المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاءه في ذم الطمع والترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٥

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

- ‌فصل

- ‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزل لها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جَاءَهُ شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فِي قبُوله سِيمَا إِن كَانَ مُحْتَاجا وَالنَّهْي عَن رده وَإِن كَانَ غَنِيا عَنهُ

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

- ‌[الترغيب في صدقة السر]

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌[الترغيب في القرض وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

- ‌الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

- ‌فصل

- ‌الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصوم الترغيب في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام رَمَضَان احتسابا وَقيام ليله سِيمَا لَيْلَة الْقدر وَمَا جَاء فِي فَضله

- ‌التَّرْهِيب من إفطار شَيْء من رَمَضَان من غير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم سِتّ من شَوَّال

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام يَوْم عَرَفَة لمن لم يكن بهَا وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَنْهَا لمن كَانَ بهَا حَاجا

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام شهر الله الْمحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم شعْبَان وَمَا جَاءَ فِي صِيَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفضل لَيْلَة نصفه

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوم ثلاثة أَيَّام من كل شهر سِيمَا الْأَيَّام الْبيض

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخمِيس

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الأرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت والأحد وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن تَخْصِيص الْجُمعَة بِالصَّوْم أَو السبت

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم وَهُوَ صَوْم دَاوُد عليه السلام

- ‌ترهيب الْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا أَن تستأذنه

- ‌ترهيب الْمسَافِر من الصَّوْم إِذا كَانَ يشق عَلَيْهِ وترغيبه فِي الْإِفْطَار

- ‌التَّرْغِيب فِي السّحُور سِيمَا بِالتَّمْرِ

الفصل: ‌الترهيب من المسألة وتحريمها مع الغنى وما جاءه في ذم الطمع والترغيب في التعفف والقناعة والأكل من كسب يده

‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

1185 -

عَن ابْن عمر رضي الله عنهما أَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا تزَال الْمَسْألة بأحدكم حَتَّى يلقى اللّه تَعَالَى وَلَيْسَ فِي وَجهه مزعة لحم، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

المزعة بِضَم الْمِيم وَسُكُون الزاء وبالعين الْمُهْملَة هِيَ الْقطعَة.

1187 -

(2)

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول الْمَسْألة كلوح فِي وَجه صَاحبهَا يَوْم الْقِيَامَة فَمن شَاءَ استبقى على وَجهه، الحَدِيث رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته كلهم ثِقَات مَشْهُورُونَ

(3)

.

قوله عن ابن عمر رضي الله عنه تقدم الكلام على ابن عمر، قوله صلى الله عليه وسلم "لا تزال المسألة بأحدكم حتى يلقى اللّه تعالى وليس في وجهه مزعة لحم" الحديث المزعة بضم الميم [وسكون] الزاي وبالعين المهملة وهي اللحم قاله المنذري وقال: غيره أي قطعة يسيرة من اللحم والممزع المقطع ومنه قول الشاعر وباركت يد اللّه في ذاك الأديم الممزع أي المقطع ويعبر بالمزعة عن القليل يقال ما في [الإناء مزعة من الماء أي جرعة

(4)

.

(1)

البخاري (1474)، ومسلم (1040).

(2)

هذا خطأ في الترقيم. المحقق.

(3)

أحمد (5680)، والبيهقي في شعب الإيمان (3510)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (788).

(4)

الميسر (2/ 433).

ص: 160

وفى الحديث تأويلان قالهما الإمام أبو عبد اللّه القرطبى في كتابه: قمع الحرص بالزهد والقناعة ورد ذل السؤال بالكتاب والشفاعة أحدهما: حمل الحديث على وجهه وأنه يأتى هذا العبد الذي جعل مسألة الناس حرفته، وسؤال الخلق دون الحق دأبه، وعادته يوم القيامة وقد تساقط لحم وجهه فيبقى عظما أجرد قبيح المنظر والثانى: أن المراد أنه يأتى في القيامة ولا قدر له ولا وجه ولا وجاهة عند اللّه تعالى كما جاء في بعض طرق الحديث "أنه يلقى اللّه ولا وجه له عنده"، كما يقال: لفلان وجه عند الناس.

قال الإمام أبو عبد اللّه القرطبى: وقد يجمع له الوجهان: كشف الوجه، وعدم الجاه زيادة في عقوبته

(1)

انتهى.

وعلامة ذنبه حين طلب وسأل بوجهه كما جاءت به الأحاديث الأخر بالعقوبات في الأعضاء التي كانت بها المعاصي

(2)

، قال ابن عقيل وجاء في الحديث "أن أهل المعاصى يحشرون على الهيئة التي كانوا يتعاطونها في الدنيا يحشر شارب الخمر والقدح بيده و الكوز معلق في عنقه والقدح بيده"

(3)

وقال في الميسر: وقد عرفنا اللّه تعالى أن الصور في الآخرة تختلف باختلاف المعاني، قال اللّه تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}

(4)

(5)

وهذا فيمن سأل

(1)

قمع الحرص بالزهد والقناعة (ص 19).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 130).

(3)

التذكرة (ص 526) نقلًا عن أبي حامد الغزالى في الدرة الفاخرة (ص 65).

(4)

سورة آل عمران، الآية:106.

(5)

الميسر (2/ 433).

ص: 161

لغير ضرورة سؤالا منهيا عنه وأكثر منه كما في الرِّواية الأخرى من سأل تكثرا فإنما يسأل جمرا

(1)

قال ابن بطالى فيه ذم السؤال وتقبيحه، وفهم البخاري، رحمه الله، أن الذي يأتى يوم القيامة لا لحم في وجهه من كثرة السؤال أنه السائل تكثرا لغير ضرورة إلى السؤال

(2)

، أي يستكثر بسؤاله المال لا يريد به سد الخلة قال وجازاه اللّه من جنس ذنبه حين بذل ماء وجهه وعنده الكفاية

(3)

والحكمة في ذهاب لحم وجهه وصول حر الشمس إلى العظام بحيث لا يقيها شئ وقال في المفهم: وخص الوجه لأنه بذله فيما أمر بصونه عنه ففى هذا الحديث النهى عن السؤال واتفق العُلماء على تحريم ذلك إلا لضرورة فإذا كان قادرا على الكسب فالصحيح أن السؤال حرام وقيل مكروه بشرط أن لا يذل نفسه وأن لا يلح فيه وأن لا يؤذى المسؤول وإن فقد أحد الشروط فهو حرام، وقال في الميسر وقد عرفنا اللّه - سبحانه - أن الصور في الدار الآخرة تختلف باختلاف المعاني، قال اللّه تعالى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ}

(4)

فالذى يبذل وجهه لغير اللّه في الدنيا، من غير ضرورة، بل للتكثر يصيبه شين في الوجه بذهاب اللحم عنه، ليظهر للناس فيه على صورة المعنى الذي خفي عليهم

(5)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 130).

(2)

شرح الصحيح (3/ 512).

(3)

الكواكب الدراري (8/ 20).

(4)

سورة آل عمران، الآية:106.

(5)

الميسر (2/ 433).

ص: 162

1186 -

وَعَن سَمُرَة بن جُنْدُب رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ إِنَّمَا الْمسَائِل كدوح يكدح بهَا الرجل وَجهه فَمن شَاءَ أبقى على وَجهه وَمن شَاءَ ترك إِلَّا أَن يسْأَل ذَا سُلْطَان أَو فِي أَمر لا يجد مِنْهُ بدا، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيّ، وَعِنْده الْمَسْألة كد يكد بهَا الرجل وَجهه الحَدِيث وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح. وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ كد فِي رِوَايَة وكدوح فِي أُخْرَى

(1)

.

"الكدوح" بِضَم الْكَاف آثَار الخموش.

قوله: وعن سمرة بن جندب تقدم الكلام عليه.

قوله ج: "إنما المسائل كدوح يكدح بها الرجل وجهه فمن شاء أبقى على وجهه ومن شاء ترك "قال: الحافظ المنذري: الكدوح بضم الكاف آثار الخموش ا. هـ، وقال غيره الكدوح بضم الكاف والدال وبالواو والحاء المهملة وهي الآثار من الخدش والعض ونحوه

(2)

، وقيل الكدوح أكثر من الخدش وكل أثر من خدش أو عض ونحوه فهو كدوح

(3)

وكدوح للمبالغة كصبور أي يريق بالسؤال ماء وجهه ومن أراق ماء وجهه فكأنه جرحه

(4)

انتهى.

(1)

أبو داود (1639)، والنسائي (5/ 100)، والترمذي (681)، وابن حبان (3386)، وأحمد (20106)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (787).

(2)

كشف المناهج (2/ 115).

(3)

النهاية (4/ 155).

(4)

المفاتيح (2/ 518).

ص: 163

ويجوز أن يكون مصدرا سمى به الأثر والكدوح في غير هذا السعي والحرص والعمل

(1)

، وقال: صاحب المغيث في رواية الترمذي والمسألة كد يكد بها الرجل وجهه وفي رواية أخرى كدوح وفي أخرى خدوش أو خموش الكد: الإتعاب يقال: كد يكد في عمله كدا، إذا استعجل وتعب كأنه يشير إلى الحديث الذي جاء فيه:"جاءت مسألته خدوشا في وجهه" لأن الوجه إذا خدش فقد أتعب ويحتمل أن يريد بالوجه ماءه ورونقه

(2)

واللّه أعلم قاله في النهاية

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إلا أن يسئل ذا سلطان أو في أمر لا يجد منه بدا" إنما جاز سؤال السلطان لأنه لا يلحقه منة فيما يأخذ منه

(4)

.

وقوله صلى الله عليه وسلم: "أو في أمر لا يجد منه بدا" يريد ما تدعو الحاجة إليه والضرورة إلى المسألة فيه ككتاب أو ثوب أو غير ذلك، وأباح أيضًا سؤال أهل الفضل والصلاح عند الحاجة إلى ذلك إذ هم أهل الفضل بها، فإن أوقع حاجته باللّه تعالى فهو أولى وأفضل وأعلى

(5)

على ما يأتي، وكان سفيان الثورى مع

(1)

النهاية (4/ 155).

(2)

المجموع المغيث (3/ 21 - 22)، والنهاية (4/ 155).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 155) ونصه: فِيهِ "المَسائلُ كَدٌّ، يَكُدُّ بِهَا الرَّجُلُ وَجْهَه" الكَدُّ: الْإِتْعَابُ، يُقال: كَدَّ يَكُدُّ فِي عَمَله كَدًّا، إِذَا اسْتَعْجل وتَعِب. وَأَرَادَ بالوَجْه مَاءَ ورَوْنَقَه.

(4)

قمع الحرص (ص 34).

(5)

قمع الحرص (ص 34).

ص: 164

ورعه وفضله يقول: جوائز السلطان أحب إلى من صدقة الإخوان لأن الإخوان يمنون والسلطان لا يمن ومثل هذا عن العُلماء الفضلاء في وجمع فيه الناس أبوابا واللّه أعلم ذكره القرطبى في كتابه قمع الحرص بالزهد والقناعة

(1)

.

وقال بعضهم: سؤال السلطان هو: أن يسأل حقه من بيت المال الذي في يده وليس على معنى استباحة الأموال التي تخونها أيديهم من غصب ونحوه واللّه أعلم

(2)

.

1188 -

وَعَن مَسْعُود بن عَمْرو رضي الله عنه أَن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لا يزَال العَبْد يسْأَل وَهُوَ غَنِي حَتَّى يخلق وَجهه فَمَا يكون لَهُ عِنْد اللّه وَجه، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَفِي إِسْنَاده مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى

(3)

.

قوله: وعن مسعود بن عمرو [ذكر البغوي أنه مسعود بن عمرو بن ربيعة بن عمرو القاري، حليف بني زهرة، شهد بدرًا وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهة السؤال، روى عنه سعيد بن يزيد، تفرد بحديثه محمد بن جامع العطار، وهو متروك، كذا أورده ابن عبد البر، وأقره ابن الأثير وزاد: وله حديث آخر رواه عنه الحسن في النهي عن قتل الحيات، قال ابن حجر: ودعواه تفرد محمد بن

(1)

قمع الحرص (ص 206).

(2)

جامع الأصول (10/ 144)، والمفاتيح (2/ 518).

(3)

البزار (919)، والطبراني في الكبير (790)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 96)، رواه البزار والطبراني في الكبير وفيه محمد بن أبي ليلى وفيه كلام.

ص: 165

جامع به ليس بصحيح، فقد أخرجه البغوي، وابن السكن، والطبراني، وابن مندة، وأبو نعيم، وغيرهم، من طرق ليس فيها محمد بن جامع، لكن كلها تدور على محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى

(1)

].

قوله: "لا يزال العبد يسأل وهو غني حتى يخلق وجهه فما يكون له عند اللّه وجه" الحديث].

قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يزال العبد يسأل وهو غني" وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى

(2)

.

فائدة: قال ابن الأثير في الجامع: إِذا أطلق المحدّثون: ابْن أبي ليلى، يعنون: عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى، وَإِذا أطلقهُ الْفُقَهَاء يُرِيدُونَ ابْنه مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى

(3)

. قال في مسمع الأحباب: ابن أبي ليلى أدرك مائة وعشرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وليا ولي القضاء ركب أول يوم فاصطفت له الناس فنظر إليه مجنون من المجانين وقال: انظروا إلى من جمع اللّه له سرور الدنيا بحزن الآخرة فقال ابن أبي ليلى: لو سمعتها قبل أن أراك ما وليت لهم شيئًا أسند عن علماء الصحابة وروى عن جماعة من التابعين،

(1)

معجم الصحابة (5/ 407) للبغوي، ومعجم الصحابة (3/ 64) لابن قانع، والاستيعاب (3/ الترجمة 2387)، وأسد الغابة (5/ الترجمة 4895)، والإصابة (6/ الترجمة 7973).

(2)

سير أعلام النبلاء (4/ 262) طبقات ابن سعد 6/ 109، طبقات خليفة ت 1080، تاريخ البخاري 5/ 368 تذهيب التهذيب 2/ 226 آ، غاية النهاية ت 1602، الإصابة ت 5192، تهذيب التهذيب 6/ 260.

(3)

جامع الأصول (12/ 831).

ص: 166

قال: النووي

(1)

اسم أبي ليلى يسار وهو صحابي شهد أحدا وما بعدها من المشاهد مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثم انتقل إلى الكوفة سكنها وحضر مع علي بن أبي طالب مشاهده كلها وقتل معه بصفين وقال: عبد الملك بن عمير رأتهما عبد الرحمن بن أبي ليلى في حلقة فيها نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يسمعون لحديثه وينصتون له منهم البراء بن عازب، وقال عبد اللّه بن الحارث: ما شعرت أن النساء يلدن مثل ابن أبي ليلى ولد عبد الرحمن لست سنين بقيت من خلافة عمر وهو تابعي كبير جليل واتفقوا على توثيقه وجلالته، وتوفي سنة ثلاث وتسعين ا. هـ واللّه أعلم.

1189 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من سَأل النَّاس فِي غير فاقة نزلت بِهِ أَو عِيَال لَا يطيقهم جَاءَ يَوْم الْقِيَامَة بِوَجْه لَيْسَ عَلَيْهِ لحم.

1190 -

وَقَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم من فتح على نَفسه بَاب مَسْألة من غير فاقة نزلت بِهِ أَو عِيَال لا يطيقهم فتح اللّه عَلَيْهِ بَاب فاقة من حَيْثُ لا يحْتَسب، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَهُوَ حَدِيث جيد فِي الشواهد

(2)

.

قوله وعن ابن عباس تقدم الكلام على ابن عباس.

قوله: صلى الله عليه وسلم "من سأل الناس في غير فاقة نزلت به أوعيال لا يطيقهم" الفاقة الحاجة والفقر قوله صلى الله عليه وسلم: "جاء يوم القيامة بوجه ليس عليه لحم" الحديث تقدم الكلام على ذلك في أول الباب.

(1)

ينظر: تهذيب الأسماء واللغات 1/ 303.

(2)

البيهقي في شعب الإيمان (3526)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (790).

ص: 167

1191 -

وَعَن عَائِذ بن عَمْرو رضي الله عنه أَن رجلًا أَتَى النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يسْأَله فَأعْطَاهُ فَلَمَّا وضع رجله على أُسْكُفَّة الْبَاب، قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لَو يعلمُونَ مَا فِي الْمَسْألة مَا مَشى أحد إِلَى أحد يسْأَله، رَوَاهُ النَّسَائِيّ

(1)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق قَابُوس عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما، قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم لَو يعلم صَاحب الْمَسْألة مَا لَهُ فِيهَا لم يسْأَل

(2)

.

قوله: وعن عائذ بن عمرو (عائذ بن عمرو بن هلال بن عبيد بن يزيد بن رواحة بن زبينة بن عدي بن عامر بن ثعلبة بن ثور بن هذمة بن لاطم بن عثمان بن عمرو بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر المزني، يكنى أبا هبيرة، ويقال لولد عثمان وأوس ابني عمرو: مزينة، نسبا إلى أمهما.

وكان ممن بايع بيعة الرضوان تحت الشجرة، وكان من صالحي الصحابة، سكن البصرة، وابتنى بها دارا، وتوفي في إمارة عبيد اللّه بن زياد، أيام يزيد بن معاوية، وأوصى أن يصلي عليه أبو برزة الأسلمي، لئلا يصلي عليه ابن زياد. روى عنه الحسن، ومعاوية بن قرة، وعامر الأحول، وغيرهم.

(3)

قوله أن رجلًا أتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يسأله فأعطاه فلما وضع رجله على اسكفة الباب الحديث اسكفة الباب بضم الهمزة والكاف وتشديد الفاء

(1)

النسائي (5/ 94)، وأحمد (20646)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (791).

(2)

الطبراني في الكبير (12616)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 93)، وفيه قابوس وفيه كلام، وقد وثق، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (792).

(3)

أسد الغابة (3/ 146).

ص: 168

المفتوحة هي عتبته قاله: في الصحاح وغيرها

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لو يعلمون ما في المسألة ما مشى أحد إلى أحد يسأله" وفي رواية الطبراني عن ابن عباس "لو يعلم صاحب المسألة ما له فيها لم يسأل"

(2)

قال: الإمام أبو عبد اللّه القرطبي

(3)

في كتابه المذكور في أول الباب إذا كان السائل صادقا في سؤاله محتاجا إلى ما يدفع به ضرورته وفاقته فله أن يسأل وعلى الناس أن يعطوه كما دل عليه حديث جرير وغيره وأما إذا كان السائل من الملحين في السؤال الملحفين في طلب النوال الذين اتخذوه ديدنا وعادة وحرفة وصنعة فإنهم يقامون ويخرجون لأنهم يشوشون على الناس وعلى هذا يحمل كراهة مالك وما روى عن معاذ بن جبل في ذلك واللّه أعلم قال: معاذ رضي الله عنه "إذا كان يوم القيامة نادى منادي أين بغضاء اللّه في أرضه فيقوم سؤال المساجد"

(4)

، وقال: صالح المري قلت: للحسن قد كثر السؤال فمن أعطى قال: من رق قلبك عليه

(5)

واللّه أعلم.

قوله: ورواه الطبراني في الكبير من طريق قابوس عن عكرمة قابوس لا

(1)

الصحاح (1/ 177)، ومجمل اللغة (ص 646)، ومقاييس اللغة (3/ 90)، ومشارق الأنوار (1/ 48)، والنهاية (3/ 175).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

أي في كتابه قمع الحرص.

(4)

أورده الغزالي في إحياء علوم الدين (2/ 63)، وأخرجه ابن حبان مرفوعًا في المجروحين (1/ 216) عن ابن عمر مرفوعًا وفيه جعفر بن أبان متهم بالكذب. وأخرجه الديلمى في الغرائب الملتقطة (435) من حديث بقية، عن اليمان بن أبي اليمان، عن الحسن، عن أنس.

(5)

قمع الحرص (ص 74 - 75).

ص: 169

ينصرف للمعجمة والتعريف قال النابغة:

نُبِّئْتُ أن أبا قابوسَ أوعدني

ولا قرارَ على زَأْرٍ من الأسَدِ

قاله في الصحاح

(1)

.

1192 -

وَعَن عمرَان بن حُصَيْن رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم مَسْألة الْغَنِيّ شين فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة، رَوَاهُ أَحْمد بِإِسْنَاد جيد وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَزَّار وَزَاد وَمَسْألة، الْغَنِيّ نَار إِن أعطي قَلِيلا فقليل وَإِن أعطي كثيرًا فكثير

(2)

.

قوله وعن عمران بن حصين تقدم الكلام عليه في الجمعة مبسوطًا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "مسألة الغني شين في وجهه يوم القيامة" الشين هو الشيء الفاحش القبيح يكون في وجهه أي يأتي بوجه ليس عليه لحم كما صرح به في الحديث الآخر وتقدم تحريم الصدقة على الأغنياء واختلفوا في القوي المكتسب، فقيل يحرم عليه لأنه في معناهم وبه قال: الشافعي لحديث فيه

(3)

وأباحه مالك وأبو حنيفة وحملا التحريم على المسألة واللّه أعلم.

(1)

الصحاح (3/ 960). انظر: ديوان النابغة (ص: 36).

(2)

أحمد (19821)، والطبراني في الأوسط (7141)، والبزار (922)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 96)، رواه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط والكبير، ورجال أحمد رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (793).

