المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٥

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

- ‌فصل

- ‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزل لها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جَاءَهُ شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فِي قبُوله سِيمَا إِن كَانَ مُحْتَاجا وَالنَّهْي عَن رده وَإِن كَانَ غَنِيا عَنهُ

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

- ‌[الترغيب في صدقة السر]

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌[الترغيب في القرض وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

- ‌الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

- ‌فصل

- ‌الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصوم الترغيب في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام رَمَضَان احتسابا وَقيام ليله سِيمَا لَيْلَة الْقدر وَمَا جَاء فِي فَضله

- ‌التَّرْهِيب من إفطار شَيْء من رَمَضَان من غير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم سِتّ من شَوَّال

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام يَوْم عَرَفَة لمن لم يكن بهَا وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَنْهَا لمن كَانَ بهَا حَاجا

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام شهر الله الْمحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم شعْبَان وَمَا جَاءَ فِي صِيَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفضل لَيْلَة نصفه

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوم ثلاثة أَيَّام من كل شهر سِيمَا الْأَيَّام الْبيض

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخمِيس

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الأرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت والأحد وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن تَخْصِيص الْجُمعَة بِالصَّوْم أَو السبت

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم وَهُوَ صَوْم دَاوُد عليه السلام

- ‌ترهيب الْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا أَن تستأذنه

- ‌ترهيب الْمسَافِر من الصَّوْم إِذا كَانَ يشق عَلَيْهِ وترغيبه فِي الْإِفْطَار

- ‌التَّرْغِيب فِي السّحُور سِيمَا بِالتَّمْرِ

الفصل: ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

الأصل في هذا الباب قول الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(1)

والعسرة ضيق الحال من جهة [عدم المال ومنه جيش العسرة، والنظرة التأخير] والميسرة مصدر بمعنى اليسر

(2)

ا. هـ.

1335 -

عَن أبي قَتَادَة رضي الله عنه أَنه طلب غريما لَهُ فتوارى عَنهُ ثمَّ وجده فَقَالَ إِنِّي مُعسر قَالَ آللهُ قَالَ آللهُ قَالَ فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من سره أَن ينجيه الله من كرب يَوْم الْقِيَامَة فلينفس عَن مُعسر أَو يضع عَنهُ رَوَاهُ مُسلم وَغَيره

(3)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط بِإِسْنَاد صَحِيح وَقَالَ فِيهِ من سره أَن ينجيه الله من كرب يَوْم الْقِيَامَة وَأَن يظله تَحت عَرْشه فَلْينْظر مُعسرا

(4)

.

قوله: وعن أبي قتادة اسمه (الحارث بن ربعي بن بلدمة ابن خناس بن سنان بن عبيد بن عدي بن غنم بن كعب بن سلمة السلمي المدني، فارس رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: اسمه الحارث بن ربعي، وقيل: النعمان بن ربعي، وقيل: عمرو بن ربعي والمشهور الأول، وأمه كبشة بنت مطهر بن حرام بن سواد بن غنم ابن كعب بن سلمة، وقيل: كبشة بنت عباد بن مطهر، شهد أحدا والخندق وما بعد ذلك من

(1)

سورة البقرة، الآية:280.

(2)

تفسير ابن عطية (1/ 376)، وتفسير القرطبي (3/ 373).

(3)

مسلم (1563).

(4)

الطبراني في الأوسط (4592)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (893).

ص: 449

المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مات بالمدينة سنة أربع وخمسين وقيل: بل مات في خلافة علي بن أبي طالب بالكوفة، وكان شهد معه مشاهده كلها وهو ابن سبعين سنة وصلى عليه علي، وهو ممن غلبت عليه كنيته

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفس عن معسر أو يضع عنه" والتنجية الخلاص والكرب بضم الكاف وفتح الراء جمع كربة والكربة هو الغم الذي يأخذ بالنفس

(2)

ومعنى تنفيس الكرب عن المعسر أن يؤخر مطالبته وأما الوضع عنه فالبراءة من الدين أو من بعضه

(3)

.

1336 -

وَعَن حُذَيْفَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تلقت الْمَلَائِكَة روح رجل مِمَّن كَانَ قبلكُمْ فَقَالُوا عملت من الْخَيْر شَيْئا قَالَ لا قَالُوا تذكر قَالَ كنت أداين النَّاس فآمر فتياني أَن ينْظرُوا الْمُعسر ويتجوزوا عَن الْمُوسر قَالَ قَالَ الله تجاوزوا عَنهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ

(4)

.

