المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقل ومن تصدق بما لا يجب - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٥

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

- ‌فصل

- ‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزل لها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جَاءَهُ شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فِي قبُوله سِيمَا إِن كَانَ مُحْتَاجا وَالنَّهْي عَن رده وَإِن كَانَ غَنِيا عَنهُ

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

- ‌[الترغيب في صدقة السر]

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌[الترغيب في القرض وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

- ‌الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

- ‌فصل

- ‌الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصوم الترغيب في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام رَمَضَان احتسابا وَقيام ليله سِيمَا لَيْلَة الْقدر وَمَا جَاء فِي فَضله

- ‌التَّرْهِيب من إفطار شَيْء من رَمَضَان من غير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم سِتّ من شَوَّال

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام يَوْم عَرَفَة لمن لم يكن بهَا وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَنْهَا لمن كَانَ بهَا حَاجا

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام شهر الله الْمحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم شعْبَان وَمَا جَاءَ فِي صِيَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفضل لَيْلَة نصفه

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوم ثلاثة أَيَّام من كل شهر سِيمَا الْأَيَّام الْبيض

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخمِيس

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الأرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت والأحد وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن تَخْصِيص الْجُمعَة بِالصَّوْم أَو السبت

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم وَهُوَ صَوْم دَاوُد عليه السلام

- ‌ترهيب الْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا أَن تستأذنه

- ‌ترهيب الْمسَافِر من الصَّوْم إِذا كَانَ يشق عَلَيْهِ وترغيبه فِي الْإِفْطَار

- ‌التَّرْغِيب فِي السّحُور سِيمَا بِالتَّمْرِ

الفصل: ‌الترغيب في الصدقة والحث عليها وما جاء في جهد المقل ومن تصدق بما لا يجب

‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

1263 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من تصدق بِعدْل تَمْرَة من كسب طيب وَلا يقبل الله إِلَا الطّيب فَإِن الله يقبلهَا بِيَمِينِهِ ثمَّ يُرَبِّيهَا لصَاحِبهَا كمَا يُربي أحدكُم فلوه حَتَّى تكون مثل الْجَبَل رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(1)

.

1264 -

وَفِي رِوَايَة لابْنِ خُزَيْمَة إِن العَبْد إِذا تصدق من طيب تقبلهَا الله مِنْهُ وَأَخذهَا بِيَمِينِهِ فرباها كمَا يُربي أحدكُم مهره أَو فَصِيله وَإِن الرجل ليتصدق باللقمة فتربو فِي يَد الله أَو قَالَ فِي كف الله حَتَّى تكون مثل الْجَبَل فتصدقوا

(2)

.

1265 -

وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة لِلتِّرْمِذِي قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله يقبل الصَّدَقَة ويأخذها بِيَمِينِهِ فيربيها لأحدكم كمَا يُربي أحدكُم مهره حَتَّى إِن اللُّقْمَة لتصير مثل أحد وتصديق ذَلِك فِي كتاب الله: {أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ}

(3)

، {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي

(1)

البخاري (1410)، ومسلم (1014).

(2)

ابن خزيمة (2426)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (849).

(3)

سورة التوبة، الآية:104.

ص: 319

الصَّدَقَاتِ}

(1)

. وَرَوَاهُ مَالك بِنَحْوِ رِوَايَة التِّرْمِذِيّ هَذِه عَن سعيد بن يسَار مُرْسلا لم يذكر أَبَا هُرَيْرَة

(2)

.

1266 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنهما عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كمَا يُربي أحدكُم فلوه أَو فَصِيله حَتَّى تكون مثل أحد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ.

الفلو بِفَتْح الْفَاء وَضم اللَّام وَتَشْديد الْوَاو هُوَ الْمهْر أول مَا يُولد.

والفصيل ولد النَّاقة إِلَى أَن يفصل عَن أمه.

1267 -

وَروِيَ عَن أبي بَرزَة الأسْلَمِيّ رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن العَبْد ليتصدق بالكسرة تربو عِنْد الله عز وجل حَتَّى تكون مثل أحد رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(3)

.

تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب" الحديث قال: في النهاية

(4)

العدل بكسر العين وفتحها بمعنى المثل وظاهر الحديث يقتضي أن التمرة الواحدة تنمو وتتزايد حتى تبقى كالجبل ليثقل بها

(1)

سورة البقرة، الآية:276.

(2)

الترمذي (662)، ومالك في الموطأ (2844)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (849).

(3)

الطبراني كما في مجمع الزوائد (3/ 110)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، وفيه سوار بن مصعب وهو ضعيف، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (851).

(4)

النهاية (3/ 191).

ص: 320

ميزان المتصدق، وقال: بعضهم بعدل تمرة أي قيمة تمرة يقال: هذا عدل بفتح العين أي مثله في القيمة وبكسرها أي مثله في المنظر

(1)

نظيره قوله تعالى: {وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ}

(2)

أي يثمرها ويكثرها ويبارك فيها في الدنيا ويضاعف الأجر والثواب في العقبى وإن كانت قليلة كما قال تعالى فيضاعفه له أضعافًا كثيرة والله أعلم ويحتمل أن تكون التربية تعظيم الثواب والجزاء على الصدقة

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من كسب طيب" أي مكسوب طيب والكسب الطلب طلب الرزق فالطيب ضد الخبيث قال أبو العباس القرطبي

(4)

:

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله طيب" أي منزه عن النقائص فيكون بمعنى القدوس وقيل طيب الثناء، ومستلذ الأسماء عند العارفين بها، وعلى هذا: فطيب من أسمائه الحسنى، ومعدود في جملتها المأخوذة من السنة؛ كالجميل والنظيف؛ على قول من رواه ورآه والكسب الطيب في هذا الحديث الحلال؛ وهذا كقوله تعالى:{أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}

(5)

و {أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ}

(6)

وغير ذلك، وأصل الطيب: المستلذ بالطمع، ثم أطلق

(1)

شرح المشكاة (5/ 1539).

(2)

سورة البقرة، الآية:276.

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 99).

(4)

المفهم (9/ 28 - 29).

(5)

سورة البقرة، الآية:267.

(6)

سورة البقرة، الآية:267.

ص: 321

أطلق على المتناول بحكم بالشرع وإنما لا يقبل الله الصدقة من المال الحرام؛ لأنه غير مملوك للمتصدق، وهو ممنوع من التصرف فيه، والتصدق به تصرف فيه، فلو قبلت منه؛ لزم أن يكون مأمورا به، منهيا عنه من وجه واحد، وهو محال، ولأن أكل الحرام يفسد القلوب، فتحرم الرقة والإخلاص، فلا تقبل الأعمال، وإشارة الحديث إلى أنه لم يقبل؛ لأنه ليس بطيب، فانتفت المناسبة بينه وبين الطيب بذاته قاله القرطبي

(1)

. والمعنى: لا يقبل الله إلا الشيء الطيب ولا يحل أن يتقرب بغير ذلك إليه إذا ليس من صفته قبول الشيء الخبيث والرضى بالمنكر وهذا الحديث أحد الأحاديث التي هي قواعد الإسلام ومباني الأحكام وفيه الحث على الإنفاق من الحلال والنهي عن الإنفاق من غيره وفيه أن المشروب والمأكول، والملبوس ونحوها ينبغي أن تكون حلالًا خالصًا لا شبهة فيه وإن من أراد الدعاء كان أولى بالاعتناء بذلك من غيره

(2)

ا. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن الله يقبلها بيمينه" أي يقبل الصدقة وهذا كناية عن القبول والثواب والرضى بذلك العمل والشكر عليه بالجزاء كما قال: "تلقاها عرابة باليمين" استعير لكثرة العطاء وسعته وسرعة القبول فالمراد من القبول باليمين هو حسن القبول منه تعالى ووقوع الصدقة منه موقع الرضى

(3)

كما

(1)

المصدر السابق.

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 100)، وشرح الأربعين (ص 59) لابن دقيق العيد.

(3)

مطالع الأنوار (6/ 279 - 280). =

ص: 322

يقال: هو عندي باليمين فأخذه سبحانه وتعالى عبارة عن قبول الصدقة والإثابة عليها إذا كانت من كسب طيب وقال الشاعر:

وأنزلني ذات اليمين ولم أكن

بمنزلة الملقى شمال الأراذل

قال الخطابي

(1)

: وإنما جرى ذكر اليمين ليدل به عَلَى حُسْنِ الْقَبُولِ، لِأَنَّ فِي عُرْفِ النَّاسِ أَنَّ أَيْمَانَهُمْ تَكُونُ مُرْصَدَةً لِمَا عَزَّ مِنَ الْأُمُورِ، وَشَمَائِلُهُمْ لِمَا هَانَ مِنْهَا ا. هـ.

وعلى هذا قول ابن عباس رضي الله عنهما الحجر الأسود يمين الله في الأرض يصافح بها عباده والمراد من اليمين القوة والقدرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل" وقد قيل في تربية الصدقة وتعظيمها حتى تكون أعظم من الجبل أن المراد بذلك تعظيم أجرها وتضعيف ثوابها قال: ويصح أن يكون على ظاهره وأن تعظم ذاتها ويبارك الله تعالى فيها ويزدها من فضله حتى تثقل في الميزان

(2)

.

قوله ج: "كما يربي أحدكم فلوة" الفلو ضبطه الحافظ

(3)

وفسره في حديث عائشة بعد هذا الحديث فقال: بفتح الفاء وضم اللام وتشديد الواو وهو المهر أول ما يولد ا. هـ.

= وسبق وأشرنا إلى أن المؤلف لا يثبت صفة اليد وقلنا أن مذهب أهل السنة على الإثبات من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

(1)

ينظر: أعلام الحديث (1/ 754 - 755)، ومعالم السنن (2/ 16).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 99).

(3)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).

ص: 323

وفيه لغة أخرى كسر الفاء وإسكان اللام وتخفيف الواو المفتوحة

(1)

وقال: أبو زيد إذا فتحت الفاء شددت الواو وإذا كسرت خففت فقلت فلو مثل جرو

(2)

ا. هـ.

والجمع أفلاء مثل عدو وأعداء وفلاوى، مثل خطايا، وأصله فعائل

(3)

وقال: الجوهري

(4)

الْفَلُوُّ الْمُهْرُ سمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يفتلى عن أمه أي يفطم وقال غيره: لأنه يفلي أي يعزل

(5)

، وقيل هو الفطيم من أولاد ذوات الحوافر والأنثى فلوة كما قالوا عدو وعدوة

(6)

وإنما ضرب المثل بالفلو لأنه يزيد زيادة بينة ولأن الصدقة نتاج العمل ولأن صاحب النتاج لا يزال يتعاهده ويتولى تربيته ثم إن النتاج أحوج ما يكون إلى التربية وهو فطيم فإذا أحسن القيام به انتهى إلى حد الكمال وكذلك عمل ابن آدم لَا سيما الصدقة التي يجاذبها الشح ويتشبث بها الهوى ويقتفيها الرياء ويكدرها الطبع، فلا تكاد تخلص إلى الله تعالى إلا موسومة بنقائص لَا يجبرها إلا نظر الرحمن تعالى فإذا تصدق العبد من كسب طيب فتح دونها باب الرحمة فلا يزال نظر الله تعالى إليها يكسبها نعت الكمال ويوفيها حصة الثواب حتى تنتهي بالتضعيف

(1)

رياض الصالحين (ص 189)، وشرح النووي على مسلم (7/ 99).

(2)

الصحاح (6/ 2456)، والميسر (2/ 441)، وحياة الحيوان (2/ 305).

(3)

حياة الحيوان (2/ 305).

(4)

الصحاح (6/ 2456).

(5)

مشارق الأنوار (2/ 158).

(6)

الصحاح (6/ 2456)، والميسر (2/ 441)، وحياة الحيوان (2/ 305).

ص: 324

إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم من العمل وقوع المناسبة بين التمرة والجبل كذا قاله في الميسر

(1)

وجمل الغرائب في شرح مشارق الأنوار.

قوله: صلى الله عليه وسلم في رواية مسلم "إن العبد إذا تصدق من طيب يقبلها الله تعالى منه" وأخذها بيمينه: أي قبلها مشرفة مكرمة مرضيًا بها بالغة محلها وهذا كما قال الشاعر:

إِذَا مَا رَايَةٌ رُفِعَتْ لِمَجْدٍ

تَلَقَّاهَا عَرَابَةُ بِالْيَمِينِ

أي هو مؤهل للمجد والشرف ولم يرد به يمين الجارحة لأن المجد معنى باليمين التي تتلقى بها رأيته معنى وكذا اليمين في حق الله تعالى

(2)

.

قوله: صلى الله عليه وسلم "وإن الرجل ليتصدق باللقمة" اللوحة.

"فتربو في يد الله" أو قال: "في كف الله فتربو" أي يزيد ثوابها كما تقدم وكف الرحمن سبحانه وتعالى عبارة عن محل قبول الصدقة فكأن المتصدق قد وضع صدقته في محل القبول والإثابة وإلا فلا كف لله ولا جارحة تعالى الله تعالى عما يقول المشبهون علوًا كبيرًا

(3)

ومنه حديث عمر "أن الله تعالى إن شاء أدخل خلقه الجنة بكف واحدة" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق عمر

(4)

ويجوز أن يكون

(1)

الميسر (2/ 441).

(2)

المفهم (9/ 29).

(3)

النهاية (4/ 189 - 190)، وجامع الأصول (9/ 517).

(4)

جامع معمر بن راشد (20556)، المعجم الصغير للطبراني (342) الأسماء والصفات للبيهقي (2/ 153) الأحاديث المختارة (2703) وفي أنيس الساري (تخريج أحاديث فتح الباري)(2/ 1673) قال الحافظ سنده جيد لكن اختلف على قتادة في سنده اختلافا كثيرا.

ص: 325

يكون مصدر كف يكف كفًا ويكون معناه الحفظ والصيانة فكأنه قال: تلك الصدقة في حفظ الله وكلاءته فلا ينقص ثوابها ولا يبطل جزاؤها ويحتمل أن يكون الكف عبارة عن كفة الميزان التي يوزن فيها الأعمال فتكون من باب حذف المضاف فكأنه قال: فتربو في كفة ميزان الرحمن

(1)

ا. هـ.

وقال الماوردي

(2)

: وغيره هذا الحديث وشبهه إنما عبر به النبي صلى الله عليه وسلم على ما اعتادوا في خطابهم ليفهموا فكنى هنا عن قبول الصدقة بأخذهها بالكف وعن تضعيف أجرها بالتربية قال القاضي عياض

(3)

رحمه الله تعالى: لما كان الشيء الذي يرتضي ويعز يلتقي باليمين ويؤخذ بها استعمل في مثل هذا واستعير القبول والرضى إذا الشمال بضده في هذا وتقدم مثله عن الخطابي

(4)

قال: وقيل المراد بكف الرحمن هنا وبيمينه كف الذي تدفع إليه الصدقة وإضافتها إلى الله تعالى إضافة ملك واختصاص لوضع هذه الصدقة فيها لله عز وجل ا. هـ.

(1)

المفهم (9/ 29). إن لله تعالى يدين كما في قوله تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} [المائدة: 64] والأحاديث الواردة في إثبات اليد لله تعالى كثيرة، حتى إن النصوص تزيد على مائة فيها إثبات صفة اليد لله تعالى، فنثبتها إثباتًا حقيقيًا يليق بجلاله وعظمته، دون أن نشبهها بالأيدي المعروفة من أيدي المخلوقات، ودون أن نؤولها كما أولها هنا المؤلف.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (6/ 263): "إن لله تعالى يدين مختصتان به ذاتيتان له كما يليق بجلاله". وانظر كذلك: أصول الاعتقاد للالكائي (3/ 412).

(2)

الحاوي الكبير (3/ 106)، وكذا قال المازرى كما في المعلم (2/ 25).

(3)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).

(4)

ينظر: معالم السنن (2/ 43)، وشرح النووي على مسلم (7/ 98)، وحياة الحيوان (2/ 305).

ص: 326

وقد تكرر ذكر الكف والحفنة واليد في الحديث وكلها تمثيل من غير تشبيه والله أعلم.

قوله: صلى الله عليه وسلم في رواية ابن خزيمة

(1)

"كما يربي أحدكم مهره أو فصيله" الحديث المهر ولد الفرس والجمع أمهار والأنثى مهرة وما أحسن قول مهيار (الديلمي) في وصف المهرة:

قال لي العاذل: تسلو قلت: مه،

إنّ أسباب هواها محكمه

مهرة تسمع في السرج لها،

تحت من يعلو عليها حمحمه.

(2)

لطيفة: لها تعلق بالمعنى كان أبو عبد الله محمد بن حسان البسري، من الأولياء ذوي الكرامات الظاهرة، والأحوال الباهرة، وأنه خرج للغزاة مرة، فبينما هو في فلاة من الأرض إذ مات مهره الذي كان يركبه، فقال: اللهم أعرنا إياه فقام المهر حيا بإذن الله تعالى، فلما وصل إلى بسر، أخذ السرج عنه فسقط ميتا، وكان رحمه الله، إذا كان شهر رمضان دخل بيتا وقال لامرأته: طيني علي الباب وألقي إلي كل ليلة رغيفا من الكوة، فإذا كان يوم العيد فتحت الباب ودخلت فوجدت الثلاثين رغيفا في زاوية البيت فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام رضي الله تعالى عنه

(3)

، وفي الأنساب لابن السمعاني، أن أبا

(1)

سبق تخريجه.

(2)

حياة الحيوان (2/ 450).

(3)

هذه القصص لَا تسمن ولا تغني من جوع وتذكر للتسلية وإثباتها غير ممكن فهي مخالفة للشريعة ظاهرًا وباطنًا وهي من شطحات الصوفية.

ص: 327

عبد الله المذكور منسوب إلى بصرى، قرية من قرى الشأم فأبدلت الصاد سينا على قياس قولهم في السويق الصويق والسراط الصراط انتهى، وقال ابن الأثير

(1)

: هذا كله خطأ في النقل والنحو، أما النقل فإنه منسوب إلى بسر، وبسر: قرية معروفة، وأما النحو فإبدال الصاد سينا ليس على إطلاقه إنما ذلك مع حروف معلومة، وقد ذكره الحافظ أبو القاسم بن عطاء الدمشقي، في تاريخ دمشق

(2)

، وقال: إنه من قرية بسر وهذا هو الصواب والله تعالى أعلم

(3)

.

وقوله: "كما يربي أحدكم فصيله" الحديث والفصيل ولد الناقة إذا فصل عن الرضاع أمه والجمع فصلان بض الفاء وفصال بكسرها

(4)

.

فرع: دخل فَصيلُ (ولد الناقة) رَجُلٍ فِي بَيْتِ رَجُلٍ، وَلَمْ يُمْكِنْ إِخْرَاجُهُ إِلَّا بِنَقْضِ الْبِنَاءِ، فَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْبَيْتِ، بِأَنْ غَصَبَهُ وَأَدْخَلَهُ، نُقِضَ وَلَمْ يَغْرَمْ صَاحِبُ الْفَصِيلِ شَيْئًا. وإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ صَاحِبِ الْفَصِيلِ، نُقِضَ الْبِنَاءُ، وَلَزِمَهُ أَرْشُ النَّقْضِ. وَإِنْ دَخَلَ بِنَفْسِهِ نُقِضَ أَيْضًا، وَلَزِمَ صَاحِبَ الْفَصِيلِ أَرْشُ النَّقْصِ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَبِهِ قَطَعَ الْعِرَاقِيُّونَ. وَقِيلَ: وَجْهَانِ. ثَانِيهِمَا: لَا أَرْشَ عَلَيْهِ. قاله في حياة الحيوان

(5)

.

(1)

اللباب في تهذيب الأنساب (1/ 152).

(2)

انظر: تاريخ دمشق لابن عساكر (52/ 285).

(3)

حياة الحيوان (2/ 451).

(4)

حياة الحيوان (2/ 304).

(5)

حياة الحيوان (2/ 304). وانظر كذلك: روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي (5/ 57).

ص: 328

قوله: في آخر الحديث عن سعيد بن يسار مرسلا تقدم الكلام على الحديث المرسل. قوله: وعن أبي برزة الأسلمي أبو برزة اسمه نضلة بن عبد الحارث وقيل نضلة بن عبد الله وقيل عبد الله بن نضلة من بني سلامي بفتح السين بن أسلم الأسلمي وفي نسبه خلاف أسلم قديمًا ومات بمرو وقيل بالبصرة وقيل بالمفازة بين سجستان وهراة سنة ستين أو أربع وستين

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن العبد ليتصدق بالكسوة تربوا عند الله حتى تكون مثل أحد" تقدم تفسيره وأحد اسم جبل بالمدينة معروف

(2)

.