(3)

أخرجه الشافعي في المسند (663)، وأبو عبيد في الأموال (1520)، وأحمد 4/ 224 (17972 و 17973) و (230635/ 362)، وأبو داود (1633)، والنسائي في المجتبى 4/ 595 (2618) والكبرى (2585) عن عبيد اللّه بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر، ورآهما جلدين، فقال: إن =

ص: 170

1193 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ: "مَنْ سَأَلَ مَسْألةً وَهُوَ عَنْهَا غَنِيٌّ كَانَتْ شَيْئًا فِي وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ"، رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ ورواة أَحْمد مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(1)

.

قوله: وعن ثوبان تقدم الكلام عليه أيضا، قوله: صلى الله عليه وسلم "من سأل مسألة وهو عنها غني كانت شينا في وجهه يوم القيامة" تقدم الكلام على الشين.

1194 -

وَعَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من سَأَلَ وَهُوَ غَنِي عَن الْمَسْألة يحْشر يَوْم الْقِيَامَة وَهِي خموش فِي وَجهه، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط بِإِسْنَاد لَا بَأْس بِهِ

(2)

.

وقوله: وعن جابر بن عبد الله تقدم الكلام على جابر قوله صلى الله عليه وسلم "من سأل وهو غني عن المسألة يحشر يوم القيامة وهي خموش في وجهه" أي خدوش يقال: خمشت المرأة وجهها تخمشه خمشًا، وخموشا الخموش مصدر ويجوز أن يكون جمعا للمصدر حيث سمي به قاله في النهاية وخدش الجلد يخدشه خدشا إذا قشره بعود أو نحوه والخدوش جمعه لأنه سمي به الأثر وإن كان مصدرا قاله في النهاية

(3)

.

= شئتما أعطيتكما، ولا حظ فيها لغني، ولا لقوي مكتسب. وصححه الألباني في المشكاة (1832) وصحيح أبي داود (1443).

(1)

أحمد (22420)، والطبراني في الكبير (1407)، والبزار (923)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (794).

(2)

الطبراني في الأوسط (5467)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 96)، ورجاله موثقون، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (795).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 14).

ص: 171

1195 -

وَعَن مَسْعُود بن عَمْرو رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه أُتِي بِرَجُل يُصَلِّي عَلَيْهِ فَقَالَ كم ترك قَالُوا دينارين أَو ثَلَاَثة، قَالَ ترك كيتين أَو ثَلاث كيات فَلَقِيت عبد الله بن الْقَاسِم مولى أبي بكر فَذكرت ذَلِك لَهُ فَقَالَ لَهُ ذَاك رجل كَانَ يسْأَل النَّاس تكثرا، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة يحيى بن عبد الحميد الْحمانِي

(1)

.

قوله عن مسعود بن عمرو [مسعود بن عمرو الثقفي سكن المدينة، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في كراهية السؤال.

روى عنه سعيد بن يزيد، والذي انفرد بحديثه محمد بن جامع العطار، وهو متروك الحديث].

قوله أنه أتى برجل يصلي عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "كم ترك" قالوا: دينارين أو ثلاثة فقال: ترك كيتين أو ثلاثة كيات فلقيت عبد الله بن القاسم مولى أبي بكر فذكرت ذلك له فقال: ذاك رجل كان يسأل الناس تكثرا أي يسأل الناس ليكثر ما عنده من المال بما يأخذه منهم وذلك محرم عليه.

فائدة: رواه البيهقي

(2)

من رواية يحيى بن عبد الحميد الحماني، الحماني: بكسر الحاء المهملة وتشديد الميم وفي آخرها نون، قال السمعاني:

(3)

هَذِه

(1)

أحمد (9538)، البيهقي في شعب الإيمان (3515)، والبزار (3655)، وابن أبي شيبة (3/ 372).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

سبق تخريجه.

ص: 172

النِّسْبَة إِلَى حمان بن عبد الْعَزِيز بن كَعْب بْن سعد بن زيد مَنَاة بن تَمِيم وَهِي قَبيلَة من تَمِيم نزلت الْكُوفَة وَالْمَشْهُور بِهَذ النِّسْبَة أَبُو يحيى عبد الحميد بن عبد الرَّحْمَن بن مَيْمُون الْحمانِي روى عَن الأعْمَش وَالثَّوْري وَغَيرهمَا روى عَنهُ ابْنه أَبُو زَكَرِيَّا يحيى، والله أعلم.

1196 -

وَعَن حبشِي بن جُنَادَة رضي الله عنه: قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول من سَأل من غير فقر فَكَأنَّمَا يَأْكُل الْجَمْر، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَرِجَاله رجال الصّحِيح وَابْن خُزَيمَة فِي صَحِيحه

(1)

.

وَالْبَيْهَقِيّ وَلَفظه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول الَّذِي يسْأَل من غير حَاجَة كمثل الَّذِي يلتقط الْجَمْر

(2)

.

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من رِوَايَة مجَالد عَن عَامر عَن حبشِي أطول من هَذَا وَلَفظه سَمِعت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فِي حجَّة الْوَدَاع وَهُوَ وَاقِف بِعَرَفَة أَتَاهُ أَعْرَابِي فَأخذ بِطرف رِدَائه فَسَألهُ إِيَّاه فَأعْطَاهُ وَذهب فَعِنْدَ ذَلِك حرمت الْمَسْأَلَة فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إِن الْمَسْأَلَة لا تحل لَغَنِيّ وَلَا لذِي مرّة سوي إِلَّا لذِي فقر مدقع أَو غرم مقطع وَمن سَأَلَ النَّاس ليثري بِهِ مَاله كَانَ خموشا فِي وَجهه يَوْم الْقِيَامَة

(1)

أحمد (17508)، الطبراني في الكبير (3506)، وابن خزيمة (2446)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 96)، رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (796).

(2)

البيهقي في شعب الإيمان (3517)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (796).

ص: 173

ورضفا يَأْكُلهُ من جَهَنَّم فَمن شَاءَ فليقلل وَمن شَاءَ فليكثر قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث غَرِيب

(1)

. زَاد فِيهِ رزين: وَإِنِّي لأعطي الرجل الْعَطِيَّة فَينْطَلق بهَا تَحت إبطه وَمَا هِيَ إِلَّا النَّار فَقَالَ لَهُ عمر وَلم تُعْطِي يَا رَسُول الله مَا هُوَ نَار فَقَالَ أَبى الله لي الْبُخْل وأبوا إِلَّا مَسْأَلَتي قَالُوا: وَمَا الْغنى الَّذِي لا تنبغي مَعَه الْمَسْألة قَالَ قدر مَا يغديه أَو يعشيه وَهَذِه الزِّيَادَة لهَا شَوَاهِد كَثِيرَة لكني لم أَقف عَلَيْهَا فِي شَيْء من نسخ التِّرْمِذِيّ

(2)

.

"الْمرة": بِكَسْر الْمِيم وَتَشْديد الرَّاء هِيَ الشدَّة وَالْقُوَّة. والسوي: بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء هُوَ التَّام الْخلق السَّالِم من مَوَانِع الاكْتِسَاب. يثري: بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي مَا يزِيد مَاله بِهِ. والرضف: يَأْتِي وَكَذَا بَقِيَّة الْغَرِيب.

قوله: وعن حبشى بن جنادة [هو حبشي بن جنادة بن نصر بن أسامة بن الحارث بن معيط بن عمرو بن جندل بن مرة بن صعصة ومرة أخو عامر بن صعصعة ويقال لكل من ولده سلولي نسبوا إلى أمهم سلول بنت ذهل بن شيبان يكنى أبا الجنوب يعد في الكوفيين رأى النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، روى عنه الشعبي، وأبو إسحاق السبيعي

(3)

].

(1)

الترمذي (653)، والطبراني في الكبير (3504)، والبغوي في شرح السنة (1623)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (796).

(2)

ابن الأثير في جامع الأصول (7642)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (796).

(3)

أسد الغابة (1/ الترجمة 1029)، وتهذيب الكمال (5/ الترجمة 1075).

ص: 174

قوله: صلى الله عليه وسلم "من سأل من غير فقر فكأنما يأكل الجمر" أي الذي يأخذه يصير جمرًا فإن شئت اسأل القليل أو الكثير فالجمر أيضا كان قليلا أو كثيرا، وفى رواية:"كمثل الذي يلتقط الجمر" رواه الترمذي من رواية مُجالدٍ عن عامر بن حبشي أطول من هذا.

قوله: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو واقف بعرفة أتاه أعرابي فأخذ بطرف ردائه فسأله إياه فأعطاه وذهب فعند ذلك حرمت المسألة الحديث تقدم الكلام على حجة الوداع وعلى الأعرابي.

قوله: صلى الله عليه وسلم "إن المسألة لا تحل لغني ولا لذي مرة سوي" المرة: الشدة والقوة، قاله: الحافظ والسوي هو التام الخلق السالم من موانع الاكتساب أي الصحيح الأعضاء، قاله المنذري.

قوله: صلى الله عليه وسلم "إلا لذي فقر مدقع أو غرم مفظع" قال في النهاية: أي شديدًا يفضي بصاحبه إلى الدقعاء

(1)

وقيل هو سوء لاحتمال الفقر، وقيل: الفقر المدقع الذي لا يملك معه شيئا أو يملك ما لا يقع موقعا في كفايته

(2)

وهذا عند الشافعية وعكسه الحنفية

(3)

.

قوله: أو غرم مفظع المفظع الشديد الشنيع وقد أفظع يفظع فهو مفظع وفظع الأمر فهو فظيع قاله: في النهاية

(4)

والغرم بضم الغين المعجمة وسكون الراء هو ما يلزم أداؤه تكلفا.

(1)

النهاية (2/ 127).

(2)

المجموع (6/ 189 - 190) وشرح النووي على مسلم (10/) وطرح التثريب (4/ 33).

(3)

انظر درر الحكام (1/ 188).

(4)

النهاية (3/ 459).

ص: 175

قوله: صلى الله عليه وسلم: "من سأل الناس ليثري به ماله كانت خموشا في وجهه يوم القيامة ورضفا يأكله من جهنم" الحديث قوله: ليثري به ماله أي يزيد ماله به كذا فسره الحافظ المنذري وتقدم الكلام على الخموش في الأحاديث المتقدمة، والرضف الحجارة المحماة وتقدم الكلام عليه في الزكاة.

قوله: قالوا: وما الغنى الذي لا ينبغي معه المسألة قال: قدر ما يغذيه أو يعيشه واختلف العلماء في حد الغنى الذي يمنع أخذ الصدقة فقال: الأكثرون حده أن يكون عنده ما يكفيه وعياله سنة وهو قول مالك والشافعي قال: أصحاب الرأي حده أن يملك مائتي درهم وقال: قوم من ملك خمسين درهما لا تحل له الصدقة ولما روى عن ابن مسعود قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "من سأل الناس وله ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خموش أو خدوش" قيل: وما يغنيه قال: "خمسون درهما أو قيمته من الذهب" وهو قول الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق وقالوا: لا يجوز أن يعطى الرجل من الزكاة أكثر من خمسين وقيل أربعون درهما لما روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سأل وله أوقية أو عدلها فقد سأل إلحافا"

(1)

والله أعلم ذكره البغوي

(2)

وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا.

(1)

سبق تخريجه.

(2)

تفسير البغوى (2/ 360).

ص: 176

1197 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سَأل النَّاس تكثرا فَإِنَّمَا يسْأَل جمرا فليستقل أَو ليستكثر، رَوَاه مسلم وَابْن مَاجَه

(1)

.

1198 -

وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سَأَلَ النَّاس عَن ظهر غنى استكثر بهَا من رضف جَهَنَّم، قَالُوا وَمَا ظهر غنى قَالَ عشَاء لَيْلَة، رَوَاهُ عبد الله بن أَحْمد فِي زوائده على الْمسند وَالطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط وَإِسْنَاده جيد

(2)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة، قوله: صلى الله عليه وسلم "من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرا فليستقل أو ليستكثر" الحديث قال: النووي

(3)

ضبطناه بالمثلثة في قوله ليستكثر بعد الكاف وكذا هو في معظم الأصول وهو الظاهر وضبطه بعض الأئمة المعتمدين في نسخته بالباء الموحدة وله وجه وهو بمعنى الأول أن يصير ماله كثيرا عظيما المراد به أن يسأل مع استغنائه وفيه وعيد شديد لمن سأل مع عدم الاحتياج وتهديد أبلغ في التهديد والمنع

(1)

مسلم (1041)، وابن ماجه (1838).

(2)

عبد الله ابن أحمد في زوائد المسند (1253)، والطبراني في الأوسط (7078)، والدارقطني (1974)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 94)، رواه عبد الله بن أحمد والطبراني في الأوسط وفي إسنادهما الحسن بن ذكوان عن حبيب بن أبي ثابت، والحسن وإن أخرج له البخاري فقد ضعفه غير واحد، ولم يسمعه من حبيب، بينهما عمرو بن خالد الواسطي، كما حكاه ابن عدي في الكامل عن ابن صاعد، وعمرو بن خالد كذبه أحمد وابن معين والدارقطني، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (798).

(3)

ينظر: شرح النووي على مسلم (7/ 133).

ص: 177

وليس بتخيير وهو كقوله تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}

(1)

والمراد بجمر جهنم التعذيب بها يوم القيامة فلما كانت المسألة سبب التعذيب بها أطلق المسألة عليها من باب إطلاق اسم المسبب على السبب، قاله: ابن عقيل وقال: القاضي عياض

(2)

معناه يعاقب بالنار ويحتمل أن يكون على ظاهره وإن الذي يأكله يصير جمرا يكوى به كما ثبت في مانع الزكاة وقال: الإمام أبو عبد الله القرطبي

(3)

في كتابه قمع الحرص "من سأل الناس تكثرا فإنما يسأل جمرًا" أي من غير حاجة ولا ضرورة به إلى ما يسألهم وإنما يسأل استكثارا ليكثر ما عنده من المال بما يأخذه منهم وذلك محرم عليه لأن المسألة من أموال الناس لا تحل إلا لضرورة على ما يأتي بيانه فمن سألها عن غير حاجة أخذ حراما وأكل مالا بالباطل وهو دعوى الفقر وأخذ ما لا يحل ولهذا توعد عليه بالنار فقال: "إنما يسأل جمرا" يعني يأكله غدا أو يحرقه أو لأن فيه إظهارا منه للفقر وقد أغناه الله وكتما لنعمة الله تعالى فبدل شكرها كفرا وكذب في سؤاله وأخذ صدقة يستحقها الفقراء وهم أولى بها فمنعهم حقوقهم بأخذها وكل هذه فواحش ومعاصي باطنة وظاهرة توجبما عذاب النار وحكم من هذا فعله أن يؤخذ ذلك منه

(4)

.

(1)

سورة الكهف، الآية:29.

(2)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).

(3)

قمع الحرص (ص 20).

(4)

زيادة من المصدر السابق.

ص: 178

1199 -

وَعَن سهل ابْن الحنظلية رضي الله عنه قَالَ قدم عُيَيْنه بن حصن والأقرع بن حَابِس رضي الله عنهما على رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَسَألَاهُ فَأمر مُعَاوِيَة فَكتب لَهما مَا سَألَا فَأَما الأقْرَع فَأخذ كِتَابه فلفه فِي عمَامَته وَانْطَلق وَأما عُيَيْنه فَأخذ كِتَابه وأتى بِهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد أَترَانِي حَامِلا إِلَى قومِي كتابا لا أَدْرِي مَا فِيهِ كصحيفة المتلمس فَأخْبر مُعَاوِيَة بقوله رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سَألَ وَعِنْده مَا يُغْنِيه فَإِنَّمَا يستكثر من النَّار، قَالَ النُّفَيْلِي وَهُوَ أحد رُوَاته قَالُوا وَمَا الْغنى الَّذِي لا تنبغي مَعَه الْمَسْأَلَة قَالَ قدر مَا يغديه ويعشيه، رَوَاهُ أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

. وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَقَالَ فِيهِ من سَألَ شَيْئا وَعِنْده مَا يُغْنِيه فَإِنَّمَا يستكتر من جمر جَهَنَّم، قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا يُغْنِيه قَالَ مَا يغديه أَو يعشيه كَذَا عِنْده أَو يعشيه بِأَلف

(2)

.

وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة بِاخْتِصَار إِلَّا أَنه قَالَ قيل يَا رَسُول الله وَمَا الْغنى الَّذِي لا تنبغي مَعَه الْمَسْأَلَة قَالَ أَن يكون لَهُ شبع يَوْم وَلَيْلَة أَو لَيْلَة وَيَوْم

(3)

.

قَوْله: كصحيفة المتلمس هَذَا مثل تضربه الْعَرَب لمن حمل شَيْئا لَا يدْرِي هَل يعود عَلَيْهِ بنفع أَو ضرّ وَأَصله أَن المتلمس واسْمه عبد الْمَسِيح قدم هُوَ

(1)

أبو داود (1629)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (799).

(2)

ابن حبان (545)، وأحمد (17625)، والطبراني في الكبير (5620)، والبيهقي (7/ 25)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (799).

(3)

ابن خزيمة (2391)، والبيهقي (7/ 24)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (799).

ص: 179

وطرفة الْعَبْدي على الْملك عَمْرو بن الْمُنْذر فأقاما عِنْده فنقم عَلَيْهِمَا أمرا فَكتب إِلَى بعض عماله يَأْمُرهُ بِقَتْلِهِمَا وَقَالَ لَهما إِنِّي قد كتبت لَكمَا بصلَة فاجتازا بِالْحيرَةِ فَأعْطى المتلمس صَحِيفَته صَبيا فقرأها فَإِذا فِيهَا الْأَمر بقتْله فألقاها وَقَالَ لطرفة افْعَل مثل فعلي فَأبى عَلَيْهِ وَمضى إِلَى عَامل الْملك فقرأها وَقَتله.

قَالَ الْخطابِيّ اخْتلف النَّاس فِي تَأْوِيله يَعْنِي حَدِيث سهل فَقَالَ بَعضهم من وجد غداء يَوْمه وعشاءه لم تحل لَهُ الْمَسْأَلة على ظَاهر الحَدِيث وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا هُوَ فِيمَن وجد غداء وعشاء على دَائِم الْأَوْقَات فَإِذا كَانَ عِنْده مَا يَكْفِيهِ لقُوته الْمدَّة الطَّوِيلَة حرمت عَلَيْهِ الْمَسْأَلة وَقَالَ آخَرُونَ هَذَا مَنْسُوخ بالأحاديث الَّتِي تقدم ذكرهَا يَعْنِي الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا تَقْدِير الْغنى بِملك خمسين درهما أَو قيمتهَا أَو بِملك أُوقِيَّة أَو قيمتهَا

(1)

.

قَالَ الْحَافِظ رضي الله عنه ادِّعَاء النّسخ مُشْتَرك بَينهمَا وَلَا أعلم مرجحا لأحَدهمَا على الآخر وَقد كَانَ الشَّافِعِي رحمه الله يَقُول قد يكون الرجل بالدرهم غَنِيا مَعَ كَسبه وَلَا يُغْنِيه الْألف مَعَ ضعفه فِي نَفسه وَكَثْرَة عِيَاله وَقد ذهب سُفْيَان الثَّوْريّ وَابْن الْمُبَارك وَالْحسن بن صَالح وَأحمد بن حَنْبَل وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه إِلَى أَن من لَهُ خَمْسُونَ درهما أَو قيمتهَا من الذَّهَب لَا يدْفع إِلَيْهِ شَيء من الزَّكَاة وَكَانَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَأَبُو عُبَيْدَة يَقُولَانِ من لَهُ أَرْبَعُونَ درهما فَهُوَ غَنِي وَقَالَ أَصْحَاب الرَّأْي يجوز دَفعهَا إِلَى من يملك دون النّصاب وَإِن كَانَ

(1)

معالم السنن (2/ 129).

ص: 180

صَحِيحا مكتسبا مَعَ قَوْلهم من كَانَ لَهُ قوت يَوْمه لَا يحل لَهُ السُّؤَال اسْتِدْلَالا بِهَذَا الحَدِيث وَغَيره وَاللّه أعلم.

قوله: وعن سهل بن الحنظلية، سهل هذا هو: ابن الربيع وهو صحابي أنصاري أوسي والحنظلية أمة لأنها غلبت عليه قوله: قال: قدم عيينة بن حصن [هو عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر بن عمرو بن جوية بن لوذان بن ثعلبة بن عدي بن فزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان الفزاري يكنى: أبا مالك، أسلم بعد الفتح، وقيل: أسلم قبل الفتح، وشهد الفتح مسلما، وشهد حنينا أو الطائف أيضا، وكان من المؤلفة قلوبهم، ومن الأعراب الجفاة، وقيل: إنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم من غير إذن، فقال له:"أين الإذن"؟ فقال: ما استأذنت على أحد من مضر! وكان ممن ارتد وتبع طليحة الأسدي، وقاتل معه، فأخذ أسيرًا، وحمل إلى أبي بكر رضي الله عنه، فكان صبيان المدينة يقولون: يا عدو الله أكفرت بعد إيمانك؟! فيقول: ما آمنت بالله طرفة عين، فأسلم، فأطلقه أبو بكر، وكان عيينة في الجاهلية من الجرارين، يقود عشرة آلاف، وتزوج عثمان بن عفان ابنته، فدخل عليه يوما، فأغلظ له، فقال عثمان: لو كان عمر ما أقدمت عليه بهذا، فقال: إن عمر أعطانا فأغنانا وأخشانا فأتقانا، وقال أبو وائل: سمعت عيينة بن حصن، يقول لعبد الله بن مسعود: أنا ابن الأشياخ الشم، فقال عبد الله: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم عليهم السلام، وهو عم الحر بن قيس، وكان الحر رجلا صالحا من أهل القرآن، له منزلة من عمر بن الخطاب، فقال عيينة لابن أخيه: ألا تدخلني على هذا الرجل؟ قال: إني أخاف أن تتكلم بكلام لا

ص: 181

ينبغي، فقال: لا أفعل، فأدخله على عمر، فقال: يابن الخطاب، والله ما تقسم بالعدل، ولا تعطي الجزل! فغضب عمر غضبا شديدا، حتى هم أن يوقع به، فقال ابن أخيه يا أمير المؤمنين، إن الله يقول في كتابه العزيز:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)}

(1)

، وإن هذا لمن الجاهلين، فخلى عنه، وكان عمر وقافا عند كتاب الله عز وجل

(2)

].

