المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌[الترغيب في صدقة السر] - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٥

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

- ‌فصل

- ‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزل لها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جَاءَهُ شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فِي قبُوله سِيمَا إِن كَانَ مُحْتَاجا وَالنَّهْي عَن رده وَإِن كَانَ غَنِيا عَنهُ

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

- ‌[الترغيب في صدقة السر]

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌[الترغيب في القرض وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

- ‌الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

- ‌فصل

- ‌الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصوم الترغيب في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام رَمَضَان احتسابا وَقيام ليله سِيمَا لَيْلَة الْقدر وَمَا جَاء فِي فَضله

- ‌التَّرْهِيب من إفطار شَيْء من رَمَضَان من غير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم سِتّ من شَوَّال

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام يَوْم عَرَفَة لمن لم يكن بهَا وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَنْهَا لمن كَانَ بهَا حَاجا

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام شهر الله الْمحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم شعْبَان وَمَا جَاءَ فِي صِيَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفضل لَيْلَة نصفه

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوم ثلاثة أَيَّام من كل شهر سِيمَا الْأَيَّام الْبيض

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخمِيس

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الأرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت والأحد وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن تَخْصِيص الْجُمعَة بِالصَّوْم أَو السبت

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم وَهُوَ صَوْم دَاوُد عليه السلام

- ‌ترهيب الْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا أَن تستأذنه

- ‌ترهيب الْمسَافِر من الصَّوْم إِذا كَانَ يشق عَلَيْهِ وترغيبه فِي الْإِفْطَار

- ‌التَّرْغِيب فِي السّحُور سِيمَا بِالتَّمْرِ

الفصل: ‌[الترغيب في صدقة السر]

[الترغيب في صدقة السر]

1314 -

عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول سَبْعَة يظلهم الله فِي ظله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله الإِمَام الْعَادِل وشاب نَشأ فِي عبَادَة الله عز وجل وَرجل قلبه مُعَلّق بالمساجد ورجلان تحابا فِي الله اجْتمعَا على ذَلِك وتفرقا عَلَيْهِ وَرجل دَعَتْهُ امْرَأَة ذَات منصب وجمال فَقَالَ إِنِّي أَخَاف الله وَرجل تصدق بِصَدقَة فأخفاها حَتَّى لا تعلم شِمَاله مَا تنْفق يَمِينه وَرجل ذكر الله خَالِيا فَفَاضَتْ عَيناهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم عَن أبي هُرَيْرَة هَكَذَا

(1)

. ورويناه أَيْضا وَمَالك وَالتِّرْمِذِيّ عَن أبي هُرَيْرَة أَو أبي سعيد على الشَّك

(2)

.

قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام على ترجمته.

قوله صلى الله عليه وسلم: "سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله" الحديث. قال القاضي عياض

(3)

رحمه الله تعالى: إضافة الظل إلى الله تعالى إضافة ملك وكل ظل فهو لله تعالى وملكه وخلقه وسلطانه والمراد هنا ظل العرش كما جاء في حديث آخر مبينا والمراد يوم القيامة إذا قام الناس لرب العالمين ودنت منهم الشمس واشتد عليهم حرها وأخذهم العرق ولا ظل هناك لشيء إلا للعرش وقد يراد به هنا ظل الجنة وهو نعيمها والكون فيها

(1)

البخاري (660)، ومسلم (1031).

(2)

مالك (2742)، والترمذي (2391).

(3)

إكمال المعلم (3/ 562).

ص: 407

كما قال تعالى: {وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا}

(1)

قال القاضي عياض

(2)

: وقال ابن دينار: المراد بالظل هنا الكرامة والكنف والكثرة من المكارم في ذلك الموقف قال: وليس المراد ظل الشمس قال القاضي: وما قاله معلوم في اللسان يقال فلان في ظل فلان أي في كنفه وحمايته قال: وهذا أولى الأقوال وعلى أن المراد بالظل ظل العرش يكون إضافته إلى العرش لأنه مكان التقرب والكرامة وإلا فالشمس وسائر العالم تحت العرش وفي ظله.

