الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا
1354 -
عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من يَوْم يصبح الْعباد فِيهِ إِلَّا ملكان ينزلان فَيَقُول أَحدهمَا اللَّهُمَّ أعْط منفقا خلفا وَيَقُول الآخر اللَّهُمَّ أعْط ممسكا تلفا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(1)
.
وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَلَفظه إِن ملكا بِبَاب من أَبْوَاب الْجنَّة يَقُول من يقْرض الْيَوْم يجز غَدا وَملك بِبَاب آخر يَقُول اللَّهُمَّ أعْط منفقا خلفا وَأعْطِ ممسكا تلفا
(2)
.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ مثل ابْن حبَان إِلَّا أَنه قَالَ بِبَاب من أَبْوَاب السَّمَاء
(3)
.
1355 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قَالَ الله تَعَالَى يَا عَبدِي أنْفق أنْفق عَلَيْك وَقَالَ يَد الله ملأى لا يغيضها نَفَقَة سحاء اللَّيْل وَالنَّهَار أَرَأَيْتُم مَا أنْفق مُنْذُ خلق السَّمَوَات وَالْأَرْض فَإِنَّهُ لم يغض مَا بِيَدِهِ وَكَانَ عَرْشه على المَاء وَبِيَدِهِ الْمِيزَان يخْفض وَيرْفَع رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(4)
.
لَا يغيضها بِفَتْح أَوله أَي لَا ينقصها.
(1)
البخاري (1442)، ومسلم (1010).
(2)
ابن حبان (3333)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (905).
(3)
الطبراني في الأوسط (8935).
(4)
البخاري (4684)، ومسلم (993).
قوله: عن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا وملكان ينزلان من السماء فيقول أحدهما اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكا تلفا".
قوله: خلفًا: أي عوضا يقال أخلف الله عليك بخير وأخلف عليك خيرا أي أبدلك مما ذهب منك وعوضا عنه وأما أعط الثاني فهو مشارك للأول إذ التلف لا يعطي قاله ابن الأثير وغيره
(1)
قال: العلماء وهذا في الإنفاق في الطاعات ومكارم الأخلاق وعلى العيال والضيفان والصدقات ونحو ذلك بحيث لا يذم ولا يسمي سرفا والإمساك المذموم هو الإمساك عن هذا
(2)
انتهى.
وهو موافق في المعنى لقوله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}
(3)
الآية وهذا يعم الواجبات والمندوبات [وقول الملك: "اللهم أعط ممسكا تلفا"؛ يعني: الممسك عن النفقات الواجبات، وأما الممسك عن المندوبات] فقد لا يستحق هذا الدعاء اللهم إلا أن يغلب عليه البخل بها وإن قلت في أنفسها كاللقمة واللحمة وما شاكل هذا فهذا قد يتناوله هذا الدعاء لأنه إنما يكون كذلك لغلبة صفة البخل المذمومة عليه وقل ما يكون كذلك إلا ويبخل بكثير من الواجبات ولا يطيب نفسا بها
(4)
وأسند الترمذي الحكيم، عن الزبير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتدرون ماذا قال:
(1)
النهاية (2/ 66) وشرح المشكاة (5/ 1523)، والكواكب الدراري (7/ 205).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 95).
(3)
سورة سبأ، الآية:39.
(4)
المفهم (9/ 24/ 25).
ربكم" قلت الله ورسوله أعلم قال: "قال ربكم حين استوى على عرشه، ونظر إلى خلقه: عبادي! أنتم خلقي، وأنا ربكم، أرزاقكم بيدي، فلا تتعبوا فيما تكفلت لكم، فاطلبوا مني أرزاقكم، وإلي فارفعوا حوائجكم، انصبوا إلي أنفسكم، أصب أرزاقكم، أتدرون ماذا قال ربكم؟ قال الله تبارك وتعالى: عبدي! أنفق أنفق عليك، وأوسع أوسع عليك، ولا تضيق فأضيق عليك، ولا تصر، فأصر عليك، ولا تخزن، فأخزن عليك، إن باب الرزق مفتوح من فوق سبع سماوات، متواصل إلى العرش، لا يغلق ليلًا ولا نهارًا، ينزل الله منه الرزق على كل امرئ بقدر نيته، وعطيته، وصدقته، ونفقته، فمن أكثر، أكثر له، ومن أقل، أقل له، ومن أمسك، أمسك عليه، يا زبير! فكل وأطعم، ولا توك فيوكى عليك، ولا تحص فيحصى عليك، ولا تقتر فيقتر عليك، ولا تعسر فيعسر عليك، يا زبير! إن الله يحب الإنفاق، ويبغض الإقتار، وإن السخاء من اليقين، والبخل من الشك، فلا يدخل النار من أيقن، ولا يدخل الجنة من شك، يا زبير! إن الله يحب السخاء ولو بفلق تمرة، والشجاعة ولو بقتل عقرب أو حية، يا زبير! إن الله يحب الصبر عند زلزلة الزلازل، واليقين النافذ عند مجيء الشهوات، والعقل الكامل عند نزول الشبهات، والورع الصادق عند الحرام والخبيثات، يا زبير! عظم الأخوان، وجلل الأبرار، ووقر الأخيار، وصل الجار، ولا تماش من الفجار والأشرار، وادخل الجنة بغير حساب ولا عذاب، هذه وصية الله إلي، ووصيتي إليك يا زبير بن العوام"
(1)
.
(1)
أخرجه الحكيم الترمذي (684) قال: حدثنا عمر بن أبي عمر العبدي، قال: حدثنا عبد الرحمن بن سلام الجمحي، عن عيسى بن يونس، عن وائل بن داود، عن النخعي، عن =
وعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: للزبير "يا زبير، إن مفاتيح الرزق بإزاء العرش، ينزل الله للعباد أرزاقهم على قدر نفقاتهم، فمن كثر كثر له، ومن قلل قلل له"
(1)
.
فائدة: وفي كتاب الأربعين
(2)
على مذهب المحققين من الصوفية للحافظ أبي مسعود سليمان بن إبراهيم بن محمد بن سليمان الأصبهاني بإسناده إلى عمران بن حصين قال قَالَ: أَخَذَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بِطَرَفِ عِمَامَتِي مِنْ وَرَائِي فَقَالَ: "يَا عِمْرَانُ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْإِنْفَاقَ، وَيُبْغِضُ الْإِقْتَارَ، فَأَنْفَقْ وَأَطْعِمْ، وَلَا تُصِرُّ صَرًّا فَيَعْسُرَ عَلَيْكَ الطَّلَبُ، وَاعْلَمْ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُحِبُّ النَّظَرَ النَّاقِدَ عِنْدَ مَجِيءِ الشُّبُهَاتِ، وَالْعَقْلَ الْكَامِلَ عِنْدَ نُزُولِ الشَّهَوَاتِ، وَيُحِبُّ السَّمَاحَةَ وَلَوْ عَلَى تَمَرَاتٍ، وَيُحِبُّ الشَّجَاعَةَ وَلَوْ عَلَى قَتْلِ حَيَّةٍ"
(3)
قاله في حياة الحيوان
(4)
.
قوله: وعنه تقدم الكلام عليه.
= الزبير بن العوام، وفيه شيخه عمر بن أبي عمر البلخى وهاه ابن حجر كما في الفتح (12/ 370 رقم 6982). وإبراهيم النخعى لم يدرك الزبير بن العوام.
(1)
أخرجه الديلمي كما في الغرائب الملتقطة (3385)، والسلفى في المشيخة البغدادية (28). وقال الألباني: موضوع الضعيفة (3241).
(2)
الأربعون للسلمى (25) وانظر تخريجه في التعليق التالى.
(3)
أخرجه أبو بكر النجاد (18)، وابن جميع في المعجم (ص 88 - 89)، والسلمى في الأربعون (25)، وأبو نعيم في الحلية (6/ 199)، وأبو منصور الأصفهانى في جزئه (20)، والقضاعى في مسند الشهاب (1080 و 1081) والأصبهانى في الترغيب (411). وفيه عمر بن حفص العبدى متروك.
(4)
حياة الحيوان (1/ 399).
قوله: صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}
(1)
فيتضمن الحث على الإنفاق والتبشير بالخلف من فضل الله عز وجل.
قوله: صلى الله عليه وسلم "يد الله ملآى" ملآى بفتح الميم وإسكان اللام بعدها همزة مفتوحة تأنيث ملآن قال: القرطبي
(2)
في شرح مسلم كذا صحت الرواية ورواه بعضهم ملا مثل دعا حكاه القاضي عياض
(3)
قال: وقيل يصح هذا على نقل الهمزة وفي رواية لمسلم ملآن بزيادة نون وقالوا إنها غلط من ابن نمير راويها وإن الصواب ملآى كما في سائر الروايات
(4)
لأن اليمين مؤنثة وملآى هو كناية عن كرمه سبحانه وتعالى وسعة فضله وهذه استعارة وحمل هذه على الاستعارة عادة التخاطب وحصول التعاظم وكل ما أطلق على الله تعالى مما يدل على الجوارح والأعضاء كلها عين والأيدي والجنب والأصبع فهي كلها مؤولة في حقه سبحانه وتعالى لاستحالة حملها على ظواهرها
(5)
وقال المازري
(6)
: إطلاق اليدين على الله تعالى متأول على القدرة وكنى عن ذلك باليدين لأن أفعالنا تقع باليدين فخوطبنا بما نفهمه ليكون أوضح وآكد في النفوس وذكر اليمين والشمال حتى يتمم
(1)
سورة سبأ، الآية:39.
(2)
المفهم (9/ 6).
(3)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 509)
(4)
شرح النووي على مسلم (7/ 79).
(5)
المفهم (9/ 7).
(6)
المعلم (2/ 18 - 19).
المثال لأنا نتناول باليمين ما نكرمه بالشمال ما دونه ولأن اليمين في حقنا يقوى لما لا يقوى له الشمال
(1)
فنحن نؤمن بالله تعالى وصفاته ولا نشبه شيئا به ولا نشبهه بشيء: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(2)
وما قاله
(1)
أجمع السلف على إثبات صفة اليد لله تعالى على ما يليق بجلاله سبحانه قال تعالى: {بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ} وقال: {مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} وقال: {وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} وقال: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} . ومن الأحاديث: ففي الصحيح في حديث احتجاج آدم وموسى أن موسى يقول له: (أنت آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، فقال له آدم: أنت موسى الذي اصطفاك الله بكلامه وخط لك التوراة بيده) وهذه كلها أدلة تثبت لله جل في علاه يدًا حقيقية لا تشبه يد المخلوق، وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم:"إِنَّ اللهَ عز وجل يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا" رواه مسلم (2759). وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة: ". . . فيأتونه فيقولون: يا آدم! أنت أبو البشر؛ خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه" رواه: البخاري (3340)، ومسلم (194).
وقال الإمام أبو حنيفة: وله يد ووجه ونفس كما ذكره الله تعالى في القرآن، فما ذكره الله تعالى في القرآن، من ذكر الوجه واليد والنفس فهو له صفات بلا كيف، ولا يقال: إن يده قدرته أو نعمته؛ لأن فيه إبطالَ الصفة، وهو قول أهل القدر والاعتزال. . . [الفقه الأكبر ص 302] والقول بأن يد الله ليست كأيدينا دل عليه الوحي أيضًا، قال تعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] إذن نثبت صفة اليد لله تعالى حقيقة على ما يليق بجلاله دون تشبيه ولا تمثيل لها بيد المخلوقين، ودون تحريف لها ولا تعطيل، فكما أن له تعالى ذاتًا حقيقة لا تشبه ذوات العباد، فصفاته لا تشبه صفاتهم، وقد وردت نصوص أخرى كثيرة تؤيد هذه النصوص في إثبات صفة اليد لله مفردة ومثناة ومجموعة، فيجب الإيمان بها على الحقيقة.
(2)
سورة الشورى، الآية:11.
رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو حق وصدق فما أدركنا علمه فبفضل الله وما خفي علينا ءامنا به ووكلنا علمه إلى الله سبحانه وتعالى وحملنا لفظه على ما احتمل في لسان العرب الذي خوطبنا به وبالله التوفيق.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يغيضها نفقة" قال الحافظ
(1)
رحمه الله تعالى: لا يغيضها بفتح أوله أي لا ينقصها ا. هـ، وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي:
(2)
تقديره لا ينقصها شيء يقال: غاض الشيء إذا نقص وغضته أنا
(3)
ومنه قوله تعالى: {وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ}
(4)
أي تنقص ومنه أيضًا قوله تعالى: {وَغِيضَ الْمَاءُ}
(5)
أي ذهب وإنما خاطبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يفهمونه وأراد الإخبار بأن الله تعالى لا ينقصه الإنفاق ولا يمسك خشية الإملاق جل الله تعالى عن ذلك
(6)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "سحاء الليل والنهار" بفتح السين والحاء المهملتين وتشديد الحاء ممدود مهموز مرفوع على أنه خبر بعد خبر قال قاضى القضاة محدث الإسلام ولى الدين العراقى
(7)
كذا ضبطناه عن شيخنا والدي رحمه الله
(1)
يعني المنذري في الترغيب (2/ 25) وينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
(2)
ينظر: المفهم (9/ 7).
(3)
النهاية (3/ 401).
(4)
سورة الرعد، الآية:8.
(5)
سورة هود، الآية:44.
(6)
إكمال المعلم (3/ 509).
(7)
طرح التثريب (4/ 69).
وضبطه القاضي عياض
(1)
عن أبي بحر سحا بالتنوين على المصدر ونقله في المشارق وعن جميع شيوخهم إلى الصدفي وابن عيسى وذكر النووي
(2)
أنه الأصح الأشهر وعلى كل حال فقوله: الليل والنهار منصوبان على الظرف متعلقان [بما في] سحاء من معنى الفعل وهي الرواية المشهورة
(3)
ومنه حديث أبي بكر أنه قال: "لأسامة حين أنفذ جيشه إلى الشام أغر عليهم غارة سحا إلى أي تسح عليهم البلاء دفعة من غير تلبث فالسح الصب والسيلان كأنها لامتلائها بالعطاء تسيل أبدا في الليل والنهار"
(4)
، قال النووي
(5)
: ضبطناه بوجهين بنصب الليل والنهار ورفعهما النصب على الظرف والرفع على أنه فاعل ووقع عند الطبري
(6)
في حديث عبد الرزاق لا يغيضها سح الليل والنهار برفع سح على أنه فاعل يغيضها [وخفض الليل والنهار بالإضافة على التوسع، كما قالوا: يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدار]
(7)
ويقال سح يسح سحا فهو ساح وسحاء أي دائمة الصب والهطل بالعطاء وهو كناية عن كثرة العطاء والفضل
(8)
مأخوذ من قولهم سح الماء سحا إذا سال من فوق
(1)
ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).
(2)
ينظر: تهذيب الأسماء واللغات (3/ 111).
(3)
المفهم (9/ 7).
(4)
النهاية (2/ 345 - 346)، والكواكب الدراري (17/ 155) و (25/ 124).
(5)
ينظر: شرح النووي على مسلم (7/ 80 - 81).
(6)
سبق تخريجه.
(7)
المفهم (9/ 8).
(8)
النهاية (2/ 345).
ولم يرد أسح ومثله ديمة هطلاء ولم يردا أهطل وعبر صلى الله عليه وسلم عن توالي النعم بسح اليمين لأن الباذل منا يفعل ذلك بيمينه قال: القاضي عياض قال: المازري ويحتمل أنه يريد بذلك أن قدرة الله سبحانه وتعالى على الأشياء على وجه واحد لا تختلف ضعفا وقوة وإن المقدورات تقع بها على جهة واحدة ولا تختلف قوة وضعفا كما تختلف أفعالنا باليمين والشمال تعالى الله عن صفات المخلوقين ومشابهة المحدثين
(1)
انتهى.
وفي رواية يمين الله ملاء واليمين هنا كناية عن محل عطاءه ووصفها بالإمتلاء لكثرة منافعها وخص اليمين بذلك لأنها في الأكثر مظنة العطاء على طريق المجاز والإتساع
(2)
وما أتم هذه البلاغة وأحسن هذه الاستعارة فلقد نبه صلى الله عليه وسلم بما ذكر من حيث الاشتقاق على معان دقيقة وذلك أنه وصف يد الله تعالى اليمين لأنها مظنة العطاء ثم أشار صلى الله عليه وسلم إلى أنها هي المعطية عن ظهر غنى لأن الماء إذا أنصب من فوق أنصب بسهولة ثم أشار صلى الله عليه وسلم إلى جزالة عطايها وغزارتها لأن السح يستعمل فيما ارتفع عن القطر وبلغ حد السيلان وأشار صلى الله عليه وسلم أيضًا إلى أنه لا مانع لعطائه لأن الماء إذا أخذ في الانصباب لم يستطع أحد أن يرده ثم وصف السح بالدوام تنبيها على أنه لا انقطاع لمادة عطائه سبحانه وتعالى
(3)
ا. هـ.
(1)
إكمال المعلم (3/ 510)، وطرح التثريب (4/ 68).
(2)
النهاية (2/ 345 - 346)، وطرح التثريب (4/ 68).
(3)
الميسر (1/ 58).