قوله: والأقرع بن حابس على رسول الله صلى الله عليه وسلم الأقرع بن حابس التميمي شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة وحنينا وحصار الطائف وشهد مع خالد بن الوليد فتح العراق والأنبار وكان على مقدمة خالد. قال ابن دريد اسم الأقرع نواس

(3)

وقال في شرح الإلمام.

والأقرع: قيل إنه لقب واسمه فراس وقيل: بل هو اسمه ولقب الأقرع لقرع كان في رأسه وكان شريفا في الجاهلية والإسلام واستعمله عبد الله بن عامر على جيش بعثه إلى خراسان فأصيب بالجوزجان هو والجيش رضي الله عنه ومناقبه كثيرة

(4)

.

قوله: في الحديث فأمر معاوية فكتب لهما ما سألاه، معاوية هو ابن أبي سفيان واسم أبيه طلحة وتقدم الكلام على مناقبه مبسوطا، وإنما أمر النبي

(1)

سورة الأعراف، الآية:199.

(2)

أسد الغابة (4/ الترجمة 4166).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 124 ترجمة 63).

(4)

المصدر السابق.

ص: 182

- صلى الله عليه وسلم معاوية أن يكتب لهما ما سأله لأنه أحد كتاب الوحي وكان يكتب له المراسلات إلى الملوك وغيرها فأمره بذلك على عادته فأما الأقرع فأخذ كتابه فلفه في عمامته وانطلق، تقدم الكلام على الأقرع، وأما عيينة بن حصن فأخذ كتابه وأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد أتراني حاملا إلى قومي كتابا لا أدري ما فيه كصحيفة المتلمس، أتراني بضم التاء ومعناه [أتظنني على جهة الإنكار والتعجب].

قوله: كصحيفة المتلمس، الصحيفة: الكتاب قال الحافظ المنذري: هذا مثل تضربه العرب لمن حمل شيئا لا يدري هل يعود عليه بنفع أو ضر وأصله إن المتلمس، واسمه عبد المسيح قدم هو وطرفة العبدي على الملك عبد بن المنذر إلى آخره، وقال: في التنقيح المتلمس هو جرير بن عبد المسيح الضبعي الشاعر المشهور جاهلي ورأيت في بعض الكتب جرير بن عبد الله وقيل عبد اللات هجا هو وطرفة العبدي الشاعر عمرو بن هند ملك الحيرة فكتب له ولطرفة بن العبد كتابيين أوهمهما أنه أمر لهما بجوائز وكتب له يأمره بقتلهما والقصة مشهورة عند العرب وأن المتلمس لما علم ما في كتابه رمى به وهرب فضرب العرب المثل بصحيفته

(1)

ا. هـ.

أعجوبة قال في حياة الحيوان: ولطرفة بن عبد قصة عجيبة مع عمرو بن المنذر بن امرء القيس ويقال له: عمرو بن هند وكان لا يبتسم ولا يضحك وكانت العرب تسميه مُضَرِّطَ الْحِجَارَةِ لِشِدَّةِ مُلْكِهِ، فإنه ملك ثلاثا وخمسين

(1)

كشف المناهج (2/ 116 - 117).

ص: 183

سنة وكانت العرب تهابه هيبة شديدة وكان طرفة غلاما معجبا فجعل يَتَخَلَّجُ في مشيه بين يديْهِ، فنظر إليه نظرة كادت تبتلعه من مجلسه، فقال له المتلمس حين قاما: يا طرفة إني أخاف عليك من نظرته إليك، فقال: كلا، ثم إنه كتب لهما كتابين إلى المكعبر وكان عامله على البحرين وعمان فخرجا حتى إذا هبطا بأرض قريبة من الحيرة فإذا هما بشيخ معه كسرة يأكلها وهو يتبرز ويقصع القمل فقال له المتلمس: بالله ما رأيت شيخا أحمق وأضعف وأقل عقلا منك! فقال له: وما الذي أنكرته علي؟ فقال: تتبرز، وتأكل، وتقصع القمل! قال: أخرج خبيثا وأدخل طيبا وأقتل عدوا ولكن أحمق مني وألأم حامل حتفه بيمينه قال: فنبهني وكأنما كنت نائما فإذا أنا بغلام من أهل الحيرة يسقى غنيمة له من نهر الحيرة قلت: يا غلام أتقرأ قال: نعم فقلت أقرأ هذه فإذا فيها باسمك اللهم من عمرو بن هند إلى المكعبر إذا أتاك كتابي هذا مع المتلمس فأقطع يديه ورجليه وادفنه حيا فألقيت الصحيفة وقلت: يا طرفة والله معك مثلها قال: كلا، ما كان ليكتب لي مثل ذلك ثم أتى طرفة إلى الأمير فقطع يديه ورجليه ودفنه حيا فضرب المثل بصحيفة المتلمس لمن يسعى في حتفه بنفسه ويغرر بها

(1)

ا. هـ.

وقيل السبب في قتل طرفة العبدي الشاعر أنه كان قد هجا عمرو بن هند ملك الحيرة ثم مدحه فحقد عليه وأراد قتله فكره أن يقتله بحضرة بكر بن وائل وخاف أن يهجوه المتلمس لأنه خاله فكتب لطرفة والمتلمس إلى

(1)

حياة الحيوان (2/ 326).

ص: 184

المكعبر عامله على البحرين كتابين بمثلهما جميعا.

قوله صلى الله عليه وسلم: من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثره من النار قال النفيلي: وهو أحد رواته قالوا: وما الغنى الذي لا تنبغي معه المسألة؟ قال: "قدر ما يعْديه أو يعشيه" رواه أبو دود ورواه ابن حبان

(1)

وقال فيه قالوا: يا رسول الله وما يغنيه؟، قال:"ما يغديه، أو يعشيه" كذا عنده أو يعشيه بالألف ورواه ابن خزيمة

(2)

إلا أنه قال: قيل يا رسول الله وما الغنى الذي لا ينبغي معه مسألة قال: أن يكون له شبع يوم وليلة أو ليلة ويوم وفي حديث علي الذي تقدم قبل هذا الحديث قالوا: وما ظهر غنى؟ قال: عشاء ليلة وفي أخرى خمسون درهما أو قيمتها وفي أخرى أوقية أو عدلها ويحتمل أن يستفاد من لفظ غنى يغنيه فإن معناه شيء يقع موقعا من حاجته فمن له ذلك فهو الغنى فإن قلت: ليس في هذه الأحاديث ما يدل على كمية الغنى، قلت: قال مالك والشافعي: لا حد للغنى معلوما وإنما يعتبر حال الإنسان قال الشافعي: قد يكون الرجل بالدرهم غنيا مع الكسب ولا يغنيه الألف أمع ضعفه في نفسه وكثرة عياله]

(3)

والصحيح من مذهبه أن الغنى عن حاجته وحاجة من تلزمه مؤنته وقضاء دين نصابا والحاجة تندفع بكفاية سنة وفي وجه كفاية العمر كأن يشتري عقارا تفي غلته بكفايته أو يشتري من له حرفة آلة حركته أو رأس مال

(1)

سبق تخريجه.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

معالم السنن (2/ 56 - 57).

ص: 185

ليتجر فيه بحيث يفي يربحه بكفايته غالبا فإن كان بقليا فخمسة دراهم أو باقلانيا فعشرة أو خباز فخمسون أو بقدر الكفاية أو عطارا فألف أو بزازا فالفان أو صيرفيا فخمسة الألف درهم أو جوهريا فعشرة الألف ويجوز أن يعطي الفقير ذلك لسد خلته

(1)

وخالف أبو حنيفة فقال لا يعطى مقدار نصاب وقال أحمد لا يعطى خمسين درهما ولا مقدارها من الذهب [لما روى الدارمي وغيره عن ابن مسعود أن النبي]عليه السلام[قال (من سأل وعنده ما يكفيه، فإنما يستكثر من النار) قالوا: ما يكفيه؟ قال: (خمسون درهما أو ما يساوي خمسين درهما) أو وجود ما تحصل به] الكفاية بقوله حتى يصيب قواما من عيش ا. هـ. قاله في شرح الإلمام.

قال: الحافظ الخطابي

(2)

: اختلف الناس في تأويله يعنى حديث سهل فقال: بعضهم من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له المسألة على ظاهر الحديث.

وقال بعضهم إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة فقد حرمت عليه المسألة. ا. هـ.

وقال غيره: ولا شك أنه يجوز لصاحب الغداء والعشاء أن يسأل الجبة والكساء

(3)

وقال النووي في شرح مسلم: اختلف أصحابنا في مسألة القادر

(1)

انظر الحاوى (8/ 519 - 520)، وبحر المذهب (6/ 354 - 355)، والمجموع (6/ 194 - 195) وروضة الطالبين (2/ 324 - 325)، والنجم الوهاج (6/ 423).

(2)

معالم السنن (2/ 58).

(3)

شرح أبي داود للعيني (6/ 367) ونخب الأفكار (8/ 50).

ص: 186

على الكسب على وجهين أصحهما أنه حرام لظاهر الأحاديث، والثاني حلال مع الكراهة بثلاثة شروط أحدها أن لا يذل نفسه، والثاني لا يلح في السؤال، والثالث: ولا يؤذي المسلمين فإن فقدت هذه الشروط فهي حرام بالاتفاق

(1)

.

قال الحافظ في الكلام على حديث سهل: وقد ذهب سفيان الثوري وابن المبارك والحسن بن صالح وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية إلى أن من له خمسون درهما أو قيمتها من الذهب لا يدفع شيء من الزكاة ويؤيد هذا القول أيضا ما روى عن الحسن بن سعد عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تحل الصدقة لمن يملك خمسين درهما أو عرضها من الذهب" رواه مسدد

(2)

.

قوله: سفيان الثوري بضم السين وكسرها وفتحها والضم أشهر هو الإمام الكبير العالم الرباني المتفق على ارتفاع منزلته وكثرة علومه وصلابة دينه القائم بالحق غير خائف في الله لومة لائم.

أبو عبد الله سفيان بن سعيد بن مسروق بن حبيب بن رافع بن مضر. الثوري نسب

(3)

إلى جد له يقال له ثور وهو من تابعي التابعين ولد سنة سبع

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 127).

(2)

أخرجه مسدد كما في المطالب العالية (939).

(3)

سير أعلام النبلاء (7/ 229) التاريخ الكبير: 4/ 92 - 93، التاريخ الصغير: 2/ 154، المعارف: 497 - 498، المعرفة والتاريخ: 1/ 713 - 728، تاريخ الطبري 8/ 58، =

ص: 187

وسبعين وفي نسخة وستين وكان يتقدم سفيان في الحفظ على مالك، وقال: عبد الرزاق وروى أنا أبا جعفر الخليفة بعث الخشابين قدامه حين خرج إلى مكة وقال: إذا رأيتم سفيان فاصلبوه فوصل النجارون إلى مكة ونصبوا الخشب فنودي سفيان فإذا رأسه في حجر الفضيل بن عياض ورجله في حجر سفيان بن عيينة فقالا: يا أبا عبد الله لا تشمت بنا الأعداء فتقدم إلى أستار الكعبة فأخذها وقال: بريت منها أن دخل أبو جعفر فمات أبو جعفر قبل أن يدخل مكة وانتقل سفيان إلى البصرة فمات فيها متواريا من سلطانها ودفن عشاء سنة ستين ومائة، وقال: أبو حاتم الرازي

(1)

سمعت قبيصة يقول: رَأَيْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ فِي النَّوْمِ فَقُلْتُ: مَا فَعَلَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ:

نَظَرْتُ إِلَى رَبِّي كِفَاحًا فَقَالَ لِي

هَنِيئًارِ ضَائِي عَنْكَ يَا ابْنَ سَعِيدِ

فَقَدْ كُنْتَ قَوَّامًا إِذَا أَقْبَلَ الدُّجَى

بِعَبْرَةِ مُشْتَاقٍ وَقَلْبِ عَمِيدِ

فَدُونَكَ فَاخْتَرْ أَيَّ قَصْرٍ أَرَدْتَهُ

وَزُرْنِي فَإِنِّي مِنْكَ غَيْرُ بَعِيدِ

قال في مختصر مجمع الأحباب: سمع سفيان الثوري أبا إسحاق السبيعي وعبد الملك بن عمير وعمرو بن مرة وخلائق من كبار التابعين وغيرهم، واتفق العلماء على وصفه بالبراعة في العلم بالحديث والفقه والورع والزهد وخشونة العيش والقول بالحق وغير ذلك من المحاسن وقال ابن

= الجرح والتعديل: 1/ 55 - 126، 4/ 222 - 225، مشاهير علماء الأمصار: 169 - 170، حلية الأولياء: 6/ 356

(1)

الجرح والتعديل: 1/ 55 - 126.

ص: 188

المبارك

(1)

: كتبت عن ألف ومائة شيخ ما كتبت عن أفضل من الثوري، وقال: عبد الرزاق سمعت الثوري يقول ما استودعت قلبي قط شيئًا فخانني، وقال ابن عيينة: أَنا من غلْمَان الثَّوْريّ وَمَا رَأَيْت أعلم بالحلال وَالْحرَام مِنْهُ والثناء عليه أكثر من أن تحصى وأوضح من أن تشهر وهو أحد أصحاب المذاهب الستة المتبوعة، قال محمد بن سعد: أجمعوا على أنه توفي بالبصرة سنة إحدى وستين ومائة وتقدم الكلام على ابن المبارك في صلاة التسبيح وتقدم الكلام أيضا على الإمام أحمد بن حنبل قريبا وعلى الحسن البصري، وأما إسحاق بن راهويه

(2)

فهو بالهاء والواو المفتوحتين والتحتانية الساكنة والهاء المكسورة وهو المشهور ويقال أيضا بالهاء المضمومة وبالتحتانية المفتوحة، قال: أبو الفرج

(3)

هو إسحاق بن إبراهيم بن يعقوب بن مخلد

(1)

تذهيب التهذيب: 2/ 33 - 35، تذكرة الحفاظ: 1/ 203 - 207، عبر الذهبي: 1/ 235 - 236، طبقات القراء لابن الجزري: 1/ 308، تهذيب التهذيب: 4/ 111 - 115.

(2)

التاريخ الكبير 1/ 379، التاريخ الصغير 1/ 368، الجرح والتعديل 2/ 209، 210، حلية الأولياء 9/ 234، الفرست: 286، تاريخ بغداد 6/ 345، 355، طبقات الفقهاء للشيرازي: 78، طبقات الحنابلة 1/ 109، الأنساب 6/ 56، 57، وفيات الأعيان 1/ 199، 201، ميزان الاعتدال 1/ 182، 183، تذكرة الحفاظ 2/ 433، العبر 1/ 426، الوافي بالوفيات 8/ 386، 388، طبقات الشافعية 2/ 83، 89، البداية والنهاية 15/ 317، تهذيب التهذيب 1/ 216، 219، النجوم الزاهرة 2/ 295، طبقات الحفاظ: 188، 189، خلاصة تذهيب الكمال: 27، طبقات المفسرين 1/ 102، الرسالة المستطرفة: 65، شذرات الذهب 2/ 89، تهذيب ابن عساكر 2/ 409، 414.

(3)

المنتظم 11/ 259.

ص: 189

بفتح الميم والخاء المعجمة الساكنة واللام المفتوحة أبو يعقوب الحنظلي المروزي ساكن نيسابور أحد أئمة الإسلام، قال: عبد الله بن طاهر له لم قيل لك ابن راهوية قال: اعلم أيها الأمير أن أبي ولد في طريق مكة فقال: المراوزة راهوي لأنه ولد في الطريق وهو بالفارسية راه وقال: الحسن بن عبد الصمد

(1)

سمعت إسحاق يقول أحفظ سبعين ألف حديث كلها نصب عيني أسند إسحاق عن جرير بن عبد الحميد وإسماعيل وسفيان بن عيينة وخلائق لا يحصون وهو رحمه الله أحد أركان المسلمين وعلم من أعلام الدين توفي بنيسابور ليلة النصف من شعبان سنة ثمان وثلاثين ومائتين والله أعلم.

قوله: وقال: أصحاب الرأي يجوز دفعها إلى من يملك دون النصاب وإن كان صحيحا مكتسبا.

تنبيه: والمحدثون يسمون أصحاب القياس أصحاب الرأي يعنون أنهم يأخذون بآرائهم فيما يشكل من الحديث أو ما لم يأت فيه حديث ولا أثر ا. هـ. قاله في النهاية

(2)

.

1200 -

وَعَن عمر بن الْخطاب رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من سَأل النَّاس ليثري مَاله فَإِنَّمَا هِيَ رضف من النَّار ملهبة فَمن شَاءَ فَلْيقل وَمن شَاءَ فليكثر، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه

(3)

.

(1)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (11/ 358).

(2)

النهاية (2/ 179).

(3)

ابن حبان (3391)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (800).

ص: 190

الرضف: بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة بعْدهَا فَاء الْحِجَارَة المحماة قوله وعن عمر بن الخطاب: تقدم الكلام على عمر بن الخطاب أوائل هذا التعليق في حديث "إنما الأعمال بالنيات" ومن فضائله أيضا عن أبي سعيد الخدري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بينما أنا نائم رأيت الناس يعرضون عليّ وعليهم قمص فمنها ما يبلغ الثدي ومنها ما دون ذلك وعرض علي عمر بن الخطاب وعليه قميص يجره قالوا: فما أولته يا رسول الله قال: "الدين" رواه البخاري ومسلم

(1)

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم "بينما أن نائم رأيتني في الجنة وإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصر فقلت لمن هذا القصر" فقالوا: لعمر "فذكرت غيرتك" فبكى عمر رضي الله عنه وقال: أو عليك أغار يا رسول الله؟ رواه البخاري ومسلم

(2)

أيضا قوله صلى الله عليه وسلم "من سأل الناس ليثري ماله فإنما هي رضف من النار ملهبة، فمن شاء فليقل ومن شاء فليكثر"

(3)

وتقدم معنى ليثري ماله والرضف هي الحجارة المحماة كذا فسره الحافظ رحمه الله تعالى.

1201 -

وَرُوِيَ عَن حَكِيم بن حزَام رضي الله عنه قَالَ جَاءَ مَال من الْبَحْرين فَدَعَا النَّبِي صلى الله عليه وسلم الْعَبَّاس رضي الله عنه. فحفن لَهُ ثمَّ قَالَ أزيدك قَالَ نعم فحفن لَهٌ ثمَّ قَالَ أزيدك قَالَ نعم فحفن لَهُ ثمَّ قَالَ أزيدك قَالَ نعم، قَالَ أبق لمن بعْدك ثمَّ دَعَاني

(1)

سبق تخريج فضائله في أوائل هذا التعليق في حديث "إنما الأعمال بالنيات".

(2)

سبق.

(3)

سبق.

ص: 191

فحفن لي فَقلت يَا رَسُول الله خير لي أَو شَرّ لي قَالَ لا بل شَرّ لَك فَرددت عَلَيْهِ مَا أَعْطَانِي ثمَّ قلت لا وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا أقبل من أحد عَطِيَّة بعْدك قَالَ مُحَمَّد بن سِيرِين قَالَ حَكِيم فَقلت يَا رَسُول الله ادْع الله أَن يُبَارك لي قَالَ اللَّهُمَّ بَارك لَهُ فِي صَفْقَة يَده، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير

(1)

.

قوله: وعن حكيم بن حزام بفتح الحاء وبالياء بن حزام بالزاي كنيته أبو خالد حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزيز بن قصي بن كلاب القرشي الأسدي المكي أسلم يوم فتح مكة سنة ثمان من الهجرة وكان شهد بدرا وكان إذا اجتهد في يمينه قال: والذي نجاني أن أكون قتيلا يوم بدر، ولد رضي الله عنه قَبْلَ عَامِ الْفِيلِ بِثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً على الأشهر وأمه اسمه فاختة بنت زهير وعمته خديجة بنت خويلد زوجة النبي صلى الله عليه وسلم وعاش ستين سنة في الجاهلية وستين سنة في الإسلام ولا يشاركه في هذا أحد إلا حسان بن ثابت، والمراد بقولهم ستين سنة في الإسلام أي من حين ظهوره ظهورا فاشيا قالوا: وولد حكيم في جوف الكعبة ولا يعرف أحد ولد فيها غيره.

أما ما روي أن علي بن أبي طالب ولد فيها فضعيف عند العلماء وذلك أن أمه دخلت تزور الكعبة فضربها الطلق وهي في الكعبة فولدته عَلَى نِطْعٍ، وكان رضي الله عنه: شديد المحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي اشْترى حُلَّةَ ذِي يَزَنَ فَأَهْدَاهَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَلَبِسَهَا، قَالَ حكيم: فَمَا رَأَيْتُ أَحْسَنَ مِنْهُ فِيهَا.

(1)

الطبراني في المعجم الكبير (3136)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 97)، وفيه إسماعيل بن مسلم، وفيه كلام كثير، وقد قيل فيه إنه صدوق يهم.

