأنس ويحيى وحفصة وكريمة، وكلهم روات ثقات، وحبس رضي الله عنه بدين كان عليه، قال له السجان: إذا كان الليل فاذهب إلى أهلك وإذا أصبحت فتعال، فقال: لا واللّه، لا أعينك على خيانة الملك، وكان حبسه في دين له في ثمرة زيت ابتاعه فوقع فيه ما نجسه وكانت قيمته أربعين ألفًا وكان يقول: عيرت رجلًا بشيء من ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به، وكانوا يرون أنه كثير الفقر، كثير البكاء بالليل، مر يومًا برواس قد أخرج رأسًا مشويًا فأغمي عليه وادعى رجل عليه بدرهمين، فقيل له: أتحلف؟، قال: نعم، قيل: على درهمين، قال: نعم ولا أطعمه حراما، وأنا أعلم، وهو مولى أنس بن مالك، كلفه أنس بن مالك على عشرين ألفًا فأداها إليه وعتق، وكان له ثلاثون ولدًا، وقيل: أربعون من امرأة واحدة، فماتوا في حياته إلا عبد اللّه، وقضى ما على أبيه من الدين المذكور فلم يمت حتى ملك ثلثماثة ألف درهم، توفي محمد بن سيرين بالبصرة سنة عشر ومائة، وكانت وفاته بعد الحسن البصري بمائة يوم وهو ابن نيف وثمانين سنة، ومناقبه كثيرة مشهورة
(1)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 82 - 85 الترجمة 11).
قوله: قال رجل لأبي هريرة: أفتيتنا في كلّ شيء، يوشك أن تفتنيا في الخراء، الحديث؛ يوشك: معناه يكاد ويسرع، وفي حديث سلمان قال له الكفار: إن نبيكم يعلمكم كلّ شيء حتى الخراءة
(1)
، قال: قال أجل، الحديث؛ الخراءة بالكسر وتخفيف الراء وهي اسم لهيئة المحدّث، وأما نفس المحدّث فبحذف التاء وبالمد مع فتح الخاء وكسرها
(2)
، وفي النهاية: الخراءة التخلي والقعود للحاجة
(3)
، قال الخطابي: وأكثر الرواة يفتحون الخاء
(4)
، وقال الجوهري: إنها الخراءة بالفتح والمد، يقال خرى خراءة مثل كره كراهة
(5)
، ويحتمل أن يكون بالفتح المصدر وبالكسر الاسم
(6)
.
قوله: أجل، معناه: نعم، وهو بتخفيف اللام، ومراد سلمان رضي الله عنه: أنه علمنا كلما نحتاج إليه في ديننا حتى الخراءة التي ذكرت آنفًا أيها القائل فإنه علمنا أدائها فنهانا فيها عن كذا وكذا
(7)
.
(1)
أخرجه مسلم (57 - 262)، وابن ماجة (316)، وأبو داود (7)، والترمذي (16)، والنسائي في المجتبى 1/ 245 (41) و 1/ 250 (49).
(2)
شرح النووي على مسلم (3/ 153 - 154).
(3)
النهاية (2/ 17).
(4)
إصلاح غلط المحدّثين (ص 21)، وغريب الحديث (3/ 225)، ومعالم السنن (1/ 11).
(5)
الصحاح (1/ 47).
(6)
النهاية (2/ 17).
(7)
شرح النووي على مسلم (2/ 154).
قوله: "من سل سخيمته على طريق من طرق المسلمين فعليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين" الحديث، والسخيمة: بفتح السين المهملة وكسر الخاء المعجمة، وجمعها سخائم، والمراد بها هنا الغائط
(1)
، وتقدم تفسير اللعنة في الباب، وفي حديث آخر في أبي داود والترمذي وابن ماجة عن ابن عباس في حديث معلول أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعوا فيقول:"واسلل سخيمة قلبي"
(2)
، فالمراد بالسخيمة في هذا الحديث: الحقد في النفس
(3)
، وفي حديث آخر:"نعوذ بك من السخيمة" والسخائم أي الحقود
(4)
، ومقتضى حديث ابن سيرين المتقدم أن يكون هذا الفعل كبيرة، لكن منده ضعيف، قاله ابن النحاس في تنبيهه
(5)
.
244 -
وَعَن جَابر بن عبد اللّه رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ والتعريس على جواد الطَّرِيق وَالصَّلاة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مأوى الْحَيَّات وَالسِّبَاع وَقَضَاء الْحَاجة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا الْملَاعن" رَوَاهُ ابْن مَاجَة وَرُوَاته ثِقَات
(6)
.
