المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٥

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

- ‌فصل

- ‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزل لها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جَاءَهُ شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فِي قبُوله سِيمَا إِن كَانَ مُحْتَاجا وَالنَّهْي عَن رده وَإِن كَانَ غَنِيا عَنهُ

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

- ‌[الترغيب في صدقة السر]

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌[الترغيب في القرض وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

- ‌الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

- ‌فصل

- ‌الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصوم الترغيب في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام رَمَضَان احتسابا وَقيام ليله سِيمَا لَيْلَة الْقدر وَمَا جَاء فِي فَضله

- ‌التَّرْهِيب من إفطار شَيْء من رَمَضَان من غير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم سِتّ من شَوَّال

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام يَوْم عَرَفَة لمن لم يكن بهَا وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَنْهَا لمن كَانَ بهَا حَاجا

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام شهر الله الْمحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم شعْبَان وَمَا جَاءَ فِي صِيَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفضل لَيْلَة نصفه

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوم ثلاثة أَيَّام من كل شهر سِيمَا الْأَيَّام الْبيض

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخمِيس

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الأرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت والأحد وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن تَخْصِيص الْجُمعَة بِالصَّوْم أَو السبت

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم وَهُوَ صَوْم دَاوُد عليه السلام

- ‌ترهيب الْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا أَن تستأذنه

- ‌ترهيب الْمسَافِر من الصَّوْم إِذا كَانَ يشق عَلَيْهِ وترغيبه فِي الْإِفْطَار

- ‌التَّرْغِيب فِي السّحُور سِيمَا بِالتَّمْرِ

الفصل: ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

1390 -

عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما أَن رجلا سَأَلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي الْإِسْلَام خير قَالَ تطعم الطَّعَام وتقرأ السَّلَام على من عرفت وَمن لم تعرف رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

قوله عن عبد الله تقدم الكلام عليه.

قوله: أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ الحديث، أي: أي خصال الإسلام خير

(2)

أو أي أعمال الإسلام خير؟

(3)

تنبيه: قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عمرو بن العاص أي الإسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام" الحديث، وفي حديث أبي موسى أي المسلمين أفضل قال:"من سلم المسلمون من لسانه ويده"

(4)

.

فإن قلت: جاء في الجواب عن الأول أن الخير أن يطعم الطعام وفي الآخر أنه من سلم المسلمون من لسانه ويده، فما وجه التوفيق بينهما؟

قلت: كان الجوابان في وقتين فأجاب في كل وقت بما هو أفضل في حق السامع أو أهل المجلس فقد يكون ظهر من أحدهما قلة المراعاة ليده ولسانه

(1)

البخاري (12)، ومسلم (39)، وأبو داود (5194)، وابن ماجه (3253)، وأحمد (6581).

(2)

شرح السنة (12/ 260).

(3)

كشف المشكل (4/ 116)، واللامع الصبيح (15/ 277).

(4)

أخرجه البخاري (11)، ومسلم (66 - 42).

ص: 546

وإيذاء المسلمين ومن الآخر إمساك من الطعام وتكبر فأجابهما على حسب حالهما أو علم صلى الله عليه وسلم أن السائل الأول يسأل عن أفضل التروك، والثاني عن خير الأفعال أو أن الأول يسأل عما يدفع المضار، والثاني عما يجلب المنافع أو أنهما بالحقيقة متلازمان إذ الطعام مستلزم لسلامة اليد والسلامة لسلامة اللسان، وفيه الحث على الجود والسخاء وعلى مكارم الأخلاق وخفض الجناح للمسلمين والتواضع والحث على تآلف قلوبهم واجتماع كلمتهم وتوادهم واستجلاب ما يحصل ذلك والحديث مشتمل على نوعي المكارم لأنها إما مالية والإطعام إشارة إليها وإما بدنية والسلام إشارة إليها، قال القاضي البيضاوي

(1)

: والألفة إحدى فرائض الإسلام وأركان الشريعة ونظام شمل الدين والله أعلم قاله الكرماني

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف" أي لا تخص به أحدا كما يفعله بعض الناس تكبرًا وتهاونًا ولا يكون مصانعةً ولا ملقًا بل مراعاةً لإخوة الإسلام وتعظيما لشعار الشريعة وإذا كان خالصا لله تعالى لا يختص بأحد دون أحد ولا ينبغي أن تكون المعاداة ونحوها مانعة من السلام والله أعلم

(3)

وسيأتي الكلام أيضًا على ذلك في إفشاء السلام في محله إن شاء الله تعالى.

(1)

كذا هو في الكواكب الدراري (1/ 93) وإنما هو القاضي عياض كما في إكمال المعلم (1/ 276)، وشرح النووي على مسلم (2/ 10 - 11).

(2)

الكواكب الدراري (1/ 93).

(3)

الكواكب الدراري (1/ 93).

ص: 547

1391 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِنِّي إِذا رَأَيْتُك طابت نَفسِي وقرت عَيْني أنبئني عَن كل شَيْء قَالَ كل شَيْء خلق من المَاء فَقلت أَخْبرنِي بِشَيْء إِذا عملته دخلت الْجنَّة قَالَ أطْعم الطَّعَام وأفش السَّلَام وصل الْأَرْحَام وصل باللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدخل الْجنَّة بِسَلام رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قول أبي هريرة للنبي صلى الله عليه وسلم: أنبئني عَن كل شَيْء قَالَ كل شَيْء خلق من المَاء .. الحديث

فهذ الحديث يدُل على أن الماءَ أصلُ جميع المخلوقاتِ ومادّتها. وجميعُ المخلوقاتِ خُلِقَتْ منه، وقد دلّ القرآن على ذلك، قال الله تعالى:{وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} وقال الله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ} .

قوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "أطعم الطعام وأفش السلام وصل الأرحام وصل بالليل والناس نيام" تقدم الكلام على صلة الرحم وقيام الليل وإطعام الطعام وأما إفشاء السلام فقال القاضي أبو بكر ابن العربي

(2)

: إفشاء السلام أن يعم به الخلق ولا يخص به المعرفة، ففي الصحيح:"وتقرأ السلام على من عرفت ومن لا تعرف" والسبب في ذلك أنها كلمة إذا صدرت

(1)

أحمد (7932)، وابن حبان (2559)، والحاكم (4/ 129)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 16)، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح خلا أبا ميمونة، وهو ثقة.

(2)

عارضة الأحوذى (1/ 170 - 171).

ص: 548

أخلصت القلوب الواعية لها عن النفرة إلى الإقبال عليها وهي أول كلمة تفاوض بها آدم مع الملائكة فإنه لما خلقه الله تعالى قال له: اذهب إلى أولئك النفر من الملائكة فسلم عليهم واستمع ما يحيونك به فإنها تحيتك وتحية ذريتك فقال لهم: السلام عليكم، فقالت له الملائكة: وعليك السلام ورحمة الله، أ. هـ. قاله في الديباجة.

1392 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم اعبدوا الرَّحْمَن وأطعموا الطَّعَام وأفشوا السَّلَام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

فائدة: اتفقوا على أن اسم عمرو يكتب في حالتي الجر والرفع بالواو ولا يكتب في النصب واو قالوا ويكتب الواو للفرق بينه وبين عمر وحذفت في النصب لحصول الفرق بالألف وجعلت الواو فيه دون عمر لخفة عمرو بثلاثة أشياء فتح أوله وسكون ثانيه وصرفه فلا تجحف به الزيادة بخلاف عمر

(2)

والله أعلم.

(1)

الترمذي (1855)، والبخاري في الأدب المفرد (981)، وابن ماجه (3694)، وأحمد (6587)، وابن حبان (489)، والدارمي (2126)، وابن أبي شيبة (25730)، والحاكم (4/ 129)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 287)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (937).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 24).

ص: 549

قوله صلى الله عليه وسلم: "اعبدوا الرحمن وأطعموا الطعام وأفشوا السلام تدخلوا الجنة بسلام" أي من الله أو من الملائكة لأهل الجنة.

1393 -

وَعنهُ أَيْضا رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة غرفا يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا فَقَالَ أَبُو مَالك الْأَشْعَرِيّ لمن هِيَ يَا رَسُول الله قَالَ هِيَ لمن أطاب الْكَلَام وَأطْعم الطَّعَام وَبَات قَائِما وَالنَّاس نيام رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(1)

.

قوله: وعنه أيضًا تقدم الكلام عليه رضي الله عنه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" فقال أبو مالك الأشعري: لمن هي يا رسول الله؟ قال: "هي لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام وبات قائما والناس نيام" الحديث.

اعلم أن هذه الغرف مختلفة في العلو والصفة بحسب اختلاف أصحابها في الأعمال فبعضها أعلى من بعض وأرفع

(2)

.

1394 -

وَعَن أبي مَالك الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن فِي الْجنَّة غرفا يرى ظَاهرهَا من بَاطِنهَا وباطنها من ظَاهرهَا أعدهَا الله تَعَالَى لمن أطْعم

(1)

الطبراني في الكبير (14687)، وفي مكارم الأخلاق (167)، والحاكم (1/ 80)، وقال صحيح على شرط الشيخين، وفي (1/ 321)، قال: صحيح على شرط مسلم، وأحمد (6615).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 254)، رواه أحمد والطبراني في الكبير، وإسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (938).

(2)

التذكرة (ص 965).

ص: 550

الطَّعَام وَأفْشى السَّلَام وَصلى بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه، تقدم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن في الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها" الحديث تقدم الكلام عليه.

1395 -

وَعَن حَمْزَة بن صُهَيْب عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ قَالَ عمر لِصُهَيْب فِيك سرف فِي الطَّعَام فَقَالَ إِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول خياركم من أطْعم الطَّعَام رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان فِي كتاب الثَّوَاب وَفِي إِسْنَاده عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وَمن لَا يحضرني الْآن حَاله

(2)

.

قوله: وعن حمزة بن صهيب عن أبيه رضي الله عنه، هو حمزة بن صهيب بن سنان القرشي التيمي المدني أخو صيفي مولى ابن جدعان، روى عن أبيه صهيب، وفي مسند الإمام أحمد

(3)

عن حمزة بن صهيب كان يكنى أبا يحيى ويقول إنه

(1)

ابن حبان (509)، وأحمد (22905)، والطبراني في الكبير (3466)، وعبد الرزاق (20883)، وابن خزيمة (2137)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 254)، رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (939).

(2)

أحمد (23929)، والأصبهاني في الترغيب (400)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (24/ 239)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 153)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (940).

(3)

أخرجه أحمد (23926) وأبو نعيم في الحلية 1/ 153 وابن سعد في الطبقات 3/ 226 - 227.

ص: 551

من العرب ويطعم الطعام الكثير، فقال له عمر بن الخطاب: يا صهيب! مالك تكنى أبا يحيى وليس لك [ولد] وتقول إنك من العرب وتطعم الطعام الكثير وذلك سرف في المال فقال صهيب: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كنانى أبا يحيى وأما قولك في النسب فأنا رجل من [النمر بن قاسط] من أهل الموصل ولكني شببت غلاما صغيرا قد عقلت أهلي، وقومي وأما قولك في الطعام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول:"خياركم من أطعم الطعام ورد السلام فذلك الذي يحملني على [أن أطعم] الطعام"

(1)

.

قوله: قال عمر لصهيب فيك سرف في الطعام فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خياركم من أطعم الطعام" الحديث.

الطعام في لغة العرب كل ما يؤكل وربما خص بالطعام البر

(2)

قال أبو عبد

(1)

أخرجه ابن سعد (3/ 226 - 227)، وابن أبي شيبة في المسند (483)، وأحمد 6/ 16 (23926) وعنه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 46)، ولوين في جزئه (64)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير 2/ 743 (3150) و 2/ 959 (4107)، والطحاوى في مشكل الآثار (7248)، والطبراني في الكبير (8/ 38 رقم 7310)، وأبو الطاهر في المخلصيات (19)، والحاكم في المستدرك (4/ 278)، والبيهقي في الشعب (11/ 299 - 300 رقم 8565). وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

وقال ابن عساكر: هذا حديث غريب تفرد به العقيلي وفيه ضعف. قال الهيثمي في المجمع 5/ 16 - 17: رواه أحمد، وفيه عبد الله بن محمد بن عقيل، وحديثه حسن، وفيه ضعف، وبقية رجاله ثقات. وقال البوصيري: هذا إسناد حسن. عبد الله بن محمد مختلف فيه مصباح الزجاجة 4/ 119. وحسنه الألباني في الصحيحة (44).