ص: 192

وكان إسلامه يوم فتح مكة هو وأولاده كلهم توفي حكيم بالمدينة سنة ستين أو أربع وخمسين وكان حكيم من أشراف قريش ووجوهها في الجاهلية والإسلام وأكبر هم وأعلمهم بالأنساب وكان كثير الصدقة والبر وكان حكيم قد شهد بدرا مع المشركين ولما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فتح مكة ومعه جنود خرج حكيم وأبو سفيان يتحسسان الأخبار فلقيهما العباس فأخذ أبا سفيان وأجاره وأخذ له أمانا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلم أبو سفيان ومن صبح ذلك اليوم أسلم حكيم وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين مائة بعير ولم يصنع من المعروف شيئا في الجاهلية إلا صنع مثله في الإسلام وكانت دار الندوة له باعها بمائة ألف درهم فقيل له بحت مكرمة قريش فقال: ذهبت المكارم إلا التقوى وتصدق بثمنها، ذكر الزبير بن بكار

(1)

: أن حكيما قالوا حج عاما في الإسلام فأهدى مائة بدنه مجللة بالحبرة وألف شاة وأوقف معه بعرفات بألف وصيف في أعناقهم أطوقة من الفضة منقوش فيها هؤلاء عتقاء الله من حكيم بن حزام وكان جوادا رضي الله عنه قيل أنه أعتق في الجاهلية مائة رقبة وفي الإسلام مائة رقبة ولما حضرته الوفاة كان آخر كلامه لا إله إلا الله اللهم إني كنت أخشاك وأنا اليوم أرجوك وتوفي رضي الله عنه وله من العمر مائة وعشرون سنة وحكيم بن حزام ابن أخي خديجة بنت خويلد أم المؤمنين زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن عم الزبير بن العوام بن خويلد وأوصى إلى عبد الله بن الزبير قال النووي: روينا في صحيح البخاري ومسلم عن حكيم بن حزام

(1)

جمهرة نسب قريش (ص 354).

ص: 193

قال: قلت: يا رسول الله أرأيت أشياء كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاقة وصلة رحم فهل لي فيها من أجر فقال: النبي صلى الله عليه وسلم "أسلمت على ما أسلفت من خير قلت فوالله لا ادع شيئا صنعته في الجاهلية إلا فعلت في الإسلام مثله"

(1)

التحنث التبرر ومعناه رفع الحنث

(2)

.

قوله: جاء مال من البحرين تقدم في الزكاة أن البحرين هو اسم لبلاد معروفة وإقليم مشهور يشتمل على مدن قاعدتها هجر

(3)

.

قوله: فدعا النبي صلى الله عليه وسلم العباس فحفن له ثم قال: أزيدك قال: نعم قال: أبق لمن بعدك قال: حكيم ثم دعاني فحفن لي الحديث تقدم الكلام على عمه العباس.

وقوله قال: محمد بن سيرين تقدم الكلام على محمد بن سيرين.

قوله: قال حكيم: فقلت يا رسول الله ادع الله أن يبارك لي في صفقة يدي قال: اللهم بارك له في صفقة يده، الصفقة المراد بها البيعة وأصلها من وضع أحد المتبايعين يده في يد آخر عند البيع كانوا إذا تبايعوا تصافقوا بالأكف

(1)

أخرجه البخاري (1436) ومسلم (123).

(2)

جمهرة نسب قريش وأخبارها (ص 353 - 356)، والاستيعاب (1/ 362 - 363 ترجمة 537)، وأسد الغابة (2/ الترجمة 1234)، وتهذيب الأسماء وااللغات (1/ 166 - 167 ترجمة 127).

(3)

المجموع 5/ 389. بلاد البحرين: هي بلاد واسعة شرقيها ساحل البحر - يعني بالبحر الخليج العربي -، وجوفها متصل باليمامة، وشمالها متصل بالبصرة، وجنوبها متصل ببلاد عمان، وقاعدتها هجر، وأهلها عبد القيس، ومن بلاد البحرين الأحساء والقطيف.

ص: 194

مأخوذ من عادة العرب أنهم عند البيع يضعون أيديهم في أيدي من يبايعونه فسمي صفقة لهذا المعنى ويقال: الصفقة بالسين والصاد والصفق الاجتماع

(1)

ا. هـ.

1202 -

وَعَن أسلم قَالَ قَالَ لي عبد الله بن الأرقم أدللني على بعير من العطايا أستحمل عَلَيْهِ أَمِير الْمُؤمنِينَ قلت نعم جمل من إبل الصَّدَقَة فَقَالَ عبد الله بن الأرقم أَتُحِبُّ لَو أَن رجلا بادنا فِي يَوْم حَار غسل مَا تَحت إزَاره ورفغيه ثمَّ أعطاكه فَشَربته قَالَ فَغضِبت وَقلت يغْفر الله لَك لم تَقول مثل هَذَا لي قَالَ فَإِنَّمَا الصَّدَقَة أوساخ النَّاس يغسلونها عَنْهُم، رَوَاهُ مَالك

(2)

.

البادن السمين. والرفغ بِضَم الرَّاء وَفتحهَا وبالغين الْمُعْجَمَة هُوَ الإِبِط وَقيل وسخ الثَّوْب والأرفاغ المغابن الَّتِي يجْتَمع فِيهَا الْعرق والوسخ من الْبدن.

قوله وعن أسلم [هو أبو خالد، ويقال: أبو زيد القريشى العدوى المدنى، مولى عمر بن الخطاب، رضى الله عنه، من سبى اليمن، هكذا قاله البخارى في التاريخ، وابن أبي حاتم، وآخرون. وحكى عن سعيد بن المسيب أنه قال: هو حبشى، قالوا: بعث أبو بكر الصديق عمر، رضى الله عنهما، سنة إحدى عشرة، فأقام للناس الحج، واشترى أسلم. سمع أبا بكر الصديق، وعمر،

(1)

انظر: المحكم 6/ 211 - 213، والسير الغريب ص 233 - 234، وأساس البلاغة 1/ 550، ومشارق النوار 2/ 50، والكواكب الدراري 9/ 179.

(2)

مالك (2858)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (801).

ص: 195

وعثمان، وأبا عبيدة، ومعاذ، أو ابن عمر، ومعاوية، وأبا هريرة، وحفصة، رضى الله عنهم، روى عنه ابنه زيد، والقاسم بن محمد، ونافع، وآخرون. واتفق الحفاظ على توثيقه. وروى له البخارى ومسلم، وحضر الجابية مع عمر. توفى بالمدينة سنة ثمانين، قاله أبو عبيد القاسم بن سلام. وقال البخارى: صلى عليه مروان بن الحكم، وهذا يخالف الأول، لأن مروان بن الحكم مات سنة خمس وستين، وكان معزولا عن المدينة. قال البخارى في التاريخ: توفى أسلم وهو ابن مائة وأربع عشرة سنة، والله أعلم

(1)

].

قوله قال: لى عبد الله بن الأرقم [هو عبد الله بن الأرقم بن عبد يغوث بن وهب بن عبد مناف بن زهرة القرشي الزهري، والد عمر بن عبد الله بن الأرقم، له صحبة، أسلم عام الفتح، وكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، ثم لأبي بكر وعمر، وكان على بيت المال لعمر بن الخطاب، ثم لعثمان بن عفان، ثم تركه ولما استكتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أمن إليه ووثق به، فكان إذا كتب له إلى بعض الملوك يأمره أن يختمه ولا يقرؤه لأمانته عنده روى عنه: أسلم مولى عمر بن الخطاب، وعبد الله بن عتبة بن مسعود، وعروة بن الزبير، وقيل: بينهما رجل، وعمرو بن دينار مرسل، ويزيد بن قتادة

(2)

].

قوله: أَتُحِبُّ لو أَنَّ رَجُلًا بَادِنًا قد فسر الحافظ

(3)

البادن: بالسمين، غَسَلَ

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 117 - 118 ترجمة 53).

(2)

أسد الغابة (1/ الترجمة 2811)، وتهذيب الكمال (14/ الترجمة 3160).

(3)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 318).

ص: 196

لَكَ مَا تَحْتَ إِزَارِهِ وَرُفْغَيهِ، ثُمَّ أَعْطَاكَهُ فَشَرِبْتَهُ؟، والرفغ: قد ضبطه الحافظ وفسره فقال

(1)

: الرفغ الإبط وقيل وسخ الثوب والأرفاغ المغابن التي يجتمع فيها العرق والوسخ من البدن ا. هـ.

وقال في النهاية: الرفغ واحد الأرفاغ: وهي أصول المغابن كالإبط والحوالب وغيرها من مطاوي الأعضاء وما تجتمع فيه الوسخ والعرق

(2)

ا. هـ.

قوله: "فإنما الصدقة أوساخ الناس يغسلونها عنهم" ومعنى أوساخ أي إنها تطهر أموالهم ونفوسهم قال: الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}

(3)

الآية فهي كغسالة الأوساخ والمغابن جمع مغبن من غبن الثوب إذا ثناه وعطفه ومنه حديث عكرمة "من مس مغابنه فليتوضأ"

(4)

. أمره بذلك استطهارا واحتياطا فإن الغالب على من يلمس ذلك أن تقع يده على ذكره. قاله في النهاية.

قوله: رواه مالك أي في الموطأ قال النووي

(5)

: هو أبو عبد الله مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي

(6)

المدني إمام دار الهجرة وأحد أئمة

(1)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 344).

(2)

النهاية (2/ 244).

(3)

سورة التوبة، الآية:103.

(4)

مصنف عبد الرزاق الصنعاني (442).

(5)

تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 2/ 75 - 79.

(6)

ينظر: الانتقاء في فضائل الثلاثة الفقهاء: 9 - 63، ترتيب المدارك: 1/ 102 - 254، تهذيب الأسماء واللغات للنووي: 2/ 75 - 79، تهذيب التهذيب: 10/ 5، النجوم الزاهرة لابن تغري بردي: 2/ 96 - 97، التاريخ الكبير: 7/ 310.

ص: 197

المذاهب المتبوعة وهو من تابعي التابعين سمع نافعا ومحمد بن المنكدر وأبا الزبير الزهري وأبا حازم وخلائق آخرين وروى عنه يحيى الأنصاري والزهري وهما من شيوخه وابن جريج وابن الأوزاعي والثوري وابن عيينة وشعبة والليث وابن المبارك والشافعي وابن وهب خلائق كثيرة آخرون وأجمعت العلماء على إمامته وجلالته وعظم سيادته وتبجيله وتوقيره والإذعان له في الحفظ وتعظيم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أبي سلمة الخزاعي قال

(1)

: كان مالك إذا أراد أن يخرج يُحَدِّث توضأ وضوءه للصلاة، ولبس أحسن ثيابه، ومشط لحيته، فإن رفع أحد صوته في مجلسه، قال: قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ}

(2)

، فمن رفع صوته عند حديث النبي صلى الله عليه وسلم فكأنما رفع صوته فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم.

وعن محمد بن رمح قال

(3)

: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت يا رسول الله مالك والليث يختلفان في المسألة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "مالك مالك مالك ورث جدي" يعني إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه وقال الإمام أبو القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين: أخذ مالك عن تسعمائة شيخ فيهم ثلاثمائة شيخ من التابعين وستمائة من تابعيهم ممن اختارهم وارتضى دينه وفقهه وقيامه بحق الرواية وشروطها توفي بالمدينة في صفر سنة تسع وسبعين ومائة وصلى عليه عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن عباس

(1)

البداية والنهاية: 10/ 174.

(2)

سورة الحجرات، الآية:2.

(3)

تهذيب الكمال: 1297.

ص: 198

وهو يومئذ والي المدينة ودفن بالبقيع وقبره بباب البقيع عليه قبة وولد مالك سنة ثلاث وتسعين من الهجرة وحملت به أمه في بطنها ثلاث سنين قال: مطرف بن عبد الله:

(1)

كان مالك طويلا عظيم [الهامة] أبيض الرأس واللحية شديد البياض لباسه الثياب العدنية وكان يكره حلق الشارب ويعيبه ويراه من المنكر وقال مصعب:

(2)

سمعت مالك يقول ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك وأحوال مالك ومناقبه كثيرة مشهورة والله أعلم.

1203 -

وَعَن عَليّ رضي الله عنه قَالَ قلت للْعَبَّاس سل النَّبِي صلى الله عليه وسلم يستعملك على الصَّدَقَة فَسَألهُ قَالَ مَا كنت لاستعملك على غسالة ذنُوب النَّاس، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(3)

.

قوله وعن علي تقدم الكلام على علي بن أبي طالب.

قوله: قلت للعباس سل النبي صلى الله عليه وسلم يستعملك على الصدقة فسأله فقال: "ما كنت لأستعملك على غسالة ذنوب الناس" الحديث شرط العامل على الصدقات أن لا يكون ممن حرمت عليه الصدقة من ذوي القربى أي إذا عمل ليأخذ من الصدقة لقوله صلى الله عليه وسلم للفضل بن العباس وقد طلب منه أن يجعله عاملا على الصدقة أليس في خمس الخمس ما يكفيكم ويغنيكم عن أوساخ

(1)

الطبقات الكبرى (5/ 465).

(2)

تذكرة الحفاظ 1/ 154 وسير أعلام النبلاء 7/ 179، وتهذيب التهذيب 10/ 8 - 9.

(3)

ابن خزيمة (2390)، والحاكم (3/ 332)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (802).

ص: 199

الناس

(1)

وهذا هو الأصح المنصوص ولقوله صلى الله عليه وسلم "إن هذه الصدقة أوساخ الناس وإنها لا تحل لمحمد ولا آل محمد"

(2)

وروي أن الحسن وضع في فمه تمرة من الصدقة فنزعها النبي صلى الله عليه وسلم من فيه بلعابه وقال: "كخ كخ" وقال: إنا آل محمد لا تحل لنا الصدقة ولقوله صلى الله عليه وسلم "نحن وبنو عبد المطلب شيء واحد وشبك بين أصابعه"

(3)

وقيل يجوز أن يكون منهم لأنه يأخذه أجرة فجاز كأجرة النقال والحافظ

(4)

وتقدم الكلام على ذلك في الزكاة في شروط العامل على الصدقات.

فائدة: تحرم الصدقة على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: النووي ومذهبنا أنه يحرم عليه صدقة الفرض بلا خلاف وكذا صدقة التطوع على الأصح وتجوز الصدقة على موالي قريش وإن الصدقة لا تحرم على قريش غير بني هاشم وبني عبد المطلب لأن عائشة قرشية وقبلت ذلك اللحم من بريرة على أن له حكم الصدقة وإنها حلال لها دون رسول الله صلى الله عليه وسلم

(5)

.

(1)

أخرجه الطبراني في الكبير (11/ 217 رقم 11543)، وأبو نعيم في المعرفة (6430) عن ابن عباس بلفظ: بعث نوفل بن الحارث ابنيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهما: انطلقا إلى عمكما لعله يستعين بكما على الصدقات". قال الهيثمي في المجمع 3/ 91: رواه الطبراني في الكبير، وفيه حسين بن قيس الملقب بحنش، وفيه كلام كثير، وقد وثقه أبو محصن.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

سبق تخريجه.

(4)

كفاية النبيه (6/ 141 - 142).

(5)

شرح النووي على مسلم (10/ 143).

ص: 200

تنبيه: قيل كانت الصدقة حلالا للأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبل نبينا صلى الله عليه وسلم وإنما حرمت الصدقة على نبينا واستدل القائل بقصة إخوة يوسف عليهم السلام بقوله تعالى: (وتصدق علينا .. ) الآية وهم أنبياء، لم تكن الصدقة حلا لا لأحد من الأنبياء عليهم السلام، ذكر ذلك الحوفي في تفسيره

(1)

والله أعلم، ذكره ابن الفرات الحنفي في تاريخه.

1204 -

وَعَن أبي عبد الرَّحْمَن عَوْف بن مَالك الأشْجَعِيّ رضي الله عنه قَالَ كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم تِسْعَة أَو ثَمَانِيَة أَو سَبْعَة فَقَالَ أَلا تُبَايِعُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَكُنَّا حَدِيث عهد ببيعة فَقُلْنَا قد بايعناك يَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَالَ أَلا تُبَايِعُونَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فبسطنا أَيْدِينَا وَقُلْنَا قد بايعناك يَا رَسُول الله فعلام نُبَايِعك قَالَ أَن تعبدوا الله وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئا والصلوات الْخمس وتطيعوا وَأسر كلمة خُفْيَة وَلا تسألوا النَّاس فَلَقَد رَأَيْت بعض أُولَئِكَ النَّفر يسْقط سَوط أحدهم فَمَا يسْأَل أحدا يناوله إِيَّاه رَوَاه مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِاخْتِصَار

(2)

.

قوله: وعن أبي عبد الرحمن عوف بن مالك الأشجعي

(3)

هو أبو عبد الرحمن، ويقال أبو محمد، ويقال: أبو حماد ويقال: أبو عمرو، عوف بن

(1)

البرهان في علوم القرآن للحوفى (ص 301 - 302). وانظر تفسير الطبرى 13/ 324 - 325.

(2)

مسلم (1043)، وأبو داود (1642)، والنسائي (1/ 229)، وابن ماجه (2867)، وابن حبان (3385)، وأحمد (23993)، والطبراني في الكبير (18/ رقم 130).

(3)

سير أعلام النبلاء (2/ 487) الاستيعاب: 3/ 1226، التاريخ الكبير: 7/ 56، الاستيعاب: 3/ 1226، أسد الغابة: 4/ 312، 313، تهذيب الكمال: 1066، تهذيب التهذيب: 8/ 168، الإصابة: 7/ 179.

ص: 201

مالك بن أبي عوف الأشجعي الغطفانى أول مشاهده مع النبي صلى الله عليه وسلم خيبر وشهد معه فتح مكة وكانت معه راية أشجع نزل الشام وسكن دمشق وكانت داره عند سوق الغزل العتيق روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة وستون حديثا روى البخاري منها واحدا ومسلم خمسة واتفقوا على أنه توفي بدمشق سنة ثلاث وسبعين في خلافة عبد الملك بن مروان وعبد الملك بن مروان هو أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ومروان كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يره فإنه خرج مع أبيه الحكم حين نفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المدينة فلم يزل إلى خلافة عثمان فرجع مع أبيه الحكم، قال العلماء: ولي مروان الخلافة ولم يثبت بها إلا أقل من سنة

(1)

قال ابن قتيبة كان معاوية جعل عبد الملك بن مروان على ديوان المدينة وهو ابن ست عشرة سنة وولاه أبوه مروان هجر ثم جعله خليفة بعده وكانت خلافة عبد الملك بعد أبيه سنة خمس وستين وبويع ابن الزبير بالخلافة أيضا سنة خمس وستين وولي الحجاج بن يوسف العراق سنة خمس وسبعين ونقش الدراهم والدنانير بالعربية سنة ست وسبعين وبني الحجاج واسط سنة ثلاث وثمانين وتوفي عبد الملك بدمشق سنة ست وثمانين وله ثنتان وستون سنة ولد بالمدينة وله من الولد مروان الأكبر والوليد وسليمان ويزيد ومروان الأصغر وهشام وأبو بكر ومسلمة وعبد الله وسعيد والحجاج

(1)

انظر الاستيعاب 3/ 1389، وأسد الغابة 5/ 139، وتهذيب الأسماء واللغات 2/ 88، وتهذيب الكمال 27/ 389.

ص: 202

ومحمد

(1)

وأما قول صاحب المهذب

(2)

في أول باب العاقلة إن عوف بن مالك الأشجعي رجع عليه سيفه يوم خيبر فقتله فغلط صريح بل الذي رجع عليه سيفه فقتله هو عامر بن الأكوع عم سلمة بن عمرو بن الأكوع وحديثه في الصحيحين مشهور

(3)

والله أعلم.

قوله: "أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ:"أَلا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ " قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، فَعَلَامَ ونبايِعُكَ؟ يا رسول الله

" الحديث.

المبايعة: المحالفة والمعاهدة ومبايعتهم إياه التزام طاعته والمبايعة مأخوذة من البيع كان كل واحد منهما باع ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه وطاعته ودخيلة أمره قاله ابن الأثير

(4)

.

قوله: "ولا تسألوا الناس شيئًا".

لطيفة: قال القاضي أبو بكر بن العربي

(5)

: في كتابه الأحكام في تفسير سورة الرعد عند قوله تعالى: {الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 309 ترجمة 373).

(2)

ينظر: المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 40 - 41 ترجمة 472).

(4)

النهاية (1/ 174).

(5)

أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (3/ 83).