قوله صلى الله عليه وسلم: "أرأيتم ما أنفق منذ خلق السموات والأرض فإنه لم يغض ما بيده وكان عرشه على الماء" أي كان سريره خلق قبل خلق السموات والأرض وارتفاعه فوق الماء فالعرش في أصل اللغة السرير والعرش المضاف إليه سبحانه وتعالى عبارة عن موجود عظيم هو أعظم المخلوقات خلقه الله تعالى على الماء فاستوى عليه بمعنى أنه سخره كيف شاء ا. هـ
فهذا كالدليل والشاهد لما قدمه من أن يمينه سبحانه وتعالى لا يغيضها نفقة ولما ذكر خلق السموات والأرض استشعر الخاطر ما قبل ذلك فذكر أن الله تعالى كان عرشه قبل خلق السموات والأرض على الماء،
وفي ذلك دليل على أن خلق العرش والماء كان قبل خلق الأرض والسموات، وفي صحيح البخاري
(1)
من حديث عمران بن حصين فذكر الحديث إلى أن قال فقال عليه الصلاة والسلام "كان الله عز وجل ولم يكن شيء قبله وكان عرشه على الماء ثم خلق السموات والأرض" وقد أجمع علماء الإسلام على أن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام واختلفوا في هذه الأيام أهي كأيامنا هذه أو كل يوم كألف سنة مما تعدون على قولين
(2)
واختلفوا هل كان قبل السموات والأرض مخلوق قبلهما فذهب طوائف من المتكلمين إلى أنه لم يكن قبلهما شيء وإنما خلق من العدم المحض وقال آخرون: بل كان قبل خلق السموات والأرض
(1)
سبق تخريجه.
(2)
البداية والنهاية (1/ 8).
مخلوقات أخر لقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(1)
الآية. [فقال قائلون]: خلق القلم قبل هذه الأشياء [كلها، وهذا هو اختيار] ابن جرير وابن الجوزي وغيرهما، قال: ابن جرير
(2)
وبعد القلم السحاب الرقيق وبعده [العرش] واحتجوا بالحديث الذي رواه أبو داود والترمذي
(3)
عن عبادة بن الصامت موقوفًا: [إن أول ما خلق الله القلم. ثم قال له اكتب، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة]
(4)
قال: الترمذي حديث حسن صحيح غريب والذي عليه الجمهور فيما نقله أبو العلاء وغيره أن العرش مخلوق قبل ذلك وهذا هو الذي رواه ابن جرير من طريق الضحاك من طريق ابن عباس كما دل عليه الحديث الذي رواه مسلم
(5)
عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول "كتب الله تعالى الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة قال: وعرشه على الماء" فدل هذا على أن ذلك بعد خلق العرش فثبت تقدم العرش على القلم الذي كتب به المقادير كما دل على ذلك الجماهير ويحمل حديث القلم على أنه أول المخلوقات قال: ابن جرير
(1)
سورة هود، الآية:7.
(2)
تاريخ الطبري (1/ 32).
(3)
أبو داود (4700) والترمذي (2155) و (3319).
(4)
بياض بالأصل تممنا من السنن للترمذي.
(5)
صحيح مسلم (2653).
وقد قيل أن الله تعالى خلق بعد القلم الكرسي ثم خلق بعد الكرسي العرش ثم بعد ذلك خلق الماء فوضع عرشه على الماء
(1)
ا. هـ قاله في الديباجة.
وعن كعب الأحبار قال: خلق الله ياقوتة خضراء فنظر إليها بالهيبة فصارت ماء يرتعد من مخافة الله فلذلك يرتعد الماء إلى الآن وإن كان ساكنا ثم خلق الريح فجعل الماء على متنها ثم وضع العرش على الماء وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه سئل عن قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(2)
على أي شيء كان الماء قال: على متن الريح
(3)
ا. هـ والمتن الظهر وفيه إشارة إلى أن العرش كان مخلوقا قبل خلق السموات والأرض ولم يكن تحت العرش قبل خلق السموات والأرض إلا الماء والله سبحانه وتعالى ممسكه بقدرته
(4)
وقال: أبو بكر الأصم {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(5)
كقولهم السماء على الأرض وليس ذلك على سبيل كون أحدهما
(1)
انظر تاريخ الطبري (1/ 32 - 39)، والبداية والنهاية (1/ 8 - 9)، والإعلام بفوائد عمدة الأحكام (1/ 100 - 101).
(2)
سورة هود، الآية:7.
(3)
تفسير القرطبي (9/ 8)، والمفهم (9/ 8). وقول ابن عباس أخرجه عبد الرزاق في التفسير (1185)، والطبري في التاريخ (1/ 40) والتفسير (12/ 333 - 334)، وابن أبي حاتم في التفسير (10697)، والحاكم في المستدرك 2/ 341، وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.
(4)
الميسر (4/ 1231) وشرح المشكاة (11/ 3600).
(5)
سورة هود، الآية:7.
ملتصقا بالآخر
(1)
وفيه دلالة على كمال قدرته سبحانه وتعالى لأن العرش مع كونه أعظم من السموات والأرض كان على الماء فلولا أنه تعالى ممسك ذلك بغير عمد لما استقام
(2)
.
لطيفة: قال: ابن عباس في قوله تعالى: {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(3)
قال: كان يصعد [بخار] من الماء إلى السماء فاستصبر فعاد صبيرا فذلك قوله تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ}
(4)
(5)
الصبير سحاب أبيض متراكب متكاثف يعني تكاثف البخار وتراكم فصار سحابا قاله في النهاية
(6)
ا. هـ.
وحكى أبو جعفر الطبري في تاريخه
(7)
عن ابن عباس إن أول ما خلق الله العرش فاستوى عليه وحكى أيضًا عن ابن عباس أنه قال: أول ما خلق الله الماء قبل العرش ثم وضع العرش عليه وذكر أيضًا عن وهب بن منبه قال: كان العرش قبل أن يخلق الله السموات والأرض على الماء فلما أراد الله تعالى أن يخلق السموات والأرض قبض من صفاء الماء قبضة ثم فتح
(1)
تفسير الرازي (17/ 319).
(2)
تفسير الرازي (17/ 319)، واللباب (10/ 440).
(3)
سورة هود، الآية:7.
(4)
سورة فصلت، الآية:11.
(5)
أخرجه عبد الرزاق (9089).
(6)
النهاية (3/ 8).
(7)
تاريخ الطبري (1/ 39).
القبضة فارتفعت دخانا فخلق منه السموات وقال الطبري
(1)
: أيضًا وأولى القولين عندي بالصواب قول من قال: أن الله تعالى خلق الماء قبل العرش لصحة الحديث الذي رواه أبو رزين العقيلى
(2)
والله أعلم وقال ابن عباس: "كان العرش على الماء وكان الماء على الريح"
(3)
.
لطيفة: في رواية مقاتل بن سليمان جعل الله جل جلاله العرش أربعة أركان وجعل بين كل ركن وركن وجوها لا يعلم عددها إلا الله سبحانه أكثر من نجوم السماء وتراب الأرض وورق الشجر وليس لطول العرش ولا لعرضه منتهى يعلمه أحد إلا الله جل جلاله وتحت العرش الماء الذي قال الله تعالى فيه {وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ}
(4)
وهو بحر عظيم لا يعلم مقدار عظمته إلا الله تعالى والكرسي تحت العرش وهو قدر سبع سموات والأرض كما أخبر الله تعالى عنه في كتابه العزيز وسع كرسيه السموات والأرض ا. هـ.
سؤال: إن قيل لم خلق الله العرش بعد أن لا حاجة له إليه قيل لوجوه: أحدها جعله موضع خدمة ملائكته لقوله تعالى: {وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ
(1)
تاريخ الطبري (1/ 40).
(2)
أخرجه أحمد 4/ 11 (16188) و 4/ 12 (16200)، وابن ماجه (182)، والترمذي (3109). وقال الترمذي: وهذا حديث حسن. وضعفه الألباني في الظلال (612)، مختصر العلو (193 و 250)، والضعيفة (5320)، والمشكاة (5725).
(3)
أورده ابن عطية في المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز (3/ 152) وقول ابن عباس سبق تخريجه.
(4)
سورة هود، الآية:7.
مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ}
(1)
، الثاني: أراد إظهار قدرته وعظمته كما قال مقاتل السماء والأرض في عظم الكرسي كحلقة في فلاة والكرسي مع السماء والأرض في عظم العرش كحلقة في فلاة وكلها في جنب عظمة الله كذرة في جنب الدنيا فخلقه لذلك ليعلم أن خالقه أعظم منه، والثالث خلق العرش إشارة لعباده لطريق دعوته ليدعونه من الفوق لقوله تعالى:{يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ}
(2)
والرابع خلقه لإظهار شرف محمد صلى الله عليه وسلم وهو قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا}
(3)
وهو مقامه تحت العرش، والخامس خلقه معدن كتاب الأبرار لقوله تعالى:{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ (18)}
(4)
السادس قيل هو مرآة الملائكة يرون الآدميين وأحوالهم كي يشهدوا عليهم في القيامة السابع العرش أعلا العالم وليس مكان أعلا منه ولا أظهر ولذلك فالإستواء عليه والإستواء الإستيلاء عند قوم فمن استولى على أعظم المخلوقات فقد استولى على ما دونه والله أعلم
(5)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وبيده الميزان يخفض ويرفع" الحديث، قال: الخطابي:
(1)
سورة الزمر، الآية:75.
(2)
سورة النحل، الآية:50.
(3)
سورة الإسراء، الآية:79.
(4)
سورة المطففين، الآية:18.
(5)
كشف الأسرار (لوحة 9)، وكنز الدرر (1/ 66). تفسير الاستواء بمعنى الاستيلاء هو تأويل الجهمية والمعتزلة وقد أنكره أئمة السلف واللغة كابن الأعرابي وغيره وأنكره الإمام أبو الحسن الأشعري في كتاب الإبانة، وغيره.
الميزان هنا مثل وإنما هو قسمته بالعدل بين الخلق يخفض ويرفع أي يوسع الرزق على من يشاء ويقتر كما يصنعه الوزان عند الوزن يرفع مرة ويخفض أخرى
(1)
وفي الحديث أيضًا أن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، والقسط [الميزان، سمي] به من القسط العدل أراد أن الله تعالى يخفض ويرفع ميزان أعمال العباد [المرتفعة إليه، وأرزاقهم النازلة من] عنده كما يرفع الوزان يده ويخفضها [عند الوزن] وهو تمثيل لما [يقدره] الله تعالى [وينزله وقيل: أراد] بالقسط القسم من الرزق الذي يصيب كل مخلوق وخفضه تقليله ورفعه تكثيره قاله في النهاية
(2)
فقد يكون عبارة عن الرزق ومقاديره وقد يكون عبارة عن جملة المقادير وهذا أظهر وقد يكونان عبارة عن تصاريف المقادير بالخلق بالعزة والذل كما قال تعالى: {وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ}
(3)
ذكرهما القاضي عياض والنووي
(4)
ومن أسمائه تعالى الخافض الرافع وفسر الخافض بأنه الذي يخفض الجبارين والفراعنة أي يضعهم ويهينهم ويخفض كل شيء يريد خفضه
(5)
وفسر الرفع بأنه الذي يرفع المؤمنين بالأسعاد وأولياؤه بالتقريب
(6)
ا. هـ
(1)
أعلام الحديث (3/ 1863).
(2)
النهاية (4/ 60).
(3)
سورة آل عمران، الآية:26.
(4)
إكمال المعلم (3/ 511)، وشرح النووي على مسلم (7/ 81).
(5)
النهاية (2/ 53).
(6)
النهاية (2/ 243).
1356 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم: "يَا ابْن آدم إِنَّك إِن تبذل الْفضل خير لَك وَإِن تمسكه شَرّ لَك وَلَا تلام على كفاف وابدأ بِمن تعول وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى" رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ
(1)
.
الكفاف بِفَتْح الْكَاف مَا كف عَن الْحَاجة إِلَى النَّاس مَعَ القناعة لَا يزِيد على قدر الْحَاجة. وَالْفضل: مَا زَاد على قدر الْحَاجة.
قوله: وعن أبي أمامة تقدم الكلام على أبي أمامة.
قوله صلى الله عليه وسلم: "يا ابن آدم إنك أن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفاف" قد فسر الحافظ
(2)
رحمه الله الفضل بما زاد على قدر الحاجة والكفاف: بما كف عن الحاجة إلى الناس مع القناعة لا يزيد على قدر الحاجة ا. هـ.
فقوله: "أن تبذل الفضل خير لك" الحديث هو بفتح الهمزة من أن ومعناه أن بذلك الفاضل عن حاجتك وحاجة عيالك خير لك لبقاء ثوابه لك وإن أمسكته فهو شر لك لأنه إن أمسكه عن الواجب استحق العقاب عليه وإن أمسكه عن المندوب فقد نقص ثوابه وفوت مصلحة نفسه في آخرته وهذا كله شر ومعنى ولا تلام على كفاف أن قدر الحاجة لا لوم على صاحبه وهذا إذا لم يتوجه في الكفاف حق شرعى كمن كان له نصاب زكوي ووجبت الزكاة فيه بشروطها وهو محتاج إلى ذلك النصاب لكفايته وجب عليه إخراج الزكاة
(1)
مسلم (1036)، والترمذي (2343).
(2)
يعني به المنذري كما سبق في أعلى الصفحة وينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
ويحصل كفايته من جهة مباحة
(1)
ا. هـ.
وقال القرطبي: فإمساكه عن الواجبات شر على كل حال بلا شك وإمساكه عن المندوب إليه فقد يقال فيه شر بالنسبة إلى ما فوت الممسك على نفسه من الخير
(2)
. وقال: في حدائق الأولياء
(3)
: في هذا الحديث بيان ما يؤدي إليه إمساك الفضل الذي هو شر لابن ءادم دينا ودنيا وما زاد على المهم ملوم عليه ما يتقرب به سواء تناولته حتى سمنت أو أمسكته وبخلت به على نفسك وغيرك ولا تلام على كفاف فهو الحسنة بين سيئتين الغلو والتقصير.
وروى ابن أبي الدنيا
(4)
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "اللهم من أحبني فارزقه العفاف والكفاف ومن أبغضني فأكثر ماله وولده" ومنه قوله: صلى الله عليه وسلم "اللهم اجعل رزق آل محمد كفافًا"
(5)
. وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى:
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 127).
(2)
المفهم (9/ 50).
(3)
حدائق الأولياء (1/ 538).
(4)
أخرجه ابن أبي الدنيا في القناعة والتعفف (147)، والدينورى في المجالسة (2980)، وابن شاهين في الترغيب في الفضائل (312)، والبيهقي في الشعب (3/ 63 - 64 رقم 1400)، والأصبهانى في الترغيب والترهيب (2350). قال البيهقي: عبد الله بن سعيد غير قوي في الحديث.
(5)
البخاري (6460)، ومسلم (1055).
يَا لَهْفَ قَلْبِي عَلَى شَيْئَيْنِ لَوْ جُمِعَا
…
عِنْدِي لَكُنْتَ إِذَا مِنْ أَسْعَدِ الْبَشَرِ
كَفافُ عَيشٍ يَقيني ذُلَّ مَسألةٍ
…
وخِدمَةُ العِلمِ حتَّى يَنقَضي عُمُري
(1)
وأنشد أبو العتاهية:
تَبْغي مِنَ الدُّنْيا الْكَثيرَ وَإنَّمَا
…
يَكْفيكَ مِنْها مِثْلُ زادِ الرّاكِبِ
لا يُعْجِبَنَّكَ ما تَرى فَكأنَّهُ
…
قَدْ زالَ عَنْكَ زَوالَ أَمْسِ الذّاهِبِ
(2)
1357 -
وَعَن أبي الدَّرْدَاء رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا طلعت شمس قطّ إِلَّا وبجنبيها ملكان يناديان اللَّهُمَّ من أنْفق فأعقبه خلفا وَمن أمسك فأعقبه تلفًا رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْحَاكِم بِنَحْوِهِ وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد
(3)
.
وَالْبَيْهَقِيّ من طَرِيق الْحَاكِم وَلَفظه فِي إِحْدَى رواياته قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم مَا من يَوْم طلعت شمسه إِلَّا وبجنبيها ملكان يناديان نِدَاء يسمعهُ خلق الله كلهم غير الثقلَيْن يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم إِن مَا قل وَكفى خير مِمَّا كثر وألهى وَلَا آبت الشَّمْس إِلَّا وَكَانَ بجنبيها ملكان يناديان نِدَاء يسمعهُ خلق الله كلهم
(1)
محاسن الجزيرة (8/ 524).
(2)
ديوان أبي العتاهية (ص 52 - 53).
(3)
أحمد (21721)، وابن حبان (686)، والحاكم (2/ 445)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 226)، والطيالسي (1072)، وعبد بن حميد (207)، والطبراني في الأوسط (2891)، والقضاعي في مسند الشهاب (810)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (908).
غير الثقلَيْن اللَّهُمَّ أعْط منفقا خلفا وَأعْطِ ممسكا تلفا وَأنزل الله فِي ذَلِك قُرْآنًا فِي قَول الْملكَيْنِ يَا أَيهَا النَّاس هلموا إِلَى ربكُم فِي سُورَة يُونُس: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (25)}
(1)
وَأنزل فِي قَوْلهمَا اللَّهُمَّ أعْط منفقا خلفا وَأعْطِ ممسكًا تلفًا: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى (2) وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (3)}
(2)
إِلَى قَوْله: {لِلْعُسْرَى}
(3)
(4)
.