(2)

الصحاح (5/ 1974).

ص: 552

الله القرطبي: فأما إطعام الطعام فهو فعل الله تبارك وتعالى لأن الخلق عيال الله تعالى فهو يعولهم ويتكفل بأرزاقهم فإذا قام عبد بإطعام عبيده فإنما يطعم عن الله تعالى ما تكفل لعبيده فهذا فعل استأثر الله به وارتضاه لنفسه ثم أجراه على أيدي أنبيائه وأوليائه وهو من أشرف الخصال وفيه إقامة الروح في الأبدان وسلامة المهج أكرم الله به خليله إبراهيم عليه السلام وحبيبه محمدا صلى الله عليه وسلم بذلك فكان إبراهيم يقري الضيفان وكان محمد صلى الله عليه وسلم لا يدخر شيئا لغد فأقربهم وسيلة وأقربهم درجة أفعلهم لهذا وأخلقهم بهذا انتهى.

قوله: وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل [ضعفه ابن معين وقال ابن خزيمة لا أحتج به، وقال أبو حاتم وغيره لين الحديث، وقال الترمذي: صدوق تكلم فيه من قبل حفظه واحتج به أحمد وإسحاق والحميدي وغيرهم].

1396 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْكَفَّارَات إطْعَام الطَّعَام وإفشاء السَّلَام وَالصَّلَاة بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قَالَ المملي رضي الله عنه كَيفَ وَعبد الله بن أبي حميد مَتْرُوك.

1397 -

وَعَن عبد الله بن سَلام رضي الله عنه قَالَ أول مَا قدم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِلَى الْمَدِينَة انجفل النَّاس إِلَيْهِ فَكنت فِيمَن جَاءَهُ فَلَمَّا تَأَمَّلت وَجهه واستثبته

(1)

الحاكم (4/ 129)، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: عبيد الله، قال أحمد: تركوا حديثه.

ص: 553

علمت أَن وَجهه لَيْسَ بِوَجْه كَذَّاب قَالَ وَكَانَ أول مَا سَمِعت من كَلَامه أَن قَالَ أَيهَا النَّاس أفشوا السَّلَام وأطعموا الطَّعَام وصلوا بِاللَّيْلِ وَالنَّاس نيام تدْخلُوا الْجنَّة بِسَلام رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح وَابْن مَاجَه وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ

(1)

.

انجفل النَّاس بِالْجِيم أَي أَسْرعُوا ومضوا كلهم.

استثبته أَي تحققته وتبينته.

قوله: وعن عبد الله بن سلام رضي الله عنه، هو عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي ثم الأنصاري الخزرجي الصحابي

(2)

كان حليفا لبني الخزرج كنيته أبو يوسف كنى بابنه يوسف وهو من بني قينقاع [منصرفا وغير منصرف قبيلة من اليهود قاله الكرماني

(3)

، أ. هـ،] بضم النون وكسرها وفتحها وهو من ولد يوسف بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكان اسمه في الجاهلية حصينا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله، أسلم أول قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وروي أنه قال: يا رسول الله إن اليهود قوم بهت وإنهم إن علموا بإسلامي بهتوني عندك فسلهم عني قبل أن يعلموا بإسلامي، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف عبد الله

(1)

الترمذي (2485)، وابن ماجه (1334)، والحاكم (3/ 13)، وأحمد (23784)، وعبد ابن حميد (496)، والدارمي (1460)، والبيهقي في السنن (2/ 502)، وفي شعب الإيمان (8749)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (941).

(2)

الاستيعاب: 3/ 921، الإصابة: 6/ 108، أسد الغابة: 3/ 264، تاريخ الإسلام: 2/ 230، العبر: 1/ 51، تهذيب التهذيب: 5/ 249، تهذيب الكمال:691.

(3)

ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 174).

ص: 554

ابن سلام فيكم" فقالوا: خيرنا وأعلمنا وسيدنا وأثنوا عليه خيرا، فقال: "أرأيتم إن أسلم" قالوا: أعاذه الله من ذلك، فخرج عليهم عبد الله فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، فقالوا عنه: هو شرنا وابن شرنا فقال هذا ما كنت أخاف يا رسول الله ونزل في فضله قوله تعالى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ}

(1)

الآية، ثم قوله تعالى:{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ}

(2)

(3)

وري له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وعشرون حديثا اتفقا على حديث، وانفرد البخاري بالآخر روى عنه ابناه محمد ويوسف وأبو هريرة وأنس وعبد الله بن مغفل المزني وجماعات من التابعين وشهد مع عمر بن الخطاب فتح بيت المقدس والجابية في سنة ثلاث وأربعين بالمدينة، قال النووي

(4)

: روينا في صحيح البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص قال: ما سمعت رسول الله يقول لحي يمشي على الأرض أنه من أهل الجنة إلا لعبد الله بن سلام

(5)

، ومناقبه كثيرة مشهورة

(6)

وتقدم الكلام عليه أيضًا في قيام الليل.

(1)

سورة الأحقاف، الآية:10.

(2)

سورة الرعد، الآية:47.

(3)

أخرجه البخاري (3329) و (3911) و (3938) عن عبد الله بن سلام دون ذكر الآية وستأتى في حديث سعد بن أبي وقاص التالى في رواية البخاري.

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 271).

(5)

أخرجه البخاري (3812) ومسلم (147 - 2483) عن سعد.

(6)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 270 - 271 ترجمة 304).

ص: 555

قوله: أول ما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة انجفل الناس إليه، قال الحافظ

(1)

: انجفل بالجيم أي أسرعوا ومضوا كلهم أ. هـ، وقال صاحب المغيث

(2)

: أي ذهبوا مسرعين نحوه والجفول سرعة العدو، يقال جفل الظليم وأجفل أسرع أ. هـ.

وقال في النهاية

(3)

: يقال: جفل وأجفل وانجفل.

قوله: فلما تأملت وجهه واستثبته، أي تحققته وتبينته قاله الحافظ

(4)

.

1398 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من مُوجبَات الرَّحْمَة إطْعَام الْمُسلم الْمِسْكِين رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ مُتَّصِلا ومرسلا من طَرِيقه أَيْضا إِلَّا أَنه قَالَ إِن من مُوجبَات الْمَغْفِرَة إطْعَام الْمُسلم السغبان وَقَالَ قَالَ عبد الْوَهَّاب يَعْنِي الجائع

(5)

.

وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي كتاب الثَّوَاب إِلَّا أَنه قَالَ إِن من مُوجبَات الْجنَّة إطْعَام الْمُسلم السغبان.

السغبان بِالسِّين الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة بعدهمَا بَاء مُوَحدَة.

قوله: وعن جابر، هو: ابن عبد الله تقدم الكلام على جابر.

(1)

أي المنذري.

(2)

المجموع المغيث (1/ 335).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 279).

(4)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).

(5)

الحاكم (2/ 524)، والبيهقي في شعب الإيمان (3364). قلت: والمتصل في إسناده طلحة بن عمرو، متروك.

ص: 556

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن من موجبات الرحمة إطعام المسلم المسكين" وفي الرواية الأخرى: "المسلم السغبان"

(1)

يعني الجائع [قال الحافظ

(2)

: قال السغبان الجائع]، وتقدم الكلام على تفسير المسكين والفرق بينه وبين الفقير.

1399 -

وَعَن عَائِشَة رضي الله عنها عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله ليربي لأحدكم التمرة واللقمة كَمَا يُربي أحدكُم فلوه أَو فَصِيله حَتَّى يكون مثل أحد رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

.

1400 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن الله عز وجل ليدْخل بلقمة الْخبز وقبصة التَّمْر وَمثله مِمَّا ينفع الْمِسْكِين ثَلَاثَة الْجنَّة الْآمِر بِهِ وَالزَّوْجَة الْمصلحَة لَهُ وَالْخَادِم الَّذِي يناول الْمِسْكِين وَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْحَمد لله الَّذِي لم ينس خدمنا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَالْحَاكِم وَتقدم

(4)

.

القبصة بِفَتْح الْقَاف وَضمّهَا وبالصاد الْمُهْملَة هِيَ مَا يتَنَاوَلهُ الْآخِذ برؤوس أَصَابِعه الثَّلَاث.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 380).

(3)

ابن حبان (3317)، والطبراني في الأوسط (4240)، والبزار (931)، وأحمد (26135)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 111)، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وقال (3/ 112)، رواه البزار ورجاله ثقات، ولم ينسبه لأحمد، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (942).

(4)

الطبراني في الأوسط (5309)، والحاكم (2/ 95)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 269)، رواه الطبراني في الأوسط وفيه سويد بن عبد العزيز، قال أحمد متورك، وضعفه الجمهور ووثقه دحيم، وبقية رجاله ثقات.

ص: 557

1401 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تعبد عَابِد من بني إِسْرَائِيل فعبد الله فِي صومعته سِتِّينَ عَاما وأمطرت الأَرْض فاخضرت فَأَشْرَف الراهب من صومعته فَقَالَ لَو نزلت فَذكرت الله فازددت خيرا فَنزل وَمَعَهُ رغيف أَو رغيفان فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الأَرْض لَقيته امْرَأَة فَلم يزل يكلمها وتكلمه حَتَّى غشيها ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ فَنزل الغدير يستحم فجَاء سَائل فَأَوْمأ إِلَيْهِ أَن يَأْخُذ الرغيفين ثمَّ مَاتَ فوزنت عبَادَة سِتِّينَ سنة بِتِلْكَ الزنية فرجحت الزنية بحسناته ثمَّ وضع الرَّغِيف أَو الرغيفان مَعَ حَسَنَاته فرجحت حَسَنَاته فغفر لَهُ رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل ليدخل بلقمة الخبز وقبصة التمر ومثله مما ينفع المسكين ثلاثة الجنة" القبصة: بالصاد المهملة هي ما يتناوله الآخذ برؤوس أصابعه الثلاث، قاله الحافظ

(2)

وتقدم الكلام عليه في الحث على الصدقات.

1402 -

وَعَن الْبَراء بن عَازِب قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله عَلمنِي عملا يدخلني الْجنَّة قَالَ إِن كنت أقصرت الْخطْبَة لقد أَعرَضت الْمَسْأَلَة أعتق النَّسمَة وَفك الرَّقَبَة فَإِن لم تطق ذَلِك فأطعم الجائع

(1)

ابن حبان (378)، قال العقيلي في الضعفاء (3/ 434)، عن ابن وهب: حديثه منكر لا أصل له.

(2)

أي المنذري.

ص: 558

واسق الظمآن الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ وَيَأْتِي بِتَمَامِهِ فِي الْعتْق إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(1)

.

قوله: وعن البراء بن عازب، تقدم.

قوله: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، الأعرابي: هو الذي يسكن البادية.

قوله: قال إن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أي جئت بالخطبة قصيرة وبالمسألة عريضة أي واسعة يعني قللت الخطبة وأعظمت المسألة.

قوله: "أعتق النسمة وفك الرقبة" النسمة النفس والروح أي من أعتق ذا روح وكل دابة فيها روح فهو نسمة وإنما يريد الناس.

تنبيه: وإنما يقال أعتق رقبة وفك رقبة وخص الرقبة دون سائر الأعضاء مع ان العتق يتناول الجميع لأن حكم السيد عليه كحبل في رقبة العبد وكالغل المانع له من الخروج فإذا أعتق فكأنه أطلقت رقبته من ذلك

(2)

، أ. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تطق ذلك فأطعم الجائع واسق الظمآن".

الظمأ: العطش، فيه: الأمر بإطعام الجائع وهو من فروض الكفايات فإن

(1)

أحمد (18647)، وابن حبان (374)، والبيهقي في السنن (10/ 272)، وفي شعب الإيمان (4335)، والبخاري في الأدب المفرد (69)، والحاكم (2/ 217)، والطيالسي (775)، والبغوي فىِ شرح السنة (2419)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (943).

(2)

شرح النووي على مسلم (10/ 135).

ص: 559

قام به بعض الناس سقط عن الباقين وإن تركه الكل أثموا

(1)

، وفي الحديث:"ما من رجل يموت جوعا بقرية إلا برئت منهم الذمة"

(2)

.

1403 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما قالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أطْعم أَخَاهُ حَتَّى يشبعه وسقاه من المَاء حَتَّى يرويهِ باعده الله من النَّار سبع خنادق مَا بَين كل خندقين مسيرَة خَمْسمِائَة عَام رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان فِي الثَّوَاب وَالْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ وَقَالَ الْحَاكِم صَحِيح الْإِسْنَاد

(3)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أطعم أخاه حتى يشبعه وسقاه من الماء حتى يرويه باعده الله من النار سبع خنادق" الحديث سيأتي الكلام على ذلك.