1268 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله عز وجل ليدْخل باللقمة الْخبز وقبضة التَّمْر وَمثله مِمَّا ينْتَفع بِهِ الْمِسْكِين ثَلَاثَة الْجنَّة رب الْبَيْت الْآمِر بِهِ وَالزَّوْجَة تصلحه وَالْخَادِم الَّذِي يناول الْمِسْكِين فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحَمد لله الَّذِي لم ينس خدمنا، رَوَاهُ الْحَاكِم وَالطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَاللَّفْظ لَهُ فِي حَدِيث يَأْتِي بِتَمَامِهِ إِن شَاءَ الله.

القبضة بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا وَإِسْكَان الْبَاء وبالصاد الْمُهْملَة هُوَ مَا يتَنَاوَلهُ الْآخِذ برؤوس أنامله الثَّلَاث.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: صلى الله عليه وسلم "إن الله ليدخل باللقمة الخبز وقبضة التمر ومثله مما ينتفع به

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 180 ترجمة 725).

(2)

جاء في الأصل بمكة وفي الهامش: قوله بمكة سبق قلم وإنما هو بالمدينة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام.

ص: 329

المسكين ثلاثة الجنة رب البيت الأمر به" الحديث رب البيت يعني المالك والقبضة قد ضبطها الحافظ وفسرها فقال: هو ما يتناوله الأخذ يدًا ويراد أنامله الثلاث.

1269 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا نقصت صَدَقَة من مَال وَمَا زَاد الله عبدا بِعَفْو إِلَّا عزا وَمَا تواضع أحد لله إِلَّا رَفعه الله عز وجل. رَوَاهُ مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَرَوَاهُ مَالك مُرْسلا.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة أيضًا.

قوله: صلى الله عليه وسلم "ما نقصت صدقة من مال وما زاد الله عبدا بعفو إلا عزا".

ولبعض الفضلاء في ذلك

(1)

:

لا تقطعن عادة برّ ولا

تجعل عقاب المرء في رزقه

واعف عن الذنب فإن الذي

نرجوه عفو الله عن خلقه

وإن بدا من صاحب زلة

فلا تعاتبه في ذاك واستبقه

فإن قدر الذنب من مسطح

يحط قدر النجم من أفقه

وقد بدا منه الذي قد بدا

وعوتب الصديق في حقه ا. هـ.

قوله: "وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله" الحديث سيأتي الكلام على التواضع في بابه.

1270 -

وَرُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما يرفعهُ قَالَ مَا نقصت صَدَقَة من مَال وَمَا مد عبد يَده بِصَدقَة إِلَّا ألقيت فِي يَد الله قبل أَن تقع فِي يَد السَّائِل وَلَا فتح

(1)

هو شهاب الدين الغزي الشافعي انظر: الكواكب السائرة (3/ 94).

ص: 330

عبد بَاب مَسْأَلَة لَهُ عَنْهَا غنى إِلَّا فتح الله لَهُ بَاب فقر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(1)

.

وروي عن ابن عباس تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم "ما نقصت صدقة من مال وما مد عبد يده بصدقة إلا ألقيت في يد الله قبل أن تقع في يد السائل" تقدم الكلام على يد الله في أول الباب مبسوطًا.

قوله: "ولا فتح عبد باب مسألة له عنها غنى إلا فتح الله له باب فقر" المراد بذلك سؤال الناس إذا كان له غنى عن السؤال.

1271 -

وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ خَطَبنَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا أَيهَا النَّاس تُوبُوا إِلَى الله قبل أَن تَمُوتُوا وَبَادرُوا بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَة قبل أَن تشْغَلُوا وصلوا الَّذِي بَيْنكُم وَبَين ربكُم بِكَثْرَة ذكركُمْ لَهُ وَكَثْرَة الصَّدَقَة فِي السِّرّ وَالْعَلَانِيَة تُرْزَقُوا وَتنصرُوا وَتجبرُوا رَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي حَدِيث تقدم فِي الْجُمُعَة

(2)

.

1272 -

وَرُوِيَ عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَنهم ذَبَحُوا شَاة فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا بَقِي مِنْهَا قَالَت مَا بَقِي مِنْهَا إِلَّا كتفها قَالَ بَقِي كلهَا غير كتفها" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 405 رقم 12150) والبيهقي في الشعب (5/ 168 رقم 3249)، قال الهيثمي في المجمع 3/ 110: رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم أعرفه.

وضعفه الألباني في الضعيفة (5074) وضعيف الترغيب (510).

(2)

أخرجه عبد بن حميد (1136)، وابن ماجه (1081)، وابن عدى في الكامل (5/ 298)، واللالكائى في أصول السنة (1933).

وضعفه الألباني في الإرواء (591)، وضعيف الترغيب (444) و (511) و (1958).

ص: 331

حَدِيث حسن صَحِيح وَمَعْنَاهُ أَنهم تصدقوا بهَا إِلَّا كتفها

(1)

.

قوله: وعن عائشة تقدم الكلام على عائشة.

قوله: "إنهم ذبحوا شاة" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما بقي منها" قالت ما بقي منها إلا كتفها قال: "بقي كلها" الحديث هذا استفهام بمعنى ما تصدقت فهو باق عندك فهو غير فان كما قال الله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ}

(2)

ا. هـ قال الحافظ:

(3)

معناه أنهم تصدقوا بها إلا كتفها ا. هـ، وقال: غيره معناه أي بقيت لنا في الآخرة إلا كتفها.

1273 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول العَبْد مَالِي مَالِي وَإِنَّمَا لَهُ من مَاله ثَلَاث مَا أكل فأفنى أَو لبس فأبلى أَو أعْطى فاقتنى مَا سوى ذَلِك فَهُوَ ذَاهِب وتاركه للنَّاس رَوَاهُ مُسلم

(4)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه أيضًا.

قوله: صلى الله عليه وسلم "يقول العبد مالي مالي وإنما له من ماله ثلاث ما أكل فأفنى أو لبس فأبلى أو أعطى فأبقى ما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس"، قوله: أو أعطى فاقتنى (اقتنى) بمعنى: ادخر، يعني: ما تصدق به يكون له ذخيرة يوم القيامة

(5)

.

(1)

أخرجه أحمد 6/ 50 (24240)، والترمذي (2470).

قال الترمذي: هذا حديث صحيح، وأبو ميسرة هو الهمداني اسمه: عمرو بن شرحبيل.

وصححه الألباني في صحيح الترغيب (859).

(2)

سورة النحل، الآية:96.

(3)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 318).

(4)

أخرجه مسلم (4 - 2959).

(5)

المفاتيح (5/ 279).

ص: 332

1274 -

وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّكُم مَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله قَالُوا يَا رَسُول الله مَا منا أحد إِلَّا مَاله أحب إِلَيْهِ قَالَ فَإِن مَاله مَا قدم وَمَال وَارثه مَا أخر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

قوله: عن ابن مسعود تقدم الكلام على ابن مسعود.

قوله: صلى الله عليه وسلم "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله قالوا يا رسول الله ما منا أحد إلا ماله أحب إليه قال فإن ماله ما قدم ومال وارثه ما أخر".

قوله: "فإن ماله ما قدم" أي على موته بأن صرفه في حياته في مصارف الخير

(2)

"ومال وارثه ما أخر"، أي: ما أخره من المال الذي يتركه ولا يتصدق منه حتى يموت

(3)

.

1275 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَينا رجل فِي فلاة من الأَرْض فَسمع صَوتا فِي سَحَابَة اسْقِ حديقة فلَان فَتنحّى ذَلِك السَّحَاب فأفرغ مَاءَهُ فِي حرَّة فَإِذا شرجة من تِلْكَ الشراج قد استوعبت ذَلِك المَاء كله فتتبع المَاء فَإِذا رجل قَائِم فِي حديقة يحول المَاء بمسحاته فَقَالَ لَهُ يَا عبد الله مَا اسْمك قَالَ فلَان للاسم الَّذِي سمع فِي السحابة فَقَالَ لَهُ يَا عبد الله لم سَأَلتنِي عَن اسْمِي قَالَ سَمِعت فِي السَّحَاب الَّذِي هَذَا مَاؤُهُ يَقُول اسْقِ حديقة فلَان لاسمك فَمَا تصنع فِيهَا قَالَ أما إِذْ قلت هَذَا فَإِنِّي أنظر إِلَى مَا يخرج مِنْهَا

(1)

أخرجه البخاري (6442)، والنسائي في المجتبى 6/ 191 (3638).

(2)

الكواكب الدراري (22/ 209).

(3)

عمدة القارى (23/ 49).

ص: 333

فأتصدق بِثُلثِهِ وآكل أَنا وعيالي ثلثه وأرد ثلثه رَوَاهُ مُسلم.

(1)

الحديقة الْبُسْتَان إِذا كانَ عَلَيْهِ حَائِط. الْحرَّة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الرَّاء الأرْض الَّتِي بهَا حِجَارَة سود. والشرجة بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَإِسْكَان الرَّاء بعْدهَا جِيم وتاء تَأْنِيث مسيل المَاء إِلَى الأرْض السهلة. والمسحاة بِالسِّين والحاء الْمُهْمَلَتَيْنِ هِيَ المجرفة من الْحَدِيد.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله ج: "بينا رجل في فلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة اسق حديقة فلان" الفلاة: الأرض المنقطعة عن الماء والحديقة البستان إذا كان عليه حائطا. هـ.

ويقال: للقطعة من النخيل حديقة وإن لم يكن محاطا بها، والجمع الحدائق

(2)

.

قوله فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة معنى تنحى قصد يقال: تنحيت الشيء وانتحيته ونحوته إذا قصدته ومنه سمي علم النحو لأنه قصد لكلام العرب

(3)

والحرة قد ضبطها الحافظ

(4)

وفسرها وهي الأرض التي بها حجارة سود ا. هـ.

(1)

أخرجه مسلم (45 - 2984).

(2)

النهاية (1/ 354).

(3)

إكمال المعلم (8/ 534)، وشرح النووي على مسلم (18/ 115).

(4)

هو المنذري.

ص: 334

قوله: "فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله" الشرجة مسيل الماء إلى الأرض وقد ضبطها الحافظ وفسرها

(1)

قوله: "يحول الماء بمسحاته" قد ضبط الحافظ المسحاة وفسرها هي المجرفة من الحديد ا. هـ.

قال: الإمام أبو عبد الله القرطبي قال: علماؤنا لما لم يكن من هذه الدنيا بد كان المأخوذ منها القوت كما قال: المقدام بن معد كرب قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لَا محالة فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه"

(2)

كما حكى عن بعض السلف وقد سئل عن سبب توبته فقال: كنت رجلا دهقانا واجتمع علي في ليلة ثلاثة أشغال كان لي زرع وكانت ليلتي في الماء وكان لي حمار فضاع مني وكان لي فقة في الطاحون ومتى اشتغلت بواحدة منها فأتني ما سواها وكانت ليلة الجمعة وكان بيني وبينها مسافة متى توجهت إليها فأتني الجميع فرجحت رواحي إلى الجمعة وتركت الجميع فلما رجعت من الجمعة وجدت الزرع قد سقي والحمار على المعلف والمرأة تغربل الدقيق فقلت ما أصدق من قال: من أصلح أمره مع الله أصلح الله له جميع أموره

(3)

ا. هـ.

(1)

أي المنذري.

(2)

أخرجه الترمذي (2380) والنسائي في الكبرى (6769) و أحمد (17186) وابن المبارك في الزهد (603)، و، والقضاعي في مسنده (1340) و (1341)، والبيهقي في الشعب (5648) و (5650)، والبغوي في شرح السنة (4048)، والبغوي (4048) وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (5674).

(3)

قمع الحرص (149 و 150).

ص: 335

1276 -

وَعَن عدي بن حَاتِم رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا مِنْكُم من أحد إِلَّا سيكلمه الله لَيْسَ بَينه وَبَينه ترجمان فَينْظر أَيمن مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم فَينْظر أشأم مِنْهُ فَلَا يرى إِلَّا مَا قدم فَينْظر بَين يَدَيْهِ فَلا يرى إِلَّا النَّار تِلْقَاء وَجهه فَاتَّقُوا النَار وَلَو بشق تَمْرَة" وَفِي رِوَايَة من اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يسْتَتر من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَلْيفْعَل، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(1)

.

قوله: وعن عدي بن حاتم الصحابي هو أبو طريف وقيل أبو وهب عدي بن حاتم بن عبد الله بن سعد بن حشرج بن امرئ القيس بن عدي بن ربيعة بن جرول بفتح الجيم وإسكان الراء بن ثعل بضم المثلثة وفتح العين المهلمة بن يعرب بن قحطان الطائي الكوفي الصحابي وأبوه حاتم هو المشهور بالكرم قال: ابن الأعرابي

(2)

كان حاتم من شعراء الجاهلية وكان جوادًا يشبه جوده شعره يصدق قوله فعله وكان حيثما نزل عرف منزله بحومان الطير على منازله لكثرة خيره وذبائحه قدم عدي على رسول الله صلى الله عليه وسلم في شعبان سنة تسع من الهجرة فأسلم وكان نصرانيًا روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة وستون حديثا اتفقا منها على ثلاثة وانفرد مسلم بحدثين نزل الكوفة وتوفي بها سنة تسع وستين وقيل ثمان وهو ابن مائة وعشرين سنة قال: ابن قتيبة وكان عدي طويلا إذا ركب الفرس كادت دجله تخط الأرض وشهد مع علي الجمل ثم

(1)

أخرجه البخاري (1413) و (1417) و (6023) و (6539 و 6540) و (6563) و (7443) و (7512)، ومسلم (66 و 67 و 68 - 1016).

(2)

انظر: الأغانى (17/ 366)، والمستطرف (1/ 179).

ص: 336

صفين ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم على أبي بكر في وقت الردة بصدقة قومه وثبت على الإسلام وثبت معه قومه فلم يرتدوا فيمن ارتد من العرب وكان جوادا شريفا في قومه معظما عندهم وعند غيرهم حاضر الجواب وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه إذا دخل عليه وشهد فتوح العراق زمن عمر فحضر وقعة القادسية ووقعة مهران وحضر أبو عبيدة وغير ذلك وكان مع خالد بن الوليد حين سار إلى الشام وشهد معه بعض فتوحه وكان عدي يفت الخبز للنمل ويقول إنهن جارات ولهن حق ومناقبه كثيرة

(1)

.

لطيفة غريبة: أدرك عدي وسفانة الإسلام فأسلما وروى أن سفانه ابنت حاتم

(2)

حضرت بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا محمد هلك الوالد وغاب الواجد فإن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي الأعداء من أحياء العرب فإن أبي كان سيد قومه كان يفك العاني ويحمي الدمار ويفرج عن المكروب ويطعم الطعام ويفشي السلام ولم يطلب إليه أحد قط حاجة إلا قضاها أن ابنة حاتم الطائي فقال: سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يا جارية هذه صفة المؤمن لو كان أبوك مسلمًا لترحمنا عليه خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق ا. هـ.

قوله: صلى الله عليه وسلم "ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله ليس بينه وبينه ترجمان" الترجمان: بفتح التاء وضمها وهو المعبر عن لسان بلسان وقال: ابن الأثير

(3)

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 327 - 328 ترجمة 398).

(2)

غرر الخصائص (1/ 27)، والمستطرف (1/ 179).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 186).

ص: 337

هو الذي يترجم الكلام أي ينقله من لغة إلى لغة أخرى والجمع والتاء والنون زائدتان ا. هـ كزعفران جمعه زعافر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم فينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم فينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه" أيمن منه وأشأم منه كلاهما منصوب على الظرف ويعني بهما يمينه وشماله مأخوذ من اليد اليمنى والشؤمى

(1)

ومنه قولهم لليد الشمال الشؤمى تأنيت الأشأم يعني [إذا كلم الله سبحانه عبدا من عباده، فقد تحير في ذلك الموطن بحيث لَا مهرب له ولا نصير، فإذا نظر إلى يمينه وشماله، فلا يرى إلا العمل، وإذا نظر إلى بين يديه، فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه

(2)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "فاتقوا النار ولو بشق تمرة" وشق التمرة بكسر الشين نصفها وجانبها وشق كل شيء نصفه وجانبه

(3)

والمعنى لا تستقلوا من الصدقة ولو كان نصف تمرة

(4)

وفيه دليل على أن الصدقة وقاية للمتصدق من النار قال: في الأحياء

(5)

في كتاب ترتيب الأوراد وكانوا يكرهون أن ينقضي اليوم ولم يتصدقوا ولو بتمرة أو بصلة أو كسرة خبز لقوله "اتقوا النار ولو بشق

(1)

المفهم (9/ 30).

(2)

المفاتيح (5/ 485).

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 101).

(4)

النهاية (2/ 491).

(5)

الإحياء (1/ 347).

ص: 338

تمرة" والمعنى لا تستقلوا من الصدقة شيئًا ولو كان نصف تمرة والمراد من قوله: "ولو بشق تمرة" يريد أن نصف التمرة يسد رمق الجائع كما يورث الشبعان كظة على وقاحته

(1)

وفيه الحث على الصدقة وأنه لا يمتنع منها لقلتها وإن قلتها سبب للنجاة من النار

(2)

والله أعلم.

1277 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ليق أحدكُم وَجهه النَّار وَلَو بشق تَمْرَة رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد صَحِيح

(3)

.

قوله: وعن عبد الله بن مسعود تقدم الكلام على مناقبه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ليق أحدكم وجهه من النار ولو بشق تمرة" تقدم الكلام على ذلك.

1278 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا عَائِشَة استتري من النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِنَّهَا تسد من الجائع مسدها من الشبعان رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن

(4)

.

(1)

الفائق (2/ 256).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 101).

(3)

أخرجه أحمد 1/ 388 (3679) و 1/ 446 (4265)، وأبو نعيم في الحلية (8/ 214).

قال الهيثمي في المجمع 3/ 105: رواه أحمد، ورجاله رجال الصحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (864).

(4)

أخرجه أحمد 6/ 79 (24501)، وابن عدى (5/ 118). قال الهيثمي في المجمع 3/ 105: رواه كله أحمد، وروى البزار بعضه، وفيه أبو هلال، وفيه بعض كلام، وهو ثقة. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (865).

ص: 339

وقوله وعن عائشة رضي الله عنها تقدم الكلام على عائشة.

قوله: صلى الله عليه وسلم "استتري من النار ولو بشق تمرة" أي نصف تمرة يريد أن لَا تستقلوا من الصدقة شيئًا والله أعلم.

قوله: "تسد من الجائع مسدها من الشبعان فإنها تقع من الجائع موقعها من الشبعان" قيل أراد أن شق التمرة لَا يتبين له كبير موقع من الجائع إذا تناوله كما لا يتبين على شبع الشبعان إذا أكل فلا تعجزوا أن تتصدقوا به قيل لأنه يسأل هذا شق تمرة وهذا شق تمرة ثالتا ورابعا فيجتمع له ما يسد به جوعته

(1)

والله أعلم.

قال أبو عبد الله الحليمي

(2)

رحمه الله تعالى: لصدقة التطوع شرائط منها: أن تكون من فضل المال فأما من كان ماله مستغرقًا حاجته فلا ينبغي له أن يتصدق [بماله] على غيره ويحرم نفسه وهكذا إن كان له عيال فلا ينبغي له أن يتصدق بماله ويذر عياله ولا ينبغي أن يتصدق بجميع ماله ويحوج نفسه إلى غيره قال الله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ}

(3)

قال ابن عباس

(4)

: العفو الفضل عن العيال وقال أبو هريرة قال رسول الله

(1)

النهاية (5/ 215).

(2)

المنهاج (2/ 353).

(3)

سورة البقرة، الآية:219.

(4)

ينظر: تفسير الطبري (4/ 291) تفسير ابن أبي حاتم (2/ 381) تفسير القرآن العزيز لابن أبي زمنين (1/ 216).

