الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي
1241 -
عَن عَائِشَة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِن هَذَا المَال خضرَة حلوة فَمن أعطيناه مِنْهَا شَيْئا بِطيب نفس منا وَحسن طعمة مِنْهُ من غير شَره نفس بورك لَهُ فِيهِ وَمن أعطيناه مِنْهَا شَيْئا بِغَيْر طيب نفس منا وَحسن طعمة مِنْهُ وشره نفس كَانَ غير مبارك لَهُ فِيهِ، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وروى أَحْمد وَالْبَزَّار مِنْهُ الشّطْر الْأَخير بِنَحْوِهِ بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
الشره بشين مُعْجمَة محركا هُوَ الْحِرْص.
قوله: عن عائشة تقدم الكلام على عائشة رضي الله عنها.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذا المال خضرة حلوة" شبهه في الرغبة فيه والميل إليه وحرص النفوس عليه، بالفاكهة الخضراء الحلوة المستلذة فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده والحلو كذلك على انفراده فاجتماعها أشد وفيه (إشارة) إلى عدم بقائه لأن الخضروات (لا تبقى و) لا تراد للبقاء
(2)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "فمن أعطيناه منها شيئًا بطيب نفس منا وحسن طعمة منه من غير شره نفس بورك له فيه" الشره قد ضبطه الحافظ
(3)
وفسره فقال: هو الحرص [وأما قوله] بطيب نفس وأما طيب النفس فذكر القاضي [فيه احتمالين]
(1)
ابن حبان (3215)، وأحمد (24394)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 100)، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (832).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 126).
(3)
أي المنذري.
أظهرهما [أنه عائد على الآخذ] ومعناه من أخذه [بغير سؤال] ولا إشراف وتطلع [بورك له فيه] والثاني أنه [عائد إلى الدافع و] معناه من أخذه ممن يدفعه منشرحًا بدفعه [إليه] طيب النفس لا [بسؤال] اضطره إليه أو نحوه مما [لا تطيب معه نفس الدافع قوله فمن أخذه بسخاوة نفس أي بطيبها وتنزهها عن التشوف والحرص عليه وهو من السخاء يمد ويقصر يقال سخا الرجل يسخو سخاء وسخاوة إذا جاد وتكرم حكى القصر عن] الخليل ولم يذكره أبو علي [في المقصور وقد تكون] سخاوة النفس بمعنى ترك الحرص من قولهم سخيت نفسي عن الأمر أي تركته (فكأنه مما) مما تقدم أي نزهتها عنه
(1)
ا. هـ.
(والشره قد ضبطه الحافظ)
(2)
(وفسره فقال: هو الحرص).
1242 -
وَعَن مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تلحفوا فِي الْمَسْأَلَة فوَالله لَا يسألني أحد مِنْكُم شَيْئا فَتخرج لَهُ مَسْأَلته مني شَيْئا وَأَنا لَهُ كَارِه فيبارك لَهُ فِيمَا أَعْطيته، رَوَاهُ مُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا
(3)
.
1243 -
وَفِي رِوَايَة لمُسلم قَالَ وَسمعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنَّمَا أَنا خَازِن فَمن أَعْطيته عَن طيب نفس فمبارك لَهُ فِيهِ وَمن أَعْطيته عَن مَسْأَلَة وشره نفس كَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلَا يشْبع
(4)
.
(1)
مشارق الأنوار (2/ 210).
(2)
أي المنذري.
(3)
مسلم (1038).
(4)
مسلم (1037).
لَا تلحفوا: أَي لَا تلحوا فِي الْمَسْأَلَة، وعن معاوية بن أبي سفيان تقدم الكلام عليه مبسوطًا رضي الله تعالى عنه، قوله: صلى الله عليه وسلم "لا تلحفوا في المسألة فوالله ما يسألني أحد منكم شيئًا فتخرج له مسألته مني شيئًا وأنا له كاره قيبارك له فيما أعطيته" الحديث تلحفوا هو بضم المثناة من فوق وبسكون اللام وكسر الحاء المهملة وبالفاء قد فسره المنذري فقال: معناه لا تلحوا في المسألة ا. هـ. والمسألة بمعنى السؤال، وقال: جار الله العلامة الإلحاف والإلحاح وهو اللزوم وأن لا يفارق إلا بشيء يعطاه من قولهم لحفني من فضل لحافة أي أعطاني من فضل ما عنده، وقال: "الإمام أبو عبد الله القرطبي
(1)
في كتابه قمع الحرص: الملحف هو الملح يقال: الحف وأخفى وألحّ بمعنى، واشتقاقه من اللحاف من التغطية أي أن هذا السائل يعم الناس بسؤاله فيلحفهم ذلك وقد جعل سعيد بن المسيب لزوم المسجد ألحافًا فقال: من لزم المسجد وليس له ما يقيمه فقد ألحف في السؤال يعني شغل قلوب أهل المسجد بنفسه وأضرهم إلى مواساته فكأنما ألحف في السؤال فينبغي أن يعمل ويكتسب.