قوله صلى الله عليه وسلم: "الإمام العادل" قال: القاضي

(3)

هو كل من إليه نظر في شيء من أمور المسلمين من الولاة والحكام وبدأ به لكثرة مصالحه وعموم نفعه ووقع في أكثر النسخ الإمام العادل، وفي بعضها الإمام العدل وهما صحيحان

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وشاب نشأ في عبادة الله عز وجل" أي ليس له صبوة أي ميل إلى الهوى وهي المرة منه قاله في النهاية.

(5)

قوله صلى الله عليه وسلم: "رجل قلبه معلق بالمساجد" هكذا هو في جميع النسخ كلها في المساجد، وفي غير هذه الرواية بالمساجد ووقع في هذه الرواية في أكثر النسخ معلق في المساجد، وفي بعضها معلق بالمساجد بالباء وكلاهما صحيح

(1)

سورة النساء، الآية:57.

(2)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 562).

(3)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 562).

(4)

شرح النووي على مسلم (7/ 121).

(5)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 184).

ص: 408

ومعناه شديد الحب لها والملازمة للجماعة فيها وليس معناه دوام القعود في المساجد

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجلان تحاب في الله تعالى اجتمعا على ذلك وتفرقا عليه" معناه اجتمعا على حب الله وافترقا على حب الله تعالى أي كان سبب اجتماعهما حب الله واستمرا على ذلك حتى تفرقا من مجلسهما وهما صادقان في حب كل واحد منهما صاحبه لله تعالى حال اجتماعهما وافتراقهما، وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى التَّحَابِّ فِي اللهِ وَبَيَانُ عِظَمِ فَضْلِهِ وَهُوَ مِنَ الْمُهِمَّاتِ فَإِنَّ الْحُبَّ فِي اللهِ وَالْبُغْضَ فِي اللهِ مِنَ الْإِيمَانِ وَهُوَ بِحَمْدِ اللهِ كَثِيرٌ يُوَفَّقُ لَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ أَوْ مَنْ وُفِّقَ لَهُ

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل دعته إمرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله".

قوله: "منصب" أي قدر وشرف نصاب الرجل ومنصبه أصله، قال: القاضي عياض

(3)

يحتمل قوله: "إني أخاف الله" أن يكون ذلك باللسان وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ فِي قَلْبِهِ لِيَزْجُرَ نَفْسَهُ وَخَصَّ ذَاتَ الْمَنْصِبِ وَالْجَمَال لِكَثْرَةِ الرَّغْبَةِ فِيهَا وَعُسْرِ حُصُولِهَا وَهِيَ جَامِعَةٌ لِلْمَنْصِبِ وَالْجَمَالِ لَا سِيَّمَا وَهِيَ دَاعِيَةٌ إِلَى نَفْسِهَا طَالِبَةٌ لِذَلِكَ قَدْ أَغْنَتْ عَنْ مَشَاقِّ التَّوَصُّلِ إِلَى مُرَاوَدَةٍ وَنَحْوِهَا فَالصَّبْرُ عَنْهَا لِخَوْفِ اللهِ تَعَالَى وَقَدْ دَعَتْ إِلَى نَفْسِهَا مَعَ جَمْعِهَا

(1)

إكمال المعلم (3/ 562)، وشرح النووي على مسلم (7/ 121).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 121).

(3)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 457).

ص: 409

الْمَنْصِبَ وَالْجَمَالَ مِنْ أَكْمَلِ الْمَرَاتِبِ وَأَعْظَمِ الطَّاعَاتِ فَرَتَّبَ اللهُ تَعَالَى عَلَيْهِ أَنْ يُظِلَّهُ فِي ظِلِّهِ وَذَاتُ الْمَنْصِبِ هِيَ ذَاتُ الْحَسَبِ وَالنَّسَبِ الشَّرِيفِ وَمَعْنَى دَعَتْهُ أي دعته إلى الزنى بِهَا هَذَا هُوَ الصَّوَابُ فِي مَعْنَاهُ.