فائدة: وفي البيهقي عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أطعم أخاه المسلم شهوته حرمه الله على النار" خرجه البيهقي في شعبه

(4)

.

(1)

شرح الصحيح (5/ 210) و (9/ 458) لابن بطال، والتوضيح (26/ 68)، وعمدة القارى (14/ 294).

(2)

أخرجه ابن أبي شيبة (20396)، وأحمد 2/ 33 (4880)، والبزار (5378)، وأبو يعلى (5746) بلفظ: أيما أهل عرصة أصبح منهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله. وقال الألباني: منكر ضعيف الترغيب (1100).

(3)

الطبراني في الأوسط (6518)، والحاكم (4/ 129)، وقال: صحيح الإسناد، وقال الألباني موضوع في ضعيف الجامع (5440).

(4)

أخرجه البيهقي في الشعب (5/ 70 رقم 3110). وقال البيهقي: وهو بهذا الإسناد منكر، والله أعلم. وقال الألباني: موضوع الضعيفة (106).

ص: 560

1404 -

وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أفضل الصَّدَقَة أَن تشبع كبدا جائعا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وَالْبَيْهَقِيّ وَاللَّفْظ لَهُ والأصبهاني كلهم من رِوَايَة زَرْبِي مُؤذن هِشَام عَن أنس.

وَلَفظ أبي الشَّيْخ والأصبهاني قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مَا من عمل أفضل من إشباع كبد جَائِع

(1)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصدقة أن تشبع كبدا جائعا" تقدم الكلام على الجائع.

قوله: كلهم من رواية زربي مؤذن هشام. هو: زَرْبيّ بن عبد الله أبو يحيى مؤذن هشام قال البخاري: في حديثه نظر وقال الترمذي: له مناكير

(2)

.

1405 -

وَعَن أبي سعيد رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّمَا مُؤمن أطْعم مُؤمنا على جوع أطْعمهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من ثمار الْجنَّة وَأَيّمَا مُؤمن سقى مُؤمنا على ظمإ سقَاهُ الله يَوْم الْقِيَامَة من الرَّحِيق الْمَخْتُوم وَأَيّمَا مُؤمن كسا مُؤمنا على عري كَسَاه الله يَوْم الْقِيَامَة من حلل الْجنَّة رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو

(1)

البيهقي في شعب الإيمان (3367)، والأصبهاني في الترغيب (406)، وابن الجوزي في الموضوعات (1085)، وابن عدي في الكامل (7515)، وابن حبان في المجروحين (1/ 312)، وقال ابن حبان: نقله عنه ابن الجوزي وابن طاهر: زربي منكر الحديث روى عن أنس ما لا أصل له، وقال ابن عدي: وأحاديثه وبعض متون أحاديثه منكرة.

(2)

قال الحافظ في التقريب (2013): ضعيف،. وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1015) والسلسلة الضعيفة (7033).

ص: 561

دَاوُد وَيَأْتِي لَفظه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب

(1)

. وَقد رُوِيَ مَوْقُوفا على أبي سعيد وَهُوَ أصح وأشبه

(2)

.

وَرَوَاهُ ابْن أبي الدُّنْيَا فِي كتاب اصطناع الْمَعْرُوف مَوْقُوفا على ابْن مَسْعُود وَلَفظه قَالَ يحْشر النَّاس يَوْم الْقِيَامَة أعرى مَا كَانُوا قطّ وأجوع مَا كَانُوا قطّ وأظمأ مَا كَانُوا قطّ وأنصب مَا كَانُوا قطّ فَمن كسا لله عز وجل كَسَاه الله عز وجل وَمن أطْعم لله عز وجل أطْعمهُ الله عز وجل وَمن سقى لله عز وجل سقَاهُ الله عز وجل وَمن عمل لله أغناه الله وَمن عَفا لله عز وجل أَعْفَاهُ الله عز وجل وَرُوِيَ مَرْفُوعا بِهَذَا اللَّفْظ

(3)

.

قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أيما مسلم أطعم مؤمنا على جوع أطعمه الله يوم القيامة من ثمار الجنة وأيما مؤمن سقى مؤمنا على ظمإ سقاه الله يوم القيامة من الرحيق المختوم" الحديث تقدم الكلام على الظمأ وأنه العطش، والرحيق المختوم: من أسماء الخمر يريد خمر الجنة، والمختوم المصون الذي لم يتبدل لأجل ختامه قاله في النهاية

(4)

، وقيل: الرحيق المختوم الشراب الذي لا غش فيه والختم

(1)

الترمذي (2449)، وأبو داود (1682)، وأحمد (11101)، وأبو يعلى (1106)، وجامع الأصول (7330)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2249).

(2)

البيهقي في شعب الإيمان (3371).

(3)

الديلمي في مسند الفردوس (8783).

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 208).

ص: 562

التغطية على الشيء، والاستيثاق منه حتى لا يدخله شيء [يفسده]

(1)

أ. هـ.

وفي حديث آخر: "ومن كسى مؤمنا على عري كساه الله من خضر الجنة".

وفي حديث أبي سعيد هذا وهو حديث الباب: "ومن كسا مؤمنا على عري كساه الله يوم القيامة من حلل الجنة" كما رواه الترمذي "خضر الجنة" جمع أخضر أي من ثيابه الخضر أقام الصفة مقام الموصوف فأشار إلى قوله تعالى: {وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ}

(2)

أ. هـ، ورواه ابن أبي الدنيا

(3)

في كتاب اصطناع المعروف موقوفا على ابن مسعود ولفظه: "يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما كانوا قط وأجوع ما كانوا قط وأظمأ ما كانوا قط وأنصب ما كانوا قط" الحديث النصب التعب، شرط هذه الأموال أن تكون من كسب حلال وأن يبتغي بذلك وجه الله تعالى، أما ما تفعله الظلمة من أخذ أموال الناس بالباطل فهذا غير مقبول بل زيادة عذاب عليهم أنهم ظلموا المأخوذ منه وأوقعوا الآخذ في الحرام فهؤلاء يضاعف عليهم عذاب صدقتهم قبحهم الله تعالى ما أجهلهم يريدون أن يتقربوا إلى الله تعالى بما فيه غضب الله تعالى، وأما إذا كان من مال حلال وقصد بذلك الثناء والمحمدة عند الناس فهذا ساع في سحبه على وجهه إلى النار كما جاء في

(1)

النظم المستعذب (1/ 166)، والميسر (2/ 447).

(2)

سورة الكهف، الآية:31.

(3)

اصطناع المعروف لابن أبي الدنيا (83) وضعفه الألباني في سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة (6746).

ص: 563

الحديث الذي رواه مسلم فقد قيل ذلك ثم سحب على وجهه حتى ألقي في النار

(1)

.

1406 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله عز وجل يَقُول يَوْم الْقِيَامَة يَا ابْن آدم مَرضت فَلم تعدني قَالَ يَا رب كيفَ أعودك وَأَنت رب الْعَالمين قَالَ أما علمت أَن عَبدِي فلَانا مرض فَلم تعده أما علمت أَنَّك لَو عدته لَوَجَدْتنِي عِنْده يَا ابْن آدم استطعمتك فَلم تطعمني قَالَ يَا رب كَيفَ أطعمك وَأَنت رب الْعَالمين قَالَ أما علمت أَنه استطعمك عَبدِي فلَان فَلم تطعمه أما علمت أَنَّك لَو أطعمته لوجدت ذَلِك عِنْدِي يَا ابْن آدم استسقيتك فَلم تَسْقِنِي قَالَ يَا رب وَكَيف أسقيك وَأَنت رب الْعَالمين قَالَ استسقاك عَبدِي فلَان فَلم تسقه أما إِنَّك لَو سقيته وجدت ذَلِك عِنْدِي رَوَاهُ مُسلم

(2)

.

(1)

أخرجه مسلم (152 - 1905) عن أبي هريرة بلفظ: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت، قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم، وعلمه وقرأ القرآن، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم، وعلمته وقرأت فيك القرآن، قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليقال: عالم، وقرأت القرآن ليقال: هو قارئ، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه، وأعطاه من أصناف المال كله، فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك، قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد، فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه، ثم ألقي في النار.

(2)

مسلم (2569)، والبخاري في الأدب المفرد (517)، وابن حبان (269)، والبيهقي في شعب الإيمان (9182)، وجامع الأصول (7329).

ص: 564

1407 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَيْضا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من أصبح مِنْكُم الْيَوْم صَائِما فَقَالَ أَبُو بكر رضي الله عنه أَنا فَقَالَ من أطْعم مِنْكُم الْيَوْم مِسْكينا فَقَالَ أَبُو بكر أَنا قَالَ من تبع مِنْكُم الْيَوْم جَنَازَة قَالَ أَبُو بكر أَنا فَقَالَ من عَاد مِنْكُم الْيَوْم مَرِيضا قَالَ أَبُو بكر أَنا فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا اجْتمعت هَذِه الْخِصَال قطّ فِي رجل إِلَّا دخل الْجنَّة رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَه فِي صَحِيحه

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يقول يوم القيامة يا ابن آدم مرضت فلم تعدني قال يا رب كيف أعودك وأنت رب العالمين قال أما علمت أن عبدي فلانا مرض فلم تعده أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده" الحديث، الرب هو المالك وهو إذا أطلق لا يحمل إلى على الله تعالى وإذا أضيف يحمل على غيره أيضًا فيقال رب الدار ونحوه أ. هـ.

وقوله: "لوجدتني عنده" قال في حدائق الأولياء

(2)

: فيه رتبة العبادة المتوجهة إلى الرب تعالى ووجدانه عنده وأي لسان يقدر على أن يعبر عن هذه الرتبة وفي ضمنه تخجيل عظيم لمن ترك ذلك وتحذير من حسرة خسران فوائده العلمية أ. هـ.

(1)

مسلم (1028)، والبخاري في الأدب المفرد (515)، والبيهقي في شعب الإيمان (9199).

(2)

حدائق الأولياء (2/ 57).

ص: 565

وَتَأَمَّلْ قَوْلَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ عز وجل "أَنَّهُ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ، كيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟، فقال في عِيَادَةِ الْمَرِيضِ "لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ" وَقَالَ فِي الْإِطْعَامِ، وَالْإِسْقَاءِ "لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي" فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا، فَإِنَّ الْمَرِيضَ مَكْسُورُ الْقَلْبِ وَلَوْ كَانَ مَنْ كَانَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكْسِرَهُ الْمَرَضُ فَإِذَا كَانَ مُؤْمِنًا قَدِ انْكَسَرَ قَلْبُهُ بِالْمَرَضِ كَانَ اللهُ عِنْدَهُ.

وَهَذَا - وَاللهُ أَعْلَمُ - هُوَ السِّرُّ فِي اسْتِجَابَةِ دَعْوَةِ الثَّلَاثَةِ: الْمَظْلُومِ، وَالْمُسَافِرِ، وَالصَّائِمِ، لِلْكَسْرَةِ الَّتِي فِي قَلْبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، فَإِنَّ غُرْبَةَ الْمُسَافِرِ وَكَسْرَتَهُ مِمَّا يَجِدُهُ الْعَبْدُ فِي نَفْسِهِ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ، فَإِنَّهُ يَكْسِرُ سُورَةَ النَّفْسِ السَّبْعِيَّةِ الْحَيَوَانِيَّةِ، وَيُذِلُّهَا. وَالْقَصْدُ: أَنَّ شَمْعَةَ الْجَبْرِ وَالْفَضْلِ وَالْعَطَايَا، إِنَّمَا تَنْزِلُ فِي شَمْعِدَانِ الِانْكِسَارِ

(1)

أ. هـ.

1408 -

وَرُوِيَ عَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ سُئِلَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَي الْأَعْمَال أفضل قَالَ إدخالك السرُور على مُؤمن أشبعت جوعته أَو كسوت عَوْرَته أَو قضيت لَهُ حَاجَة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(2)

.

وَرَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب من حَدِيث ابْن عمر بِنَحْوِهِ

(3)

.

(1)

مدارج السالكين (1/ 307).

(2)

الطبراني في الأوسط (5081)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 130)، وفيه محمد بن بشير الكندي، وهو ضعيف.

(3)

ابن عدي في الكامل (8796).