واختلف العلماء في معنى قوله: لا يسألون الناس إلحافًا على قولين فقال: قوم منهم الطبري
(2)
والزجاج
(3)
أن المعنى لا يسألون ألبتة وهذا على أنهم
(1)
قمع الحرص (ص 47 - 48).
(2)
تفسير الطبري = جامع البيان ت شاكر (5/ 590).
(3)
معاني القرآن وإعرابه للزجاج (1/ 356).
متعففون عن المسألة عفة تامة وعلى هذا جمهور العلماء المفسرين ويكون التعفف صفة ثابتة لهم أي لا يسألون إلحافًا ولا غير إلحاف وقال: قوم إن المراد نفي الإلحاف أي أنهم يسألون غير ملحفين وهذا هو السابق للفهم وفي هذا تنبيه على سوء حالة من يسأل إلحافًا لأنه يسأل مستكثرًا ولذلك يكون بغيضًا مقيتًا لقوة حرصه وعماه عن ربه حين اشتغل بمسألة الناس عن مسألة كريم يحب الملحين في الدعاء وألحف بسؤاله فهو يكلح وجهه عند السؤال ويبخل بالبذل عند النوال وأما سؤال غير ملحف عند الحاجة فجائز كما تقدم وقد ثبت في الصحيح قوله عليه السلام: "رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له"
(1)
الحديث ففي هذا دليل على جواز المسألة والطلب لكن من غير إلحاف وقد يكون وجه سؤال الفقير إرادة نفع الناس به لينالوا جزيل الثواب وكريم المآب لما في عطية الفقراء من الفضل.
وجاء رجل إلى الجنيد فقال: يا شيخ رأيت النورى يسأل الناس فقال: إنما يسأل لهم يعني ليؤجروا، ورأيت هذه الحكاية مطولة (وذلك كما روي أن) بعضهم رأى أبا الحسين النوري مد يده ويسأل الناس في بعض المواطن فاستعظمت ذلك واستقبحته فلما أتيت الجنيد فأخبرته فقال: لا يعظم هذا عليك فإن النوري لا يسأل الناس إلا ليعيطهم إنما سألهم ليثيبهم من الآخرة فيؤجرون من حيث لا يضره
(2)
وكأنه أشار إلى قوله صلى الله عليه وسلم "يد المعطي هي
(1)
صحيح مسلم (2622).
(2)
قوت القلوب (2/ 237 - 238).
العليا"
(1)
فقال بعضهم: يد المعطي هي يد الأخذ للمال لأنه يعطي الثواب والمدد له لا لما يأخذه من المال ثم قال: الجنيد عليه الميزان فوزن مائة درهم ثم قبض قبضة فألقاها على المائة ثم قال: احملها إليه فقلت في نفسي إنما يوزن ال [شئ ليعرف] بمقداره فكيف خلط به (شيئا آخر فصار مجهولا) وهو رجل حكيم واستحييت أن أسأله فذهبت بالصرة إلى النوري فقال: هات الميزان فوزن مائة وقال: ردها عليه وقل له إنا لا نقبل منك شيئًا وأخذ ما زاد على المائة فزاد بعجبي فسألته فقال: الجنيد رجل حكيم يريد أن يأخذ الحبل بطرفيه وزن المائة طلبًا لثواب الآخرة وطرح عليها قبضة بلا وزن لله تعالى أخذ ماله وزن [فأخذت ما كان لله تبارك وتعالى ورددت ما جعله لنفسه قال فرددتها إلى الجنيد فبكى وقال أخذ ماله ورد مالنا الله المستعان
(2)
.
قوله: فيبارك له فيما أعطيته علي بناء المفعول قاله: في شرح المشارق
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: في رواية مسلم "إنما أنا خازن فمن أعطيته عن طيب نفس فمبارك له فيه"، وفي الرواية الآخرى "وإنما أنا قاسم ويعطي الله" معناه أن المعطي حقيقة هو الله تعالى ولست أن معطيًا وإنما أنا خازن على ما عندي ثم أقسم ما أمرت بقسمته على حسب ما أمرت به فالأمور كلها بمشيئة الله تعالى وتقديره والإنسان مصرف مربوب أي عبد، قاله: النووي
(4)
، وقيل
(1)
سبق تخريجه.
(2)
قوت القلوب (2/ 237 - 238)، والإحياء والكلام للغزالي (4/ 215 - 216).
(3)
حدائق الأزهار (لوحة 87/ أ)، ومبارق الأزهار (1/ 513).
(4)
شرح النووي على مسلم (7/ 129).
قوله: "إنما أنا قاسم" يدل على أنه لم يستأثر من مال الله بشئ دونهم وإنما قال: "أنا قاسم"
(1)
.
قوله: "ومن أعطيته عن مسألة، وشره كان كالذي يأكل ولا يشبع" فقيل هو الذي به داء لا يشبع بسببه، وقيل الشره هو الحرص وتقدم ذكره.