(1)
المجموع المغيث (2/ 116)، والنهاية (2/ 351)، والمجموع (2/ 86).
(2)
أخرجه ابن ماجة (3835)، وأبو داود (1510 و 1511)، والترمذي (3551). وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في الظلال (384)، وصحيح الجامع (3485).
(3)
النهاية (2/ 17).
(4)
النهاية (2/ 17).
(5)
تنبيه الغافلين (ص 324).
(6)
أخرجه ابن ماجة (329). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (149) و (3126)، الإرواء (1/ 101)، الصحيحة (2433) دون قوله والصلاة عليها.
قوله: عن جابر بن عبد اللّه، كنيته: أبو عبد اللّه، استشهد يوم أحد، قال جابر: غزوت مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم تسع عشرة غزوة، توفي جابر بالمدينة سنة ثلاث وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة، وكان قد ذهب بصره في آخر عمره، تقدم الكلام على مناقبه مبسوطًا.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكُمْ والتعريس على جواد الطَّرِيق وَالصَّلاة عَلَيْهَا فَإِنَّهَا مأوى الْحَيَّات وَالسِّبَاع وَقَضَاء الْحَاجة عَلَيْهَا فَإنَّهَا الْملَاعن" الحديث، التعريس هو نزول المسافر آخر الليل ليستريح
(1)
، وقد نص الشافعي رحمه الله على تحريم التعريس على قارعة الطريق، وليس فيه إلا إرشاد المسافر إلى مصلحته وصونه عما يرد بالطريق من الهوام ونحوها، فقضاء الحاجة في الطريق أولى بالتحريم مع ما فيه من القبح بالأذى وجلب اللعن والنهي الشديد، والملاعن: جمع ملعنة وهي مواضع اللعن
(2)
وسيأتي الكلام على هذا الحديث مبسوطا في بابه إن شاء اللّه تعالى.
245 -
وَعَن مَكْحُول رضي الله عنه قَالَ نهى رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَن يبال بِأَبْوَاب الْمَسَاجِد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي مراسيله
(3)
.
قوله: عن مكحول، هو مكحول الدمشقي، أسند عن عدة من الصحابة منهم: أنس بن مالك وروى عن حذيفة وعبد اللّه بن عمرو بن العاصي
(1)
انظر: الصحاح (3/ 948)، ومجمل اللغة (ص 658)، والنهاية (3/ 206).
(2)
النجم الوهاج (1/ 294).
(3)
أخرجه ابن شبة في تاريخ المدينة (1/ 36)، وأبو داود في المراسيل (3). وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (150).
وآخرين
(1)
، وقال القشيري
(2)
: كان الغالب على مكحول الحزن، فلما كان في مرض موته وجدوه ضاحكًا، فقيل له في ذلك، فقال: ولم لا أضحك وقد دنا فراق ما كنت أحذره وقدومي على ما كنت أرجوه وآمله وهو اللّه تعالى.
قوله: نهى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أن يبال بأبواب المساجد، الحديث؛ قال العُلماء: ينبغي أن تعظم المساجد وتحترم لأنها بيوت اللّه تعالى في الأرض وأن لا يبال بأبوابها للنهي الوارد في الحديث، قال النووي: حائط المسجد محترم من خارجه وداخله له حكم المسجد في وجوب صيانته وتعظيمه وتعظيم حرماته وتحريم البصاق فيه والاستنجاء والبول في أصل جداره ونحو ذلك، وكذلك سطحه والبئر الذي فيه وكذا رحبته، وقد نص الشافعي والأصحاب على صحة الاعتكاف في رحبة المسجد وسطحه وصحة صلاة المأموم فيها مقتديا بمن في المسجد
(3)
، ورحبة المسجد: هو المكان الرحب أي المتسع الذي يجعل غالبًا أمام باب المسجد وهو المكان المحوط لأجل المسجد وهو أخص من الحريم، وقال صاحب الشامل والبيان: المراد بالرحبة ما كان مضافًا إلى المسجد محجورًا عليه
(4)
.
(1)
انظر ترجمته: تهذيب الأسماء واللغات (2/ الترجمة 605)، وتهذيب الكمال (28/ الترجمة 6168).
(2)
الرسالة (2/ 469).
(3)
المجموع (2/ 178 - 179) وتسهيل المقاصد الوحة 46/ خ).
(4)
المجموع (6/ 507)، وتسهيل المقاصد (لوحة 46/ خ).