ص: 566

وَفِي رِوَايَة: لَهُ أحب الْأَعْمَال إِلَى الله عز وجل سرُور تدخله على مُسلم أَو تكشف عَنهُ كربَة أَو تطرد عَنهُ جوعا أَو تقضي عَنهُ دينا

(1)

.

قوله: وعن عمر بن الخطاب تقدم الكلام عليه رضي الله عنه.

قوله: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أفضل؟ قال: "إدخالك السرور على مؤمن أشبعت جوعته أو كسوت عورته أو قضيت له حاجة" تقدم تفسيره وتقدم أيضًا تفسير الكربة في الرواية الأخرى.

1409 -

وَرُوِيَ عَن معَاذ بن جبل رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ من أطْعم مُؤمنا حَتَّى يشبعه من سغب أدخلهُ الله بَابا من أَبْوَاب الْجنَّة لَا يدْخلهُ إِلَّا من كَانَ مثله رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(2)

.

السغب: بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة والغين الْمُعْجَمَة جَمِيعًا هُوَ الْجُوع.

قوله: وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، تقدم الكلام على معاذ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أطعم مؤمنا حتى يشبعه من سغب أدخله الله بابا من أبواب الجنة لا يدخله إلا من كان مثله" الحديث إلا من كان مثله الحديث، السغب:

(1)

الأصبهاني في الترغيب (1162)، والطبراني في المعجم الكبير (13646)، وفي الأوسط (6026)، وفي الصغير (847).

وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 191)، رواه الطبراني في الثلاثة وفيه سكين بن سراج، وهو ضعيف.

(2)

الطبراني في المعجم الكبير (162)، وفي مسند الشاميين (2208)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 131)، وفيه عمرو بن واقد، وفيه كلام، وقال محمد بن المبارك: كان يتبع السلطان، وكان صدوقا.

ص: 567

قد ضبطه الحافظ

(1)

وفسره فقال هو الجوع، قال في الإحياء

(2)

: تقديم الطعام إلى الإخوان فيه فضل كبير، قال جعفر: إذا قعدتم مع الإخوان على المائدة فأطيلوا الجلوس فإنها ساعة لا تحسب عليكم من أعمالكم، وقال الحسن

(3)

: كل نفقة ينفقها الرجل على نفسه وأبويه ومن دونهم يحاسب عليها العبد إلا نفقة الرجل على إخوانه في الطعام فإن الله سبحانه وتعالى يستحيي أن يسأله عن ذلك هذا مع ما روي من الأخبار في الإطعام قال عليه السلام: "لا تزال الملائكة تصلي على أحدكم ما دامت مائدته موضوعة بين يديه حتى ترفع" رواه الطبراني في الأوسط

(4)

، قال: وروي عن بعض علماء خراسان أنه كان يقدم إلى إخوانه طعاما لا يقدرون على أكل جميعه لكثرته وكان يقول بلغنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الإخوان إذا رفعوا أيديهم عن الطعام لا يحاسب من أكل فضل ذلك الطعام"

(5)

وإني أحب أن استكثر مما أقدمه إليكم لآكل أنا وأهلي فضل ذلك، قال: وفي الخبر "لا يحاسب العبد على ما يأكله مع إخوانه" وكان بعضهم يكثر الأكل مع الجماعة لذلك ويقلل إذا أكل وحده، وفي الخبر: "ثلاث لا يحاسب عليها العبد: أكلة السحر وما أفطر عليه

(1)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 268).

(2)

إحياء علوم الدين (2/ 8 - 9).

(3)

المرجع السابق.

(4)

مسند إسحاق بن راهويه (1025) المعجم الأوسط (1035) شعب الإيمان (9179). ضعيف الجامع الصغير وزيادته (1790).

(5)

قال العراقي: لم أقف له على أصل. قال ابن السبكي: (6/ 308) لم أجد له إسنادًا.

ص: 568

وما أكل مع الإخوان"

(1)

وكان ابن عمر يقول: "من كرم المؤمن طيب زاده في سفره وبذله لأصحابه"

(2)

وكان أصحابه رضي الله عنهم يقولون الاجتماع على الطعام من مكارم الأخلاق وكانوا يجتمعون على قراءة القرآن لا يتفرقون إلا عن ذواق، أ. هـ.

1410 -

وَرُوِيَ عَن جَعْفَر الْعَبْدي وَالْحسن قَالَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الله عز وجل يباهي مَلَائكَته بالذين يطْعمُون الطَّعَام من عبيده رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي

(1)

أخرجه البزار (4782)، والطبراني في الكبير (11/ 359 رقم 12012) عن ابن عباس بلفظ: ثلاثة ليس عليهم حساب فيما طعموا إذا كان حلالا: الصائم، والمتسحر، والمرابط في سبيل الله. قال البزار: لا نحفظه إلا بهذا الإسناد، وابن عصمة، وابن الصباح ليسا بالمشهورين. وقال الهيثمي في المجمع 3/ 151: رواه البزار، والطبراني في الكبير، وفيه عبد الله بن عصمة، عن أبي الصباح وهما مجهولان.

وقال الألباني في الضعيفة (631): موضوع.

وأخرجه الديلمي كما في الغرائب الملتقطة (1356) عن أبي هريرة بلفظ: ثلاثة لا يسئلون على نعيم، المطعم والمشرب، المفطر والمتسحر، وصاحب الضيف، وثلاثة لا يلامون على سوء الخلق، المريض، والصائم حتى يفطر، والإمام العادل، وقال الألباني في الضعيفة (1980): موضوع.

(2)

أخرجه وكيع (1/ 408) وابن الحمامى كما في مجموعه (356) من طريق إبراهيم المكي عن ابن نجيح، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: إن من كرم الرجل طيب زاده في السفر، وزاد فيه حماد بن سلمة عن أبي ريحانة أن ابن عمر كان يشترط على من صحبه الجوزة.

وروى مرسلا عن هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن علي بن عروة القرشي.

قال الإمام أحمد كما في المنتخب للخلال (22): عبد الرحمن بن يحيى شامي ليس هو بذاك، وعلي بن عروة لا أعرفه ولا أدري من هو.

ص: 569

الثَّوَاب مُرْسلا

(1)

.

قوله: وروي عن جعفر العبدي والحسن، والحسن هو البصري تقدم الكلام على مناقبه رضي الله تعالى عنه.

قوله: قالا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله عز وجل يباهي ملائكته بالذين يطعمون الطعام من عبيده" المباهاة: المفاخرة وفلان يباهي بأهله أي يفاخر بهم.

قوله: مرسلا، تقدم الكلام على الحديث المرسل.

1411 -

وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ثَلَاث من كن فِيهِ نشر الله عَلَيْهِ كنفه وَأدْخلهُ جنته رفق بالضعيف وشفقة على الْوَالِدين وإحسان إِلَى الْمَمْلُوك وَثَلَاث من كن فِيهِ أظلهُ الله عز وجل تَحت عَرْشه يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله الْوضُوء فِي المكاره وَالْمَشْي إِلَى الْمَسَاجِد فِي الظُّلم وإطعام الجائع رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ بِالثلَاثِ الأول فَقَط وَقَالَ حَدِيث غَرِيب.

رَوَاهُ الشَّيْخ فِي الثَّوَاب وَأَبُو الْقَاسِم الْأَصْبَهَانِيّ بِتَمَامِهِ

(2)

.

قوله: وروي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، تقدم الكلام على جابر بن عبد الله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه نشر الله عليه كنفه" الحديث، الكنف هو الستر.

(1)

ضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (558).

(2)

الترمذي (2494)، والأصبهاني في الترغيب (149)، وقال الألباني شطره الأول، موضوع، والثاني ضعيف، كما في ضعيف الجامع (2548، 2556).

ص: 570

1412 -

وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ لِأَن أجمع نَفرا من إخْوَانِي على صَاع أَو صَاعَيْنِ من طَعَام أحب إِلَيّ من أَن أَدخل سوقكم فأشتري رَقَبَة فَأعْتقهَا رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ فِي الثَّوَاب مَوْقُوفا عَلَيْهِ وَفِي إِسْنَاده لَيْث بن أبي سليم

(1)

.

قوله: وعن علي رضي الله عنه، تقدم الكلام على عليّ.

قوله رضي الله عنه: لأن أجمع نفرًا من إخواني على صاع أو صاعين من طعام أحب إليّ من أن أدخل سوقكم فأشتري رقبة فأعتقها، الحديث، النفر من الثلاثة إلى التسعة وتقدم الكلام عليه، والصاع يذكر ويؤنث ويقال أيضًا صوع وصواع والصاع أربعة أمداد والمد رطل وثلث، قال الخطابي

(2)

: سمي المد مدا لأن اليد تمد به لأنهم كانوا أقل ما يتصدقون به عادة والله أعلم.

1413 -

وَرُوِيَ عَن الْحسن بن عَليّ رضي الله عنهما عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لِأَن أطْعم أَخا لي فِي الله لقْمَة أحب إِلَيّ من أَن أَتصدق على مِسْكين بدرهم وَلِأَن أعطي أَخا لي فِي الله درهمًا أحب إِلَيّ من أَن أَتصدق على مِسْكين بِمِائَة دِرْهَم رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ أَيْضا فِيهِ وَلَعَلَّه مَوْقُوف كَالَّذي قبله

(3)

.

قوله: وروي عن الحسن بن علي رضي الله عنهما

(4)

، هو أبو محمد أمير المؤمنين

(1)

البخاري في الأدب المفرد (566)، والأصبهاني في الترغيب (504)، وابن وهب في الجامع (226)، وابن أبي الدنيا في الأخوان (199).

(2)

غريب الحديث (1/ 248)

(3)

البيهقي في شعب الإيمان (9628)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4638).

(4)

سير أعلام النبلاء (4/ 483)، تاريخ البخاري 2/ 289، المعارف 212 تاريخ ابن عساكر 4/ 217 تاريخ الإسلام 3/ 356، تذهيب التهذيب 1/ 132 ب، تهذيب التهذيب 2/ 263، طبقات ابن سعد 5/ 319.

ص: 571

الحسن بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشي الهاشمي المدني سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم وريحانته وابن بنته فاطمة الزهراء بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء العالمين، ولد رضي الله عنه في نصف شهر رمضان سنة ثلاث من الهجرة فحنكه رسول الله صلى الله عليه وسلم بريقه الشريف وأذن في أذنه وسماه حسنا فقال علي رضي الله عنه لما ولد الحسن جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"أروني ابني، ما سميتموه؟ " قلت: سميته حربا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"بل هو حسن"

(1)

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبه حبا شديدا حتى إنه كان يقبل زبيبته وهو صغير وربما مس لسانه واعتنقه ولاعبه وربما جاء ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد في الصلاة فيركب على ظهره فيقره على ذلك ويطيل السجود من أجله وربما [صعد معه إلى] المنبر، وقد ثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما هو يخطب إذ رأى الحسن والحسين مقبلين وعليهما قمصان أحمران فنزل إليهما واحتضنهما وأخذهما معه إلى المنبر وقال: "صدق الله: {إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}

(2)

"

(3)

[إني رأيت هذين يمشيان ويعثران فلم أملك أن] نزلت إليهما وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحب الحسن والحسين

(1)

أخرجه البخاري في الأدب المفرد (823)، والبزار (742)، وابن حبان (6958)، والطبراني في الكبير (2773)، والحاكم 3/ 165 و 180.

(2)

سورة التغابن، الآية:15.

(3)

أخرجه أبو داود (1109)، والترمذي (4108)، والنسائي 3/ 108 و 192 وأحمد (22995)، وابن حبان (6038). وصححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (4/ 272).

ص: 572

فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني"

(1)

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهما الرجس وطهرهما"

(2)

، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث وروت عنه عائشة وروي عنه جماعات من التابعين منهم ابنه الحسن بن الحسن وأبى الحوار بالراء المهملة ربيعة بن سنان والشعبي وأبو وائل وابن سيرين وآخرون، توفي رضي الله عنه بالمدينة مسموما سنة تسع وأربعين، قيل: سنة خمسين، قيل: إحدى وخمسين، ودفن بالبقيع وقبره فيه مشهور وصلى عليه سعيد بن العاصي

(3)

، ذكر المسعودي أن وفاة الحسن كانت وله خمس وخمسون سنة مسموما، وذلك أن معاوية بن أبي سفيان دس إلى جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن أنك إن احتلت عليه حتى يموت وجهت إليك بمائة ألف درهم وزوجتك يزيد فكان سبب سمه ووفاته فلما مات رضي الله عنه ودفن بالبقيع مع أمه فاطمة ووفي معاوية لجعدة بالمال وأرسل إليها إنا نحب حياة يزيد ولولا ذلك لوفينا لك بزواجه، فاشتكى الحسن رضي الله عنه بالسم

(1)

أخرجه أحمد 2/ 288 (7876)، وابن ماجه (143)، والنسائي في الكبرى (8112)، وأبو يعلى (6215) عن أبي هريرة. وحسنه الألباني في أحكام الجنائز (101).