1337 -

وَفِي رِوَايَة لمُسلم وَابْن مَاجَه عَن حُذَيْفَة أَيْضا أن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن رجلا مَاتَ فَدخل الْجنَّة فَقيل لَهُ مَا كنت تعْمل قَالَ فإمَّا ذكر وَإِمَّا ذكر فَقَالَ كنت أبايع النَّاس فَكنت أنظر الْمُعسر وأتجوز في السِّكَّة أَو فِي النَّقْد فغفر لَهُ

(5)

.

(1)

جامع الأصول (12/ 284)، وتهذيب الكمال (34/ ترجمة 7574).

(2)

الصحاح (1/ 211).

(3)

شرح النووي على مسلم (10/ 227)، والمفاتيح (3/ 462)، وشرح المشكاة (7/ 2172)، وشرح المصابيح (3/ 449).

(4)

البخاري (2077)، ومسلم (1560).

(5)

مسلم (11560)، وابن ماجه (2420).

ص: 450

1338 -

وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ وَمُسلم عَنهُ أَيْضا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِن رجلا مِمَّن كانَ قبلكُمْ أَتَاهُ الْملك ليقْبض روحه فَقَالَ هَل عملت من خير قَالَ مَا أعلم قيل لَهُ انْظُر قَالَ مَا أعلم شَيْئا غير أَنِّي كنت أبايع النَّاس فِي الدُّنْيَا فَأنْظر الْمُوسر وأتجاوز عَن الْمُعسر فَأدْخلهُ الله الْجنَّة فَقَالَ أَبُو مَسْعُود وَأَنا سمعته يَقُول ذَلِك

(1)

.

1339 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ أُتِي الله بِعَبْد من عباده آتَاهُ الله مَالا فَقَالَ لَهُ مَاذَا عملت فِي الدُّنْيَا قَالَ: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}

(2)

قَالَ يَارب آتيتني مَالا فَكنت أبايع النَّاس وَكَانَ من خلقي الْجَوَاز فَكنت أيسر على الْمُوسر وَأنْظر الْمُعسر فَقَالَ الله تَعَالَى أَنا أَحَق بذلك مِنْك تجاوزوا عَن عَبدِي فَقَالَ عقبَة بن عَامر وَأَبُو مَسْعُود الْأنْصَارِيّ هَكَذَا سمعناه من فِي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ مُسلم هَكَذَا مَوْقُوفا على حُذَيْفَة وَمَرْفُوعًا عَن عقبَة وَأبي مَسْعُود

(3)

.

قوله: وعن حذيفة تقدم الكلام على حذيفة.

قوله: قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجوزوا عن الموسر قال قال الله تجاوزوا عنه، وفي رواية: أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسر، وأتجاوز في السكة أو في النقد، السكة بالكسر هي سكة الدراهم المنقوشة وكذلك سكة النخل وهي الطريقة المصطفة منه وسكة

(1)

البخاري (3451)، ومسلم (1560).

(2)

سورة النساء، الآية:42.

(3)

مسلم (1560).

ص: 451

الأرض وهي الحديدة التي تحرث بها الأرض

(1)

والنقد ثمن المشتري إذا قدم لأنه ينتقد ويختبر قاله: عياض

(2)

.

فقوله: فتياني معناه غلماني كما صرح به في الرواية الأخرى والتجاوز والتجوز معناه المسامحة في الإقتضاء والاستيفاء وقبول ما فيه نقص يسير كما قال وأتجوز في السكة وفي هذه الأحاديث فضل إنظار المعسر والوضع عنه إما كل الدين وإما بعضه من كثير أو قليل وفضل المسامحة بها الإقتضاء وفي الاستيفاء سواء استوفى من موسر أو معسر وفضل الوضع من الدين وأنه لا يحتقر شيء من أفعال الخير ولعله سبب السعادة والرحمة وفيه جواز توكيل العبيد والإذن لهم في التصرف وهذا على قبول من يقول شرع من قبلنا شرع لنا

(3)

.

قوله: في الرواية المتقدمة: كنت أقبل الميسور وأتجاوز عن المعسور أي آخذ ما تيسر وأسامح فيما تعسر

(4)

.

قوله: فكنت أيسر على الموسر وأنظر المعسر الحديث أيسر أي أسامحه وأعامله بالمياسرة كما قال: أتجاوز

(5)

ا. هـ.

(1)

أعلام الحديث (2/ 1148)، وغريب الحديث (1/ 457)، والصحاح (4/ 1590 - 1591)، ومشارق الأنوار (2/ 216).

(2)

مشارق الأنوار (2/ 25).