فائدة: لا ينبغي لأحد تصغير المسجد، وقد روى الإمام [أبو]
(1)
أحمد بسنده عن أبي هريرة أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقولوا مسيجد ولا مصيحف"
(2)
ونهى عن تصغير الأسماء، قال عبد الحق: إنه موضوع
(3)
.
وقال النووي: قال الصيمرى وغيره من أصحابنا: لا بأس بإغلاق المسجد في غير أوقات الصلوات لصيانتها وحفظها، قال: وهذا إذا خيف إستهانتها وضياع ما فيها ولم تدع حاجة إلى فتحها، أما إذا لم يخف من فتحها مفسدة ولا انتهاك حرمة وكان فتحها رفقا بالناس فالسنة فتحها، ولم يغلق مسجد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في زمنه ولا بعده، ولو كان في المسجد بئر مسبلة أو سقاية ماء للشرب لم يجز غلقه ومنه الناس من الاستقاء والشرب، انتهى، قاله في تسهيل المقاصد لزوار المساجد
(4)
.
تنبيه: قال العُلماء تكره الصلاة في قارعة الطريق لهذا الحديث، وفي حديث آخر أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في سبع مواطن: المزبلة والمجزرة والمقبرة وقارعة الطريق وفي الحمام وفي معاطن الإبل وفوق ظهر بيت اللّه
(1)
سقط من الأصل وأثبتناه من تسهيل المقاصد (لوحة 28/ خ).
(2)
أخرجه ابن عدي في الكامل (2/ 162)، والديلمى كما في الغرائب الملتقطة (3037).
وقال ابن عدى: وهذا الحديث عن عباد بن راشد عن الحسن موضوع. وقال عبد الحق في الأحكام الوسطى (4/ 209): هذا حديث موضوع، وكان إسحاق هذا كذابًا.
(3)
تسهيل المقاصد (لوحة 28/ خ).
(4)
تسهيل المقاصد (لوحة 44 و 45/ خ).
العتيق، رواه الترمذي
(1)
، واختلفوا في معني النهي فقيل: لغلبة النجاسة، وقيل: لأن مرور الناس يشغله، وفي قول إن الصلاة في الشارع باطلة تغليبا لحكم الظاهر على الأصل
(2)
، انتهى، قاله في الديباجة.
قوله: في حديث مكحول: رواه أبو داود في مراسيله، اسمه: سليمان بن الأشعث، قال النووي: هو الإمام أبو داود السجستاني بكسر السين وفتحها، والكسر أشهر، روى عنه الترمذي والنسائي وغيرهما، واتفق العُلماء على الثناء عليه ووصفه بالعلم والحلم والحفظ التام والإتقان والورع والفهم الثاقب في الحديث، و قال الحافظ أبو نعيم: كان أبو داود إمام أهل الحديث في عصره بلا مدافعة وسمع بمصر والحجاز والشام والعراق وخراسان، وقال موسى بن هارون: خلق أبو داود في الدنيا للحديث وفي الآخرة للجنة، وقال محمد بن مخلد: كان أبو داود يفي بمذاكرة مائة ألف حديث فلما صنف كتاب السنن وقرأه على الناس صار كتابه لأصحاب الحديث كالمصحف يتبعونه ولا يخالفونه، وأقر له أهل زمانه بالحفظ والتقدم فيه، وقال أبو داود: كتبت عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمس مائة ألف حديث، انتخبت منها هذا الكتاب يعني: كتاب السنن، جمعت فيه أربعة آلاف وثمان مائة حديث، وقال النووي: روينا عن الحسن بن محمد بن
(1)
أخرجه ابن ماجة (746)، والترمذي (346 و 347). قال الترمذي: حديث ابن عمر إسناده ليس بذاك القوي، وقد تكلم في زيد بن جبيرة من قبل حفظه. وضعفه الألباني في المشكاة (738)، الإرواء (287).
(2)
انظر: شرح السنة (2/ 411 - 412)، والنجم الوهاج (2/ 243 - 244).
إبراهيم الرازي قال: رأيتُ النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقال: "من أراد أن يتمسك بالسنن فليقرأ كتاب أبي داود"، ولد أبود داود سنة ثلاثين ومائتين، وتوفي بالبصرة لأربع عشرة بقيت من شوال سنة خمس وسبعين ومائتين
(1)
، قاله في مختصر مجمع الأحباب.
فرع: قال العُلماء: يحرم البول في المسجد وإن كان في إناء على الراجح، وكذلك يحرم البول على القبور المتحرمة كما يحرم الجلوس عليها، ويكره بقربها، واللّه أعلم
(2)
.