(2)

أخرجه أحمد 6/ 292 (26508) و 6/ 298 (26550) و 6/ 304 (26597)، والترمذي (3871) عن أم سلمة. وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح وهو أحسن شيء روي في هذا الباب. وصححه الألباني الروض النضير (976 و 1190). ذكر الترجمة ابن كثير في البداية والنهاية (8/ 37 - 39).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 158).

ص: 573

أربعين يومًا ثم توفي قاله في تاريخ كنز الدرر

(1)

وكان الحسن شبيها بالنبي صلى الله عليه وسلم، قال أبو أحمد العسكري: سماه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن وكناه أبا محمد ولم يكن هذا الاسم يعرف في الجاهلية ثم روي عن ابن الأعرابي عن المفضل قال: إن الله تعالى حجب اسم الحسن والحسين حتى سمي بهما النبي صلى الله عليه وسلم ابنيه الحسن والحسين، قال: قلت له فالذين باليمن قال: ذاك حسن بإسكان السين وحسين بفتح الحاء وكسر السين، وأرضعته أم الفضل امرأة العباس مع ابنها قثم بن العباس ونقلوا أن الحسن حج حجات ماشيا وكان يقول: إني أستحيي من الله تعالى أن ألقاه ولم امش إلى بيته وكان رضي الله عنه حليما كريما ورعا، دعاه ورعه وحلمه إلى أن ترك الدنيا والخلافة لله تعالى وكان من المبارزين إلى نصرة عثمان بن عفان وولي الخلافة بعد قتل أبيه علي رضي الله عنه وبايعه أكثر من أربعين ألفا كانوا بايعوا أباه، وقيل بايعه تسعون ألفا وبقي نحو سبعة أشهر خليفة بالحجاز واليمن والعراق وخراسان وغير ذلك، ثم سار إليه معاوية من الشام وسار هو إلى معاوية فلما تقاربا علم أنه لن تغلب إحدى الطائفتين فأرسل إلى معاوية يبذل تسليم الأمر إليه على أن تكون له الخلافة بعده وعلى أن لا يطالب أحدا من أهل المدينة والحجاز والعراق بشيء مما كان في أيام أبيه وغير ذلك من القواعد فأجابه معاوية إلى

(1)

كنز الدرر (3/ 412 - 413). قلنا المسعودى معروف بتشيعه الشديد والروايات عن مقتل الحسن بن على على يد أمير المؤمنين معاوية واهية جدًا لا يثبت منها شيء.

ص: 574

ما طلب فاصطلحا على ذلك وظهرت المعجزة النبوية في قوله صلى الله عليه وسلم للحسن: "إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"

(1)

.

تنبيه: قيل السيد الذي لا يغلبه غضبه، وقيل: السيد الحليم، وقيل: السيد الذي يفوق قومه في الخير، قلت: قد خرج مصداق هذا القول في الحسن بن علي بتركه الأمر حين صارت الخلافة إليه خوفا من الفتنة وكراهة لإراقة دماء أهل الإسلام فأصلح الله بين أهل العراق وأهل الشام [وسمي ذلك] العام سنة الجماعة

(2)

[بايع الحسن تسعون ألفا] فزهد في الخلافة وصالح معاوية ولم يسفك في أيامه محجمة دم

(3)

أ. هـ.

قيل: كان صلحهما لخمس بقين من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين وقيل في شهر ربيع الآخر، وقيل: في نصف جمادي الأولى من السنة المذكورة وكان وصي إلى أخيه الحسين

(4)

، وعن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال: طرقت النبي ذات ليلة فخرج وهو مشتمل على شيء قلت ما هذا فكشفه فإذا حسن وحسين على وركيه، فقال:"هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهم إني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما" رواه الترمذي

(5)

وقال: حديث حسن، روينا في

(1)

صحيح البخاري (2704)، وما سبق من ترجمة من تهذيب الأسماء واللغات (1/ 158 - 159).

(2)

شرح السنة (14/ 139)، والمفاتيح (6/ 323).

(3)

البداية والنهاية (8/ 45).

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 159).

(5)

سنن الترمذي (3769).

ص: 575

صحيح البخاري ومسلم

(1)

عن البراء قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم والحسن على عاتقه وهو يقول: "اللهم إني أحبه فأحبه" وفي البخاري عن أنس قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي صلى الله عليه وسلم من الحسن بن علي رضي الله عنه، وعن أبيه.

لطيفة: وروي عن عبد الله بن عباس قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتته فاطمة باكية فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم "فداك أبوك، ما أبكاك؟ " قالت: إن الحسن والحسين درجا يدبان فما دريت أين باتا؟ فقال: "إن الذي خلقهما ألطف بهما منك" ثم دعا النبي صلى الله عليه وسلم لهما بالحفظ، قال:"اللهم إن كانا أخذا برا أو بحرا فسلمهما واحفظهما" فجاءه جبريل عليه السلام فأخبره أنهما في حظيرة بني النجار وأن الله سبحانه وتعالى قد وكل بهما ملكا يكلؤهما فقام النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الحظيرة فإذا هما نائمان متعانقين وإذا الملك الموكل بهما قد بسط لهما أحد جناحيه وأظلهما بالآخر فأكب عليهما النبي صلى الله عليه وسلم يقلبهما حتى انتبها من نومهما فحمل الحسن على عاتقه الأيمن والحسين على عاتقه الأيسر وقال: "والله لأشرفنكما كما شرفكما الله عز وجل" فتلقاه الصديق فقال يا رسول الله ناولني أحد الصبيين أخفف عنك، فقال صلى الله عليه وسلم:"نعم المطية مطيتهما ونعم الراكبان وأبوهما خير منهما" ذكر حديثا مطولا

(2)

، قاله في تاريخ كنز الدرر

(3)

.

(1)

البخاري (3749) صحيح مسلم (2421).

(2)

أخرجه الطبراني في الكبير (3/ 65 رقم 2677) عن سلمان.

وقال الهيثمي في المجمع 9/ 182: رواه الطبراني، وفيه أحمد بن رشد الهلالي، وهو ضعيف. وقال الألباني في الضعيفة (14/ 230 - 231): قلت: وهذا إسناد واه جدًا، مسلسل بالعلل والضعفاء، وبعضهم من الشيعة.

(3)

كنز الدرر (3/ 408 - 409).

ص: 576

قوله صلى الله عليه وسلم: قال "لأن أطعم أخا لي في الله لقمة أحب إلي من أن أتصدق على مسكين بدرهم" الحديث، تقدم الكلام على المسكين.

1414 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه عَن نَبِي الله صلى الله عليه وسلم قَالَ رجلَانِ سلكا مفازة عَابِد وَالْآخر بِهِ رهق فعطش العابد حَتَّى سقط فَجعل صَاحبه ينظر إِلَيْهِ وَهُوَ صريع فَقَالَ وَالله إِن مَاتَ هَذَا العَبْد الصَّالح عطشا وَمَعِي مَاء لَا أُصِيب من الله خيرا أبدا وَلَئِن سقيته مائي لأموتن فتوكل على الله وعزم فرش عَلَيْهِ من مَائه وسقاه فَضله فَقَامَ فَقطع الْمَفَازَة فَيُوقف الَّذِي بِهِ رهق لِلْحسابِ فَيُؤْمَر بِهِ إِلَى النَّار فتسوقه الْمَلَائِكَة فَيرى العابد فَيَقُول يَا فلَان أما تعرفنِي فَيَقُول وَمن أَنْت فَيَقُول أَنا فلَان الَّذِي آثرتك على نَفسِي يَوْم الْمَفَازَة فَيَقُول بلَى أعرفك فَيَقُول للْمَلَائكَة قفوا فيقفون فَيَجِيء حَتَّى يقف فيدعو ربه عز وجل فَيَقُول يَا رب قد عرفت يَده عِنْدِي وَكَيف آثرني على نَفسه يَا رب هبه لي فَيَقُول هُوَ لَك فَيَجِيء فَيَأْخُذ بيد أَخِيه فيدخله الْجنَّة فَقلت لأبي ظلال أحَدثك أنس عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ نعم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(1)

. وَأَبُو ظلال اسْمه هِلَال بن سُوَيْد أَو ابْن أبي سُوَيْد وَثَّقَهُ البُخَارِيّ وَابْن حبَان لَا غَيره.

وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي الشّعب عَن أبي ظلال أَيْضا عَن أنس بِنَحْوِهِ ثمَّ قَالَ وَهَذَا الْإِسْنَاد إِن كَانَ غير قوي فَلهُ شَاهد من حَدِيث أنس ثمَّ رُوِيَ بِإِسْنَادِهِ من طَرِيق

(1)

الطبراني في المعجم الأوسط (2906)، وأبو يعلى (4197)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 382)، رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح غير أبي ظلال القسملي، وقد وثقه ابن حبان وغيره، وضعفه غير واحد.

ص: 577

عَليّ بن أبي سارة وَهُوَ مَتْرُوك.

1415 -

وَعَن ثَابت الْبنانِيّ عَن أنس رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن رجلًا من أهل الْجنَّة يشرف يَوْم الْقِيَامَة على أهل النَّار فيناديه رجل من أهل النَّار فَيَقُول يَا فلَان هَل تعرفنِي فَيَقُول لَا وَالله مَا أعرفك من أَنْت فَيَقُول أَنا الَّذِي مَرَرْت بِي فِي الدُّنْيَا فاستسقيتني شربة من مَاء فسقيتك قَالَ قد عرفت قَالَ فاشفع لي بهَا عِنْد رَبك قَالَ فَيسْأَل الله تَعَالَى جلّ ذكره فَيَقُول إِنِّي أشرفت على النَّار فناداني رجل من أَهلهَا فَقَالَ لي هَل تعرفنِي قلت لَا وَالله مَا أعرفك من أَنْت قَالَ أَنا الَّذِي مَرَرْت بِي فِي الدُّنْيَا فاستسقيتني شربة من مَاء فسقيتك فاشفع لي عِنْد رَبك فشفعني فِيهِ فيشفعه الله فيأمر بِهِ فَيخرج من النَّار

(1)

.

رَوَاهُ ابْن مَاجَه وَلَفظه قَالَ يصف النَّاس يَوْم الْقِيَامَة صُفُوفا ثمَّ يمر أهل الْجنَّة فيمر الرجل على الرجل من أهل النَّار فَيَقُول يَا فلَان أما تذكر يَوْم اسْتَسْقَيْت فسقيتك شربة قَالَ فَيشفع لَهُ ويمر الرجل على الرجل فَيَقُول أما تذكر يَوْم ناولتك طهُورا فَيشفع لَهُ ويمر الرجل على الرجل فَيَقُول يَا فلَان أما تذكر يَوْم بعثتني لحَاجَة كذَا وَكذَا فَذَهَبت لَك فَيشفع لَهُ رَوَاهُ الْأَصْبَهَانِيّ بِنَحْوِ ابْن مَاجَه

(2)

.

قَوْله بِهِ رهق بِفَتْح الرَّاء وَالْهَاء بعدهمَا قَاف أَي غشيان للمحارم وارتكاب للطغيان والمفاسد.

(1)

ابن عدي في الكامل (12694)، وأبو يعلى (3490)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 385)، رواه أبو يعلى، وفيه علي بن أبي سارة، وهو متروك.

(2)

ابن ماجه (3685)، والبغوي في شرح السنة (4248)، والأصبهاني في الترغيب (1166)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (6430).

ص: 578

قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن رجلين سلكا مفازة" المفازة الأرض القفر البعيدة عن العمارة وعن الماء التي يخاف الهلاك فيها قيل سميت مفازة للتفاؤل بسلامة سالكها

(1)

والله أعلم قاله في الديباجة

(2)

.

قوله: "عابد والآخر به رهق" وضبطه الحافظ

(3)

وفسره فقال: أي غشيان المحارم وارتكاب للطغيان والمفاسد.

قوله لأبي ظلال: أحدثك عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم، قال الحافظ

(4)

: أبو ظلال اسمه هلال بن سويد أو ابن أبي سويد وثقه البخاري وابن حبان لا غير

(5)

، وأبو ظلال بكسر الظاء المعجمة وتخفيف اللام اسمه هلال كما ذكر الحافظ

(6)

وهو أعمى.

