الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]
قوله: الزكاة، الزكاة في اللغة: النماء (والتطهير) فالمال ينمى بها من حيث لا يرى ويكون سببا لحصول الأرباح بالأموال ودفع الآفات عنها فهي مطهرة لصاحب المال وتنمية لماله وحافظة، وسميت في الشرع زكاة لأنها تزكى صاحبها وتشهد بصحة إيمانه، قالوا وسميت صدقة لدلالتها على صدق إيمان صاحبها
(1)
، قال بعض المالكية
(2)
الزكاة في اللغة: النمو والزيادة وفي الشرع عبارة عن مال مخصوص يؤخذ من مال مخصوص إذا بلغ قدرًا مخصوصا في وقت مخصوص يصرف في جهات مخصوصة ا. هـ كلامه.
(قال في النهاية
(3)
: الحلي: بفتح الحاء وسكون اللام، والحلي اسم لكل ما يتزين به من مصاغ الذهب والفضة، ولما كان النساء شغفن بحب الحلي قال صلى الله عليه وسلم:"أهلكهن الأحمران"
(4)
، ويقال: للشراب والخمر الأحمران
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 48)، والعدة (2/ 795 - 796)، والكواكب الدراري (7/ 166)، والإعلام (5/ 7 - 8).
(2)
كفاية الطالب الربانى (2/ 335 - 336) لأبى الحسن الشاذلى.
(3)
النهاية (1/ 1172) و (1/ 425) و (1/ 438).
(4)
أخرجه ابن حبان (5968)، والبيهقي في الشعب (8/ 256 رقم 5780) و (12/ 517 رقم 9819) عن أبي هريرة بلفظ:"ويل للنساء من الأحمرين: الذهب والمعصفر". وصححه الألباني في الصحيحة (339). وأما لفظ ابن الأثير فروى من قول أبي هريرة وأبى بكر: أما أثر أبي بكر: أخرجه مسدد كما في إتحاف الخيرة (4092) والمطالب (2252)، والبيهقي =
وللذهب والزعفران الأصفران وللماء واللبن الأبيضان وللتمر والماء الأسودان وفي الحديث أُعْطِيتُ (الْكَنْزَيْنِ) الأحمر والأبيض
(1)
فالأحمر ملك الشام والأبيض مال فارس وإنما قال: لفارس الأبيض لبياض ألوانهم ولأن الغالب على أموالهم الفضة والغالب على ألوان الشام الحمرة وعلى أموالهم الذهب ا. هـ.
والجواب: أن الحلي كان في أول الإسلام محرما على النساء كما قاله القاضي أبو الطيب، والبيهقي
(2)
وغيرهما أو أنه كان فيهما إسراف وهذا معنى قول الأصوليين وقائع الأحوال لا تعم وأجاب قوم بأن زكاة الحلي عاريته كل هذه الأجوبة فيها نظر
(3)
والله أعلم، قاله في الديباجة.
1126 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من صَاحب ذهبا وَلَا فضَّة لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة صفحت لَهُ صفايح من نَار فأحمي عَلَيْهَا فِي نَار جَهَنَّم فيكوى بهَا جنبه وجبينة وظهره كلما بردت أُعِيدَت لَهُ فِي يَوْم كانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضى بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار.
= في الشعب (13/ 164 رقم 10113). وأما أثر أبي هريرة: أخرجه عبد الرزاق في الجامع (19947).
(1)
أخرجه مسلم (19 - 2889)، وابن ماجه (3952)، وأبو داود (4252)، والترمذي (2176) عن ثوبان.
(2)
السنن الكبرى (4/ 237)، والنجم الوهاج (3/ 192)، وكفاية الأخيار (ص 180).
(3)
النجم الوهاج (3/ 192).
قيل: يَا رَسُول الله فالإبل قَالَ وَلَا صَاحب إبل لَا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا وَمن حَقّهَا حلبها يَوْم وردهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة بطح لَهَا بقاع قرقر أوفر مَا كَانَت لَا يفقد مِنْهَا فصيلا وَاحِدًا تطؤه بأخفافها وتعضه بأفواهها كلما مر عَلَيْهِ أولاها رد عَلَيْهِ أخراها فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضى بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار.
قيل: يَا رَسُول الله فالبقر وَالْغنم قَالَ وَلَا صَاحب بقر وَلَا غنم لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقّهَا إِلَّا إِذا كَانَ يَوْم الْقِيَامَة بطح لَهَا بقاع قرقر أوفر مَا كَانَت لَا يفقد مِنْهَا شَيْئا لَيْسَ مِنْهَا عقصاء وَلَا جلحاء وَلَا عضباء تنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها كلما مر عَلَيْهِ أَولهَا رد عَلَيْهِ آخرهَا فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضى بَين الْعباد فَيرى سَبيله إِمَّا إِلَى الْجنَّة وَإِمَّا إِلَى النَّار.
قيل: يَا رَسُول الله فالخيل قَالَ الْخَيل ثَلَاثَة هِيَ لرجل وزر وَهِي لرجل ستر وَهِي لرجل أجر فَأَما الَّتِي هِيَ لَهُ وزر فَرجل ربطها رِيَاء وفخرا ونواء لأهل الْإِسْلَام فَهِيَ لَهُ وزر وَأما الَّتِي هِيَ لَهُ ستر فَرجل ربطها فِي سَبِيل الله ثمَّ لم ينس حق الله فِي ظُهُورهَا وَلَا رقابها فَهِيَ لَهُ ستر وَأما الَّتِي هِيَ لَهُ أجر فَرجل ربطها فِي سَبِيل الله لاهل الْإِسْلَام فِي مرج أَو رَوْضَة فَمَا أكلت من ذَلِك المرج أَو الرَّوْضَة من شَيْء إِلَّا كتب لَهُ عدد مَا أكلت حَسَنَات وَكتب لَهُ عدد أرواثها وَأَبْوَالهَا حَسَنَات وَلَا تقطع طولهَا فاستنت شرفا أَو شرفين إِلَّا كتب لَهُ عدد آثارها وأرواثها حَسَنَات وَلَا مر بهَا صَاحبهَا على نهر فَشَرِبت مِنْهُ وَلَا يُرِيد أَن يسقيها إِلَّا كتب الله تَعَالَى لَهُ عدد مَا شربت حَسَنَات.
قيل: يَا رَسُول الله فالحمر قَالَ: "مَا أنزل عَليّ فِي الْحمر إِلَّا هَذِه الْآيَة الفاذة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)} "
(1)
، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ مُخْتَصرًا
(2)
.
1127 -
وَفِي رِوَايَة للنسائي قَالَ: رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من رجل لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة شجاعًا من نَار فيكوى بهَا جَبهته وجنبه وظهره فِي يَوْم كَانَ مِقْدَاره خمسين ألف سنة حَتَّى يقْضى بَين النَّاس
(3)
.
1128 -
وَعَن جَابر رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من صَاحب إبل لَا يفعل فِيهَا حَقّهَا إِلَّا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أَكثر مَا كَانَت وَقعد لَهَا بقاع قرقر تستن عَلَيْهِ بقوائمها وأخفافها.
وَلَا صَاحب بقر لَا يفعل فِيهَا حَقّهَا إِلَّا جَاءَت يَوْم الْقِيَامَة أوفر مَا كَانَت وَقعد لَهَا بقاع قرقر فتنطحه بقرونها وتطؤه بأظلافها لَيْسَ فِيهَا جماء وَلَا منكسر قرنها وَلَا صَاحب كنز لَا يفعل فِيهِ حَقه إِلَّا جَاءَ كنزه يَوْم الْقِيَامَة شجاعا أَقرع يتبعهُ فاتحا فَاه فَإِذا أَتَاهُ فر مِنْهُ فيناديه خُذ كَنْزك الَّذِي خبأته فَأَنا عَنهُ غَنِي فَإِذا رأى أَن لَا بُد لَهُ مِنْهُ سلك يَده فِي فِيهِ فيقضمها قضم الْفَحْل، رَوَاهُ مُسلم
(4)
.
(1)
سورة الزلزلة، الآيتان: 7 - 8.
(2)
البخاري (2860)، ومسلم (987).
(3)
النسائي في الكبرى (11621)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (752).
(4)
مسلم (988).
"القاع" الْمَكَان المستوي من الأَرْض. "والقرقر" بقافين مفتوحتين وراءين مهملتين هُوَ الأملس. "والظلف" للبقر وَالْغنم بِمَنْزِلَة الْحَافِر للْفرس. "والعقصاء" هِيَ الملتوية الْقرن. "والجلحاء" هِيَ الَّتِي لَيْسَ لَهَا قرن. "والعضباء" بالضاد الْمُعْجَمَة هِيَ الْمَكْسُورَة الْقرن. "والطول" بِكَسْر الطَّاء وَفتح الْوَاو وَهُوَ حَبل تشد بِهِ قَائِمَة الدَّابَّة وترسلها ترعى أَو تمسك طرفه وترسلها. "واستنت" بتَشْديد النُّون، أَي جرت بِقُوَّة. "شرفا" بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَالرَّاء أَي شوطا، وَقيل نَحْو ميل. "والنواء" بِكَسْر النُّون وبالمد هُوَ المعاداة. "والشجاع" بِضَم الشين الْمُعْجَمَة وَكسرهَا هُوَ الْحَيَّة وَقيل الذّكر خَاصَّة وَقيل نوع من الْحَيَّات. "والأقرع" مِنْهُ الَّذِي ذهب شعر رَأسه من طول عمره.
1129 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا من أحد لَا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله إِلَّا مثل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شجاعا أَقرع حَتَّى يطوق بِهِ عُنُقه ثمَّ قَرَأَ علينا النَّبِي صلى الله عليه وسلم مصداقه من كتاب الله: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
(1)
. رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَاللَّفْظ لَهُ وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صحِيح وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه
(2)
.
(1)
سورة آل عمران، الآية:180.
(2)
النسائي (5/ 11)، وفي الكبرى (11084)، وابن ماجه (1784) وابن خزيمة (2256)، والحميدي (93)، وأحمد (3577)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (754).
1130 -
وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله فرض على أَغْنِيَاء الْمُسلمين فِي أَمْوَالهم بِقدر الَّذِي يسع فقراءهم وَلنْ يجْهد الْفُقَرَاء إِذا جَاعُوا وعروا إِلَّا بِمَا يصنع أغنياؤهم أَلا وَإِن الله يحاسبهم حسابا شَدِيدا ويعذبهم عذَابا أَلِيمًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالصَّغِير وَقَالَ تفرد بِهِ ثَابت بن مُحَمَّد الزَّاهِد
(1)
.
قَالَ الْحَافِظ: وثابت ثِقَة صَدُوق روى عَنهُ البُخَارِيّ وَغَيره وَبَقِيَّة رُوَاته لَا بَأْس بهم وَرُوِيَ مَوْقُوفا على عَليّ رضي الله عنه هُوَ أشبه.
1131 -
وَعَن مَسْرُوق رضي الله عنه قَالَ: قَالَ عبد الله آكل الرِّبَا وموكله وشاهداه إِذا علماه والواشمة والمؤتشمة ولاوي الصَّدَقَة وَالْمُرْتَدّ أَعْرَابِيًا بعد الْهِجْرَة ملعونون على لِسَان مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم يَوْم الْقِيَامَة، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ
(2)
. وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَابْن حبَان فِي صَحِيحه عَن الْحَارِث الْأَعْوَر عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه
(3)
.
(1)
الطبراني في الأوسط (3579)، وفي الصغير (444)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 62)، رواه الطبراني في الصغير والأوسط وقال تفرد به ثابت بن محمد الزاهد، قلت: ثابت من رجال الصحيح، وبقية رجاله وثقوا وفيهم كلام.
(2)
ابن خزيمة (2250)، والحاكم (1/ 387)، والبيهقي (3/ 19)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (755).
(3)
أحمد (3881)، وأبو يعلى (5241)، وابن حبان (3252)، وعبد الرزاق (10793)، والبيهقي في شعب الإيمان (5507)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 118)، رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الكبير، وفيه الحارث الأعور، وهو ضعيف، وقد وثق.
"لاوي الصَّدَقَة" هُوَ المماطل بهَا الْمُمْتَنع من أَدَائِهَا.
قوله عن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها" قال النووي
(1)
: هذا حديث صريح في وجوب الزكاة في الذهب والفضة ذكر النبي صلى الله عليه وسلم جنسين من المال ثم قال: لا يؤدي منها حقها ذهابا بالضمير إلى المعنى دون اللفظ لأن كلا منهما جملة وافية ودنانير ودراهم، ويحتمل أن يراد بها الأموال أو يراد بها الفضة واكتفى بذكر أحدهما، وبمثله ورد التنزيل قال الله تعالى:{وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ}
(2)
الآية
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها" الحديث. وحقها: زكاتها لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في المال حق سوى الرْكاة"
(4)
قال العلماء: ومن ملك نصابا من الذهب أو الفضة حولا كاملا وهو من أهل الزكاة، وأي حر مسلم تام الملك كما هو مذكور في كتب الفقه وجبت عليه الزكاة للإجماع ولقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 64) وهو قول القاضي عياض في إكمال المعلم (3/ 486).
(2)
سورة التوبة، الآية:34.
(3)
الميسر (2/ 409).
(4)
كفاية النبيه (5/ 413). والحديث أخرجه ابن ماجه (1789)، والترمذي (665) و (666)، والطحاوى في معانى الآثار (3043) عن فاطمة بنت قيس. وقال الألباني: ضعيف منكر، المشكاة (1914/ التحقيق الثانى)، الضعيفة (4383).
وَالْفِضَّةَ}
(1)
الآية، والمراد بالكنز هنا ما لم تؤد زكاته
(2)
ونصاب الذهب عشرون مثقالا، وزكاته نصف مثقال وفيما زاد بحسابه.
ونصاب الورِق مائتا درهم وزكاته خمسة دراهم وفيما زاد بحسابه
(3)
وهي خمس أواق بأوقية الحجاز والاعتبار بوزن مكة فأما المثقال فلم يختلف فيه في جاهلية ولا إسلام وقدره معروف، والدراهم: المراد بها دراهم الإسلام وهي التي كل عشرة منها سبعة مثاقيل
(4)
.
والدليل على ذلك ما روي عن عاصم بن ضمرة عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "فإذا كان لك مائتا درهم وحال عليه الحول ففيها: خمسة دراهم وليس عليك شيء يعني في الذهب حتى يكون لك عشرون دينار، فإذا كان لك عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار فما زاد فبحساب ذلك"
(5)
، وروى البخاري أنه صلى الله عليه وسلم قال:"ليس فيما دون خمسة أواق من الورق صدقة"
(6)
والأوقية أربعون درهمًا
(7)
فلو ملك النصاب في بعض الحول ثم نقص قبل تمام الحول انقطع الحول ولا زكاة حتى يمضي عليه
(1)
سورة التوبة، الآية:34.
(2)
كفاية النبيه (5/ 412 - 413).
(3)
كفاية النبيه (5/ 419).
(4)
كفاية النبيه (5/ 422).
(5)
أخرجه أبو داود (1572) و (1573). وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1404 و 1405).
(6)
أخرجه البخاري (1405) و (1447) و (1459) و (1484)، ومسلم (1 و 2 و 3 و 5 - 979) عن أبي سعيد.
(7)
كفاية النبيه (5/ 420).
حول كامل مِنْ حِينِ تَمَّتْ نِصَابًا
(1)
.