ص: 340

- صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما أبقت غنى"

(1)

وفي هذا المعنى أحاديث كثيرة ومنها:

"أَنَّهُ إِذَا تَصَدَّقَ بَدَأَ بِذَوِي أَرْحَامِهِ"، أي أقربائه سواء الوارث وغيره "وَلَا يُمَيِّزُ فِيهَا بَيْنَ الْوَاصِلِ وَالْقَاطِعِ، بَلْ يَبْدَأُ بِذِي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ"

(2)

أي المضمر العداوة في باطنه

(3)

وفي ذلك أحاديث كثيرة وردت بذلك، ومنها أنه إن فضل عن ذوي قرابته فضل آثر الجيران فإن فضل عنهم شيء صرفه إلى المتعففين الذين لا يسألون الناس إلحافًا" وفي ذلك أحاديث كثيرة، ومنها أن لا يحصي ما يتصدق به فيعرض ذلك على قلبه ويثبته كما يثبت حساب تجارته

(4)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: جاء سائل فأخرجت له الخادم شيئًا فقالت لا تخرجي الشيء إلا بعلمي فقال رسول الله: صلى الله عليه وسلم "لا تحصي فيحصي الله عليك"

(5)

وفي ذلك أحاديث كثيرة، ومنها "أن يخفي الصدقة ولا يتحدث بها"

(6)

قال: الله

(1)

صحيح البخاري (1426)"خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ".

(2)

مسند أحمد (15320) المعجم الكبير للطبراني (3/ 202)(3126) المستدرك على الصحيحين للحاكم (1475) وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد 3/ 116، وقال: رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير وزيادته (1110).

(3)

النهاية (4/ 175).

(4)

شعب الإيمان (5/ 110) وهو نص كلامه.

(5)

أخرجه النسائي في المجتبى 5/ 73، وفي الكبرى (2330) مسند أحمد ط الرسالة (24418 - م -) والبيهقي في الشعب (3438) والحديث في الصحيحين عن أسماء.

(6)

لم نقف عليه وعند الطبراني في المعجم الكبير (8/ 239)(7933) قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "الَّذِي يَجْهَرُ بِالْقُرْآنِ كَالَّذِي يَجْهَرُ بِالصَّدَقَةِ، وَالَّذِي يُخْفِي الْقُرْآنَ كَالَّذِي يُخْفِي الصَّدَقَةَ".

ص: 341

تعالى: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}

(1)

الآية وقوله: صلى الله عليه وسلم "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها"

(2)

الحديث قال: الحليمي ومعنى ذلك أنها إذا لم تكن واجبة جرى فيها الرياء عند الإبداء وإذا أخفيت كانت من الرياء أبعد

(3)

.

حكاية: قال: بعض العارفين

(4)

ولقد وشى ببعض شيوخنا بالمغرب عند السلطان بأمر فيه حتفه وكان أهل البلد قد أجمعوا على ما وشي به وما قيل فيه مما يؤدى إلى هلاكه فأمر السلطان نائبه أن يجمع الناس ويحضر هذا الرجل فإن أجمعوا على ما قيل فيه أمر الوالي أن يقتله وإن قيل غير ذلك خلى سبيله فجمع الناس لميقات يوم معلوم وعرفوا ما جمعوا له وكلهم على لسان واحد أنه فاسق يجب قتله بلا مخالفة فلما جيء بالرجل مر في طريقه بخباز فأخذ منه نصف رغيف فتصدق به من ساعته فلما وصل إلى المحفل وكان الوالي من أكبر أعدائه أقيم في الناس وقيل لهم ما عندكم في هذا الرجل وما تقولون فيه وسموه فما بقي أحد من الناس إلا قال: هذا عدل رضي عن آخرهم فتعجب الوالي من قولهم خلاف ما يعلمه منهم وما كانوا يقولونه فيه قبل حضوره فعلم أن الأمر إلهى والشيخ يضحك فقال الوالي لم تضحك فقال: من صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبا به إيمانا به والله ما من أحد من

(1)

سورة البقرة، الآية:271.

(2)

أخرجه البخاري (1423) و (6806) ومسلم (91 - 1031) عن أبي هريرة.

(3)

شعب الإيمان (5/ 113).

(4)

هو ابن عربى الصوفى (!!!) كما في الفتوحات المكية (4/ 496).

ص: 342

هذه الجماعة إلا ويعتقد في خلاف ما شهد به وأنت كذلك وكلكم علي لَا لي فتذكرت النار فرأيتها أقوى غضبا منكم وتذكرت نصف رغيف فرأيته أكبر من نصف تمرة وسمعت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "اتقوا النار ولو بشق تمرة" فعليك يا أخي بالصدقة فإنها تطفيء غضب الرب ولها ظل يوم القيامة.

1279 -

وَرُوِيَ عَن أبي بكر الصّديق رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم على أَعْوَاد الْمِنْبَر يَقُول اتَّقوا النَّار وَلَو بشق تَمْرَة فَإِنَّهَا تقيم العوج وتدفع ميتَة السوء وَتَقَع من الجائع موقعها من الشبعان رَوَاهُ أَبُو يعلى

(1)

وَالْبَزَّار وَقد رُوِيَ هَذَا الحَدِيث عَن أنس وَأبي هُرَيْرَة وَأبي أُمَامَة والنعمان بن بشير وَغَيرهم من الصَّحَابَة رضي الله عنهم

(2)

.

(1)

أخرجه البزار (1/ 195)، وأبو يعلى (85) والمعجم (9)، وابن الأعرابى (1722)، والخطابى في غريب الحديث (1/ 345).

قال البزار: وهذا الحديث لَا نعلم حدث به أحد عن زيد بن الحباب إلا محمد بن إسماعيل، هذا ولم يتابعه عليه أحد ولا يروى عن أبي بكر إلا من هذا الوجه، ولا يحفظ هذا الكلام بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه وحده فلذلك كتبناه وبينا العلة فيه.

قال الهيثمي في المجمع 3/ 105: رواه أبو يعلى، والبزار، وفيه محمد بن إسماعيل الوساوسي، وهو ضعيف جدا. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (512).

(2)

أما حديث أنس:

فأخرجه البزار (6619) وابن الأعرابى (1981)، والطبراني في الأوسط (4/ 73 رقم 3644)، وابن عدى (5/ 440) و (7/ 326) و (9/ 491)، وأبو الشيخ في العوالى (7)، وابن المقرئ في المعجم (137)، والمخلص في المخلصيات (2438)، والضياء في المختارة 6/ 68 (2048 و 2049). وصححه الضياء في المختارة. وقال الهيثمي في =

ص: 343

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= المجمع 3/ 106: رواه البزار، والطبراني في الأوسط، ورجال البزار رجال الصحيح.

وأما حديث أبي هريرة:

فأخرجه البزار (9586) والغسانى في أخباره وحكاياته (51)، وابن عدى (2/ 132) و (6/ 329) و (10/ 555)، والدارقطني (2015). قال البزار: وهذا الكلام قد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه، من غير هذا الوجه، وهذا الإسناد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أحسن ما يروى في ذلك وأصحه، وقد روي عن عائشة رضي الله عنها رواه ابن أبي مليكة وأبو العالية، عن عائشة رضي الله عنها، وروي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه، من وجوه فرواه محل بن خليفة وعباد بن حبيش وخيثمة بن عبد الرحمن وعبد الله بن معقل وغيرهم، عن عدي، وروي عن حميد، عن أنس، وعن أبي رجاء، عن ابن عباس رضي الله عنهما، وروي عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه.

قال الهيثمي في المجمع 3/ 106: رواه البزار، وفيه عثمان بن عبد الرحمن الجمحي قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به، وحسن البزار حديثه.

وأما حديث أبي أمامة:

أخرجه الطبراني في الأوسط (3/ 78 رقم 2542)، والقضاعى في مسند الشهاب (1263) وقال الطبراني: تفرد به فضال. قال الهيثمي في المجمع 3/ 106: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه فضال بن جبير، وهو ضعيف.

وأما حديث النعمان بن بشير:

أخرجه البزار (3226) والطبراني في الكبير (17/ 121 رقم 138)، وابن عدى (2/ 211)، وابن المقرئ في الفوائد (131)، وأبو الطاهر المخلص (1102).

قال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن النعمان بن بشير عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه وأيوب بن جابر أحسبه أخطأ في هذا الحديث، لأن شعبة وعمرو بن أبي قيس رويا هذا الحديث عن سماك بن حرب عن عباد بن حبيش عن عدي بن حاتم وهو الصواب عندي. قال البغوى: لَا أعلم حدث بهذا الحديث أحد عن سماك غير أيوب بن جابر، وهو أخو محمد بن جابر السحيمي، ويقال أنه أوثق من أخيه محمد بن جابر. قال الهيثمي في المجمع 3/ 106: رواه البزار، والطبراني في الكبير، وفيه أيوب بن جابر، وفيه كلام كثير، =

ص: 344

وروي عن أبي بكر الصديق تقدم الكلام عليه رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "اتقوا النار ولو بشق تمرة فإنها تقيم العوج وتدفع ميتة السوء" الحديث أي ادفعوا النار عن أنفسكم بالخيرات من الصيام والصدقة ولو بنصف تمرة فإنه أيضا يدفع النار عن صاحبه، قال أبو سليمان الخطابي: الميتة بكسر الميم الحال السيئة يقال: مات فلان ميتة حسنة ومات فلان ميتة سيئة كما قالوا حسن القعدة والجلسة والركبة والمشية إذا ارادوا بها الحال والهيئة والاسم

(1)

ا. هـ.

= وقد وثقه ابن عدي. وروى عن ابن عباس وعمران بن حصين وفضالة بن عبيد وابن عمر: أما حديث ابن عباس:

أخرجه أبو يعلى (2707)، والطبراني في الكبير (12/ 163 رقم 12771)، وابن عدى (2/ 65) و (7/ 173). قال الهيثمي في المجمع 3/ 105 - 106: رواه أبو يعلى، والطبراني في الكبير، وفيه أبو بحر البكراوي، وفيه كلام، وقد وثق.

وأما حديث عمران بن حصين:

أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 161 رقم 354)، والثقفى في الأربعين (ص 169).

وقال الهيثمي في المجمع 5/ 138: فيه مجاعة بن الزبير قال أحمد: لَا بأس به في نفسه، وقال ابن عدى: هو ممن يتحمل ويكتب حديثه، وضعفه الدارقطنى، وبقية رجاله ثقات وأما حديث فضالة بن عبيد:

أخرجه الطبراني في الكبير (18/ 303 رقم 777). قال الهيثمي في المجمع 3/ 106: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام.

وأما حديث ابن عمر:

أخرجه القضاعي في مسند الشهاب (679).

(1)

إصلاح غلط المحدثين (ص 20)، وغريب الحديث (3/ 219).

ص: 345

وقال غيره: ميتة السوء جميع الأوجاع والهرم والفقر وأراد بميتة السوء ما لَا تحمد عاقبته ولا توثق غائلته من الحالات التي يموت عليها الإنسان عند الموت كالفقر المدقع والوصب الموجع وغيرهما

(1)

والظاهر أن المراد من ميتة السوء الموت على حالة مكروهة كالموت بتمزيق السباع ونهش الحيات أو ما قارب ذلك والله أعلم.

1280 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول لكعب بن عجْرَة يَا كعْب بن عجْرَة الصَّلاة قرْبَان وَالصِّيَام جنَّة وَالصَّدَقَة تطفئ الْخَطِيئَة كمَا يطفئ المَاء النَّار يَا كَعْب بن عجْرَة النَّاس غاديان فبائع نَفسه فموثق رقبته ومبتاع نَفسه فِي عتق رقبته رَوَاهُ أَبُو يعلى بِإِسْنَاد صَحِيح.

(2)

(1)

الميسر (2/ 446)، وشرح المصابيح (2/ 484).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في الجامع (20719) وعنه إسحاق في مسنده كما في (الأمالي المطلقة 2/ 214) وأحمد 3/ 321 (14665)، وعبد بن حميد (1138) ومن طريقه وابن حبان (4514)، والحاكم (1/ 79) و (4/ 127) و (4/ 422)، وأحمد 3/ 399 (15517)، والدارمي (2983) مختصرا، والبزار (1609 - كشف الأستار)، وأبو يعلى (1999)، والطحاوي في مشكل الآثار (1345)، وابن حبان (1723)، والحاكم 3/ 479 - 480، وأبو نعيم في الحلية (8/ 247)، والبيهقي في الشعب (12/ 25 - 26 رقم 8952)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (2106).

قال البزار: لا نعلمه بهذا اللفظ عن جابر إلا بهذا الإسناد. وقال أبو نعيم: لم يسقه هذا السياق من حديث جابر إلا ابن خثيم، تفرد به، رواه عنه الأعلام، وقال الحاكم: صحيح الإسناد. وقال الحافظ: هذا حديث صحيح، وابن خثيم حسن الحديث، وأصل هذا الحديث قد وقع لنا في رواية كعب بن عجرة نفسه، وهو شاهد قوي بهذا الطريق، وباقيه =

ص: 346

قوله: عن جابر تقدم الكلام على جابر.

1281 -

وَعَن كعْب بن عجْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا كَعْب بن عجْرَة إِنَّه لَا يدْخل الْجنَّة لحم وَدم نبتا على سحت النَّار أولى بِهِ يَا كَعْب بن عجْرَة النَّاس غاديان فغاد فِي فكاك نَفسه فمعتقها وغاد فموثقها يَا كعْب بن عجْرَة الصَّلاة قرْبَان وَالصَّوْم جنَّة وَالصَّدَقَة تطفئ الْخَطِيئَة كمَا يذهب الجليد على الصَّفَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: صلى الله عليه وسلم لكعب بن عجرة "أنه لا يدخل الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به" السحت الحرام.

قوله: صلى الله عليه وسلم "لكعب بن عجرة يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصيام جنة

= وقع مفرقًا في عدة أحاديث من غير هذا الوجه.

وصححه الألباني في الظلال (757) وصحيح الترغيب (866) و (2242).

(1)

أخرجه الترمذي (614) و (615) و (2259)، والنسائي في المجتبى 6/ 635 (4245) و 6/ 637 (4246)، وابن أبي عاصم في السنة (756 و 759) والآحاد والمثانى (2064 و 2065 و 2066)، وابن حبان (279) و (282 و 283) و (285)، والطبراني في الكبير 19/ 105 (212) و 19/ 134 (294 والأوسط (1/ 233 - 134 رقم 764) و (3/ 139 - 140 رقم 2730) و (4/ 377 - 378 رقم 4480) و (5/ 205 - 206 رقم 5093)، والحاكم (1/ 78 - 79).

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى. وقال في الموضع الأخير: هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه من حديث مسعر إلا من هذا الوجه.

وصححه الألباني في تخريج الظلال (756) وصحيح الترغيب (867) و (2243).

ص: 347

والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد في فكاك نفسه فمعتقها وغاد فموثقها" فبائع نفسه فموبق رقبته ومبتاع نفسه في عتق رقبته، معناه أن كل إنسان يسعى بنفسه فمنهم من يبيعها لله تعالى بطاعته فيعتقها من العذاب ومنهم من يبيعها للشيطان والهوى بإتباعها فيوبقها أي يهلكها بسخط الله عز وجل

(1)

.

قوله: عن كعب بن عجرة (وعجرة بضم العين، هو أبو محمد، وقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو إسحاق كعب بن عجرة بن أمية بن عدى بن عبيد بن الحارث بن عمرو بن عوف بن غنم بن سواد بن مرى بن أراشة بن عامر بن عبيلة بن قسميل بن قران بن بلى حليف الأنصار.

تأخر إسلامه، وشهد بيعة الرضوان وغيرها. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وأربعون حديثا، اتفقا منها على حديثين، وانفرد مسلم بآخرين. روى عنه ابن عمر، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وطارق بن شهاب، وأبو وائل، وابن أبي ليلى، وبنوه إسحاق، وعبد الملك، ومحمد، والربيع أولاد كعب، وزيد بن وهب، والشعبى، وغيرهم، وفيه نزل قوله تعالى:{فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ}

(2)

، سكن الكوفة، وتوفى بالمدينة سنة إحدى، وقيل: ثنتين، وقيل: ثلاث وخمسين، وله سبع

(1)

شرح النووي على مسلم (3/ 102)، وشرح الأربعين (ص 86)، والتعيين (ص 181).

(2)

سورة البقرة، الآية:196.

ص: 348

وسبعون، وقيل: خمس وسبعون سنة

(1)

.

قوله: صلى الله عليه وسلم "والصدقة تطفيء الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا" (الجليد ما سقط من الصقيع فجمد وقيل هو الماء الجامد من البرد وقوله الصفا في الأصل جمع صفاة، قال الزجاج: الصفا في اللغة: الحجارة الصلبة الصلدة التي لَا تنبت شيئا، وقيل هي الصخرة والحجر الأملس

(2)

).

1282 -

وَعَن معَاذ بن جبل قَالَ كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي سفر فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فِيهِ ثمَّ قَالَ يَعْني النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَلا أدلك على أَبْوَاب الْخَيْر قلت بلَى يَا رَسُول الله قَالَ الصَّوْم جنَّة وَالصَّدَقَة تطفئ الْخَطِيئَة كَمَا يطفئ المَاء النَّار رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيت حسن صَحِيح

(3)

وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الصمت وَهُوَ عِنْد ابْن حبَان من حَدِيث جَابر

(4)

في حَدِيث يَأْتِي فِي كتاب الْقَضَاء إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

1283 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الصَّدَقَة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتَة السوء" رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيت حسن غَرِيب

(5)

وروى ابْن الْمُبَارك فِي كتاب

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 68 ترجمة 527).

(2)

كشف المشكل (2/ 298)، والمجموع المغيث (1/ 339)، والنهاية (1/ 285 و 3/ 41).

(3)

أخرجه أحمد 5/ 248 (22133)، والترمذي (2616)، والنسائي في الكبرى (11330).

قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في الإرواء (413) وصحيح الترغيب (868) و (983) و (2866).

(4)

أخرجه ابن حبان (1723). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (866) و (2242).

(5)

أخرجه الترمذي (664)، والبغوى في جزئه (28)، وابن حبان (3309). قال الترمذي =

ص: 349

الْبر شطره الأخير وَلَفظه إِن الله ليدرأ بِالصَّدَقَةِ سبعين بَابا من ميتَة السوء

(1)

يدْرَأ بِالدَّال الْمُهْملَة أَي يدْفع وَزنه وَمَعْنَاهُ.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه تقدم الكلام على أنس.

قوله: صلى الله عليه وسلم "إن الصدقة لتطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء" فيه الحث على الصدقة والترغيب فيها وقد جاء في الحديث أن الصدقة والبلاء يعتلجان بين السماء والأرض أي يتصارعان ويتدافعا والمراد منه أن الله تعالى إذا أنزل البلاء بعبده فتصدق صحدت الصدقة فإذا صادفت البلاء نازلا منعته من الوصول، وروى أبو الليث السمرقندى

(2)

أن قصارا في زمن عيسى عليه السلام كان يمزق على الناس أقمشتهم فسألوا عيسى عليه السلام أن يدعو عليه فدعا عليه بالهلاك فبينما هم عند غروب الشمس إذا القصار قد دخل ورزمته على رأسه فعجبوا من ذلك وأتوا عيسى عليه السلام فطلبه فحضر برزمته فقال: أفتح رزمتك ففتحها فإذا فيها ثعبان عظيم مطوق وقد ألجم بلجام من حديد فقال له عيسى عليه السلام: ما صنعت اليوم من الخير؟ فقال: لم أصنع شيئا غير أن رجلا نزل إلي

= هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

وضعفه الألباني في المشكاة (1909) وضعيف الترغيب (513) والإرواء (885).

(1)

أخرجه المروزي في البر والصلة عن ابن المبارك (285)، والقضاعى في مسند الشهاب (1094)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (1635)، والديلمى كما في الغرائب الملتقطة (731).

وضعفه الألباني في الإرواء (3/ 392) والضعيفة (5308) وضعيف الترغيب (513).

(2)

تنبيه الغافلين (ص 315).

ص: 350

من صومعته أي موضعه الذي يتعبد فيه فشكى الجوع فدفعت إليه رغيفا كان معي فقال: عيسى علسه السلام إن الله بعث هذا الثعبان إليه فلما تصدق أمر الله تعالى ملكا فألجمه بهذا اللجام والله أعلم.