قوله: وعن أبي الدرداء تقدم الكلام على أبي الدرداء رضي الله عنه.
قوله: و"ابدأ بمن تعول واليد العليا خير من اليد السفلى" تقدم الكلام على ذلك في السؤال وصدقة السر ا. هـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ما طلعت شمس قط إلا وبجنبتيها ملكان يناديان" الجنب بسكون النون وفتحها الناحية.
قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم من أنفق فأعقبه خلفا ومن أمسك فأعقبه تلفا" تقدم الكلام على ذلك في أول الباب.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وكان بجنبتيها ملكان يناديان نداء يسمعه خلق الله كلهم غير الثقلين" والثقلان في اللغة الإنس والجن لأن التكليف عليهما وما سواهما لا
(1)
سورة يونس، الآية:25.
(2)
سورة الليل، الآية: 1 - 3.
(3)
سورة الليل، الآية:10.
(4)
البيهقي في شعب الإيمان (3412)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (908).
وزن له ولا يعبأ به فكأنه لا ثقل له
(1)
وقيل سميا بذلك لتفضيلهما بالعقل والتمييز [قاله عياض
(2)
وقال] غيره وسمي الجن والإنس ثقلين لأنهما فضلا بالتمييز على سائر الحيوان وكل شيء له وزن وقدر يتنافس فيه فهو ثقل
(3)
ا. هـ، وذكر أبو عمرو الزاهد أن أصل الكلمة من النفاسة لا من الثقل، والثقل: بيض النعام لاستوائه ونقائه ويقال لعزيز القوم بيضة البلد ويقال لكل خاطر نفيس ثقل فسماهما ثقلين إعظاما لقدرهما وتفخيما لشأنهما كذا في النهاية وجمل الغرائب
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا أبت الشمس إلا وكان بجنبتيها ملكان يناديان" الحديث.
قوله: "آبت" أي غربت من الأوب وهو الرجوع يقال: آب أي رجع لأن الشمس ترجع بالغروب إلى موضعها الذي طلعت منه ولو استعمل ءابت الشمس إذا طلعت لكان له وجه من حيث أنها رجعت إلى مطلعها لكنه لم يستعمل والله أعلم قاله في النهاية
(5)
.
قوله: فإن ما قل وكفى خير ممن كثر وألهى وروى ابن أبي الدنيا عن عمر أنه كان يقول في دعائه اللهم لا تكثر لي من الدنيا فأطغى ولا تقل لي فيها
(1)
انظر سراج الملوك (ص 160).
(2)
مشارق الأنوار (1/ 134).
(3)
شرح السنة (14/ 118).
(4)
جمل الغرائب (ص 73)، والنهاية (1/ 216).
(5)
النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 79).
فأنسى فإن ما قل وكفى خير ممن كثر وألهى
(1)
ا. هـ.
قوله: صلى الله عليه وسلم عن قول المالكين "اللهم أعط منفقا خلفا وأعط ممسكا تلفا" تقدم.
1358 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول مثل الْبَخِيل والمنفق كَمثل رجلَيْنِ عَلَيْهِمَا جنتان من حَدِيد من ثديهما إِلَى تراقيهما فَأَما الْمُنفق فَلَا ينْفق إِلَّا سبغت أَو وفرت على جلده حَتَّى تخفي بنانه وَتَعْفُو أَثَره وَأما الْبَخِيل فَلَا يُرِيد أَن ينْفق شَيْئا إِلَّا لَزِمت كل حَلقَة مَكَانهَا فَهُوَ يوسعها فَلَا تتسع رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(2)
.
الْجنَّة بِضَم الْجِيم مَا أجن الْمَرْء وستره وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الدرْع وَمعنى الحَدِيث أَن الْمُنفق كلما أنْفق طَالَتْ عَلَيْهِ وسبغت حَتَّى تستر بنان رجلَيْهِ وَيَديه والبخيل كلما أَرَادَ أَن ينْفق لَزِمت كل حَلقَة مَكَانهَا فَهُوَ يوسعها وَلَا تتسع شبه صلى الله عليه وسلم نعم الله تَعَالَى ورزقه بِالْجنَّةِ وَفِي رِوَايَة بالجبة فالمنفق كلما أنْفق اتسعت عَلَيْهِ النعم وسبغت ووفرت حَتَّى تستره سترا كَامِلا شَامِلًا والبخيل كلما أَرَادَ أَن ينْفق مَنعه الشُّح والحرص وَخَوف النَّقْص فَهُوَ بِمَنْعه يطْلب أَن يزِيد مَا عِنْده وَأَن تتسع عَلَيْهِ النعم فَلَا تتسع وَلَا تستر مِنْهُ مَا يروم ستره وَالله سُبْحَانَهُ أعلم.
قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة.
(1)
أخرجه ابن أبي الدنيا في التهجد (40) والقناعة (159).
(2)
البخاري (1443)، ومسلم (1021).
قوله صلى الله عليه وسلم: "مثل البخيل والمنفق كمثل رجلين عليهما جنتان من حديد من ثديهما إلى تراقيهما" الحديث والجنة الستر والدرع وتقدم الكلام على ذلك في الصدقة، وقوله صلى الله عليه وسلم:"فأما المنفق فلا ينفق إلا سبغت عليه ووفرت على جلده حتى تخفى بنانه وتعفو أثرة أي أثر مشية" وسبغت عليه أي امتدت وطالت وإسباغ الوضوء [إكماله] وإتمامه وهو المبالغة فيه
(1)
والبنان بفتح الباء الموحدة الأنامل وتقدم الكلام على هذه الألفاظ مبسوطا وقد تكلم الحافظ على الجنة ومعنى الحديث والله أعلم، وقال: الكرماني
(2)
أيضًا: حاصل الحديث أن الجواد إذا هم بالنفقة اتسع لذلك صدره وطاوعت يداه فامتدت بالعطاء وإن البخيل يضيق وتنقبض يده عن الإنفاق وقيل ضرب المثل بهما لأن المنفق يستره الله بنفقته ويستر عوراته في الدنيا والآخرة كستر هذه الجنة لابسها والبخيل كمن لبس جبة إلى ثديه فيقي مكشوفا ظاهر العورة مفتضحا في الدارين
(3)
قال: ابن بطال يريد أن المنفق إذا أنفق كفرت الصدقة ذنوبه ومحتها كما أن الجنة إذا سبغت عليه سترته [ووقته] والبخيل [لا تطاوعه نفسه على البذل فيبقى غير مكفر عنه الآثام كما أن] الجنة تبقى من بدنه ما لا يستره [فيكون] معرضا للأفات [انتهى] وقال ابن قيم الجوزية ولو لم يكن في [الصدقة] يعني المذكورة في الحديث إلا هذه الفائدة وحدها
(1)
مشارق الأنوار (2/ 205).
(2)
ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (7/ 206) و (8/ 3).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 109).
[لكان العبد حقيقا] بالاستكثار منها والمبادرة إليها
(1)
.
1359 -
وَعَن قيس بن سلع الْأَنْصَارِيّ رضي الله عنه أَن إخْوَته شكوه إِلَى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا إِنَّه يبذر مَاله وينبسط فِيهِ قلت يَا رَسُول الله آخذ نَصِيبي من التمرة فأنفقه فِي سَبِيل الله وعَلى من صحبني فَضرب رَسُول الله صلى الله عليه وسلم صَدره وَقَالَ أنْفق ينْفق الله عَلَيْك ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا كَانَ بعد ذَلِك خرجت فِي سَبِيل الله وَمَعِي رَاحِلَة وَأَنا أَكثر أهل بَيْتِي الْيَوْم وأيسره رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَقَالَ تفرد بِهِ سعيد بن زِيَاد أَبُو عَاصِم
(2)
عن قيس بن سلع الأنصاري [هو قيس بن سلع بفتحتين وقيل: قيس بن أسلع، والأول أكثر، وهو أنصاري من أهل المدينة وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا
(3)
].
قوله: إن أخوته شكوه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: أنه يبذر ماله ويتبسط فيه الحديث، التبذير هو إنفاق المال فيما لا ينبغي والإسراف هو الصرف فيما ينبغي زائدا على ما لا ينبغي قال النووي في المنهاج
(4)
: الأصح أن صرف المال في الصدقة ووجوه الخير والمطاعم والملابس التي لا تليق بحاله ليس بتبذير والله أعلم.
(1)
الوابل الصيب (ص 33).
(2)
الطبراني في الأوسط (8536)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 128)، رواه الطبراني في الأوسط، وقال: تفرد به سعيد بن زياد أبو عاصم، ولم أجد من ترجمه.
(3)
معجم الصحابة للبغوى (5/ 36)، وأسد الغابة (4/ 406 ترجمة 4356)، والإصابة (5/ 362 ترجمة 7197).
(4)
ينظر: شرح النووي على مسلم (7/ 133).
قوله تفرد به سعيد بن زياد أبو عاصم [سعد بن زياد أبو عاصم مولى سليمان بن علي سكن البصرة وأدرك عمر بن عبد العزيز وأحسبه كان مع مواليه بالحميمة سمع نافعا مولى بنت شجاع وعمر بن مصعب وكيسان مولى عبد الله بن الزبير، عمر العبشمي العبلي حكى عنه الأصمعي وموسى بن إسماعيل وأبو عبد الله بن أبي الأسود وإسحاق بن أبي إسرائيل وعبد الرحمن بن المبارك العبشي والقواريري ومحمد بن أبي بكر المقدمي، قال إسحاق بن أبي إسرائيل: نا سعد بن زياد أبو عاصم مولى سليمان بن علي، مات الحجاج وأنا ابن عشر سنين، قال أبو حاتم: يكتب حديثه وليس بالمتين].
1360 -
وَعَن أنس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الأخلاء ثَلَاثَة فَأَما خَلِيل فَيَقُول أَنا مَعَك حَتَّى تَأتي قبرك وَأما خَلِيل فَيَقُول لَك مَا أَعْطَيْت وَمَا أَمْسَكت فَلَيْسَ لَك فَذَلِك مَالك وَأما خَلِيل فَيَقُول أَنا مَعَك حَيْثُ دخلت وَحَيْثُ خرجت فَذَلِك عمله فَيَقُول وَالله لقد كنت من أَهْون الثَّلَاثَة عَليّ رَوَاهُ الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرطهمَا وَلَا عِلّة لَهُ
(1)
.
قوله عن أنس تقدم الكلام عن أنس.
قوله صلى الله عليه وسلم "الأخلاء ثلاثة" [وتفسير هذا: أن ابن آدم في الدنيا لا بد له من أهل يعاشرهم، ومال يعيش به، فهذان صاحبان يفارقانه ويفارقهما، فالسعيد من اتخذ من ذلك ما يعينه على ذكر الله تعالى، وينفعه في الآخرة، فيأخذ من
(1)
الحاكم (1/ 74)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (910).
المال ما يبلغ به إلى الآخرة، ويتخذ زوجة صالحة تعينه على إيمان، فأما من اتخذ أهلا ومالا يشغله عن الله تعالى، فهو خاسر
(1)
]
1361 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَيّكُم مَال وَارثه أحب إِلَيْهِ من مَاله قَالُوا يَا رَسُول الله مَا منا أحد إِلَّا مَاله أحب إِلَيْهِ من مَال وَارثه قَالَ فَإِن مَاله مَا قدم وَمَال وَارثه مَا أخر رَوَاهُ البُخَارِيّ وَالنَّسَائِيّ
(2)
.
قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه تقدم الكلام عن ابن مسعود.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله" [في هذا الحديث تنبيه للمؤمن على أن يقدم من ماله لآخرته، ولا يكون خازنا له وممسكه عن إنفاقه في طاعة الله، فيخيب من الانتفاع به في يوم الحاجة إليه، وربما أنفقه وارثه في طاعة الله فيفوز بثوابه
(3)
].
1362 -
وَعنهُ رضي الله عنه قَالَ دخل النَّبِي صلى الله عليه وسلم على بِلَال وَعِنْده صَبر من تمر فَقَالَ مَا هَذَا يَا بِلَال قَالَ أعد ذَلِك لأضيافك قَالَ أما تخشى أَن يكون لَك دُخان فِي نَار جَهَنَّم أنْفق يَا بِلَال وَلَا تخش من ذِي الْعَرْش إقلالا رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن
(4)
. وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَقَالَ أما تخشى أَن يفور لَهُ بخار فِي نَار جَهَنَّم
(5)
.
(1)
مجموع رسائل ابن رجب (2/ 421 جزء يتبع الميت).
(2)
البخاري (6442).
(3)
شرح الصحيح (10/ 162) لابن بطال.
(4)
البزار (2653)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (912).
(5)
الطبراني في الكبير (10300)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 126)، رواه الطبراني في الكبير، وفيه قيس بن الربيع، وثقه شعبة والثوري وفيه كلام، وبقية رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (912).
قوله: وعنه رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله: قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم على بلال وعنده صبر من تمر" بلال هو أبو عبد الله ويقال أبو عبد الكريم ويقال أبو عبد الرحمن ويقال أبو عمرو بلال بن رباح الحبشي القرشي التيمي مولى أبو بكر الصديق أمه حمامة مولاة لبني جمح وكان بلال رضي الله عنه قديم الإسلام والهجرة شهد بدرا وأحدا والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان ممن يعذب في الله تعالى فيصبر على العذاب وكان أمية بن خلف يعذبه ويتابع عليه العذاب فقدر الله تعالى أن بلالا قتله يوم بدر وكان بلال ممن أسلم أول النبوة ومن أول من أظهر إسلامه وكانوا يطوفون به ويعذبونه اشتراه أبو بكر بخمس أواق وقيل بسبع وقيل بتسع وأعتقه لله عز وجل وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي عبيدة بن الجراح وكان بلال يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حياته سفرا وحضرا وهو أول من أذن في الإسلام ولما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهب إلى الشام للجهاد وأقام بها إلى أن مات وقيل إنه أذن لأبي بكر مدته وأذن لعمر مرة حين قدم عمر الشام فلم ير باكيا كان أكثر من ذلك اليوم، وفي صحيح البخاري
(1)
عن قيس بن أبي حازم قال: قال بلال لأبي بكر: "إن كنت إنما اشتريتني لنفسك، فأمسكني، وإن كنت إنما اشتريتني لله، فدعني وعمل الله" فتوفي بدمشق سنة عشرين وقيل إحدى وعشرين وقيل ثمان عشرة وهو ابن أربع وستين سنة وقيل كان قرن أبي بكر رضي الله عنه وقيل غير ذلك وكان ينزل داريا قرية بقرب دمشق ودفن
(1)
صحيح البخاري (3755).
بباب الصغير من دمشق وكان أدم اللون شديد الأدمة نحيفا طوالا خفيف العارضين ومناقبه كثيرة
(1)
.
قوله: وَعِنْده صَبر من تمر الصبر، جمع صبرة وهو الكومة من الطعام وغيره.
قوله "أنفق يا بلال ولا تخش من ذي العرش إقلالا" الحديث قال العلماء خوف الإقلال من سوء الظن بالله وسوء الظن بالله كفر وذلك أن الله تعالى وعد على الإنفاق خلفًا في الدنيا وثوابًا في العقبى فقال في الخلف: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}
(2)
وقال في الثواب: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ}
(3)
وقال تعالى في الآية الأخرى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ}
(4)
الآية وقال تعالى: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا}
(5)
الآية فمن أمسك عن الإنفاق خشية الفقر والإقلال فكأنه لم يصدق الله ولا رسوله في قولهما ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "وأي داء أدوى من البخل" رواه البخاري
(6)
، فلما كان البخل يحرم العبد الخلف في الدنيا
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 136 - 137 ترجمة 88).
(2)
سورة سبأ، الآية:39.
(3)
سورة البقرة، الآية:261.
(4)
سورة البقرة، الآية:265.
(5)
سورة الحديد، الآية:11.
(6)
الأدب المفرد (296). قال الشيخ الألباني: صحيح ينظر: الأدب المفرد مخرجا (ص: 111).
والثواب في الآخرة ويسيء ظنه بالله تعالى واستعاذ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والبخل والجبن" الحديث رواه البخاري
(1)
، والذي يذهب الإقلال عن القلب شيئان، أحدهما: حسن ظنه بالله تعالى أنه يخلف عليه: {فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ}
(2)
: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ}
(3)
والثاني: أن يكون الرجل لا مشيئة له في شيء من الأشياء قد اجتزئ بالقوت المقيم لمهجته فهذا يعطي من عسره ويسره فلا يخاف إقلالا لأنه رفع باله عن جميع ذلك وانقطعت مشيئته في نفسه وفي غيره لتدبير الله تعالى فيه وفيهم وإنما يخاف الإقلال من له مشيئة في الأشياء فإذا أعطي اليوم وله غدا مشيئة في شيء خاف ألا يصيب غدا فيضيق عليه الأمر في نفقة اليوم لمخافة إقلاله غدا والله أعلم قاله القرطبي
(4)
.