فرع: لو نقص عن النصاب ولو حبة أو دونها لم تجب الزكاة بلا خلاف
(2)
وإن راج رواج الكامل للمسامحة أو الجودة وكذلك لا يكفي عن مائتي درهم خمسة إلا حبة أو أقل وإن راجت رواج الخمسة ولو بلغ نصابا في بعض الموازين ونقص في بعضها فلا زكاة في أصح الوجهين، وعن أحمد لو نقصت حبة أو بعض لا زكاة، وعن مالك أنها إن نقصت ثلاثة دراهم وجبت الزكاة
(3)
.
تنبيه: المثقال وزنه ثنتان وسبعون شعيرة ممتلئة معتدلة، والورق قال: الأكثرون هو مختص بالدراهم المضروبة وقيل: يطلق على كل الفضة وإن لم تكن مضروبة وهو مراد الشيخ رحمه الله، ولو قال
(4)
: نصاب الفضة لكان لكان أحسن لأن الورق مختص بالدراهم المضروبة على الصحيح
(5)
.
فائدة: الدرهم هنا وزنه ستة دوانق كل عشرة منه سبعة مثاقيل وكان غالب المعاملة في زمنه صلى الله عليه وسلم والصدر الأول بعده بالدراهم الطبرية وهي كل عشرة
(1)
المجموع (6/ 19 - 20)، والروضة (2/ 267)، وكفاية النبيه (6/ 94) والنجم الوهاج (2/ 213).
(2)
الحاوى (3/ 267) والمجموع (6/ 7) والروضة (2/ 257)، والنجم الوهاج (3/ 187)، وكفاية الأخيار (ص 180).
(3)
المجموع (6/ 7) والروضة (2/ 257)، وكفاية الأخيار (ص 180).
(4)
القائل هو النووي كما في تحرير ألفاظ التنبيه (ص: 113).
(5)
تحرير ألفاظ التنبيه (ص 113)، وكفاية النبيه (5/ 421).
ثمانية مثاقيل والبغلية
(1)
وهي كل عشرة ستة مثاقيل فيه أقوال والمشهور أن الدرهم اختلف دون المثقال والاعتبار بما ذكره بوزن مكة
(2)
لقوله صلى الله عليه وسلم: "الميزان ميزان أهل مكة"
(3)
والله أعلم.
فرع: مضت عليه سنون لم يؤد زكاتها لزمه إخراج الزكاة عن جميعها سواء علم وجوب الزكاة أم لا وسواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب
(4)
.
فرع: قال أبو عاصم العبادى في الزيادات
(5)
: لو استقر عليه زكاة ثم (مرض ثم (مرض و) لا مال له فينبغي له أن ينوي أنه يؤدي الزكاة إذا قدر ولا يقترض لأنه دين، وقال: شاذان بن إبراهيم يقترض لأن دين الله أحق بالقضاء قال: فإن اقترض دفع الزكاة ونوى الوفاء إذا تمكن فهو معذور بالاتفاق والله أعلم
(6)
، قاله في الديباجة.
فرع آخر: يكره للرعية ضرب النقدين وإن كانت خالصة وللإمام أن يؤدب
(1)
البغلية: ضرب من النقود، وهي منسوبة إِلَى ملك يُقَال لَهُ: رَأس الْبَغْل.
(2)
الحاوى (7/ 52)، والمهذب (3/ 476)، والتهذيب (3/ 96)، والمجموع (20/ 316)، والعدة (2/ 803).
(3)
أخرجه أبو داود (3340) والنسائي (2/ 224) والطبراني في المعجم الكبير (3/ 202/ 1) والبيهقي (6/ 31) وأبو نعيم في الحلية (4/ 20) و البزار (1262) وصححه الألباني في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (5/ 191).
(4)
المجموع (5/ 337).
(5)
لم نقف على هذا اللفظ.
(6)
المجموع (5/ 337).
على ذلك (ونص الشافعي رضي الله عنه) على كراهة المعاملة بالمغشوشة وأما الجواز: فإن كان مقدار الغش معلوما. صحت المعاملة بها اتفاقا، وإن كان مجهولا فأربعة أوجه أصحها الصحة مطلقا كبيع الغالية والمعجونات، والثاني لا يصح مطلقا كاللبن المخلوط بالماء، والثالث: إن كان الغش معلوما صح التعامل بها وإن كان [غالبًا لم يصح] والرابع: تصح المعاملة في العين دون الذمة ويكره إمساكها إلا أن تكون دراهم البلد مغشوشة فلا تكره
(1)
ا. هـ، قاله في الديباجة.
تنبيه: قال نفطوية: سمي الذهب ذهبا لأنه يذهب ولا يبقى
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "صفحت له صفايح" وتصفيح الشيء جعله عريضا والصفايح ما طبع من الحديد وغيره عريضة
(3)
ومنه قولهم رجل مصفح الرأس أي عريضه
(4)
، وسميت القيامة بذلك لقيام الناس فيها كما قال تعالى:{يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}
(5)
(6)
وصفائح بالنصب مفعول ثان، ومن رفع الصفائح فإنه جعله من نار لبيان الجنس، ولست أحقق ذلك رواية، وأرى الرواة بعضهم ينصبونها وبعضهم يرفعونها والنصب أقوى لما ذكرناه
(1)
النجم الوهاج (3/ 189).
(2)
شرح النووي على مسلم (1/ 156 - 157).
(3)
الميسر (2/ 409).
(4)
الصحاح (1/ 383).
(5)
سورة المطففين، الآية:5.
(6)
مشارق الأنوار (2/ 195).
وهو موافق للنص قال الله تعالى: {يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ}
(1)
الآية جعل عين الذهب والفضة هي المحماة عليها في نار جهنم ذكره الإمام المتقن شهاب الدين التوربشتي
(2)
وسميت القيامة بذلك لقيام الناس فيها كما قال تعالى: {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (6)}
(3)
قوله صلى الله عليه وسلم: فيكوى بها جنبه وجنبيه وظهره.
الْجَبِينُ بِفَتْحِ الْجِيمِ فَوْقَ الصُّدْغِ وَهُمَا جَبِينَانِ عَنْ يَمِينِ الْجَبْهَةِ وَشِمَالِهَا قال الله تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}
(4)
الآية قيل الحكمة في تخصيص هذه الأعضاء الثلاثة بالكي أن صاحب المال إذا جاءه السائل يقطب وجهه في وجه السائل فإذا ألح أدار له جنبه فإذا زاد في الإلحاح استدبره بظهره فخص الله تعالى هذه المواضع الثلاثة بأن الذهب والفضة يحمى ويحشى بين الجلد واللحم كذا قاله ابن مسعود في تفسير البغوي
(5)
وغيره وقال بعضهم: أكلوا بتلك الأموال في بطونهم فصار المأكول في جنوبهم واكتسوا بها على ظهورهم فرتب الله هذه العقوبات في هذه الأعضاء لأجل ذلك ذكره القرطبي في التذكرة
(6)
ويحتمل أن يكون العذاب شاملا
(1)
سورة التوبة، الآية:35.
(2)
الميسر (2/ 409).
(3)
سورة المطففين، الآية:5.
(4)
سورة التوبة، الآية:35.
(5)
ينظر: شرح السنة للبغوي (6/ 19).
(6)
التذكرة (ص 699).
لجميع البدن وإنما نبه بهذه الأمور على ما عداها، وقال بعضهم: إنما خص الجنب والجبين والظهر لأنه آلَمْ وأوجع، وقال بعض الصوفية لما طلبوا المال والجاه شان الله وجوههم ولما طووا السخاء عن الفقراء إذا جالسوهم كويت جنوبهم ولما أسندوا ظهورهم إلى أموالهم ثقة بها واعتمادا عليها كويت ظهورهم ذكره القرطبي أيضا في التذكرة
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "كلما بردت أعيدت له" أي الأعضاء هو في معنى قوله: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ}
(2)
الآية والمغايرة في الصورة والهيئة لا في الحقيقة، وهذا كقوله تعالى:{يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ}
(3)
المغيرة في الهيئة أي تغيرت صورها.
بردت: هكذا هو في بعض النسخ بالباء، وفي بعضها ردت بحذف الباء وبضم الراء، وذكر القاضي عياض الروايتين وقال: الرواية الأولى هي الصواب والثانية رواية الجمهور
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة" يريد به: يوم القيامة، ويشهد له قوله:"حتى يقضى بين العباد، فيرى سبيله إما إلى الجنة" إن لم يكن له خطيئة سواه، أو كانت ولكنه سبحانه تداركه بعفوه، "أو إلى النار" إن
(1)
التذكرة (ص 699).
(2)
سورة النساء، الآية:56.
(3)
سورة إبراهيم، الآية:48.
(4)
مشارق الأنوار (1/ 88) وشرح النووي على مسلم (7/ 64).
كان على خلاف ذلك.
قوله "حتى يقضي بين العباد" قيل معناه لو حاسب فيه غير الله تعالى وإنما هو سبحانه يفرغ منهم في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا
(1)
قيل قدر موقفهم للحساب وفي الحديث: أن يوم القيامة ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة
(2)
، وفي الحديث: لا ينتصف النهار حتى يستقر أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار ذكره ابن عزيز في غريب القرآن له
(3)
.
وقيل: المراد طول الزمان عبر عنه بكذا، وفي رواية: أنه يعذب سبعين ألف مرة وكذا يثاب قال العراقي في شرح الترمذي
(4)
: يمكن أن يؤخذ منه أن مانع الزكاة آخر من يقضي فيه وأنه يعذب بما ذكرا حتى يفرغ من القضاء بين الناس فيقضي فيه بالنار أو الجنة ويحتمل أن المراد حتى يشرع في القضاء بين الناس ويجيء القضاء فيه إما في أوائلهم أو وسطهم أو آخرهم على ما يريد الله وهذا أظهر انتهى، قلت: قد يشير إلى الأول قوله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ويقال إنما ذكر في معرض استيعاب ذلك اليوم بتعذيبه
(1)
التفسير الوسيط (4/ 351)، وتفسير البغوى (8/ 221).
(2)
أخرجه أحمد 3/ 75 (11717)، وابن حبان (7334) عن أبي سعيد. وضعفه الألباني في المشكاة (5564).
(3)
غريب القرآن (ص 70).
(4)
طرح التثريب (4/ 10).
لجواز أن يكون القضاء فيه في آخر الناس وإن احتمل أن يكون فصل أمره في وسطه أو أوله والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فيرى سبيله" قال النووي (1): ضبطناه بضم الياء وفتحها وبرفع لام سبيله ونصبها.
قلت: الوجهان في رفع لام سبيله ونصبها إنما يجيئان مع الياء فإما مع فتح الياء فيتعين نصب اللام والله أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم في أول الحديث: "ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها" الحديث وحقها زكاتها لقوله صلى الله عليه وسلم: "ليس في المال حق سوى الزكاة" قيل: يا رسول الله فالإبل قال: "ولا صاحب إبل لا يؤدي منها حقها ومن حقها حلبها يوم وردها" الحديث حلبها بفتح الحاء المهملة وكذا اللام على المشهور، وحكي إسكانها قال النووي (2): وهو غريب ضعيف وإن كان هو القياس ا. هـ، قال أبو عبيد (3): وكلاهما صحيح، وقال بعض العلماء حلبها بسكون اللام على المصدر وهو المراد هنا وهو الأصل في مصدر ما كان على فعل يفعل أما إذا فتحت اللام فالمراد اللبن المحلوب لكن فتح اللام لا يجوز في هذا الحديث لأن المراد بالحديث المصدر لا اللبن وقد جاء على
فعل بفتح العين في الحلب، وقال الجوهري
(1)
: والحلب بالتحريك اللبن المحلوب والحلب أيضًا مصدر حلب الناقة يحلبها حلبًا واحتلبها فهو حالب وقوم حلبة ا. هـ.
قوله: يوم وردها ويوم وردها هو اليوم الذي ترد الإبل فيه الماء فإن الإبل تأتي في كل ثلاثة أيام أو في كل أربعة أيام يوما ترد الماء فيه، وحق الإبل أن تحلب على الماء لأنه مجتمع الناس والمحتاجين النازلين حول الماء ومن لا لبن له ولا تحلب في موضع بعيد عن الطريق وإنما خص حالة وردها لأنه حالة أكثر لبنها، وقد لا يقدر الفقراء المحتاجون على الوصول لغير مواضع الماء، وقد تسمى الإبل التي ترد الماء أيضا ورْدًا في غير هذا الحديث ومنه قوله تعالى:{وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)}
(2)
يعني كالإبل العطاش ا. هـ.
قال في شرح الأحكام
(3)
: الظاهر أن قوله: "ومن حقها حلبها يوم وردها" مدرج من كلام أبي هريرة رضي الله عنه ا. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها الحديث بضم الباء الموحدة في أوله، قال: جماعة من العلماء معناه ألقى على وجهه وهكذا هو في اللغة أي
(1)
الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 114).
(2)
سورة مريم، الآية:86.
(3)
طرح التثريب (4/ 11) والقائل هو العراقي.
ألقي صاحبها على وجهه لتطأه
(1)
[والبطح]: البسط كيف كان لتدوسه [لا يقتضي تخصيص] الظهر ولا غيره لكن الحديث دال على [الظهر.] قال القاضي عياض
(2)
: قد جاء في رواية البخاري "تَخْبِطُ وَجْهَهُ بِأَخْفَافِهَا" قال: وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْبَطْحِ كَوْنُهُ عَلَى الْوَجْهِ وَاِنَّمَا هُوَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الْبَسْطِ وَالْمَدِّ فَقَدْ يَكُونُ عَلَى وَجْهِهِ، وَقَدْ يَكُونُ عَلَى ظَهْرِهِ ويحتمل أن يفعل به الأمران جميعًا، فيكب على وجهه تارة ويلقى على قفاه أخرى مبالغة في النكال واللّه أعلم. ومنه سميت بطحاء مكة لإنبساطها
(3)
ذكره في شرح المشارق، قوله صلى الله عليه وسلم "بقاع قرقر" قد فسرهما الحافظ
(4)
فقال: القاع المكان المستوى من الأرض ا. هـ.
وأصل القاع الموضوع المستوى الواسع الذي يستقر فيه ماء، وجمعه قيعة وقيعان متل جار وجيران قاله الهروي و القرقر هو الأملس قاله الحافظ
(5)
. وقال غيره القاع المستوى من الأرض، والقرقر أيضًا في معناه وعبر عنه بلفظين مختلفين للمبالغة في استواء ذلك المكان ذكره شهاب الدين التوربشتي
(6)
.
(1)
النهاية (1/ 134).
(2)
ينظر: مشارق الأنوار (1/ 87)، ومطالع الأنوار (1/ 487).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 64 - 65).
(4)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
(5)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
(6)
الميسر (2/ 410).
قوله صلى الله عليه وسلم: "أوفر ما كانت" وفي الرِّواية: "أعظم ما كانت" أراد به كمال حالها في القوة والسمن فيكون أثقل لو طيها أي ليكون إيلامه أعظم. قوله: "لا يفقد منها فصيلا واحدا" الحديث. يعني عند مانع زكاتها لأنها قد تكون عنده على حالاتٍ مرة هزيلة ومرة سمينة، ومرة صغيرة، وأخرى كبيرة، فتأتي يوم القيامة على أوفر أحوالها عنده زيادة في عقوبة بكثرتها أو قوتها وكمال خلقها فتكون أثقل في وطئها، كما إن ذات القرون تكون بقرونها لتكون أنكى وأصوب لطعنها ونطحها، وأيضًا فتأتي جميعًا لا يفقد منها شيئًا حتى الفصيل، وهو ولد الناقة إذا فصل عن أمه، وقد تجب الزكاة إما لبلوغه حولا وإما لبناء حوله على حول أمه، وهذا الذي ذكرته هو الظاهر وذكر العراقي في شرح الترمذي
(1)
احتمالين آخرين، أحدهما: أنها تأتي أوفر ما كانت في الدنيا مطلق فقد تكون عند صاحبها الذي منع زكاتها هزيلة في جميع مدتها عنده، وتسمن بعد ذلك عند غيره أو تكون قبل أن يملكها سمينة فتحشر على أتم حالاتها تغليظا عليه، الاحتمال الثاني أنها تجيء على أعظم حالات الإبل مطلقا هي وغيرها، قوله صلى الله عليه وسلم:"كلما مر عليه أولاها رد عليه أخرها" هكذا هو في جميع نسخ مسلم في هذا الموضوع من رواية زيد بن أسلم عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال القاضي عياض
(2)
وغيره قالوا هو تغيير وتصحيف، وأيضًا نسبوا راويه إلى السهو وصوابه ما جاء في الأحاديث الآخر، وما في
(1)
ينظر: طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 21) ولم نقف عليه في شرح الترمذي.