حكاية: وعن معمر قال: وحدثني شيخ لنا أن امرأة جاءت إلى بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، فقالت لها: ادعي الله أن يطلق لي يدي، قالت: وما شأن يدك؟ قالت: كان لي أبوان، فكان أبي كثير المال كثير المعروف كثير الفضل - أو قالت: كثير الصدقة - ولم يكن عند أمي من ذلك شيء، لم أرها تصدقت بشيء قط، غير أنا نحرنا بقرة، فأعطت مسكينا شحمة في يده، وألبسته خرقة، فماتت أمي، ومات أبي، فرأيت أبي على نهر يسقي الناس، فقلت: يا أبتاه، هل رأيت أمي؟ قال لَا، أو ماتت؟ قالت: قلت: ثعم، قالت: فذهبت ألتمسها فوجدتها قائمة عريانة ليس عليها إلا تلك الخرقة، وتلك الشحمة في يدها وهي تضرب بها على يدها الأخرى، ثم تمص أثرها، وتقول: واعطشاه، فقلت لها: يا أمه، ألا أسقيك؟ قالت: بلى، فذهبت إلى أبي، فأخذت إناء من عنده، فسقيتها منه، فنبذني بعض من كان عنده قائما، فقال: من سقاها أشل الله يده، قالت: فاستيقظت وقد شلت يدي

(1)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء" قد ضبط الحافظ

(2)

الدرء وفسره بالدفع وزنه ومعناه.

(1)

الجامع (20768) لمعمر.

(2)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).

ص: 351

تتمة: حديث أنس: وروى ابن المبارك شطره الأخير ولفظه "إن الله ليدرأ بالصدقة سبعين بابا من ميتة السوء" يدرأ بالدال المهملة أي يدفع وزنه ومعناه ا. هـ، واعلم ان النبي صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة قبل أن يمر الرجل بصدقته فلا يجد من يقبلها ففي صحيح مسلم

(1)

من حديث حارثة بن وهب قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "تصدقوا، فيوشك الرجل يمشي بصدقته، فيقول الذي أعطيها: لو جئتنا بها بالأمس قبلتها، فأما الآن، فلا حاجة لي بها، فلا يجد من يقبلها" السبب المقتضي لعدم قبول الصدقة إذ ذاك ما يخرجه الله تعالى من كنوز الأرض فلا يجد الإنسان من يقبل صدقته ففيه الحث على المبادرة بالصدقة واغتنام مكانها قبل تعذرها ففي ذلك الزمان تظهر الكنوز ويقل الناس بعد هلاك يأجوج ومأجوج

(2)

ونبه بذكر الذهب على أن غير الذهب من باب أولى أن لا يقبل ثم روى مسلم

(3)

في صحيحه عقبه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقِيءُ الأَرْضُ أَفْلَاذَ كبِدِهَا، أَمْثَالَ الْأُسْطُوَانِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، فَيَجِيءُ الْقَاتِلُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَتَلْتُ، وَيَجِيءُ الْقَاطِعُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قَطَعْتُ رَحِمِي، وَيَجِيءُ السَّارِقُ فَيَقُولُ: فِي هَذَا قُطِعَتْ يَدِي، ثُمَّ يَدَعُونَهُ فَلَا يَأْخُذُونَ مِنْهُ شَيْئًا".

(1)

مسلم (1011).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 96)، وكشف المناهج (2/ 122)، وطرح التثريب (4/ 27).

(3)

صحيح مسلم (1013).

ص: 352

(قوله)"في هذا قطعت" أي بسببه.

قال: القرطبي

(1)

الذي تخرجه الأرض من كنوزها هو معنى قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا (2)}

(2)

أي كنوزها في أحد التفسيرين وقيل موتاها ا. هـ.

وذكر ابن حزم الطبري

(3)

: أن في بحيرة طبرية سبعمائة موفرة بالذهب والجوهر لا تقوم الساعة حتى تظهر بسبب انحسار الماء عنها، وفي حديث آخر "لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب"

(4)

يحسر أهو بفتح الياء، المثناة تحت وكسر السين أي ينكشف لذهاب مائه

(5)

يقال: حسرت العمامة عن رأسى والثوب عن بدني أي كشفتها ومنه أيضا حسرت المرأة عن وجهها أي كشفت والحاسر الذي لا سلاح عليه

(6)

وروى مسلم أيضا في صحيحه

(7)

عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ليأتين على الناس زمان يطوف الرجل فيه بالصدقة من الذهب، ثم لَا يجد أحدا يأخذها منه، ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة، يلذن به، من قلة الرجال وكثرة

(1)

ينظر: تفسير القرطبي (6/ 111)، والمفهم (9/ 26).

(2)

سورة الزلزلة، الآية:2.

(3)

هكذا في المخطوط ولم أجد في المصادر هذا الإسم وأظن فيه تصحيف.

(4)

أخرجه مسلم (2894).

(5)

شرح النووي على مسلم (18/ 18 - 19).

(6)

النهاية (1/ 383)، والمفهم (23/ 74).

(7)

سبق تخريجه.

ص: 353

النساء حتى يطوف بالرجل الواحد أربعين إمرأة" السبب في ذلك كثرة القتل كما أخبر به في الحديث الثابت في أشراط الساعة وأن يكثر الهرج والمراد به القتل والمراد بأربعين امرأة أقارب الإنسان وقوله: "يلذن به" أي ينتمين إليه

(1)

قاله ابن عقيل في شرح الأحكام ا. هـ.

1284 -

وَعَن أبي كبْشَة الْأَنمَارِي رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول ثَلاث أقسم عَلَيْهِنَّ وَأُحَدِّثكُمْ حَدِيثا فاحفظوه قَالَ مَا نقص مَال عبد من صَدَقَة وَلَا ظلم عبد مظْلمَة صَبر عَلَيْهَا إِلَّا زَاده الله عزا وَلَا فتح عبد بَاب مَسْألة إِلَّا فتح الله عَلَيْهِ بَاب فقر أَو كلمة نَحْوهَا وَأُحَدِّثكُمْ حَدِيثا فاحفظوه قَالَ إِنَّمَا الدُّنْيَا لأربعة نفر عبد رزقه الله مَالا وعلما فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ ربه ويصل فِيهِ رَحمَه وَيعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا بِأَفْضَل الْمنَازل وَعبد رزقه الله علما وَلم يرزقه مَالا فَهُوَ صَادِق النِّيَّة يَقُول لَو أَن لي مَالا لعملت بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته فأجرهما سَوَاء وَعبد رزقه الله مَالا وَلم يرزقه علما يخبط فِي مَاله بِغَيْر علم وَلَا يَتَّقِي فِيهِ ربه وَلَا يصل فِيهِ رَحمَه وَلَا يعلم لله فِيهِ حَقًا فَهَذَا بأخبث الْمنَازل وَعبد لم يرزقه الله مَالا وَلَا علما فَهُوَ يَقُول لَو أَن لي مَالا لعملت فِيهِ بِعَمَل فلَان فَهُوَ بنيته فوزرهما سَوَاء رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح

(2)

.

(1)

انظر: شرح النووي على مسلم (7/ 96 - 97).

(2)

أخرجه ابن ماجه (4228)، والترمذي (2325)، قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (16) و (869) و (2463).

ص: 354

قوله وعن أبي كبشة الأنماري تقدم الكلام عليه وعلى تفسير الحديث في أوائل الكتاب.

1285 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ ضرب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مثل الْبَخِيل والمتصدق كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جنتان من حَدِيد قد اضطرت أَيْدِيهِمَا إِلَى ثديهما وتراقيهما فَجعل الْمُتَصَدّق كلما تصدق بِصَدقَة انبسطت عَنهُ حَتَّى تغشى أنامله وَتَعْفُو أَثَره وَجعل الْبَخِيل كلما هم بِصَدقَة قلصت وَأخذت كل حَلقَة بمكانها قَالَ أَبُو هُرَيْرَة فَأَنا رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول بِأُصْبُعَيْهِ هَكَذَا فِي جيبه يوسعها وَلَا تتوسع رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَلَفظه مثل الْمُنفق الْمُتَصَدّق والبخيل كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جبتان أَو جنتان من حَدِيد من لدن ثديهما إِلَى تراقيهما فَإِذا أَرَادَ الْمُنفق أَن ينْفق اتسعت عَلَيْهِ الدرْع أَو مرت حَتَّى تجن بنانه وَتَعْفُو أَثَره فَإذا أَرَادَ الْبَخِيل أَن ينْفق قلصت ولزمت كل حَلقَة موضعهَا حَتَّى أخذت بترقوته أَو بِرَقَبَتِهِ يَقُول أَبُو هُرَيْرَة رضي الله عنه أشهد أَنه رأى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يوسعها وَلَا تتسع

(1)

الْجنَّة بِضَم الْجِيم وَتَشْديد النُّون كل مَا وقى الإِنْسَان ويضاف إِلَى مَا يكون مِنْهُ التراقي جمع ترقوة بِفَتْح التَّاء وَضمّهَا لحن وَهُوَ الْعظم الَّذِي يكون بَين ثغرة نحر الإِنْسَان وعاتقه وقلصت بِفَتْح الْقَاف وَاللَّام أَي انجمعت وتشمرت وَهُوَ ضد استرخت وانبسطت والجيب هُوَ الْخرق الَّذِي يخرج الإِنْسَان مِنْهُ رَأسه فِي الثَّوْب وَنَحْوه.

(1)

أخرجه البخاري (1442 و 1443 و 1444) و (2917) و (5299) و (5797)، ومسلم (75 و 77 - 1021)، والنسائي في المجتبى 4/ 549 (2566) و 4/ 551 (2567).

ص: 355

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم "مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد" وفي رواية النسائي

(1)

"عليهما جبتان أو جنتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما" الجنة قد ضبطها الحافظ وفسرها

(2)

فقال: كل ما وقى الإنسان أي ستره كالدرع.

قوله: "من لدى ثديهما إلى تراقيهما" الحديث، لدى ظرف مكان بمعنى عند وفيه لغات إلا أنه أقرب مكانا من عند وأخص منه فإن عند يقع على المكان وغيره تقول لي عند فلان مال أي في ذمته ولا يقال ذلك في لدن

(3)

والله أعلم.

قوله: ثديهما بضم المثلثة جمع ثدي نحو الفلوس والفلس والتراقي جمع الترقوة بفتح التاء وضمها وهي العظم الذي يكون بين نقرة نحر الإنسان وعاتقه قاله النووي

(4)

وقال: عياض

(5)

الترقوة كل واحد من العظمين الذين بين نقرة النحر والعاتق ومنه لَا يجاوز تراقيهم وإلى تراقيهما.

قوله: صلى الله عليه وسلم "فجعل المتصدق كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى

(1)

سبق تخريجه.

(2)

هو المنذري.

(3)

النهاية (4/ 246).

(4)

ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/ 111)

(5)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506)، ومشارق الأنوار (1/ 121)، ومطالع الأنوار (2/ 15 - 16).

ص: 356

أنامله وتعفو أثره" أي تمحوه أثر مشيه لطولها

(1)

.

قوله: صلى الله عليه وسلم "وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها" وقلصت قد ضبطها الحافظ

(2)

وفسرها فقال: أي انجمعت وتشمرت وهو ضد استرخت وانبسطت.

قوله: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بأصبعه هكذا في جيبه يوسعها ولا تتوسع، والجيب قد فسره الحافظ

(3)

رحمه الله فقال: هو الخرق الذي يخرج الإنسان منه رأسه وفي هذا دليل على لباس القميص وكذا ترجم عليه البخاري

(4)

رحمه الله باب جيب القميص من عند الصدر لأنه المفهوم من لباس النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة مع أحاديث صحيحة جاءت به

(5)

.

قوله صلى الله عليه وسلم في رواية النسائي "فإذا أراد المنفق أن ينفق اتسعت عليه أو مرت به حتى تجن بنانه" بالجيم والنون وفي رواية "حتى تخفى" بالخاء المعجمة وفي رواية "حتى تغشى أنامله" ومعنى تجن أي تستر وتغطي

(6)

وبه سمي الجني من الجنة لاستتارهم عن الناس وجن الليل وجن عليه الليل وجنه واجنة إذا أظلم عليه فستره والجنة منه لأن شجرها ستر أرضها وداخلها

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 109)، والكواكب الدراري (21/ 61).

(2)

أي المنذري.

(3)

أي المنذري.

(4)

صحيح البخاري (7/ 143).

(5)

شرح النووي على مسلم (7/ 110).

(6)

النهاية (1/ 308).

ص: 357

وجمعه جنات وجنان

(1)

ا. هـ.

وقوله: أثره بفتح الهمزة المثلثة وكسر الهمزة وسكون المثلثة لغتان

(2)

والبنان بفتح الموحدة أطراف الأصابع من الرجلين واليدين الواحدة بنانة ويقال: للأصابع بنانة وهو مشتق من ابن الرجل المكان إذا قام فيه فالبنان تلزم ما تقبض غليلا وقال: الزجاج

(3)

البنان الأصابع وغيرها من الأعضاء حكاه في التحصيل

(4)

في قوله تعالى: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ}

(5)

وقال الجوهري

(6)

: أبَنّ بالمكان: أقام به، ثم قال بعده: والبنانة واحدة البنان وهي أطراف الأصابع وجمع القلة بنانات ويقال بنانة مخضب لأن كل جمع بينه وبين واحده الهاء فإنه يوحد ويذكر وقال الزجاج

(7)

: والبَنان بِهِ يُعْتمل كُلّ مَا يكون للإقامة والحياة. قاله في الحواشي، قوله:"وتعفو أثره" بفتح الهمزة والمثلثة وكسر الهمزة وسكون المثلثة لغتان ومعنى وتعفو أثره أي تمحو أثر مشيه لسبوغها وطولها وإسبال ذيلها والسابغ الكامل وهو تمثيل لنماء المال بالصدقة والإنفاق ويحتمل هو تمثيل لكثرة الجود والبخل فإن المعطي إذا

(1)

المشارق (1/ 156)، ومطالع الأنوار (2/ 152)، والنهاية (1/ 307).

(2)

الكواكب الدراري (7/ 206).

(3)

معانى القرآن (2/ 405).

(4)

تهذيب اللغة (15/ 337)، وتفسير القرطبى (7/ 378).

(5)

سورة الأنفال، الآية:12.

(6)

الصحاح (5/ 2080 - 2081).

(7)

معانى القرآن (2/ 405).

ص: 358

أعطى انبسطت يداه بالعطاء وتعود ذلك وإذا أمسك صار ذلك عادة له وقيل معنى تمحو أثره أي تذهب بخطاياه وتمحوها والله أعلم

(1)

ومعنى الحديث: أن الموفق إذا هم بالنفقة اتسع لذلك صدره وطاوعته نفسه وانبسطت بالعطاء يداه كالذي لبس درعًا فاسترسلت عليه وأخرج منها يديه فانبسطت حتى خلصت إلى ظهور قدميه فحصنته، وأنَّ البخيل إذا أراد الإنفاق حرج به صدره واشمأزت عنه نفسه وانقبضت عنه يداه كالذي أراد أن يستجن بالدرع وقد غلت يداه إلى عنقه فحال ما ابتلي به بينه وبين ما يبتغيه فلا يزيده لبسها إلا ثقلا والتزاما في العنق وأخذا بالترقوة هكذا قاله في الميسر في شرح مشارق الأنوار

(2)

.

1286 -

وَعَن مَالك رحمه الله أَنه بلغه عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن مِسْكينا سَأَلَهَا وَهِي صَائِمَة وَلَيْسَ فِي بَيتهَا إِلَّا رغيف فَقَالَت لمولاة لَهَا أعطيها إِيَّاه فَقَالَت لَيْسَ لَك مَا تفطرين عَلَيْهِ فَقَالَت أعطيها إِيَّاه قَالَت فَفعلت فَلَمَّا أمسينا أهْدى لَهَا أهل بَيت أَو إِنْسَان مَا كَانَ يهدي لَهَا شَاة وكفنها فدعتها عَائِشَة فَقَالَت كلي من هَذَا خير من قرصك

(3)

.

1287 -

قَالَ مَالك وَبَلغنِي أَن مِسْكينا استطعم عَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ رضي الله عنها وَبَين يَديهَا عِنَب فَقَالَت لإِنْسَان خُذ حَبَّة فأعطه إِيَّاهَا فَجعل ينظر إِلَيْهَا

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 109).

(2)

حدائق الأزهار للأرزنجانى (لوحة 177 آخر الوجه الأول وبداية الثانى/ كتبخانة رقم 87781).

(3)

أخرجه مالك بلاغا (2848). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (514).

ص: 359

ويعجب فَقَالَت عَائِشَة رضي الله عنها أتعجب كم ترى فِي هَذِه الْحبَّة من مِثْقَال ذرة ذكره فِي الْمُوَطَّأ هَكَذَا بلاغا بِغَيْر سَنَد.

(1)

قَوْله وكفنها أَي مَا يَسْتُرهَا من طَعَام وَغَيره.

قوله: وعن مالك مناقب الإمام مالك معروفة مشهورة قال: أرباب السير وقع في زمان الإمام مالك واقعة غريبة وهي أن إمرأة غسلت إمرأة ميتة ثم ضربت بيدها على فرجها وقالت لها قاتلك الله ما كان أزناك فلصقت يد الغاسلة على فرج الميتة وتحير الناس في خلاصها فسألوا مالكا فقال هذه الغاسلة قذفت الميتة فخذوا منها حد القذف فأخذوا منها حد القذف فخلصت يدها

(2)

.

قوله: أنه بلغه عن عائشة أن مسكينًا سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا

(1)

أخرجه مالك في الموطأ بلاغا (2849). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (514).

(2)

النجم الوهاج (3/ 97 - 98). قال ابن حجر في لسان الميزان (ترجمة يعقوب بن إسحاق 6/ 304 - 305): وقد وجدت له حكاية تشبه أن تكون من وضعه قرأت بخط الحافظ قطب الدين الحلبي ما نصه: وبسندي إلى عبد الرحمن بن عمر بن محمد بن سعيد وجدت بخط يد عمي بكر بن محمد بن سعيد: حَدَّثَنا يعقوب بن إسحاق بن حجر العسقلاني إملاء حدثنا إبراهيم بن عقبة حدثني المُسَيَّب بن عبد الكريم الخثعمي حدثتني أمة العزيز امرأة أيوب بن صالح صاحب مالك قالت: غسلت امرأة بالمدينة فضربت امرأة بيدها على عجيزتها فقالت: ما علمتك إلا زانية، أو مأبونة فالتزقت يدها بعجيزتها فأخبرنا مالكا فقال: هذه المرأة تطلب حدها فاجتمع الناس فأمر بها مالك أن تضرب الحد فضربت تسعة وسبعين سوطا ولم تنزع اليد فلما ضربت تمام الثمانين انتزعت اليد وصلي على المرأة ودفنت. ويعقوب بن إسحاق العسقلاني: كذاب.

ص: 360

رغيف فقالت لمولاة لها أعطه إياه إلى أن قال: وقال: ما لك وبلغني أن مسكينا استطعم عائشة أم المؤمنين وبين يديها عنب فقالت لإنسان خذ حبة فأعطه إياها فجعل ينظر إليها ويحجب فقالت عائشة أتعجب كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة وكانوا لَا يردون السائل إذ كانت هذه أخلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سأله قط أحد شيئا فقال لَا لكنه ألا يقدر على شيء سكت ذكره في الموطأ تقدم الكلام على المسكين والفقير والاختلاف فيهما.

قوله: فلما أمسينا أهدى لها أهل بيت شاة وكفنها

(1)

أي ما يسترها من طعام وغيره قاله الحافظ

(2)

، وقال: في النهاية

(3)

أي ما يغطيها وقيل ما يغطيها من (الرُّغْفان).

قوله ذكره في الموطأ: وسئل الإمام أحمد بن حنبل عن كتاب مالك فقال: ما أحسنه لمن تدين به

(4)

، وقال: الإمام الشافعي إذا جاء الحديث عن مالك فأشدد يديك به

(5)

، وقال: مالك شاورني الخليفة هارون الرشيد في ثلاثة أن يعلق الموطأ في الكعبة ويحمل الناس على ما فيه وفي أن ينقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعله من جوهر وذهب وفضة وفي أن يقدم نافع بن أبي نعيم إماما

(1)

في الأصل "وكفتها" والتصويب من النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 193).

(2)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 327).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 193).

(4)

الحلية (6/ 322)، وكشف المغطى (رقم 25).

(5)

حلية الأولياء (6/ 322).

ص: 361

يصلي بالليل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت يا أمير المؤمنين أم تعليق الموطأ في الكعبة فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفوا في الفروع وتفرقوا في الأفاق وكل مجتهد مصيب وأما نقض منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم واتخاذك إياه من جوهر وذهب فضة فإني لَا أرى أن تحرم الناس أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأما تقديمك نافعا فإن نافعا إمامًا في القراءة فلا يؤمن أن تندر منه في المحراب فتحفظ عليه فقال الرشيد وفقك الله يا أبا عبد الله

(1)

وقال: للشافعي ما في الأرض كتاب من علم أكثر صوابًا من موطأ مالك بن أنس

(2)

انتهى قاله في مجمع الأحباب.