(3)

شرح النووي على مسلم (10/ 224).

(4)

شرح النووي على مسلم (10/ 225).

(5)

مشارق الأنوار (2/ 305)، ومطالع الأنوار (6/ 286).

ص: 452

قوله: فأمر فتياني أن ينظروا.

تنبيه: فإن قلت ما حد الموسر قلت: اليسار أمر اعتباري يختلف باختلاف الأحوال فقيل أنه الذي يملك نصاب الزكاة وقيل من [لا تحل] الزكاة وقيل من يجد فاضلا عن ثوبه وقوته ومسكنه وخادمه ودينه

(1)

.

1340 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ كَانَ رجل يداين النَّاس وَكَانَ يَقُول لفتاه إِذا أتيت مُعسرا فَتَجَاوز عَنهُ لَعَلَّ الله عز وجل يتَجَاوَز عَنَّا فلقي الله فَتَجَاوز عَنهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(2)

.

وَالنَّسَائِيّ وَلَفظه إِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن رجلا لم يعْمل خيرا قطّ وَكَانَ يداين النَّاس فَيَقُول لرَسُوله خُذ مَا تيَسّر واترك مَا عسر وَتجَاوز لَعَلَّ الله يتَجَاوَز عَنَّا فَلَمَّا هلك قَالَ الله لَهُ هَل عملت خيرا قطّ قَالَ لَا إِلَّا أَنه كَانَ لي غُلَام وَكنت أداين النَّاس فَإِذا بعثته يتقاضى قلت لَهُ خُذ مَا تيَسّر واترك مَا عسر وَتجَاوز لَعَلَّ الله يتَجَاوَز عَنَّا قَالَ الله تَعَالَى قد تجاوزت عَنْك

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: "كان رجل يداين الناس وكان يقول: لفتاه أي لمملوكه إذا أتيت معسرا فتجاوز لعل الله يتجاوز عنا" والتجوز العفو عنه، وفي هذا الحديث تنبيه على فضيلة الإنظار والإمهال.

(1)

الكواكب الدراري (9/ 201).

(2)

البخاري (2078)، ومسلم (1562).

(3)

النسائي (7/ 318).

ص: 453

قوله: وعن ابن مسعود البدري تقدم الكلام عليه في أوائل هذا التعليق، وتقدم معنى هذا الحديث في الأحاديث قبله.

1341 -

وَعَن أبي مَسْعُود البدري رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم حُوسِبَ رجل مِمَّن كانَ قبلكُمْ فَلم يُوجد لَهُ من الْخَيْر شَيْء إِلَّا أَنه كانَ يخالط النَّاس وَكَانَ مُوسِرًا وَكَانَ يَأْمر غلمانه أَن يتجاوزوا عَن الْمُعسر قَالَ الله تَعَالَى نَحن أَحَق بذلك تجاوزوا عَنهُ رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ

(1)

.

1342 -

وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أنظر مُعسرا فَلهُ كل يَوْم مثله صَدَقَة ثمَّ سمعته يَقُول من أنظر مُعسرا فَلهُ كل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة فَقلت يَا رَسُول الله سَمِعتك تَقول من أنظر مُعسرا فَلهُ كل يَوْم مثله صَدَقَة ثمَّ سَمِعتك تَقول من أنظر مُعسرا فَلهُ كل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة قَالَ لَهُ كل يَوْم مثله صَدَقَة قبل أَن يحل الدّين فَإِذا حل فأنظره فَلهُ بِكُل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة رَوَاهُ الْحَاكِم وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(2)

.

وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم مُخْتَصرًا من أنظر مُعسرا فَلهُ كل يَوْم صَدَقَة قبل أَن يحل الدّين فَإِذا حل الدّين فأنظره بعد ذَلِك فَلهُ كل يَوْم مثلَيْهِ صَدَقَة وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرطهمَا

(3)

.

(1)

مسلم (1561)، والترمذي (1307).

(2)

أحمد (23046)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (898).

(3)

أحمد (22969)، وابن ماجه (2418)، قال البوصيري في الزوائد (2/ 246)، هذا إسناد ضعيف، نفيع بن الحارث متفق على ضعفه، قلت: وقد توبع، والله أعلم، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (898).