فرع آخر أيضًا: يحرم عليه أن يستجمر بجدار المسجد من خارج لأنه يحترم، وكذلك جدار الغير، ويكره في جدار نفسه، قال ابن الحاج المالكي في كتابه (المدخل)
(3)
: ويحرم عليه أن يستجمر بحائط الوقف أو باصبعه ويمسح ما أصابه في الحائط، وهذا النوع قد كثر وهو محرم، واللّه أعلم.
246 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من لم يسْتَقْبل الْقبْلَة وَلم يستدبرها فِي الْغَائِط كتب لَهُ حَسَنة ومحي عَنهُ سَيِّئَة. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَرُوَاته رُوَاة الصَّحِيح
(4)
، قَالَ الْحَافِظ وَقد جَاءَ النَّهْي عَن اسْتِقْبَال الْقبْلَة واستدبارها
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 224 - 227 الترجمة 777).
(2)
انظر المجموع شرح المهذب (2/ 92 - 93)، وكفاية الأخيار (ص 35).
(3)
المدخل (2/ 199).
(4)
أخرجه الطبراني في الأوسط (2/ 82 - 83 رقم 1321). وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن يحيى إلا حسين، ولا عن حسين إلا إبراهيم، ولا عن إبراهيم إلا القاسم، تفرد به: أحمد بن حرب. قال الهيثمي في المجمع 1/ 206: رواه الطبراني في الأوسطـ، =
فِي الْخَلَاء فِي غير مَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور تغني شهرته عَن ذكره لكَونه نهيا مُجَردا وَاللّه سبحانه وتعالى أعلم.
قوله: عن أبي هريرة، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من لم يستقبل القبلة ولم يستدبرها في الغائط كتب له حسنة ومحي عنه سيئة"، قال الحافظ رحمه الله: وقد جاء النهي عن استقبال القبلة واستدبارها في الخلاء في غير حديث نهيا مجردًا، واللّه أعلم، لما روي الشافعي عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال:"إنما أنا لكم مثل الوالد أعلمكم، فإذا ذهب أحدكم إلى الغائط فلا يستقبل القبلة ولا يستدبرها بغائط ولا بول" قال البغوي في شرح السنة: هذا حديث صحيح، هذا كلام بسط وتأنيس للمخاطبين لئلا يستخشنونه ولا يستحيوا من مسألته فيما يعرض لهم من أمر دينهم كما لا يستحيي الولد من مسألة الوالد فيما عز وعرض له من أمر، قال: وفي هذا بيان وجوب طاعة الآباء وأن الواجب عليهم تأديب الأولاد وتعليمهم ما يحتاجون إليه من أمر الدين، وفيه دليل على أنه مختص بالصحراوية، صرح أصحاب الشافعي لأن الغائط بها يكون دون البنيان.
وقوله: في هذا الحديث: "فإذا ذهب أحدكم" يدلّ عليه لأن الذاهب إنما يطلق على التوجه إلى الصحراء ويقال في البنيان دخل، قال النووي
(1)
: وقد
= ورجاله رجال الصحيح، إلا شيخ الطيراني وشيخ شيخه، وهما ثقتان. وصححه الألباني في الصحيحة (1098) وصحيح الترغيب (151).
(1)
شرح النووي على مسلم (3/ 154 - 155).