وقول المدعو في هذا الحال أني أخاف الله وامتناعه لذلك دليل على عظيم معرفته بالله تعالى وشدة خوفه من عقابه وحيائه من الله تعالى وهذا هو المقام اليوسفي

(1)

ذكر القاضي عياض في قوله: "دعته إمرأة" احتمالين أصحهما ما تقدم والثاني أنه يحتمل أنها دعته لنكاحها فخاف العجز عن القيام بحقها أو إن الخوف من الله تعالى شغله عن لذات الدنيا وشهواتها

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" وفي رواية "حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله" كذا روى الحديث في مسلم والصحيح المعروف حتى "لا تعلم شماله ما تنفق يمينه" هكذا رواه مالك في الموطأ

(3)

والبخاري في صحيحه

(4)

وغيرهما من الأئمة وهو وجه الكلام لأن المعروف في النفقة فعلها باليمين

(5)

، وفي هذا الحديث فضل صدقة السر قال العلماء: وهذا في صدقة التطوع فالسر فيها أفضل لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد من الرياء وأما الزكاة الواجبة فإعلانها أفضل وهكذا

(1)

المفهم (9/ 45).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 122).

(3)

سبق تخريجه.

(4)

سبق تخريجه.

(5)

إكمال المعلم (3/ 563)، وشرح النووي على مسلم (7/ 122).

ص: 410

حكم الصلاة فإعلان فرائضها أفضل وإسرار نوفلها أفضل لقوله صلى الله عليه وسلم: "أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"

(1)

قال العلماء: وذكر اليمين والشمال مبالغة في الإخفاء والإستتار بالصدقة وضرب المثل بهما لقرب اليمين من الشمال وملازمته لها ومعناه لو قدرت الشمال رجلا متيقظا لما علم صدقة اليمين لمبالغة الإخفاء ونقل القاضي عن بعضهم أن المراد من عن يمينه وشماله من الناس والصواب الأول

(2)

.

قال الإمام القرطبي

(3)

: وقد سمعنا من بعض المشايخ أن معنى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه المبالغة في إخفاء الصدقة وهو أن يتصدق على الضعيف في صورة المشتري منه فيدفع له درهما مثلا في شيء يساوي نصف درهم فالصورة مبايعة والحقيقة صدقة وهو اعتبار حسن.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه" خاليا يعني من الخلق ومن الالتفات إلى غير الله وفيض العين بكاؤها وهو على حسب حال الذاكر وبحسب ما ينكشف له من أوصافه تعالى فإن انكشف له غضبه وسخطه فبكاؤه عن خوف وإن انكشف له جماله وجلاله فبكاؤه عن محبة وشوق وهكذا يتلون الذاكر بتلون ما تذكر من الأسماء والصفات

(4)

.

(1)

صحيح البخاري (731) صحيح مسلم (710).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 122).

(3)

المفهم (9/ 45).

(4)

المفهم (9/ 45).

ص: 411

وفيه فضيلة البكاء من خشية الله تعالى وفضل طاعة السر لكمال الإخلاص فيها

(1)

.

فائدة: نظم بعض الفضلاء

(2)

هذه السبعة المذكورة في الحديث في بيتين هما:

إِمَام محب نَاشِئ متصدق

مصل وَبَاكٍ خَائِف سطوة الباس

يظلهم الرَّحْمَن فِي ظلّ عَرْشه

إِذا كَانَ يَوْم الْحَشْر لَا ظلّ للنَّاس

والله أعلم.

1315 -

وَرُوِيَ عَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لما خلق الله الأَرْض جعلت تميد وتكفأ فأرساها بالجبال فاستقرت فعجبت الْمَلَائِكَة من شدَّة الْجبَال فَقَالَت يَا رَبنَا هَل خلقت خلقا أَشد من الْجبَال قَالَ نعم الْحَدِيد قَالُوا فَهَل خلقت خلقا أَشد من الْحَدِيد قَالَ النَّار قَالُوا فَهَل خلقت خلقا أَشد من النَّار قَالَ المَاء قَالُوا فَهَل خلقت خلقا أَشد من المَاء قَالَ الرّيح قَالُوا فَهَل خلقت خلقا أَشد من الرّيح قَالَ ابْن آدم إِذا تصدق بِصَدقَة بِيَمِينِهِ فأخفاها من شِمَاله رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب

(3)

.

قوله: وروي عن أنس تقدم الكلام على أنس بن مالك.

(1)

إكمال المعلم (3/ 564)، وشرح النووي على مسلم (7/ 123).

(2)

هو أبو شامة المقدسى كما في فوات الوفيات (2/ 271)، والوافى بالوفيات (18/ 69)، والمنهل الصافى (7/ 166).