1363 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَاد بِلَالًا فَأخْرج لَهُ صبرا من تمر فَقَالَ مَا هَذَا يَا بِلَال قَالَ ادخرته لَك يَا رَسُول الله قَالَ أما تخشى أَن يَجْعَل لَك بخار فِي نَار جَهَنَّم أنْفق يَا بِلَال وَلَا تخش من ذِي الْعَرْش إقلالا رَوَاهُ أَبُو
(1)
صحيح البخاري (2893).
(2)
سورة النمل، الآية:40.
(3)
سورة سبأ، الآية:39.
(4)
قمع الحرص (ص 146).
يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير والأوسط بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عن أبي هريرة.
قوله: "أن النبي صلى الله عليه وسلم عاد بلالا فأخرج له صبرا من تمر" الحديث تقدم الكلام على بلال وعلى معنى هذا الحديث في الحديث قبله.
1364 -
وَعَن أَسمَاء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قَالَت قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا توكي فيوكأ عَلَيْك
(2)
.
وَفِي رِوَايَة أنفقي أَو انفحي أَو انضحي وَلَا تحصي فيحصي الله عَلَيْك وَلَا توعي فيوعي الله عَلَيْك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
(3)
.
انفحي بِالْحَاء الْمُهْملَة وانضحي وأنفقي الثَّلَاثَة معنى وَاحِد
وَقَوله: لَا توكي قَالَ الْخطابِيّ لَا تدخري والإيكاء شدّ رَأس الْوِعَاء بالوكاء وَهُوَ الرِّبَاط الَّذِي يرْبط بِهِ يَقُول لَا تمنعي مَا فِي يدك فتنقطع مَادَّة بركَة الرزق عَنْك انْتهى
(4)
.
قوله: وعن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما سيأتي الكلام على مناقبها مبسوطا
(1)
أبو يعلى (6040)، والطبراني في الكبير (1025)، وفي الأوسط (2572)، والبزار (3654)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 241)، رواه البزار وأبو يعلى والطبراني في الكبير والأوسط، وإسناده حسن، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (913).
(2)
البخاري (1433).
(3)
البخاري (2591)، ومسلم (1029)، وأبو داود (1699).
(4)
معالم السنن (2/ 84).
قريبا إن شاء الله تعالى في باب ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها.
قولها: قالت قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم لا توكي فيوكأ عليك" وفي رواية "أنفقي أو انفحي أو انضحي ولا تحصي فيحصي الله عليك ولا توعي فيوعي الله عليك" الحديث، قوله صلى الله عليه وسلم "لا توكي فيوكأ عليك" قد فسره الحافظ فقال قال الخطابي
(1)
: أي لا تدخري والإيكاء شد الوعاء بالوكاء وهو الرباط الذي يربط به وقال بعضهم: الوكاء الحبل الذي يشد به السرة والكيس وغيرهما
(2)
إلى قوله فينقطع مادة بركة الرزق عنك اهـ
فإن مادة الرزق متصلة باتصال النفقة ومنقطعة بانقطاعها
(3)
ذكره في شرح المشارق
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "أنفقي" معناه أعطي.
وقوله صلى الله عليه وسلم "أو انفحي" هو بفتح الفاء وبحاء مهملة وأصل النفح الضرب بالعصا أو بالسيف وكان الذي ينفق يضرب المعطى له بما يعطيه ويحتمل أن يكون من نفح الطيب إذا تحركت رائحته إذ العطية تستطاب كما تستطاب الرائحة الطيبة أو من نفح الريح إذا هبت باردة فكأنه أمر بعطية سهلة كثيرة وفي حديث أبي ذر "ونفح بها يمينا وشمالا" أي أعطاه في كل وجه
(5)
.
(1)
معالم السنن (2/ 84).
(2)
النهاية (5/ 223).
(3)
أعلام الحديث (2/ 1283)، وشرح السنة (6/ 153)، والكواكب الدراري (11/ 127).
(4)
حدائق الأزهار (لوحة 88 و 89/ خ 87781 كتبخانة).
(5)
المفهم (9/ 42).
وقوله صلى الله عليه وسلم "أو انضحي" بكسر الضاد فمعناه أيضًا أعطي وأصل النضح الرش وكأنه أمر بالتصدق بما تيسر وإن كان قليلا وفي الحديث "أرضخي" أي أعطي بغير تقدير ويطلق النضح أيضًا على الصب ولعله المراد هنا ويكون أبلغ من النفح ويفيد تكرار هذه الألفاظ تأكد أمر الصدقة والحث عليها على أي حال تيسرت بكثير أو قليل بمقدر أو غير مقدر في الطاعة والنهي عن الإمساك والبخل وعن ادخار المال في الوعاء
(1)
فقوله "أنفقي أو انفحي أو انضحي" قال الحافظ
(2)
: الثلاثة بمعنى واحد.
قوله صلى الله عليه وسلم "ولا تحصي فيحصي الله عليك" أي لا تبخلي فتجازين على بخلك وأصل هذا من الإحصاء الذي هو العد وعبر عن البخل بالإحصاء لأن البخيل يعد ماله ويتحرز به ويغار عليه
(3)
فيحتمل قوله "ولا تحصي فيحصي الله عليك" وجهين:
أحدهما: أنه يحبس عنك مادة الرزق ويقلله بقطع البركة حتى يصير كالشيء المعدود، والآخر: أن يحاسبك عليه في الآخرة كذا في الميسر
(4)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا توعي فيوعي الله عليك" أي لا تمسكي المال في الوعاء
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 118 - 119)، والمفهم (9/ 42).
(2)
أي المنذري.
(3)
المفهم (9/ 42).
(4)
الميسر (2/ 438)، والكواكب الدراري (7/ 199 - 200).
فيمسك الله فضله وثوابه عنك
(1)
وهذا كله من باب مقابلة اللفظ باللفظ للتجنيس كمال قال تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}
(2)
ومعناه: يمنعك الله كما منعت ويقتر عليك كما قترت ويمسك فضله عنك كما أمسكت، وقيل: معنى ولا تحصي أي لا تعديه فتستكثريه فيكون سببا لانقطاع انفاقك
(3)
والإحصاء للشيء معرفته قدرا أو وزنا أو عدا
(4)
ومعنى ما ذكر أنك إذا فعلت ذلك جوزيت عليه بنسبة ما فعلت
(5)
، والله أعلم.
1365 -
وَعَن بِلَال رضي الله عنه قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا بِلَال مت فَقِيرا وَلَا تمت غَنِيا قلت وَكَيف لي بذلك قَالَ مَا رزقت فَلَا تخبأ وَمَا سُئِلت فَلَا تمنع فَقلت يَا رَسُول الله وَكَيف لي بذلك قَالَ هُوَ ذَاك أَو النَّار رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَأَبُو الشَّيْخ ابْن حيّان فِي كتاب الثَّوَاب وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد وَعِنْده قَالَ لي الق الله فَقِيرا وَلَا تلقه غَنِيا وَالْبَاقِي بِنَحْوِهِ
(6)
.
قوله: وعن بلال رضي الله عنه، تقدم الكلام على بلال.
قوله صلى الله عليه وسلم لبلال: "يا بلال مت فقيرا ولا تمت غنيا" والفقير هو الذي لا
(1)
المفهم (9/ 42).
(2)
سورة آل عمران، الآية:54.
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 119).
(4)
مطالع أنوار (2/ 326).
(5)
المفهم (9/ 43).
(6)
الطبراني في الكبير (1021)، والحاكم (4/ 316)، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وقال الذهبي: واه.
يملك شيئا وهو ضد الغني.
1366 -
وَعَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله مَالا فَسَلَّطَهُ على هَلَكته فِي الْحق وَرجل آتَاهُ الله حِكْمَة فَهُوَ يقْضِي بهَا وَيعلمهَا.
وَفِي رِوَايَة لَا حسد إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رجل آتَاهُ الله الْقُرْآن فَهُوَ يقوم بِهِ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار وَرجل آتَاهُ الله مَالا فَهُوَ يُنْفِقهُ آنَاء اللَّيْل وآناء النَّهَار رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم
(1)
. وَالْمرَاد بِالْحَسَدِ هُنَا الْغِبْطَة وَهُوَ تمني مثل مَا للمغبط وَهَذَا لَا بَأْس بِهِ وَله نِيَّته فَإِن تمنى زَوَالهَا عَنهُ فَذَلِك حرَام وَهُوَ الْحَسَد المذموم.
قوله: وعن ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلمها"، وفي الرواية الأخرى:"لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار" الحديث وقد فسر الحافظ: الحسد، فقال: والمراد بالحسد هنا الغبطة والإناء الساعات وتقدم الكلام على الحكمة وعلى ألفاظ الحديث في أوائل هذا التعليق.
1367 -
وَعَن طَلْحَة بن يحيى عَن جدته سعدى قَالَت دخلت يَوْمًا على طَلْحَة تَعْنِي ابْن عبيد الله فَرَأَيْت مِنْهُ ثقلا فَقلت لَهُ مَا لَك لَعَلَّه رَابَك منا شَيْء فنعتبك قَالَ لَا ولنعم حَلِيلَة الْمَرْء الْمُسلم أَنْت وَلَكِن اجْتمع عِنْدِي مَال وَلَا أَدْرِي كَيفَ أصنع بِهِ قَالَت وَمَا يغمك مِنْهُ ادْع قَوْمك فاقسمه بَينهم فَقَالَ يَا غُلَام عَليّ بقومي فَسَأَلت
(1)
البخاري (1409)، ومسلم (816).
الخازن كم قسم قَالَ أَرْبَعمِائَة ألف رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن طلحة بن يحيى عن جدته سعدى قالت دخلت يوما على طلحة تعني ابن عبيد الله فرأيت منه ثقلا، كنيته: أبو محمد القرشي التيمي المكي المدني
(2)
هو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، أمه: الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء بن الحضرمي أسلمت وهاجرت، سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم طلحة الخير وطلحة الجود وهو من المهاجرين الأولين ولم يشهد بدرا لأنه كان حينئذ بالشام لكن ضرب له رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمه وأجره كمن حضر وشهد أحدا وما بعدها من المشاهد وكان أبو بكر إذا ذكر أحدا قال: ذاك يوم كله كان لطلحة.
وري له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانية وثلاثون حديثا، قتل يوم الجمل لعشر خلون من جمادي الأولى سنة ست وثلاثين وعمره أربع وستون سنة على الصحيح وقبره مشهور بالبصرة يزار ويتبرك به
(3)
، ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد
(1)
الطبراني في الكبير (195)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 88)، وفي معرفة الصحابة (379)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 148)، ورجاله ثقات، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (916).
(2)
الاستيعاب: 5/ 235 - 249، أسد الغابة: 3/ 85 - 89، الإصابة: 5/ 232 - 235 طبقات ابن سعد: 3/ 1/ 152 - 161، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 251، تهذيب الكمال: 628، تاريخ الإسلام: 2/ 163، العبر: 1/ 37، تهذيب التهذيب: 5/ 20،، خلاصة تذهيب الكمال:180.
(3)
التبرك بالقبور بدعة ولم يكن من عادة السلف الصالح أن يفعلوا مثل هذا التبرك، وإذا اعتقد المتبرك أن لصاحب القبر تأثيرًا أو قدرة على دفع الضرر أو جلب النفع كان ذلك =
ووقاه بيده وجاءته ضربة فاشلتها يومئذ
(1)
فقال صلى الله عليه وسلم: "أوجب [طلحة] "
(2)
أي وجبت له الجنة، قال ابن قتيبة: رأته ابنته عائشة بعد موته بثلاثين سنة في المنام فشكى إليها أن ماء قرب منه فآذاه فامرت به فاستخرج طريًا ودفن في دار له بالبصره لم يتغير منه سوى عقيصته فإنها مالت عن موضعها واخضر شقه الذي يلي الأرض من أثر الماء، وقيل: اشتروا له دارا بعشرة آلاف درهم ودفنوه بها وكان له عشر بنين سماهم بأسماء الأنبياء وكان له أربع بنات وهم محمد وموسى وعيسى وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وزكريا ويحيى وصالح وعمران وأم إسحاق وعائشة ومريم والصعبة، وروي عن موسى بن طلحة عن أبيه قال: سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد طلحة الخير [ويوم العشير طلحة الفياض ويوم خيبر] طلحة الجود، وفي المستدرك عن سعدى المرية
= حراما وشركًا أكبر إذا دعاه لجلب المنفعة أو دفع المضرة. وكذلك يكون من الشرك الأكبر إذا تعبد لصاحب القبر بركوع أو سجود أو ذبح تقربًا له وتعظيمًا له، قال الله تعالى:{وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ (117)} [المؤمنون: 117].
(1)
أخرج هذه الأخبار: البخاري (3722) و (4060) ومسلم (47 - 2414) عن أبي عثمان قال: "لم يبق مع النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم" غير طلحة، وسعد عن حديثهما.
وأخرجه البخاري (3724) و (4063) وابن ماجه (128) عن قيس، قال:"رأيت يد طلحة شلاء وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد".
(2)
أخرجه الترمذي (1692) و (3738)، وابن حبان (6979). وحسنه الألباني في الصحيحة (945).
أنها دخلت على طلحة فوجدته مغموما فقالت: ما لك؟ قال: مال اجتمع عندي قلت: فأقسمه في أهلك وقومك ففعل فسألت الخازن كم قسم، قال: أربعمائة ألف درهم، وقال الواقدي
(1)
: قتل طلحة بن عبيد الله يوم الجمل قتله مروان وقيل [غيره وقتل] ابنه محمد السجاد [يوم الجمل أيضًا] وكان الصحابة يتبركون به وبدعائه فذكر بسنده أنه قتل وفي يد خازنه ألف ألف ومائتا ألف وقومت أصوله وعقاره بثلاثين ألف ألف درهم، قال في [النهاية
(2)
] ومنه الحديث أنه قال لطلحة: أنت الفياض سمي به لسعة عطائه وكثرته وكان قسم في قومه أربعمائة ألف وكان جوادا كما ذكر في ترجمته، قال ابن بطال
(3)
يقال: فاض الإناء إذا امتلأ وأفاضه ملأه مشتق من الفيض بالفاء، ومنه الحديث في آخر الزمان يفيض المال فلا يجد الرجل من يقبل صدقته والظاهر أن فيضان المال كثرته بسبب نزول البركات وظهور الخيرات وقلة الرغبات لقصر الآمال ولعلمهم بقرب القيامة
(4)
.
قولها: فقلت له ما لك لعلك رابك منا شيء فنعتبك، الحديث، يقال: رابني فلان إذا رأيت منه ما تكرهه، وهذيل تقول أرابني فلان
(5)
ومعناه أي شيء رابك من الريبة أي ما الذي كرهته.
(1)
الطبقات (3/ 214 - 225).
(2)
النهاية (3/ 484).
(3)
الكواكب الدراري (7/ 183).
(4)
الكواكب الدراري (11/ 44).
(5)
جامع الأصول (11/ 502).
قوله: "ولنعم حليلة المرء المسلم أنت" نعم تقال للمدح ويئس تقال للذم، والحليلة بالحاء المهملة هي الزوجة.
1368 -
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم نشر الله عَبْدَيْنِ من عباده أَكثر لَهما من المَال وَالْولد فَقَالَ لأَحَدهمَا أَي فلَان ابْن فلَان قَالَ لبيْك رب وَسَعْديك قَالَ ألم أَكثر لَك من المَال وَالْولد قَالَ بلَى أَي رب قَالَ وَكَيف صنعت فِيمَا آتيتك قَالَ تركته لوَلَدي مَخَافَة الْعيلَة قَالَ أما إِنَّك لَو تعلم الْعلم لضحكت قَلِيلا ولبكيت كثيرا أما إِن الَّذِي تخوفت عَلَيْهِم قد أنزلت بهم وَيَقُول للْآخر أَي فلَان ابْن فلَان فَيَقُول لبيْك أَي رب وَسَعْديك قَالَ لَهُ ألم أَكثر لَك من المَال وَالْولد قَالَ بلَى أَي رب قَالَ فَكيف صنعت فِيمَا آتيتك فَقَالَ أنفقت فِي طَاعَتك ووثقت لوَلَدي من بعدِي بِحسن طولك قَالَ أما إِنَّك لَو تعلم الْعلم لضحكت كثيرا ولبكيت قَلِيلا أما إِن الَّذِي قد وثقت بهِ أنزلت بهم رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير والأوسط
(1)
.
الْعيلَة بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء هُوَ الْفقر. والطول بِفَتْح الطَّاء هُوَ الْفضل وَالْقُدْرَة والغنى.
قوله: وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام على ابن مسعود.
قوله صلى الله عليه وسلم: "نشر الله عبدين من عباده أكثر لهما من المال
(1)
الطبراني في الصغير (591)، والأوسط (4383)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 123)، وفيه يوسف بن العز - وهو ضعيف -.
والولد" الحديث، معناه أحياهما يقال أنشر الله الميت إنشارا فنشر نشورا، قال الله عز وجل:{وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا}
(1)
وقال الله عز وجل: {ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22)}
(2)
وقال الله تعالى: {كَذَلِكَ النُّشُورُ}
(3)
: {وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}
(4)
والنشور الإحياء بعد الموت للبعث يوم القيامة.
قوله: فقال لأحدهما أي فلان ابن فلان قال لبيك رب وسعديك، تقدم الكلام على التلبية.