روى البيهقي في الشعب

(3)

من حديث صالح المري عن الحسن بن أنس أن سائلا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فأعطاه تمرة فقال: السائل سبحان الله نبي من الأنبياء يتصدق بتمرة فقال: النبي صلى الله عليه وسلم أو ما علمت أن فيها مثاقيل ذر كبير ثم أتاه أخر فسأله فأعطاه تمرة فقال: تمرة من نبي من الأنبياء لَا تفارقني هذه التمرة ما بقيت ولا أزال أرجو بركتها أبدا فأمر له النبي صلى الله عليه وسلم بمعروف وفي رواية [قال للجارية] اذهبي إلى أم سلمة فمريها فلتعطه الأربعين درهما التي عندها قال: أنس فما لبث الرجل أن استغنى وأعطى سعد بن أبي وقاص سائلا تمرتين فقبض السائل يده فقال له سعد يا هذا إن الله قد قبل منا مثاقيل الذر وسمع هذه الآية صعصعة بن عقال التميمي عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي لَا أبالي أن لا أسمع غيرها وسمعها رجل عند الحسن فقال انتهت الموعظة فقال:

(1)

حلية الأولياء (6/ 322).

(2)

حلية الأولياء (6/ 329).

(3)

شعب الإيمان (11/ 385 رقم 7810 و 7811).

ص: 362

الحسن فقه الرجل

(1)

والذرة نملة حمراء حقيرة لا يرجح منها ميزان

(2)

ومقدار الذرة في قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7)}

(3)

الآية قيل قال: النيسابوري سبعون ذرة تزن جناح بعوضة وسبعون جناح بعوضة تزن حبة

(4)

والله أعلم.

1288 -

وَعَن أبي هُرَيرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ رجل لأتصدقن بِصَدقَة فَخرج بِصَدَقَتِهِ فوضعها فِي يَد سَارِق فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق اللَّيْلَة على سَارِق فَقَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد على سَارِق لأتصدقن بِصَدقَة فَخرج بِصَدَقَتِهِ فوضعها فِي يَد زَانِيَة فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق اللَّيْلَة على زَانِيَة قَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد على زَانِيَة لأتصدقن بِصَدقَة فَخرج بِصَدَقَتِهِ فوضعها فِي يَد غَنِي فَأَصْبحُوا يتحدثون تصدق اللَّيْلَة على غَنِي قَالَ اللَّهُمَّ لَك الْحَمد على سَارِق وزانية وغني فَأتي فَقيل لَهُ أما صدقتك على سَارِق فَلَعَلَّهُ أَن يستعف عَن سَرقته وَأما الزَّانِيَة فلعلها أَن تستعف عَن زنَاهَا وَأما الْغَنِيّ فَلَعَلَّهُ أَن يعْتَبر فينفق مِمَّا أعطَاهُ الله رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ وَقَالا فِيهِ فَأتي فَقيل لَهُ أما صدقتك فقد تقبلت ثمَّ ذكر الحَدِيت

(5)

.

(1)

حياة الحيوان (1/ 495).

(2)

كشف المشكل (3/ 163) والنهاية (2/ 157)، وحياة الحيوان (1/ 494).

(3)

سورة الزلزلة، الآية:7.

(4)

كشف الأسرار (لوحة 19).

(5)

أخرجه البخاري (1421) ومسلم (78 - 1022)، والنسائي في المجتبى 4/ 530 (2542)، وابن حبان (3356).

ص: 363

1289 -

وَعَن عقبَة بن عَامر رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول: "كل امرئ فِي ظلّ صدقته حَتَّى يقْضى بَين النَّاس قَالَ يزِيد فَكَانَ أَبُو الْخَيْر مرْثَد لَا يخطئه يَوْم إِلَّا تصدق فِيهِ بِشَيْء وَلَو بكعكة أَو بصلَة" رَوَاهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(1)

.

1290 -

وَفي رِوَايَة لابْنِ خُزَيْمَة أَيْضا عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن مرْثَد بن أبي عبد الله الْيَزنِي أَنه كَانَ أول أهل مصر يروح إِلَى الْمَسْجِد وَمَا رَأَيته دَاخِلا الْمَسْجِد قطّ إِلَّا وَفِي كمه صَدَقَة إِمَّا فلوس وَإِمَّا خبز وَإِمَّا قَمح قَالَ حَتَّى رُبمَا رَأَيْت البصل يحملهُ قَالَ فَأَقُول يَا أَبَا الْخَيْر إِن هَذَا ينتن ثِيَابك قَالَ فَيَقُول يَا ابْن أبي حبيب أما إِنِّي لم أجد فِي الْبَيْت شَيْئا أَتصدق بِهِ غَيره إِنَّه حَدثنِي رجل من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ظلّ الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة صدقته

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد 4/ 147 - 148 (17333)، أبو يعلى (1766)، وابن خزيمة (2431)، والطحاوي في مشكل الآثار (3836)، وابن حبان (3310)، والطبراني في الكبير 17/ 280 (771)، والحاكم 1/ 416، وأبو نعيم في الحلية 8/ 181، والقضاعي في مسند الشهاب (103) و (137)، والبيهقي في الصغير (2/ 69 رقم 1250) والكبرى (4/ 297 رقم 7751)، وفي الشعب (5/ 49 - 50 رقم 3077)، والبغوي في شرح السنة (1637)، وصححه الحاكم على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 110: رواه كله أحمد. وروى أبو يعلى، والطبراني في الكبير بعضه، ورجال أحمد ثقات. وصححه الألباني في الصحيحة (3484) وعمحيح الترغيب (872)

(2)

أخرجه أحمد 4/ 233 (18043) و 5/ 411 (23490)، والمروزي في البر والصلة (310)، وابن زنجويه في الأموال (1321)، وابن خزيمة (2432)، والطحاوى في مشكل الآثار (3837). وصححه الألباني في المشكاة (1925) وصحيح الترغيب (872).

ص: 364

قوله وعن عقبة بن عامر تقدم الكلام على عقبة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس" قال: يزيد فكان أبو مرثد لَا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أو بصلة الحديث، يزيد هو ابن أبي حبيب كنيته أبو رجاء المصري

(1)

وهو تابعي قال: ابن يونس كان مفتي أهل مصر في زمانه وعالم أهلها وكان حليما عاقلا وهو كان أول من أظهر العلم بمصر والكلام في الحلال والحرام وقيل كانوا قبل ذلك يتحدثون بالفتن والملاحم والترغيب في الخير وقال: الليث بن سعد يزيد سيدنا وعالمنا واسم أبي حبيب سويد وقال: ابن سعد كان ثقة كثير الحديث وروى أنه كان أسود حبشيا وقيل نوبيا كان أبوه من دنقلة ونشأ بمصر وأهلها [علوية] فقلبهم عثمانية ولما كثرت المسائل عليه لزم بيته مات سنة ثمان وعشرين ومائة ونيف على خمس وسبعين سنة واسم أبي حبيب سويد مولى ابن الطفيل الأزدي أسند عن معاذ بن جبل وأبي الدرداء وغيرهما وأراد الوليد بن عبد الملك

(2)

أن يولي يزيد القضاء فلبس يزيد فروة

(1)

سير أعلام النبلاء (6/ 31) تهذيب الكمال (1534)، طبقات خليفة: 294، تاريخ البخاري 4/ 324، التاريخ الصغير 2/ 10 - 11، الجرح والتعديل 9/ 267، ثقات ابن حبان 3/ 295، تاريخ الإسلام 5/ 184، تذكرة الحفاظ 1/ 128 - 129، تهذيب التهذيب 11/ 318، حسن المحاضرة 1/ 299، شذرات الذهب 1/ 175.

(2)

هذا وهم من الشارح فيزيد الذي أراد أن يوليه الوليد بن عبد الملك إنما هو يزيد بن مرثد الصنعانى الدمشقى انظر حلية الأولياء (5/ 165)، وتاريخ دمشق (65/ 379) والمنتظم (6/ 292).

ص: 365

قد قلبها فجعل الجلد على ظهره والصوف خارجا وأخذ بيده رغيفًا وخرج حافيا مكشوف الرأس وجعل يمشي في الأسواق ويأكل الخبز فقيل للوليد أن يزيد قد اختلط وأخبر بما فعل فتركه ا. هـ.

قوله: فكان أبو مرثد ومرثد بن عبد الله اليزني كنيته أبو الخير

(1)

بالخاء المعجمة ومرثد بالميم المفتوحة والراء والثاء المثلثة المفتوحة بن عبد الله اليزني بالمثناة تحت والزاي المفتوحتين والوزن منسوب إلى يزن بطن من حمير

(2)

المصري التابعي كان مفتي أهل مصر في زمانه وكان لا يدع الصدقة في كل يوم قاله ابن يونس روى عن عمرو بن العاص وابنه وعقبة بن عامر وغيرهما روى عنه يزيد بن أبي حبيب وكعب بن علقمة وجعفر بن ربيعة وطائفة وكان عبد العزيز بن مروان يحضره فيجلسه للفتيا.

قال العلماء

(3)

: يستحب لمن خرج إلى المسجد أن يخرج معه بصدقة يتصدق بها ففي هذا الحديث أن أبا مرثد كان لا يخطئه يوم إلا تصدق فيه بشيء ولو بكعكة أبو بصلة، وفي الرواية الآخرى حتى ربما رأيت البصل

(1)

سير أعلام النبلاء (4/ 284) طبقات ابن سعد 7/ 511، تهذيب الكمال ص 1315 و 1608، تذكرة الحفاظ 1/ 68، تاريخ الإسلام 3/ 303، العبر 1/ 105، تذهيب التهذيب 4/ 29 آ، تهذيب التهذيب 10/ 82، طبقات الحفاظ للسيوطي ص 29، حسن المحاضرة 1/ 296، 345، خلاصة تذهيب التهذيب 372. تاريخ البخاري 7/ 416، المعرفة والتاريخ 2/ 491 و 499، الجرح والتعديل 1/ 299، طبقات الفقهاء للشيرازي 78.

(2)

اللباب (3/ 411).

(3)

ينظر: الشرح الكبير على متن المقنع (2/ 433) المغني لابن قدامة (2/ 427).

ص: 366

يحمله فأقول يا أبا الخير إن هذا ينتن ثيابك فيقول أما إني لم أجد في البيت شيئا أتصدق به غيره الحديث قال: العلماء ولو أدخل معه المسجد ثوما أو بصلا في مكتل أو خرقة ونحوها فإن كان لحاجة لم يكره كما لو خاف عليه الضياع فإن كان لغير حاجة وكانت له رائحة تنتشق كره لعدم الضرورة إليه بخلاف أكل الثوم وأن أدخله ليتصدق به لم يكره ا. هـ، قاله في تسهيل المقاصد لزوار المساجد

(1)

.

وفي الحديث: الحث على الصدقة كل وقت وأنها تستر بين العبد وبين حر الشمس والنار يوم القيامة وهذا ما دامت الشمس موجودة فإذا كورت وألقيت في النار كانت الصدقة تستر من النار.

والصدقة وإن قلّت فإن الله تعالى يربي حتى تكون مثل الجبل العظيم وأعظم من ذلك وفي المفهم أنه في ظل العرش

(2)

ويدل عليه قوله عنه في حديث السبعة الذي يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فيه دليل على تأخرهم إلى أن يفرغ من الحساب.

وقد جاء في الحديث أن الفقراء يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام والجواب عن ذلك أن فصل القضاء يكون سريعا فإنه تعالى أسرع الحاسبين قال المفسرون فيحاسب العباد كلهم في وقت واحد كل أحد يظن أنه يحاسب وحده وعن ابن عباس قال: يوم القيامة خمسون موقفا كل موقف

(1)

تسهيل المقاصد (لوحة 22/ خ 1625 أزهرية).

(2)

المفهم (7/ 64).

ص: 367

ألف سنة

(1)

فموقف لا تسمع إلا همسا وموقف للحساب وغير ذلك ا. هـ قاله في شرح الإلمام.

1291 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الصَّدَقَة لتطفئ عَن أَهلهَا حر الْقُبُور وَإِنَّمَا يستظل الْمُؤمن يَوْم الْقِيَامَة فِي ظلّ صدقته رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَالْبَيْهَقِيّ وَفِيه ابْن لَهِيعَة

(2)

.

قوله: وعنه تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم "إن الصدقة لتطفيء عن أهلها حر القبور وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة في ظل صدقته" تقدم معنى الظل في الحديث قبله.

قوله: وفيه ابن لهيعة تقدم الكلام على ابن لهيعة.

1292 -

وَعَن الْحسن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِيمَا يروي عَن ربه عز وجل أَنه يَقُول يَا ابْن آدم أفرغ من كَنْزك عِنْدِي وَلَا حرق وَلَا غرق وَلَا سرق أوفيكه أحْوج مَا تكون إِلَيْهِ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

(3)

وَقَالَ هَذَا مُرْسل وَقد روينَا عَن ابْن عمر عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه قَالَ إِن الله إِذا استودع شَيْئا حفظه

(4)

.

(1)

أخرجه ابن أبي الدنيا في الأهوال (130) عن الحسن البصرى.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير 17/ 286 (788)، والبيهقي في الشعب (5/ 49 رقم 3076)، قال الهيثمي في المجمع 3/ 110: رواه الطبراني في الكبير، وفيه ابن لهيعة، وفيه كلام.

وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (873).

(3)

أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 45 رقم 3071). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (5804) و (7103) وضعيف الترغيب (516).

(4)

أخرجه أحمد 2/ 87 (5605) و (5606)، وعبد بن حميد (855)، والنسائي في الكبرى =

ص: 368

قوله: وعن الحسن هو الحسن البصري تقدم الكلام عليه.

قوله: صلى الله عليه وسلم عن ربه تبارك وتعالى أنه يقول "يا ابن آدم أفرغ من كنزك عندي ولا حرق ولا غرق ولا سرق أوفيكه أحوج ما تكون إليه" رواه البيهقي وهذا مرسل وتقدم الكلام على الحديث المرسل.

1293 -

وَرُوِيَ عَن مَيْمُونَة بنت سعد أنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله أَفْتِنَا عَن الصَّدَقَة فَقَالَ إِنَّهَا حجاب من النَّار لمن احتسبها يَبْتَغِي بهَا وَجه الله عز وجل" رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(1)

.

قوله: وعن ميمونة بنت سعد (ويقال: سعيد، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم روى حديثها أيوب بن خالد، وهلال بن أبي هلال

(2)

.

قوله: أنها قالت يا رسول الله أفتنا عن الصدقة فقال: إنها حجاب من النار لمن احتسبها المراد بالاحتساب يبتغي بها وجه الله تعالى تقدم الكلام على وجه الله تعالى.

= (10273 و 10274 و 10275 و 10276)، والطبراني في الأوسط (2/ 152 رقم 1551) و (7/ 17 - 18 رقم 6725) والدعاء (826)، والبيهقي في الشعب (5/ 45 - 46 رقم 3072) و (5/ 46 رقم 3073) والكبرى (9/ 291 رقم 18577). وصححه الألباني في الصحيحة (2547) وصحيح الترغيب (874).

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (25/ 35 رقم 62)، وأبو نعيم في المعرفة (7842)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (69/ 42). قال الهيثمي في المجمع 3/ 111: رواه الطبراني في الكبير، وفيه من لم أعرفه. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (517).

(2)

أسد الغابة (7/ ترجمة 7307)، وتهذيب الكمال (35/ الترجمة 7937).

ص: 369

1294 -

وَعَن بُرَيْدَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يخرج رجل شَيْئا من الصَّدَقَة حَتَّى يفك عَنْهَا لحيي سبعين شَيْطَانا رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَتردد فِي سَماع الْأَعْمَش من بُرَيْدَة وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ أَيْضا عَن أبي ذَر مَوْقُوفا عَلَيْهِ قَالَ مَا خرجت صَدَقَة حَتَّى يفك عَنْهَا لحيا سبعين شَيْطَانا كلهم ينْهَى عَنْهَا

(2)

.

قوله: وعن بريدة هو أبو عبد الله ويقال: أبو سهل ويقال الحصيب ويقال أبو ساسان بريدة بن الحصيب

(3)

بضم الحاء المهملة بن عبد الله بن الحارث بن الأعرج بن سعد الأسلمي سكن المدينة ثم البصرة ثم مرو وتوفي بها سنة اثنتين وستين وهو آخر من توفي من الصحابة بخراسان روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثا اتفق البخاري ومسلم منها على حديث

(1)

أخرجه أبو عبيد في الأموال (883)، وأحمد 5/ 350 (22962)، وابن زنجويه (1331)، والبزار (4456)، وابن خزيمة (2457)، والطبراني في الأوسط (1/ 307 - 308 رقم 1034)، والحاكم 1/ 417، والبيهقي في السنن (4/ 314 - 315 رقم 7819)، وفي الشعب (5/ 137 رقم 3199). قال البزار: وهذا الحديث لا نعلم رواه إلا أبو معاوية عن الأعمش، وابن بريدة هذا هو سليمان بن بريدة.

قال الهيثمي في المجمع 3/ 109: رواه أحمد، والبزار، والطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وصححه الألباني الصحيحة (1268) وضعفه في الضعيفة (6823) وضعيف الترغيب (518).

(2)

أخرجه ابن المبارك في الزهد (649)، وابن أبي شيبة (2/ 351 رقم 9812)، وابن زنجويه في الأموال (1332)، والبيهقي في الشعب (5/ 138 رقم 3200). وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (519).

(3)

الإصابة: 1/ 241، أسد الغابة: 1/ 209، تاريخ الإسلام: 2/ 386، العبر: 1/ 66.

ص: 370

انفرد البخاري بحديثين ومسلم بأحد عشر أسلم بريدة قبل بدر ولم يشهدها وقيل أسلم بعدها روى عنه أبناءه عبد الله وسليمان

(1)

.

قوله: صلى الله عليه وسلم "مَا يُخْرِجُ رَجُلٌ شَيْئًا مِنَ الصَّدَقَةِ حَتَّى يَفُكَّ عَنْهَا لَحْيَيْ سَبْعِينَ شَيْطَانًا" وفي الرواية الأخرى "كلهم ينهى عنها" لحي الإنسان جانبي حنك الإنسان

(2)

.

1295 -

وَعَن أنس رضي الله عنه: قَالَ كَانَ أبُو طَلْحَة أَكثر الْأَنْصَار بِالْمَدِينَةِ مَالا من نخل وَكَانَ أحب أَمْوَاله إِلَيْهِ بيرحاء وَكَانَت مُسْتَقْبلَة الْمَسْجِد وَكَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يدخلهَا وَيشْرب من مَاء فِيهَا طيب قَالَ أنس فَلَمَّا نزلت هَذِه الآيَة: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}

(3)

قَامَ أَبُو طَلْحَة إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن الله تبارك وتعالى يَقُول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وَإِن أحب أَمْوَالِي إِلَيّ بيرحاء وَإِنَّهَا صَدَقَة أَرْجُو برهَا وَذُخْرهَا عِنْد الله فضعها يَا رَسُول الله حَيْثُ أَرَاك الله قَالَ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بخ ذَلِك مَال رابح ذَلِك مَال رابح رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مُخْتَصرا

(4)

بيرحاء بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 133 ترجمة 81).

(2)

قال السندي: لَحْيَي سبعين شيطانًا، اللَّحْيُ: منبِت اللِّحْية من الإنسان وغيره، أو العظمان اللذان فيهما الأسنان من كل ذي لَحْي.

(3)

سورة آل عمران، الآية:92.

(4)

أخرجه البخاري (1461) و (2318) و (2752) و (2758) و (2769) و (4554 و 4555) و (5611)، ومسلم (42 و 43 - 998)، وأبو داود (1689)، والترمذي (2997)، والنسائي في المجتبى 6/ 178 (3628) والكبرى (3696).

ص: 371

ممدودا اسْم لحديقة نخل كَانَت لأبي طَلْحَة رضي الله عنه وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا صَوَابه بيرحى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء مَقْصُورا وَإِنَّمَا صحفه النَّاس.

وَقَوله: رابح رُوِيَ بِالْبَاء الْمُوَحدَة وبالياء الْمُثَنَّاة تَحت.

قوله: وعن أنس تقدم الكلام على أنس رضي الله عنه.