(3)

الترمذي (3369)، والبيهقي في شعب الإيمان (3441)، وأحمد (12253)، وعبد بن حميد (1215)، وأبو يعلى (4310)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (4770).

ص: 412

قوله صلى الله عليه وسلم: "لما خلق الله الأرض جعلت تميد وتكفأ فأرساها بالجبال فاستقرت" الميد الميل.

قوله: (جعلت تميد فأرساها بالجبال) الميد الميل يقال: ماد يميد

(1)

، إذا مال وتحرك، ومنه حديث ابن عباس "فدحا الله الأرض من تحتها فمادت".

قوله صلى الله عليه وسلم: "قالوا" يعني الملائكة "يا ربنا فهل خلقت خلقا أشد من الريح قال ابن ءادم إذا تصدق بصدقة بيمينه فأخفاها من شماله" الحديث وليس المراد شدة يديه وإنما المراد قوة قلبه وثباته على امتثال الأوامر واجتناب النواهي ولا يتمكن الإنسان من نيل مكرمة ولا دفع كريهة إلا بالشجاعة المعبر عنها بقوة القلب فلهذا كان المتصدق سرًا أقوى المخلوقات وأشدها لهذا الحديث ذكره ابن النحاس في تنبيهه والله أعلم، فعلمنا بهذا الحديث أن من قدر على إخفاء الصدقة فهو أشد المخلوقات

(2)

.

قوله: "فأرساها بالجبال" أي ضرب بالجبال على الأرض فاستقرت فذكر الحديث إلى أن قال "ابن ءادم إذا تصدق بصدقة فأخفاها" يعني لمخالفة النفس وقهر الشيطان

(3)

.

اعلم أن الصدقة الموصوفة إنما كانت أشد من الريح وهو أشد مما قبله لأن صدقة السر تطفيء غضب الرب وغضب الرب تعالى لا يقابله شيء في

(1)

النهاية (4/ 379).

(2)

ذكره ابن النحاس في مصارع العشاق (ص 957).

(3)

المفاتيح (2/ 546)، وشرح المشكاة (5/ 1559).

ص: 413

الصعوبة فإذا عمل ابن ءادم عملا توسل به إلى إطفائه كان أشد وأقوى من هذه الأجرام ولأن نفس الإنسان جبلت على غرائز لا يلينها شيء من هذه الأجرام الشديدة فهي أشد من كل شديد لأن الحديد دافع للحجر والنار دافعة والماء دافعة والريح دافعة

(1)

ا. هـ.

فعلمنا بهذا الحديث أن من قدر على إخفاء الصدقة فهو أشد المخلوقات

(2)

.

1316 -

وَعَن مُعَاوِيَة بن حيدة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِن صَدَقَة السِّرّ تطفئ غضب الرب تبارك وتعالى رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِيه صَدَقَة بن عبد الله السمين وَلَا بَأْس بِهِ فِي الشواهد

(3)

.

قوله: وعن معاوية بن حيدة، وحيدة بفتح الحاء المهملة وإسكان الياء المثناة تحت [ابن معاوية بن قيس بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيرى البصري الصحابى، وهو جد بهز بن حكيم بن معاوية الراوى عن أبيه، عن جده، وغزا خراسان ومات بها، سئل يحيى بن معين، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، فقال: إسناد صحيح إذا كان من دونهم ثقة

(4)

].

(1)

انظر الميسر (2/ 450)، وشرح المشكاة (5/ 1559 - 1560)، وشرح المصابيح (2/ 484).

(2)

مصارع العشاق (ص 956).

(3)

الطبراني في الكبير (1018)، وفي الأوسط (943)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115)، رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه صدقة بن عبد الله وثقه دحيم وضعفه جماعة، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (879).

(4)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 101 ترجمة 587).

ص: 414

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن صدقة السر تطفيء غضب الرب تبارك وتعالى" قال: عبد العزيز بن أبي رواد كان يقال ثلاثة من كنوز الجنة كتمان المرض وكتمان المصيبة وكتمان الصدقة، وقال: ابن أبي الجعد إن الصدقة لتدفع سبعين بابا من السوء وفضل سرها على علانيتها سبعين ضعفا ذكره الحافظ الدمياطي في كتابه المتجر الرابح

(1)

.