ص: 203

(20)

}

(1)

وَمِنْ أَعْظَمِ الْمَوَاثِيقِ فِي الذِّكْرِ أَلَا تَسْأَل أحدا إلا الله، فَقَدْ كَانَ أَبُو حَمْزَةَ الْخُرَاسَانِيُّ مِنْ كِبَارِ الْعُبَّادِ سَمِعَ أَنَّ نَاسًا بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم على أَلَّا يَسْألوا أَحَدًا شَيْئًا، فَكَانَ أَحَدُهُمْ إذَا وَقَعَ سَوْطُهُ لَا يَسْأَلُ أَحَدًا رَفْعَهُ إلَيْهِ، فَقَالَ أَبُو حَمْزَةَ: رَبِّ، إنَّ هَؤُلَاءِ عَاهَدُوا نَبِيَّك إذْ رَأَوْهُ، وَأَنَا أُعَاهِدُك أَلَّا أَسْأَل أَحَدًا شَيْئًا أَبَدًا. قَالَ: فَخَرَجَ حَاجًّا مِنَ الشَّامِ يُرِيدُ مَكَّةَ، فَبِينَا هُوَ يَمْشِي فِي الطَّرِيقِ بِاللَّيْلِ إذْ بَقِيَ عَنْ أَصْحَابِهِ لِعُذْرٍ، ثُمَّ اتَّبَعَهُمْ، فَبِينَا هُوَ يَمْشِي إلَيْهِمْ إذْ سَقَطَ فِي بِئْرٍ عَلَى حَاشِيَةِ الطرِيقِ، فَلَمَّا حَصلَ فِي قَعْرِهِ قَالَ: أَسْتَغِيثُ؛ لَعَلَّ أَحَدًا يَسْمَعُنِي فَيُخْرِجُنِي، ثُمَّ قَالَ: إنَّ الَّذِي عَاهَدْته يَرَانِي وَيَسْمَعُنِي، وَاَللّهِ لَا تَكَلَّمْت بِحَرْفٍ لِبَشَرٍ، ثُمَّ لَمْ يَلْبَثْ إلَّا يَسِيرًا إذْ مَرَّ بِتِلْكَ الْبِئْرِ نَفَر، فَلَمَّا رَأَوْهُ عَلَى حَاشِيَةِ لطَّرِيقِ.

قَالُوا: إنَّهُ لَيَنْبَغِي سَدُّ هَذِهِ الْبِئْرِ، ثُمَّ قَطَعُوا خَشَبًا، وَنَصَبُوهَا عَلَى فَمِ الْبِئْرِ غَطَّوْهَا بِالتُّرَابِ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ أَبُو حَمْزَةَ قَالَ: هَذِهِ مَهْلَكَة، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَغِيثَ بِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَاَللهِ لَا أَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا، ثُمَّ رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ فَقَالَ: أَليْسَ الَّذِي عَاهَدْت يَرَى ذَلِكَ كُلَّهُ، فَسَكَتَ وَتَوَكَّلَ، ثُمَّ اسْتَنَدَ فِي قَعْرِ الْبِئْرِ مُفَكِّرًا فِي أَمْرِهِ، فَإِذَا بِالتُّرَابِ يَقَعُ عَلَيْهِ، وَالْخَشَبُ يُرْفَعُ عَنْهُ، وَسَمِعَ فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مَنْ يَقُولُ: هَاتِ يَدَك. قَالَ: فَأَعْطَيْته يَدِي، فَأَقَلَّنِي فِي مَرَّةٍ وَاحِدَةٍ إلَى فَمِ الْبِئْرِ، فَخَرَجْت وَلَمْ أَرَ أَحَدًا، ثُمَّ سَمِعْت هَاتِفًا يَقُولُ: كَيْفَ رَأَيْت ثَمَرَةَ التَّوَكُّلِ؟ ثم

(1)

سورة الرعد، الآية:20.

ص: 204

قال ابن العربي

(1)

: فَهَذَا رَجُلٌ عَاهَدَ اللهَ، فَوَجَدَ الْوَفَاءَ عَلَى التَّمَامِ وَالْكَمَالِ، فَبِهِ فَاقْتَدُوا تَهْتَدُوا. أ. هـ.

قال أبو نعيم

(2)

: في أواخر "الحلية" أبو حمزة محمد بن إبراهيم البغدادي كان مولى عيسى بن أبان القاضي وعرفت له آيات وكرامات. انتهى قاله في الديباجة.

قوله: فلقد رأيت بعض أولئك النفر يسقط سوط أحدهم فما يسأل أحدا يناوله إياه النفر من ثلاثة إلى تسعة تقدم الكلام على ذلك مبسوطا في أولى الكتاب فيه التمسك بالعموم لأنهم نهوا عن السؤال فحملوه على عمومه، فيه الحث على التنزه عن جميع ما يسمى سؤالا وإن كان حقيرًا، والله أعلم

(3)

.

(1)

وقد أنكر ابن الجوزي فعل هذا الرجل وبين خطأه وأن التوكل لا ينافي الاستغاثة في تلك الحال فقال: سُكُوتُ هَذَا الرَّجُل فِي هَذَا الْمَقَامِ عَلَى التَّوَكُّلِ بِزَعْمِهِ إِعَانَةً عَلَى نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ، وَلَوْ فَهِمَ مَعْنَى التَّوَكُّلِ لَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يُنَافِي اسْتِغَاثَتَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ، كَمَا لَمْ يَخْرُجُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم من التَّوَكُّلِ بِإِخْفَائِهِ الْخُرُوجَ مِنْ مَكَّةَ، وَاسْتِئْجَارِهِ دَلِيلًا، وَاسْتِكْتَامِهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ، وَاسْتِتَارِهِ فِي الْغَارِ، وَقَوْلِهِ لِسُرَاقَةَ: اخْفِ عَنَّا. فَالتَّوَكُّلُ الْمَمْدُوحُ لَا يُنَالُ بِفِعْلٍ مَحْظُورٍ، وَسُكُوتُ هَذَا الْوَاقِعِ فِي الْبِئْرِ مَحْظُورٌ عَلَيْهِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ خَلَقَ لِلآدَمِيِّ آلَةً يَدْفَعُ عَنْهُ بِهَا الضَّرَرَ، وَآلَةٌ يَجْتَلِبُ بِهَا النَّفْعَ، فَإِذَا عَطَّلَهَا مُدَّعِيًا لِلتَّوَكُّلِ كَانَ ذَلِكَ جَهْلًا بِالتَّوَكُّلِ، وَرَدًّا لِحِكْمَةِ التَّوَاضُعِ، لِأَنَّ التَّوَكُّلَ إِنَّمَا هُوَ اعْتِمَادُ الْقَلْبِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَتهِ قَطْعَ الْأَسْبَابِ، وَلَوْ أَنَّ إِنْسَانًا جَاعَ فَلَمْ يَسْأَلْ حَتَّى مَاتَ دَخَلَ النَّارَ، قَالَهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَغَيْرُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ دُلَّ عَلَى طَرِيقَةِ السَّلَامَةِ، فَإِذَا تَقَاعَدَ عَنْهَا أَعَانَ عَلَى نَفْسِهِ. انظر تفسير القرطبي (9/ 308).

(2)

حلية الأولياء وطبقات الأصفياء (10/ 320).

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 132).

ص: 205

1205 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ بايعني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم خمْسا وأوثقني سبعا وَأشْهد الله عَليّ سبعا أَن لَا أَخَاف فِي الله لومة لائم قَالَ أَبُو الْمثنى قَالَ أَبُو ذَر فدعاني رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَقَالَ هَل لَك إِلَى الْبيعَة وَلَك الْجنَّة قلت نعم وَبسطت يَدي فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يشْتَرط عَليّ أَن لا أسأَل النَّاس شَيْئا قلت نعم قَالَ وَلا سَوْطك إِن سقط مِنْك حَتَّى تنزل فتأخذه.

وَفِي رِوَايَة أَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ سِتَّة أَيَّام ثمَّ اعقل يَا أَبَا ذَر مَا يُقَال لَك بعد فَلَمَّا كَانَ الْيَوْم السَّابِع قَالَ أوصيك بتقوى الله فِي سر أَمرك وعلانيته وَإِذا أَسَأْت فَأحْسن وَلا تسألن أحدا شَيْئا وَإِن سقط سَوْطك وَلا تقبضن أَمَانَة رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات

(1)

.

1206 -

وَعَن ابْن أبي مليكَة قَالَ رُبمَا سقط الخطام من يَد أبي بكر الصّديق رضي الله عنه فَيضْرب بِذِرَاع نَاقَته فينيخها فَيَأْخذهُ قَالَ فَقَالُوا لَهُ أَفلا أمرتنا فنناولكه قَالَ إِن حبي صلى الله عليه وسلم أَمرنِي أَن لَا أسأَل النَّاس شَيْئا، رَوَاهُ أَحْمد وَابْن أبي مليكَة لم يدْرك أَبَا بكر رضي الله عنه

(2)

.

الخطام بِكَسْر الْخَاء الْمُعْجَمَة هُوَ مَا يوضع على أنف النَّاقة وفمها لتقاد بِهِ.

(1)

أحمد (21509)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 92)، رواه أحمد ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (804).

(2)

أحمد (65)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 92)، وابن أبي مليكة لم يدرك أبا بكر، وعبد الله بن المؤمل فيه كلام وقد وثق.

ص: 206

1207 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من يُبَايع فَقَالَ ثَوْبَان مولى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بَايعنَا يَا رَسُول الله قَالَ على أَن لَا تسْأَل أحدا شَيْئا فَقَالَ ثَوْبَان فَمَا لَهُ يَا رَسُول الله قَالَ الْجنَّة فَبَايعهُ ثَوْبَان قَالَ أَبُو أُمَامَة فَلَقَد رَأَيْته بِمَكَّة فِي أجمع مَا يكون من النَّاس يسْقط سَوْطه وَهُوَ رَاكب فَرُبمَا وَقع على عاتق رجل فَيَأْخذهُ الرجل فيناوله فَمَا يَأْخُذهُ حَتَّى يكون هُوَ ينزل فَيَأْخذهُ رَوَاهُ الطَّبرانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق عَليّ بن يزِيد عَن الْقَاسِم عَن أبي أُمَامَة

(1)

.

1208 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه. قَالَ أَوْصَانِي خليلي صلى الله عليه وسلم بِسبع بحب الْمَسَاكِين وَأَن أدنو مِنْهُم وَأَن أنظر إِلَى من هُوَ أَسْفَل مني وَلا أنظر إِلَى من هُوَ فَوقِي وَأَن أصل رحمي وَإِن جفاني وَأَن أَكثر من قَول لا حول وَلا قُوَّة إِلَا بِالله وَأَن أَتكَلّم بمر الْحق وَلا تأخذني فِي الله لومة لائم وَأَن لا أسأَل النَّاس شَيْئا رَوَاهُ أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة الشّعبِيّ عَن أبي ذَر وَلم يسمع مِنْهُ

(2)

.

قوله وعن أبي ذر تقدم الكلام على أبي ذر، قوله: بايعني رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسًا وأوثقني سبعًا وأشهد الله عليَّ سبعًا. الحديث، تقدم معنى المبايعة في الحديث قبله.

(1)

الطبراني في الكبير (7832)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 93)، رواه الطبراني في الكبير وفيه علي بن يزيد، وهو ضعيف.

(2)

أحمد (21415)، والطبراني في الكبير (1648)، وفي الصغير (745)، وابن حبان (449)، والبيهقي (10/ 91)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 93)، رواه الطبراني في الكبير والصغير بنحوه وأظنه رواه أحمد، ورجاله ثقات، إلا أن الشعبي لم أجد له سماعا من أبي ذر رضي الله عنه، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (805).

ص: 207

قوله: وعن ابن أبي مليكة اسمه [عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة، واسمه زهير، بن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مره القرشي التيمي، أبو بكر، ويقال: أبو محمد، المكي الأحول. كان قاضيا لعبد الله بن الزبير، ومؤذنا له روى عن: جده أبي مليكة، وله صحبة، وعن عائشة، وأم سلمة، وابن عباس، وعبد الله بن عمرو، وابن عمر، وطائفة.

وعنه: عمرو بن دينار، وأيوب، وحاتم بن أبي صغيرة، وابن جريج، ونافع بن عمر الجمحي، وعبد الواحد بن أيمن، ويزيد بن إبراهيم التستري، وجرير بن حازم، وأبو عامر الخزاز، وعبد الجبار بن الورد، وابن لهيعة، والليت بن سعد، وخلق كثير.

روى أيوب. عن ابن أبي مليكة قال: بعثني ابن الزبير على قضاء الطائف، فكنت أسأل عن ابن عباس وثقه أبو زرعة وأبو حاتم وغير واحد، ومات سنة سبع عشرة ومائة

(1)

].

قوله: وربما سقط الخطام من يد أبي بكر الصديق الحديث.

الخطام: ضبطه الحافظ وفسره فقال: الخطام هو ما يوضع على أنف الدابة وفمها لتقادى به ا. هـ.

قوله: عن أبي أمامة واسمه صدي بن عجلان وتقدم الكلام على مناقبه، قوله صلى الله عليه وسلم "من يبايع" فقال: ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم بايعنا يا رسول الله قال: "ألا تسألوا أحدًا شيئًا" تقدم معنى المبايعة وتقدم الكلام على ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

(1)

تهذيب الكمال (15/ الترجمة 3405)، وتاريخ الإسلام 3/ 262.

ص: 208

قوله رواه الطبراني

(1)

من طريق علي بن يزيد هو علي بن يزيد بن أبي هلال الألهاني، ويقال: الهلالي، أبو عبد الملك، ويقال: أبو الحسن، الشامي الدمشقي اتفقوا على تضعيفه].

قوله، وعن أبي ذر تقدم الكلام على أبي ذر قوله رضي الله عنه أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم تقدم الكلام على الخليل في صلاة الضحى، قوله:"وأن أصل رحمي وإن جفاني" والمراد بالرحم القرابة سواء كان وارثا أو غير وارث وتقدم الكلام على الرحم والصلة.

قوله: رواه الطبراني

(2)

من رواية الشعبي، والشعبي بفتح الشين وسكون العين، هو: أبو عمرو عامر بن شراحيل بفتح الشين الكوفي نسب إلى شعب وهو بطن من همدان بسكون الميم وإهمال الدال ولد لست سنين مضت من خلافة عثمان وروى عن علي والسبطين وسعد وسعيد وابن عباس وابن عمر وغيرهم وقال: أدركت خمسمائة من الصحابة وقال: ما كتبت سوداء في بيضاء قط ولا حدثني أحد بحديث فأحببت أن يعيده علي ولا حدثني رجل بحديث إلا حفظته وقال: ابن عيينة كان الشعبي أكبر الناس في زمانه

(3)

وكان ضئيلا فقيل ما لنا نراك نحيفًا فقال: إني كنت زوحمت في الرحم وذلك لأنه كان أحد التوءمين وهو: كاتب عبد الله بن مطيع العدوي أمير العريش يوم

(1)

سبق تخريجه.

(2)

سبق تخريجه.

(3)

الحلية 6/ 356 و 9/ 167.

ص: 209

الحرة وأمه كانت من سبي [جلولاء] هي قرية من ناحية فارس

(1)

توفي بالكوفة فجأه في بضع ومائة وقيل سنة أربع ومائة وهو ابن سبع وتسعين سنة

(2)

قال الحافظ أبو نعيم عن ابن سيرين قال: قَدِمْتُ الْكُوفَةَ وَلِلشَّعْبِيِّ حَلْقَة عَظِيمَة، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ

(3)

.

وعن عاصم بن سليمان قال: ما رأينا أحدًا كان أعلم بحديث أهل الكوفة والبصرة والحجاز والأفاق من الشعبي

(4)

وقال: رجل للشعبي يا معشر الفقهاء والعلماء فقال: الشعبي لسنا بفقهاء ولا بعلماء ولكنا قوم قد سمعنا حديثًا فنحن نحدثكم بما سمعنا إنما الفقيه من تورع عن محارم الله عز وجل والعالم من خاف الله سبحانه وتعالى

(5)

وقال: رضي الله عنه العلم أكثر من عدد القطر فخذ من كل شيء أحسنه ثم تلى قوله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ}

(6)

(7)

ا. هـ.

(1)

المعارف 1/ 450.

(2)

المنتظم 7/ 94.

(3)

حلية الأولياء 4/ 310، وتاريخ دمشق 25/ 357.

(4)

حلية الأولياء 4/ 310.

(5)

حلية الأولياء 4/ 311.

(6)

سورة الزمر، الآية:18.

(7)

حلية الأولياء 4/ 314. وانظر لترجمته المعارف (1/ 449 - 451)، والحلية 4/ 310 - 337، وتاريخ بغداد 14/ 143، وتاريخ دمشق 25/ 335 - 430، والمنتظم 7/ 92 - 94، وتهذيب الكمال 14/ ترجمة 3042.

ص: 210

1209 -

وَعَن حَكِيم بن حزَام رضي الله عنه قَالَ سَأَلت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَانِي ثمَّ سَأَلته فَأَعْطَانِي ثمَّ سَأَلته فَأَعْطَانِي ثمَّ قَالَ يَا حَكِيم هَذَا المَال خضر حُلْو فَمن أَخذه بسخاوة نفس بورك لَهُ فِيهِ وَمن أَخذه بإشراف نفس لم يُبَارك لَهُ فِيهِ وَكَانَ كَالَّذي يَأْكُل وَلا يشْبع وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى قَالَ حَكِيم فَقلت يَا رَسُول الله وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ لا أرزأ أحدا بعْدك شَيْئا حَتَّى أُفَارِق الدُّنْيَا فَكَانَ أَبُو بكر رضي الله عنه: يَدْعُو حكيما ليعطيه الْعَطاء فيأبى أَن يقبل مِنْهُ شَيْئا ثمَّ إِن عمر رضي الله عنه دَعَاهُ ليعطيه فَأبى أَن يقبله فَقَالَ يَا معشر الْمُسلمين أشهدكم على حَكِيم أَنِّي أعرض عَلَيْهِ حَقه الَّذِي قسم الله لَهُ فِي هَذَا الْفَيْء فيأبى أَن يَأْخُذهُ وَلم يرزأ حَكِيم أحدا من النَّاس بعد النَّبِي صلى الله عليه وسلم حَتَّى توفّي رضي الله عنه رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ بِاخْتِصَار

(1)

.

يرزأ برَاء ثمَّ زَاي ثمَّ همزَة مَعْنَاهُ لم يَأْخُذ من أحد شَيْئا، وإشراف النَّفس بِكَسْر الْهمزَة وبالشين الْمُعْجَمَة وَآخره فَاء هُوَ تطلعها وطمعها وشرهها. وسخاوة النَّفس ضد ذَلِك.

قوله وعن حكيم بن حزام تقدم الكلام عليه مبسوطًا، قوله: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ثم سألته فأعطاني الحديث قال: الإمام أبو عبد الله القرطبي في كتابه قمع الحرص بالزهد والقناعة وقد قسم علماؤنا رحمة الله عليهم المسألة ثلاثة أقسام محرمة ومكروهة وجائزة فالمحرمة هي التي تكون بمعنى الفقر وليس بفقير أو يظهر من الفقر أكثر مما هو فيه

(1)

البخاري (1472)، ومسلم (1035)، والترمذي (2463)، والنسائي (5/ 60).

ص: 211

والمكروه هو الذي يسأل وله أوقية لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى حكيم بن حزام مرات وكان يملك أكثر من ذلك غير أنه كان ممن يجوز له أخذ الصدقة لأنه كان من المؤلفة قلوبهم ولو كان حرامًا ما أعطاه غير ذلك له ومن كان له دون الآربعين وسأل بالمعروف فلا حرج عليه ومن اضطر إلى المسألة ففرض عليه أن يسأل ولا يكون المسئول حينئذ أفضل من السائل لأن موسى والخضر عليهما السلام استطعما أهل قرية ومن سأل على غير وجه الفقر بالمعروف لأمر نزل به من جائحة أصابته أو حمالة تحمل بها أو دية لزمت أو ليكافيء على ما يؤتى إليه فهذا حلال ولا يكون المسئول أفضل من السائل

(1)

ا. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم "يا حكيم هذا المال خضر حلوة" خضر بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة أيضًا، وقوله:"حلوة" بضم الحاء المهملة وسكون اللام وشبهه للرغبة فيه الميل إليه بالأخضر الحلو المستلذ فإن الأخضر مرغوب فيه على انفراده وكذلك الحلو باجتماعهما أشد وفيه إشارة إلى عدم بقائه فإن الأخضر أسرع الألوان إستحالة وتغيرًا

(2)

ووقع للأصيلي أن هذا المال خضرة حلوة بزيادة التاء أي ناعم مشتهى شبهه بالمراعي الشهية للأنعام ومن روي أن هذا المال شيء كالخضرة خضرة أنث على معنى التأنيث المشبه به أي أن هذا المال شيء كالخضرة وقال: ثابت معناه أن هذا

(1)

قمع الحرص ص 20 - 21.

(2)

شرح النووي على مسلم 7/ 126، وعمدة القارى 9/ 52.

ص: 212

المال شهية كالبقلة الخضرة إلى الدواب، قاله القاضي عياض

(1)

.

قوله فمن أخذه بسخاوة نفس والسخاوة والسخاء الجود وسخاوة النفس يجوز أن تكون راجعة إلى الأخذ أي من أخذه في حال كون نفسه سخية به لا لكنزه ويجوز أن تكون راجعة إلى الدافع أي من أخذه ممن يدفعه سخية به نفسه

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه" الحديث هاشراف النفس هو تطلعها وطمعها وشرهها وسخاوة النفس ضد ذلك قاله المنذري والمشرف إلى الشيء بالشين المعجمة هو المتطلع إليه والحريص عليه.

قوله صلى الله عليه وسلم وكان كالذي يأكل ولا يشبع قيل هو الذي به داء لا يشبع بسببه قال: الخطابي يريد أن سبيله سبيل من يأكل من ذي سقم وآفة فيزداد سقمًا ولا يجد شبعًا فينجع فيه الطعام

(3)

ا. هـ.

وقيل المراد تشبيهه بالبهيمة الراعية

(4)

.

قوله واليد العليا خير من اليد السفلى واليد العليا هي المنفقة والسفلى هي السائلة، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطًا.

(1)

مشارق الأنوار (1/ 243 - 244)، ومطالع الأنوار (2/ 467 - 468).

(2)

انظر: أعلام الحديث 2/ 800، وشرح النووي على مسلم 7/ 126، والكواكب الدراري 8/ 17.