(2)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).
رواية سهيل عن أبي صالح وغيره، وما جاء في حديث المعرور بن سويد عن
أبي ذر كلما مر عليه آخراها رد عليه أولها، وبهذا ينتظم الكلام ويستقيم معنى
الترداد والتكرار، قوله قيل يا رسول اللّه فالبقر والغنم قال:"ولا صاحب بقر ولا غنم لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة بطح لها بقاع قرقر أوفر ما كانت لا يفقد منها شيئًا ليس منها عقصاء ولا جلحاء ولا عضباء" فيه دليل على وجوب الزكاة في البقر، كما جاء في أصح الأحاديث الواردة في زكاة البقر.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تنطحه بقرونها" بكسر الطاء وفتحها لغتان حكاهما الجوهري وغيره، والكسر أفصح وهو المشهور في الرِّواية العقصاء هي الملتوية القرن، الجلحاء التي ليس لها قرن، قاله الحافظ
(1)
. قال في النهاية
(2)
: والأجلح من الناس: الذي لا يحسر الشعر عن جانبي جبهته، ومنه الحديث:"حتى يقتص للشاة الجلحاء من القرناء"، والعضباء: بالضاد المعجمة هي [مكسورة] القرن، قاله المنذري. وقال بعضهم
(3)
: العضباء: هي التي انكسر (قرنها الداخل)، وفي حديث جابر عند مسلم
(4)
"لَيْسَ فِيهَا جَمَّاءُ وَلا مُنْكَسِرٌ قَرْنُهَا"
(1)
أي المنذري، وينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
(2)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 284).
(3)
قاله المازرى في المعلم (2/ 15) والقاضى عياض في إكمال المعلم (3/ 487) والنووي في شرحه على مسلم (7/ 65).
(4)
أخرجه مسلم (27 - 988).
وربما كان [في بقره] وغنمه في الدنيا من [هو بهذه الصفة من النقص] فأخبر عليه الصلاة والسلام أنها تأتي يوم القيامة تام الخلق تغليظا عليه
(1)
.
قال القرطبي
(2)
: يريد أنها كلها ذوات قرون صحاح معتدلة يمكن بها النطح والطعن حتى يكون أشد لألمه، وأبلغ في عذابه ا. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "تنطحه بقرونها" بكسر الطاء وفتحها لغتان حكاهما الجوهري وغيره، والكسر أفصح وهو المشهور في الرِّواية قوله:"وتطؤه بأظلافها"، وقد فسر الحافظ
(3)
رحمه اللّه تعالى الظلف فقال: الظلف للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس وزاد غيره فقال: الظلف للبقر والغنم والظباء والخف للبعير والقدم للآدمي والحافر للفرس والبغل والحمار، قوله: قيل يا رسول اللّه فالخيل قال: "الخيل ثلاثة هي لرجل وزر وهي لرجل وزر
(4)
وهي لرجل أجر" هكذا في أكثر النسخ التي وقع، و وقع في بعضها [الستر] وهو أوضح وأظهر
(5)
.
قوله: "فرجل ربطها رياءً وفخرًا ونِواءً، لأهل الإسلام" وقد فسر الحافظ
(6)
قوله: ونواء لأهل الإسلام فقال: هو المعاداة، قال: غيره أي معاداة يقال: ناوى فلان فلانًا إذا عاداه.
(1)
طرح التثريب (4/ 13).
(2)
التذكرة (ص 700).
(3)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 262).
(4)
كذا في الأصل وصوابه ولرجل ستر.
(5)
شرح النووي على مسلم (7/ 66).
(6)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 268).
ويؤخذ من هذا الحديث: أن العزم على المعصية إذا استقر ترتب عليه الإثم ألا تراه أثبت له الإثم بقصد المعاداة وهذا مذهب أكثر أهل العلم على ما قاله بعض المتأخِّرين، ويحمل قوله صلى الله عليه وسلم:"إن اللّه تجاوز لأمتي ما حدّثت به أنفسها"
(1)
على الخطرات والوساوس التي لا ثبوت لها ولا استقرار" ذكره ابن عقيل في شرح الأحكام.
قوله: "وأما التي هي له ستر فرجل ربطها في سبيل اللّه أي عدها للجهاد" وأصله من الربط ومنه الرباط وهو حبس الرجل نفسه في الثغر وإعداد الأهبة لذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم لم ينس حق اللّه في ظهورها ولا رقابها" استدل به أبو حنيفة وشيخه حمَّاد بن أبي سليمان وزفر على وجوب الزكاة في الخيل إن كانت ذكورًا وإناثًا، وخالفهم العُلماء كافة أما إذا انفردت الذكور أو الإناث فعن أبي حنيفة روايتان من حيث أن النماء بالنسل لا يحصل إلا بإجتماع الذكور والإناث وهذا إذا كانت سائمة فقد روى الدَّارقُطْنِي
(2)
عن جابر رفعه "في الخيل السائمة في كلل فرس دينار" لكن انفرد به غورك بن الفضل
(3)
وهو ضعيف، وإذا وجبت فهو بالخيار إن شاء أخرج عن كلّ فرس دينارًا و إن شاء
(1)
أخرجه البخاري (5269)، أحمد (9108)، وأبو داود (2209)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار (1632)، وابن منده في الإيمان (349)، وأبو نعيم في الحلية 6/ 282.
(2)
سنن الدَّارقُطْنِي (2019).
(3)
هكذا ورد في الأصل وفي الدَّارقُطْنِي (2019): غُورَكِ بْنِ الْخِضْرِمِ أَبِي عَبْدِ اللّهِ، ثم قال في نهاية الحديث: تَفَرَّدَ بِهِ غُورَك، عَنْ جَعْفَرٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ جِدًّا وَمَنْ دُونَهُ ضُعَفَاءُ.
قوّمها وأخرج عن كلّ مائتي درهم خمسة دراهم وهو ربع عشر القيمة، وقال: مالك والشافعي وأحمد، أبو يوسف ومحمد وجمهور العُلماء لا زكاة في الخيل بحال إذا لم تكن للتجارة لقوله صلى الله عليه وسلم:"ليس على المسلم في فرسه صدقة"
(1)
وهو في الصحيح وتأولوا الحديث على أن المراد إنه يجاهد بها وقد يجب الجهاد بها إذا تعين، وقيل: يحتمل أن المراد بالحق في رقابها الإحسان إليها والقيام بعلفها وسائر مؤنها والمراد بظهورها لطراق فحلها إذا طلب منه عاريته وهذا على الندب، وقيل: المراد حق اللّه مما يكسبه من مال العدو على ظهورها وهو خمس الغنيمة، قوله:"وأما التي هي له أجر فرجل ربطها في سبيل اللّه لأهل الإسلام" تقدم معنى الربط في سبيل اللّه قوله صلى الله عليه وسلم "في مرج أو روضة" والمرج الأرض الواسعة ذات نبات كثير ترعاه الدواب تمرج فيه الدواب أي تسرح وتجيء وتذهب مختلطة كيف شاءت قاله في النهاية والروضة الموضع الذي يكثر فيه الماء فيكون فيه صنوف النبات من رياحين البادية، وأنواع الزهر وغيرها فالفرق بين المرج والروضة أن الأول يعد لرعي الدوآب ولذلك يكون واسعا ليتأتى لها فيه ذلك والروضة ليست معدة لرعي الدواب وإنما هي للتنزه لما فيه من أصناف النبات هذا هو الذي يتحرر من كلام أهل اللغة قاله العراقي
(2)
، قوله صلى الله عليه وسلم:"ولا تقطع طولها" قد ضبطه
(1)
أخرجه البخاري بإثر الحديث (1464) وأحمد (9281) الطيالسي (2528)،، وأبو يعلى (6138).
(2)
ينظر: طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 7).
الحافظ رحمه الله وفسره فقال: الطِوَل بكسر الطاء وفتح الواو هو حبل يشد به قائمة الدابة ويرسلها ترعى أو يمسك طرفه ويرسلها ا. هـ، وقال: الكرماني
(1)
وغيره ويقال: طيلها بكسر الطاء المهملة وفتح الياء المثناة تحت وأصله الطول أبدل الواو ياء والمشهور طولها بالواو واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فاستنت شرفا أو شرفين" قد ضبطه الحافظ
(2)
وفسره فقال: أي جرت بقوة، ومال غيره الاستنان العدو، استن الفرس يستن استنانا أي عدا لمزجه ونشاطه شوطا أو شوطين ولا راكب عليه ومنه الحديث أن فرس المجاهد ليستن في طوه وحديث [عمر "رأيتُ أباه] يستن [بسيفه] كما يستن الجمل (يمرح ويخطر به) قاله ابن الأثير.
(3)
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا مر بها صاحبها على نهر فشربت منه" وفي حديث آخر "إن مرت بنهر عجاج فشربت منه كتبت له حسنات أي كثير الماء كأنه يعج من كثرته وصحيح تدفقه" النهر: بفتح الهاء وسكونها لغتان قوله صلى الله عليه وسلم "ولا يريد أن يسقيها إلا كتب اللّه تعالى له عدد ما شربت حسنات" هذا من باب التنبيه لأنه إذا كان تحصل له هذه الحسنات من غير أن يقصد سقيها فإذا قصده فأولى بأضعاف الحسنات واللّه أعلم.
قوه: قيل يا رسول اللّه فالحمر قال: "ما أنزل اللّه عليّ في الحمر إلا هذه
(1)
ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (8/ 3).
(2)
ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (8/ 3).
(3)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 411).
الآية الفاذة الجامعة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8)}
(1)
" الحديث الفاذة أي المنفردة في معناها والفذا لواحد يقال فذا لرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم فبقي فردا أو سماها فاذة لخلوها عن بيان ما تحتها من تفاصيل أنواعها وقيل إذ ليس مثلها آية أخرى في قلة الألفاظ وكثرة المعاني لأنها جامعة لكل أحكام الخيرات والشرور، فإن قلت: كيف دلالة الآية على الجواب، قلت: كأن سؤالهم أن الحمار له حكم الفرس أم لا فأجاب: بأنه إن كان لخير فلا بد أن يرى جزاءه ويحصل له الأجر وإلا فبالعكس ومعنى الجامعة، الجامعة لأبواب البر لاجتماع اسم الخير على سائر الطاعات كذا في الميسر والجامعة أي العامة الشاملة المتناولة لكل خير ومعروف ومعنى الحديث "لم ينزل عليّ فيها" نص بعينها لكن نزلت هذه الآية العامة ا. هـ، وهذا منه صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أنه لم يفسر اللّه له من أحكام الحمر وأحوالها ما فسر له في الخيل والإبل وغيرهما مما قاله القرطبي
(2)
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية النسائي "ما من رجل لا يؤدي زكاة ماله إلا جاء يوم القيامة شجاعا من نار"
(3)
وجاء: ها هنا بمعنى صار وتحول ويحتمل أن يكون جاء إلى صاحبه وقصده قاله عياض
(4)
.
(1)
سورة الزلزلة، الآيتان: 7 - 8.
(2)
ينظر: تفسير القرطبي (1/ 342).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).
والشجاع: قد ضبطه الحافظ
(1)
وفسره فقال: هو الحية، وقيل: الذكر خاصة، وقيل نوع من الحيات والأقرع منه الذي ذهب شعر رأسه من طول عمره ا. هـ، قال غيره: الشجاع الذي يُواثب الراجل والفارس ويقوم على ذنبه وربما بلغ رأس الفارس ويكون في الصحارى. قال القاضي عياض
(2)
رحمه الله: والظاهر أن اللّه تعالى خلق هذا لعذابه، وعن جابر هو أبو عبد اللّه، وقيل أبو عبد الرحمن وقيل: أبو محمد جابر بن عبد اللّه بن عمرو بن حرام بالراء بن عمرو بن سواد بن سلمة بكسر اللام فذكره إلى أن قال: ابن الخزرج الأنصاري السلمي بفتح السين واللام المدني وهو أحد المكثرين الرِّواية عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ألف حديث وخمسمائة حديث وأربعون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على ستين حديثًا وانفرد البخاري بستة عشرة ومسلم بمائة وستة وعشرين حديثًا، واستشهد أبوه يوم أحد وأحياه اللّه وكلمه وقال:"يا عبد اللّه ما تريد قال: أريد أن أرجع إلى الدنيا فأستشهد مرة أخرى"
(3)
، توفي جابر بالمدينة سنة ثلاث وسبعين، وقيل ثمان
(1)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 318).
(2)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 459).
(3)
أخرجه الحميدى (1302)، وسعيد بن منصور (2550)، وأحمد 2/ 532 (14881)، وأبو يعلى (2002)، وابن حبان (7022)، والحاكم (2/ 119 - 120)، وأبو نعيم في الحلية (5/ 106 - 107) عن جابر. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبى فقال: فيه أبو حمَّاد الفضل بن صدقة قال النسائي: متروك. وأخرجه البزار (18/ 165 رقم 142) والحاكم (3/ 203)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 4 - 5) عن عائشة وقال البزار وهذا الحديث لا =
وسبعين وهو ابن أربع وتسعين سنة وكان ذهب بصرة في آخر عمره وحيث أطلق جابر في كتب الحديث فهو جابر بن عبد اللّه وإذا أرادوا جابر بن سمرة قيدوه. قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من صاحب إبل لا يفعل فيها حقها" والمراد بالحق الزكاة وتقدم الكلام على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم "إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت" أكثر بالثاء المثلثة هكذا هو في الأصول بالثاء المثلثة، وقوله قط وفي قط لغات حكاها الجوهري. الفصيحة المشهورة قط مفتوحة القاف مشددة الطاء، والثانية بضم القاف تتبع الضمة الضمة، والثالثة: بفتح القاف وتخفيف الطاء الرابعة: بضم القاف والطاء المخففة وهي قليلة هذا إذا كان بمعنى فَأَمَّا الَّتِي بِمَعْنَى حَسْبُ وَهُوَ الاكْتِفَاءُ فَمَفْتُوحَةٌ سَاكِنَةُ الطَّاءِ تَقُولُ رَأَيْتُهُ مَرَّةً فَقَطْ فَإِنْ أَضَفْتَ قُلْتَ قَطْكَ هَذَا الشَّيْءُ أَيْ حَسْبُكَ وَقَطْنِي وقطى وقطه وقطاه
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وقعد بقاع قرقر تستن عليه بقوائمها وأخفافها" وقعد هو بفتح القاف والعين أي جلس وقيل حبمس وعند القعد بالفتح وإنما يقال أقعداه. ذكره النووي
(2)
في شرح مسلم وتقدم الكلام على بقية الألفاظ.
= نعلمه يروى عن عائشة رضي الله عنها إلا من هذا الوجه ولا نعلم رواه عن الزهري إلا أبو عباد وأبو عباد حدّث عنه أبو داود والقاسم بن الحكم والفضل بن وثيق. وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: فيض بن وثيق كذاب. وحسنه الألباني في الصحيحة (3290).
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 70).