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 89).

(2)

كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، لا يزال مخطوطًا كما سبق الإشارة إلى هذا.

(3)

يعني المنذري

(4)

المصدر السابق.

(5)

اختلفت النقولات عن البخاري في أبي ظلال فقد قال فيه: عنده مناكير كما في ميزان الاعتدال (5/ 69 ترجمة 8764)، وقال ابن الجوزى في الضعفاء: هلال بن سويد ويقال ابن أبي سويد يروي عن أنس قال البخاري لا يتابع في حديثه [الضعفاء (3/ 177 ترجمة 3611)] وقال الترمذي في العلل الكبير (ص 385): سألت محمدا، عن أبي ظلال، عن أنس، فقال: هو رجل قليل الحديث ليس له كبير شيء، ورأيته حسن الرأي فيه قلت له: ما اسمه؟ قال: اسمه هلال بصري.

(6)

المصدر السابق.

ص: 579

1416 -

وَعَن كدير الضَّبِّيِّ أَن رجلًا أَعْرَابِيًا أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ أَخْبرنِي بِعَمَل يقربنِي من الْجنَّة وَيُبَاعِدنِي من النَّار فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَو هما أعملتاك قَالَ نعم قَالَ تَقول الْعدْل وَتُعْطِي الْفضل قَالَ وَالله لا أَسْتَطِيع أَن أَقُول الْعدْل كل سَاعَة وَمَا أَسْتَطِيع أَن أعطي الْفضل قَالَ فتطعم الطَّعَام وتفشي السَّلَام قَالَ هَذِه أَيْضا شَدِيدَة قَالَ فَهَل لَك إبل قَالَ نعم قَالَ فَانْظُر إِلَى بعير من إبلك وسقاء ثمَّ اعمد إِلَى أهل بَيت لَا يشربون المَاء إِلَّا غبا فاسقهم فلعلك لَا يهْلك بعيرك وَلَا ينخرق سقاؤك حَتَّى تجب لَك الْجنَّة قَالَ فَانْطَلق الْأَعرَابِي يكبر فَمَا انخرق سقاؤه وَلَا هلك بعيره حَتَّى قتل شَهِيدا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ إِلَى كدير رُوَاة الصَّحِيح وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه بِاخْتِصَار وَقَالَ لست أَقف على سَماع أبي إِسْحَاق هَذَا الْخَبَر من كدير

(1)

.

قَالَ الْحَافِظ قد سَمعه أَبُو إِسْحَاق من كدير وَلَكِن الحَدِيث مُرْسل وَقد توهم ابْن خُزَيْمَة أَن لكدير صُحْبَة فَأخْرج حَدِيثه فِي صَحِيحه وَإِنَّمَا هُوَ تَابِعِيّ شيعي تكلم فِيهِ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ وَقواهُ أَبُو حَاتِم وَغَيره وَقد عده جمَاعَة من الصَّحَابَة وهما مِنْهُم وَلَا يَصح وَالله أعلم

(2)

.

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (19/ رقم 422)، والبيهقي (4/ 186)، وابن خزيمة (2503)، وعبد الرزاق (19691)، والطيالسي (1458)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2728)، وأبو نعيم في الحلية (4/ 346)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 132)، رواه الطبراني في الكبير ورجاله رجال الصحيح.

(2)

لسان الميزان (4/ 486).

ص: 580

أعملتاك أَي بعثتاك واستعملتاك وحملتاك على الْإِتْيَان وَالسُّؤَال

وَقَوله لَا يشربون المَاء إِلَّا غبا بِكَسْر الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة أَي يَوْمًا دون يَوْم.

1417 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجل فَقَالَ مَا عمل إِن عملت بِهِ دخلت الْجنَّة قَالَ أَنْت بِبَلَد يجلب بِهِ المَاء قَالَ نعم قَالَ فاشتر بهَا سقاء جَدِيدا ثمَّ اسْقِ فِيهَا حَتَّى تخرقها فَإنَّك لن تخرقها حَتَّى تبلغ بهَا عمل الْجنَّة رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير ورواة إِسْنَاده ثِقَات إِلَّا يحيى الْحمانِي

(1)

.

قوله: وعن كدير الضبي [كدير بالتصغير، الضبي، يقال هو ابن قتادة مختلف بها صحبته، سكن الكوفة، روى عنه: أبو إسحاق السبيعي وقال أبو عمر ابن عبد البر: حديثه عند أكثرهم مرسل

(2)

].

قوله: أن رجلًا [أعرابيًا] أتى النبي صلى الله عليه وسلم، وتقدم أن الأعرابي هو الذي يسكن البادية.

قوله: فقال أخبرني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أو هما أعملتاك" قال: نعم، قال الحافظ

(3)

: أعملتاك أي بعثتاك واستعملتاك وحملتاك على الإتيان والسؤال.

قوله: "فهل لك إبل"، قال: نعم، قال: "فانظر إلى بعير من إبلك وسقاء ثم

(1)

الطبراني في الكبير (12605)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 132)، رواه الطبراني في الكبير، وفيه يحيى الحماني وفيه كلام، وقد وثق، وبقية رجاله ثقات.

(2)

الاستيعاب (3/ 1332)، وأسد الغابة (4/ 238).

(3)

المصدر السابق.

ص: 581

اعمد إلى أهل بيت" أي اقصد.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يشربون الماء إلا غبا فاسقهم" الغب: قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: أي: يومًا دون يوم والله أعلم.

قوله: يحيى الحماني، تقدم الكلام على يحيى الحماني.

1418 -

وَعَن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَن رجلًا جَاءَ إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إِنِّي أنزع فِي حَوْضِي حَتَّى إِذا ملأته لإبلي ورد عَليّ الْبَعِير لغيري فسقيته فَهَل فِي ذَلِك من أجر فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن فِي كل ذَات كبد أجرا رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات مَشْهُورُونَ

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وتقدم الكلام عليه.

قوله: أن رجلًا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إني أنزع في حوضي حتى إذا ملأته لإبلي ورد علي البعير لغيري فسقيته فهل في ذلك من أجر، أنزع في حوضي أي استقي منه الماء باليد، يقال: نزعت الدلو أنزعها إذا أخرجها وأصل النزع الجذب والقلع، ومنه نزع الميت روحه ونزع النفوس إذا جذبها

(2)

.

قوله: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن في كل ذات كبد [حري] أجر"، الحرى فعلى من الحر وهي تأنيث حران وهما للمبالغة يريد أنه لشدة حرها قد

(1)

أحمد (7075)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 131)، رواه أحمد، ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (946).

(2)

النهاية (5/ 41)

ص: 582

عطشت ويبست من العطش، والمعنى أن في سقي كل ذي كبد حري أجر، وقيل: أراد بالكبد الحري حياة صاحبها لأنه تكون كبده حري إذا كان فيه حياة يعني في سقي كل ذي روح من الحيوان، ويشهد له ما في الحديث الآخر:"في كل كبد حارة وفي أخرى رطبة" قاله في النهاية

(1)

.

1419 -

وَعَن مَحْمُود بن الرّبيع أَن سراقَة بن جعْشم قَالَ يَا رَسُول الله الضَّالة ترد على حَوْضِي فَهَل لي فِيهَا من أجر إِن سقيتها قَالَ اسقها فَإِن فِي كل ذَات كبد حراء أجرا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(2)

وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّحْمَن بن مَالك بن جعْشم عَن أَبِيه عَن عَمه سراقَة بن جعْشم رضي الله عنه

(3)

.

قوله: وعن محمود بن الربيع [هو أبو نعيم، ويقال: أبو محمد محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو بن زيد بن عبدة ابن عامر بن عدى بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن خزرج الأنصاري الخزرجى المدني، ثبت عنه في الصحيح أنه قال: عقلت عن النبي صلى الله عليه وسلم مجة مجها في وجهى من دلو من بئر في دارنا، وأنا ابن خمس سنين، وروى عنه أنس بن مالك، وابنه أبو بكر بن أنس، ورجاء بن حيوة، والزهري، ومكحول. قال الواقدى: توفى سنة تسع

(1)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 364).

(2)

ابن حبان (542)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (947).

(3)

ابن ماجه (3686)، والبيهقي في السنن (4/ 186)، وأحمد (17581)، والطبراني في الكبير (6598)، والحاكم (3/ 619).

ص: 583

وتسعين، وهو ابن ثلاث وتسعين. وقال غيره: سنة ست وتسعين

(1)

].

قوله: أن سراقة بن جعشم، هو: أبو سفيان سراقة بن مالك بن جعشم، وجعشم بضم الجيم وإسكان العين والشين المعجمة هو قول الجمهور من الطوائف، وحكي الجوهري

(2)

: ضم الشين وفتحها، وسراقة من مشهوري الصحابة، وري له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسعة عشر حديثًا، روى البخاري أحدها، كان ينزل قديدا بضم القاف بين مكة والمدينة، قيل: سكن مكة ويعد في أهل المدينة، أسلم عند النبي صلى الله عليه وسلم بالجعرانة حين انصرف من الحديبية والطائف وحديثه في خروجه وراء النبي صلى الله عليه وسلم مهاجرا مشهورا في الصحيحين، توفي سراقة أول خلافة عثمان سنة أربع وعشرين، وقيل: توفي بعد عثمان والصحيح الأول

(3)

.

قوله: فإن في كل ذات كبد حري أجر، تقدم الكلام عليه في الحديث قبله.

1420 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ بَيْنَمَا رجل يمشي بطرِيق اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْحر فَوجدَ بِئْرا فَنزل فِيهَا فَشرب ثمَّ خرج فَإِذا كلب يَلْهَث يَأْكُل الثرى من الْعَطش فَقَالَ الرجل لقد بلغ هَذَا الْكَلْب من الْعَطش مثل الَّذِي كانَ مني فَنزل الْبِئْر فَمَلَأ خفه مَاء ثم أمْسكهُ بِفِيهِ حَتَّى رقي فسقى الْكَلْب فَشكر الله لَهُ فغفر لَهُ قَالُوا يَا رَسُول الله إِن لنا فِي الْبَهَائِم أجرا فَقَالَ فِي كل كبد

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 84 ترجمة 556).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 209 - 210 ترجمة 200).

ص: 584

رطبَة أجر رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد

(1)

.

وَابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ فَشكر الله لَهُ فَأدْخلهُ الْجنَّة

(2)

.

1421 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سبع تجْرِي للْعَبد بعد مَوته وَهُوَ فِي قَبره من علم علما أَو كرى نَهرا أَو حفر بِئْرا أَو غرس نخلا أَو بنى مَسْجِدا أَو ورث مُصحفا أَو ترك ولدا يسْتَغْفر لَهُ بعد مَوته رَوَاهُ الْبَزَّار وَأَبُو نعيم فِي الْحِلْية وَقَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب من حَدِيث قَتَادَة تفرد بِهِ أَبُو نعيم عَن الْعَزْرَمِي

(3)

.

قَالَ الْحَافِظ تقدم أَن ابْن مَاجَه رَوَاهُ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد حسن لَكِن لم يذكر ابْن مَاجَه غرس النّخل وَلَا حفر الْبِئْر وَذكر موضعهما الصَّدَقَة وَبَيت ابْن السَّبِيل وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه لم يذكر فِيهِ الْمُصحف وَقَالَ أَو نَهرا أكراه يَعْنِي حفره

(4)

.

قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: "فإذا كلب يلهث" أي يخرج لسانه من العطش

(5)

، واللهث تنفس بسرعة وتحرك أعضاء الفم معه وامتداد اللسان وخلقة الكلب أنه يلهث على

(1)

البخاري (6009)، ومسلم (2244)، وأبو داود (2550).

(2)

ابن حبان (543).

(3)

البزار (149)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 344)، والبيهقي في شعب الإيمان (3449).

(4)

ابن ماجه في المقدمة (242)، وابن خزيمة (2490).

(5)

النهاية (4/ 281)، وشرح النووي على مسلم (14/ 242)، والمفهم (18/ 40).

ص: 585

كل حال

(1)

. قوله: "يأكل الثرى من العطش" الثرى التراب الندي

(2)

.

قوله: فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقي فسقى الكلب" الحديث، يقال: رقيت في السلم بالكسر إذا صعدت

(3)

، ومضارعه يرقى بفتحها بخلاف الماضي من رقية اللسعة والعين فإنه بفتح القاف في الماضي وبكسرها في المضارع

(4)

.