وقوله: "كان الذي يأكل ولا يشبع" هو الذي أبه داء لا يشبع بسببه أي كمن به الجوع الكاذب وقد يسمى بجوع الكلب كلما ازداد أكلا ازداد جوعا وقيل يحتمل أن المراد ال] تشبيه (بالبهيمة) الراعية
(2)
(وتقدم) قريبًا في حديث حكيم بن حزام في السؤال.
1244 -
وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا تلحفوا فِي الْمَسْأَلَة فَإِنَّهُ من يسْتَخْرج منا شَيْئا بهَا لم يُبَارك لَهُ فِيهِ، رَوَاهُ أَبُو يعلى وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(3)
.
قوله: وعن ابن عمر تقدم الكلام على ابن عمر قوله: صلى الله عليه وسلم "لا تلحفوا في المسألة" معناه لا تبالغوا في السؤال يقال: ألحف في المسألة يلحف إلحافًا إذا ألح فيها ولزمها قاله في النهاية
(4)
وتقدم معناه مبسوطًا في حديث معاوية.
(1)
الكواكب الدراري (2/ 38).
(2)
انظر: شرح النووي على مسلم (7/ 126)، والكواكب الدراري (22/ 208).
(3)
أبو يعلى (5628)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 95)، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (834).
(4)
النهاية (4/ 237).
1245 -
وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الرجل يأتيني فيسألني فَأعْطِيه فَينْطَلق وَمَا يحمل فِي حضنه إِلَا النَّار رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
قوله: وعن جابر بن عبد الله تقدم الكلام على جابر.
قوله: صلى الله عليه وسلم "إن الرجل يأتيني فيسألني فأعطيه فينطلق وما يحمل في حضنه إلا النار" والمعنى أنه يحمل ما يجر إلى النار فكأنه نار في الحقيقة.
1246 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه. قَالَ بَيْنَمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذَهَبا إِذْ أَتَاهُ رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أَعْطِنِي فَأعْطَاهُ ثمَّ قَالَ زِدْنِي فزاده ثَلَاث مَرَّات ثمَّ ولى مُدبرا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني الرجل فيسألني فَأعْطِيه ثمَّ يسألني فَأعْطِيه ثَلَاث مَرَّات ثمَّ ولى مُدبرا وَقد جعل فِي ثَوْبه نَارا إِذا انْقَلب إِلَى أَهله، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
قوله: وعن أبي سعيد الخدري تقدم الكلام عليه.
قوله: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ذهبًا إذا أتاه رجل فقال: يا رسول الله أعطني فأعطاه ثم قال: زدني فزاده ثلاث مرات تقدم معناه في حديث حكيم بن حزام في قصة العباس.
(1)
ابن حبان (3392)، وعبد الله بن حميد (1113)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (835).
(2)
ابن حبان (3265)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (826).
1247 -
وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَنه دخل على النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله رَأَيْت فلَانا يشْكر يذكر أَنَّك أَعْطيته دينار بن فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَكِن فلَانا قد أَعْطيته مَا بَين الْعشْرَة إِلَى الْمِائَة فَمَا شكره وَمَا يَقُوله إِن أحدكُم ليخرج من عِنْدِي بحاجته متأبطها وَمَا هِيَ إِلَّا النَّار، قَالَ قلت يَا رَسُول الله لم تعطهم قَالَ يأبون إِلَا أَن يَسْألُونِي ويأبى الله لي الْبُخْل رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
.
وَرَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلىَ من حَدِيث أبي سعيد وَتقدم.
متأبطها أَي جاعلها تَحت إبطه.
قوله: وعن عمر بن الخطاب وختم الله تعالى لعمر بالشهادة وكان يسألها فطعنه العلج أبو لؤلؤة وهو قائم في صلاة الصبح حين أحرم بالصلاة طعنه بسكين مسموم ذات طرفين فضربه في كتفه وخاصرته وقيل ضربه ست ضربات فقال الحمد لله الذي لم يجعل ميتتي بيد رجل يدعي الإسلام وطعن العلج مع عمر ثلاثة عشر رجلا توفي منهم سبعة وعاش الباقون فطرح عليه رجل مسلم برنسًا فلما أحس العلج أنه مقتول قتل نفسه وشرب عمر لبنًا فخرج من جرحه فعلم هو والناس أنه لا يعيش فأشاروا عليه بالوصية فجعل الخلافة شورى بين عثمان وعلي وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن عوف وقال: [لا أعلم أحدا] أحق بها من هؤلاء الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، وقال: يؤمر المسلمون أحد
(1)
ابن حبان (3414)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (837).
هؤلاء الستة
(1)
.
قوله: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض، تقدم، وقوله عمر تقدم الكلام على عمر بن الخطاب مبسوطًا.
قوله: صلى الله عليه وسلم "إن أحدكم ليخرج من عندي بحاجته متأبطها وما هي إلا النار" قد فسر الحافظ
(2)
رحمه الله متأبطها فقال: جاعلها تخط إبطه.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 13).
(2)
أي المنذري.