قوله: وفيه صدقة بن عبد الله السمين (ضعفه أحمد والبخاري، وابن نمير، والنسائي والدارقطني، وقال أبو زرعة: كان قدريا لينا، وقال ابن عدي: أكثر حديثه مما لا يتابع عليه وهو إلى الضعف أقرب ووثقه دحيم وأبو حاتم وأحمد بن صالح المصري).

1317 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء وَصدقَة السِّرّ تطفئ غضب الرب وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن

(2)

.

قوله: وعن أبي أمامة تقدم الكلام على أبي أمامة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء" الحديث المعروف اسم

جامع لما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان إلى الناس والمنكر ضد ذلك قاله أبو السعادات

(3)

.

(1)

المتجر الرابح (ص 287).

(2)

الطبراني في الكبير (8014)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115)، رواه الطبراني في الكبير، وإسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (880).

(3)

النهاية (3/ 216).

ص: 415

قوله صلى الله عليه وسلم: "وصدقة السر تطفيء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر" تقدم الكلام على الرحم وهي القرابة وتقدم الكلام على الزيادة في العمر وسيأتي الكلام أيضًا على الزيادة في كتاب بر الوالدين مطولا.

1318 -

وَرُوِيَ عَن أم سَلمَة رضي الله عنها قَالَت قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صنائع الْمَعْرُوف تَقِيّ مصَارِع السوء وَالصَّدَقَة خفِيا تطفئ غضب الرب وصلَة الرَّحِم تزيد فِي الْعُمر وكل مَعْرُوف صَدَقَة وَأهل الْمَعْرُوف فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمَعْرُوف فِي الآخِرَة وَأهل الْمُنكر فِي الدُّنْيَا هم أهل الْمُنكر فِي الْآخِرَة وَأول من يدْخل الْجنَّة أهل الْمَعْرُوف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(1)

.

قوله: وروي عن أم سلمة تقدم الكلام على أم سلمة.

قوله: "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والصدقة خفيا تطفيء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر" تقدم الكلام على ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وكل معروف صدقة" المعروف اسم جامع لكل ما عرف من طاعة الله تعالى والتقرب إليه والإحسان إلى الناس وكل ما ندب إليه الشرع من المحسنات ونهى عنه من المقبحات والصدقة العطية التي يبتغي بها المثوبة من الله تعالى فكل ما يفعل من أعمال البر والخير كان ثوابه كثواب من تصدق بالمال.

(1)

الطبراني في المعجم الأوسط (6086)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 115)، وفيه عبيد الله بن الوليد الوصافي، وهو ضعيف. وقال الألباني حسن، دون قوله:"وأول من يدخل الجنة أهل المعروف"، صحيح الترغيب والترهيب (881).

ص: 416

قوله صلى الله عليه وسلم: "وأهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة وأهل المنكر في الدنيا هم أهل المنكر في الآخرة وأول من يدخل الجنة أهل المعروف" الحديث أي من بذل معروفه للناس في الدنيا أداه الله جزاء معروفه في الآخرة، وقيل أراد من بذل جاهه لأصحاب الجرائم التي لا تبلغ الحدود فيشفع فيهم شفعه الله في أهل التوحيد في الآخرة وروي عن ابن عباس في معناه أنه يأتي أصحاب المعروف في الدنيا يوم القيامة فيغفر لهم بمعروفهم وتبقى حسناتهم جامة فيعطونها لمن زادت سيئاته على حسناته فيغفر له ويدخل الجنة فيجتمع لهم الإحسان إلى الناس في الدنيا والآخرة قاله في النهاية

(1)

وسئل أبو جعفر عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم "أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" فكيف يكون المعروف في الآخرة قال: معروفهم في الآخرة أنهم يشفعون لغيرهم لأنهم كانوا يعملون المعروف في الدنيا فيأمنون على أنفسهم فيشفعون لغيرهم ذكره السمرقندي في كتاب النوازل

(2)

.

1319 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن أَبَا ذَر قَالَ يَا رَسُول الله مَا الصَّدَقَة قَالَ أَضْعَاف مضاعفة وَعند الله الْمَزِيد ثمَّ قَرَأَ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}

(3)

قيل: يَا رَسُول الله أَي الصَّدَقَة أفضل

(1)

الغريبين (4/ 1261)، والنهاية (3/ 216 - 217).