قوله: "فشكر الله له" معناه: قبل عمله أي جزاه الله فغفر له، وقيل: أثابه وضاعفه، وقيل: أثنى عليه بذلك وذكره به لملائكته

(5)

، أ. هـ.

لطيفة: عن أبي عبد الرحمن السلمي قال: بلغني أن أبا شعيب المقفع كان قد حج سبعين حجة راجلا، أحرم في كل حجة من عند صخرة بيت المقدس، ودخل بادية تبوك على التوكل، فلما كان في حجته الأخيرة رأى كلبا في البادية يلهث عطشا، فقال: يشتري مني سبعين حجة بشربة ماء، قال: فدفع إليه إنسان شربة ماء فسقى الكلب ثم قال: هذا خير لي من حجي لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فِي كُل ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ"

(6)

الحديث قاله في البستان

(7)

.

(1)

حياة الحيوان (2/ 419).

(2)

النهاية (1/ 211)، وشرح النووي على مسلم (14/ 241).

(3)

الصحاح (6/ 2361)، والكواكب الدراري (5/ 116).

(4)

مشارق الأنوار (1/ 299).

(5)

مطالع الأنوار (6/ 47).

(6)

أخرجه البخاري (2363) و (2466) و (6009)، ومسلم (2244).

(7)

تلبيس إبليس (ص 280).

ص: 586

قوله: "فِي كُلِّ ذَاتِ كبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" أي في إرواء كل حيوان أجر، والرطبة كناية عن الحياة، وقيل: الكبد إذا ظمئت ترطبت وكذا إذا ألقيت على البنان، وقيل: كنى بالرطوبة عن الحياة فإن الميت يابس الكبد، وقيل: بما يؤول أمرها إليه، والكبد مؤنث سماعي قاله في النهاية

(1)

وغيرها.

فائدة: قال النووي في شرح مسلم

(2)

: الحيوان المحترم يحصل الثواب بالإحسان إليه، وخرج بالمحترم الحربي والكافر والمرتد والزاني المحصن وتارك الصلاة والكلب العقور، ويمتثل أمر الشارع في قتله وأما غير العقور مما لا ينتفع به بنص الشافعي على جواز قتله والله أعلم، قاله الكرماني

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره من علم علما أو كرى نهرا" وقال ابن خزيمة

(4)

في صحيحه: يعني "حفره" وتقدم الكلام على هذا الحديث في العلم مبسوطًا.

1422 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ صَدَقَة أعظم أجرا من مَاء رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

(5)

.

قوله: وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي هريرة.

قوله: "ليس صدقة أعظم أجرا من ماء" الحديث.

(1)

النهاية (1/ 364)، والكواكب الدراري (10/ 178).

(2)

ينظر: شرح النووي على مسلم (14/ 241).

(3)

الكواكب الدراري (3/ 10).

(4)

سبق تخريجه.

(5)

البيهقي في شعب الإيمان (3378)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (949).

ص: 587

لطيفة: الماء معروف والجمع: أمواه ومياه، ومن عجيب لطف الله تعالى أن كل مأكول ومشروب يحتاج إلى تحصيل أو معالجة حتى [يصلح للأكل] إلا الماء فإن الله تعالى أكثر منه ولم يحوج إلى معالجة لعموم الحاجة إليه أ. هـ. قاله الكمال الدميري

(1)

.

1423 -

وَعَن أنس رضي الله عنه أَن سَعْدا أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا رَسُول الله إِن أُمِّي توفيت وَلم توص أفينفعها أَن أَتصدق عَنْهَا قَالَ نعم وَعَلَيْك بِالْمَاءِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(2)

.

قوله: وعن أنس رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس.

قوله: أن سعدًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن أمي توفيت ولم توص أفينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: "نعم وعليك بالماء" الحديث، في هذا الحديث أن الصدقة عن الميت تنفع الميت ويصل ثوابها إليه وهو ثابت بإجماع العلماء

(3)

وشذ من قال من المبتدعة أنه لا يصل إلى الميت من الثواب إلا ما عمله أو تسبب في عمله وهذا حكاه أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي البصري الفقيه الشافعي في كتابه الحاوي

(4)

عن بعض أصحاب الكلام أن الميت لا يلحقه

(1)

النجم الوهاج (1/ 225).

(2)

الطبراني في المعجم الأوسط (8061)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 138)، رواه الطبراني في الأوسط ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (950).

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 90)، والعدة (2/ 782).

(4)

الحاوي (8/ 298).

ص: 588

بعد موته ثواب فهذا مذهب باطل قطعا و [خطأ] بين مخالف لنصوص الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا التفات إليه ولا تعريج عليه

(1)

، وكذلك أجمعوا على وصول الدعاء إليه وقضاء الدين بالنصوص الواردة في الجميع، ويصح الحج عن الميت إذا كان حج الإسلام عند الشافعي وكذلك إذا أوصى بحج التطوع على الأصح

(2)

عندنا ففيه القولان.

واختلف العلماء فيمن مات وعليه صوم واجب من رمضان أو قضاء أو نذر أو غيره هل يقضي عنه أو لا، وللشافعي في المسألة قولان قديم وجديد مشهوران أشهرهما لا يصام عنه ولا يصح عن ميت صوم أصلا بل يطعم عن كل يوم مد من طعام وهو مروي عن عائشة ورفعه ابن عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهذا القول هو الجديد.

والثاني: يستحب لوليه أن يصوم عنه ويصح صومه عنه ويبرأ به الميت ولا يحتاج إلى إطعام عنه وهو القديم

(3)

.

قال النووي

(4)

: وهذا القول هو الصحيح المختار الذي نعتقده وهو الذي صححه محققو أصحابنا الجامعون بين الفقه والحديث لهذه الأخبار الصحيحة الصريحة فقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من مات وعليه

(1)

شرح النووي على مسلم (1/ 90).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 90).

(3)

شرح النووي على مسلم (8/ 25).

(4)

شرح النووي على مسلم (8/ 25).

ص: 589

صوم صام عنه وليه"

(1)

والمراد بالولي القريب سواء كان عصبة أو وارثا أو غيرهما، وقيل: المراد الوارث وقيل العصبة، والصحيح الأول، ولو صام عنه أجنبي إذا كان بإذن الولي صح وإلا فلا في الأصح، ولا يجب على الولي الصوم عنه لكن يستحب هذا تلخيص مذهبنا في المسألة، وذهب الجمهور إلى أنه لا يصام عن ميت لا نذر ولا غيره وبه قال مالك وأبو حنيفة، قال القاضي عياض

(2)

وغيره وهو قول جمهور العلماء

(3)

.

وأما الصلاة عن الميت فممنوعة عند الشافعي، وأجراها بعض أصحابه مجرى الصوم في الإطعام

(4)

.

وقال الإمام أحمد بن حنبل: يصل ثواب الجميع كالحج وأجمع الكل على أنه لا يصام عن أحد في حياته، واختلفوا في وصول ثواب القراءة إلى الميت فالجمهور من العلماء نفوا ذلك وهو المشهور من مذهب الشافعي

(5)

، وقال جماعة من أصحابنا يصل ثوابها وبه قال الإمام أحمد بن

(1)

أخرجه البخاري (1952)، ومسلم (153 - 1147)، وأبو داود (2400) و (3311) عن عائشة.

(2)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).

(3)

شرح النووي على مسلم (8/ 26).

(4)

انظر شرح النووي على مسلم (1/ 90).

(5)

ينظر: الأم للشافعي (2/ 16) الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115) فتاوى ابن الصلاح (2/ 549) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 43) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (3/ 3) بحر المذهب للروياني (3/ 3).

ص: 590

حنبل، قاله النووي

(1)

وغيره، وذهب جماعة من العلماء إلى أنه يصل إلى الميت ثواب جميع العبادات من الصلاة والصوم وغير ذلك، وفي صحيح [البخاري في باب] من مات وعليه نذر، أن ابن عمر أمر امرأة ماتت أمها وعليها صلاة أن تصلي عنها

(2)

.

وحكى صاحب الحاوي

(3)

عن عطاء بن أبي رباح وإسحاق بن راهوية أنهما قالا بجواز الصلاة عن الميت واختاره ابن عصرون وكل هذه المذاهب ضعيفة دليلهم القياس على الدعاء والصدقة والحج فإنها تصل إلى الميت بالإجماع

(4)

أ. هـ.

1424 -

وَعَن سعد بن عبَادَة رضي الله عنه قَالَ قلت يَا رَسُول الله إِن أُمِّي مَاتَت فَأَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ المَاء فحفر بِئْرا وَقَالَ هَذِه لأم سعد رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَاللَّفْظ لَهُ وَابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ إِن صَحَّ الْخَبَر وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه قلت يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل قَالَ سقِيِ المَاء وَالْحَاكِم بِنَحْوِ ابْن حبَان وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا

(5)

.

(1)

ينظر: المجموع شرح المهذب (5/ 569)، وشرح النووي على مسلم (1/ 90).

(2)

صحيح البخاري (5/ 142) تعليقًا.

(3)

الحاوي الكبير (15/ 313).

(4)

شرح النووي على مسلم (1/ 90).

(5)

أبو داود (1679)، وابن ماجه (3684)، وابن خزيمة (2496)، وابن حبان (3348)، والحاكم (1/ 414)، والنسائي (6/ 254)، والطبراني في الكبير (5379)، والبيهقي في شعب الإيمان (3379)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (951).

ص: 591

قَالَ المملي الْحَافِظ رحمه الله بل هُوَ مُنْقَطع الإِسْنَاد عِنْد الْكل فَإِنَّهُم كلهم رَوَوْهُ عَن سعيد بن الْمسيب عَن سعد وَلم يُدْرِكهُ فَإِن سَعْدا توفّي بِالشَّام سنة خمس عشرَة وَقيل سنة أَربع عشرَة ومولد سعيد بن الْمسيب سنة خمس عشرَة.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن سعد وَلم يُدْرِكهُ أَيْضا فَإِن مولد الْحسن سنة إِحْدَى وَعشْرين

(1)

.

وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد أَيْضا وَغَيره عَن أبي إِسْحَاق السبيعِي عَن رجل عَن سعد وَالله أعلم

(2)

.

قوله: وعن سعد بن عبادة رضي الله عنه، وقع في الوسيط أن سعدا السائل عن فضل سقي الماء هو سعد بن أبي وقاص، والصواب أنه سعد بن عبادة

(3)

بن دليم بن حارثة بن أبي خزيمة، أحد نقباء النبي صلى الله عليه وسلم[الإثني عشر شهد سعد العقبة، وبدرا]، وقيل غير ذلك، بن ثعلبة بن طريف بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري سيد الخزرج، كنيته [أبو ثابت وقيل]، أبو قيس كان من نقباء أحد نقباء النبي صلى الله عليه وسلم الإثنى عشر واتفقوا على أنه كان نقيب بني ساعدة وكان حامل راية الأنصار في المشاهد كلها وكان سيدا جوادا وجيها في الأنصار ذا رياسة وسيادة وكرم وكان مشهورا بالكرم وكان يبعث إلى النبي

(1)

أبو داود (1680)، والنسائي (6/ 255)، وأحمد (22459).

(2)

أبو داود (1681).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 327).

ص: 592

- صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة في كل يوم جفنة مملوءة ثريدا ولحما أو بلبن أو عسل وزيت أو بسمن والأكثر بلحم وكانت جفنة سعد تدور مع النبي صلى الله عليه وسلم في بيوت أزواجه، ونقلوا أنه لم يكن في الأوس والخزرج أربعة مطعمون متوالدون إلا قيس بن سعد بن عبادة بن دليم وآباءه هؤلاء وله ولأهله في الجود والكرم أشياء كثيرة وكان يكتب بالعربية وكانت الكتابة في العرب قليلا، وكان يحسن العوم والرمي وكان من أجل ذلك يسمى الكامل، ذكر في غير موضع في الصحيحين، وروي له الأربعة وله في الكتب الأربعة أربعة أحاديث وكان من دعائه: اللهم لا شرف إلا بفعال ولا فعال إلا بمال ولا مال إلا من رزقك فارزقني من فضلك رزقا كثيرا مباركا يبلغني شرف الدنيا والآخرة، توفي سنة ست عشرة، وقيل: خمس عشرة، وقيل: أربع عشرة، واتفقوا على أنه كان بأرض حوران من أرض الشام وتوفي بها، ويقال: إن الجن قتلته ولم يختلفوا أنه وُجِدَ مَيِّتًا فِي مُغْتَسَلِهِ وَقَدْ أُحْضِرَ جَسَدُهُ، وَلَمْ يَشْعُرُوا بِمَوْتِهِ حَتَّى سَمِعُوا قَائِلًا يَقُولُ وَلَا يَرَوْنَهُ:

قَدْ قَتَلْنَا سَيِّدَ الْخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ

وَرَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَهُ

قال سعد بن عبد العزيز: أول مدينة فتحت بالشام بصري، وفيها مات سعد بن عبادة، وعن محمد بن سيرين أن سعدا بال قائما فلما رجع قال لأصحابه إني لأجد دبيبا فمات

(1)

.