(3)

أعلام الحديث 2/ 800.

(4)

شرح النووي على مسلم 7/ 126.

ص: 213

قوله: قال: حكيم فقلت يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدًا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا.

قوله: إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه فأبى أن يقبله فقال: يا معشر المسلمين أشهدكم على حكيم أني أعرض عليه حقه الذي قسم الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، يرزأ ضبطه الحافظ وفسره، وقال: معناه لم يأخذ من أحد شيئًا وقال: غيره وأصل الرزء النقصان أي لم ينقص أحدًا شيئًا بالأخذ منه والفيء هو ما حصل للمسلمين من أموال الكفار من غير حرب ولا جهاد قاله في النهاية

(1)

، وقال الكرماني

(2)

: والفيء لغة هو الخراج والغنيمة واصطلاحًا هم المال المأخوذ من الكفار بدون إيجاف فيل وركاب قال ابن بطال: فيه إعطاء السائل من مال واحد مرتين وما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكرم

(3)

وفيه أنه لا يستحق أحد من بيت المال شيئًا إلا بعد إعطاء الإمام وإنما أشهد عمر رضي الله عنه على حكيم لأنه خشي سوء تأويله فأراد أن يبرئ ساحته بالإشهاد عليه

(4)

والله أعلم.

وقال أبو إسحاق الشيرازي

(5)

: الفيء كل مال أخذ من الكفار من غير قتال

(1)

النهاية 3/ 428.

(2)

ينظر: الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري (8/ 3).

(3)

شرح الصحيح 3/ 504 لابن بطال.

(4)

شرح الصحيح 3/ 506 لابن بطال.

(5)

المهذب في فقه الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262).

ص: 214

كالمال الذي تركوه فزعًا من المسلمين والخراج والجزية والأموال التي يموت عنها من لا وارث له من أهل الذمة والله أعلم.

1210 -

وَعَن ثَوْبَان رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من يكفل لي أَن لَا يسْأَل النَّاس شَيْئا أتكفل لَهُ بِالْجنَّةِ فَقلت أَنا فَكَانَ لا يسْأَل أحدا شَيْئا رَوَاهُ أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَأَبُو دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح.

وَعند ابْن مَاجَه قَالَ لا تسْأَل النَّاس شَيْئا قَالَ فَكَانَ ثَوْبَان يَقع سَوْطه وَهُوَ رَاكب فَلَا يَقُول لأحَد ناولنيه حَتَّى ينزل فَيَأْخذهُ

(1)

.

1211 -

وَعَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ ثَلَاث وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ إِن كنت لحالفا عَلَيْهِنَّ لا ينقص مَال من صَدَقَة فتصدقوا وَلا يعْفُو عبد عَن مظْلمَة إِلَا زَاده الله بهَا عزا يَوْم الْقِيَامَة وَلا يفتح عبد بَاب مَسْألة إِلَا فتح الله عَلَيْهِ بَاب فقر، رَوَاهُ أَحْمد وَفِي إِسْنَاده رجل لم يسم وَأَبُو يعلى وَالْبَزَّار

(2)

.

وَتقدم فِي الإِخْلَاص من حَدِيث أبي كبْشَة الأنمَارِي مطولا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح

(3)

.

(1)

أحمد (22374)، والنسائي (5/ 96)، وابن ماجه (1837)، وأبو داود (1643)، والطيالسي (1078)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 181)، والحاكم (1/ 412)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (807).

(2)

أحمد (1674)، والبزار (1033)، وأبو يعلى (849)، وعبد بن حميد (159) وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (808).

(3)

أحمد (18024)، والترمذي (2325).

ص: 215

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الصَّغِير من حَدِيث أم سَلمَة وَقَالَ فِي حَدِيثه وَلا عَفا رجل عَن مظْلمَة إِلَّا زَاده الله بهَا عزا فاعفوا يعزكم الله وَالْبَاقِي بِنَحْوِهِ

(1)

.

1212 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قَالَ قَالَ عمر رضي الله عنه يَا رَسُول الله لقد سَمِعت فلَانا وَفُلَانًا يحسنان الثَّنَاء يذكران أنك أعطيتهما دينارين قَالَ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم وَالله لَكِن فلانا مَا هُوَ كَذَلِك لقد أَعْطيته مَا بَين عشرَة إِلَى مائَة فَمَا يَقُول ذَلِك أما وَالله إِن أحدكُم ليخرج مَسْأَلته من عِنْدِي يتأبطها يَعْني تكون تَحت إبطه نَارا فَقَالَ قَالَ عمر رضي الله عنه يَا رَسُول الله لم تعطيها إيَّاهُم قَالَ فَمَا أصنع يأبون إِلَا ذَلِك ويأبى الله لي الْبُخْل رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو يعلى وَرِجَال أَحْمد رجال الصَّحِيح

(2)

.

وَفِي رِوَايَة جَيِّدَة لأبي يعلى وَإِن أحدكُم ليخرج بِصَدَقَتِهِ من عِنْدِي متأبطها وَإِنَّمَا هِيَ لَهُ نَار قلت يَا رَسُول الله كَيفَ تعطيه وَقد علمت أنَّهَا لَهُ نَار قَالَ فَمَا أصنع يأبون إِلَا مَسْألتي ويأبى الله عز وجل لي الْبُخْل

(3)

.

قوله: وعن ثوبان تقدم الكلام على ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قوله: صلى الله عليه وسلم

(1)

الطبراني في الصغير (136)، وفي الأوسط (2270)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 105)، وفيه زكريا بن دويد، وهو ضعيف جدا.

(2)

أحمد (11004)، وأبو يعلى (1327)، والبزار (925)، وابن حبان (3414)، والحاكم (1/ 64)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 94)، ورجال أحمد رجال الصحيح، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (809).

(3)

أبو يعلى كما في مجمع الزوائد (3/ 95)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (810).

ص: 216

"من تكفل لي أن لا يسأل الناس شيئًا أتكفل له الجنة"، الكفالة: الضمان.

قوله: وعن عبد الرحمن بن عوف، هو الإمام أبو محمد عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة القرشي الزهري المدني يجتمع نسبه مع النبي صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة، كان اسمه في الجاهلية عبد عمرو وقيل عبد الكعبة فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن وأمه الشفاء بنت عوف أسلمت وهاجرت ولد رضي الله عنه بعد الفيل بعشر سنين أسلم عبد الرحمن قديما قبل دخول النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم وهو أحد السابقين الثمانية إلى الإسلام وأحد العشرة المشهود لهم بالجنة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض وأحد الستة أصحاب الشورى وأحد الثلاثة الذين انتهت إليهم الخلافة ثم كان هو الذي اجتهد في تقديم عثمان وهو أحد الخمسة الذين أسلموا على يد أبي بكر الصديق وهاجر الهجرتين إلى الحبشة ثم إلى المدينة وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع ومن مناقب عبد الرحمن التي لا توجد لغيره من الناس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى وراءه في غزوة تبوك حين وجده قد صلى بالناس ركعة وحديثه هذا في صحيح مسلم

(1)

وقولنا لا توجد لغيره من الناس إحتراز من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم خلف جبريل عليه السلام حين أعلمه بالمواقيت وقيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى خلفه الركعة الثانية من صلاة الفجر وأتم الذي فاته وقال: "ما قبض نبي حتى

(1)

أخرجه مسلم (105 - 274) عن المغيرة بن شعبة.

ص: 217

يصلي خلف رجل صالح من أمته"

(1)

وهو رضي الله عنه من قدماء المهاجرين وكبار البدريين شهد المشاهد كلها مع رسول الله رضي الله عنه وجرح عبد الرحمن يوم أحد إحدى وعشرين جراحة وجرح في رجله فعرج وسقطت ثنيتاه وكان كثير الإنفاق في سبيل الله أعتق يوم أحد ثلاثيق عبدًا روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسة وستين حديثا اتفقا منها على حديثين وانفرد البخاري بخمسة وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم "أن عبد الرحمن بن عوف أمين في السماء أمين في الأرض"

(2)

وكان كثير المال محظوظًا في التجارة قيل أنه دخل على أم سلمة فقال: يَا أُمَّهْ، قَدْ خِفْتُ أَنْ يُهْلِكَنِي كَثْرَةُ مَالِي، قالت: يَا بُنَيَّ، أَنْفِقْ.

وعن الزهري قال: تصدق عبد الرحمن بن عوف على عهد رسول الله

(1)

أخرجه المروزي (3) عن محمد بن معمر، عن يحيى بن حماد، بهذا الإسناد. وهو عنده مختصر بلفظ: ما قُبض نبي قط حتى يؤمَّه رجل من أمته، وانظر: وصحيح البخاري (3094) ومسند أبي بكر للمروزي (2).

(2)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (3/ 134)، وابن منيع كما في المطالب (3977)، وابن شبة في تاريخ المدينة (3/ 924 - 928)، وابن أبي عاصم في السنة (2/ 616) والبزار (466)، والبغوى في معجم الصحابة (1872)، وابن بطة في الإبانة 8/ 133 - 137 (19 و 20) والحاكم (3/ 309 - 315)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 98) وفضائل الخلفاء (119) والمعرفة (475) من طريقين عن ابن عمر عن علي. وأخرجه أبو نعيم في الحلية (4/ 95 - 94) عن علي. قال أبو نعيم في الرواية الثانية: غريب من حديث ميمون، لم نكتبه إلا من هذا الوجه. وصحح الحاكم الرواية الأولى وتعقبه الذهبى فقال: فيه أبو المعلى فرات بن السائب، تركوه. وقال البوصيري في الإتحاف 7/ 223: رواه أحمد بن منيع بسند ضعيف لضعف أبي المعلى الجزري واسمه فرات بن السائب.

ص: 218

بشطر ماله أربعة آلاف ثم أربعين ألفًا ثم تصدق بأربعين ألف دينار ثم تصدق بخمسمائة فرس في سبيل الله ثم خمسمائة راحلة وفي كتاب الترمذي

(1)

أن عبد الرحمن بن عوف أوصى لأمهات المؤمنين بحديقة بيعت بأربعمائة ألف قال الترمذى: حديث حسن صحيح وقال عروة بن الزبير: أوصي عبد الرحمن لمن بقي فمن شهد بدرًا لكل رجل بأربعمائة دينار وكانوا مائة رجل فأخذوها وأخذ عثمان فيمن أخذ وأوصى بألف فرس في سبيل الله تعالى وخلف مالًا عظيمًا من ذهب قطع بالفؤوس حتى مجلت أيدي الرجال منها وترك ألف بعير ومائة فرس وثلاثة آلاف شاة ترعى وكان له أربع نسوة، صالحت امرأة منهن عن نصميبها بثمانين ألفًا وقدمت عير من الشام فيها سبعمائة راحلة ففرقها في سبيل الله بأحمالها وأقتابها وأحلاسها وباع أرضًا له من عثمان بن عفان بأربعين ألف دينار وقسمها في بني زهرة وفقراء المسلمين وأمهات المؤمنين فقالت عائشة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:"لمن يحنو عليكم بعدي إلا الصالحون فسقى الله عبد الرحمن من سلسبيل الجنة"

(2)

وكان رضي الله عنه من تواضعه لا يعرف من بين عبيده وكان أهل المدينة

(1)

أخرجه الترمذي (3750)، وابن أبي عاصم في السنة (1414)، والحاكم 3/ 311 - 312.

وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. وقال الحاكم: صحيح على شرط مسلم، ووافقه الذهبي. وقال الألباني: حسن الإسناد صحيح لغيره.

(2)

أخرجه ابن سعد في الطبقات 3/ 132 - 133، وإسحاق (1755)، وأحمد في الفضائل (1249) و (1258) والمسند 6/ 103 (24724) و 6/ 135 (25032 و 25033)، والترمذي (3749)، وابن حبان (6995). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب. قال =

ص: 219

عيلا على عبد الرحمن ثلث يقرضهم ماله وثلث يقضي ديونهم من ماله وثلث يصلهم وكان عامة ماله من التجارة وكان أبيض مشربًا بحمرة حسن الوجه رقيق البشرة أهدب الأشفار أقنى له جبهة ضخم الكفين غليظ الأصابع لا تغير شعره توفي سنة ثنتين وثلاثين وقيل سنة إحدى وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين سنة وقيل خمس وسبعين وقيل ثمان وسبعين ودفن بالبقيع

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم ثلاث "والذي نفسي بيده إن كنت الحالف عليهن ما نقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفوا عبد عن مظلمة يريد به وجه الله عز وجل إلا رفعه الله بها يوم القيامة" الحديث تقدم الكلام عليه في الإخلاص في أوائل هذا التعليق وروى من حديث أبي كبشة الأنماري.

1213 -

وَعَن أبي بشر قبيصَة بن الْمخَارِق رضي الله عنه قَالَ تحملت حمالَة فَأتيت رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فِيهَا فَقَالَ أقِم حَتَّى تَأْتِينَا الصَّدَقَة فنأمر لَك بهَا ثمَّ قَالَ يَا قبيصَة إِن الْمَسْألة لا تحل إِلَّا لأحد ثَلَاثَة رجل تحمل حمالَة فَحلت لَهُ الْمَسْأَلَة حَتَّى يُصِيبهَا ثمَّ يمسك وَرجل أَصَابَته جَائِحَة اجتاحت مَاله فَحلت لَهُ الْمَسْألة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش أَو قَالَ سدادا من عَيْش وَرجل أَصَابَته فاقة حَتَّى يَقُول ثَلَاثَة من ذَوي الحجى من قومه لقد أَصَابَت فلانا فاقة فَحلت لَهُ الْمَسْألة حَتَّى يُصِيب قواما من عَيْش أَو قَالَ سدادا من عَيْش فَمَا سواهن من

= الألباني: حسن صحيح - المشكاة (6121 و 6122)، والصحيحة (1594).

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 300 - 303 ترجمة 357).

ص: 220

الْمَسْألة يَا قبيصَة سحت يأكلها صَاحبهَا سحتا رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

الْحمالَة بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة هُوَ الدِّيَة يتحملها قوم من قوم وَقيل هُوَ مَا يتحمله المصلح بَين فئتين فِي مَاله ليرتفع بَينهم الْقِتَال وَنَحْوه. والجائحة: الآفة تصيب الإِنْسَان فِي مَاله. والقوام: بِفَتْح الْقَاف وَكسرهَا أفْصح هُوَ مَا يقوم بِهِ حَال الإِنْسَان من مَال وَغَيره. والسداد: بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة هُوَ مَا يسد حَاجَة المعون ويكفيه. والفاقة: الْفقر والاحتياج. والحجى: بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة مَقْصُورا هُوَ الْعقل.

قوله: وعن أبي بشر قبيصة بن المخارق بضم الميم بن عبد الله بن شداد الهلالي العامري البصري. وكنيته أبو بشر (وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم، وروى عنه ستة أحاديث، روى مسلم أحدها. روى عنه أبو عثمان النهدى،، وأبو قلابة، وكنانة بن نعيم، وابنه قطن بن قبيصة

(2)

.

(وقوله) تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الخطابي

(3)

: وفي هذا الحديث علم كثير وفوائد جمة ويدخل في أبواب من العلم والحكم وذلك

(1)

مسلم (1044)، وأبو داود (1640)، والنسائي (5/ 88)، وفي الكبرى (2361)، وأحمد (15916).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 56/ 57 ترجمة 502)، وتهذيب الكمال (23/ الترجمة 4845).

(3)

معالم السنن (2/ 66).

ص: 221

أنه قد جعل من تحل المسألة من الناس أقسامًا ثلاثة غنيًا وفقيرين وجعل الفقر على ضربين فقرًا ظاهر أو فقرًا باطنًا فالغنى الذي تحل المسألة هو صاحب الحمالة، قال الحافظ

(1)

: الحمالة بفتح الحاء المهملة هي الدية يتحملها قوم عن قوم وقيل هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله ليرتفع بينهم القتال ونحوه ا. هـ.

وقال المنذري في الحواشي على سنن أبي داوود: والحمالة هي الكفالة والحميل والكفيل والضمين والزعيم واحد، وتفسيرها أن يقع بين القوم تشاجر في الدماء والأموال ويحدث بسببها العداوة والشحناء ويخاف منها الفتن العظيمة فيتوسط رجل بينهم ويسعى في إصلاح ذات البين ويضمن مالا لأصحاب الدم أو المال أو نحوه يترضاهم بذلك تسكينًا للثائرة وجلبًا للألفة

(2)

ا. هـ.

وكانت العرب إذا وقعت بينهم ثائرة اقتضت غرمًا في دية أو غيرها قام أحدهم فيتبرع بإلتزام ذلك والقيام به حتى ترتفع تلك الثائرة ولا شك أن هذا من مكارم الأخلاق ولا يصدر مثله إلا عن سادات الناس وخيارهم وكانت العرب لكرمها إذا علمت بأن أحدا تحمل حمالة بادروا إلى معونته وأعطوه ما يتم به وجه مكرمته وتبرأ به ذمته

(3)

، فهذا رجل صنع معروفًا وابتغى بما أعطاه صلاحًا فليس من المعروف أن تكون الغرامة عليه في ماله ولكن يعان

(1)

هو المنذرى.

(2)

مختصر سنن أبي داود (2/ 237).

(3)

المفهم (9/ 54).

ص: 222

على أداء ما تحمله منهم ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ به ذمته ويخرج من عهدة ما ضمنه منه

(1)

ا. هـ.

ولو سأل المتحمل من تلك الحمالة لم يعد ذلك نقصًا بل شرفًا وفخرًا ولذلك سأل هذا الرجل رسول الله صلى الله عليه وسلم في حمالته التي تحملها على عادتهم فأجابه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بحكم المعونة على المكرمة ووعده النبي صلى الله عليه وسلم بمال من الصدقة لأنه غارم من جملة الغارمين المذكورين في آية الصدقات

(2)

وإنما تحل له المسألة ويعطى من الزكاة بشرط أن يستدين لغير معصية

(3)

ومثل هذا يجوز صرف الزكاة إليه وإن كان غنيًا هذا ظاهر مذهب الشافعي وقد جاء في حديث "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة وذكر منهم الغني الغارم ولإصلاح ذات البين"

(4)

أما من غرم في حاجة نفسه فيدفع إليه من الزكاة عند حاجته ما يقضي به ديونه وهو المراد بالقسمين الأخيرين

(5)

والله أعلم.

(1)

معالم السنن (2/ 67)، والمفهم (9/ 54) وقمع الحرص (ص 34).

(2)

المفهم (9/ 54 - 55).

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 133).

(4)

عبد الرزاق في المصنف (7151)، ومن طريقه أخرجه أبو داود (1636)، وابن ماجه (1841)، وابن الجارود في المنتقى (3605)، وابن خزيمة (2374)، والدارقطني في السنن 2/ 121، والحاكم 1/ 407 - 408، والبيهقي في السنن 7/ 15، 22. وصححه الحاكم على شرطهما ووافقه الذهبى. وصححه الألباني في الإرواء (870) وصحيح أبي داود (1445).

(5)

انظر: المجموع (6/ 205 - 208)، والنجم الوهاج (6/ 445 - 447).

ص: 223

قوله: صلى الله عليه وسلم "ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله" أي أهلكته فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من العيش، الجائحة بتقديم الجيم على الحاء أي حادثة إجتاحت أي أهلكت قال: الحافظ

(1)

الجائحة الآفة تصيب الإنسان في ماله ا. هـ، وقال: في النهاية

(2)

الإجتياح من الجائحة وهي الآفَةُ التي تُهْلِك الثمار والأموال وتستأصلها، وكلُّ مُصِيبة عظيمة وفِتنةٍ مُبِيرَة: جائحة، والجمع الجوائح وجاحهم يجوحهم جرحًا [: إذا غشيهم بالجوائح وأهلكهم ومنه الحديث "أعاذكم الله من جوح الدهر"].

وقال في الديباجة: والجائحة في غالب العرف هي ما ظهر أمره من الآفات كالسيل يغرق متاعه والنار تحرقه والزرع تفسد زرعه ومتاعه وثماره ونحو ذلك وهذه أشياء لا تخفى آثارها عند كونها ووقوعها فإذا أصاب الرجل شيء منها فذهب ماله وافتقر حلت له المسألة ووجب على الناس أن يعطوه الصدقة من غير بينة يطالبونه بها على ثبوت فقره واستحقاقه إياها

(3)

.

وقال القرطبي في شرح مسلم الجائحة ما اجتاتحت المال وأتلفته إتلافًا ظاهرًا كالسيل والمطر والحرق والسرق وغلبة العدو وغير ذلك مما يكون إتلافه للمال ظاهرًا مما لا تخفى آثاره

(4)

.

(1)

ينظر: فتح الباري لابن حجر (3/ 364) وصححه الألباني كما في إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل (3/ 377)

(2)

النهاية (1/ 311 - 312).

(3)

معالم السنن (2/ 67).

(4)

المفهم (9/ 55).

ص: 224

تنبيه: واستنبطت الشافعية منه أن الجوائح في باب البيع غير مضمونة على البائع بل هي في ضمان المشترى فإذا اشترى ثمرة وقبضها بالتخلية فتلفت قبل قطافها كانت من ضمان المشترى ألا تراه صلى الله عليه وسلم سوغ دفع الزكاة إليه فلو كانت الجوائح من ضمان البائع لم يكن لدفع الزكاة إليه وجه وقد روى مسلم

(1)

إن رجلا ابتاع ثمارًا فأصابتها جائحة فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة عليه ثم قال: لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك وأراد أنه صلى الله عليه وسلم أنهم لا يحل لهم حبسه لعدم ما بيده

(2)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يصيب قوامًا من عيش" القوام: ضبطه الحافظ وفسره هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره ا. هـ.