(2)
ينظر: شرح النووي على مسلم (7/ 133).
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا صاحب بقر لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت" تقدم الكلام على ذلك.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا صاحب غنم لا يفعل فيها حقها إلا جاءت يوم القيامة أكثر ما كانت" تقدم الكلام على ذلك أيضًا، قال: العُلماء
(1)
: ولا تجب الزكاة في شيء من المواشي إلا بها الإبل والبقر والغنم ا. هـ لورود النص فيها على الخصوص ولا تجب بها الخيل والرقيق، وإنما بدئي بها الإبل لأنه صلى الله عليه وسلم بدأ بها في أكثر كتبه التي كتبها للسعاة لأنها كانت أعم أموالهم، وضبطها يصعب فبدأ بها ليعتني بها فإذا ملك أي من تلزمه الزكاة منها نصابا من السائمة حولا كاملا أي متواليا وجبت فيه الزكاة في أصح القولين، واحترز بالنصاب عما دونه وبالسائمة عن المعلوفة والمراد بالسائمة هي التي ترعى في كلإٍ مباح واللّه أعلم، قال: وأول نصاب الإبل خمس لقوله صلى الله عليه وسلم "ليس فيما دون خمس ذود من الإبل صدقة" رواه البخاري ومسلم
(2)
فالواجب في كلّ خمس منها سائمة شاة وفي عشر شاتان وفي خمس عشرة ثلاث شياه وفي عشرين أربع شياه وفي خمس وعشرين بنت مخاض وفي ست وثلاثين بنت لبون وفي ست وأربعين حقة وفي إحدى وستين جذعة وفي ست وسبعين بنتا لبون وإحدى
(1)
ينظر: الأم للشافعي (2/ 16) الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115) البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160).
(2)
سبق تخريجه.
وتسعين حقتان ومائة واحدى وعشرين ثلاث بنات لبون ثم في كلّ أربعين بنت لبون وفي كلّ خمسين حقة.
وبنت المخاض مالها سنة وبنت اللبون سنتان والحقة ثلاث والجذعة أربع والشاة (سنة و) جذعة ضان لها سنة أو ثنية معزلها سنتان وبقية الكلام معروفة في كتب الفقة فمن أراد ذلك فعليه بمظانها واللّه أعلم، والأصل في ذلك ما رواه أنس أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه: كتب له هذا الكتاب لما وجهه إلى البحرين "هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَهَا رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الْمُسْلِمِينَ، الَّتِي أَمَرَ اللّهُ عز وجل بِهَا نَبِيَّهُ صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ سُئِلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلَا يُعْطِهِ" الحديث
(1)
، وفي كتاب أبي بكر الصديق هذا فوائد ذكرها النووي في شرح المهذب
(2)
، قال النووي: قال الماوردي: يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى إثْبَاتِ الْبَسْمَلَةِ فِي ابْتِدَاءِ الْكُتُبِ خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ قَوْلِهِمْ: بِاسْمِك اللَّهُمَّ قَالَ وَدَلَّ أَيْضًا عَلَى أَنَّ الابْتِدَاءَ بِحَمْدِ اللّهِ لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَلَا شَرْطٍ وَأَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ "كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لا يُبْدَأُ فِيهِ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ فَهُوَ أَجْذَمُ" أَيْ لَمْ يُبْدَأْ فِيهِ بِحَمْدِ اللّهِ أَوْ مَعْنَاهُ مِنْ ذِكْرِ اللّهِ تَعَالَى وتقدم الكلام على ذلك أول الخطبة، وقوله هذه فريضة الصدقة فيه دليل على أن اسم الصدقة تقع على الزكاة خلافا لأبي حنيفة رحمه الله، وقوله: التي فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، قيل فيه ثلاثة مذاهب هذه أحدها: أنه من الفرض الذي هو
(1)
سبق تخريجه.
(2)
ينظر: المجموع شرح المهذب (5/ 335).
الإيجاب والإلزام، والثاني أن فرض بمعنى سنّ، والثالث: معناه قدر من قولهم فرض القاضي النفقة أي قدرها وبهذا جزم صاحب الحاوي
(1)
، فعلى الأول معناه أنه صلى الله عليه وسلم شرعها بأمر اللّه تعالى وأن اللّه تعالى أوجبها ثم بلغها إلينا النبي صلى الله عليه وسلم فسمي أمره وتبليغه فرضا، وقوله على المسلمين فيه دليل لمن يقول أن الكافر ليس مخاطبا بالزكاة وسائر الفروع والصحيح أنهم مخاطبون وقوله فرض على المسلمين أي فرض عليهم الإعطاء في الدنيا والكافر لا تؤخذ منه في الدنيا ولكن يعذب عليها في الدار الآخرة وقوله والتي أمر اللّه تعالى عطف على قوله التي فرض رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، يعني أن فريضة الصدقة اجتمع فيها تقرير رسول اللّه صلى الله عليه وسلم:"وأمر اللّه تعالى وإيجابه".
وقوله: "فمن سئلها على وجهها فليعطها"، ومن سئل هو بضم السين في الموضعين على ما لم يسم فاعله وبكسر الطاء من قوله فليعطها ومن قوله فلا يعطه وقوله فمن سئلها على وجهها أي على حسب ما شرعت.
وقوله: "فما فوقها فلا يعطه". اختلف أصحابنا في الضمير في لا يعطه على وجهين مشهورين أصحهما أنه يعود على الزائد أي لا يعطي الزائد بل يعطى أصل الواجب، ونقل الرافعي الإتفاق على تصحيحه، والوجه الثاني معناه لا يعط فرض الزكاة ولا شيئًا منه لهذا الساعي بل يخرج الواجب بنفسه ويرفعه لساع آخر لأنه بطلب الزيادة على الواجب يكون متعديا فاسقا، وشرط الساعي أن يكون أمينًا، هذا إذا طلب الزيادة بغير تأويل فأما من طلبها بتأويل
(1)
ينظر: الحاوي الكبير (3/ 106).
بأن كان مالكيا يرى أخذ الكبيرة عن الصغار فإنه يعطي الواجب بلا خلاف ولا يعطي الزيادة لأن لا يفسق ولا يعصي والحالة هذه قال النووي:
(1)
قَالَ صَاحِبُ الْحَاوِي وَغَيْرُهُ وَإِذَا قُلْنَا بِالْوَجْهِ الثَّانِي أنَّهُ لَا يُعْطَى فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْطَى وَهُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَمُقْتَضَى قَوْلِهِمْ أنَّهُ فَسَقَ بِطَلَبِ الزِّيَادَةِ فَانْعَزَلَ فَلَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ كَسَائِرِ الْأَجَانِبِ واللّه أعلم.
فائدة: قوله في أول حديث أبي بكر الصديق لما وجهه إلى البحرين هو اسم لبلاد معروفة وإقليم مشهور يشتمل على مدن قاعدتها هجر قالوا وكذلك يطلق البحرين بلفظ التثنية والنسبة إليه بحراني
(2)
واللّه أعلم.
فائدة: أخرى أعلم أن إيجَابُ الْغَنَمِ فِي الْإِبِلِ عَلَى خِلَافِ الْقَاعِدَةِ رِفْقًا بِالْفَرِيقَيْنِ لأنَّهُ لَوْ وَجَبَ بَعِيرٌ لأَضَرَّ أَرْبَابَ الْأَمْوَال وَلَوْ وَجَبَ جُزْءٌ لأَضَرَّ بِالْفَرِيقَيْنِ بِالتَّشْقِيصِ، لكن هل الشاة أصل أو بدل عن خمس بعير فيه وجهان، وضعف الإمام الثاني واللّه أعلم ذكره في مختصر الكفاية
(3)
.
فرع: قال المتولي إذا أوصى لشخص بإبل جاز أن يعطي ذكرا أو أنثى فإن أرادوا أن يعطوه فصيلا أو ابن مخاض لم يلزمه قبوله لأنه لا يسمى إبلا واللّه أعلم
(4)
. وأول نصاب البقر ثلاثون فيجب فيه تبيع أى بالإجماع لما روى أنه
(1)
ينظر: المجموع شرح المهذب (5/ 569).
(2)
المجموع (5/ 389).
(3)
انظر كفاية النبيه (5/ 270 - 272)، ومختصر الكفاية (لوحة 65/ خ 2176 ظاهرية).
(4)
حياة الحيوان (1/ 31).
- صلى الله عليه وسلم أمر معاذا أن يأخذ من كلّ ثلاثين تبيعا ومن كلّ أربعين مسنة، والتبيع هو الذي له سنة ودخل في الثانية و هذا ما حكاه الأزهري
(1)
وسمى تبيعا لأنه يتبع أمه
(2)
في السرح كما يقال: فصيل إذا فصل عنها وقيل غير ذلك وفي أربعين مسنة أي للخبر وهي التي لها سنتان ودخلت في الثالثة وأفهم كلام القاضي حسين أنه قول أهل اللغة وفي المسنة والتبيع اختلاف في سنهما وأول نصاب الغنم أربعون فتجب فيه شاة وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان وفي مائتين وواحدة أي إلى ثلاثمائة ثلاث شياه ثم في كلّ مائة شاة لحديث أنس فيه في صحيح البخاري.
فرع: فتح إنسان مراح غنم فخرجت ليلا ورعت زرعا فإن كان الذي فتحه المالك ضمن الزرع وإن كان غير المالك لم يضمن، والفرق أن المالك يلزمه حفظها في الليل فإذا فتح عنها ضمن وغير المالك لا يلزمه حفظها فإذا فتح عنها لم يضمن قاله في البحر واللّه أعلم.
(1)
بحر المذهب (3/ 115) وكفاية النبيه (5/ 303).
(2)
ينظر: الأم للشافعي (2/ 16) الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115) البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160) فتاوى ابن الصلاح (2/ 549) فتح الوهَّاب بشرح منهج الطلاب (1/ 120) منهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه: (ص: 33) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 208) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 62) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 43) حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 3) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (3/ 3) بحر المذهب للروياني (3/ 3).
واعلم أن النُصبْ المذكورة في الإبل والبقر والغنم ليس فيها نهاية القدر الواجب في كلّ نصاب ولا قدر السن في الزيادة على ما ذكر فمن أراد ذلك فليطالع كتب الفقة، وإنما ذكرت هذه النبذة حتى يعلم قدر الواجب في كلّ نصاب وأول كلّ نصاب من ليس بطالب علم واللّه أعلم، قوله صلى الله عليه وسلم: في حديث جابر "ولا صاحب كنز لا يفعل فيه حقه" والمراد بحقه الزكاة والمراد أيضًا بالكنز الذهب والفضة.
قال: ابن الأثير
(1)
والكنز في الأصل المال المدفون تحت الأرض فإذا أخرج منه لواجب عليه لم يبق كنزا وإن كان مكنوزا، وهذا حكم شرعي تجوز فيه عن الأصل تقدم الكلام على الكنز أيضًا في الباب قبله، قوله صلى الله عليه وسلم:"إلا جاء كنزه يوم القيامة شجاعا أقرع" تقدم الكلام على الشجاع الأقرع في الحديث قبله من كلام الحافظ المنذري، قوله صلى الله عليه وسلم يَتْبَعُهُ فَاتِحًا فَاهُ، فَإِذَا أَتَاهُ فَرَّ مِنْهُ، فَيُنَادِيهِ: خُذْ كَنْزَكَ الَّذِي خَبَأْتَهُ، فَأنَا عَنْهُ غَنِيٌّ، فَإِذَا رَأَى أَنْ لَا بُدَّ مِنْهُ، سَلَكَ يَدَهُ فِي فِيهِ" ومعنى: سلك يده أي أدخلها في فيه قال: اللّه تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42)}
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: فيقضمها قضم الفحل يقضمها بفتح الضاد فيها على اللغة الفصيحة أي يأكلها يقال: قضمت الدابة شعيرها بكسر الضاد وتقضم بفتحها إذا أكلته، وقال بعضهم معناه يعضها قال: أهل اللغة القضم بأطراف
(1)
النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 432).
(2)
سورة المدثر، الآية:42.
الأسنان والخضم بالفم كلّه، وقيل بجميع الأسنان وقيل القضم أكل اليابس والخضم أكل الرطب واللبن واللّه أعلم.
وتزعم العرب أن الرجل إذا طال جوعه تعرضت له في بطنه حية يسمونها الشجاع
(1)
والفحل بالحاء المهملة أي الذكر من الإبل وغيرها ولقد رأيتُ من يصحفه بالفجل بالجيم أي البقل المشهور، قاله الكرماني
(2)
وخص الفحل من الإبل لغلبة ذلك منه.
فائدة: عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى، أَنَّ أَجِيرًا لِيَعْلَى بْنِ مُنْيَةَ عَضَّ رَجُلٌ ذِرَاعَهُ، فَجَذَبَهَا فَسَقَطَتْ ثَنِيَّتُهُ، فَرُفِعَ إِلَى النَّبِيِّ، فَأَبْطَلَهَا، وَقَالَ:"أَرَدْتَ أَنْ تَقْضَمَهَا كمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ؟ " أخرجاه
(3)
وأعله الدَّارقُطْنِي
(4)
وجاء في مسلم
(5)
قاتل يعلى بن منية بن أمية رجلًا فعض أحدهما صاحبه قال: الحُفَّاظ: الصحيح المعروف أن المعضوض أجير يعلى لا يعلى ويحتمل أنهما قضميتان جرتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين، وفي هذا الحديث دلالة لمن قال أنه إذا عض رجل يد غيره فنزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاض أو فك لحييه لا ضمان عليه وهو مذهب الشافعي والأكثرين، وقال مالك: يضمن والحديث
(1)
الصحاح (3/ 1236).
(2)
الكواكب الدارارى (2/ 13 - 3).
(3)
أخرجه البخاري (6892)، ومسلم (18 - 1673) و (20 - 1674).
(4)
الإلزامات والتتبع (ص 317 - 318).
(5)
صحيح مسلم (1673).
حجة عليه وفيه دفع الصائل عن نفس الإنسان أو عضوه ولو أدى إلى تلف الصائل أو عضوه ولا ضمان عليه بدليل قوله فأبطلها النبي صلى الله عليه وسلم نص صريح في إسقاط القصاص والدية في ذلك وحمل بعض المالكية الحديث على أنه كان متحرك الثنايا وهذا يحتاج إلى نقل واللّه أعلم.
(قوله): "أردت أن تقضمها قضم الفحل" فيه [التأديب] والتعزير بالقول كمن أتى معصية ولا [حد] عليه لئلا يعود ا. هـ، قاله الكمال في حياة الحيوان.
قوله: وعن عبد اللّه بن مسعود هو أبو عبد الرحمن عبد اللّه بن مسعود بن غافل
(1)
بالغين المعجمة والفاء ابن حبيب بن سمح بن فار بالفاء وتخفيف الراء ابن مخزوم بن صاهلة بالصاد المهملة بن كاهل بن مضر بن نزار الهذلي حليف بني زهرة الكوفي وأُمِّه أُمُّ عَبْدٍ بِنْتُ عَبْدِ وُدِّ بْنِ سَوَاءَ بن هذيل أسلمت وهاجرت فهو صحابي ابن صحابيه أسلم عبد اللّه قديما حين أسلم سعيد بن زيد قبل عمر بن الخطاب بزمان وهاجر إلى الحبشة ثم إلى المدينة شهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بدرًا، وأحدًا والخندق وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد وهو صاحب نعل رسول اللّه صلى الله عليه وسلم
(2)
كانا يلبسه إياها إذا قام فإذا خلعها وجلس
(1)
أسد الغابة: 3/ 384، الاستيعاب: 7/ 20 سير أعلام النبلاء (1/ 461)، الجرح والتعديل: 5/ 149، حلية الأولياء: 1/ 124 - 139، تاريخ بغداد: 1/ 147 - 150، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 288 - 290، تهذيب الكمال: 740، دول الإسلام: 1/ 54، تاريخ الإسلام: 2/ 24، تذكرة الحُفَّاظ: 1/ 31 طبقات ابن سعد: 3/ 1/ 106.