(1)

تاريخ دمشق (20/ ترجمة 2419)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 212 - 213)، وتهذيب الكمال (10/ 277 - 281 ترجمة 2214).

ص: 593

[قوله] قال: قلت يا رسول الله إن أمي ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء" فحفر بئرًا وقال: هذه لأم سعد، أم سعد اسمها: عمرة بنت مسعود بن عمر، من المبايعات توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في غزوة

(1)

.

قوله: أن سعدًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إن أمي توفيت ولم توص أفينفعها أن أتصدق عنها قال نعم وعليك بالماء، وعن سعد بن عبادة قال: قلت يا رسول الله إن أمي ماتت فأي الصدقة أفضل؟ قال: "الماء" فحفر بئرًا وقال: [هذه لأم سعد وفي رواية أنه]، سأله عن نفس الصدقة عنها: هل تنفعها، قال: نعم

(2)

، فسأله ثانيا عن أفضل الصدقة، فقال:"سقي الماء" فحفر لها بئرا، في حديث آخر أن سعد بن عبادة استفتى النبي صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه فتوفيت قبل أن تقضيه فأفتاه أن يقضيه عنها

(3)

، قال القاضي عياض

(4)

: اختلف في نذر أم سعد ما كان فقيل: كان نذرا مطلقا، وقيل: كان صوما، وقيل: كان عتقا، وقيل: صدقة، واستدل كل قائل بأحاديث وردت في

(1)

أسد الغابة (7/ 200)، والإصابة (8/ 246) قال ابن سعد في الطبقات (3/ 614): توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في غزوة دومة الجندل، وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمس من الهجرة، وكان سعد بن عبادة معه في تلك الغزوة، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتى قبرها فصلى عليها.

(2)

أخرجه البخاري (2762) و (2762) عن ابن عباس.

(3)

أخرجه البخاري (2761) و (6698) و (6959)، ومسلم (1 - 1638) عن ابن عباس.

(4)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 457).

ص: 594

قصة أم سعد.

واسمها عمرة بنت مسعود بن عمرو من المبايعات توفيت بالمدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم غائب في غزوة دومة الجندل وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمس من [الهجرة وكان] سعد بن عبادة [معه في] تلك الغزوة فلما [قدم] رسولى الله صلى الله عليه وسلم المدينة أتى قبرها [وصلى] عليها

(1)

أ. هـ.

ففي حديث النذر دليل على أن من مات وعليه حق من حقوق الله تعالى كالزكاة والنذر والكفارة يجب أداؤه من التركة قبل الوصايا والميراث كما يجب أداء ديون الآدمي وسواء أوصي به أو لم يوص وبه قال الشافعي

(2)

.

قوله: رواه أبو داود أيضًا وغيره عن أبي إسحاق السبيعي بفتح السين المهملة وكسر الباء الموحدة، منسوب إلى سبيع جد القبيلة، وهو سبيع بن صحب وهو بطن من همدان، واسم أبي إسحاق [عمرو بن] عبد الله الهمداني [الكوفي] التابعي الجليل [ولد أبو إسحاق] لسنتين بقيتا من خلافة عثمان.

قال أحمد العجلي: كوفي، تابعي، ثقة، سمع ثمانية وثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، والشعبي أكبر منه بسنتين، ولم يسمع أبو إسحاق من علقمة شيئًا، ولم يسمع من حارث الأعور إلا أربعة أحاديث وسائر ذلك

(1)

الطبقات الكبرى (3/ 461).

(2)

شرح السنة (7/ 29)، وشرح النووي على مسلم (11/ 96 - 97) وشرح المشكاة (6/ 1940).

ص: 595

إنما هو كتاب أخذه وقال على بن المديني: سمع السبيعي من سبعين شيخا لم يرو عنهم غيره.

قال الحافظ أبو نعيم: روى أبو إسحاق عن أربعة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أسند عن جماعة من الصحابة وانفرد بالرواية عن جماعة من الصحابة والتابعين، ولم يشاركه فيها أحد، توفي سنة ست أو سبع أو ثمان أو تسع وعشرين ومائة

(1)

والله أعلم.

1425 -

وَعَن جَابر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من حفر مَاء لم تشرب مِنْهُ كبد حرى من جن وَلَا إنس وَلَا طَائِر إِلَّا آجره الله يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي تَارِيخه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(2)

.

قوله: وعن جابر رضي الله عنه، تقدم الكلام على جابر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من حفر ماء لم تشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة" الحديث، تقدم الكلام على الكبد الحري في أحاديث الباب.

1426 -

وَعَن عَليّ بن الْحسن بن شَقِيق قَالَ سَمِعت ابْن الْمُبَارك وَسَأَلَهُ رجل يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن قرحَة خرجت فِي ركبتي مُنْذُ سبع سِنِين وَقد عَالَجت

(1)

تهذيب الكمال 1040، تذهيب التهذيب 3/ 103/ 1، تاريخ الإسلام 5/ 116، تذكرة الحفاظ 1/ 114.

(2)

البخاري في التاريخ الكبير (1/ 332)، وابن خزيمة (1292)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (952).

ص: 596

بأنواع العلاج وَسَأَلت الْأَطِبَّاء فَلم أنتفع بِهِ قَالَ اذْهَبْ فَانْظُر موضعا يحْتَاج النَّاس المَاء فاحفر هُنَاكَ بِئْرا فَإِنِّي أَرْجُو أَن تنبع هُنَاكَ عين ويمسك عَنْك الدَّم فَفعل الرجل فبرأ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ

(1)

.

وَقَالَ وَفِي هَذَا الْمَعْنى حِكَايَة شَيخنَا الْحَاكِم أبي عبد الله رحمه الله فَإِنَّهُ قرح وَجهه وعالجه بأنواع المعالجة فَلم يذهب وَبَقِي فِيهِ قَرِيبا من سنة فَسَأَلَ الْأُسْتَاذ الإِمَام أَبَا عُثْمَان الصَّابُونِي أَن يَدْعُو لَهُ فِي مَجْلِسه يَوْم الْجُمُعَة فَدَعَا لَهُ وَأكْثر النَّاس التَّأْمِين فَلَمَّا كَانَ يَوْم الْجُمُعَة الأُخْرَى أَلْقَت امْرَأَة فِي الْمجْلس رقْعَة بِأَنَّهَا عَادَتْ إِلَى بَيتهَا وَاجْتَهَدت فِي الدُّعَاء للْحَاكِم أبي عبد الله تِلْكَ اللَّيْلَة فرأت فِي منامها رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَأَنَّهُ يَقُول لَهَا قولي لأبي عبد الله يُوسع المَاء على الْمُسلمين فَجئْت بالرقعة إِلَى الْحَاكِم فَأمر بسقاية بنيت على بَاب دَاره وَحين فرغوا من بنائها أَمر بصب المَاء فِيهَا وَطرح الجمد فِي المَاء وَأخذ النَّاس فِي الشّرْب فَمَا مر عَلَيْهِ أُسْبُوع حَتَّى ظهر الشِّفَاء وزالت تِلْكَ القروح وَعَاد وَجهه إِلَى أحسن مَا كَانَ وعاش بعد ذَلِك سِنِين

(2)

.

[قوله]: وعن علي بن الحسن بن شقيق [هو علي بن الحسن بن شقيق بن دينار بن مشعب العبدي، أبو عبد الرحمن مولى عبد القيس، ويقال: إنه مولى آل الجارود العبدي، قال أبو علي محمد بن علي بن حمزة المروزي: وكان شقيق بصريا قدم خراسان قال أحمد بن حنبل: لم يكن به بأس. تكلموا فيه

(1)

البيهقي في الشعب (3381).

(2)

البيهقي في شعب الإيمان (3/ 221).

ص: 597

للإرجاء، وقد رجع عنه. وقال الحسين بن حبان: قال ابن معين: ما أعلم أحدا قدم علينا من خراسان كان أفضل من ابن شقيق. كان عالما بابن المبارك، وتوفي في سنة خمس عشرة ومئتين

(1)

].

قوله: سمعت ابن المبارك، هو الإمام المجمع على إمامته وجلالته في كل شيء الذي تستنزل الرحمة بذكره وترتجي المغفرة بحبه وهو من تابعي التابعين عبد الله بن المبارك بن واضح الحنظلي مولاهم المروزي أبو عبد الرحمن وكان أبوه تركيا مملوكا لرجل من همدان، وأمه: خوارزمية، قال أبو أسامة: ما رأيت أطلق للعلم من ابن المبارك الشام ومصر واليمن والحجاز، قال ابن مهدي: ابن المبارك أفضل من الثوري، فقيل: إن الناس يخالفونك فقال: لم يعرفوا ما رأيت مثل ابن المبارك، وقال أبو أسامة ابن المبارك في أصحاب الحديث مثل أمير المؤمنين في الناس، وقال أبو إسحاق الفزاري: ابن المبارك إمام المسلمين، وقال ابن أبي جميل: قلنا لابن المبارك يا عالم الشرق حدثنا فسمعها سفيان، فقال: ويحكم هو عالم المشرق والمغرب وما بينهما، وقيل: لما قدم هارون الرشيد الرقة أشرفت أم ولد له من قصره فرأى الغبرة قد ارتفعت والبغال قد انقطعت وانجفل الناس فقال: ما هذا؟ قالوا: قد قدم عالم من خراسان يقال له ابن المبارك فقالت: هذا والله الملك لا ملك لهارون الذي لا يجمع الناس إلا بالسوط والخشب، ولد بمرو سنة

(1)

تهذيب الكمال (20/ ترجمة 4042)، وتاريخ الإسلام (5/ 403 - 404).

ص: 598

ثماني عشرة ومائة وتوفي بهيت [منصرفا من الغزو وهيت مدينة معروفة على الفرات فوق الأنبار من] العراق سنة إحدى وثمانين ومائة

(1)

والله أعلم.

قوله: سمعت ابن المبارك: وسأله رجل يا أبا عبد الرحمن قرحة خرجت في ركبتي منذ سبع سنين، القرحة: جمعها قروح، والقرحة: حبات تخرج في بدن الإنسان، وقيل: القرحة كالدمل والورم والجرح كالقطع والشق فيفرق بينهما.

قوله: وفي هذا المعنى حكاية شيخنا الحاكم أبي عبد الله فإنه قرح وجهه، هو: الإمام الجليل أبو عبد الله [محمد بن عبد الله الضبي النيسابوري المعروف بابن البيع من أهل العلم والحفظ والتصانيف الحسنة في علوم الحديث وغيرها رحل الكثير وسمع بخراسان وما وراء النهر والعراق والحجاز وغيرها روى عن أبي العباس الأصم وغيره روى عنه الدارقطني وغيره من الأئمة في الدنيا وكان فيه تشيع وكانت ولادته سنة إحدى وعشرين وثلثمائة وتوفي بنيسابور في صفر سنة خمس وأربعمائة

(2)

].

قوله: فسأل الأستاذ الإمام أبا عثمان الصابوني أن يدعو له في مجلسه يوم الجمعة، أبو عثمان الصابوني، اسمه [إسماعيل بن عبد الرحمن بن أحمد بن إسماعيل بن إبراهيم الصابوني المعروف بشيخ الإسلام كان إماما مفسرا

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 286 - 287 ترجمة 329).

(2)

اللباب (1/ 198 - 199).

ص: 599

محدثا فقيها واعظا خطيبا أوحد وقته في طريقته وعظ المسلمين ستين سنة وخطب بنيسابور نحوا من عشرين سنة سمع أبا طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة وأبا بكر الجوزقي وأستاذه الحاكم أبا عبد الله وغيرهم سمع منه الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي وغيره لا يحصون كثرة بخراسان إلى غزنة وبلاد الهند وجرجان وطبرستان والجبال والعراق والثغور والشام وبيت المقدس وبلاد أذربيجان وكانت ولادته سنة ثلاث وسبعين وثلاثمائة وتوفي في المحرم سنة سبع وأربعين وأربعمائة

(1)

].

(1)

اللباب (2/ 228 - 229).

ص: 600