قوله: قال ألم أكثر لك من المال والولد قال بلى أي رب، قال وكيف صنعت فيما آتيتك قال تركته لولدي مخافة العيلة، الحديث، العيلة قد فسرها الحافظ
(5)
وضبطها فقال هو الفقر، قال تعالى:{وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}
(6)
وقد اتفق مثل هذا لعمر بن عبد العزيز أمير المؤمنين رضي الله عنه فإنه لما حضرته الوفاة أحضر بنيه وهم أحد عشر ذكرا وأمر أن يجهز مما يخلف ثم تعطي زوجته ما يخصها وما بقي يفرق على بنيه فناب كل ابن دينار فقال له مسلمة بن عبد الملك: يا أمير المؤمنين لو وكلت أمرهم إلي فقال إن بنيى أحد
(1)
سورة البقرة، الآية:259.
(2)
سورة عبس، الآية:22.
(3)
سورة فاطر، الآية:9.
(4)
سورة الملك، الآية:15.
(5)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
(6)
سورة التوبة، الآية:28.
رجلين أن يكونوا صالحين الله يتولى الصالحين أو غير ذلك فلا أعينهم على معصية الله تعالى ولقد جهز بعد موته أحد بنيه مائة فارس على مائة فرس في سبيل الله وأما مسلمة فإنه لما مات ناب كل واحد أحد عشر ألف دينار ولقد رُؤِيَ أحد بنيه يوقد في أتون الحمام، ذكر هذه الحكاية جماعة منهم القرطبي في تاريخه وذكره ابن النحاس في تاريخه
(1)
وغيره.
(2)
قوله: للآخر أي فلان ابن فلان فيقول لبيك أي رب وسعديك قال له ألم أكثر لك من المال والولد قال بلى أي رب، قال فكيف صنعت فيما آتيتك فقال أنفقته في طاعتك ووثقت لولدي من بعدي بحسن طولك، قال الحافظ: الطول هو الفضل والقدرة والغنا.
1369 -
وَعَن مَالك الدَّار أَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه أَخذ أَرْبَعمِائَة دِينَار فَجَعلهَا فِي صرة فَقَالَ للغلام اذْهَبْ بهَا إِلَى أبي عُبَيْدَة بن الْجراح ثمَّ تله فِي الْبَيْت سَاعَة حَتَّى تنظر مَا يصنع فَذهب بهَا الْغُلَام إِلَيْهِ فَقَالَ يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ اجْعَل هَذِه فِي بعض حَاجَتك فَقَالَ وَصله الله ورحمه ثمَّ قَالَ تعالى يَا جَارِيَة اذهبي بِهَذِهِ السَّبْعَة إِلَى فلَان وبهذه الْخَمْسَة إِلَى فلَان وبهذه الْخَمْسَة إِلَى فلَان حَتَّى أنفذها وَرجع الْغُلَام إِلَى عمر فَأخْبرهُ فَوَجَدَهُ قد أعد مثلهَا لِمعَاذ بن جبل فَقَالَ اذْهَبْ بهَا إِلَى معَاذ بن جبل وتله فِي الْبَيْت حَتَّى تنظر مَا يصنع فَذهب
(1)
مصارع العشاق (ص 300).
(2)
مصارع العشاق (ص 300)، وينظر: تاريخ الإسلام: 2/ 163، العبر: 1/ 37، العقد الثمين: 5/ 68 - 69.
بهَا إِلَيْهِ فَقَالَ يَقُول لَك أَمِير الْمُؤمنِينَ اجْعَل هَذِه فِي بعض حَاجَتك فَقَالَ رحمه الله وَوَصله تعالي يَا جَارِيَة اذهبي إِلَى بَيت فلَان بِكَذَا اذهبي إِلَى بَيت فلَان بِكَذَا اذهبي إِلَى بَيت فلَان بِكَذَا فاطلعت امْرَأَة معَاذ وَقَالَت نَحن وَالله مَسَاكِين فَأَعْطِنَا فَلم يبْق فِي الْخِرْقَة إِلَّا دِينَارَانِ فدحى بهما إِلَيْهَا وَرجع الْغُلَام إِلَى عمر فَأخْبرهُ فسر بذلك فَقَالَ إِنَّهُم إخْوَة بَعضهم من بعض رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرُوَاته إِلَى مَالك الدَّار ثِقَات مَشْهُورُونَ وَمَالك الدَّار لَا أعرفهُ
(1)
.
تله: هُوَ بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَاللَّام أَيْضا وَتَشْديد الْهَاء أَي تشاغل. فدحى بهما: بِالْحَاء الْمُهْملَة أَي رمى بهما.
قوله: وعن مالك الدار [هو مالك بن عياض المعروف بمالك الدار المدني مولى عمر بن الخطاب ويقال الجبلاني سمع أبا بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبا عبيدة بن الجراح ومعاذ بن جبل وروى عنه أبو صالح السمان وعبد الرحمن بن سعيد بن يربوع وابناه عون بن مالك وعبد الله بن مالك وقدم مع عمر بن الخطاب الشام وشهد معه فتح بيت المقدس وخطبته بالجابية وقال أبو عبيدة: ولاه عمر كيلة عيال عمر، فلما قدم عثمان ولاه القسم، فسمى مالك الدار، وقال إسماعيل القاضي، عن علي بن المديني: كان مالك الدار خازنا لعمر
(2)
].
(1)
الطبراني في الكبير (46)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 237)، وابن المبارك في الزهد (511)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 125)، ومالك الدار لم أعرفه، وبقية رجاله ثقات.
(2)
تاريخ دمشق (56/ الترجمة 7180)، والإصابة (6/ 216).
قوله: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ أربعمائة دينار فجعلها في صرة فقال للغلام اذهب بها إلى أبي عبيدة بن الجراح ثم تلّه في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع.
قوله: تله، قد ضبطه الحافظ وفسره فقال أي تشاغل.
قوله: فوجده قد أعدَّ مثلها لمعاذ بن جبل، فقال للغلام: اذهب بها إلى معاذ بن جبل وتلَّه في البيت حتى تنظر ما يصنع فذهب بها إليه فقال يقول لك أمير المؤمنين اجعل هذه في بعض حاجتك فقال رحمه الله ووصله تعالي يا جارية اذهبي إلى بيت فلان بكذا اذهبي إلى بيت فلان بكذا اذهبي إلى بيت فلان بكذا فاطلعت امرأة معاذ وقالت نحن والله مساكين فأعطنا فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فدحى بهما إليها.
قوله: "دحى" قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: أي رمي بهما إليها والله أعلم.
1370 -
وَعَن سهل بن سعد رضي الله عنه قَالَ كانَت عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم سَبْعَة دَنَانِير وَضعهَا عِنْد عَائِشَة فَلَمَّا كانَ عِنْد مَرضه قَالَ يَا عَائِشَة ابعثي بِالذَّهَب إِلَى عَليّ ثمَّ أُغمي عَلَيْهِ وشغل عَائِشَة مَا بِهِ حَتَّى قَالَ ذَلِك مرَارًا كل ذَلِك يغمى على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ويشغل عَائِشَة مَا بِهِ فَبعث إِلَى عَليّ فَتصدق بهَا وَأمسى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيد الْمَوْت لَيْلَة الِاثْنَيْنِ فَأرْسلت عَائِشَة بمصباح لَهَا إِلَى امْرَأَة من نسائها فَقَالَت أهدي لنا فِي مصباحنا من عكتك السّمن فَإِن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَمْسَى فِي حَدِيد الْمَوْت رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرُوَاته ثِقَات مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح
(1)
.
(1)
الطبراني في المعجم الكبير (5990)، وابن سعد في الطبقات (2/ 184)، وقال الهيثمي في =
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث عَائِشَة بِمَعْنَاهُ
(1)
.
قوله: وعن سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه، تقدم الكلام على مناقبه في قيام الليل مبسوطا.
قوله: وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديد الموت ليلة الاثنين، حديد الموت هو [شدة الموت وكرباته وسكراته].
قوله: فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائه فقالت أهدي لنا في مصباحنا من عكتك السمن فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في حديد الموت، والمصباح السراج، سمي بذلك لأنه مطلب به الضياء وهو الصبح والصباح، والعكة: بضم العين وتشديد الكاف وهي وعاء من جلود مستدير يخص بالسمن والعسل وهو بالسمن أخص وقد تكرر في الحديث
(2)
فإذا كان للخَلّ فهي زُكْرَة، فإذا استَطَال كَهَيْئَة الزِّقِّ، فإن كان لِلَّبَن فهي وَطْبٌ، وللسَّمْن نِحْىٌ، ولِلرُّبِّ حَمِيتٌ
(3)
.
1371 -
وَعَن عبد الله بن الصَّامِت قَالَ كنت مَعَ أبي ذَر رضي الله عنه فَخرج
= مجمع الزوائد (3/ 123)، رواه الطبراني في الكبير، ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (917).
(1)
ابن حبان (3212)، وأحمد (24222)، والطبري في تهذيب الآثار، مسند ابن عباس (438)، وابن سعد في الطبقات (2/ 182)، والحميدي (283)، والبغوي في شرح السنة (1652).
(2)
النهاية (3/ 284)
(3)
المجموع المغيث (2/ 487).
عطاؤه وَمَعَهُ جَارِيَة لَهُ قَالَ فَجعلت تقضي حَوَائِجه ففضل مَعهَا سَبْعَة فَأمرهَا أَن تشتري بِهِ فُلُوسًا قَالَ قلت لَو أَخَّرته للْحَاجة تنوبك أَو للضيف ينزل بك قَالَ إِن خليلي عهد إِلَيّ أَن أَيّمَا ذهب أَو فضَّة أوكئ عَلَيْهِ فَهُوَ جمر على صَاحبه حَتَّى يفرغه فِي سَبِيل الله عز وجل رَوَاهُ أَحْمد وَرِجَاله رجال الصَّحِيح
(1)
.
وَرَوَاهُ أَحْمد أَيْضا وَالطَّبَرَانِيّ بِاخْتِصَار الْقِصَّة قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من أوكى على ذهب أَو فضَّة وَلم يُنْفِقهُ فِي سَبِيل الله كَانَ جمرا يَوْم الْقِيَامَة يكوى بِهِ هَذَا لفظ الطَّبَرَانِيّ وَرِجَاله أَيْضا رجال الصَّحِيح
(2)
.
[قوله]: وعن عبد الله بن الصامت [عبد الله بن الصامت الغفاري البصري، ابن أخي أبي ذر، روى عن: حذيفة بن اليمان، وعثمان بن عفان، وعمر بن الخطاب، وعمه أبي ذر الغفاري وعائشة أم المؤمنين، وغيرهم، روى عنه: حميد بن هلال العدوي، وسعيد بن أبي الحسن البصري، وسوادة بن عاصم، وعمرو بن مرة، وجماعة وثقه النسائي وابن سعد والعجلى وقال أبو حاتم: يكتب حديثه
(3)
. وأما عمه فهو أبو ذر اسمه جندب، بضم الجيم،
(1)
أحمد (21384)، والطبراني في الكبير (1634)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 162)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (919).
(2)
أحمد (21461)، والطبراني في الكبير (1641)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 125)، رواه الطبراني في الكبير وأحمد بنحوه ورجاله ثقات، وله طريق رجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (919).
(3)
تهذيب الكمال (15/ الترجمة 3339).
وبضم الدال وبفتحها، ابن جنادة، بضم الجيم، وقيل: اسمه برير، بموحدة مضمومة، وراء مكررة، ابن جندب، وقيل: اسمه جندب بن عبد الله، وقيل: جندب بن السكن، والمشهور: جندب بن جنادة بن سفيان بن عبيد بن الرفيقة بن حرام بن غفار بن مليك بن ضمرة بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الغفارى الحجازى، وأمه رملة بنت الرفيقة، وكان أبو ذر، رضي الله عنه، من السابقين إلى الإسلام، ثبت في صحيح مسلم أنه قدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام، فقال: يا رسول الله، من اتبعك على هذا؟ قال:"حر وعبد"، وأنه أقام بمكة ثلاثين بين يوم وليلة، وأسلم ثم رجع إلى بلاد قومه بإذن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هاجر إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وصحبه حتى توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائتا حديث وواحد وثمانون حديثا، اتفق البخاري ومسلم منها على اثنى عشر حديثا، وانفرد البخاري بحديثين، ومسلم بسبعة عشر توفى أبو ذر بالربذة سنة اثنين وثلاثين. قال المدائنى: وصلى عليه ابن مسعود، ثم قدم ابن مسعود المدينة فأقام عشرة أيام ثم توفى، وكان أبو ذر طويلا عظيما، رضى الله عنه، وكان زاهدا، متقللا من الدنيا، وكان مذهبه أنه يحرم على الإنسان ادخار ما زاد على حاجته، وكان قوالا بالحق
(1)
].
قوله: كنت مع أبي ذر رضي الله عنه فخرج عطاؤه ومعه جارية له، المراد بقوله (فخرج عطاؤه) هو ما يخصه من بيت الماء في ذلك الزمان.
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 229 - 230 ترجمة 781).
قوله: قال إن خليلي عهد إلي أيما ذهب أو فضة أوكئ عليه فهو جمر على صاحبه، وتقدم الكلام على الوكاء في أحاديث الباب.
1372 -
وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه قَالَ أهديت للنَّبِي صلى الله عليه وسلم ثَلَاث طوائر فأطعم خادمه طائرا فَلَمَّا كَانَ من الْغَد أَتَتْهُ بهَا فَقَالَ لَهَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ألم أَنْهَك أَن ترفعي شَيْئا لغد فَإِن الله يَأْتِي برزق غَد رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَيْهَقِيّ
(1)
. ورواة أبي يعلى ثِقَات.
قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس.
قوله: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر، فأطعم خادمه طائرًا، فلما كان من الغد أتته بها فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:"ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد، فإن الله يأتي برزق غد".
1373 -
وَعَن أنس أَيْضا رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لَا يدّخر شَيْئا لغد رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه وَالْبَيْهَقِيّ كِلَاهُمَا من رِوَايَة جَعْفَر بن سُلَيْمَان الضبعِي عَن ثَابت عَنهُ
(2)
.
(1)
أبو يعلى (4203)، والبيهقي في شعب الإيمان (1347)، وأحمد (13043)، وأبو نعيم في الحلية (10/ 243)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 241)، رواه أبو يعلى ورواته ثقات، وقال في (10/ 322)، رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح، غير هلال أبي معلى وهو ثقة، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (1219).
(2)
ابن حبان (6356)، والبيهقي في شعب الإيمان (1464)، والترمذي (2362)، وقال: حديث غريب، وفي الشمائل (354)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (920).
قوله: وعن أنس أيضًا رضي الله عنه، تقدم الكلام على أنس أيضًا.
قوله: [ورواه البيهقي من رواية جعفر بن سليمان الضبعي].
قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخر شيئا لغده" الحديث.
فائدة: جاء في هذا الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد وجاء في حديث آخر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعزل نفقة أهله سنة ثم يجعل ما بقي في السلاح والكراع
(1)
، الحديث فكيف الجمع بينهما؟
فالجواب: إن هذا الحديث فيه جواز ادخار قوت سنة وجواز الادخار للعيال وأن هذا لا يقدح في التوكل وأجمع العلماء على جواز الادخار فيما يستغله الإنسان من قريته كما جرى للنبي صلى الله عليه وسلم، أما إذا أراد أن يشتري من السوق ويدخر لقوت عياله فإن كان في وقت ضيق الطعام لم يجز بل يشتري مالا يضيق على المسلمين كقوت أيام وشهور وإن كان في وقت سعة اشترى قوت سنة أو أكثر، قال النووي
(2)
: هكذا نقل القاضي
(3)
هذا التفصيل عن أكثر العلماء وعن قوم: إباحته مطلقا.
قال الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد رحمه الله: ووجه الجمع بين هذا الحديث والحديث الآخر وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان لا يدخر شيئا لغد يعني لا يدخر لنفسه شيئا، وذلك الحديث على الادخار لعياله وهو صلى الله عليه وسلم وإن كان يأكل
(1)
البخاري (2904) مسلم (746).
(2)
شرح النووي على مسلم (12/ 70 - 71).
(3)
إكمال المعلم (6/ 76).
معهم لكنهم المقصودون بالادخار حتى لو لم يكن عنده أهله لم يدخر لنفسه شيئا
(1)
، أ. هـ.
ويحتمل وجه آخر في الجمع وهو أنه كان لا يدخر لنفسه طعاما يصلح للأكل كالخبز والطعام المطبوخ والفاكهة كما يفعله بعض غالب الناس ولا يمنع أن يدخر لنفسه ما لا يصلح للأكل كالحب والدقيق ونحوهما والله أعلم.