(2)
ينظر: المسند لأحمد: 1/ 374 - 384.
جعلها ابن مسعود في ذراعه وكان كثير الولوج على رسول اللّه صلى الله عليه وسلم والخدمة له روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمانمائة حديث وثمانية وأربعون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على أربعة وستين حديثًا وانفرد البخاري بواحد وعشرين ومسلم بخمسة وثلاثين. نزل الكوفة في آخر عمره وتوفي بها سنة ثنتين وثلاثين وقيل سنة ثلاث وثلاثين قيل عادا إلى المدينة، واتفقوا على أنه توفي وهو ابن بضع وستين سنة والذين قالوا توفي بالمدينة قالوا ودفن بالبقيع قيل وصلى عليه عثمان وقيل الزبير وقيل عمار بن ياسر وكان من كبار الصحابة وسادتهم وفقهائهم ومقدميهم في القرآن والفقه والفتاوى وأصحاب الحلق و أصحاب الإتباع في العلم ومناقبه كتيرة مشهورة
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "ما من أحد لا يؤدي زكاة ماله إلا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع" الحديث ومعنى مثل أي نصب وقيل معناه نصب له وأقيم من قولهم مثل قائمًا أي منتصبًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يتمثل له الرجال قياما" الحديث. أي ينتصبون له، وقيل: المراد من قوله "مثل لي" أي صير بمعنى أن ماله يصير على صورة الشجاع وفسروا الأقرع بأبيض الرأس من شدة السم قاله ابن عقيل وظاهر الحدتهما أن اللّه تعالى يصير نفس ما [له] بهذه الصفة ولا مانع منه ويكون عقابه يوم القيامة على يديه ويقول له أنا كنزك لزيادة حسرته وندمه حيث لا ينفعه ذلك و اللّه أعلم
(2)
.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 288 - 289 ترجمة 333).
(2)
طرح التثريب (4/ 9).
قوله صلى الله عليه وسلم "حتى يطوق به عنقه أي يجعل له كالطوق في عنقه" وقيل في قوله تعالى: {سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ}
(1)
الآية يلزمون أعمالهم كما يلزم الطوق العنق يقال طوق فلان عمله طوق الحمامة أي ألزم جزاء عمله قوله وعن علي بن أبي طالب تقدم الكلام على بعض مناقبه
(2)
ومن مناقبه قالوا أسلم وهو ابن عشر سنين، وقيل ابن خمس عشرة حكوه عن الحسن البصري وغيره هاجر علي إلى المدينة واستخلفه النبي صلى الله عليه وسلم حين هاجر من مكة إلى المدينة أن يقيم بعده بمكة أياما حتى يؤدي عنه أمانته والودائع و الوصايا التي كانت عند النبي صلى الله عليه وسلم ثم يلحقه بأهله ففعل ذلك وشهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بدرًا وأحدًا و الخندق وبيعة الرضوان وخيبرا والفتح وحنينا والطائف وسائر المشاهد إلا تبوك فإن النبي صلى الله عليه وسلم استخلفه على المدينة وله في جميع المشاهد آثار مشهورة وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم اللواء في مواطن كثيرة وقال: سعيد بن المسيب أصابت علي يوم أحد ستة عشرة ضربة وثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطاه الراية يوم خيبر وأخبر أن الفتح يكون على يديه وأحواله في الشجاعة وأثارة في الحروب مشهورة وأما علمه فكان من العلوم بالمحل العالي روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وستة وثمانون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على عشرين وانفرد البخاري بتسعة ومسلم بخمسة عشر روى عنه بنوه الثلاثة: الحسن والحسين ومحمد بن حنفية وغيرهم من الصحابة أما بن الحنفية فإنه
(1)
سورة آل عمران، الآية:180.
(2)
سبقت الإشارة إليه.
تابعي وقال: ابن عباس أعطي علي تسعة أعشار العلم واللّه لقد شاركهم في العشر الباقي قال: وإذا أثبت لنا الشيء عن علي لم نعدل إلى غيره، وسؤال كبار الصحابة له ورجوعهم إلى فتاويه وأقواله في المواطن الكثيرة والمسائل المعضلات مشهورة
(1)
، واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم "إِن اللّه فرض على أَغْنِيَاء الْمُسلمين فِي أَمْوَالهم بِقدر الَّذِي يسع فقراءهم وَلنْ يجْهد الْفُقَرَاء إِذا جَاعُوا وعروا إِلَّا بِمَا يصنع أغنياؤهم" الحديث. الأغنياء هم أصحاب الأموال.
قوله عن مسروق (هو أبو عائشة مسروق بن الأجدع، بالجيم ودال مهملة، ابن مالك بن أمية بن عبد اللّه الهمدانى الكوفى التابعى المخضرم.
روى عن أبي بكر الصديق، وعثمان، وعلي وغيرهم. روى عنه أبو وائل، وهو أكبر منه، وآخرون. واتفقوا على جلالته، وتوثيقه، وفضيلته، وإمامته.
وكان مسروق يصلى حتى تورمت قدماه. قال أبو سعد السمعانى: كان مسروق سرق في صغره، فغلب عليه ذلك. توفى سنة ثنتين، وقيل: سنة ثلاث وستين، رحمه اللّه تعالى
(2)
.
قوله: قال عبد اللّه: "آكِلُ الرِّبَا، وَمُوكلُهُ، وَشَاهِدَاهُ، إِذَا عَلِماه، وَالْوَاشِمَةُ وَالْمُسْتَوْشِمَةُ لِلْحُسْنِ، وَلَاوِي الصَّدَقَةِ، وَالْمُرْتَدُّ أَعْرَابِيًّا بَعْدَ الْهِجْرَةِ مَلْعُونُونَ عَلَى لِسَانِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 344 - 349 ترجمة 429).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 88 ترجمة 567).
وأراد بآكل الربا وموكله: البائع والمشتري وقيد الشاهدين بالعلم بالربا بأن يريا المبيع وأنه ربوي باطل فإن جهلا الحال والحكم فلا إثم.
قوله: والواشمة للحسن أي تتحسن بذلك وهو قبيح، وأما لاوي الصدقة فهو مانعها واللي المطل يقال لواه بحقه يلويه ليا وأصله لويًا، والمراد بالصدقة الزكاة. قوله: والمرتد أعرابيا بعد الهجرة وهو أن يعود إلى البادية ويقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا، وكان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد تقدم الكلام على حديث مسروق وفيه قال: عبد اللّه آكل الربا وموكله وشاهداه إذا علماه .. الحديث، تقدم الكلام على ذلك.
1132 -
وروى الأصْبَهَانِيّ عَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ لعن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم آكل الرِّبَا وموكله وَشَاهده وكاتبه والواشمة والمستوشمة ومانع الصَّدَقَة والمحلل والمحلل لَهُ
(1)
.
1133 -
وَعَن أنس رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ويل للأغنياء من الْفُقَرَاء يَوْم الْقِيَامَة يَقُولُونَ رَبنَا ظلمونا حقوقنا الَّتِي فرضت لنا عَلَيْهِم فَيَقُول اللّه عز وجل وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأدنينكم ولأباعدنهم، ثمَّ تَلا رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (25)}
(2)
، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط وَأَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان فِي كتاب الثَّوَاب
(3)
. كِلَاهُمَا من
(1)
الأصبهاني في الترغيب (1408)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (756).
(2)
سورة المعارج، الآية: 24 - 25.
(3)
الطبراني في الأوسط (4813)، وفي الصغير (683)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 62)، رواه الطبراني في الصغير والأوسط وفيه الحارث بن النعمان، وهو ضعيف، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6140).
رِوَايَة الْحَارِث بن النُّعْمَان قَالَ أَبُو حَاتِم لَيْسَ بِقَوي وَقَالَ البُخَارِيّ مُنكر الحَدِيث.
قوله: وروى الأصبهاني عن علي قال: لعن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "آكل الربا وموكله وشاهده وكاتبه والواشمة والمستوشمة ومانع الصدقة والمحلل والمحلل له" تقدم الكلام على آكل الربا وعلى ما بعده في الحديث قبله، والكلام الآن على المحلل والمحلل له المحلل بكسر اللام الأولى وهو الذي يتزوج مطلقة الغير ثلاثًا بعد العدة على قصد أن يطلقها بعد أن يحلها للزوج الأول بالنكاح والوطء والمحلل له هو الزوج الأول وإذا تزوج بهذا القصد لم يصح، وقال: أبو حنيفة يصح ويبطل الشرط وحمله الشافعي رحمه الله على ما إذا شرطه في العقد قال: البغوي
(1)
فإن شرط في العقد مفارقتها فالنكاح باطل عند الأكثرين كنكاح المتعة وسمي محللا لقصده إليه وإن كان لا يحصل التحليل به وقيل يصح النكاح ويفسد الشرط كما تقدم عن أبي حنيفة ولها صداق مثلها فأما إذا لم يكن ذلك في العقد شرطا وكان نية وعقيدة فهو مكروه غير أن النكاح صحيح وإن أصابها ثم طلقها انقضت عدتها حلت للأول عند أكثر أهل العلم لكن يكره
(2)
ذلك كما تقدم، وقال:
(1)
شرح السنة للبغوي (9/ 151).
(2)
ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (2/ 1) تحفة الفقهاء (1/ 263) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 2)، شرح مختصر خليل للخرشي (2/ 147) الفواكه الدواني على رسالة ابن أبي زيد القيرواني (1/ 325) حاشية العدوي على كفاية الطالب الرباني (1/ 472) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي =
إبراهيم النخعي لا تحل إلا أن يكون نكاح رغبة فإن كانت نية أحد الثلاثة، الزوج الأول أو الثاني أو المرأة التحليل فالنكاح باطل، وقال سفيان الثوري: إذا تزوجها على نية التحليل للأول ثم بدا له أن يمسكها لا يعجبني إلا أن يفارقها ويستأنف نكاحا جديدا، ولذلك قال أحمد ومالك: يفرق بينهما بكل حال
(1)
ا. هـ.
قال المنذري: وقال الشافعي:
(2)
لا تفسد النية النكاح شيئًا لأن النية حديث النفس وقد رفع عن الناس ما حدّثوا به أنفسهم وروى البيهقي مسندا: أَنَّ امْرَأَةً طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا، وَكَانَ مِسْكِينٌ أَعْرَابِيٌّ يَقْعُدُ بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: هَلْ لَكَ فِي امْرَأَةٍ تَنْكِحُهَا فَتَبِيتُ مَعَهَا اللَّيْلَةَ، وَتُصْبِحُ فَتُفَارِقُهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَكَانَ ذَلِكَ فَقالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: إِنَّكَ إِذَا أَصْبَحْتَ فَإِنَّهُمْ
= (3/ 208) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 62) شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 411) المبدع في شرح المقنع (2/ 309) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (3/ 3).
(1)
معالم السنن (3/ 193 - 194) وشرح السنة (9/ 101).
(2)
ينظر: الأم للشافعي (2/ 16) الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115) البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160) فتاوى ابن الصلاح (2/ 549) فتح الوهَّاب بشرح منهج الطلاب (1/ 120) منهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه (ص: 33) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 208) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 62) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 43) حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 3) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (3/ 3) بحر المذهب للروياني (3/ 3).
سَيَقُولُونَ لَكَ فَارِقْهَا فَلَا تَفْعَلْ ذَلِكَ، فَإِنِّي مُقِيمَةٌ لَكَ مَا تَرَى وَاذْهَبْ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه، فَلَمَّا أَصْبَحَتْ أَتَوْهُ وَأَتَوْهَا، فَقَالَتْ: كَلِّمُوهُ فَأَنْتُمْ جِئْتُمْ بِهِ فَكَلِّمُوهُ فَأَبَي، فَانْطَلَقَ إِلَى عُمَرَ رضي الله عنه فَقَالَ:"الزَمِ امْرَأَتَكَ فَإِنْ رَابُوكَ بِرِيبَةٍ فَأْتِنِي"، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمَرْأَةِ الَّتِي مَشَتْ لِذَلِكَ فَنَكَّلَ بِهَا، ثُمَّ كَانَ يَغْدُو عَلَى عُمَرَ وَيَرُوحُ فِي حُلَّةٍ فَيَقُولُ:"الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي كسَاكَ يَا ذَا الرُّقْعَتَيْنِ حُلَّةً تَغْدُو فِيهَا وَتَرُوحُ"
(1)
.
قال أبو عمر بن عبد البر في التمهيد: وما يروى عن عثمان
(2)
أنه قال: لَا أُوتَى بِمُحَلِّلٍ إلَّا رَجَمْته مَحْمَلُهُ التَّغْلِيظُ؛ لِأنّهُ صَحَّ عِنْدَ عَدَمِ حَدِّ الْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ، فَكَيْفَ بِالْمُتَأَوِّلِ وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَا رَجْمَ عَلَيْهِ. اهـ.
وإنما خص النبي صلى الله عليه وسلم باللعنة المحلل والمحلل له دون المرأة لأن الغالب جهلها بذلك، قال في الْمَطْلَبِ
(3)
: فإن علمت وشعلت لعنت
(4)
، وفي حديث عقبة بن عامر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول اللّه قال: هو المحلل ثم قال "لعن اللّه المحلل والمحلل له
(1)
أخرجه عبد الرزاق (10786 و 10787)، وسعيد بن منصور (1999)، والبيهقي في الكبرى (7/ 341 رقم 14197) والمعرفة (10/ 182 رقم 14124). قال الشافعي رضي الله عنه: وسمعت هذا الحديث مسندًا شاذًّا متصلًا عن ابن سيرين يوصله عن عمر مثل هذا المعنى. وضعفه الألباني في الإرواء (1900).
(2)
كذا في الأصل وفي التمهيد عن عمر بن الخطاب انظر التمهيد (13/ 235) والاستذكار (5/ 450).
(3)
كتاب للعلامة نجم الدين بن الرفعة.
(4)
النجم الوهاج (7/ 177).
الحديث" رواه الدَّارقُطْنِي وابن ماجة وكذلك رواه الحاكم وقال صحيح الإسناد
(1)
قيل وإنما لعن رسول اللّه مع حصول التحلل لأن التماس ذلك هتك للمروءة والملتمس ذلك هو المحلل له، وإعارة التيس للوطء. لغرض الغير أيضًا رذيلة. ولذلك شبهه بالتيس المستعار وإنما يكون كالتيس المستعار إذا سبق التماس من المطلق، والعرب تعير بإعارة التيس قال الشاعر: وشر منيحة تيس معار
(2)
.
وإنهم إذا مدحوا شخصا قالوا إنما هو كبش وإذا ذموه قالوا هو تيس
(3)
.