قوله: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل الحديث أبو طلحة هذا اسمه زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد بن النجار الأنصاري النجاري المدني

(1)

زوج أم أنس بن مالك سكن الشام وأمه عبادة بتشديد الباء بنت خالد بن عدي نجارية أيضًا وهو من الطبقة الأولى من الأنصار شهد العقبة مع السبعين وبدرا وأحد والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين الأرقم بن المخزومي وكان راميا ورمى بين يد النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم خلفه وكان صبيا واختلفوا في وفاته فروى ابن سعد عن الواقدي

(2)

أن أبا طلحة مات بالمدينة في سنة أربعة وثلاثين وصلى عليه عثمان وهو يومئذ ابن سبعين سنة ودفن بالبقيع وعاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم

(1)

الإصابة: 4/ 55، أسد الغابة: 2/ 289، سير أعلام النبلاء (2/ 27) طبقات ابن سعد: 3/ 504، طبقات خليفة: 88، تاريخ خليفة: 166، التاريخ الكبير: 3/ 381، المعارف: 166، 308، تاريخ الفسوي: 1/ 300، الجرح والتعديل: 3/ 564، الاستبصار: 50، الاستيعاب: 2/ 553، ابن عساكر: 6/ 305/ 1، تهذيب الكمال: 457، تاريخ الإسلام: 2/ 119، العبر: 1/ 35، تهذيب التهذيب: 3/ 414 - 415، خلاصة تذهيب الكمال: 128، شذرات الذهب: 1/ 40، تهذيب تاريخ ابن عساكر: 6/ 4 - 12.

(2)

طبقات ابن سعد: 3/ 504.

ص: 372

أربعين عاما وليس في الصحابة من كنيته أبو طلحة غيره.

قوله: وكان أحب أمواله إليه بيرحاء قال الحافظ رحمه الله: بيرحاء بِكَسْر الْبَاء وَفتحهَا ممدودا وَقَالَ بعض مَشَايِخنَا صَوَابه بيرحى بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَالرَّاء مَقْصورا وَإِنَّمَا صحفه النَّاس ا. هـ.

واختلف العلماء في ضبط هذه اللفظة على أوجه فقال القاضي عياض

(1)

رحمه الله تعالى: روينا هذه اللفظة عن شيوخنا بفتح الراء وضمها مع كسر الباء وبفتح الباء والراء قال: الباجي

(2)

قرأت هذه اللفظة على أبي ذر الهروي بفتح الراء على كل حال قال: وعليه أدركت أهل العلم والخفض بالمشرق وقال وبالرفع قرأناه على شيوخنا بالأندلس وأشهر الوجوه وأصحهما فتح الموحدة وسكون الياء المثناة وفتح الراء وإهمال الهاء مقصورا واختلف في تفسير بيرحا فروي بفتح الراء على كل حال وروى بضم الراء في الرفع وفتحها في النصب وكسرها في الجر قال: القاضي

(3)

رواية المغارية بضم الراء في الرفع وبفتحها في النصب وبكسرها في الجر مع الإضافة إلى حاء على لفظ حرف المعجم وروينا عن بعض شيوخنا

(1)

مشارق الأنوار (1/ 115 - 116) وإكمال المعلم (3/ 516).

(2)

المنتقى (7/ 320).

(3)

مشارق الأنوار (1/ 115 - 116)، وإكمال المعلم (3/ 516). وشرح النووي لمسلم (7/ 84).

ص: 373

بالوجهين وبالمد وجدته بخط الأصيلي ورواه بعضهم بريحاء ورواه بعضهم بأريحا ا. هـ.

قوله: وكانت مستقبلة المسجد أي مقابله قال النووي: وهذا الموضع يعرف بقصر بني جُدَيلة قبلي المسجد

(1)

.

قوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب والمراد بها البئر المعروف بل هي علم على بستان كان لأبي طلحة وقال بعضهم هو حائط يسمى بهذا الاسم وليس بئر وقال: بعضهم هي اسم مال وموضع بالمدينة وقيل موضع بقرب المسجد وقيل اسم رجل نسب إليه البئر وذكر بعضهم أن هذا البئر سميت بيرحاء بزجر الإبل عنها وذلك أن الإبل يقال لها إذا زجرت عن الماء

(2)

ا. هـ.

وهذا الحديث فيه جواز دخول الإنسان بستان غيره وما في معناه إذا علم رضاه بذلك، وفيه جواز شرب الغير بغير إذنه إذا علم رضاه بذلك أيضًا هكذا قاله: بعضهم

(3)

.

قوله: قال: أنس فلما نزلت هذه الآية: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}

(4)

قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن الله تعالى

(1)

إكمال المعلم (3/ 516) والمطالع (1/ 586)، وشرح النووي على مسلم (7/ 84).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر 1/ 113 - 114، ومعجم البلدان (1/ 524)، وشرح أبي داود (6/ 443) وعمدة القارى (9/ 29).

(3)

المنتقى (7/ 320)، وكشف المشكل (3/ 205)، والتوضيح (10/ 432)

(4)

سورة آل عمران، الآية:92.

ص: 374

يقول: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء الحديث وأنشدوا في المعنى:

يا رجال الله هبوا

ليس غير الله رب وا

إن في القرآن حرفا

هو على البخلاء صعب وا

لن تنالوا البر حتى

تنفقوا مما تحبوا

قال الحسن: لن تكونوا أبرارا حتى تبذلوا كثير أموالكم وقال: أبو بكر الوراق لن تنالوا بر ربكم حتى تبروا إخوانكم وقال ابن عباس: البر الجنة وقال: مقاتل ثواب البر

(1)

.

قوله: وإن أحب أموالي إلي بيرحاء وإنها صدقة أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله حيث أراك الله الحديث في هذا الحديث فوائد منها ما كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم من سخأوة النفس والمسارعة إلى القربات ألا تراه تصدق بأحب أمواله إليه مسارعا إلى تحصيل الأجر وما يقربه من الله عز وجل ومنها مشاورة أهل العلم والفضل في كيفية الصدقات ووجوه الطاعات وغيرها ومنها صحة الوكالة لقوله رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم "فضعها حيث أراك الله"

(2)

ومنها أن الصدقة على الأقارب أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجين ومنها أن القرابة يرعى حقها في صلة الرحم وإن اجتمعوا إلا في أب بعيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا طلحة أن يجعل صدقته في

(1)

المفهم (9/ 11).

(2)

صحيح البخاري (1461).

ص: 375

الأقربين فيجعلها في أبي بن كعب وحسان بن ثابت وإنما يجتمعان مع أبي طلحة في الجد السابع، ومنها: صحة الصدقة المطلقة والحبس المطلق، وهو الذي لم يعين مصرفه، وبعد هذا يعيّن إطلاق لفظ الصدقة بمعنى الحبس وقد روي أنها بقيت وقفا بأيدي بني عمه وبه احتج غير واحد من العلماء على جواز تحبيس الأصول على الكوفيين ا. هـ، قاله القرطبي في شرح مسلم

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "بخ بخ" قال أهل اللغة يقال بخ بإسكان الخاء وتنوينها مكسورة وحكى القاضي

(2)

الكسر بالتنوين وحكى الأحمر التشديد فيها قال: القاضي

(3)

وروى بالرفع فإذا كررت فالاختيار تحريك الأول منونا وإسكان الثاني واختلف في معنى هذه الكلمة فقيل تقال عند المدح والرضى بالشيء وتكرر للمبالغة وقال ابن دريد معناها تعظيم الأمر وتفخيمه وقال: الداوودي بخ كلمة تقال إذا حمد الفعل وقال غيره تقال عند التعجب وسكنت الخاء فيه كما سكنت باللام في هل وبل ومن، ومن قال:"بخ" بكسره منونا شبهه بالأصوات كصه ومه وقال ابن السكيت بخ بخ وبه وبه بمعنى واحد

(4)

ا. هـ.

(1)

المفهم (9/ 12).

(2)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 457).

(3)

المصدر السابق.

(4)

شرح النووي على مسلم (7/ 85 - 86).

ص: 376

قوله صلى الله عليه وسلم: "ذاك مال رابح" والمشهور بالباء الموحدة من الربح أي من الأجر وجزيل الثواب أي يربح فيه صاحبه في الآخرة ووصف المال بالرابح لأنه يسببه ربح كما قال تعالى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ}

(1)

وهذا على مذهب العرب في "لابن" و"تامر"؛ أي: ذو لبن وتمر كما قال النابغة:

كليني لهم يا أميمة ناصب

. . . . . . . . . . .

أي: ذو نصب وتعب، وقد روى رايح بالياء بأثنتين من تحت ومعناه قريب الفائدة وقيل غير بعيد وقال ابن دينار يروح أجره ونفعه عليه في الآخرة وقال مالك: رايح من الرواح أي من شأنه الذهاب والفوات فإذا ذهب في الخير فهو أولى

(2)

ا. هـ.

وقال بعضهم أي يروح عليك نفعه وثوابه يعني قرب وصوله إليك

(3)

، وقال: المنذري رايح بالياء المثناة من الرواح عليه بالأجر على الدوام ما بقيت أصوله وثماره ا. هـ.

1296 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله مَا تَقول فِي الصَّلَاة قَالَ تَمام الْعَمَل قلت يَا رَسُول الله تركت أفضل عمل فِي نَفسِي أَو خَيره قَالَ مَا هُوَ قلت الصَّوْم قَالَ خير وَلَيْسَ هُنَاكَ قلت يَا رَسُول الله وَأي الصَّدَقَة وَذكر كلمة قلت فَإِن لم أقدر قَالَ بِفضل طَعَامك قلت فَإِن لم أفعل قَالَ بشق تَمْرَة قلت

(1)

سورة البقرة، الآية:16.

(2)

إكمال المعلم (3/ 517)، والمفهم (9/ 12)، والكواكب الدراري (8/ 5) و (17/ 58).

(3)

المجموع المغيث (1/ 818)، والنهاية (2/ 274).

ص: 377

فَإِن لم أفعل قَالَ بِكَلِمَة طيبَة قلت فَإِن لم أفعل قَالَ دع النَّاس من الشَّرّ فَإِنَّهَا صَدَقَة تصدق بهَا على نَفسك قلت فَإِن لم أفعل قَالَ تُرِيدُ أَن لَا تدع فِيك من الْخَيْر شَيْئا رَوَاهُ الْبَزَّار وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه أطول مِنْهُ بِنَحْوِهِ وَالْحَاكِم

(1)

وَيَأْتِي لَفظه إِن شَاءَ الله.

1297 -

وروى الْبَيْهَقِيّ وَلَفظه فِي إِحْدَى رواياته قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَاذَا يُنجي العَبْد من النَّار قَالَ الْإِيمَان بِالله قلت يَا نَبِي الله مَعَ الإِيمَان عمل قَالَ أَن ترضخ مِمَّا خولك الله وترضخ مِمَّا رزقك الله قلت يَا نَبِي الله فَإِن كَانَ فَقِيرا لا يجد مَا يرْضخ قَالَ يَأْمر بِالْمَعْرُوفِ وَينْهى عَن الْمُنكر قلت إِن كَانَ لَا يَسْتَطِيع أَن يَأْمر بِالمَعْرُوفِ وَلا ينْهَى عَن الْمُنكر قَال فليعن الأخرق قلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن كَانَ لا يحسن أَن يصنع قَالَ فليعن مَظْلُوما قلت يَا نَبِي الله أَرَأَيْت إِن كان ضَعِيفا لا يَسْتَطِيع أن يعين مَظْلُوما قَالَ مَا تُرِيدُ أَن تتْرك لصاحبك من خير ليمسك أَذَاهُ عَن النَّاس قلت يَا رَسُول الله أَرَأَيْت إِن فعل

(1)

أخرجه هناد في الزهد (2/ 516)، والبزار (4078)، والمروزي في تعظيم قدر الصلاة (822).

وقال البزار: وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن أبي ذر بهذا الإسناد.

قال الهيثمي في المجمع 3/ 109: رواه البزار، وفيه العوام بن جويرية، وهو ضعيف.

وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (520).

وقال في الهامش: قلت: ومع ضعف إسناده الشديد فيه ألفاظ منكرة؛ خلافًا لرواية ابن حبان والحاكم الآتية في الصحيح (21 - الحدود/ 1)، ونحوها رواية البيهقي هنا في الصحيح أيضًا. قلنا واللفظ الثاني هو التالى المعزو إلى البيهقي.

ص: 378

هَذَا يدْخلهُ الْجنَّة قَالَ مَا من عبد مُؤمن يُصِيب خصْلَة من هَذِه الْخِصَال إِلَا أخذت بِيَدِهِ حَتَّى تدخله الْجنَّة

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر تقدم الكلام على أبي ذر.

قوله: إن لم أفعل قال: "بشق تمرة" تقدم الكلام على شق التمرة.

قوله: فإن لم أفعل قال: "بكلمة طيبة" فيه أن الكلمة الطيبة سبب النجاة من النار وهي الكلمة التي فيها تطييب قلب إنسان إذا كانت مباحة أو طاعة

(2)

ذكره في شرح مشارق الأنوار.

قوله صلى الله عليه وسلم "دع الناس من الشر فإنها صدقة تصدق بها على نفسك" معناه صدقة على نفسه والمراد أنه إذا أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك كما أن للمتصدق بالمال أجرًا

(3)

أما ترك الناس من الشر ففيه السلامة من (الإثم) ومطالبيهم فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم متصدقا على نفسه بسلامتها من الغرماء فمن لم يفعل الخير فلا أقل من أن يكف لسانه عن الشر وقد نظم بعض القدماء بيتين في هذا المعنى:

(1)

أخرجه ابن حبان (373)، والطبراني في الكبير (2/ 156 رقم 1650) والمكارم (98)، والحاكم (1/ 63)، والبيهقي في الشعب (5/ 32 - 33 رقم 3055) و (5/ 34 رقم 3057). وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وقال الهيثمي في المجمع 3/ 135: رواه الطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وقد تقدمت له طرق. وصححه الألباني في الصحيحة (2669) وصحيح الترغيب (876).

(2)

قاله النووي في شرحه على مسلم (7/ 101).

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 94).

ص: 379

يا حبذا الصالحون إنهم

في سبل الصالحات قد سلكوا

إن لم أكن قد فعلت ما فعلوه

فليتني قد تركت ما تركوا

المراد: أنه إذا أمسك عن الشر لله تعالى كان له أجر على ذلك كما أن للمتصدق بالمال أجرا.

قوله: صلى الله عليه وسلم قال "أن ترضخ مما خولك الله وترضخ مما رزقك الله" الحديث الرضخ بفتح الراء المهملة وسكون الضاد المعجمة وبعدها خاء معجمة وهو العطية قيل العطية القليلة، وفي الحديث أنفقي وأرضخي بمعناه قاله عياض.

(1)

قوله صلى الله عليه وسلم: "فليعن الأخرق" الأخرق وهو الذي ليس بصانع وقد خرق وخرق إذا لم يحسن العمل فهو أخرق وإذا لم يكن في يديه صنعة والخرقاء الحمقاء والخرقاء المثقوبة الأذن قاله صاحب المغيث

(2)

ا. هـ.

وقال غيره يقال: رجل أخرق وإمرأة خرقاء لمن لا صنعة له فإن كان صانعا حاذقا قيل رجل صنع بفتح النون وإمرأة صناع بفتح الصاد والله أعلم قاله النووي

(3)

.

قوله: قلت: يا رسول الله أرايت إن فعل هذا يدخله الله الجنة قال: ما من مؤمن يصيب خصلة من هذه الخصال إلا أخذت بيده حتى تدخله الجنة

(1)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).

(2)

المجموع المغيث (1/ 569).

(3)

شرح النووي على مسلم (2/ 75).

ص: 380

فانظر يا أخي بصرك الله وأراك عنده ما يسرك إلى أن الواحدة من الفعلات الصالحات تؤثر من الخير مثل هذه الآثار فكيف بمن اجتمعت له كثير من الخصال ولعمرى لقد يبعد البعد الكلي أن يخلو مؤمن عاقل مستطيع عن عمل من أعمال البر حتى لو فرط في الصلاة لا يكاد يفرط في الصيام ولو فرط فيه لا يكاد يفرط في الحج ولو فرط فيه لا يكاد يفرط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو فرط فيهما لا يكاد يفرط في نصيحة مسلم أو أعانته أو هدايته أو نفعه بوجه من الوجوه ولو خلا من ذلك كله لا يخلو من حب الله ورسوله ومتى خلا من هذه الأمور كلها والعياذ بالله فهو منافق قاله في حادي القلوب إلى لقاء المحبوب

(1)

.

1298 -

وَرُوِيَ عَن رَافع بن خديج رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الصَّدَقَة تسد سبعين بَابا من السوء رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(2)

.

قوله: وروى عن رافع بن خديج تقدم الكلام على رافع بن خديج في الزكاة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الصدقة تسد سبعين بابا من السوء" تقدم الكلام على السوء وميتته.

(1)

حادى القلوب إلى لقاء المحبوب (لوحة 25/ خ 4283 تشستربيتى) لابن بنت الميلق.

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (4/ 274 رقم 4402)، وابن عدى (3/ 17)، وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (384)، وأبو نعيم في أخبار أصبهان (1/ 96).

قال الهيثمي في المجمع 3/ 109: رواه الطبراني في الكبير، وفيه حماد بن شعيب، وهو ضعيف. وضعفه الألباني في الضعيفة (3797) وضعيف الترغيب (521).

ص: 381

1299 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم باكروا بِالصَّدَقَةِ فَإِن الْبلَاء لَا يتخطى الصَّدَقَة رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ مَرْفُوعا وموقوفا على أنس وَلَعَلَّه أشبه

(1)

.

قوله: وعن أنس بن مالك تقدم الكلام على أنس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "باكروا بالصدقة فإن البلاء لا يتخطى الصدقة" أي لا يتجاوزها قوله: رواه البيهقي مرفوعا وموقوفا على أنس الموقوف في اصطلاح المحدثين هو الذي من كلام الصحابة غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 52 - 53 رقم 3082) والسلفى في جزء أحاديث وحكايات (21)، وابن الجوزى في الموضوعات (2/ 152) مرفوعا. وأخرجه (5/ 53 رقم 3083) والكبرى (4/ 318 رقم 7831) موقوفا.

قال البيهقي: موقوف، وكان في كتاب شيخنا أبي نصر الفامي مرفوعا، وهو وهم، وروي عن أبي يوسف القاضي، عن المختار بن فلفل مرفوعا. قال صالح بن محمد: سألت أبا بكر بن أبي شيبة عن هذا الحديث في سنة ثلاثين ومائتين فقال: من روى هذا الحديث يحتاج إلى أن يقلع له أربعة أضراس. (تاريخ بغداد).

قال ابن الجوزى: هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه عن المختار بن فلفل أربعة: أبو يوسف وسيمان بن عمرو وعبد الأعلى بن أبي المساور وابن إدريس، فأما أبو يوسف فلا يعرف وبشر بن عبيد الراوي عن أبي يوسف منكر الحديث بين الضعف قاله ابن عدي وأما سليمان بن عمرو فهو أبو داود النخعي، وقد أجمع العلماء على أنه كان يضع الحديث، وأما عبد الأعلى فقال يحيى: هو كذاب، وقال على: ليس بشئ، وقال ابن نمير: متروك الحديث، وأما ابن إدريس فالذي رواه عنه الصفر بن عبد الرحمن، قال أبو بكر بن أبي شيبة: كان يضع الحديث، وقال أبو علي صالح بن محمد: كان كذابا، قال ولا أصل لهذا الحديث. قال الألباني في ضعيف الترغيب (522): ضعيف جدًا.

ص: 382

1300 -

وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تصدقوا فَإِن الصَّدَقَة فكاككم من النَّار رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْحَارِث بن عُمَيْر عَن حميد عَنهُ

(1)

.

قوله: وعنه رضي عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تصدقوا فإن الصدقة فكاككم من النار" هو بفتح الفاء وكسرها والفتح أفصح وأشهر والفكاك الخلاص والفداء ومعنى فكاكك من النار أنك إذا كنت معرضا لدخول النار وهذا فكاكك ذكره في التنقيح

(2)

.

1301 -

وَرُوِيَ عَن عَليّ بن أبي طَالب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم باكروا بِالصَّدَقَةِ فَإِن الْبلَاء لَا يتخطاها رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ

(3)

وَذكره رزين فِي جَامعه وَلَيْسَ فِي شَيْء من الْأُصُول.

(1)

أخرجه الطبراني في الأوسط (8/ 90 رقم 8060)، والاسماعيلى في المعجم (313)، والدارقطني في الأفراد (6)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 403)، والبيهقي في الشعب (5/ 53 - 54 رقم 3084)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (56/ 73)، وابن الجوزى في العلل (828). قال الطبراني والدارقطني: تفرد به أبو عمير الحارث بن عمير، عن حميد، عن أنس. قال ابن الجوزى: قال ابن حبان: الحارث يروي عن الأثبات الموضوعات.