ص: 454

قوله: وعن بريدة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسر فله كل يوم مثله صدقة" والإنظار هو الإمهال قال: الله تعالى: {وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ}

(1)

ندب الله سبحانه وتعالى بهذه الآية إلى الصدقة عن المعسر وجعل ذلك خيرًا من إنظاره كذا قاله جمهور الناس

(2)

والإبراء من الدين من أفضل الصدقات عليه فإن قيل كيف خير بين واجب ومندوب؟

فالجواب: أن المندوب قد يفضل الواجب كالصدقة بألف دينار تطوعا فإنها أفضل من درهم من الزكاة وكذلك ابتداء السلام أفضل من رده والابتداء سنة والرد يكون واجبًا

(3)

ا. هـ.

1343 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من نفس عَن مُسلم كربَة من كرب الدُّنْيَا نفس الله عَنهُ كربَة من كرب يَوْم الْقِيَامَة وَمن يسر على مُعسر فِي الدُّنْيَا يسر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَة وَمن ستر على مُسلم فِي الدُّنْيَا ستر الله عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَالله فِي عون العَبْد مَا كَانَ العَبْد فِي عون أَخِيه رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَحسنه وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مُخْتَصرا وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(4)

.

(1)

سورة البقرة، الآية:280.

(2)

تفسير ابن عطية (1/ 377)، وتفسير القرطبي (3/ 374)، وتفسير الثعالبى (1/ 544).

(3)

الفروق وحشية ابن الشاط (2/ 127)، والأشباه والنظائر (1/ 186 - 193) للسبكي، والأشباه والنظائر (1/ 145 - 147).

(4)

مسلم (2699)، وأبو داود (4946)، والترمذي (1930)، والنسائي في الكبرى (7287)، وابن ماجه في المقدمة (225).

ص: 455

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة" وتقدم معنى تنفيس الكربة وسيأتي الكلام على بقية ألفاظ هذا الحديث في موضعه إن شاء الله تعالى.

قوله: "ومن يسر على معسر الدنيا" الحديث والتيسير على المعسر في الدنيا من جهة المال يكون بأحد أمرين إما بإنظاره إلى الميسرة وذلك واجب كما قال: تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(1)

[وتارة بالوضع] عنه إن كان [غريما وإلا فبإعطائه ما يزول به] إعساره [وكلاهما] له فضل عظيم

(2)

والله أعلم.

1344 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة أَيْضا رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من فرج عَن مُسلم كربَة جعل الله تَعَالَى لَهُ يَوْم الْقِيَامَة شعبتين من نور على الصِّرَاط يستضيء بضوءيهما عَالم لَا يحصيهم إِلَّا رب الْعِزَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَهُوَ غَرِيب

(3)

.

قوله: وروى عن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من فرج عن مسلم كربة" تقدم معنى تفريج الكربة.

(1)

سورة البقرة، الآية:280.

(2)

جامع العلوم والحكم (3/ 1008).

(3)

الطبراني في المعجم الأوسط (4504)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 193)، وفيه العلاء بن مسلمة بن عثمان وهو ضعيف.

ص: 456

1345 -

وَعنهُ رضي الله عنه أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أنظر مُعسرا أَو وضع لَهُ أظلهُ الله يَوْم الْقِيَامَة تَحت ظلّ عَرْشه يَوْم لا ظلّ إِلَّا ظله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(1)

.

وَمعنى وضع لَهُ أَي ترك لَهُ شَيْئا مِمَّا لَهُ عَلَيْهِ.

قوله: وعنه أيضًا تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرا أوضع له أظله الله يوم القيامة تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله" وتقدم الكلام على معنى الأنظار أنه الأمهال ومعنى أوضع له أي ترك له شيئا مما له عليه كذا فسره الحافظ المنذري

(2)

.

وقوله: "يوم لا ظل إلا ظله" أي ظل عرشه وقيل ظله كنفه وستره ثم الإعسار قد يكون على العدم وقد يكون على القلة بحيث لو أخذ ما عنده هتكه فإذا أنظر من هذه حاله فقد آثر على نفسه فيستحق ما للمؤثرين على أنفسهم

(3)

كذا في جمل الغرائب

(4)

.

1346 -

وَعَن أبي الْيُسْر رضي الله عنه قَالَ أَبْصرت عَيْنَايَ هَاتَانِ وَوضع أصبعيه على عَيْنَيْهِ وَسمعت أذناي هَاتَانِ وَوضع أصبعيه فِي أُذُنَيْهِ ووعاه قلبِي هَذَا

(1)

الترمذي (1306)، وأحمد (8711)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (900).

(2)

وينظر أيضًا: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 166) معالم السنن (2/ 2) الاستذكار (3/ 188).

(3)

قاله الطحاوي كما في مشكل الآثار (9/ 427).

(4)

جمل الغرائب (ص 528).