وروي عن سلمان الفارسي أنه كان يجتهد في تعجيل ادخار قوته فيخاطب في ذلك فيقول إن النفس إذا ادخرت قوتها اطمأنت
(2)
أي تفرغت للعبادة [والتفكر] في كتاب الله تعالى [كما ورد أن] الله تعالى يقول: "يا عبدي إذا كان عندك القوت فتعبد" كذا في طبقات الأولياء، ونقل في الروضة في كتاب السير
(3)
عن إمام الحرمين أنه ذكر في كتابه الغياثى
(4)
أنه يجب على الإنسان مواساة الفقراء إشباع الجائع وإطعام [المضطر] بما زاد على قوت السنة وهو يوهم أنه يعطيه إياهم من غير رجوع وليس كذلك بل يعطيه إياهم ثم يرجع عليهم عند يسارهم ويكون سبيله سبيل المقرض كما صرح بذلك
(1)
إحكام الأحكام (2/ 311).
(2)
إصلاح المال (92).
(3)
روضة الطالبين (10/ 222).
(4)
الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم (ص 236 - 237).
أبو الفتوح العجلي
(1)
، ويؤيده ما نقله هبة الله المفسر في كتاب الناسخ والمنسوخ
(2)
أن التصدق بما زاد على قوت السنة كان أولا ثم نسخ بآية الزكاة والله أعلم ذكره ابن العماد في شرح عمدة الأحكام.
قوله: أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث طوائر، الحديث.
قال الخطابي
(3)
: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقبل الهدية ولا يأخذ الصدقة وكان المعنى في ذلك أن الهدية [إنما] يراد بها ثواب الدنيا فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقبلها ويثيب عليها فتزول المنة وأما الصدقة فيراد بها ثواب الآخرة ولأن الصدقة أوساخ الناس فصانه الله عنها وأبدلها بخمس الخمس والفيء وهي ما أخذ من الكفار من غير قتال وتقدم الكلام عليه في السؤال في حديث حكيم بن حزام [ ....... ] وقال بعضهم أيضًا: والفرق بين الصدقة والهدية أن الصدقة هبة لثواب الآخرة والهدية هبة تنقل إلى المثيب إكراما له.
قال ابن بطال
(4)
: وإنما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يأكل الهدية لما فيها من تآلف القلوب والدعاء إلى المحبة ويجوز أن يثيب عليها بمثلها وبأفضل منها فلا منة ولا ذلة بخلاف الصدقة، أ. هـ.
فرع في الحديث: إن الصدقة لا تحل لمحمد ولا آل محمد فالمراد به
(1)
انظر البيان (8/ 43)، وكفاية النبيه (6/ 159) و (16/ 522 - 523).
(2)
الناسخ والمنسوخ (ص 90 و 168).
(3)
معالم السنن (2/ 71).
(4)
ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 449).
الفرض والنفل جميعا بالنسبة إليه عليه السلام على المرجح، وأما آله وهم بنو هاشم وبنو المطلب فإنما يحرم عليهم صدقة الفرض على الصحيح وفي النفل خلاف وليس ذلك لغناهم ولكن تشريفا لمنزلتهم واختلف في مواليهم، وأما السؤال لغير المحتاج فحرام لما فيه من الذلة ومخالفة الأحاديث الصريحة في تسميتها سحتا، أ. هـ قاله في شرح الإلمام
(1)
.
فائدة لطيفة: حكى الزمخشري
(2)
وغيره في تفسيره قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ دَابَّةٍ لَا تَحْمِلُ رِزْقَهَا}
(3)
الآية، عن سفيان بن عيينة أنه قال: ليس شيء من الحيوان يخبأ قوته إلا الإنسان والنملة والفأر والعقعق وهو طائر على قدر الحمامة على شكل الغراب وجناحاه أكبر من جناحي الحمامة وهو ذو لونين أبيض وأسود طويل الذنب وهو لا يأوي تحت سقف ولا يستظل به بل يهيئ وكره في المواضع المشرفة وفي طبعه الزنى والخيانة ويوصف بالسرقة والخبث، والعرب تضرب به المثل في جميع ذلك وفي طبعه شدة الاختطاف لما يراه من الحلي فكم عقد ثمين اختطفه من يمين.
قال الشاعر:
إذَا بَارَكَ اللهُ فِي طَائِرٍ
…
فَلَا بَارَكَ اللهُ فِي الْعَقْعَقِ
قَصِيرُ الْجَنَاحِ طَوِيلُ الذِّنَابِ
…
مَتَى مَا يَجِدْ غَفْلَةً يَسْرِقْ
(1)
سبق وقد أشرنا إلى أن الكتاب لم يطبع بكامله.
(2)
الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل (3/ 462).
(3)
سورة العنكبوت، الآية:60.
يُقَلِّبُ عَيْنَيْنِ فِي رَأْسِهِ
…
كَأَنَّهُمَا قَطْرَتَا زِئْبَقِ
الحكم في حله، فيه وجهان: أحدهما: يؤكل الغراب الزرع، والثاني: يحرم وهو الأصح تبعا للبغوي قاله في حياة الحيوان
(1)
.
1374 -
وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول إِنِّي لألج هَذِه الغرفة مَا ألجها إِلَّا خشيَة أَن يكون فِيهَا مَال فأتوفى وَلم أنفقهُ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
لألج أَي لأدخل.
والغرفة بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة هِيَ الْعلية.
قوله: وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه، تقدم.
قوله صلى الله عليه وسلم: "إني لألج هذه الغرفة ما ألجها إلا خشية أن يكون فيها مال فأتوفى ولم أنفقه" قد فسر الحافظ الولوج بالدخول والغرفة هي العلية.
1375 -
وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ مَا أحب أَن لي أحدا ذَهَبا أبقى صبح ثَالِثَة وَعِنْدِي مِنْهُ شَيْء إِلَّا شَيْئا أعده لدين رَوَاهُ الْبَزَّار من رِوَايَة عَطِيَّة عَن أبي سعيد وَهُوَ إِسْنَاد حسن وَله شَوَاهِد كَثِيرَة
(3)
.
(1)
حياة الحيوان (2/ 202 - 203).
(2)
الطبراني في المعجم الكبير (7105)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 123)، وإسناده حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (921).
(3)
البزار (3659)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 239)، رواه البزار وفي إسناده عطية، وضعفه غير واحد، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (922).
قوله: وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي سعيد.
قوله: "ما أحب أن لي أحدا ذهبا أبقى صبح ثالثة وعندي منه شيء إلا شيئا أعده لدين" الحديث، سيأتي الكلام على أحد في الحديث بعده.
1376 -
وَعَن عبد الله بن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ لي أَبُو ذَر يَا ابْن أخي كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم آخِذا بِيَدِهِ فَقَالَ لي يَا أَبَا ذَر مَا أحب أَن لي أحدا ذَهَبا وَفِضة أنفقهُ فِي سَبِيل الله أَمُوت يَوْم أَمُوت أدع مِنْهُ قيراطا قلت يَا رَسُول الله قِنْطَارًا قَالَ يَا أَبَا ذَر أذهب إِلَى الْأَقَل وَتذهب إِلَى الْأَكْثَر أُرِيد الْآخِرَة وتريد الدُّنْيَا قيراطا فَأَعَادَهَا عَليّ ثَلَاث مَرَّات رَوَاهُ الْبَزَّار بِإِسْنَاد حسن
(1)
.
قوله: وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، تقدم الكلام على ابن عباس.
قوله: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم آخذا بيده فقال لي يا أبا ذر: "ما أحب أن لي أحدا ذهبا وفضة أنفقه في سبيل الله أموت يوم أموت أدع منه قيراطا" الحديث، أحد: جبل، قيل: أكبر جبل في الدنيا أحد لأنه يبلغ إلى الأرض السفلى فلهذا ذكره النبي صلى الله عليه وسلم ولأنه أكبر جبل عندهم وإلا ففي الدنيا جبال أكبر من أحد، ويقال: إن في وادي من الأودية جبلان شامخان ملتقيان من فوق وبين هذا وهذا من الأرض مسيرة ثلاثة أيام
(2)
.
(1)
البزار (3657)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 239)، رواه البزار والطبراني في الأوسط بنحوه، وإسناده البزار حسن، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (923).
(2)
كشف الأسرار (لوحة 67).
1377 -
وَعنهُ رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْتفت إِلَى أحد فَقَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ مَا يسرني أَن أحدا تحول لآل مُحَمَّد ذَهَبا أنفقهُ فِي سَبِيل الله أَمُوت يَوْم أَمُوت أدع مِنْهُ دينارين إِلَّا دينارين أعدهما للدّين إِن كَانَ رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَإسْنَاد أَحْمد جيد قوي
(1)
.
قوله: وعنه رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده" هو من أحاديث الصفة التي فيها مذهبان مشهوران، أحدهما: تأويل اليد بالقدرة، ثانيهما: إقرارها كما جاءت من غير تكييف ولا تشبيه والكف عن تفسير الصفة المذكورة وإن ظاهرها ليس بمراد والله أعلم.
1378 -
وَعَن قيس بن أبي حَازِم قَالَ دخلت على سعيد بن مَسْعُود نعوده فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا يَقُولُونَ وَلَكِن لَيْت مَا فِي تابوتي هَذَا جمر فَلَمَّا مَاتَ نظرُوا فَإِذا فِيهِ ألف أَو أَلفَانِ رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير بِإِسْنَاد حسن
(2)
.
قوله: وعن قيس بن أبي حازم [هو أبو عبد الله قيس بن أبي حازم، واسمه
(1)
أحمد (2724)، وأبو يعلى (2684)، والبزار (3682)، وعبد ابن حميد (598)، والطبراني في الكبير (11899)، وأبو نعيم في الحلية (3/ 342)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 239)، رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح غير هلال بن خباب، وهو ثقة، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (924).
(2)
الطبراني في الكبير (5408)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3137)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 125)، ورجاله رجال الصحيح قلت: ما عدا شيخ الطبراني أحمد بن القاسم بن مساور، فلم أجده، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (925).
عبد عوف بن الحارث، وقيل: اسمه عوف الأحمسى، بالحاء والسين المهملتين، البجلى، الكوفى، التابعى، الجليل، المخضرم. أدرك الجاهلية، وجاء ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم فتوفى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الطريق، وأبوه صحابى، روى قيس عن جماعات من الصحابة. روى عنه جماعات من التابعين. قال جماعة من الحفاظ: روى قيس عن العشرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هكذا رويناه عن الحافظ عبد الرحمن بن يوسف بن خراش، والحاكم أبى عبد الله، وغيرهما. قال ابن خراش وغيره: وليس في التابعين من روى عن العشرة غير قيس، وقال أبو داود السجستانى: روى عن تسعة منهم، ولم يرو عن عبد الرحمن بن عوف. قال أبو داود: أجود الناس إسنادا قيس بن أبي حازم. توفى سنة أربع وثمانين، وقيل: سبع وثمانين، وقيل: ثمان وسبعين، رحمه الله
(1)
].
قوله: قال دخلنا على سعيد بن مسعود نعوده، الحديث، سعيد هذا هو ابن [مسعود أبو مسعود الكندي قال ابن منده: لا تصح له صحبة، وهو كوفي، وذكره البخاري والبغوى في الصحابة، روى عنه قيس بن أبي حازم، ومسلم بن يسار
(2)
].
1379 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رجلا توفّي على عهد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَلم يُوجد لَهُ كفن فَأتى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ انْظُرُوا إِلَى دَاخِلَة إزَاره فأصيب دِينَار أَو
(1)
تهذيب الأسماء واللغات (2/ 61 ترجمة 512).
(2)
أسد الغابة (2/ ترجمة 2045)، والإصابة (3/ ترجمة 3209).
دِينَارَانِ فَقَالَ كَيَّتَانِ
(1)
.
وَفِي رِوَايَة توفّي رجل من أهل الصّفة فَوجدَ فِي مِئْزَره دِينَار فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَيَّة ثم توفّي آخر فَوجدَ فِي مِئْزَره دِينَارَانِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَيَّتَانِ رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من طرق ورواة بَعْضهَا ثِقَات أثبات غير شهر بن حَوْشَب
(2)
.
قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه، تقدم الكلام على أبي أمامة.
قوله: أن رجلا توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يوجد له كفن فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "انظروا إلى داخلة إزاره فأصيب دينار أو ديناران فقال كيتان" وفي رواية: "توفي رجل من أهل الصفة"
(3)
، الحديث، الصفة موضع بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يأوي فيه الفقراء الغرباء.
فائدة: أهل الصفة كانوا فقراء يقدمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لهم أهل ولا مال فبنيت لهم صفة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: أهل الصفة كان رسول الله يأتيهم فيقول: "السلام عليكم يا أهل الصفة" فيقولون: وعليك يا رسول الله، فيقول:"كيف أصبحتم" فيقولون: بخير يا رسول الله
(4)
، وعن نعيم المجمر عن أبيه عن أبي ذر قال: كنت من أهل الصفة وكنا إذا أمسينا
(1)
الطبراني في الكبير (7506)، وفي مسند الشاميين (689)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (8/ 9)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (926).
(2)
أحمد (22174)، والطبراني في الكبير (7573)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (926).
(3)
سبق تخريجه.
(4)
حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (1/ 340).
حضرنا باب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأمر كل رجل فينصرف برجل فيبقى من بقى من أهل الصفة عشرة أو أقل فيؤتى بالنبي صلى الله عليه وسلم بعشائه فنتعشى معه فإذا فرغنا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ناموا في المسجد"
(1)
.
قال أبو الفرج بن الجوزي: قلت هؤلاء القوم إنما قعدوا في المسجد ضرورة [وإنما أكلوا] من الصدقة ضرورة فلما فتح الله على المسلمين استغنوا عن تلك الحال وخرجوا
(2)
قاله في مجمع الأحباب.
1380 -
وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ توفّي رجل من أهل الصّفة فوجدوا فِي شملته دينارين فَذكرُوا ذَلِك للنَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَيَّتَانِ رَوَاهُ أَحْمد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(3)
.
قَالَ الْحَافِظ وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِك لِأَنَّهُ ادخر مَعَ تلبسه بالفقر ظَاهرا ومشاركته الْفُقَرَاء فِيمَا يَأْتِيهم من الصَّدَقَة وَالله أعلم.
قوله: وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، تقدم الكلام عليه.
قوله: توفي رجل من أهل الصفة فوجدوا في شملته دينارين فذكروا ذلك
(1)
تلبيس إبليس (ص 146).
(2)
تلبيس إبليس (ص 146).
(3)
أحمد (4367)، وابن حبان (3263)، وأبو يعلى (5015)، والبزار (3652)، وأبو داود الطيالسي (355)، والبيهقي في شعب الإيمان (6962)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 240)، رواه أحمد وأبو يعلى والبزار، وفيه عاصم بن بهدلة، وقد وثقه غير واحد، بقية رجاله رجال الصحيح، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (927).
للنبي صلى الله عليه وسلم فقال "كيتان" الحديث، قال الحافظ
(1)
: وإنما كان كذلك لأنه ادخر مع تلبسه بالفقر ظاهرا ومشاركته الفقراء فيما يأتيهم من الصدقة والله أعلم، وقد مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير من الصحابة وتركوا أموالا فما قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما قال في هذا لأنهم لم يبطنوا خلاف ما أظهروا وهذا الذي كان من أهل الصفة أظهر الفاقة وكان عنده هذان الديناران فلما أظهر خلاف ما أبطن قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"كيتان من نار" انتهى، قاله في متن اللطائف لابن عطاء الله
(2)
.
وأجاب ابن عطية رحمه الله بأنهما كانا يعيشان من الصدقات وعندهما الذهب أو أن هذا كان في صدر الإسلام ثم قرر الشرع ضبط المال وأداء حقه
(3)
والدليل على ذلك فرض الزكوات في أصناف الأموال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً}
(4)
الآية، ولهذا قال عليه السلام:"إن الله لم يفرض الزكاة إلا ليطيب بها ما بقي من أموالكم، وأن الله تعالى تولى قسم المواريث بنفسه"
(5)
فلو كان الإنسان يحرم عليه أن يدخر المال لورثته لما تولى الله سبحانه قسمة
(1)
ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364).
(2)
لطائف المنن (ص 149).
(3)
تفسير ابن عطية المسمى "المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز"(3/ 29).
(4)
سورة التوبة، الآية:103.
(5)
أخرجه أبو داود (1664) وأبو يعلى (2499) والمعجم (1855)، والحاكم في المستدرك 1/ 408 - 409 و 2/ 333. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (293) والضعيفة (1319).
المال المخلف بنفسه فقال: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}
(1)
الآية، ولما نهى عن إضاعة المال فالصحيح من هذا كله الذي استقرت عليه الشريعة المطهرة وأجمع عليه فقهاء الأمصار وعلماء الأمة أن الإنسان له أن يأخذ المال من حله وعليه أن يخرج منه زكاته فمن منع زكاة ماله فذلك هو الأمر الشنيع والحال الفظيع الذي جاء في الوعيد الشديد، والله أعلم.
تتمة: وقد قال بعض الفضلاء في ذلك:
مات فقير كان بالصفية
…
خلف دينارًا له مخفية
قال النبي سيد البرية
…
كية أي بالنار بئس الكية
1381 -
وَعَن سَلمَة بن الْأَكْوَع رضي الله عنه قَالَ كنت جَالِسا عِنْد النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَأتي بِجنَازَة ثم أُتِي بِأُخْرَى فَقَالَ هَل ترك من دين قَالُوا لَا قَالَ فَهَل ترك شَيْئا قَالُوا نعم ثَلَاثَة دَنَانِير فَقَالَ بأصابعه ثَلَاث كيات الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد حسن جيد وَاللَّفْظ لَهُ وَالْبُخَارِيّ بِنَحْوِهِ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(2)
.