قال الهيثمي في المجمع 3/ 106: رواه الطبراني في الأوسط، ورجاله ثقات. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (523).

(2)

شرح النووي على مسلم (17/ 85)، وكشف المناهج (5/ 18).

(3)

أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 9 رقم 56436) قال الطبراني: لا يروى هذا الحديث عن علي إلا بهذا الإسناد. قال الهيثمي في المجمع 3/ 110: رواه الطبراني في الأوسط، وفيه عيسى بن عبد الله بن محمد، وهو ضعيف. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (524).

ص: 383

1302 -

وَعَن الْحَارِث الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله أوحى إِلَى يحيى بن زَكرِيَّا عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلام بِخمْس كلِمَات أَن يعْمل بِهن وَيَأْمُر بني إِسْرَائِيل أَن يعملوا بِهن فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ فِيهِ وآمركم بِالصَّدَقَةِ وَمثل ذَلِك كَمثل رجل أسره الْعَدو فَأوثقُوا يَده إِلَى عُنُقه وقربوه ليضربوا عُنُقه فَجعل يَقُول هَل لكم أَن أفدي نَفسِي مِنْكُم وَجعل يُعْطي الْقَلِيل وَالْكثير حَتَّى فدى نَفسه الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَصَححهُ وَابْن خُزَيْمَة وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي الِالْتِفَات فِي الصَّلَاة

(1)

.

قوله: وعن الحارث الأشعري، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: في حديث الحارث الأشعري "وآمركم بالصدقة ومثل ذلك كمثل رجل أسره العدو فأوثقوا يده إلى عنقه وقربوه ليضربوا عنقه فجعل يقول هل لكم أن أفدي نفسي منكم وجعل يعطي القليل والكثير حتى فدى نفسه"

(2)

الحديث هذا أيضًا من الكلام الذي برهانه وجوده ودليله وقوعه فإن للصدقة تأثيرا عجيبا في دفع أنواع البلاء ولو كانت من فاجر أو ظالم بل

(1)

أخرجه الترمذي (2863) و (2864)، والنسائي في الكبرى (8814) و (11461)، وابن خزيمة (1895)، وابن حبان (6233)، والحاكم 1/ 117 - 118 و 118.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح غريب. وصححه الحاكم ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في المشكاة (3694)، وصحيح الترغيب (552) و (877) و (1498).

(2)

سبق تخريجه.

ص: 384

من كافر وأن الله يدفع بها عنه أنواعا من البلايا وهذا أمر معلوم عند الناس خاصتهم وعامتهم وأهل الأرض كلهم مقرون به لأنهم جربوه وقد روى في الحديث أن الصدقة تطفيء غضب الرب فهي تطفيء الذنوب والخطايا كما يطفيء الماء النار وفي تمثيل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بمن قدم ليضرب عنقه فافتدى نفسه منهم بماله كفاية فإن الصدقة تفدي العبد من عذاب الله عز وجل فإن ذنوبه وخطاياه تقتضي هلاكه والصدقة تفديه من العذاب وتستفكه منه ذكره ابن قيم الجوزية

(1)

وتقدم الكلام على ألفاظ هذا الحديث مبسوطا في الصلاة والله تعالى أعلم.

1303 -

وَعَن رَافع بن مكيث وَكَانَ مِمَّن شهد الْحُدَيْبِيَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ حسن الملكة نَمَاء وَسُوء الْخلق شُؤْم وَالْبر زِيَادَة فِي الْعُمر وَالصَّدَقَة تطفئ الْخَطِيئة وتقي ميتَة السوء رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه رجل لم يسم وروى أَبُو دَاوُد بعضه

(2)

.

(1)

الوابل الصيب (ص 31).

(2)

أخرجه عبد الرزاق في الجامع (20118)، وأحمد 3/ 502 (16079)، وأبو داود (5162) و (5163) أوله، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2562)، وأبو يعلى (1544)، والطبراني في الكبير (5/ 17 رقم 4451). وقال الهيثمي في المجمع 3/ 110: روى أبو داود منه: "حسن الملكة نماء، وسوء الخلق شؤم". فقط. رواه الطبراني في الكبير، وفيه رجل لم يسم. وقال في 8/ 22: رواه أحمد من طريق بعض بني رافع ولم يسمه، وبقية رجاله ثقات. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (525) و (1608) والضعيفة (794).

ص: 385

قوله: وعن رافع بن مكيث

(1)

بفتح الميم وكسر الكاف سيأتي الكلام على رافع بن مكيث في باب الشفقة على خلق الله تعالى.

قوله: وكان ممن شهد الحديبية، قال: صاحب مطالع الأنوار ضبطناها بالتخفيف عن المتقنين

(2)

وكذا قاله الشافعي وأهل اللغة وبعض أهل الحديث، وهو الصحيح المختار وأما عامة الفقهاء والمحدثين فيشددونها وهو قول ابن وهب قال وهي قرية ليست بالكبيرة سميت ببئر هناك عند مسجد الشجرة قال وهي على نحو مرحلة من مكة

(3)

.

قوله حسن الملكة نمو حسن الملكة هو الذي يحسن إلى مماليكه وخدمه والنماء الزيادة

(4)

.

قوله: وسوء الخلق شؤم والشؤم معروف.

قوله: والبر زيادة في العمر أي الإحسان إلى الخلق والجمهور على أنها زيادة معنوية وهي أن يبارك له في عمره بكثرة الطاعات وسيأتي الكلام على هذه الألفاظ مبسوطا في كتاب البر والصدقة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الصدقة تطفيء الخطيئة وتمنع ميتة السوء" بكسر الميم معناه يموت على حالة ردية من أنواع الموت كالغرق والجوع والعطش وغيره

(1)

الطبقات الكبرى (4/ 257).

(2)

مطالع الأنوار (2/ 384).

(3)

المطالع (2/ 384)، وشرح النووي على مسلم (2/ 60)، وتهذيب الأسماء واللغات (3/ 81).

(4)

المجموع المغيث (3/ 228)، والنهاية (4/ 358) وجامع الأصول (8/ 47).

ص: 386

فتكون تلك الصدقة سببا لدفعها

(1)

.

1304 -

وَعَن عَمْرو بن عَوْف رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن صَدَقَة الْمُسلم تزيد فِي الْعُمر وتمنع ميتَة السوء وَيذْهب الله بهَا الْكبر وَالْفَخْر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من طَرِيق كثير بن عبد الله عَن أَبِيه عَن جده عَمْرو بن عَوْف

(2)

وَقد حسنها التِّرْمِذِيّ وصححها ابْن خُزَيْمَة لغير هَذَا الْمَتْن.

قوله: وعن عمر بن عوف (جد كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف. هو أبو عبد الله عمرو بن عوف بن زيد بن مليحة، بضم الميم، وقيل: ملحة، بضمها أيضًا، ابن عمرو بن بكر بن أفرك بن عثمان بن عمرو ابن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزني، كان قديم الإسلام، يقال: هاجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقال: أول مشاهده الخندق، وكان أحد البكائين في غزوة تبوك الذين نزل فيهم قوله تعالى:{تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ}

(3)

، توفي في آخر خلافة معاوية. له عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث. ومزينة التي ينسبون إليها هي أم أولاد عثمان بن عمرو، روى عنه ابنه عبد الله

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن صدقة المسلم تزيد في العمر وتمنع ميتتة السوء".

(1)

شرح المشكاة (5/ 1551).

(2)

أخرجه إسحاق كما في المطالب العالية (954)، والطبراني في الكبير (17/ 22 رقم 31)، وابن بشران في الثاني من الأمالى (1501). قال الهيثمي في المجمع 3/ 110: رواه الطبراني في الكبير، وفيه كثير بن عبد الله المزي، وهو ضعيف. وضعفه الألباني جدا في ضعيف الترغيب (526).

(3)

سورة التوبة، الآية:92.

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 33 ترجمة 456).

ص: 387

فقوله: "إن صدقة المسلم" أخرج الكافر وتقدم معنى الزيادة في العمر وميتة السوء والميتة جميع الأوجاع والهرم والفقر والميتة الحالة التي عليها يكون الإنسان من الموت وأراد بميتة السوء مالا تحمد عاقبته ولا يوثق غائلته من الحالات التي يكون عليها الإنسان عند الموت كالفقر المدقع والوصب الموجع وغيرهما

(1)

والله أعلم.

قوله: رواه الطبراني

(2)

من طريق كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده عمرو بن عوف هو كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف، وتقدم باقي نسبه في ترجمة أبيه

(3)

.

1305 -

وَعَن عمر رضي الله عنه قَالَ ذكر لي أَن الْأَعْمَال تباهى فَتَقول الصَّدَقَة أَنا أفضلكم رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(4)

.

قوله: وعن عمر تقدم الكلام على عمر.

قوله: "ذكر لي أن الأعمال تباهى فتقول الصدقة أنا أفضلكم" أصله تتباهى والمباهاة المفاخرة كما في قوله صلى الله عليه وسلم "في أهل عرفة فيباهي بهم الملائكة".

(1)

شرح المشكاة (5/ 1551).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 65 - 66 ترجمة 521).

(4)

أخرجه إسحاق كما في المطالب (952)، وابن خزيمة (2433)، وأبو على الصواف (35)، والحاكم (1/ 416)، والبيهقي في الشعب (5/ 34 - 35 رقم 3058).

وقال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ووافقه الذهبي.

وصححه الألباني في صحيح الترغيب (878).

ص: 388

1306 -

وَعَن عَوْف بن مَالك رضي الله عنه قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَبِيَدِهِ عَصا وَقد علق رجل قنو حشف فَجعل يطعن فِي ذَلِك القنو فَقَالَ لَو شَاءَ رب هَذِه الصَّدَقَة تصدق بأطيب من هَذَا إِن رب هَذِه الصَّدَقَة يَأْكُل حشفا يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا فِي حَدِيث

(1)

.

قوله: وعن عوف بن مالك (هو أبو عبد الرحمن، ويقال: أبو محمد، ويقال: أبو حماد، ويقال: أبو عمرو عوف بن مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفانى. أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر، وشهد معه فتح مكة، وكانت معه راية أشجع، نزل الشام، وسكن دمشق، وكانت داره عند سوق الغزل العتيق. روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستون حديثا، روى البخاري منها واحدا ومسلم خمسة، روى عنه أبو أيوب الأنصاري، والمقدام بن معدى كرب، وأبو هريرة، وخلق سواهم، واتفقوا على أنه توفى بدمشق سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان

(2)

.

قوله: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم "وبيده عصى وقد علق رجل قنو حشف" القنو بكسر القاف وسكون النون هو العذق بكسر العين وسكون الذال المعجمة

(1)

أخرجه ابن ماجه (1821)، وأبو داود (1608)، والنسائي في المجتبى 4/ 506 (2512) والكبرى (2284)، وابن خزيمة (2467)، وابن حبان (6774).

وحسنه الألباني في صحيح أبي داود (1426) وصحيح الترغيب (879).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 40 ترجمة 472).

ص: 389

كالكناسة هو كالعنقود للعنب بما عليه من الرطب والبسر وجمعه أقناء والعذق بفتح العين المهملة النخلة

(1)

والحشف كاليابس الفاسد من التمر، وقال عياض: رديء التمر وما يبس منه قبل نضجه مما لا يطعم، قال عياض: وقيل الحشف هو الضعيف النوى أو العديم النوى مع رداءته كالشيص وأحشفت النخلة إذا حملت ذلك ذكره صاحب المغيث

(2)

.

قوله: يجعل يطعن في ذلك القنو يطعن بضم العين وحكى بفتحها.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لو شاء رب هذه الصدقة" الحديث.

رب الصدقة: معناه مالكها.

1307 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من جمع مَالا حَرَامًا ثمَّ تصدق بِهِ لم يكن لَهُ فِيهِ أجر وَكانَ إصره عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحَيْهِمَا وَالْحَاكِم كلهم من رِوَايَة دراج عَن ابْن حجيرة عَنهُ

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من جمع مالا حراما ثم تصدق به لم يكن له فيه أجر وكان أصره عليه" وفي الرواية الأخرى "فوصل به رحمه أو تصدق به أو أنفقه في سبيل الله

(1)

الكواكب الدراري (4/ 78).

(2)

المجموع المغيث (1/ 455).

(3)

أخرجه ابن زنجويه في الأموال (1383 و 1384)، وابن الجارود (336)، وابن خزيمة (2471)، وابن حبان (3216) و (3367)، والحاكم 1/ 390.

وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي.

وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (752) و (880) و (1719).

ص: 390

جمع ذلك كله ثم قذف به في جهنم" قال: الإمام أبو عبد الله القرطبي

(1)

هذا حديث صحيح يدل على صحته من الكتاب قوله تعالى: {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ}

(2)

قيل هذا عام في كل شيء من الأعمال النافعات وغير ذلك ومعنى فيركمه جميعا أي يجعله بعضه على بعض فيكون مما يعذبون به كما قال: تعالى: {فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ}

(3)

.

1308 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ خير الصَّدَقَة مَا أبقت غنى وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول تَقول امْرَأَتك أنْفق عَليّ أَو طَلقنِي وَيَقُول مملوكك أنْفق عليّ أَو بِعني وَيَقُول ولدك إِلَى من تكلنا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(4)

وَلَعَلَّ قَوْله تَقول امْرَأتك إِلَى آخِره من كَلَام أبي هُرَيْرَة مدرج.

قوله وعن أبي هريرة أيضًا تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "خير الصدقة ما أبقت غنى" تقدم الكلام على ذلك.

(1)

قمع الحرص (ص 148).

(2)

سورة الأنفال، الآية:37.

(3)

سورة التوبة، الآية:35.

(4)

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف 2/ 427 (10693) والطبراني في الأوسط (9/ 184 رقم 9487) مقتصرا على أوله، وأخرجه البزار (9141)، وابن خزيمة (2436)، والطبراني في الأوسط (9/ 102 - 103 رقم 9251)، والبيهقي في الشعب (5/ 95 - 96 رقم 3146). وصححه الألباني في صحيح الترغيب (881).

ص: 391

قوله صلى الله عليه وسلم: "واليد العليا خير من اليد السفلى" تقدم الكلام على قريبا مبسوطًا والله تعالى أعلم، وفي حديث عن طارق المحاربى (قال: فأكلنا وشبعنا، واكتلنا، واستوفينا. تم دخلنا) المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول "يا أيها الناس يد المعطي العليا وابدا بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك"

(1)

(وفيه دليل على أنه يجب علي) الرجل نفقه الوالدين والمولودين (وقد تقدم) عليه الكلام عند قوله لهند "خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف"

(2)

وإذا وجب للولد فالوالد بطريق الأولى ولا تجب لمن كان منهم موسرا أو قويا يمكنه تحصيل نفقته هذا مذهب الشافعي وأوجب سائر الفقهاء نفقتم عند الإعسار ولم يشترطوا الزمانة ولا تجب نفقة غير الوالدين والمولودين من الأقارب وأوجب أصحاب الرأي نفقة كل ذي رحم محرم من الإخوة وأولاد الإخوة والأعمام والأخوال ونفقة القريب على قدر الكفاية ولا يصير دينا في الذمة وإن احتاج الأب المعسر إلى نكاح فعلى الولد الموسر إعفافه بأن يعطيه مهر إمرأة أو ثمن جارية يتسراها ثم عليه نفقة زوجته وسريته ولا يجب على الأب إعفاف ولده

(3)

ا. هـ، قاله في شرح الإلمام.

(1)

أخرجه ابن أبي شيبة (7/ 332)، والطبراني في الكبير (8175) وابن حبان (14/ 517)، وابن خزيمة (1/ 82)، والحاكم (2/ 668)، وسنده قوي.

(2)

أخرجه البخاري (2211) و (5364) و (5370) و (7180)، ومسلم (7 و 8 و 9 - 1714) عن عائشة.

(3)

انظر شرح المشكاة (7/ 2378).

ص: 392

1309 -

وَعنهُ رضي الله عنه أَنه قَالَ يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ جهد الْمقل وابدأ بِمن تعول رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(1)

.

قوله في حديث أبي هريرة وهو حديث الكتاب "وابدأ بمن تعول" تعول بفتح التاء وضم العين المهملة أي تمون وتلزمك نفقته من عيالك فإن فضل شيء فليكن للأجانب يقال عال الرجل إذا كثر عياله قال ابن الأثير

(2)

واللغة الجيدة

(3)

أعال يعيل قال ابن بطال:

(4)

فيه أن نفقته على الأهل محسوبة في الصدقة وإنما يبدأ بنفسه لأن حق نفسه عليه أعظم من حق غيره بعد الله ورسوله ولا وجه لإحياء غيره بإتلاف نفسه قال

(5)

وفيه دليل على جواز إدخار القوت لأهله وأنه لا يكون حكرة وفيه رد على الصوفية في قولهم ليس لأحد إدخار شيء في يومه لغده وإن فاعله أساء الظن بربه ولم يتوكل عليه حق التوكل.

وقوله: أنفق علي أو طلقني هو بمعنى قوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ

(1)

أخرجه أبو داود (1677)، وابن خزيمة (2444) و (2451)، وابن حبان (3346)، والحاكم (1/ 414). وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1472) وصحيح الترغيب (882).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 321).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 321).

(4)

شرح صحيح البخاري لابن بطال (7/ 530)

(5)

شرح الصحيح (7/ 533 - 534) لابن بطال.

ص: 393

فَهُوَ يُخْلِفُهُ}

(1)

الآية وفيه أن النفقة على الولد هو ما دام صغيرا لقوله: "إلى من تكلنا" وكذلك كل من لا طاقة له على الكسب كالزمن ونحوه واختلفوا في المعسر هل يفرق بينه وبين إمرأته بعدم النفقة فقال: أبو حنيفة لا لقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}

(2)

الآية ولقوله تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}

(3)

فندب إلى نكاح الفقير فلا يجوز أن يكون الفقر سببا للفرقة وقال: الأئمة الثلاثة هي مخيرة بين الصبر والفسخ لقولها إما أن يطعمني وإما أن يطلقني ولقوله تعالى: {وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا}

(4)

وإذا لم ينفق فهو مضر بها والله أعلم وأما الآية الأولى: فهي في المداينات وأما الثانية: فلم يرد الفقير الذي لا شيء معه للإجماع على أن مثله ليس مندوب على النكاح

(5)

ا. هـ.

قوله: تقول المرأة أنفق علي أو طلقني وجوب نفقتها إن قدر فإن عجز فليطلق إن طلبته فإن لم يفعل كان لها (الفسخ) بالإعسار وهذا إذا لم يكن المانع منها كالصغيرة التي لا تطيق الوطء والغائبة بغير إذنه والناشز ولو في استمتاع دون استمتاع أو في منزل دون منزل أو (في بلد دون بلد لم تجب

(1)

سورة سبأ، الآية:39.

(2)

سورة البقرة، الآية:280.

(3)

سورة النور، الآية:32.

(4)

سورة البقرة، الآية:231.

(5)

انظر: شرح الصحيح لابن بطال (7/ 530 - 533)، والكواكب الدراري (20/ 5 - 6).

ص: 394

النفقة ويقوم بما) يحتاجون إليه من قوت وكسوة [وسكنى] بخلاف المرض والحيض والنفاس والرتق (والقرن) والصوم والصلاة المفروضين [وقوله] ويقول (العبد) أطعمني أو بعني أو استعملني إلى آخره ومفهومه أن غيرهما لا يخاطب بذلك فأما السيد [فمخاطب] وأما الأم فمخاطبة عند فقد الأب أو [عند فقره وعوزه] قاله في شرح الإلمام.

قوله: وعنه أيضًا تقدم الكلام عليه.

قوله: أي الصدقة أفضل قال: "جهد المقل وإبدأ بمن تعول" الحديث، والجهد بضم الجيم الطاقة، ومن المضموم حديث الصدقة هذا، وقوله: المقل هو الفقير، وتقدم الكلام على قوله "وابدأ بمن تعول" في الحديث قبله جمع كثير من الفقهاء بين هذا الحديث وبين الحديث الآخر "خير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" إن هذا محمول على من يصبر على الإضاقة والجوع قال: الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}

(1)

أي جوع وحديث ما كان عن ظهر غنى محمول على من لا يصبر على الجوع فالأفضل في حقه أن يترك قوته ثم يتصدق بما فضل

(2)

.