ص: 457

وَأَشَارَ إِلَى نِيَاط قلبه رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أنظر مُعسرا أَو وضع لَهُ أظلهُ الله فِي ظله رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(1)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن وَلَفظه قَالَ أشهد على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يَقُول إِن أول النَّاس يستظل فِي ظلّ الله يَوْم الْقِيَامَة لرجل أنظر مُعسرا حَتَّى يجد شَيْئا أَو تصدق عَلَيْهِ بِمَا يَطْلُبهُ يَقُول مَالِي عَلَيْك صَدَقَة ابْتِغَاء وَجه الله ويخرق صَحِيفَته

(2)

.

قَوْله ويخرق صَحِيفَته أَي يقطع الْعهْدَة الَّتِي عَلَيْهِ.

قوله: وعن أبي اليسر واسم أبي اليسر كعب بن عمرو.

قوله رضي الله عنه: أبصرت عيناي هاتان ووضع أصبعيه على عينيه وسمعت أذناي هاتان ووضع أصبعيه في أذنيه ووعاه قلبي هذا وأشار إلى نياط قلبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أراد بهذا كله المبالغة في تحقيق ضبطه إياه وتيقنه زمانه ومكانه ولفظه

(3)

.

تنبيه: قال: العلماء إسناد الفعل إلى الجارحة فيه دليل على تأكد صدق ذلك الخبر وبعده عن الشك والتهمة فإنه إذا قال: سمعت ربما يوهم الخطأ

(1)

ابن ماجه (2419)، والحاكم (2/ 28)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (901).

(2)

الطبراني في الكبير (377)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 134)، وإسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (901).

(3)

شرح النووي على مسلم (9/ 127).

ص: 458

بخلاف ما إذا قال: سمعت أذناى ووعى قلبي ونحو ذلك

(1)

ذكره ابن العماد في شرح العمدة.

قوله: وأشار إلى نياط قلبه النياط بكسر النون وتخفيف الياء هكذا هو في بعض النسخ المعتمدة وفي بعض النسخ مناط قلبه بفتح الميم ومعناهما واحد وهو عرق معلق بالقلب

(2)

قال الله تعالى: {ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46)}

(3)

قيل هو نياط القلب وهو حبل الوريد إذا قطع مات صاحبه قاله الكرماني

(4)

وقال: القاضي عياض

(5)

النياط هو الأبهر وهو عرق يكتنف الصلب والقلب متصل به وإذا انقطع فلا حياة لصاحبه ا. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرًا أو وضع له أظله الله في ظله" تقدم تفسير ذلك.

قوله: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم لسمعته يقول "إن أول الناس يستظل في ظل الله يوم القيامة لرجل أنظر معسرا حتى يجد شيئا أو تصدق عليه بما يطلبه يقول مالي عليك صدقة ابتغاء وجه الله ويخرق صحيفته" أي يقطع العهدة التي عليه كذا فسره الحافظ المنذري رحمه الله.

(1)

انظر إحكام الأحكام (2/ 60)، والعدة (2/ 970 - 971)، ورياض الأفهام (3/ 598).

(2)

شرح النووي على مسلم (18/ 135).

(3)

سورة الحاقة، الآية:46.

(4)

الكواكب الدراري (15/ 164).

(5)

مشارق الأنوار (1/ 102).

ص: 459

1347 -

وَرُوِيَ عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أَرَادَ أَن تستجاب دَعوته وَأَن تكشف كربته فليفرج عَن مُعسر رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب اصطناع الْمَعْرُوف

(1)

.

قوله: وروى عن ابن عمر تقدم الكلام على ابن عمر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أراد أن تستجاب دعوته وأن تكشف كربته فليفرج عن معسر" وتقدم معنى تفريج الكربة.

1348 -

وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أنظر مُعسرا إِلَى ميسرته أنظرهُ الله بِذَنبِهِ إِلَى تَوْبَته رَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط

(2)

.

قوله: وروى عن ابن عباس تقدم الكلام على ابن عباس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرًا إلى ميسرته أنظر الله بذنبه إلى توبته" وتقدم معنى الإنظار أنه الإمهال.

1349 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول هَكَذَا وَأَوْمَأَ أَبُو عبد الرَّحْمَن بِيَدِهِ إِلَى الأَرْض من أنظر مُعسرًا أَو وضع لَهُ وَقَاه الله

(1)

أحمد (4749)، وعبد بن حميد (826)، وأبو يعلى (5713)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5387).

(2)

الطبراني في الكبير (11330)، وفي الأوسط (2217)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 135)، وفيه الحكم بن الجارود، ضعفه الأزدي، وشيخ الحكم وشيخ شيخه لم أعرفهما، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5490).