قوله: وعن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه الصحابي، هو: أبو مسلم ويقال أبو إياس ويقال أبو عامر سلمة بن عمرو بن الأكوع.
فائدة: قال شيخ الإسلام النووي في الأذكار
(3)
: وقد كان من الصحابة جماعات لهم كنى قبل أن يولد لهم كأبي هريرة وأبي حمزة وخلائق لا
(1)
سورة النساء، الآية:11.
(2)
البخاري (2289)، أحمد (16510)، وابن حبان (3264).
(3)
الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 295).
يحصون من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ولا كراهة في ذلك بل هو [محبوب] قال
(1)
: والأدب أن [يخاطب] أهل الفضل ومن قاربهم بالكنية، وكذلك إذا كتب إليه رسالة وكذا إن روى عنه رواته فيقول: حدثنا الشيخ الإمام أبو فلان بن فلان وما أشبهه والأدب أن لا يذكر الرجل كنيته في كتابه ولا في غيره إلا أن لا يعرف إلا بكنيته أو كانت الكنية أشهر من اسمه والسنة أن يكنى الرجل بأكبر أولاده لأن النبي صلى الله عليه وسلم كنى بأبي القاسم لأنه أكبر بنيه، وفي حديث أبي شريح هانئ الصحابي لما كناه النبي صلى الله عليه وسلم بأبي شريح وهو أكبر أولاده، أ. هـ. قاله في الديباجة
(2)
.
واسم الأكوع سنان بن عبد الله بن قشير بن خزيمة بن مالك بن [سلامان بن أسلم الأسلمي] شهد بيعة الرضوان بالحديبية وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ثلاث مرات في أول الناس ووسطهم وآخرهم وكان رضي الله عنه شجاعا راميا محسنا خيرا فاضلا، غزى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات ويقال شهد غزوة مؤتة، روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وسبعون حديثا، اتفقا على ستة وانفرد البخاري بخمسة ومسلم بتسعة روى عنه ابنه إياس ومولاه يزيد بن أبي عبيد وأبو سلمة بن عبد الرحمن وآخرون وكان يسكن المدينة فلما قتل عثمان خرج إلى الربذة فسكنها وتزوج هناك وولد له فلم يزل بها حتى كان قبل وفاته بليال عاد إلى المدينة فتوفي
(1)
الأذكار للنووي ت الأرنؤوط (ص: 294).
(2)
كتاب الديباجة في شرح سنن ابن ماجه، لا يزال مخطوطًا كما سبق الإشارة إلى هذا.
بها سنة أربع وسبعين وهو ابن ثمانين سنة وكان يصفر لحيته ورأسه، قال ابنه إياس: ما كذب أبي قط وقال النبي صلى الله عليه وسلم "خير رجالتنا سلمة بن الأكوع"
(1)
ومناقبه كثيرة
(2)
وتقدم تفسير الحديث في الحديث قبله.
1382 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن أَعْرَابِيًا غزا مَعَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خَيْبَر فَأَصَابَهُ من سَهْمه دِينَارَانِ فَأَخذهُمَا الْأَعرَابِي فجعلهما فِي عباءة فخيط عَلَيْهِمَا ولف عَلَيْهِمَا فَمَاتَ الْأَعرَابِي فَوجدَ الديناران فَذكر ذَلِك لرَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ كَيَّتَانِ رَوَاهُ أَحْمد وَإِسْنَاده حسن لَا بَأْس بِهِ فِي المتابعات
(3)
.
قوله عن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام على أبي هريرة وتقدم أيضًا معنى الحديث في الحديث قبله.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه أعرابيا غزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر فأصابه من سهمه ديناران" والأعرابي هو الذي يسكن البادية وخيبر تقدم الكلام عليها في باب أكل اللوحة الثوم والبصل والله أعلم.
ترغيب المرأة في الصدقة من مال زوجها إذا أذن وترهيبها منها ما لم يأذن
1383 -
عَن عَائِشَة رضي الله عنها أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا أنفقت الْمَرْأَة من طَعَام بَيتهَا
(1)
أخرجه مسلم (1807).
(2)
تهذيب الأسماء واللغات (1/ 229 الترجمة 221).
(3)
أحمد (8678)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 241)، وفيه ابن لهيعة وقد اعتضد، وبقية رجاله رجال الصحيح، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (929).
غير مفْسدَة كَانَ لَهَا أجرهَا بِمَا أنفقت ولزوجها أجره بِمَا اكْتسب وللخادم مثل ذَلِك لَا ينقص بَعضهم من أجر بعض شَيْئا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن حبَان فِي صَحِيحه
(1)
وَعند بَعضهم إِذا تَصَدَّقت بدل أنفقت.
قوله: عن عائشة رضي الله عنها هي عائشة أم المؤمنين بنت الصديق
(2)
رضي الله عنها وأمها أم رومان بنت عويمر الكنانية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاة خديجة رضي الله عنها بثلاث سنين [قبل الهجرة] خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيها أبي بكر رضي الله عنه فقال يا رسول الله أو تحل لك؟ قال "نعم" فقال له أبو بكر: ألست أخاك؟ قال "بلى في الإسلام وهي لي حلال"
(3)
فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبها حبا شديدا وقالت عائشة: أتتني أمي أم رومان وإني لفي [أرجوحة] ومعي صواحب لي فصرخت في فأتيتها ما أدري ما تريد بي فأخذت بيدي حتى وقفت على باب الدار وإني لأنهج حتى سكن بعض نفسي ثم أخذت شيئا من ماء فمسحت به وجهي ورأسي، ثم أدخلتني الدار، فإذا نسوة من الأنصار في البيت، فقلن على الخير والبركة، وعلى خير طائر
(4)
، فأسلمتني
(1)
البخاري (1437)، ومسلم (1024)، وأبو داود (1685)، والترمذي (672)، والنسائي (9197)، وابن ماجه (2294)، وابن حبان (3358)، وأحمد (24171).
(2)
أسد الغابة: 7/ 188، تهذيب الكمال: 1688، تاريخ الإسلام: 2/ 294، البداية والنهاية: 8/ 91، 94 تهذيب التهذيب: 12/ 433 - 436، الإصابة: 13/ 38.
(3)
سبق تخريجه.
(4)
قال النووي في شرح مسلم 9/ 207: الطائر: الحظ، يطلق على الحظ من الخير والشر، =
إليهن، فأصلحن من شأني، فلم يرعني إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى، فأسلمتني إليه، وأنا يومئذ بنت تسع سنين"
(1)
وفي رواية قالت عائشة: ثم أقبلت أمي تقودني حتى وقفت بي عند الباب، وإني لأنهج حتى سكن من نفسي، ثم دخلت بي فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس على سرير في بيتنا، وعنده رجال ونساء من الأنصار، فأجلستني في حجره، ثم قالت: هؤلاء أهلك فبارك الله لك فيهم، وبارك لهم فيك، فوثب الرجال والنساء، فخرجوا وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا يومئذ بنت تسع سنين، وكانت رضي الله عنها تفتخر بأشياء لم تعطها امرأة غيرها منها أن جبريل أتى بصورتها وقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم هذه زوجتك ومنها أنه كان يصلي وأنا معترضة بين يديه كالجنازة ولم يفعل ذلك بأحد من نساءه غيري ومنها أنها كانت أعلم الناس على الإطلاق، قال عطاء بن أبي رباح
(2)
: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأيا ولم يرو أحد من الأحاديث أكثر منها، وقال أبو موسى الأشعري
(3)
: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة عنه إلا وجدنا عندها علما وقد تفردت من بين الصحابة بمسائل لم تكن إلا عندها ومن مناقبها نزول الوحي
= والمراد هنا: على أفضل حظ وبركة، وفيه استحباب الدعاء بالخير والبركة لكل واحد من الزوجين، ومثله في حديث عبد الرحمن بن عوف: بارك الله لك.
(1)
صحيح البخاري (3894).
(2)
ينظر: الإصابة: 13/ 38.
(3)
ينظر: تهذيب الكمال: 1688.
على رسول الله صلى الله عليه وسلم في لحافها ولم ينزل عليه في لحاف غيرها وأقرأها جبريل الروح الأمين السلام على لسان بعلها ورأته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجرتها ونزل القرآن العظيم ببراءتها وقبول عذرها وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم في نوبتها وليلتها وقد امتزج ريقه المطهر بريقها ورأسه المقدس في حجرها ومات بين حاقنتها وذاقنتها وسحرها ونحرها ونزلت آية التيمم ببركتها وكانت أكرم أهل زمانها وعابدة أوانها وأقامت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرد الصوم بقية عمرها وتفتي في [الفقه ويؤخذ بقولها فأي] فخر كفخرها.
وعن عبد الله عن عروة، عن عائشة، قالت: "تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أعظم عنده مني؟
(1)
" الحديث، وصدقت رضي الله عنها كانت أحظى النساء عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحبهن إليه بعد خديجة وبنى بها بالمدينة [بعد بدر] وهي بنت تسع سنين ومات رسول صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثماني عشرة سنة، ونشرت عنه علما كثيرا لأنها روت عنه فيما ذكر أصحاب [الأعداد ألفين حديثا ومائتين حديثا وعشرة أحاديث].
قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها" أي طعام زوجها الذي في بيتها كما صرح به في الرواية الأخرى وفي رواية "إذا أطعمت المرأة من بيت
(1)
أخرجه مسلم (1423) وهو عند الترمذي (1093)، والنسائي في المجتبى (5353)، وابن ماجه (1990) وأخرجه أيضًا عبد الرزاق في مصنفه (10459)، وعبد بن حميد في المنتخب (1508)، وابن سعد 8/ 60، وإسحاق بن راهوية (724).
زوجها" وعند بعضهم "إذا تصدقت" فإن قلت: الطعام إما للزوج فلا يجوز لها الإنفاق منه وإما للزوجة فلا دخل للزوج فيه قلت: هو للزوج وهذا ورد بناء على عادتهم لأنهم يأمرون أزواجهم بالإنفاق على الفقراء من طعام البيت قاله الكرماني
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "غير مفسدة" يقتضي اليسير الذي لا يجحف بالزوج، قال المنذري في حواشي مختصر سنن أبي داود: فرق بعض العلماء بين الزوجة والخادم بأن الزوجة لها حق في مال الزوج ولها النظر في بيتها فجاز لها أن تتصدق بما لا يكون إسرافا لكن بمقدار العادة وما تعلم أنه لا يؤلم زوجها، فأما الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه
(2)
اهـ.
قال النووي في شرح مسلم
(3)
: معناه من غير إذنه الصريح في ذلك القدر المعين ويكون معها إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره وذلك الإذن الذي قد بيناه سابقا إما بالصريح وإما بالعرف ولا بد من هذا التأويل، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف من العرف فلا أجر لها بل عليها وزر، واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يعلم رضا المالك به في العادة فإن زاد على المتعارف لم يجز وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة فأشار صلى الله عليه وسلم إلى أنه قدر يعلم رضا الزوج به في العادة
(1)
ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (9/ 195).
(2)
طرح التثريب (4/ 147)، وعمدة القارى (8/ 292).
(3)
ينظر: شرح النووي على مسلم (7/ 112 - 113).
ونبه بالطعام أيضًا على ذلك لأنه يسمح به في العادة بخلاف الدراهم والدنانير في حق أكثر الناس وفي كثير من الأحوال واعلم أن المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال وغلمانه ومصالحه وقاصديه من ضيف وابن سبيل ونحوهما وكذلك صدقتهم المأذون فيها بالصريح أو العرف.
ويمكن أن يحمل ذلك على ما إذا أنفقت من مالها الذي اكتسبته وأعطاه لها في نفقتها فلها الأجر وإن لم يأذن لها في إنفاقه لأنه خالص ملكها وله الأجر باكتسابه ودفعه لها فجعل الأجر فيما أعطاه لها فكيف ما انضم إلى ذلك أنها تصدقت به فكان باكتسابه سببا لتلك الصدقة
(1)
اهـ.
قوله صلى الله عليه وسلم: "وللخازن مثل ذلك" الخازن هو الوكيل إذا علم رضا المالك جاز له أن يتصدق بغير إذنه ويؤيد ذلك قوله عز وجل: {أَوْ صَدِيقِكُمْ}
(2)
ونقل ابن عبد البر إجماعا أن للرجل أن يأكل من مال صديقه بغير إذنه إذا استطاب نفسه وقد تظاهرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك
(3)
، أما إذا علمت الزوجة أو الوكيل أن الزوج لا يرضى بذلك أو شكت فيه كانت آثمة فضلا عن أن يكون لها أجر
(4)
. قاله ابن عقيل.
(1)
طرح التثريب (4/ 144).
(2)
سورة النور، الآية:60.
(3)
الاستذكار (5/ 126)، والتمهيد (1/ 231 - 232).
(4)
انظر: شرح السنة (6/ 205)، والمجموع (6/ 244)، والمفاتيح (2/ 555)، وطرح =
قوله صلى الله عليه وسلم: "لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا" هكذا وقع في جميع النسخ شيئًا بالنصب فيقدر له ناصب فيحتمل أن يكون تقديره من غير أن ينقص الله من أجورهم شيئا ويحتمل أن يقدر من غير أن ينقص الزوجة من أجر المرأة والخازن شيئًا
(1)
والله أعلم.
1384 -
وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يحل للْمَرْأَة أَن تَصُوم وَزوجهَا شَاهد إِلَّا بِإِذْنِهِ وَلَا تَأذن فِي بَيته إِلَّا بِإِذْنِهِ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد
(2)
.
1385 -
وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد أَن أَبَا هُرَيْرَة رضي الله عنه سُئِلَ عَن الْمَرْأَة هَل تَتَصَدَّق من بَيت زَوجهَا قَالَ لَا إِلَّا من قوتها وَالْأَجْر بَينهمَا وَلَا يحل لَهَا أَن تَتَصَدَّق من مَال زَوجهَا إِلَّا بِإِذْنِهِ
(3)
.
زَاد رزين الْعَبدَرِي فِي جَامعه فَإِن أذن لَهَا فالأجر بَينهمَا فَإِن فعلت بِغَيْر إِذْنه فالأجر لَهُ وَالْإِثْم عَلَيْهَا.
قوله: وعن أبي هريرة رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه" هذا محمول على صوم التطوع المندوب الذي ليس له زمن معين وهذا النهي للتحريم
= التثريب (4/ 144 - 145).
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 114).
(2)
البخاري (5195)، ومسلم (1026)، وأبو داود (1687).
(3)
أبو داود (1688)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (931).
كما صرح به أصحابنا وحكاه النووي في الروضة
(1)
وشرح مسلم
(2)
عن أصحابنا وحكاه في شرح المهذب
(3)
عن جمهور أصحابنا ثم قال: وقال بعض أصحابنا يكره والصحيح الأول، قال: فلو صامت بغير إذن زوجها صح باتفاق أصحابنا وكان الصوم حراما لأن تحريمه لمعنى آخر لا لمعنى يعود إلى نفس الصوم فهو كالصلاة في دار مغصوبة وقال صاحب البيان
(4)
: قبوله إلى الله تعالى، قال النووي
(5)
: ومقتضى المذهب في نظائرها الجزم بعدم الثواب كما في الصلاة في دار مغصوبة قاله العراقي
(6)
.
قال النووي في شرح مسلم
(7)
: وسببه أن الزوج له حق الاستمتاع بها في كل الأيام وحقه واجب على الفور فلا يفوته بتطوع ولا بواجب على التراخي فإن قيل فينبغي أن يجوز لها الصوم بغير إذنه فإن أراد الاستمتاع بها كان له ذلك ويفسد صومها فالجواب أن صومها يمنعه من الاستمتاع في العادة لأنه يهاب انتهاك الصوم بالإفساد، وقوله صلى الله عليه وسلم وزوجها شاهد إلا بإذنه هذا الحديث فيه النهي عن الصوم بأن يكون زوجها شاهدا إلا بإذنه والمراد
(1)
روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 345).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 115).
(3)
المجموع شرح المهذب (6/ 392).
(4)
البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160).
(5)
المجموع شرح المهذب (6/ 392).
(6)
طرح التثريب (4/ 140).
(7)
شرح النووي على مسلم (7/ 115).
بشهوده حضوره أن يكون مقيما في البلد ومفهومه أن لها صوم التطوع في غيبته وهو كذلك بلا خلاف كما ذكره النووي في شرح المهذب
(1)
وهو واضح لزوال معنى النهي.
وَأَمَّا قَضَاؤُهَا رَمَضَانَ وَصَوْمُهَا الْكَفَّارَةَ وَالنَّذْرَ فَسَيَأْتِي إيضَاحُهُ فِي كِتَابِ النَّفَقَاتِ وَالْأَمَةُ الْمُسْتَبَاحَةُ لِسَيِّدِهَا فِي صَوْمِ التَّطَوُّعِ كَالزَّوْجَةِ وَأَمَّا الْأَمَةُ الَّتِي لَا تَحِلُّ لِسَيِّدِهَا فحكمها مبسوط في كتب الفقه والله أعلم.