1310 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سبق دِرْهَم مائَة ألف دِرْهَم فَقَالَ رجل وَكَيف ذَاك يَا رَسُول الله قَالَ رجل لَهُ مَال كثير أَخذ من عرضه مائَة ألف دِرْهَم تصدق بهَا وَرجل لَيْسَ لَهُ إِلَّا دِرْهَمَانِ فَأخذ

(1)

سورة الحشر، الآية:29.

(2)

كشف المناهج (2/ 147).

ص: 395

أَحدهمَا فَتصدق بِهِ رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(1)

.

قَوْله: من عرضه بِضَم الْعين الْمُهْملَة وبالضاد الْمُعْجَمَة أَي من جَانِبه.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "سبق درهم مائة ألف درهم" فذكر الحديث إلى أن قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم تصدق بها الحديث وقد فسر الحافظ رحمه الله العرض وضبطه فقال: أي من جانبه.

1311 -

وَعَن أم بجيد رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَت يَا رَسُول الله إِن الْمِسْكِين ليقوم على بَابي فَمَا أجد لَهُ شَيْئا أعْطِيه إِيَّاه فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن لم تجدي إِلَّا ظلفا محرقا فادفعيه إِلَيْهِ فِي يَده رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَزَاد فِي رِوَايَة لَا تردي سَائِلك وَلَو بظلف محرق وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح

(2)

.

(1)

أخرجه أحمد 2/ 379 (8929)، والنسائي في المجتبى 4/ 534 (2546) و 4/ 535 (2547) والكبرى (2318) و (2319)، وابن خزيمة (2443)، وابن حبان (3347)، والحاكم (1/ 416).

وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي. وحسنه الألباني في صحيح الترغيب (883)، تخريج المشكلة (119).

(2)

أخرجه أحمد 6/ 384 (27148 و 27149) و (27150) و 6/ 385 (27151) و (27152)، والبخاري في التاريخ الكبير (5/ 262)، وأبو داود (1667)، والترمذي (665)، والنسائي في المجتبى 4/ 573 (2593) والكبرى (2366)، وابن خزيمة =

ص: 396

الظلْف بِكَسْر الظَّاء الْمُعْجَمَة للبقر وَالْغنم بِمَنْزِلَة الْحَافِر للْفرس.

قوله: وعن أم بجيد، أم بجيد اسمها حواء بنت يزيد الأنصارية وكانت من المبايعات وبجيد بضم الباء الموحدة وفتح الجيم وسكون الياء آخر الحروف ودال مهملة

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم لأم بجيد: "إن لم تجدي إلا ظلفًا محرقًا فادفعيه إليه في يده" قد ضبط الحافظ رحمه الله، الظلف وفسره فقال: الظلف للبقر والغنم بمنزلة الحافر للفرس ا. هـ.

وقد يستعار فيقال ظلف شاة كذا في النهاية

(2)

والظلف وإن كان مما لا ينتفع به فإنه استعمل ها هنا على المعتاد من مذهب العرب في كلامهم إذا بالغوا في الأمر وحثوا عليه

(3)

وقد اختلف في تأويله فقيل ضربه مثلا للمبالغة، وقيل إن الظلف المحرق وكان له عندهم قدر

(4)

قاله في شرح المشارق

(5)

.

قوله في الرواية الأخرى: "ولا تردي سائلك ولو بظلف محرق" أي أعطوه

= (2472) و (2473) وابن حبان (3373).

وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1467) وصحيح الترغيب (884).

(1)

جامع الأصول (12/ 226 و 328).

(2)

هذا وهم من الشارح فعبارة ابن الأثير المذكورة إنما هو في شرحه لمادة (فرسن) انظر النهاية (3/ 429).

(3)

الميسر (2/ 444).

(4)

شرح أبي داود (6/ 421) للعينى.

(5)

حدائق الأزهار (لوحة 137/ كتبخانة رقم 87781) للأرزنجانى.

ص: 397

ولو ظلفًا محرقًا ولم يرد رد الحرمان والمنع، وفي الحديث "لا تردي السائل ولو بظلف"

(1)

أي لا تردوه رد حرمان بلا شيء ولو أنه ظلف قاله، في النهاية

(2)

وهذا القول إنما يقصد به المبالغة في رد السائل بأدنى ما تيسر ولم يرد به صدور هذا الفعل من المسئول عنه فإن الظلف المحرق غير منتفع به

(3)

ا. هـ.

1312 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعبد عَابِد من بني إِسْرَائِيل فعبد الله فِي صومعة سِتِّينَ عَاما فأمطرت الأَرْض فاخضرت فَأَشْرَف الراهب من صومعته فَقَالَ لَو نزلت فَذكرت الله فازددت خيرا فَنزل وَمَعَهُ رغيف أَو رغيفان فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الأرْض لَقيته امْرَأَة فَلم يزل يكلمها وتكلمه حَتَّى غشيها ثم أُغمي عَلَيْهِ فَنزل الغدير يستحم فجَاء سَائل فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَن يَأْخُذ الرغيفين ثمَّ مَاتَ فوزنت عبَادَة سِتِّينَ سنة بِتِلْكَ الزنية فرجحت الزنية بحسناته ثمَّ وضع الرَّغِيف أَو الرغيفان مَعَ حَسَنَاته فرجحت حَسَنَاته فغفر لَهُ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(4)

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَلَفظه إِن رَاهِبًا عبد الله فِي صومعته سِتِّينَ سنة فَجَاءَت امْرَأَة فَنزلت إِلَى جنبه

(1)

سبق تخريجه.

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 214).

(3)

الميسر (2/ 453).

(4)

أخرجه ابن حبان (378). قال أبو حاتم: سمع هذا الخبر غالب بن وزير، عن وكيع ببيت المقدس، ولم يحدث به بالعراق، وهذا مما تفرد به أهل فلسطين عن وكيع. وقال الألباني: منكر جدا الضعيفة (6875) وضعيف الترغيب (527) و (552) و (1435).

ص: 398

فَنزل إِلَيْهَا فواقعها سِتّ لَيَال ثمَّ سقط فِي يَده فهرب فَأتى مَسْجِدا فأوى فِيهِ ثَلَاثًا لَا يطعم شَيْئا فَأتي برغيف فَكَسرهُ فَأعْطى رجلا عَن يَمِينه نصفه وَأعْطى آخر عَن يسَاره نصفة فَبعث الله إِلَيْهِ ملك الْمَوْت فَقبض روحه فَوضعت السِّتُّونَ فِي كفة وَوضعت السِّتَّة فِي كفة فرجحت يَعْنِي السِّتَّة ثمَّ وضع الرَّغِيف فرجح يَعْنِي رجح الرَّغِيف السِّتَّة

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر تقدم الكلام على أبي ذر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تعبد عابد من بني إسرائيل فعبد الله في صومعته ستين عاما" الحديث الصومعة قال: بعض أهل اللغة كل منضم فهو متصمع ومن ذلك اشتقاق الصومعة وهي المعبد

(2)

.

قوله: "فأشرف الراهب من صومعته فقال لو نزلت فذكرت الله فازددت خيرا فنزل ومعه رغيف أو رغيفان فبينما هو في الأرض لقيته امرأة فلم يزل يكلمها حتى غشيها ثم أغمي عليه فنزل الغدير يستحم فجاء سائل فأومأ إليه أن يأخذ الرغيفين ثم مات" الحديث والغدير القطعة من السيل تبقى بعد ذهابه سمى غديرا لأن السيل غادره أي تركه

(3)

، وقال: بعضهم الغدير

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 144 - 145 رقم 3213).

وصححه الألباني في صحيح الترغيب (885).

(2)

مجمل اللغة (ص 541)، ومقاييس اللغة (3/ 310)، والمجموع المغيث (2/ 302)، والمصباح المنير (1/ 347).

(3)

الجراثيم (2/ 16)، وكفاية المتحفظ (ص 189).

ص: 399

مجتمع الماء

(1)

.

قوله: رواه البيهقي

(2)

عن ابن مسعود موقوفا عليه فذكره إلى أن قال "فجأت إمرأة إلى جنبه فنزل إليها فواقعها ست ليال ثم سقط في يده" الحديث أي ندم، ومنه قوله تعالى:{وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ}

(3)

أي ندموا على عبادة العجل والعرب تقول لم ندم على أمر سقط في يده ا. هـ، قاله البغوي في تفسيره

(4)

والله أعلم.

حكايات: تتعلق بمعنى الحديث، الأولى: روى الإمام أحمد في كتاب الزهد

(5)

عن سالم بن أبي الجعد قال كان رجل من قوم صالح قد ءاذاهم فقالوا يا نبي الله ادع الله عليه فقال اذهبوا فقد كفيتموه قال وكان يخرج كل يوم فيحتطب قال فخرج يومئذ ومعه رغيفان فأكل أحدهما وتصدق بالآخر قال فأحتطب ثم جاء بحطبه سالما فلم يصبه شيء قال فدعاه صالح وقال: أي شيء صنعته اليوم قال خرجت ومعي قرصان فتصدقت بأحدهما وأكلت الآخر فقال صالح عليه السلام حل حطبك فحله فإذا فيه أسود مثل الجدع عاض على جدر من الحطب فقال: بهذا دفع عنك يعني بالصدقة.

(1)

الكواكب الدراري (16/ 77).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

سورة الأعراف، الآية:149.

(4)

ينظر: شرح السنة للبغوي (6/ 19).

(5)

الزهد لأحمد بن حنبل (494).

ص: 400

الثانية: روى الطبراني في معجمه الكبير

(1)

عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن نفرا مروا على عيسى ابن مريم عليه السلام، فقال: يموت أحد هؤلاء اليوم إن شاء الله، فمضوا ثم رجعوا عليه بالعشي، ومعهم حزم الحطب، فقال: ضعوا، فقال للذي قال إنه يموت اليوم: حل حطبك، فحله، فإذا فيه حية سوداء، قال: ما عملت اليوم قال: ما عملت شيئا قال: انظر ما عملت قال: ما عملت شيئا، إلا أنه كان معي في يدي فلقة من خبز فمر بي مسكين، فسألني فأعطيته بعضها، فقال: بها دفع عنك"

الثالثة: في تاريخ ابن النجار

(2)

في حديث الحسن بن أبي الحسن عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان فيمن قبلكم رجل يأتي وكر طائر، كلما أفرخ أخذ فراخه فشكا ذلك الطائر إلى الله تعالى ما يفعل به، فأوحى الله تعالى إليه إن عاد فسأهلكه، فلما أفرخ ذلك الطير، خرج ذلك الرجل كما كان يخرج، فبينما هو في بعض الطريق سأله سائل فأعطاه رغيفا كان معه يتغذاه، ثم مضى حتى أتى الوكر ووضع سلمه ثم صعد فأخذ الفرخين وأبواهما ينظران إليه، فقالا: ربنا إنك لا تخلف الميعاد، وقد وعدتنا أنك تهلك هذا إذا عاد، وقد

(1)

المعجم الأوسط (7704) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (3/ 110) رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أحمد بن أبي شيبة، ولم أعرفه.

(2)

أخرجه ابن ماسى في فوائده (34) من طريق أبان بن أبي عياش، عن الحسن بن أبي الحسن، عن أبي هريرة. وأبان ضعيف. ومن طريقه تاج الدين السبكي في معجمه (ص 245) وذكره الدميري في حياة الحيوان الكبرى (2/ 284)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (72/ 102).

ص: 401

عاد وأخذ فرخينا ولم تهلكه، فأوحى الله إليهما، ألم تعلما أني لا أهلك أحدا تصدق بصدقة في يومه بموتة سوء وقد تصدق".

الرابعة: في تاريخ ابن النجار أيضًا عن وهب بن منبه قال: بينما امرأة من بني إسرائيل، على ساحل البحر تغسل ثيابها، وصبي لها يدب بين يديها، إذ جاء سائل فأعطته لقمة من رغيف كان معها، فما كان بأسرع من أن جاء ذئب فالتقم الصبي، فجعلت تعدو خلفه وتقول: يا ذئب ابني يا ذئب ابني، فبعث الله ملكا فنزع الصبي من فم الذئب ورمى به إليها. وقال: لقمة بلقمة.

وحكى أن إمرأة تصدقت برغيف فأخذ السبع ولدها فجاءت إلى بعض الصالحين فألقى السبع ولدها ونوديت لقمة بلقمة تصدقت برغيف من أجلنا فرددنا ولدك وإنا لحافظون من استودع إلينا قاله في تهذيب النفوس

(1)

.

الخامسة في كتاب الثواب

(2)

عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، أنه كان مريضا فاشتهى سمكة طرية فالتمست له بالمدينة، فلم توجد حتى وجدت بعد كذا وكذا يوما فاشتريت بدرهم ونصف، وشويت وحملت له على رغيف، فقام سائل على الباب فقال للغلام: لفها برغيفها وادفعها إليه.

فقال الغلام: أصلحك الله اشتهيتها منذ كذا وكذا يوما، فلم نجدها فلما

(1)

أخرجه الدينورى في المجالسة (3529) من طريق يزيد بن أبي حكيم العدني، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة، عن ابن عباس، وضعفه الألباني في الضعيفة (1684). وانظر: حياة الحيوان (1/ 503).

(2)

كتاب الثواب لأبي الشيخ مفقود.

ص: 402

وجدناها واشتريناها بدرهم ونصف أمرت أن ندفعها له نحن نعطيه ثمنها، فقال: لفها وادفعها إليه فقال الغلام للسائل: هل لك أن تأخذ درهما وتدع هذه السمكة؟ فأخذ منه درهما وردها، فعاد الغلام وقال له: دفعت له درهما وأخذتها منه فقال له: لفها وادفعها إليه، ولا تأخذ منه شيئا، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"أيما امرئ اشتهى شهوة فرد شهوته وآثر بها على نفسه غفر الله له"

(1)

.

لطيفة: في الإحياء

(2)

في كتاب كسر الشهوتين حديث لا يستدير الرغيف ويوضع بين يديك حتى يعمل فيه ثلاثمائة وستون صانعا أولهم ميكائيل الذي يكيل الماء من خزائن الرحمة ثم الملائكة التي تزجي السحاب والشمس والقمر والأفلاك وملكوت الهوى ودواب الأرض وآخر ذلك الخباز: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}

(3)

الآية.

1313 -

وَعَن الْمُغيرَة بن عبد الله الْجعْفِيّ قَالَ جلسنا إِلَى رجل من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عليه وسلم يُقَال لَهُ خصفة بن خصفة فَجعل ينظر إِلَى رجل سمين

(1)

أخرجه من طريق أبي الشيخ الديلمي كما في الغرائب الملتقطة (1072)، وأخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (31/ 142)، والسلفى في السادس عشر من المشيخة البغدادية (12) وابن الجوزى في الموضوعات (3/ 138). قال ابن الجوزى: هذا حديث موضوع، والمتهم به عمرو بن خالد. قال وكيع: كان في جوارنا يضع الحديث، وقال ابن عدي: عامة ما يروي موضوعات، كذبه أحمد ويحيى.

(2)

قوت القلوب (1/ 350)، وإحياء علوم الدين (3/ 79).

(3)

سورة إبراهيم، الآية:34.

ص: 403

فَقلت لَهُ مَا تنظر إِلَيْهِ فَقَالَ ذكرت حَدِيثا سمعته من رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سمعته يَقُول هَل تَدْرُونَ مَا الشَّديد قُلْنَا الرجل يصرع الرجل قَالَ إِن الشَّديد كل الشَّديد الَّذِي يملك نَفسه عِنْد الْغَضَب تَدْرُونَ مَا الرقوب قُلْنَا الرجل الَّذِي لا يُولد لَهُ قَالَ إِن الرقوب الرجل الَّذِي لَهُ الْوَلَد لم يقدم مِنْهُم شَيْئا ثم قَالَ تَدْرُونَ مَا الصعلوك قَالَ قُلْنَا الرجل الَّذِي لا مَال لَهُ قَالَ إِن الصعلوك كل الصعلوك الَّذِي لَهُ المَال لم يقدم مِنْهُ شَيْئا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَينظر سَنَده

(1)

قَالَ الْحَافِظ وَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى فِي كتاب الملبس بَاب فِي الصَّدَقَة على الْفَقِير بِمَا يلْبسهُ.

قوله: وعن المغيرة بن عبد الله الجعفي (ويقال المغيرة بن سعيد الجعفى، ويقال عروة بن عبد الله الجعفى روى عنه يزيد بن خصفة مجهول).

قوله: جلسنا إلى رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يقال له خصفة بن خصفة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "يقول هل تدرون ما الشديد قلنا الرجل يصرع الرجل قال إن الشديد كل الشديد الرجل الذي يملك نفسه عند الغضب".

وفي رواية: "ما تدرون ما الصرعة فيكم قالوا الذي لا تصرعه الرجال قال هو الذي يملك نفسه عند الغضب"

(2)

الصرعة بضم الصاد وفتح الراء المبالغ في الصراع الذي لا يغلب فنقله إلى الذي يغلب نفسه عند الغضب ويقهرها فإنه إذا ملكها كان قد قهر أقوى أعدائه ولذلك قال "أعدى عدو لك نفسك التي

(1)

أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 44 - 45 رقم 3070) والخطيب في المتفق والمفترق (1567). وقال الألباني: منكر الضعيفة (6740) وصححه في صحيح الترغيب (886) إلا زيادة تدرون من الصعلوك فضعفها في ضعيف الترغيب (528).

(2)

سبق تخريجه.

ص: 404

بين جنبيك" وهذا من الألفاظ التي نقلها عن وضعها اللغوي لضرب من التوسع والمجاز وهو من فصيح الكلام لأنه لما كان الغضبان بحالة شديدة من الغيظ وقد ثارت عليه شهوة الغضب فقهرها بحلمه وصرعها بثباته كان كالصرعة الذي يصرع الرجال ولا يصرعونه

(1)

ومعناه أنكم تعتقدون أن الصرعة الممدوح القوي الفاضل هو الذي لا تصرعه الرجال بل يصرعهم وليس هو كذلك شرعا بل هو من يملك نفسه عند الغضب فهذا هو الفاضل الممدوح الذي قل من يقدر على التخلق بخلقة ومشاركته في فضيلته بخلاف الأول

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تدرون ما الرقوب قلنا الرجل الذي لا يولد له قالوا إن الرقوب الرجل الذي له الولد ثم لم يقدم منهم شيئا" الحديث، الرقوب: بفتح الراء وتخفيف القاف وأصل الرقوب في كلام العرب الذي لا يعيش له ولد ومعنى الحديث أنكم تعتقدون أن الرقوب المحزون هو المصاب بموت أولاده وليس هو كذلك شرعًا، بل هو من لم يمت أحد من أولاده في حياته فيحتسبه ويكتب له ثواب مصيبته وثواب صبره عليه ويكون له فرطا وسلفا

(3)

وقال: في الفائق

(4)

وكذا في النهاية

(5)

الرقوب في اللغة الرجل والمرأة إذا لم يعيش لهما ولد (لأنه) متى ترقب موته وترصده خوفا عليه فنقله صلى الله عليه وسلم إلى الذي لم

(1)

النهاية (3/ 23 - 24).

(2)

شرح النووي على مسلم (16/ 162).

(3)

شرح النووي على مسلم (16/ 162).

(4)

الفائق في غريب الحديث (2/ 76).

(5)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 249).

ص: 405

يقدم من الولد شيئا أي يموت قبله تعريفا أن الأجر والثواب لمن قدم شيئا من الولد وإن الإعتداد به أكثر والنفع به أعظم وإن فقدهم وإن كان في الدنيا عظيما فإن فقد الأجر والثواب على الصبر والتسليم للقضاء في الأخرة أعظم وإن المسلم ولده في الحقيقة من قدمه واحتسبه ومن لم يرزق ذلك فهو كالذي لا ولد له.

ففي هذا الحديث فضل موت الأولاد والصبر عليهم ويتضمن الدلالة لمذهب من يقول بتفضيل التزويج وهو مذهب أبي حنيفة وبعض أصحابنا وفيه فضيلة كظم الغيظ وإمساك النفس عند الغضب عن الانتصار والمخاطبة والمنازعة

(1)

انتهى.

خاتمة: عن جابر بن عبد الله قال: جاء رجل من الأنصار إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ما رزقت ولد قط ولا ولد لي فقال: "أين أنت عن كثرة الاستغفار والصدقة يرزق الله تعالى بهما الولد" فكان الرجل يكثر الصدقة ويكثر الاستغفار قال: جابر فولد له تسعة من الذكور

(2)

والله أعلم.

(1)

شرح النووي على مسلم (16/ 162 - 163).

(2)

الأربعين من حديث أبي حنيفة (51) ينظر: الإيماء إلى زوائد الأمالي والأجزاء (2/ 200) وهو موضوع.

ص: 406