ص: 460

من فيح جَهَنَّم رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد

(1)

.

وَابْن أبي الدُّنْيَا فِي اصطناع الْمَعْرُوف وَلَفظه قَالَ دخل رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِد وَهُوَ يَقُول أَيّكُم يسره أَن يَقِيه الله عز وجل من فيح جَهَنَّم قُلْنَا يَا رَسُول الله كلنا يسره قَالَ من أنظر مُعسرا أَو وضع لَهُ وَقَاه الله عز وجل من فيح جَهَنَّم

(2)

.

قوله: وعنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسرا أو وضع له وقاه الله من فيح جهنم" الحديث فيح جهنم هو بفاء مفتوحة ثم مثناة تحت ساكنة ثم بحاء مهملة أي سطوع حرها وانتشاره وغليانها وفاحت القدر تفيح وتفوح إذا غلت وقد أخرجه مخرج التشبيه والتمثيل أي كأنه نار جهنم في حرها قاله في النهاية

(3)

وجهنم هي الطبقة العليا من النار يدخلها عصاة الموحدين والنار

(4)

سبع دركات أولها جهنم ثم الجحيم ثم السعير ثم لظى ثم سقر تم الحطمة ثم الهاوية وقد نظمها ابن العماد في بيتين:

(1)

أحمد (3015)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 133)، رواه أحمد وفيه عبد الله بن جعونة السلمي، ولم أجد من ترجمه، وبقية رجاله رجال الصحيح، قلت: إنما هو نوح بن جعونة السلمي، وهو نوح بن أبي مريم، ينظر ترجمته في الميزان، وفي التقريب: كذبوه في الحديث، وقال ابن المبارك: كان يضع، والله أعلم.

(2)

ابن أبي الدنيا في قضاء الحوائج (105).

(3)

النهاية (3/ 484).

(4)

تفسير ابن عرفة (2/ 369)، وتفسير الثعلبى (5/ 458).

ص: 461

جهنم ثم الجحيم والسعر

ثم لظى أربعة ثم سفر

حاطمة وبعد هذا هاوية

بالله عز من كل نار حامية

(1)

1350 -

وَعَن أبي قَتَادَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من نفس عَن غَرِيمه أَو محى عَنهُ كَانَ فِي ظلّ الْعَرْش يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الْبَغَوِيّ فِي شرح السّنة وَقَالَ هَذَا حَدِيث حسن

(2)

. وَتقدم فِي أول الْبَاب بِنَحْوِهِ.

قوله: وعن أبي قتادة تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن غريمه أو محى كان في ظل العرش يوم القيامة" تقدم معنى تفسير هذا الحديث في الأحاديث قبله.

1351 -

وَرُوِيَ عَن عُثْمَان بن عَفَّان رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول أظل الله عبدا فِي ظله يَوْم لا ظلّ إِلَّا ظله أنظر مُعسرا أَو ترك لغارم رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد في زَوَائِد الْمسند

(3)

.

(1)

قلنا: هذا مخالف للترتيب المأثور عن ابن جريج حيث قال: النار سبع دركات أولها جهنم ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم سقر ثم الجحيم ثم الهاوية. لكل باب منهم جزء مقسوم، أي: لكل دركة قوم يسكنونها. وقال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين أدخلوا النار يعذبون بقدر ذنوبهم ثم يخرجون، وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشرك، وفي السابعة المنافقون، فذلك قوله تعالى:{إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء: 145]، تفسير الطبري (14/ 74)، وتفسير البغوي (4/ 382).

(2)

البغوي في شرح السنة (2136)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (902).

(3)

عبد الله بن أحمد في زوائد المسند (533)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 133)، وفيه عباس ابن الفضل الأنصاري، ونسب إلى الكذب، قلت: قال الحافظ في التقريب: متروك، واتهمه أبو زرعة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (920).

ص: 462

قوله: وروى عن عثمان بن عفان هو أمير المؤمنين عثمان بن عفان بن أبي العاصي بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشي الأموي المكي ثم المدني

(1)

أمه أروي بنت كريز بضم الكاف وفتح الراء من ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلم عثمان قديما دعاه أبو بكر إلى الإسلام فأسلم وهاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم هاجر إلى المدينة فهاجر بزوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الحبشة الهجرتين الأولى والثانية.