وَمَا الْمُرَادُ بِغَيْبَتِهِ هُنَا؟ هَلْ الْمُرَادُ الْغَيْبَةُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ وَهِيَ أَنْ يَكُونَ عَلَى مَسَافَةِ الْقَصْرِ أَوْ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ فَوْقَ مَسَافَةِ الْعَدْوَى أَوْ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْغَيْبَةِ عَنْ الْبَلَدِ وَلَوْ قَلَّتْ الْمَسَافَةُ وَقَصُرَتْ مُدَّتُهَا؟ مُقْتَضَى إطْلَاقِ الْحَدِيثِ تَرْجِيحُ هَذَا الِاحْتِمَالِ الثَّالِثِ لَكِنْ لَوْ ظَنَّتْ قُدُومَهُ فِي بَقِيَّةِ الْيَوْمِ بِسَبَبٍ مِنْ الْأَسْبَابِ فَيَنْبَغِي تَحْرِيمُ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِهَذَا الِاحْتِمَالِ فَمَتَى ظَنَّتْ قُدُومَهُ فِي يَوْمٍ حَرُمَ عَلَيْهَا صَوْمُهُ وَلَوْ بَعُدَتْ بَلَدُ الْغَيْبَةِ وَطَالَتْ مُدَّتُهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَحْرُمَ اسْتِصْحَابًا لِلْغَيْبَةِ وَالْأَصْلُ اسْتِمْرَارُهَا.
وفِي مَعْنَى غَيْبَتِهِ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا لَا يُمْكِنُهُ الِاسْتِمْتَاعُ بِزَوْجَتِهِ فَلَهَا حِينَئِذٍ الصَّوْمُ مِنْ غَيْرِ إذْنِهِ فِيمَا يَظْهَرُ.
هَلْ الْمُرَادُ إذْنُهُ صَرِيحًا أَوْ يَكْفِي مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ احْتِفَافِ قَرَائِنَ تَدُلُّ عَلَى رِضَاهُ بِذَلِكَ؟ الظَّاهِرُ أَنَّ احْتِفَافَ الْقَرَائِنِ وَاطِّرَادَ الْعَادَةِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ الصَّرِيحِ.
(1)
المجموع شرح المهذب (6/ 392).
وفي كلام المالكية أن هذا مخصوص بمن علمت كراهة الزوج لذلك أما إذا علمت أنه لا يكره ذلك فلا إثم عليها في إنشاء الصوم والشافعية قضوا بسقوط نفقتها إذا صرح الزوج بمنعها منه فإن لم يصرح فلهم في سقوط نفقتها وجهان، ذكره العراقي في شرح الأحكام
(1)
.
قوله صلى الله عليه وسلم: "ولا تأذن في بيته" أي وهو شاهد إلا بإذنه فيه تخصيص المنع بحضور الزوج وهو يدل على أن ذلك لحق الزوج في زوجته إذ قد يكون المأذون له في تلك الحال ممن يشوش على الزوج مقصوده وخلوته بها وعلى هذا تظهر المناسبة بين هذا النهي وبين النهي عن الصوم المتقدم
(2)
اهـ.
وفيه إشارة إلى أنه (لا يفتات) على الزوج وغيره من مالكي البيوت وغيرها بالإذن في أملاكهم إلا بإذنهم وهذا محمول على ما لا يعلم رضا الزوج ونحوه به فإن علمت المرأة ونحوها رضاه به جاز كما سبق في النفقات
(3)
اهـ.
وفيه منع الزوجة من الإدخال عليها قالت الشافعية للزوج منعها من إدخال أبويها وأولادها وقال بعضهم والأولى أن لا يفعل.
قوله صلى الله عليه وسلم في رواية لأبي داود إن أبا هريرة سئل عن المرأة هل تصدق من بيت زوجها قال "لا إلا من قوتها والأجر بينهما" قوله والأجر بينهما قال
(1)
طرح التثريب في شرح التقريب (4/ 59).
(2)
المفهم (9/ 38).
(3)
شرح النووي على مسلم (7/ 115).
النووي
(1)
: معنى هذه الأحاديث أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر، ومعنى المشاركة أن له أجرًا كما لصاحبه أجر، وليس معناه أنه يزاحم المالك في أجر أحدهما، والمراد: المشاركة في أصل الثواب فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب وإن كان أحدهما أكثر ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء بل قد يكون ثواب هذا أكثر وقد يكون عكسه فإذا أعطى المالك لخازنه أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو نحوها ليوصلها إلى مستحق الصدقة على باب داره ونحوه فأجر المالك أكثر وإن أعطاه رمانة أو رغيفًا أو نحوهما فحيث ليس له قيمة كثيرة ليذهب به إلى محتاج في مسافة بعيدة بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد على الرمانة والرغيف فأجر الوكيل أكثر وقد يكون عمله قدر الرغيف مثلا فيكون مقدار الأجر سواء. والله أعلم.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم (الأجر بينهما نصفان) فمعناه قسمان وإن كان أحدهما أكثر كما قال الشاعر: إذا مت كان الناس نصفان بيننا.
(وأشار القاضي إلى أنه يحتمل أن يكون سواء لأن الأجر فضل من الله تعالى يؤتيه من يشاء ولا يدرك بقياس ولا هو بحسب الأعمال بل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء وقوله صلى الله عليه وسلم الأجر بينكما ليس معناه أن الأجر الذي لأحدهما يزدحمان فيه والمختار الأول بل معناه أن هذه النفقة والصدقة التي أخرجها الخازن أو المرأة أو المملوك ونحوهم بإذن المالك يترتب على جملتها ثواب على قدر المال والعمل فيكون ذلك مقسوما بينهما لهذا
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 111).
نصيب بماله ولهذا نصيب بعمله فلم يزاحم صاحب المال العامل في نصيب عمله ولا يزاحم العامل صاحب المال في نصيب ماله
(1)
.
وقال الخطابي
(2)
: إذا أخذت المرأة من مال زوجها أكثر من نفقتها، وتصدقت به ورضي بذلك يكون الأجر بينهما نصفين فلها نصف أجره بما تصدقت من نفقتها، ونصف للزوج بما أجره له بما تصدقت به أكثر من نفقتها؛ لأن الأكثر حق الزوج، وهذا الحديث مفسر عند العلماء على عادة أهل الحجاز فإن عادتهم أن يأذنوا لزوجاتهم وخدمهم بأن يضيفوا الضيفان ويطعموا السائلين فحرض رسول الله صلى الله عليه وسلم أمته على هذه العادة الحسنة وأما إذا أنفقت المرأة بغير إذن زوجها [يحصل لها مظلمة وإثم،] سواء أكان قليلا أو كثيرا.
[وقوله:] نصف أجره أي مثله لما في مسلم كان لها أجرها وله مثله بما اكتسب ولها بما أنفقت وللخازن مثل ذلك من غير أن ينقص من أجورهم شيئا اهـ قاله في شرح الإلمام
(3)
.
قوله صلى الله عليه وسلم "ولا يحل لها أن تتصدق من مال زوجها إلا بإذنه" واعلم أنه لا بد في العامل وهو الخزان وفي الزوجة والمملوك من إذن المالك في ذلك
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 112).
(2)
معالم السنن (2/ 78)، وأعلام الحديث (1/ 761)، وشرح السنة (6/ 204)، والمفاتيح (2/ 555).
(3)
سبق وقد أشرنا إلى أن الكتاب لم يطبع بكامله.
فإن لم يكن أذن أصلا فلا أجر لأحد من هؤلاء الثلاثة بل عليهم وزر بتصدقهم من مال غيرهم بغير إذنه، والإذن ضربان أحدهما الإذن الصريح في النفقة والصدقة والثاني الإذن المفهوم من اطراد العرف كإعطاء السائل كسرة ونحوها مما جرت العادة به واطرد العرف فيه وعلم بالعرف رضا المالك والزوج به فإذنه في ذلك حاصل وإن لم يتكلم هذا إذا علم رضاه لاطراد العرف وعلم أن نفسه كنفوس غالب الناس في السماحة بذلك والرضا به فإن اضطرب العرف وشك في رضاه أو كان شحيحا يشح بذلك وعلم من حاله ذلك أو شك فيه لم يجز للمرأة وغيرها والتصدق بماله إلا بصريح إذنه والله أعلم قاله في الديباجة.
1386 -
وَعَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَا يجوز لامْرَأَة عَطِيَّة إِلَّا بِإِذن زَوجهَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب
(1)
.
قوله عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "لا يجوز لامرأة عطية إلا بإذن زوجها" العطية الهبة هذا محمول على غير الرشيدة قال الكرماني
(2)
وأقول وأن المراد من مال زوجها لا من
(1)
أبو داود (3547)، والنسائي (5/ 65)، وابن ماجه (2388)، وأحمد (7058)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (932).
(2)
الكواكب الدراري (2/ 93).
مالها في الحديث "حجر الأزواج على النساء في التصرف"
(1)
وبه قال أحمد
(2)
فيما زاد على الثلث وعنه رواية بالجواز مطلقا وبه قال الشافعي وأبو حنيفة
(3)
وعلل ذلك بأنها بالغة رشيدة وبأن ملكها تام فلا يزول بالتزويج والحديث محمول على العطية من مال زوجها [مما] لم تجر العادة به مما لا يسمح أو [يؤذن] فيه ونسب إليها لتمكنها من أكله وإطعامه بالرضا ولها أجر قال مالك: لا تملك التصرف في مالها إلا بإذنه حتى تعنس قلنا الفرق فيما قبل التعنيس وبعده [أن] له حق الاستمتاع بما ملكته [قلنا] لا نسلم حقه في مالها بل في [بضعها] وفيما قلنا جمع [بين] الحديث والقاعدة والله أعلم اهـ قاله في شرح الإلمام.
1387 -
وَعَن أَسمَاء رضي الله عنها قَالَت قلت يَا رَسُول الله مَا لي مَال إِلَّا مَا أَدخل عَليّ الزبير أفأتصدق قَالَ تصدقي وَلَا توعي فيوعى عَلَيْك. وَفِي رِوَايَة أَنَّهَا
(1)
لم نقف عليه.
(2)
ينظر: الفروع وتصحيح الفروع (3/ 477)، شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 411) المبدع في شرح المقنع (2/ 309) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (3/ 3) كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 165) مطالب أولي النهى في شرح غاية المنتهى (1/ 946).
(3)
ينظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 191) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(2/ 256)، الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115) البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160) فتاوى ابن الصلاح (2/ 549).
جَاءَت النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَت يَا نَبِي الله لَيْسَ لي شَيْء إِلَّا مَا أَدخل عَليّ الزبير فَهَل عَليّ جنَاح أَن أرضخ مِمَّا يدْخل عَليّ قَالَ ارضخي مَا اسْتَطَعْت وَلَا توعي فيوعي الله عَلَيْك رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ
(1)
.
1388 -
وَعَن عائشة رضي الله عنها عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ إِذا تَصَدَّقت الْمَرْأَة من بَيت زَوجهَا كَانَ لَهَا أجرهَا ولزوجها مثل ذَلِك لَا ينقص كل وَاحِد مِنْهُمَا من أجر صَاحبه شَيْئا لَهُ بِمَا كسب، وَلها بِمَا أنفقت رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن
(2)
.
قوله وعن أسماء: هي أسماء بنت أبي بكر الصديق
(3)
رضي الله عنها وعن أبيها امرأة الزبير بن العوام واسم أمها قيلة وقيل قتيلة بنت عبد العزى وأسلمت أسماء قديما بعد سبعة عشر إنسانا وكانت أسماء أسن من عائشة وهي أختها لأبيها وكان عبد الرحمن بن أبي بكر أخا أسماء شقيقها سماها النبي صلى الله عليه وسلم ذات النطاقين لأنها صنعت للنبي صلى الله عليه وسلم سفرة ولأبيها لما هاجرا فلم تجد ما تشدها به فشقت نطاقها وشدت به السفرة فسماها النبي صلى الله عليه وسلم ذات النطاقين، هاجرت أسماء إلى المدينة وهي حامل بعبد الله بن الزبير فولدته بعد الهجرة فكان أول مولود ولد في الإسلام بعد الهجرة، بلغت أسماء مائة سنة لم يسقط لها سن ولم يتغير عليها من عقلها شيء، روي لها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة
(1)
البخاري (2590)، ومسلم (1029)، وأبو داود (1699)، والترمذي (1960)، وأحمد (26987).
(2)
الترمذي (671)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (934).
(3)
تهذيب الكمال في أسماء الرجال (35/ 123)(7780).
وخمسون حديثا توفيت رضي الله عنها بمكة في جمادى الأولى سنة ثلاث وسبعين بعد قتل ابنها عبد الله بيسير لم تبق بعد إنزاله من الخشبة إلا ليال يسيرة قيل ثلاث ليال وقيل عشر ليال وقيل عشرون وقيل غير ذلك وفي تاريخ دمشق عن خليفة بن خياط قال: ولدت أسماء للزبير عبد الله وعروة والمنذر والمهاجر بني الزبير، وفيه عن الزبير بن بكار أنها ولدت للزبير عبد الله وعروة وعاصم والمنذر والمهاجر وخديجة وأم حسين وعائشة وأن أسماء وابنها وأباها وجدّها أربعة صحابيين لا يعرف لغيرهم إلا لمحمد بن أبي بكر بن عبد الرحمن بن أبي بكر بن أبي قحافة ومناقبها كثيرة مشهورة والله أعلم.
قولها رضي الله عنها: قلت يا رسول الله ليس لي مال إلا ما أدخل علي الزبير، هذا محمول على ما أعطاها الزبير لنفسها بسبب نفقة وغيرها أو مما هو ملك الزبير ولا تكره الصدقة منه بل يرضى بها على عادة غالب الناس
(1)
.
وقوله صلى الله عليه وسلم "ارضخي ما استطعت" معناه ما يرضى به الزبير وتقديره أن لك في الرضخ مراتب مباحة بعضها فوق بعض وكلها يرضاها الزبير فافعلي أعلاها أو يكون معناها ما استطعت مما هو ملك لك
(2)
.
وقولها أفأتصدق قال تصدقي ولا توعي فيوعي عليك" أي لا تمسكى المال في الوعاء فيمسك الله فضله وثوابه عنك
(3)
ومعناه يمنعك كما منعت
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 119).
(2)
شرح النووي على مسلم (7/ 119).
(3)
المفهم (9/ 42).
ويقتر عليك كما قترتِ ويمسك فضله عنك كما أمسكت
(1)
وتقدم الكلام عليه في الباب قبله.
وقولها: فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل علي الزبير قال "أرضخي ما استطعت" الحديث، الجناح المراد به [الإثم والميل] والرضخ العطاء اليسير وإنما قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أرضخي لما عرف من حالها ومقدرتها وأنه لم يكن لها أن تتصرف في مال زوجها بغير إذنه إلا في الشيء اليسير الذي جرت فيه العادة بالتسامح من قبل الأزواج كالكسرة والتمرة والطعام الذي يفضل في البيت ولا يصلح للخزن لتسارع الفساد إليه
(2)
كذا في شرح المشارق، وارضخي همزته همزة وصل من الرضخ بسكون الضاد وهو العطية اليسيرة
(3)
كما تقدم اهـ.
قوله: وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده تقدم الكلام عليه.
قوله صلى الله عليه وسلم "إذا تصدقت المرأة من بيت زوجها كان لها أجره ولزوجها بما كسب ولها بما أنفقت" تقدم الكلام على هذا في حديث قبله.
1389 -
وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول فِي خطبَته عَام حجَّة الْوَدَاع لَا تنْفق امْرَأَة شَيْئا من بَيت زَوجهَا إِلَّا بِإِذن زَوجهَا قيل يَا رَسُول الله وَلا الطَّعَام قَالَ ذَلِك أفضل أَمْوَالنَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث
(1)
شرح النووي على مسلم (7/ 119).
(2)
الميسر (2/ 438).
(3)
حدائق الأزهار (لوحة 88 و 89/ خ 87781 كتبخانة)، ومبارق الأزهار (1/ 120).
حسن
(1)
.
قوله: وعن أبي أمامة رضي الله عنه تقدم الكلام على أبي أمامة الباهلي.
قوله: قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في خطبته عام حجة الوداع" تقدم الكلام على حجة الوداع.
قوله صلى الله عليه وسلم "لا تنفق امرأة شيئا من بيت زوجها إلا بإذن زوجها قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذلك أفضل أموالنا" أي لأنه قوت وبه تقوم البنية فهو أفضل من الأدم وغيره ويحتمل أن يراد بالفضيلة العزة وأنه أعز من الذهب والفضة [وقيل] وغير ذلك لكثرة منافعه وإمكان تناوله حبا وعلى أنواع أخر وبه تحصل هذه الأمور وأكثر ما يطلق المال عند العرب على الإبل لأنها أكثر أموالهم ولهذا فسر بعضهم حديث النهي [عن إضاعة المال] بالحيوان
(2)
وفي هذا الحديث إطلاق [اسم المال على كل ما يقتنى ويملك من] الحب وغيره اهـ. قاله في شرح الإلمام.
(1)
الترمذي (670)، وأبو داود (3565)، وابن ماجه (2295)، وأحمد (22294)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (935).
(2)
النهاية (4/ 372 - 373).