(2)

فتاوى النوازل (لوحة 268/ خ 2414).

(3)

سورة البقرة، الآية:245.

ص: 417

قَالَ سر إِلَى فَقير أَو جهد من مقل ثمَّ قَرَأَ: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ}

(1)

. رَوَاهُ أَحْمد مطولا وَالطَّبَرَانِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَفِي إسنادهما عَليّ بن يزِيد

(2)

.

قوله: وعن أبي أمامة تقدم الكلام على أبي أمامة.

قوله: أن أبا ذر قال: يا رسول الله ما الصدقة قال: "أضعاف مضاعفة وعند الله المزيد ثم قرأ: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً}

(3)

" قال الكسائي القرض ما أسلفت من عمل صالح أو سيئ وقال: ابن كيسان

(4)

القرض أن تعطي شيئا ليرجع إليك مثله أو ليقضي شبهه فشبه الله تعالى عمل المؤمنين لله عز وجل على ما يرجون من ثوابه بالقرض وأصل القرض القطع ومنه قرض الفأر الثوب وسمي الشعر قريضا لأنه يقطعه من كلامه وسمي الدين قرضا لأنه يقطعه من ماله [ومعنى قوله] قرضا حسنا قال (علي بن الحسين) الواقدي يعني محتسبا طيبة بها نفسه [شبه الله عز وجل عمل المؤمنين لله عز وجل على ما يرجون ثوابه بالقرض؛ لأنهم إنما يعطون ما ينفقون] ابتغاء ما وعدهم الله عز وجل من جزيل الثواب

(5)

(1)

سورة البقرة، الآية:271.

(2)

أحمد (22288)، والطبراني في الكبير (7891)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 116)، وفيه علي بن يزيد وفيه كلام.

(3)

سورة البقرة، الآية:245.

(4)

ينظر: الشرح الكبير للشيخ الدردير وحاشية الدسوقي (1/ 430) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (3/ 3)

(5)

تفسير الثعلبى (2/ 205 - 206)، والتفسير البسيط (4/ 311 - 313).

ص: 418

فالقرض اسم لكل ما يعطيه الإنسان ليجازي عليه

(1)

وقال: أهل الإشارة أمر الله تعالى بالصدقة على لفظ القرض إظهارا لمحبته لعباده المؤمنين وذلك أنه لا يستقرض إلا من الأحبة ولذلك قال يحي بن معاذ الرازي عجبت لمن يبقى له مال ورب العزة يستقرضه وقال: بعضهم هذا ترغيب

(2)

قال: أهل التفسير

(3)

كما نزل قوله تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}

(4)

قال أبو الدحداح

(5)

فداك أبي وأمي يا رسول الله إن الله يستقرضنا وهو غني عن القرض قال: "نعم يريد أن يدخلكم الجنة" قال: فإني أن أقرضت ربي قرضا تضمن لي به الجنة قال: "نعم من تصدق بصدقة فله مثلها في الجنة" قال: وزوجتي أم الدحداح معي قال: "نعم" قال نأولني يدك فناوله رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فقال إن لي حديقتين إحداهما بالسالفة والأخرى بالعالية والله لا أملك غيرهما وجعلتهما قرضا لله عز وجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "اجعل إحداهما لله عز وجل والأخرى معيشة لك ولعيالك" قال: فأشهدك يا رسول

(1)

تفسير البغوي (1/ 294).

(2)

تفسير الثعلبى (2/ 206).

(3)

ينظر: تفسير الطبري (5/ 282) تفسير التستري (ص: 161) تفسير ابن أبي حاتم - محققا (2/ 460).

(4)

سورة الحديد، الآية:11.

(5)

أخرجه أحمد (12482) وعبد بن حميد (1334) وابن حبان (7159)، والحاكم 2/ 20، وعنه البيهقي في الشعب (3451) وأصله من حديث جابر بن سمرة عند مسلم (965).