قال النووي

(2)

: روينا في تاريخ دمشق بها أحوال بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أسماء بنت أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: حين هاجر عثمان برقية والذي نفسي بيده أنه أول من هاجر بعد إبراهيم ولوط صلى الله عليهما وسلم ويقال: لعثمان ذي النورين لأنه تزوج بنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم إحداهما بعد الأخرى قالوا ولا يُعرف أحد تزوج بنتي نبي غيره تزوج رقية قبل النبوءة وتوفيت عنده في أيام غزوة بدر في شهر رمضان السنة الثانية من الهجرة وكان تأخر عن بدر لتمريضها بإذن رسول الله فجاء البشير بنصر المؤمنين ببدر يوم دفنوها بالمدينة وولدت له رقية ثم تزوج بعد وفاتها أختها أم كلثوم بنت

(1)

ينظر: تهذيب الكمال في أسماء الرجال (19/ 445) وطبقات ابن سعد: 3/ 53 - 84، وتاريخ الدوري: 2/ 394، وفضائل الصحابة لأحمد: 1/ 448 - 527، وتاريخ البخاري الكبير: 2191، والقضاة لوكيع: 1/ 110، والجرح والتعديل: 6/ الترجمة 882.

(2)

ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/ 111).

ص: 463

رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت عنده سنة تسع من الهجرة ولم تلد له شيئا روى لعثمان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وستة وأربعون حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على ثلاثة وانفرد البخاري بثمانية ومسلم بخمسة ولد عثمان في السنة السادسة بعد الفيل وقتل شهيدا يوم الجمعة لثمان عشرة خلون من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين وقيل قتل يوم الأربعاء وهو ابن تسعين سنة وقيل ثمان وثلاثين وقيل ثنتين وثمانين وقيل غير ذلك وبويع له بالخلافة غرة المحرم سنة أربع وعشرين وكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا ليالي، قال: ابن عبد البر

(1)

بويع يوم السبت بعد دفن عمر بثلاثة أيام وحج فيها بالناس عشر سنين متوالية وصلى عليه جبير بن مطعم ودفن ليلا بالبقيع واختفى قبره ذلك الوقت ثم أظهر وقيل دفن حشر كوكب قال ابن قتيبة: وهي أرض اشتراها عثمان وزادها في البقيع والحشر البستان وكوكب اسم رجل من الأنصار وقيل صلى عليه حكيم بن حزام وقيل المسور بن مخرمة وإنما دفن ليلا للعجز عن إظهار دفنه بسبب غلبة قاتليه قال: ابن قتيبة وفي زمن عثمان كانت غزوة الإسكندرية ثم سابور ثم إفريقية ثم قبوس وغير ذلك ثم حصر في ذي الحجة سنة خمس وثلاثين فحصر عشرين يوما في داره وقتل فيها وقال: الواقدي

(2)

حصروه تسعة وأربعين يوما وقال: الزبير بن بكار حصروه

(1)

الاستيعاب: 3/ 1037.

(2)

ينظر: تهذيب النووي: 1/ 321، والكاشف 3777، وتذكرة الحفاظ: 1/ 8، والعبر: 1/ 5، 10، 30، وتجريد أسماء الصحابة:4004.

ص: 464

شهرين وعشرين يوما وكان حسن الوجه رقيق البشرة كث اللحية أسمر كثير الشعر بين الطويل والقصير وكان محببا في قريش واشترى بئر رومة من يهودي بعشرين ألف درهم وسبّلها للمسلمين وجهز جيش العسرة بتسعمائة وخمسين بعيرا وبخمسين فرسا وفي كتاب الترمذي

(1)

عن عبد الرحمن بن خباب بالخاء المعجمة السلمي الصحابي قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحث على جيش العسرة فقال: عثمان بن عفان يا رسول الله عَلَيَّ هذه ثلاثمائة بعير بأحلاسها وإقتابها في سبيل الله فإنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينزل عن المنبر وهو يقول ما على عثمان ما عمل بعد هذه، وعن عبد الرحمن بن سمرة قال: جاء عثمان إلى النبي صلى الله عليه وسلم بألف دينار حين جهز جيش العسرة فنثرها في حجره ويقول "ما ضر عثمان ما عمل بعد هذا اليوم مرتين" رواه الترمذي

(2)

وعن أنس قال: لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببيعة الرضوان كان عثمان بن عفان رسول، رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل مكة فبايع الناس فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"إن عثمان في حاجة الله وفي حاجة رسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب إحدى يديه على الأخرى، فكانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم" رواه

(1)

أخرجه الترمذي (3700) وأحمد (27/ 248) وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1419)، وفي السنة (1280) الطيالسي (1189)، وابن سعد 7/ 78، وعبد بن حميد في المنتخب (311)، والبخاري في التاريخ الكبير 5/ 246،، وأبو نعيم في الحلية 1/ 58 - 59، والبيهقي في الدلائل 5/ 214. قال الألباني: ضَعِيف ينظر مشكاة المصابيح (3/ 1713).