(1)
أخرجه ابن ماجة في سننه (1936) والحاكم في المستدرك (2/ 198 - 199) الدَّارقُطْنِي في سننه (3/ 251) - ومن طريقه رواه ابن الجوزي في العلل المتناهية (1072)، وقال إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني - كما نقل ذلك ابن تيمية في الفتاوى الكبرى (3/ 277)، وابن كثير في تفسيره (1/ 280 - 281) -:"كانوا ينكرون على عثمان في هذا الحديث إنكارا شديدا". وقد تعقب ابن الملقن البخاريَّ فقال في البدر المنير (5/ ل 221 ب): "قد ذكر الحاكم في روايتُه لهذا الحديث سمعتُ مشرح بن هاعان، وقال قبله: قد ذكر كاتب الليث سماعه فيه، وكونه لم يخرجه في أيامه لا يضر إذن، وقوله: لأن حيوة روى عن بكر بن عمرو عن مشرح، يريد أنّ حيوة من أقران الليث أو أكبر منه، وإنما يروي عن بكر عن مشرح، وهذا غير لازم لأنَّ الليث كان معاصرًا لمشرح، وقد صرح بسماعه منه". وقد قوى الزيلعي في نصب الراية (3/ 239) سماعه منه فقال: "قوله في الإسناد قال لي أبو مصعب يردُّ ذلك، ورواه الدَّارقُطْنِي في سننه معنعنا عن أبي صالح كاتب الليث، عن الليث عن مشرح به وكذلك حسنه عبد الحق لأنه ذكره من جهة الدَّارقُطْنِي". وقد قوى الحديثَ شيخُ الإسلام ابنُ تيمية كما في الفتاوى الكبرى (3/ 277 - 278).
(2)
حياة الحيوان (1/ 240).
(3)
حياة الحيوان (2/ 256).
فائدة: قال: ابن العربي
(1)
: أنه سمع من علماء الحنفية من يقول في نكاح المحلل أنه قربة لأن فيه سعة ضيق وإباحة تحريم أذن اللّه تعالى فيها ورأيت في كلام بعض العُلماء قال داوود: لا أبعد أن يكون المحلل مأجورا إذا نوى بذلك حلها للأول لأنه قصد إرفاق أخيه وإدخال السرور عليه وهو قول ربيعة شيخ مالك ويحيى بن سعيد ا. هـ.
قال ابن العربي:
(2)
وأهل المدينة يقولون هو معصية موجبة للنار وكان بعض العُلماء يرى أن مجرد [العقد] كاف في [التحليل] لقوله تعالى: {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}
(3)
وقد بينت [السنة ذلك التحليل فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أَتُرِيدينَ أنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لا، حَتَّى تذُوقِي الْعُسَيلَةَ"
(4)
فبين اشتراط الغاية [في الغاية وذهب] ابن المسيب إلى الاكتفاء [بمجرد العقد من الثاني كان لم يطأها الثاني] ا. هـ
فائدة أخرى: قال الماوردي والغزالي: من لطائف الحيل الرافعة للغيرة والعار المحصلة للمقصود: أن يشتري عبدًا صغيرًا ويزوجها منه، ثم تستدخل حشفة الصغير ولو مع حائل من ثوب أو غيره، ثم يملكها العبد ببيع أو هبة فينفسخ النكاح ويحصل التحليل. [قلت]: وهذا مبني على أصول
(1)
ينظر: أحكام القرآن لابن العربي (1/ 313).
(2)
السابق.
(3)
سورة البقرة، الآية:230.
(4)
سبق تخريجه.
مختلف فيها منها: حصول التحليل بوطء الصغير، ومنها: جواز إجبار العبد على التزويج، فإن لم نجوزه، امتنع ذلك.
(1)
واللّه أعلم قاله في الديباجة.
والأعراب ساكنوا البادية من الأعراب الذين لا يقيمون في الأمصار ولا يدخلونها إلا لحاجة قوله: ملعونون على لسان محمد، هذا مرفوع وهذا يقتضي أن ذلك من الكبائر لأن اللعن لا يكون إلا على كبيرة على قول بعض العُلماء [وهو الذهبي] في كتاب سماه الكبائر ا. هـ.
قوله: وروى الأصبهاني عن علي، الأصبهاني بكسر الباء الألف أو فتحها وسكون الصاد المهملة وفتح الموحّدة والهاء وفي أخره النون هَذِه النِّسْبَة إِلَى أشهر بَلْدَة بالجبال وَإِنَّمَا قيل لَهَا هَذَا الاسْم على مَا سَمِعت من بَعضهم أَنَّهَا تُسمّى بالعجمية سباهان وسباه: الْعَسْكَر وَهَان: الْجمع، وَكَانَت جموع عَسَاكِر الأكاسرة تَجْتَمِع إِذا وَقعت لَهُم وَاقعَة فِي هَذَا الْموضع مثل عَسْكَر فَارس وكرمان والأهواز فعرب فَقيل أَصْبَهَان خرج مِنْهَا كثير من الْعلمَاء فِي كلّ فن ا. هـ. قاله في (كتاب الأنساب) لابن الأثير
(2)
.
قوله: عن أنس تقدم الكلام على أنس.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ويل للأغنياء من الْفُقَرَاء يَوْم الْقِيَامَة .. " الوَيْلُ: كلمةُ عذاب، وقيل: واد في جهنم، وقيل غير لك. قوله عز وجل:"وَعِزَّتِي وَجَلَالِي لأُدْنِيَنَّكُمْ وَلأُبَاعِدَنَّهُمْ .. " هذا قرب من اللّه تعالى.
(1)
النجم الوهاج (7/ 177).
(2)
اللباب (1/ 69).
لطيفة: قوله في الكلام على الحديث رواه أبو الشيخ بن حيان وهو الحافظ أبو محمد عبد اللّه بن جعفر بن حيان بمهملة [وياء مشدد] ونون وأبو الشيخ لقبه قاله الحافظ العسقلاني المشهور بابن حجر
(1)
فحيان منصرف وغير منصرف قيل جاء رجل اسمه حيان إلى ملك فقيل للملك أينصرف حيان أم لا فقال الملك إن أكرمته فلا ينصرف وإلا فينصرف ووجهه بأنه إن أكرمه فكأنه أحياه فيكون من الحي فلا ينصرف لزيادة الألف والنون وإن لم يكرمه فكأنه أهلكه فيكون من الحين ا. هـ واللّه أعلم، قاله الكرماني في شرح البخاري
(2)
.
1134 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم عرض عَليّ أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ الْجنَّة وَأول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار فَأَما أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ الْجنَّة فالشهيد وَعبد مَمْلُوك أحسن عبَادَة ربه ونصح لسَيِّده وعفيف متعفف ذُو عِيَال وَأما أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار فأمير مسلط وَذُو ثروة من مَال لا يُؤَدِّي حق اللّه فِي مَاله وفقير فخور، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَابْن حبَان مفرقا فِي موضِعين
(3)
.
(1)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 344).
(2)
الكواكب الدراري (2/ 87).
(3)
ابن خزيمة (2249)، وابن حبان (4312)، وأحمد (9492)، والحاكم (1/ 387)، وقال: عامر بن شبيب شيخ من أهل المدينة مستقيم الحديث، وهذا أصل في هذا الباب، فترد به عنه يحيى بن أبي كثير، ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي. وقال الألباني في ضعيف الجامع (3703): ضعيف جدًا.
قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلو النار فأما أول ثلاثة يدخلون الجنة: فالشهيد وعبد مملوك أحسن عبادة ربه ونصح لسيده وعفيف متعفف" الحديث.
العفة: هي الكف عن الحرام والسؤال من الناس فالاستعفاف طلب العفة. قوله: ذو عيال، ذو بمعنى صاحب عيال و "أما أول ثلاثة يدخلون النار فأمير مسلط" أي ظالم و "ذو ثروة من مال لا يؤدي حق اللّه في ماله"، وذو أيضًا بمعنى صاحب (المال) الواسع أي الكثير المال يقال: أثرى الرجل: إذا كثر ماله، والمراد بالحق: الزكاة الواجبة، قوله:"وفقير فخور" أي معجب متكبر.
1135 -
وَعَن عبد اللّه بن مَسْعُود رضي الله عنه: قَالَ أمرنَا بإقام الصَّلَاة وإيتاء الزَّكَاة وَمن لم يزك فَلَا صَلَاة لَهُ. رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفًا هَكَذَا بأسانيد أَحدهمَا صَحِيح والأصبهاني
(1)
. وَفِي رِوَايَة للأصبهاني: قَالَ من أَقَامَ الصَّلَاة وَلم يُؤْت الزَّكَاة فَلَيْسَ بِمُسلم يَنْفَعهُ عمله
(2)
.
1136 -
وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: من ترك بعده كنزا مثل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شُجَاع أَقرع لَهُ زَبِيبَتَانِ يتبعهُ فَيَقُول من أَنْت فَيَقُول أَنا كَنْزك الَّذِي
(1)
الطبراني في الكبير (10095)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 62): وله إسناد صحيح. والأصبهاني برقم (1449). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب برقم (465).
(2)
الأصبهاني في الترغيب (1477).
خلفت فَلَا يزَال يتبعهُ حَتَّى يلقمه يَده فيقضمها ثمَّ يتبعهُ سَائِر جسده، رَوَاهُ الْبَزَّار وَقَالَ: إِسْنَاده حسن وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا
(1)
.
قوله: وعن عبد اللّه بن مسعود رضي الله عنه تقدم الكلام على الصلاة. والكلام الآن على الزكاة.
قوله وعن ثوبان مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم هو أبو عبد اللّه ويقال: أبو عبد الرحمن ثَوْبَانُ بْنُ بُجْدُدٍ بموحدة مضمومة ثم جيم ساكنة ثم دال مكررة الأولى مضمومة، ويقال: ابن جحدر الهاشمي من أهل الشراة موضع بين مكة واليمن، وقيل أنه من حمير، وقيل من الهان أصابه سبي فاشتراه رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فأعتقه ولا يزال معه في الحضر والسفر فلما توفي رسول اللّه صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام فنزل الرملة ثم انتقل إلى حمص وابتنى بها دارًا وتوفي بها سنة خمس و أربعين وقيل سنة أربع وخمسين روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وسبعة وعشرون حديثًا روى له مسلم عشرة أحاديث. واللّه أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من ترك بعده كنزا مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع" والصحيح أن الكنز كلّ مال لم تؤد زكاته، وتقدم الكلام على قوله: مثل له شجاعا أقرع،
(1)
البزار (882)، والطبراني في الكبير (1408)، وابن خزيمة (2255)، وابن حبان (3257)، والحاكم (1/ 388)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 64)، رواه البزار وقال: إسناده حسن، قلت: ورجاله ثقات، ورواه الطبراني في الكبير، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (757).
قوله: له زبيبتان قد فسر الحافظ ذلك فقال: الزبيبتان هما [الزبدتان] في الشدقين، وقيل هما النكتتان السوداوان فوق عينيه ا. هـ.
وقال: في حياة الحيوان
(1)
هما الريشتان من جانبي فمه من السم ويكون مثلهما في شد قيء الإنسان عند كثرة الكلام وقيل نكتتان في عينيه وما هو بهذه الصفة من [الحيات] هو أشد أذي، وقيل هما نابان يخرجان من فيه واللّه أعلم قاله: الداوودي
(2)
ولا يعرف أهل اللغة هذا الوجه، وقال غيره قيل أراد بهما ما يخرج من فيه من السم في جانبي شدقيه كما يتفق لبعض الناس إذا انزعج خرج من فيه زبد يمينا وشمالا
(3)
، قوله صلى الله عليه وسلم فلا يزال يتبعه حتى يلقمه يده فيقضمها ثم يتبعه سائر جسده، تقدم الكلام على القضم.
1137 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِن الَّذِي لا يُؤَدِّي زَكَاة مَاله يخيل إِلَيْهِ مَاله يَوْم الْقِيَامَة شجاعًا أَقرع لَهُ زَبِيبَتَانِ قَالَ فَيلْزمهُ أَو يطوقه يَقُول أَنا كنْزك، أَنا كنْزك، رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح
(4)
.
الزبيبتان هما الزبدتان فِي الشدقين وَقيل هم النكتتان السوداوان فَوق عَيْنَيْهِ، والشجاع تقدم.
(1)
حياة الحيوان (2/ 69).
(2)
المفهم (8/ 149).
(3)
المفهم (8/ 149).
(4)
النسائي (5/ 38)، وأحمد (5729)، وابن خزيمة (2257)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (758).
قوله وعن ابن عمر تقدم الكلام على ابن عمر.
قوله صلى الله عليه وسلم "إن الذي لا يؤدي زكاة ماله يخيل له ماله يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان قال: فيلزمه أو يطوقه" الحديث تقدم الكلام على ذلك.
1138 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَقرع لَهُ زَبِيبَتَانِ يطوقه يَوْم الْقِيَامَة ثمَّ يَأْخُذ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي شدقيه ثمَّ يَقُول أَنا مَالك أَنا كنْزك ثمَّ تَلا هَذِه الآيَة: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}
(1)
قَالَ من آتَاهُ اللّه مَالا فَلم يؤد زَكَاته مثل لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شجاعا، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ
(2)
.
قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "من آتاه اللّه مالا فلم يؤدي زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان" تقدم الكلام على ذلك في الأحاديث قبله، قوله صلى الله عليه وسلم "يطوقه يوم القيامة" يعني تجعل هذه الحية بإذن اللّه طوقًا لمن لا يؤدي زكاة ماله فهو مطوق بالشجاع الأقرع نعوذ باللّه من عقابه، قوله صلى الله عليه وسلم "ثم يأخذ بلهزمتيه يعني بشدقيه ويطوقه" بالبناء للمفعول أي يجعل ذلك الشجاع طوقا في عنقه كما قال تعالى:{سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ}
(3)
قوله صلى الله عليه وسلم "ثم يأخذ بلهزمتيه يعني شدقيه" وقوله بلهزمتيه ضبطه الجوهري
(4)
بكسر اللام وكسر
(1)
سورة آل عمران، الآية:180.
(2)
البخاري (1403).
(3)
سورة آل عمران، الآية:180.
(4)
الصحاح للجوهري (5/ 2038).
الزاي واحدها لهزمة بالكسر وَقِيلَ: هُمَا عَظْمَانِ نَاتِئَانِ تَحْتَ الأُذُنَين. وَقِيلَ: هُمَا مُضْغَتان عَلِيَّتان" تحتَهما (وفسرهما في الحدتهما بالشدقين أي جانبي الفم).
1139 -
وَعَن عمَارَة بن حزم رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أَربع فرضهن اللّه فِي الإِسْلَام فَمن جَاءَ بِثَلَاث لم يغنين عَنهُ شَيْئًا حَتَّى يَأْتِي بِهن جَمِيعًا الصَّلاة وَالزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَحج الْبَيْت، رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده ابْن لَهِيعَة وَرَوَاهُ أَيْضا عَن نعيم بن زِيَاد الْحَضْرَمِيّ مُرْسلا
(1)
.
1140 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم أُتِي بفرس يَجْعَل كلّ خطْوَة مَعَه أقْصَى بَصَره فَسَار وَسَار مَعَه جِبْرِيل عليه السلام فَأتى على قوم يزرعون فِي يَوْم ويحصدون فِي يَوْم كلما حصدوا عَاد كمَا كَانَ فَقَالَ يَا جِبْرِيل من هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلاءِ المجاهدون فِي سَبِيل اللّه تضَاعف لَهُم الْحَسَنَة بسبعمائة ضعف وَمَا أَنْفقُوا من شَيْء فَهُوَ يخلفه ثمَّ أَتَى على قوم ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عَادَتْ كمَا كَانَت وَلا يفتر عَنْهُم من ذَلِك شَيْء، قَالَ يَا جِبْرِيل من هَؤُلاءِ قَالَ هَؤُلاءِ الَّذين تثاقلت رؤوسهم عَن الصَّلَاة ثمَّ أَتَى على قوم على أدبارهم رقاع وعَلى أقبالهم رقاع يسرحون كمَا تسرح الْأَنْعَام إِلَى الضريع والزقوم ورضف جَهَنَّم، قَالَ مَا هَؤُلاءِ يَا جِبْرِيل قَالَ هَؤُلاءِ الَّذين لا يؤدون صدقَات أَمْوَالهم وَمَا ظلمهم اللّه وَمَا اللّه بظلام للعبيد، الحَدِيث بِطُولهِ فِي قصَّة الْإِسْرَاء وَفرض الصَّلَاة، رَوَاهُ الْبَزَّار عَن الرّبيع بن أنس عَن أبي
(1)
أحمد (17789).