ص: 419

الله أني قد جعلت خيرهما لله تعالى وهو حائط فيه ستمائة نخلة قال: "إذا يجزيك الله به الجنة" قال: فانطلق أبو الدحداح حتى أتى أم الدحداح وهي مع صبيانها في الحديقة تدور تحت النخل فأنشا يقول:

هَدَاكِ رَبِّي سُبُلَ الرَّشَادِ

إِلَى سَبِيلِ الْخَيْرِ وَالسَّدَادِ

بينِي مِنَ الْحَائِطِ بِالْوِدَادِ

فَقَدْ مَضَى قَرْضًا إِلَى التَّنَادِّ

أَقْرَضْتُهُ اللهَ عَلَى اعْتِمَادِي

بِالطَّوْعِ لَا مَنٍّ وَلَا ارْتِدَادٍ

إِلَّا رَجَاءَ الضِّعْفِ فِي الْمَعَادِ

فَارْتَحِلِي بِالنَّفْسِ وَالْأَوْلَادِ

وَالْبِرُّ لَا شَكَّ فَخَيْرُ زَادِ

قَدَّمَهُ الْمَرْءُ إِلَى الْمَعَادِ

قالت أم الدحداح: ربح بيعك بارك الله لها فيما اشتريت وأجابته أم الدحداح وأنشأت تقول:

بَشَّرَكَ اللهُ بِخَيْرٍ وَفَرَحْ

مِثْلُكَ أَدَّى مَا لَدَيْهِ وَنَصَحْ

أزلك الحظ إذا الحظ وضح

قَدْ مَتَّعَ اللهُ عِيَالِي وَمَنَحْ

بِالْعَجْوَةِ السَّوْدَاءِ وَالزَّهْوِ الْبَلَحْ

. . . . . . . . . .

وَالْعَبْدُ يَسْعَى وَلَهُ مَا قَدْ كَدَحْ

طُولَ الليالي وعليه ما اجترح

ثم أقبلت أم الدحداح على صبيانها تخرج ما في أفواههم وتنفض ما في أكمامهم حتى أفضت إلى الحائط الآخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كم من عذق دواح ودار فياح في الجنة لأبي الدحداح"

(1)

دواح العظيم الشديد العلو وكل شجرة عظيمة دوحة ومنه حديث الرؤيا فأتينا على دوحة عظيمة أي

(1)

تفسير الثعلبى (2/ 207 - 208)، وتفسير القرطبي (3/ 238 - 239).

ص: 420

شجرة

(1)

، والعذق بالفتح النخلة بحملها والعذق بالكسر الكناسة

(2)

وهي العرجون بما فيه من الشماريخ ويجمع على عذاق

(3)

والرداح المرأة الثقيلة الأوراك وكتِيبَةٌ رَداحٌ: ثقيلةُ السير والجمع ردح

(4)

.

وقوله: ودار فياح ودار فيحاء أي واسعة وبحر أفيح بين الفيح وفياح أيضًا بالتشديد قال: الأصمعي أنه لجواد فياح وفياض بمعنى وفاحت الغارة اتسعت وفياح مثل قطام اسم للغارة وكانوا يقولون: فِيحي فَياحِ، أي اتَّسعي

(5)

والله أعلم.

قوله: قيل يا رسول الله أي الصدقة أفضل قال "سر إلى فقير أو جهد من مقل" وتقدم أن الجهد من المقل الصدقة.

1320 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاثَة يُحِبهُمْ الله وَثَلَاثَة يبغضهم الله فَأَما الَّذين يُحِبهُمْ فَرجل أَتَى قوما فَسَأَلَهُمْ بِالله وَلم يسألهم بِقرَابَة بَينهم وَبَينه فمنعوه فَتخلف رجل بأعقابهم فَأعْطَاهُ سرا لَا يعلم بعطيته إِلَّا الله وَالَّذِي أعطَاهُ وَقوم سَارُوا ليلتهم حَتَّى إِذا كَانَ النّوم أحب إِلَيْهِم مِمَّا يعدل بِهِ فوضعوا رؤوسهم فَقَامَ يتملقني وَيَتْلُو آياتي وَرجل كَانَ فِي سَرِيَّة فلقي الْعَدو فهزموا فَأقبل بصدره حَتَّى يقتل أَو يفتح لَهُ وَالثَّلَاثَة الَّذين يبغضهم الله الشَّيْخ

(1)

النهاية (2/ 138).

(2)

الصحاح (4/ 1522).

(3)

النهاية (3/ 199).

(4)

كتاب الأفعال (2/ 6 - 7)، والصحاح (1/ 365).

(5)

الصحاح (1/ 393).