(2)

سنن الترمذي ت بشار (3701) قال الألباني: حسن ينظر: مشكاة المصابيح (3/ 1713).

ص: 465

الترمذي

(1)

وعن كليب بن وائل عن ابن عمر قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنة فقال: يقتل فيها هذا مظلوما لعثمان رواه الترمذي

(2)

.

وعثمان بن عفان أحد العشرة المشهود لهم بالجنة واحد الخلفاء الراشدين وأحد السابقين إلى الإسلام وأحد المنفقين في سبيل الله الإنفاق العظيم وأحد أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يلبس السراويل في جاهلية ولا إسلام إلا يوم قتله وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم البارحة وأبو بكر وعمر وقالوا اصبر فإنك تفطر عندنا الليلة القابلة ثم دعا بمصحف ففتحه فقتل وهو بين يديه وأعتق عشرين مملوكا وهو محصور ومناقبه كثيرة رضي الله تعالى عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أظل الله عبد في ظله يوم لا ظل إلا ظله أنظر معسر أو ترك لغارم" تقدم الكلام على الظل وعلى إنظار المعسر.

1352 -

وَرُوِيَ عَن أسعد بن زُرَارَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سره أَن يظله الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله فلييسر على مُعسر أَو ليضع عَنهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(3)

وَله شَوَاهِد.

(1)

سنن الترمذي ت بشار (3702) قال الألباني: ضعيف ينظر: سنن الترمذي (3968).

(2)

في حاشية مسند أحمد (1/ 459): وجاء متواترًا أن النبي صلى الله عليه وسلم بَشَّره بالجنة، وعَدَّه من أهل الجنة، وشهد له بالشهادة. . . ثم ذكر هذا الحديث.

(3)

الطبراني في الكبير (899)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 134)، وفيه عاصم ضعيف، ولم يدرك أسعد بن زرارة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (903).

ص: 466

قوله: وروى عن أسعد بن زرارة [هو أبو أمامة بضم الهمزة وتخفيف الميمين أسعد بن زرارة بضم الزاي وتخفيف الرائين بن عدس بضم العين المهملة وفتح الدال المهملة وبالسين المهملة بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بفتح الغين المعجمة وسكون النون بن مالك بن النجار الأنصاري الخزرجي، ويقال له: أسعد الخير، غلبت عليه كنيته، وهو من أول الأنصار إسلاما، وكان سبب إسلامه ما ذكره الواقدي، أن أسعد بن زرارة خرج إلى مكة هو وذكوان بن عبد قيس يتنافران إلى عتبة بن ربيعة، فسمعا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأتياه، فعرض عليهما الإسلام، وقرأ عليهما القرآن فأسلما، ولم يقربا عتبة، ورجعا إلى المدينة، وكانا أول من قدم بالإسلام إلى المدينة، وشهد العقبة الأولى والثانية وبايع فيهما، وكانت العقبة الأولى في ستة نفر أو سبعة والثانية في اثني عشر رجلا، والثالثة في سبعين وهو نقيب بني ساعدة، ويقال: إنه أول من بايع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة، وكان أول من جمع الأنصار بالمدينة قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم، مات قبل بدر أيام بناء مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخذته الذبحة والمسجد يبنى فكواه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومات في تلك الأيام، وذلك في سنة إحدى، وقيل: على رأس ستة أشهر من الهجرة

(1)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "من سره أن يظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فلييسر على معسر أو ليضع عنه" تقدم الكلام أيضًا على ذلك.

(1)

جامع الأصول (12/ 141)، وأسد الغابة (1/ 86 ترجمة 98).

ص: 467

1353 -

وَرُوِيَ عَن شَدَّاد بن أَوْس رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أنظر مُعسرا أَو تصدق عَلَيْهِ أظلهُ الله فِي ظله يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(1)

.

قوله: وروى عن شداد بن أوس تقدم الكلام على شداد بن أوس في أوائل هذا التعليق في باب الرياء.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أنظر معسر أو تصدق عليه أظله الله في ظله يوم القيامة" تقدم أيضًا الكلام على الظل في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله في صدقة السر وإن المراد به ظل العرش.

(1)

الطبراني في الأوسط (4124)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 134)، وفيه يحيى بن سلام الإفريقي وهو ضعيف، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (904).

ص: 468