الْعَالِيَة أَو غَيره عَن أبي هُرَيْرَة
(1)
.
قوله وعن عمارة بن حزم (هو عمارة بن حزم الأنصاري، أخو عمرو بن حزم، وأمه خالدة بنت أنس بن سنان بن وهب بن لوذان، كان من السبعين الذين بايعوا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، شهد بدرًا وشهد عمارة أيضًا أحدًا، والخندق، والمشاهد كلها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وكانت معه راية بني مالك بن النجار يوم الفتح، وشهد قتال أهل الردة مع خالد بن الوليد، وقتل يوم اليمامة شهيدًا
(2)
.
قوله: "أَربع فرضهن اللّه فِي الإِسْلَام فَمن جَاءَ بِثَلَاث لم يغنين عَنهُ شَيْئا حَتَّى يَأْتِي بِهن جَمِيعًا الصَّلَاة وَالزَّكَاة وَصِيَام رَمَضَان وَحج الْبَيْت" الحديث.
تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم "أتى بفرس يجعل كلّ خطوة منه أقصى بصره فسار وسار معه جبريل عليه السلام فذكر حديث البراق هي الدابة التي ركبها سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء وركبها الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مشتقة من البرق الذي يلمع في الغيم وفي الصحيح أنه دابة دون البغل وفوق الحمار أبيض يضع خطوة عند أقصى طرفه، ويؤخذ من هذا أنه أخذ من الأرض إلى السماء في خطوة وإلى السموات السبع في سبع خطوات.
(1)
البزار (55)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 67): رواه البزار ورجاله موثقون، إلا أن الربيع بن أنس قال: عن أبي العالية أو غيره، فتابعيه مجهول.
(2)
تلقيح فهوم أهل الأثر (ص 272)، وأسد الغابة (4/ 129).
قال السهيلي: ومما يسأل عنه شماس البراق حين ركبه صلى الله عليه وسلم فقال له جبريل عليه السلام: أما تستحي يا براق فما ركبك عبد قبل محمد أكرم على اللّه منه؟
قال ابن بطال
(1)
: إنما كان ذلك لبعد عهده بالأنبياء، وطول الفترة بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام
(2)
.
وقال صاحب المقتفى: والحكمة في كونه على هيئة بغل ولم يكن على هيئة فرس، التنبيه على أن الركوب كان في سلم وأمن لا في حرب وخوف، أو لإظهار الآية في الإسراع العجيب في دابة لا يوصف شكلها بالإسراع فإن قيل: ركب صلى الله عليه وسلم البغلة في الحرب، فالجواب أن ذلك كان لتحقيق نبوّته وشجاعته صلى الله عليه وسلم.
قال: وكان البراق أبيض وكانت بغلته شهباء، وهي التي أكثرها بياض إشارة إلى تخصيصه بأشرف الألوان.
قال: واختلف الناس هل ركب جبريل عليه السلام معه صلى الله عليه وسلم؟ فقيل: نعم، كان رديفه صلى الله عليه وسلم. قال: والظاهر عندي أنه لم يركب معه لأنه صلى الله عليه وسلم هو المخصوص بشرف الإسراء، لكن روي أن إبراهيم عليه السلام كان يزور ولده إسماعيل على البراق وأنه ركبه هو وإسماعيل وهاجر، حين أتى بهما البيت الحرام.
(1)
ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 389) بمعناه.
(2)
الروض الأنف (3/ 430).
ثم إن البراق يوم القيامة يركبه النبي صلى الله عليه وسلم دون سائر الأنبياء. واختلف الناس في تاريخ الإسراء قال ابن الأثير
(1)
: الصحيح عندي إنه كان ليلة الإثنين لسبع وعشرين من شهر ربيع الأولى قبل الهجرة بسنة، وبهذا جزم شيخ الإسلام محي الدين النووي في شرح مسلم وجزم في فتاويه في كتاب الصلاة بأنه كان في شهر ربيع الآخر.
وفي سير الروضة أنه كان في رجب وإنما كان ليلا لتظهر الخصوصية بين جليس الملك نهارا وجليسه ليلًا. وقد اختصرت هذه النبذة [من الروض للسهيلي]
(2)
ثُمَّ أَتَى عَلَى قَوْمٍ عَلَى أَدْبَارِهِمْ رِقَاعٌ، وَعَلَى أَقْبَالِهِمْ رِقَاعٌ، يَسْرَحُونَ كَمَا تَسْرَحُ الْأَنْعَامُ إِلَى الضَّرِيعِ وَالزَّقّومِ وَرَضْفِ جَهَنَّمَ.
الرضف: الحجارة المحماة وسيأتي الكلام على الضريع والزقوم في ذكر النار أعاذانا اللّه الكريم منها.
1141 -
وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت من عمر بن الْخطاب رضي الله عنه حَدِيثا عَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا سمعته مِنْهُ وَكنت أَكْثَرهم لُزُوما لرَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ عمر قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا تلف مَال فِي بر وَلا بَحر إِلَّا بحَبْس الزَّكَاة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَهُوَ حَدِيث غَرِيب
(3)
.
(1)
نقله عن الدميري في حياة الحيوان (1/ 170).
(2)
انظر حياة الحيوان (1/ 170 - 171).
(3)
الطبراني في الأوسط كما في مجمع الزوائد (3/ 63)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، رواه الطبراني في الأوسط وفيه عمر بن هارون وهو ضعيف، قلت: بل هو متروك كما في التقريب، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5047).
1142 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَانع الزَّكَاة يَوْم الْقِيَامَة فِي النَّار، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير عَن سعد بن سِنَان وَيُقَال فِيهِ سِنَان بن سعد عَن أنس
(1)
.
1143 -
وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا خالطت الصَّدَقَة أَو قَالَ الزَّكَاة مَا لا إِلَّا أفسدته، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ
(2)
.
وَقَالَ الْحَافِظ: وَهَذَا الحَدِيث يحْتَمل مَعْنيين أَحدهمَا أَن الصَّدَقَة مَا تركت فِي مَال وَلم تخرج مِنْهُ إِلَّا أهلكته وَيشْهد لهَذَا حَدِيث عمر الْمُتَقَدّم مَا تلف مَال فِي بر وَلا بَحر إِلَّا بِحَبْس الزَّكاة، وَالثَّانِي أَن الرجل يَأْخُذ الزَّكاة وَهُوَ غَنِي عَنْهَا فَيَضَعهَا مَعَ مَاله فتهلكه، وَبِهَذَا فسره الإِمَام أَحْمد وَاللّه أعلم.
1144 -
وَرُوِيَ عَن عمر رضي الله عنهما، قالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ظَهرت لَهُم الصَّلَاة فقبلوها وخفيت لَهُ الزَّكاة فأكلوها أُولَئِكَ هم المُنَافِقُونَ، رَوَاهُ الْبَزَّار
(3)
.
(1)
الطبراني في الصغير (917)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 64)، رواه الطبراني في الصغير وفيه سنان بن سعد وفيه كلام كثير وقد وثق، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (760).
(2)
البزار (881)، وقال إسناده لين، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 64)، رواه البزار وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي، قال أبو حاتم، يكتب حديثه ولا يحتج به، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5057).
(3)
البزار (883)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 64)، وفيه عبد اللّه بن إبراهيم الغفاري وهو ضعيف، وقال الألباني ضعيف جدًّا كما في ضعيف الجامع (3666).
1145 -
وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَا منع قوم الزَّكاة إِلَّا ابْتَلَاهُم اللّه بِالسِّنِينَ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَرُوَاته ثِقَات
(1)
.
وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ فِي حَدِيث إِلَّا أنَّهُمَا قَالا وَلَا منع قوم الزَّكَاة إِلَّا حبس اللّه عَنْهُم الْقطر، وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرط مُسلم
(2)
.
وَرَوَاهُ ابْن مَاجَة وَالْبَزَّار وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن عمر وَلَفظ الْبَيْهَقِيّ أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا معشر الْمُهَاجِرين خِصَال خمس إِن ابتليتم بِهن ونزلن بكم أعوذ بِاللّه أَن تدركوهن لم تظهر الْفَاحِشَة فِي قوم قطّ حَتَّى يعلنوا بهَا إِلَّا فَشَا فيهم الأوجاع الَّتِي لم تكن فِي أسلافهم وَلم ينقصوا الْمِكْيَال وَالْمِيزَان إِلَّا أخذُوا بِالسِّنِينَ وَشدَّة الْمُؤْنَة وجور السُّلْطَان وَلم يمنعوا زَكَاة أَمْوَالهم إِلَّا منعُوا الْقطر من السَّمَاء وَلَوْلا الْبَهَائِم لم يُمْطروا وَلَا نقضوا عهد اللّه وعهد رَسُوله إِلَّا سلط عَلَيْهِم عَدوًا من غَيرهم فَيَأْخُذ بعض مَا فِي أَيْديهم وَمَا لم تحكم أئمتهم بِكِتَاب اللّه إِلَّا جعل بأسهم بَينهم
(3)
.
(1)
الطبراني في المعجم الأوسط (4577)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 66)، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (761).
(2)
الحاكم (2/ 126)، والبيهقي (3/ 346)، وفي شعب الإيمان (3040)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (761).
(3)
ابن ماجة (4019)، والبزار (1676)، والبيهقي في شعب الإيمان (10550)، والحاكم (4/ 540)، وقال: صحيح الإسناد، وأبو نعيم في الحلية (8/ 333)، وأبو عمرو الداني (327)، قال البوصيري في الزوائد (3/ 246)، هذا حديث صالح العمل به، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (762).
قوله: وروي عن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة" أي بعدم إخراج الزكاة.
قوله: وعن أنس بن مالك تقدم الكلام على أنس.
قوله: صلى الله عليه وسلم "مانع الزكاة يوم القيامة في النار"، مانع الزكاة: هو المماطل بها الممتنع من أدائها، تقدم ذلك.
قوله: رواه الطبراني عن سعد بن سنان ويقال فيه: سنان بن سعد.
قوله: رُوي عن عائشة وتقدم الكلام على عائشة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما خالطت الصدقة أو قال الزكاة مالا إلا أفسدته" قد ذكر الحافظ
(1)
فيه احتمالين: أَحَدُهُمَا: أَنَّ الصَّدَقَةَ مَا تُرِكَتْ فِي مَالٍ وَلَمْ تَخْرُجْ مِنْهُ إِلَّا أَهْلَكَتْهُ، وَيَشْهَدُ لِهَذَا الإحتمال حَدِيثُ عُمَرَ الْمُتَقَدِّمُ": ما تلف مال .. الحديث. الاحتمال الثاني: أَنَّ الرَّجُلَ يَأْخُذُ الزكاة وهو غني عَنْهَا، فَيَضَعُهَا مَعَ مَالِهِ فَتُهْلِكُهُ، وَبِهَذا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ. ا. هـ.
وقال الشافعي
(2)
: يعني أن خيانة الصدقة تتلف المال المخلوط بها وقيل أراد تحذير العمال عن الخيانة في شيء منها [وقيل أن يأخذ الزكاة وهو غني] وقيل هو حث على تعجيل أداء الزكاة من قبل أن تخلط بالمال بعد وجوبها فيه فيذهب [به وقيل: أراد تحذير العمال عن اختزال شيء منها وخلطهم إياه
(1)
أي المنذري.
(2)
الأم (2/ 62).
بها] قاله: ابن الأثير وغيره
(1)
.
قوله وروى عن ابن عمر تقدم الكلام على ابن عمر.
قوله: "ظَهَرَتْ لهم الصلاة فقبلوها، وخَفِيَت لهم الزكاة فأَكلوها، أُولئك هم المنافقون"
(2)
.
قوله: وعن بريدة (هو أبو عبد اللّه، ويقال: أبو سهل، بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، الأسلمي. سكن المدينة، ثم البصرة، ثم مرو، وتوفى بها سنة اثنتين وستين، وهو آخر من توفى من الصحابة، رضي الله عنهم، بخراسان. روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديث، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بأحد عشر. أسلم بريدة قبل بدر، ولم يشهدها، وقيل: أسلم بعدها.
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم اللّه بالسنين".
جمع: سنة وهو العام المقحط الذي لم تنبت الأرض فيه، شيئًا سواء وقع قطر أو لم يقع.
قوله: صلى الله عليه وسلم "لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم" المراد بالفاحشة الزنا.
(1)
النهاية (2/ 63) و (5/ 270)، وغريب الحديث (2/ 500)،
(2)
أخرجه البزار (كشف الأستار)(1/ 419 رقم: 883) وقال الهيثمي في المجمع (3/ 64): رَوَاهُ الْبَزَّارُ، وَفِيهِ عَبْدُ اللّهِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْغِفَارِيُّ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. قال الألباني في ضعيف الترغيب (470): موضوع.
(3)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 133 ترجمة 81).
قوله صلى الله عليه وسلم: "وَلا نقضوا عهد اللّه وعهد رَسُوله إِلَّا سلط عَلَيْهِم عَدوا من غَيرهم" والمراد بنقض العهد الغدر.
1146 -
وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم: "خمس بِخمْس، قيل يَا رَسُول اللّه مَا خمس بِخمْس قَالَ مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا سلط عَلَيْهِم عدوهم وَمَا حكمُوا بِغَيْر مَا أنزل اللّه إِلَّا فَشَا فيهم الْمَوْت وَلا منعُوا الزَّكَاة إِلَّا حبس عَنْهُم الْقطر وَلا طَفَّفُوا الْمِكْيَال إِلَّا حبس عَنْهُم النَّبَات وَأخذُوا بِالسِّنِينَ "رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَسَنَده قريب من الْحسن وَله شَوَاهِد
(1)
.
"السنين": جمع سنة وَهِي الْعَام المقحط الَّذِي لم تنْبت الأرْض فِيهِ شَيْئًا سَوَاء وَقع قطر أَو لم يَقع.
قوله وعن ابن عباس تقدم الكلام على ابن عباس.
قوله صلى الله عليه وسلم: "خمس بِخمْس، قيلَ يَا رَسُول اللّه مَا خمس بِخمْس قَالَ مَا نقض قوم الْعَهْد إِلَّا سلط عَلَيْهِم عدوهم" تقدم في الحديث قبله. قوله: "وَلا طَفَّفُوا الْمِكْيَال إِلَّا حبس عَنْهُم النَّبَات".
قال الواحدي
(2)
: الْمُطَفِّفُ الذي ينقص في الميكال والميزان.
وقال الزجاج
(3)
: وإنما قيل للذي ينقص المكيال والميزان مُطَفِّفُ لأنه
(1)
الطبراني في الكبير (10992)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 65)، رواه الطبراني وفيه إسحاق بن عبد اللّه بن كيسان المروزي، لينه الحاك وبقية رجاله موثقون وفيهم كلام، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (763).
(2)
التفسير الوسيط للواحدي (4/ 445).
(3)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج (3/ 72).
[لا] يكاد يسرق في المكيال والميزان إلا الشيء اليسير الطفيف وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في بابه.
1147 -
وَعَن عبد اللّه بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ لا يكوى رجل بكنز فيمس دِرْهَم درهمًا وَلَا دِينَارا يُوسع جلده حَتَّى يوضع كلّ دِينَار وَدِرْهَم على حِدته، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفًا بِإِسْنَاد صَحِيح
(1)
.
1148 -
وَعنهُ رضي الله عنه: قَالَ: من كسب طيبًا خبثه منع الزَّكاة وَمن كسب خبيثًا لم تطيبه الزَّكاة، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير مَوْقُوفًا بِإِسْنَاد مُنْقَطع
(2)
.