اختلف العُلماء في النهي عن استقبال القبلة بالبول والغائط على مذاهب أحدها: مذهب مالك والشافعي أنه يحرم استقبال القبلة في الصحراء بالبول والغائط، ولا يحرم ذلك في البنيان، وهذا مروي عن العبَّاس بن عبد المطلب وعبد اللّه بن عمر وعن الشعبي وإسحاق بن راهويه وأحمد بن حنبل في إحدى الروايات عنه، والمذهب الثاني: إنه لا يجوز ذلك لا في البنيان ولا في الصحراء وهو قول أبي أيوب الأنصاري الصحابي ومجاهد وإبراهيم النخعي وسفيان الثوري وأبو ثور وأحمد في رواية، والمذهب الثالث: جواز ذلك في الصحراء والبنيان جميعًا وهو مذهب عروة بن الزبير وربيع شيخ مالك وداود الظاهري؛ والمذهب الرابع: لا يجوز الاستقبال لا في الصحراء ولا في البنيان ويجوز الاستدبار فيهما وهو إحدى الروايتين عن أبي حينفة وأحمد رحمهما اللّه، واحتج المانعون مطلقا بالأحاديث الصحيحة الواردة في النهي مطلقًا، واحتج من أباح مطلقا بحديث ابن عمر أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم مستقبلًا بيت المقدس مستدبرًا القبلة، وبحديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم بلغه أن ناسا يكرهون استقبال القبلة بفروجهم فقال صلى الله عليه وسلم:"أو قد فعلوها" حولي بمقعدتي، أي: إلى القبلة، رواه أحمد وإسناده حسن، واحتج من أباح الاستدبار دون الاستقبال بحديث سلمان، واحتج من حرج الاستقبال والاستدبار في الصحراء وأباحهما في البنيان حديث ابن عمر وحديث عائشة وبحديث جابر وبحديث مروان الأصفر، فهذه أحاديث صحيحة مصرحة بالجواز في البنيان وحديث أبي أيوب وسلمان وأبي هريرة
وغيرها وردت بالنهي، فتحمل على الصخر التجمع بين الأحاديث، ولا خلاف بين العُلماء أنه إذا أمكن الجمع بين الأحاديث لا يصار إلى ترك بعضها بل يجب الجمع بينهما والعمل بجميعها، وقد أمكن الجمع على ما ذكرنا فوجب المصير إليه، واللّه أعلم.
قوله: "أو قد فعلوا" هو بفتح الواو وهي واو العطف، وهو استفهام توبيخ وتقريع
(1)
، والمقعدة موضع القعود لقضاء حاجة الإنسان
(2)
، انتهى، قاله في الديباجة.
مسائل أربع، لما تعلق بما تقدم، ذكرها النووي في شرح مسلم
(3)
:
المسألة الأولى: حيث جوزنا الاستقبال والاستدبار، قال جماعة من أصاحبنا هو مكروه، ولم يذكر الجمهور الكراهة، والمختار أنه إن كان عليه مشقة في كيف التحرف عن القبلة فلا كراهة، وغن لم يكن مشقة فالأولى تجنبه للخروج من خلاف العُلماء، ولا يطلق عليه الكراهة للأحاديث الصحيحة.
المسألة الثانية: إذا تجنب استقبال القبلة واستدبارها حال خروج البول والغائط، ثم أراد الاستقبال أو الاستدبار حال الاستنجاء جاز، واللّه أعلم.
المسألة الثالثة: لا يحرم استقبال بيت المقدس ولا استدباره بالبول والغائط، لكن يكره، واللّه أعلم.
(1)
مشارق الأنوار (1/ 53).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (4/ 98).
(3)
شرح النووي على مسلم (3/ 155 - 156).
المسألة الرابعة: يجوز الجماع مستقبل القبلة في الصحراء والبنيان، هذا مذهبنا ومذهب أبي حنيفة وأحمد وداود، واختلف فيه أصحاب مالك فجوزه ابن القاسم وكرهه ابن حبيب، والصواب: الجواز، فإن التحريم إنما يثبت بالشرع ولم يرد فيه نهي، واللّه أعلم.
فائدة: والفرق من حيث المعنى بين الصحاري والبيوت، أن الصحاري لا تخلوا عن مصل من ملك أو جني أو إنسي، فربما وقع بصره على فرجه فيتأذى به، وأما الحس في البنيان فموضع الشياطين، وأيضًا لا مشقة في تجنبه في الصحراء بخلاف البيوت، وهذه الأدلة تدل على عدم التحريم في البنيان لكن الأدب أن يتوقى ذلك، وفي أثر:"أن للّه خلقًا من عباده يصلون في الصحراء فلا تستقبلوهم ولا تستدبروهم، وأما بيوتكم هذه التي تتخذونها للنتن فلا قبلة لها"
(1)
.
فائدة أيضًا: واختلفوا في علة النهي عن استقبال القبلة واستدبارها فالأصح أنه لاحترام عين الكعبة لما روى من حديث سراقة بن مالك عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أتى أحدكم البراز فليكرم قبلة اللّه عز وجل ولا يستقبل القبلة"
(2)
وعلى هذا فيحرم استقبال المصحف واستدباره بالبول والغائط لأنه أعظم حرمة من الكعبة
(3)
، واللّه أعلم.
(1)
انظر شرح السنة (1/ 362)، والمجموع (2/ 82 - 83)، وكفاية النبيه (1/ 444).
(2)
أخرجه الخطابي في غريب الحديث (2/ 559) موقوفًا.
(3)
انظر إحكام الأحكام (1/ 96)، والعدة في شرح العمدة (1/ 119)، والمفهم (3/ 147).