ص: 421

الزَّانِي وَالْفَقِير المختال والغني الظلوم رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهما إِلَا أَن ابْن خُزَيْمَة لم يقل فمنعوه وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ ذكره فِي بَاب كَلَام الْحور الْعين وَصَححهُ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه إِلَّا أَنه قَالَ فِي آخِره وَيبغض الشَّيْخ الزَّانِي والبخيل والمتكبر وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد

(1)

.

قوله: وعن أبي ذر تقدم الكلام على أبي ذر.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله فأما الذين يحبهم الله فرجل أتى قوما فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينهم وبينه فمنعوه" يعني يقول السائل أسألكم فأعطوني بالله ولم يقل أعطوني بحق قرابتي بيني وبينكم يعني (إذا سأل بالله) وجب إجابته تعظيما لاسم الله تعالى فإذا منعوه فقد اجترموا جرما عظيما وإذا أعطاه واحد سرا فله فضيلتان إحدهما [أنه عظم اسم] الله تعالى والثانية أنه تصدق سرا [، وصدقة السر لها فضيلة]

(2)

.

وقوله "وَقَوْمٌ سَارُوا لَيْلَتَهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ النَّوْمُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِمَّا يُعْدَلُ بِهِ نَزَلُوا فَوَضَعُوا رُءُوسَهُمْ فَقَامَ يَتَمَلَّقُنِي وَيَتْلُو آيَاتِي" والتملق معناه التضرع

(3)

.

(وقوله)"حتى إذا كان النوم أحب إليهم مما يعدل به" أي مما يقابل يعني غلب عليهم النوم حتى إذا صار النوم أحب إليهم من كل ما يعطونه في مقابلة

(1)

النسائي (5/ 84)، وفي الكبرى (1223)، والترمذي (2568)، وأحمد (21355) وابن حبان (3350)، والحاكم (1/ 416)، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2610).

(2)

المفاتيح (2/ 544).

(3)

المفاتيح (2/ 545)، وشرح المشكاة (5/ 1557).

ص: 422

النوم فقام سرا أي نزل القوم المسئول [عنهم خلفه، وتقدم] فأعطاه ولم يطلع القوم على إعطائه ا. هـ.

"ورجل كان في سرية فلقي القوم العدو فهزموا فأقبل بصدره حتى يقتل أو يفتح له" فهؤلاء الثلاثة انفردوا عن رفقتهم بمعاملة الله سرا بينهم وبينه فأحبهم الله فكذلك من يذكر الله في غفلة الناس أو من يصوم في أيام غفلة الناس عن الصيام وفي إحياء الوقت المغفول عنه بالطاعة فوائد كثيرة منها أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وأسرارها أفضل لا سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه ولهذا قيل أنه ليس فيه رياء ومنها أنه أشق على النفوس وأفضل الأعمال أشقها على النفوس وسبب ذلك أن النفوس تتأسى بما تشاهده من أحوال أبناء الجنس فإذا كثرت يقظة الناس وطاعاتهم كثر أهل الطاعة لكثرة المقتدين بهم فسهلت الطاعة وإذا كثرت الغفلات وأهله تأسى بهم عموم الناس فيشق على نفوس المستيقظين طاعاتهم لقلة من يقتدون بهم فيها ولهذا المعنى قال: النبي صلى الله عليه وسلم "للعامل منهم أجر خمسين منكم أنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون"

(1)

قال عليه السلام "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء"

(2)

وفي رواية قيل ومن الغرباء قال: "الذين يصلحوا إذا فسد الناس"

(3)

ومنها أن المنفرد بالطاعة بين أهل

(1)

ينظر: تخريج أحاديث إحياء علوم الدين (3/ 1348).

(2)

صحيح مسلم (145).

(3)

أخرجه أحمد (16690) ابن الأثير في أسد الغابة 3/ 457.

ص: 423

المعاصي والغفلة قد يدفع به البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم ويدافع عنهم والآثار في هذا المعنى كثيرة جدا

(1)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "والثلاثة الذين يبغضهم الله الشيخ الزاني والفقير المختال والغني الظلوم" المختال هو المتعاظم في نفسه المتكبر

(2)

والله أعلم.

(1)

لطائف المعارف (ص 131 - 132).

(2)

لطائف المعارف (ص 284).

ص: 424