1149 -
وَعَن الأحْنَف بن قيس رضي الله عنه: قَالَ جَلَست إِلَى ملإ من قُرَيْش فجَاء رجل خشن الشّعْر وَالثِّيَاب والهيئة حَتَّى قَامَ عَلَيْهِم فَسلم ثمَّ قَالَ بشر الكانزين برضف يحيى عَلَيْهِ فِي نَار جَهَنَّم ثمَّ يوضع على حلمة ثدي أحدهم حَتَّى يخرج من نغض كتفه وَيُوضَع على نغض كتفه حَتَّى يخرج من حلمة ثديه فيتزلزل ثمَّ ولى فَجَلَسَ إِلَى سَارِيَة وتبعته وَجَلَست إِلَيْهِ وَأَنا لا أَدْرِي من هُوَ فَقلت لا أرى الْقَوْم إِلَّا قد كَرهُوا الَّذِي قلت، قَالَ إِنَّهُم لا يعْقلُونَ شَيْئا، قَالَ لي خليلي، قلت من خَلِيلك قَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أتبصر أحدا قَالَ فَنَظَرت إِلَى الشَّمْس مَا بَقِي من النَّهَار وَأَنا أرى أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يُرْسِلنِي فِي حَاجَة لَهُ
(1)
الطبراني في الكبير (8754)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 65)، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات.
(2)
الطبراني في الكبير (9596)، وعبد الرزاق في المُصَنف (7148)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 65)، وإسناده منقطع.
قلت نعم، قَالَ مَا أحب أَن لي مثل أحد ذَهَبا أنفقهُ كُله إِلَّا ثَلَاثَة دَنَانِير وَإِن هَؤُلاءِ لا يعْقلُونَ إِنَّمَا يجمعُونَ الدُّنْيَا لا وَاللّه لا أسألهم دنيا وَلا أستفتيهم عَن دين حَتَّى ألْقى اللّه عز وجل، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(1)
.
1150 -
وَفِي رِوَايَة لمُسلم أَنه قَال: بشر الكانزين بكي فِي ظُهُورهمْ يخرج من جنُوبهم وبكي من قبل أقفائهم حَتَّى يخرج من جباههم، قَالَ ثمَّ تنحى فَقعدَ، قَالَ قلت من هَذَا قَالُوا هَذَا أَبُو ذَر، قَالَ فَقُمْت إِلَيْهِ فَقلت مَا شَيْء سَمِعتك تَقول قبيل قَالَ مَا قلت إِلَّا شيْئا قد سمعته من نَبِيّهم صلى الله عليه وسلم قَالَ قلت مَا تَقول فِي هَذَا الْعَطاء قَالَ خُذْهُ فَإِن فِيهِ الْيَوْم مَعُونَة فَإِذا كَانَ ثمنا لدينك فَدَعْهُ
(2)
.
"الرضف" بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة هُوَ الْحِجَارَة المحماة.
"والنغض" بِضَم النُّون وَسُكُون الْغَيْن الْمُعْجَمَة بعْدهَا ضاد مُعْجمَة وَهُوَ غضروف الْكَتف.
قوله وعن عبد اللّه بن مسعود تقدم الكلام على عبد اللّه بن مسعود.
قوله: رضي الله عنه: لا يكوى رجل بكنز فيمس درهم درهمًا ولا دينار دينارا يوسع جلده حتى يوضع كلّ دينار ودرهم على حدته أي وحده.
قوله: وعن الأحنف بن قيس بالحاء المهملة والنون هو أبو بحر واسمه الضحاك بن قيس بن معاوية بن حصين التميمي البصري كان من سادات التابعين والأحنف لقب أدرك زمن النبي صلى الله عليه وسلم على عهده ولم يصحبه وفد
(1)
البخاري (1407)، ومسلم (992).
(2)
مسلم (992)، وجامع الأصول (449).
على عمر وكان الإمامان الحسن وابن سيرين في حينه قال الأحنف: (بَيْنَا أَنَا أَطُوْفُ بِالبَيْتِ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ، إِذْ لَقِيَنِي رَجُلٌ مِنْ بَنِي لَيْثٍ فَأَخَذَ بِيَدِي فَقَالَ: إلَّا أُبَشِّرُكَ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: أَمَا تَذْكُرُ إِذْ بَعَثَنِي رَسُوْلُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى قَوْمِكَ بَنِي سَعْدٍ أَدْعُوْهُم إِلَى الإِسْلَامِ، فَجَعَلْتُ أُخْبِرُهُم، وَأَعْرِضُ عَلَيْهِم، فَقُلْتَ: إِنَّهُ يَدْعُو إِلَى خَيْرٍ، وَمَا أَسْمَعُ إلَّا حَسَنًا؟ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلأَحْنَفِ" فَكَانَ الأَحْنَفُ يَقُوْلُ: "فَمَا شَيْءٌ أَرْجَى عِنْدِي مِنْ ذَلِكَ
(1)
. ولد الأحنف ملتزق [الاليتين] حتى شق ما بينهما وكان أعور توفي سنة سبع وستين بالكوفة وقال: ابن قتيبة في كتاب المعارف
(2)
: إنّ الأحنف لما أتى النبيُّ صلى الله عليه وسلم وفد بنى تميم يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوا. فقال لهم الأحنف: إنه ليدعوكم إلى مكارم الأخلاق، وينهاكم عن ملائمها، فأسلموا.
قوله: روى عن عمر وعثمان وكان سيد (قومه) مطاعا [وكان أعور أحنف، دميما قصيرا كوسجا وله بيضة واحدة وكان من أشد الناس [على] معاوية.
[قوله:] قال: جلست إلى ملأ من قريش، الملأ مقصور (وهم) الأشراف والملاء من القوم وجوههم وأشرافهم وأصل الملأ الجماعة من الناس ولا واحد له من لفظه كالإبل والخيل والجيش والرهط وجمعه أملاء قال الشاعر:
الأملاء وافتتح الدعاءا
…
لعل اللّه يكشف ذا البلاءا
(3)
(1)
سبق تخريجه.
(2)
المعارف (ص 423).
(3)
تفسير الثعلبي (2/ 208).
[قوله:] فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة هو بالخاء المعجمة والشين المعجمة ونقله القاضي عياض
(1)
هكذا عن الجمهور وهو من الخشونة وفي بعضها حسن بالحاء والسين المهملتين حتى قام عليهم فسلم أي وقف (عليهم) ثم قال: بشر الكانزين أي الجماعين ويروي الكانزين بالنون من الكنز وفي بعضها الكنازين قال في النهاية: هُم جَمْع: كَنَّاز، وَهُوَ المُبالِغ فِي كَنْز الذَّهب والفِضة، وادِّخارِهِما وتَرْك إنفاقِهِما فِي أَبْوَابِ البِرِّ.
وَمِنْهُ قَوْلُهُ "لا حَولَ وَلا قُوّةَ إِلَّا بِاللّهِ كَنْز مِنْ كنُوز الْجَنَّةِ
(2)
" أَيْ أجْرُها مُدَّخَر لِقَائِلِهَا والمُتَّصِف بِهَا، كَمَا يُدَّخَر الكَنْز"
(3)
. والمراد بها يدخر لقائله
(1)
ينظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 286).
(2)
صحيح البخاري (6384).
(3)
النهاية (4/ 203). قال الإمام النووي رحمه الله: قال العُلماء: سبب ذلك أنّها كلمة اسْتسلام وتفويض إلى اللّه تعالي، واعْتراف بالإذعان له، وأنّه لا صانع غيره، ولا رادّ لأمره، وأنّ العبد لا يملك شيئًا من الأمر، ومعنى الكنز هنا: أنّه ثواب مدّخر في الجنّة، وهو ثواب نفيس، كما أنّ الكنز أنفس أموالكم. وقال الإمام ابن القيّم رحمه الله: لمّا كان الكنز هو المال النفيس المجتمع الذي يخفى على أكثر النّاس، وكان هذا شأن هذه الكلمة، كانت كنزًا من كنوز الجنة، فأوتيها النبي صلى الله عليه وسلم من كنز تحت العرش، وكان قائلها أسلم واستسلم لمن أزمّة الأمور بيديه، وفوّض أمره إليه. (لا حول ولا قوة إلا باللّه) معناها كما جاء في حديث صححه بعضهم (لا حول عن معصية اللّه إلا بعصمة اللّه ولا قوة على طاعة اللّه إلا بعون اللّه) وقال الإمام ابن رجب رحمه الله (فإنَّ المعنى: لا تحوّل للعبد من حال إلى حال، ولا قوة له على ذلك إلَّا باللّه، وهذه كلمة عظيمة وهي كنز من كنوز الجنّة.
من الأجر والتواب ما يقع له في الجنة موقع الكنز في الدنيا [وَفِي شعْرِ حُمَيْد بْنِ ثَور:
........................
…
فَحَمَّلَ الْهَمَّ كنَازًا جَلْعَدَا
(1)
الكِناز: المُجْتَمِع اللَّحْم القَوِيَّة. وَكُلُّ مجْتمع مُكْتَنِز. ويُرْوَى بِاللَّامِ.
تنبيه: الكنز من المال ضم بعضه على بعض وخزن وفي الشرع فقالوا "كلّ مال لم تؤد زكاته" فهو كنز وإن كان على وجه الأرض، وقع عند الهروي: الكاثرين بالثاء المثلثة من الكثرة والأول أولى لأنه إنما يقال لكثير المال مكثر لا كاثر.
وأما الكاثر: فهو الشيء الكثير ويقال كثير وكاثر وكثار ومنه قول الشاعر: فإنما العزة للكاثرة برضف قد ضبطه الحافظ وفسره يقال الرضف الحجارة المحياة وقال: غيره الحجارة المحماة على النار واحدتها رضفة.
(وقوله) يحمى عليه أي يوقد عليه واللّه أعلم.
(وقوله)"ثُمَّ يُوضَعُ عَلَى حَلَمَةِ ثَدْيِ أَحَدِهِمْ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ نُغْضِ كَتِفِهِ، وَيُوضَعُ عَلَى نُغْضِ كَتِفِهِ حَتَّى يَخْرُجَ مِنْ حَلَمَةِ ثَدْيِهِ"، "حلمة الثدي": الأنبوبة التي يخرج منها اللبن، وتسمى السعدانة قاله القرطبي
(2)
وقال عياض
(3)
: الحلمة رأس الثدي للمرأة والثندوة للرجل وحلمتا الثدي الناتئان
(1)
وقبله: مِنْ سَاعَةٍ لَمْ يَكُ إِلَّا مُقْعَدَا،
…
انظر معرفة الصحابة لأبي نعيم (2330).
(2)
ينظر: تفسير القرطبي (6/ 111).
(3)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).
منه والثدي يذكر ويؤنث وهي للمرأة وللرجل أيضًا.
ونغض الكتف قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: هو غضروف الكتف ا. هـ
ورأيت في حياة الحيوان: النُّغْض: بكسر النون وفتحها وقال غيره: غضروف الكتف هو بضم الغين وسكون الضاد المعجمتين وضم الراء المهملة ثم الواو والفاء وهو رأس لوح الكتف والنغض: هو عظم رقيق على طرف الكتف وهو الناغض سمي بذلك لحركته من قوله: أنغض رأسه أي حركه.
وقال الخطابي
(1)
: نغض الكتف الشاخص منه وأصل النقض الحركة وسمي ذلك الموضع من الكتف نقضا لأنه يتحرك من الإنسان في مشيئه وتصرفه ومنه قوله تعالى: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ}
(2)
أي يحركونها استهزاء قوله: فيتزلزل بزاءين معجمتين أي يتحرك ويضطرب يعني الرضف وهو الحجارة المحماة حتى تخرج من الجانب الآخر والزلزلة في الأصل الحركة العظيمة والإزعاج الشديد ومنه زلزلة الأرض فإذا كان هذا حال من منع جزءا يسيرا من أصل ماله فكيف حال من يأخذ أموال الناس بلا حق نعوذ باللّه تعالى من مخالفة أمر اللّه وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
[قوله] ثم ولى فجلس إلى سارية، ولى: بمعنى أدبر، والسارية: الأسطوانة.
(وقوله) واللّه لا أسئلهم دنيا أي لا أطمع في دنياهم [ولا أسألهم شيئًا من
(1)
ينظر: معالم السنن (2/ 43).
(2)
سورة البقرة، الآية:51.
متاعها [ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى اللّه أي لا أسئلهم عن أحكام الدين أي أقنع من الدنيا بالبلغة وأرضى باليسير مما سمعتُ من العلم من رسول صلى الله عليه وسلم؟
(1)
وَأَنَا أُرَى أَنَّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يُرْسِلُنِي فِي حَاجَةٍ لَهُ، أُرَى: بضم الهمزة أي أظن فظاهر الحديث أن أبا ذر أراد الاحتجاج لمذهبه في أن الكنز كلّ ما فضل عن حاجة الإنسان هذا هو المعروف من مذهب أبي ذر وروى عنه غيره والصحيح الذي عليه الجمهور أن الكنز هو المال الذي لم تؤد زكاته وأما ما أديت فليس بكنز سواء كثر أم قل وقال القاضي عياض
(2)
: وحمل إنكاره هذا إنما هو على ما أخذه السلاطين لأنفسهم وجمعوه لهم من بيت المالى وغيره ولا ينفقونه في وجوهه ولذلك هجرهم وقال: لا أسئلهم دنيا ولا استفيتهم عن دين حتى ألقى اللّه عز وجل.
وهذا الذي قاله القاضي عياض
(3)
باطل لأن السلاطين في زمنه لم تكن هذه صفتهم ولم يخونوا في بيت المال إنما كان في زمنه أبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم وتوفى في زمن عثمان في سنة ثنتين وثلاثين.
[قوله] ما تقول في هذا العطاء قال: خذه فإن فيه اليوم معونة العطاء الذي سئل عنه أبو ذر هو ما يعطاه الرجل من بيت المال على وجه يستحقه وهو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعمر: "مَما آتَاكَ اللّهُ عز وجل مِنْ هَذَا
(1)
بياض بمقدار سطر ونصف.
(2)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 77).
الْمَالِ مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ، وَلا إِشْرَافٍ، فَخُذْهُ، فَتَمَوَّلْهُ، أَوْ تَصَدَّقْ بِهِ، وَمَا لَا فَلَا تُتْبِعْهُ نَفْسَكَ"
(1)
.
[وقوله:]: "فإذا كان ثمنًا لدِينِك فدعه"؟ أي: إذا كنت لا تتوصل إليه إلا بوجه غير جائز، فلا تلتفت إليه، فإن سلامة الدِّين أهمُّ من نيل الدنيا، فكيف إذا انتهى الأمر، إلى أن لا يسلم دِينٌ ولا تنال دنيا؟! ومن أخسر صفقة ممن خسر الآخرة والأولى! نعوذ باللّه من سخطه.
(2)
قوله: "فَالْتَفَتَ فَرَآنِي فَقَالَ مَنْ هَذَا؟ فَقُلْتُ أَبُو ذَرٍّ"، فِيهِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِكُنْيَتِهِ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا بِهَا دُونَ اسْمِهِ وَقَدْ كَثُرَ مِثْلُهُ فِي الْحَدِيثِ واللّه أعلم وفي الحديث عن عبد اللّه بن عمرو قال: سمعتُ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "ما أقلت الغبراء ولا أظلت الخضراء من رجل أصدق من أبي ذر" رواه الترمذي
(3)
الغبراء الأرض والخضراء السماء واللهجة من اللسان ولهجة الشيء إذا أولع به ا. هـ.
(1)
سبق تخريجه.
(2)
المفهم (9/ 4).
(3)
سبق تخريجه.