قوله: أو قال: "سدادًا من عيش" والسداد قال الحافظ

(3)

: بكسر السين المهملة ما يسد به حاجة المعوز ويكفيه ا. هـ، وقال القرطبي

(4)

: السداد: بكسر السين ما يسد به الشيء وكل شيء سددت به شيئًا فهو سداد بالكسر وبه سمي سدادا الثغر والقارورة والحاجة وبفتحها الإصابة وقال: غيره

(1)

أخرجه مسلم (18 - 1556)، وأبو داود (3469)، والترمذي (655)، والنسائي في المجتبى 7/ 223 (4572) و 7/ 303 (4721) والكبرى (6297) و (6450) عن أبي سعيد.

(2)

انظر: المجموع (9/ 220) والروضة (3/ 453) وشرح النووي على مسلم (10/ 216 - 217).

(3)

هو المنذري.

(4)

المفهم (9/ 55).

ص: 225

السداد بكسر السين ما يسد الخلة ويدفع الحاجة أى ما يكفى حاجته يعنى ما يحصل به العيش من قوت ولباس

(1)

والسداد [يعنى بفتح السين والدال] العقل والتدبير

(2)

.

لطيفة: حكى أن النضر بن شميل دخل على المأمون على التزوج

(3)

ثم قال: المأمون حدثنا هشيم وساق الحديث أن المرأة سداد ففتح السين فقال:

(1)

المفاتيح (2/ 513).

(2)

انظر شرح السنة 6/ 125.

(3)

كذا هو في الأصل وسياق الخبر كما في مجالس العلماء للزجاجى (ص 152 - 153): قال النضر بن شميل: دخلت على المأمون وعلي إزار مرقوع، فقال لي: يا نضر، ما هذا التقشف؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، حر مرو كما قد علمت، وأنا شيخ وأحب التروح بهذه الخلقان. قال: فأخذ بنا في الحديث في ذكر النساء، فقال المأمون: حدثني هشيم بن بشير عن مجالد عن الشعبي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل تزوج امرأة لدينها وجمالها كان ذلك سدادا من عوز". قلت: يا أمير المؤمنين، صدق هشيم، حدثنا عوف بن أبي جميلة قال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أيما رجل تزوج امرأة لدينها وجمالها كان ذلك سدادا من عوز". قال: فاستوى جالسا ثم قال: يا نضر، كيف قلت سدادا بالكسر ولم تقل سدادا، ما الفرق بينهما؟ قلت: يا أمير المؤمنين، السداد: القصد في الدين والسبيل والطريق. والسداد للثلمة. وكل ما سددت فهو سداد بالكسر.

قال: وفي العرب من يقول ذلك؟ قلت: نعم، هذا العرجي يقول: أضاعوني وأي فتى أضاعوا، .. ليوم كريهة وسداد ثغر.

فقال: قبح الله اللحن. قلت: يا أمير المؤمنين، إنما لحن هشيم، وكان هشيم لحانا، فاتبع أمير المؤمنين لفظه، وقد تتبع ألفاظ العلماء

الخبر.

ص: 226

النضر بن شميل صدق أمير المؤمنين وأخطأ هشيم، حدثنا عوف عن الحسن وساق الحديث في السداد بكسر السين فقال: له المأمون ما الفرق بينهما ففرق بينهما بأن السداد بفتح السين هو العقل وبكسرها ما يسد الخلة فكتب له المأمون إلى وزيره بمال ثم أراد أن يترب الكتاب فقال: أَتْرِبِ الْكِتَابَ يَا غُلام ويريد بذلك ما ورد في الحديث "أتربوا الكتاب فإنه أنحج للحاجة"

(1)

يقال: أتربت الشيء إذا جعلت عليه التراب قاله في النهاية،

(2)

فقال المأمون: فيكون ماذا؟ فقال: مترب ثم أخذ المأمون طينًا ليختم به الكتاب فقال: كيف الأمر في التطين، فقال النضر: طنه يا غلام، فقال: فهو ماذا، فقال النضر: فهو مطين، فاستحسن ذلك المأمون، ثم حمل الكتاب إلى الوزير فنظر فيه فإذا هو كتب له بخمسين ألف درهم فقال: الوزير ما الذي أوجب لك ذلك يا نضر فذكر القصة فقال: تلحن أمير المؤمنين وتأخذ هذا فقال: لم يلحن أمير المؤمنين وإنما لحن هشيم فدفع إليه ثمانين ألفًا وقال: هذه الثلاثون من كيسي قاله في شرح مشارق الأنوار.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ورجل أصابته فاقة" قال الحافظ

(3)

: الفاقة: الفقر والاحتياج.

(1)

أخرجه الزجاجى في مجالس العلماء (1/ 152 - 155)، والمعافى بن زكريا في الجليس الصالح (ص 382 - 383)، والخطابى في غريب الحديث (1/ 55)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (33/ 293 - 295)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 128 - 129).

(2)

النهاية (1/ 185).

(3)

أى المنذرى.

ص: 227

قوله صلى الله عليه وسلم "حَتَّى يَقُومَ ثَلاثة مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ" يقول باللام الحديث فلا يحتاج إلى تقدير وشرط فيهم العقل وفي غير أبي داوود حتى يقوم بالميم قال النووي

(1)

: هكذا هو في جميع نسخ مسلم يقوم ثلاثة هو صحيح أي يقومون بهذا الأمر فيقولون لقد أصابت فلانًا فاقة والحِجا بكسر الحاء المهملة مقصورًا هو العقل قاله المنذري والفاقة: الفقر والإحتياج قاله الحافظ

(2)

، وإنما قال: النبي صلى الله عليه وسلم "من قومه" لأنهم أهل الخبرة بباطنه والمال مما يخفى في العادة فلا يعلمه إلا من كان خبيرًا يصاحبه ولهذا قال: "من قومه" ولو كان المراد العقل المشهور لم يكن للتخصيص فائدة إذا هو مشروط في كل شهادة [وهو أولى من القول بأنه خرج مخرج الغالب فيما مفهوم له والله أعلم] وإنما شرط الحجا تنبيهًا على أنه يشترط في الشاهد التيقظ فلا تقبل من مغفل وأما اشتراط الثلاثة فقال: بعض أصحابنا هو شرط في بينة الإعسار فلا تقبل إلا من ثلاثة لظاهر هذا الحديث قال الجمهور: تقبل من عدلين كسائر الشهادات غير الزنى وحملوا الحديث على الإستحباب وهذا الحديث محمول على من عرف له مال فلا يقبل قوله: في تلفه والإعسار إلا ببينة وأما من لم يعرف له مال فالقول قوله: في عدم المال

(3)

ا. هـ.

ولم يحتج في الجائحة إلى مثل هذا لظهور أمرها، وفيه من العلم أن من ثبت عليه حق عند حاكم من الحكام وطلب المحكوم له به حبسه وأدعى

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 133).

(2)

أى المنذرى.

(3)

شرح النووي على مسلم (7/ 133 - 134).

ص: 228

المطلوب الإفلاس والعدم فإن الواجب في ذلك أن ينظر فإن كان الطالب إنما استحقه عليه بسبب فيه تمليك مثل أن يقرضه مالا أو يبيعه متاعا فيقبضه إياه فإنه يحبس له ولا يقبل قوله في العُدم لأنه قد ثبت له ملك ما صار إليه وحصل في يده من ذلك فالظاهر من حاله الوجد واليسار حتى تقوم دلالة على إفلاس حادث بعده فإن أقام البينة على ذلك لم يحبس وخلي عنه وإن كان ذلك مستحقا عليه بجناية من إتلاف مال أو أرش جراحة أو من قبل مهر امرأة أو ضمان أو ما أشبهها مما لم يتقدم فيه تمليك ولا إقباض فإنه لا يحبس له وينظر فإن كان له ملك ظاهر انتزع له منه أو بيع عليه وإلا أنظر إلى الميسرة وأصل الناس العدم والفقر

(1)

انتهى قاله: في الديباجة.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت" قال: النووي

(2)

هكذا هو في جميع نسخ مسلم سحتًا ورواه غيره سحت بالرفع وهو واضح ورواية مسلم صحيحة وفيه إضمار أي اعتقده سحتًا أو يؤكل سحتًا ا. هـ.

والمراد بالسحت الحرام قال: الله تعالى: {أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}

(3)

أي الحرام وهو ما كانوا يأكلون من هدايا اليهود ومنه الحديث أيما لحم نبت من سحت فالنار أولى به

(4)

والله أعلم ذكره ابن عقيل.

(1)

معالم السنن (2/ 68).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 134).

(3)

سورة المائدة، الآية:42.

(4)

روى من حديث جابر بن عبد الله ومن حديث كعب بن عجرة ومن حديث أبي بكر.=

ص: 229

1214 -

وَعَن ابْن عَبَّاس رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم استغنوا عَن النَّاس وَلَو بشوص السِّوَاك، رَوَاهُ الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد جيد وَالْبَيْهَقِيّ

(1)

.

قوله: وعن ابن عباس تقدم الكلام على ابن عباس، قوله صلى الله عليه وسلم "إستغنوا عن الناس ولو بشوص السواك"، وفي الحديث كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك

(2)

أي يدلك أسنانه وينقيها، وقيل هو أن يستاك من سفل إلى علو واصل الشوص الغسل يقال: شاص يشوص وماص يموص إذا غسله

(3)

والله أعلم، أي بغُسالته وقيل بما يتفتت منه عند التسوك

(4)

، وفي

= أما حديث جابر:

أخرجه أحمد 3/ 321 (14441)، والبزار 1609، وابن حبان (1723)، والحاكم 3/ 479، 480. وصححه الألباني في الظلال (756).

وأما حديث كعب بن عجرة:

أخرجه الترمذي (614). وقال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه، لا نعرفه إلا من حديث عبيد الله بن موسى. وصححه الألباني في صحيح الترغيب (1729).

وأما حديث أبي بكر:

أخرجه أبو يعلى (84) وأبو نعيم في الحلية (1/ 31)، والبيهقي في شعب الإيمان (5/ 56 رقم 5759 و 5760). وصححه الألباني في المشكاة (2772).

(1)

البزار (913)، والطبراني في الكبير (12257)، والبيهقي في الشعب (3527)، والقضاعي (687)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 94)، رواه البزار والطبراني في الكبير، ورجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (812).

(2)

البخاري (245)، ومسلم (255).

(3)

غريب الحديث لأبي عبيد (1/ 261)، والنهاية (2/ 509).

(4)

النهاية (2/ 509).

ص: 230

الحديث أيضًا "استغنوا عن الناس ولو عن قضمة السواك"

(1)

القضمة بالكسر: ما انكسر منه وانشق إذا استيك به. ويروى بالفاء، قاله في النهاية

(2)

.

1215 -

وَرُوِيَ عَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لا يُؤمن عبد حَتَّى يَأْمَن جَاره بوائقه وَمن كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَليُكرم ضَيفه وَمن كَانَ يُؤمن بِالله وَالْيَوْم الآخر فَلْيقل خيرا أَو لِيَسْكُت إِن الله يحب الْغَنِيّ الْحَلِيم الْمُتَعَفِّف وَيبغض البذي الْفَاجِر السَّائِل الْملح رَوَاهُ الْبَزَّار

(3)

.

قوله: وروي عن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة، قوله صلى الله عليه وسلم "لا يؤمن عبد حتى يأمن جاره بوائقه" الحديث. الإيمان في اللغة

(4)

: هو التصديق، والبوائق: الشر وغائلته، قوله صلى الله عليه وسلم:"من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه" سيأتي الكلام على ذلك في الضيافة.

قوله: صلى الله عليه وسلم "فليقل خيرًا أو ليسكت" سيأتي الكلام على ذلك أيضًا في الصمت.

قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب الغني الحليم المتعفف، ويبغض البذيء الفاجر السائل الملح" البذيء بالذال المعجمة والمد هو المتكلم بالفحش ورديء الكلام.

(1)

ذكره في النهاية (4/ 74).

(2)

النهاية (4/ 74).

(3)

البزار (2031)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 75)، وفيه محمد بن كثير، وهو ضعيف جدًّا.

(4)

سبق وأشرنا إلى تعريف الإيمان وحقيقته عند أهل السنة.

ص: 231

1216 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عرض عَليّ أول ثَلَاثَة يدْخلُونَ الْجنَّة وَأول ثَلَاثَة يدْخلُونَ النَّار فَأَما أول ثَلَاَثة يدْخلُونَ الْجنَّة فالشهيد وَعبد مَمْلُوك أحسن عبَادَة ربه ونصح لسَيِّده وعفيف متعفف ذُو عِيَال، رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَتقدم بِتَمَامِهِ فِي منع الزَّكَاة

(1)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام عليه، قوله: صلى الله عليه وسلم "عرض علي أول ثلاثة يدخلون الجنة" إلى قوله "وعفيف متعفف ذو عيال" الحديث ذو بمعنى صاحب، قوله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه.

أبو سلمة: اسمه: عبد الله الزهري القرشي المدني أحد الفقهاء السبعة في المدينة ومن مشاهير التابعين وأعلامهم، وقيل: اسمه كنيته كان كتير الحديث سمع [جماعة من الصحابة،، وجماعة من التابعين

(2)

].

كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر كثيرًا بالتعفف عن السؤال ويقول صلى الله عليه وسلم "من سألنا أعطيناه ومن استغنى أغناه الله"

(3)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم "ومن لم يسألنا فهو أحب إلينا"

(4)

وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "استغنوا عن الناس ومن قل من السؤال

(1)

ابن خزيمة (2249).

(2)

سقط من الأصل وأضفناه من ترجمته في تهذيب الأسماء واللغات (2/ 240 - 241 ترجمة 801).

(3)

أخرجه الطيالسي (2161) وابنُ حبان (3398) ومطولا ابنُ حبان (3399)، وأبو نعيم في الحلية 1/ 370. قال الألباني صحيح ينظر: الجامع الصغير وزيادته (6027).

(4)

قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء = المغني عن حمل الأسفار (ص: 1565) أخرجه ابْن أبي الدُّنْيَا فِي القناعة، والْحَارث بن أبي أُسَامَة فِي مُسْنده من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَفِيه حصن بن هِلَال لم أر من تكلم فِيهِ، وباقيهم ثِقَات.

ص: 232

فهو خير" قالوا ومنك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "ومني"

(1)

.

لطيفة: سمع عمر رضي الله عنه سائلا يسأل بعد المغرب فقال لواحد من قومه عش الرجل فعشاه ثم سمعه ثانيا يسأل فقال ألم أقل لك عش الرجل قال قد عشيته فنظر عمر فإذا تحت يده مخلاة مملوءة خبزا فقال لست سائلا ولكنك تاجر ثم أخذ المخلاة ونثرها بين يدي إبل الصدقة وضربه بالدرة وقال لا تعد، ولولا أن سؤاله كان حراما لما ضربه ولا أخذ مخلاته ولعل الفقيه الضعيف المنة يستبعد هذا من فعل عمر ويقول أما ضربه فهو تأديب وقد ورد الشرع بالتعزير وأما أخذ ماله فهو مصادرة والشرع لم يرد بالعقوبة بأخذ المال فكيف استجازه عمر وهو استبعاد مصدره القصور في الفقه فأين يظهر فقه الفقهاء كلهم في حوصلة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وإطلاعه على أسرار دين الله ومصالح عباده بل الفقه الذي لاح له فيه أنه رآه مستغنيا عن السؤال وعلم أن من أعطاه شيئا فإنما أعطاه على اعتقاد أنه محتاج وقد كان كاذبا فلم يدخل في ملكه بأخذه مع التلبيس وعسر تمييز ذلك ورده إلى أصحابه إذ لا يعرف أصحابه بأعيانهم فبقي مالا لا مالك له فوجب صرفه إلى المصالح وإبل الصدقة وعلفها من المصالح ويتنزل أخذ السائل مع إظهار الحاجة كاذبا كأخذ العلوي بقوله إني علوي وهو كاذب فإنه لا يملك ما يأخذه كأخذ

(1)

قال العراقي في تخريج أحاديث الإحياء أو المغني عن حمل الأسفار (ص: 1565) أخرجه الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس "استغنوا عَن النَّاس وَلَو بشوص السِّوَاك، وَإِسْنَاده صَحِيح، وَله فِي حَدِيث" فتعففوا وَلَو بحزم الْحَطب وَفِيه من لم يسم، وَلَيْسَ فِيهِ: وَمَا قل من السُّؤَال

" إِلَخ.

ص: 233

الصوفي الصالح الذي يعطي لصلاحه وهو في الباطن مقارف لمعصية لو عرفها المعطي لما أعطاه وقد ذكر أن ما أخذه على هذا المنوال لا يملكونه وهو حرام عليهم ويجب عليهم الرد إلى مالكه فاستدل بفعل عمر رضي الله عنه على صحة هذا المعنى الذي يغفل عنه كثير من الفقهاء ولا تستدل بغفلتك عن هذا الفقه على بطلان فعل عمر

(1)

والله أعلم.

1217 -

وَعَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف عَن أَبِيه رضي الله عنه قَالَ كَانَت لي عِنْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عدَّة فَلَمَّا فتحت قُرَيْظَة جِئْت لينجز إِلَيّ مَا وَعَدَني فَسَمعته يَقُول من يسْتَغْن يُغْنِيه الله وَمن يقنع يقنعه الله فَقلت فِي نَفسِي لا جرم لا أسأله شَيْئا رَوَاهُ الْبَزَّار

(2)

. وَأَبُو سَلمَة لم يسمع من أَبِيه قَالَه ابْن معِين وَغَيره.

قوله: وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أبو سلمة اسمه عبد الله الزهري القرشي المدني أحد الفقهاء السبعة في المدينة ومن مشاهير التابعين وأعلامهم وقيل اسمه كنيته كثير الحديث سمع ابن عباس وأبا هريرة وابن عمر وعائشة وغيرهم مات سنة أربع وتسعين وقيل أربع ومائة وله ثمان وسبعون سنه

(3)

قاله في شرح الإلمام.

(1)

إحياء علوم الدين للإمام أبي حامد الغزالي (4/ 211).

(2)

البزار (914)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 94)، وأبو سلمة قيل إنه لم يسمع من

أبيه.

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (2/ 240 - 241 ترجمة 801).

ص: 234

قوله كانت لي عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فلما فتحت قريظة جئت لينجز لي ما وعدنى به، قريظة: بضم القاف وفتح الراء المهملة وفتح الظاء المشالة المعجمة قوم من يهود بقرب المدينة كان بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم عهد.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من يستغني يغنه الله ومن يقنع يقنعه الله" القنع عبارة [عن الطبق الذي يؤكل عليه، والقنع هو الراضي بما عنده وبما يعطى من غير سؤال، ويقال قنع قناعة فهو قنع، إذا تعفف واستغنى ببلغته ولم يسأل

(1)

].

قوله: "فقلت في نفسي لا جرم لا أسأله شيئًا" الحديث. قال الفراء: لا جرم كلمة كانت في الأصل بمنزلة لابد ولا محالة فجرت على ذلك وكثرت حتى تحولت إلى معنى القسم وصارت بمنزلة حقًا فلذلك يجاب عنه باللام كما يجاب بها عن القسم ألا تراهم يقولون لا جرم لأتينك

(2)

ا. هـ.

1218 -

وَعَن ابْن عمر رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ وَهُوَ على الْمِنْبَر وَذكر الصَّدَقَة وَالتَّعَفُّف عَن الْمَسْألة الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى والعليا هِيَ المنفقة والسفلى هِيَ السائلة، رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ

(3)

.

وَقَالَ أَبُو دَاوُد اخْتلف على أَيُّوب عَن نَافِع فِي هَذَا الحَدِيث، قَالَ عبد

(1)

انظر: الكشاف 3/ 158، والنهاية 4/ 115، وتفسير القرطبي 12/ 64.

(2)

الصحاح (5/ 1886).

(3)

البخاري (1429)، ومسلم (1033)، ومالك في الموطأ (2851)، وأبو داود (1648)، والنسائي (5/ 61)، وفي الكبرى (2312).

ص: 235

الْوَارِث الْيَد الْعليا المتعففة وَقَالَ أَكْثَرهم عَن حَمَّاد بن يزِيد عَن أَيُّوب المنفقة وَقَالَ وَاحِد عَن حَمَّاد المتعففة

(1)

.

قَالَ الْخطابِيّ

(2)

: رِوَايَة من قَالَ المتعففة أشبه وَأَصَح فِي الْمَعْنى وَذَلِكَ أَن ابْن عمر ذكر أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ذكر هَذَا الْكَلّام وَهُوَ يذكر الصَّدَقَة وَالتَّعَفُّف عَنْهَا فعطف الْكَلَام جزم على سَببه الَّذِي خرج عَلَيْهِ وعَلى مَا يطابقه فِي مَعْنَاهُ أولى وَقد يتَوَهَّم كثير من الناس أَن معنى الْعليا أَن يَد الْمُعْطِي مستعلية فَوق يَد الآخِذ يجعلونه من علو الشَّيْء إِلَى فَوق وَلَيْسَ ذَلِك عِنْدِي بِالْوَجْهِ وَإِنَّمَا هُوَ من علا الْمجد وَالْكَرم يُرِيد التعفف عَن الْمَسْألة والترفع عَنْهَا انْتهى كَلَامه وَهُوَ حسن.

قوله: وعن ابن عمر تقدم الكلام على ابن عمر.

قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وهو على المنبر وذكر "الصدقة والتعفف عن المسألة اليد العليا خير من اليد السفلى والعليا هي المنفقة السفلى هي السائلة" الحديث هكذا وقع في صحيحي البخاري ومسلم

(3)

العليا المنفقة من الإنفاق وكذا ذكره أبو داوود عن أكثر الرواة

(4)

، قال الحافظ

(5)

: وقال أبو

(1)

راجع سنن أبي داود (1648). وقال الألباني شاذة، ينظر: صحيح الترغيب والترهيب (1/ 346).

(2)

معالم السنن (2/ 70).

(3)

البخاري (1427)، ومسلم (1034).

(4)

ينظر: سنن أبي داود (1648).

(5)

يعنى المنذرى.

ص: 236

داوود: اختلف أبوب عن نافع في هذا الحديث قال: عبد الوارث اليد العليا المتعففة بالعين المهملة من العفة الصحيح الرواية الأولى قال ابن عبد البر

(1)

رحمه الله تعالى: ففيه الحث على الإنفاق في وجوه الطاعة

(2)

ويتضمن التحذير لذوي الأنفة من ذل السؤال

(3)

وفيه إباحة الكلام للخطيب بكل ما يصلح وما يكون موعظة أو علما أو قربة إلى الله تعالى

(4)

، قلت لا يلزم من كونه عليه السلام قال: ذلك على المنبر أن يكون في خطبة الجمعة فقد كان عليه الصلاة والسلام يرقى المنبر فيما يهم من حادثة وموعظة

(5)

ا." هـ. والله أعلم.

وفيه التصريح بأن اليد العليا هي المنفقة وبهذا قال الجمهور: وهو الصحيح كما تقدم ونقل عن الخطابي أنها المتعففة وقال النووي

(6)

: بعد تصحيح رواية المنفقة ويحتمل صحة الروايتين فالمنفقة أعلى من السائلة والمتعففة أعلى من السائلة.

وقوله: وذكر الصدقة والتعفف عنها أي التعفف من أخذ الصدقة في كلام الخطابي بعطف الكلام على سببه الذي خرج عليه بالسين والبائين

(1)

ينظر: الاستذكار (8/ 604)، والتمهيد (15/ 247).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 125).

(3)

كشف المشكل (2/ 543).

(4)

التمهيد (15/ 250).

(5)

طرح التثريب (4/ 75 - 76).

(6)

شرح النووي على مسلم (7/ 125).

ص: 237

الموحدتين وعلى ما يطابقه في معناه أولى وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى العليا أن يد المعطي مستعلية فوق يد الأخذ يجعلونه من علا الشيء إلى فوق وليس ذلك عندي بالوجه وإنما هو من علا المجد والكرم يريد به الترفع عن المسألة والتعفف عنها

(1)

ا. هـ. قال الحافظ

(2)

: وهو حسن وقال: غيره وهذا الذي اختاره الخطابي وجه حسن ولا يمتنع ما أنكره لأنك إذا حملت العليا على المتعففة لم يكن للمنفق ذكر وقد صحت لفظة المنفقة فكأن المراد أن هذه اليد التي علت وقت العطاء على يد السائل هي العالية في باب الفضل والمجد ونيل الثواب وقد زعم قوم مالوا إلى الترفة أن اليد العليا هي الأخذة والسفلى المعطية، قَالَ ابْن قتيْبَة: وَلَا أرى هَؤُلَاءِ إِلَّا قوما استطابوا السُّؤَال، فهم يحتجون للدناءة، وَالنَّاس إِنَّمَا يعلون بِالْمَعْرُوفِ والعطايا لَا بِالْأَخْذِ وَالسُّؤَال، والمعالي للصانعين لَا للمصطنع إِلَيْهِم.

(3)

والله أعلم.

فائدة: سئل أبو نصر عن قوله اليد العليا خير من اليد السفلى؟ قال: لأن الدافع إذا دفع ماله فإنه يقرب نفسه إلى الفقير والقابض إذا قبض يقرب نفسه إلى الغني فصار الدافع أفضل من القابض ذكره في كتاب النوازل للحنفية

(4)

.

(1)

معالم السنن (2/ 70).

(2)

يعنى المنذرى.

(3)

كشف المشكل (2/ 541 - 542).

(4)

فتاوى النوازل (لوحة 267/ أ/ خ 2414 تركية). ولفظه: الدافع إذا دفع ماله فإنه يقرب نفسه إلى الفقراء والقابض يقرب نفسه إلى الأغنياء فصار الدافع أفضل من القابض.

ص: 238

1219 -

وَعَن عبد الله بن مَسْعُود رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الأيْدِي ثَلَاثَة فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد السَّائِل السُّفْلى إِلَى يَوْم الْقِيَامَة فاستعف عَن السُّؤَال وَعَن الْمَسْأَلَة مَا اسْتَطَعْت فَإِن أَعْطَيْت شَيْئا أَو قَالَ خيرا فلير عَلَيْك وابدأ بِمن تعول وارضخ من الْفضل وَلَا تلام على الكفاف، رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْغَالِب على رُوَاته التوثيق وَرَوَاهُ الْحَاكِم وَصحح إِسْنَاده

(1)

.

قوله: وعن عبد الله بن مسعود تقدم الكلام على ابن مسعود قوله: صلى الله عليه وسلم الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى إلى يوم القيامة فاستعفف عن السؤال وعن المسألة ما استطعت الإستعفاف طلب العفاف وقيل الإستعفاف الصبر والنزاهة عن الشيء

(2)

ومنه الحديث "اللهم إني أسألك العفة والأمانة وحسن الخلق والرضى بالقدر"

(3)

ا. هـ.

(1)

أخرجه أحمد 1/ 446 (4261)، وأبو يعلى (5125)، وابن خزيمة (2435)، والحاكم (1/ 408)، والبيهقي في السنن الكبرى (4/ 198). وصححه الحاكم.

وقال البيهقي: تابعه إبراهيم بن طهمان، عن الهجري مرفوعا، ورواه جعفر بن عون، عن إبراهيم الهجري موقوفا. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 97)، رواه أحمد وأبو يعلى، ورجاله موثقون. وقال البوصيرى في إتحاف الخيرة 3/ 41: ومدار أسانيدهم على إبراهيم بن مسلم الهجري، وهو ضعيف، لكن لم ينفرد بها الهجري؛ فقد رواه البزار والطبراني من طريق يحيى بن وثاب - وهو ثقة - عن مسروق، عن عبد الله به. وضعفه الألباني في ضعيف الترغيب (497).

(2)

النهاية (3/ 264).

(3)

أخرجه ابن أبي عمر كما في الإتحاف (6/ 487 رقم 6254) والمطالب (3347)، والبخاري في الأدب المفرد (307)، والبزار (3187/ كشف)، والخرائطى في المكارم =

ص: 239

قوله: "وإبدأ بمن تعول وأرضخ من الفضل ولا تلام على الكفاف" وسيأتي الكلام على ذلك قريبًا مبسوطًا إن شاء الله.

1220 -

وَعَن مَالك بن نَضْلَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الأيْدِي ثَلَاثَة فيد الله الْعليا وَيَد الْمُعْطِي الَّتِي تَلِيهَا وَيَد السَّائِل السُّفْلى فأعط الْفضل وَلا تعجز عَن نَفسك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَاللَّفْظ لَهُ

(1)

.

قوله: وعن مالك بن نضلة (ويقال: مالك بن عوف بن نضلة بن خديج، ويقال: جريج بن حبيب بن حدير بن غنم بن كعب بن عصيم بن جشم بن معاوية بن بكر بن هوازن الجشمي، الجشمي صاحب ابن مسعود روى عنه أبو الأحوص، واسمه عوف بن مالك، له صحبة، وعداده في أهل الكوفة

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "الأيدي ثلاثة فيد الله العليا ويد المعطي التي تليها ويد السائل السفلى فأعط الفضل ولا تعجز عن نفسك" الحديث الفضل ما فضل عن الكفاية.

= (166)، والطبراني في الكبير (14/ 50 رقم 16444) والدعاء (1406).

قال الهيثمي في المجمع 10/ 173: رواه الطبراني والبزار، وقال: أسألك العصمة بدل: الصحة، وفيه عبد الرحمن بن زياد بن أنعم، وهو ضعيف الحديث، وقد وثق، وبقية رجال أحد الإسنادين رجال الصحيح. قال البوصيري: هذا إسناد ضعيف. وضعفه الألباني في الجامع (1191).

(1)

أبو داود (1649)، وابن حبان (3362)، وأحمد (15895)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (814).

(2)

الاستيعاب (3/ الترجمة 2299)، وأسد الغابة (5/ الترجمة 4650)، وتهذيب الكمال (27/ الترجمة 5755).

ص: 240

1221 -

وَعَن حَكِيم بن حزَام رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم الْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى وابدأ بِمن تعول وَخير الصَّدَقَة مَا كَانَ عَن ظهر غنى وَمن يستعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يغنه الله، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَاللَّفْظ لَهُ وَمُسلم

(1)

.

قوله: وعن حكيم بن حزام تقدم الكلام على حكيم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "وخير الصدقة ما كان عن ظهر غنى" قال ابن الأثير في النهاية

(2)

: أي ما كان عفوا قد فضل عن غني وقيل ما فضل عن قوت العيال وكفايتهم والظهر يراد في مثل هذا اتساعًا إشباعا للكلام وتمكينًا كأن صدقته مستندة إلى ظهر قوي من المال ا. هـ، وفي رواية "خير الصدقة ما أبقت غني"

(3)

فإذا أعطيتها غيرك أبقت بعدها لك ولهم غنى وكانت على استغناء منك ومنهم عنها

(4)

وقيل معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيًا بما بقي معه، وتقديره أفضل الصدقة ما أبقت بعدها غني ويعتمده صاحبها ويستظهر به على مصالحه وحوائجه، وقيل خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة وإنما كانت هذه أفضل الصدقة بالنسبة إلى من تصدق بجميع ماله لآن من تصدق بالجميع يندم غالبًا أو قد يندم إذا إحتاج ويود أنه لم يتصدق بخلاف من بقي بعدها مستغنيًا فإنه لا يندم عليه

(1)

البخاري (1427)، ومسلم (1034).

(2)

النهاية (3/ 165).

(3)

النهاية (3/ 390).

(4)

الغريبين (4/ 1392)، والنهاية (3/ 391).

ص: 241

بل يسر بها وقد اختلف العلماء في الصدقة بجميع ماله فمذهبنا أنه مستحب لمن لا دين عليه ولا له عيال لا يصبرون بشرط أن يكون ممن يصبر على الإضاقة والفقر فإن لم تجتمع هذه الشروط فهو مكروه

(1)

.

قال: القاضي عياض

(2)

جوز جمهور العلماء وأئمة الأمصار الصدقة بجميع ماله والله أعلم، وقال: في شرح مشارق الأنوار قال: الإمام شهاب الدين التوربشتى هو عبارة عن تمكن المتصدق عن غنى ما وذلك مثل قولهم هو على ظهر سير وراكب متن السلامة ونحو ذلك من الألفاظ التي يعبر بها عن التمكن من الشيء والإستواء عليه

(3)

ا. هـ.

قال: أبو عبيد الهروي يعني ما فضل عن أهلك وقال: غيره خير الصدقة ما أغنيت به من أعطيته عن المسألة فتجزل له العطية

(4)

.

لطيفة: عن جابر بن عبد الله قال: قدم أبو حصين السلمى بذهب من معدنهم فقضى دينًا كان عليه وفضل معه مثل بيضة الحمامة فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ضع هذا حيث أراك الله أو حيث رأيت، قال: فجاءه عن يمينه فأعرض عنه ثم جاءه عن يساره فأعرض عنه ثم جاءه من بين يديه فنكس رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه فلما أكثر عليه أخذها من يده فحذفه بها لو

(1)

شرح النووي على مسلم (7/ 125).

(2)

إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 567)، وشرح النووي على مسلم (7/ 125).

(3)

الميسر (2/ 451).

(4)

انظر الغريبين (4/ 1392)، وشرح السنة (6/ 179 - 180)، ومشارق الأنوار (2/ 137)، ومطالع الأنوار (5/ 185).

ص: 242

أصابته لعقرته ثم أقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "يعمد أحدكم إلى ماله فيتصدق به ثم يقعد يتكفف الناس، وإنما الصدقة عن ظهر غنى وابدأ بمن تعول" رواه البزار

(1)

وقد رواه أبو داود في سننه

(2)

من حديث محمود بن لبيد عن جابر بن عبد الله بنحوه وفي رواية أخرى خذ عنا مالك لا حاجة لنا به ذكره ابن الجوزي في تلبيس إبليس

(3)

.

لطيفة أخرى: كان بشر يقول الفقراء ثلاثة لا يسأل وإن أعطي لم يأخذ فهذا مع الروحانيين في عليين وفقير لا يسأل وإن أعطي أخذ فهذا مع المقربين في جنات الفردوس وفقير يسأل عند ضاقته فهذا مع الصادقين من أصحاب اليمين فإذن اتفق كلهم على ذم السؤال وعلى أنه مع الفاقة تحط المرتبة والدرجة

(4)

ا. هـ.

قَالَ شَقِيقٌ البَلْخِيُّ لإِبْرَاهِيمَ بْنِ أَدْهَم، حِينَ قَدِمَ عَلَيْهِ مِن خُرَاسَان: كَيْفَ تَرَكْتَ الفُقَرَاءَ مِن أَصْحَابِك .. ؟

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (4/ 277)، ومن طريقه أبو نعيم كما في المسند المستخرج (2/ 1091 - 1902 رقم 223). وفيه الواقدى.

(2)

أخرجه عبد بن حميد (1121)، وابن زنجويه في الأموال (2346)، والدارمى (1700)، وأبو داود (1673) و (1674)، وأبو يعلى (2220)، وابن خزيمة (2441)، وابن حبان (3372)، والحاكم 1/ 413، والبيهقي 4/ 181. وضعفه الألباني في ضعيف أبي داود (298).

(3)

تلبيس إبليس (ص 176 - 177).

(4)

إحياء علوم الدين (4/ 215).

ص: 243

قَال: تَرَكْتُهُمْ؛ إِن أُعْطُوا شكَرُوا، وَإِنْ مُنعُوا صَبرُوا، وَظَنَّ أنَهُ لَمَّا وَصَفَهُمْ بِتَرْكِ السُّؤَال؛ قَدْ أَثْنى عَلَيْهِمْ غَايَةَ الثَّنَاء، فَقَال شَقِيق: هَكَذَا تَرَكْتُ كِلَابَ بَلْخ - قَالَ رضي الله عنه: الفُقَرَاءُ عِنْدَنَا؛ إِنْ مُنِعُوا شكَرُوا، وإِن أُعْطُوا آثَرُوا فَقَبَّلَ إِبْرَاهِيمُ رَأْسَهُ وَقَال: صَدَقْتَ يَا أُسْتَاذِي

!

فإذن درجات أرباب الأحوال في الرضى والصبر والشكر والسؤال كثير فلابد لسالك طريق الآخرة من معرفتها ومعرفة أسبابها واختلاف درجاتها

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن يستعفف يعفه الله" قال: الإمام أبو عبد الله القرطبي

(2)

في كتابه قمع الحرص قال علماؤنا الاستعفاف الصبر ومنه قوله: تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا}

(3)

قال ابن عرفة وغيره: من أهل اللغة أي ليصبروا فالمعنى من يستعفف عن السؤال للخلق يعفه الله أي يجازيه على استعفافه بصيانة وجهه ورفع فاقته وربما أثمر له العفة غنى قلبه بربه عن خلقه والتيه به على عباده كما قال: بعضهم فأحسن:

لَبِسْتُ بِالْعِفَّةِ ثَوْبَ الْغَنِيِّ

فَصِرْتُ أَمْشِي شَامِخَ الرَّاسِ

إِذَا رَأَيْتُ التِّيهَ مِنْ ذِي الْغِنَا

تُهْتُ عَلَى التَّائِهِ بِالْيَأسِ أ. هـ

قوله: يعفه الله بفتح الفاء، قوله صلى الله عليه وسلم:"ومن يستغن يغنه الله" الحديث قال التيمي: من يستغني يغنه الله شَرط وَجَزَاء وعلامة الْجَزْم حذف الْيَاء أَي من

(1)

إحياء علوم الدين (4/ 215).

(2)

قمع الحرص (ص 44).

(3)

سورة النور، الآية:33.

ص: 244

يطْلب الْغنى من الله يُعْطه ومن يطلب العفاف وهو ترك المسألة يعطه الله العفاف وقال بعضهم معناه من طلب من نفسه العفة عن السؤال ولم يظهر الاستغناء يعفه الله أي يصيره عفيفًا ومن ترقى من هذه المرتبة إلى ما هو أي منها وهو إظهار الاستغناء عن الخلق يملأ الله قلبه غني لكن أن أعطى شيئًا لم يرده. قاله الكرماني

(1)

. ومعنى قوله: ومن يستغن أي بالله يغنه أي يخلق في قلبه غنى أو يعطيه ما يستغني به عن الخلق

(2)

وقد يجمع الله له الأمرين غنى قلبه ويده تفضلا منه سبحانه وتعالى وذكر ابن أبي الدنيا عن أبي الأشهب قال: سمعت بكر بن عبد الله يقول في دعائه: اللهم ارزقنا من فضلك رزقا تزيدنا لك به شكرًا وإليك فاقةً وفقرًا وبها عمن سواك غنى وتعففًا

(3)

ا. هـ.

1222 -

وَعَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ رضي الله عنه: أَن أُنَاسًا من الأَنْصَار سَأَلُوا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فَأَعْطَاهُمْ ثمَّ سَألوهُ فَأَعْطَاهُمْ ثمَّ سَألوهُ فَأَعْطَاهُمْ حَتَّى إِذا نفد مَا عِنْده قَالَ مَا يكون عِنْدِي من خير فَلَنْ أدخره عَنْكُم وَمن استعف يعفه الله وَمن يسْتَغْن يغنه الله وَمن يتصبر يصبره الله وَمَا أعْطى الله أحدا عَطاء هُوَ خير لَهُ وأوسع من الصَّبْر، رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(4)

.

(1)

الكواكب الدراري (7/ 197).

(2)

المفهم (9/ 66)، وقمع الحرص (ص 44).

(3)

قمع الحرص (ص 45). والأثر أخرجه ابن سعد في الطبقات (7/ 211)، وعنه ابن أبي الدنيا في القناعة (80)، وأبو نعيم في الحلية (2/ 225).

(4)

البخاري (1469)، ومسلم (1053)، والنسائي (5/ 95).

ص: 245

قوله: وعن أبي سعيد الخدري تقدم الكلام عليه.

قوله: أنا أناسًا من الأنصار سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم ثم سألوه فأعطاهم، الأنصار هم الذين نصروا رسولى الله صلى الله عليه وسلم حين هاجر إلى المدينة.

قوله حتى إذا نفد ما عنده، نفذ بكسر الفاء وبالدال المهملة أي فني قوله: صلى الله عليه وسلم "ما يكون عندي من خير فلن أدخره عنكم" ومعناه أقتنيه وأرفعه دونكم والخير المال قال: الله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}

(1)

أي لحب المال

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ومن استعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله" الاستعفاف طلب العفاف أي من طلب العفة وتكلفها أعطاه الله إياها ورزقه من حيث لا يحتسب

(3)

.

قوله: ومن يستغن أي يطلب الغنا من الله والغنا مقصور هو اليسار

(4)

وفي الحديث الحث على التعفف والقناعة والصبر على ضيق العيش وغيره من مكاره الدنيا

(5)

وتقدم الكلام على ذلك في حديث حكيم بن حزام مبسوطًا والله أعلم.

(1)

سورة العاديات، الآية:8.

(2)

كشف المناهج (2/ 114).

(3)

كشف المناهج (2/ 114).

(4)

كشف المناهج (2/ 114).

(5)

كشف المناهج (2/ 114).

ص: 246

1223 -

وَعَن سهل بن سعد رضي الله عنه: قَالَ جَاءَ جِبْرِيل إِلَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَا مُحَمَّد عش مَا شِئْت فَإنَّك ميت واعمل مَا شِئْت فَإنَّك مَجْزِي بِهِ وأحبب من شِئْت فَإنَّك مفارقه وَاعْلَم أَن شرف الْمُؤمن قيام اللَّيْل وعزه استغناؤه عَن الناس، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الأوْسَط بِإِسْنَاد حسن

(1)

.

قوله: وعن سهل بن سعد هو أبو العباس وقيل أبو يحيى سهل بن سعد بن مالك بن خالد بن ثعلبة بن حارثة بن عمرو بن الخزرج بن ساعدة بن كعب بن الخزرج الأنصاري الساعدي المدني

(2)

كان اسمه حزنا فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم سهلا قال: الزهري سمع من النبي صلى الله عليه وسلم وكان له يوم وفاة النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة سنة وتوفي بالمدينة سنة ثمان وثمانين وقيل سنة إحدى وتسعين قال ابن سعد: هو آخر من حدّث من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة ليس فيه خلاف فروي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانية وثمانون حديثا اتفقا على ثمانية وعشرين وانفرد البخاري بأحد عشر والله أعلم.

قوله: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، جبريل هو رسول رب العالمين إلى أنبيائه عليهم الصلاة والسلام وتقدم الكلام عليه في الجمعة مبسوطًا والله أعلم.

(1)

الطبراني في المعجم الأوسط (4278)، والحاكم (4/ 324)، وصححه، ووافقه الذهبي، والبيهقي في شعب الإيمان (10541)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (2/ 253)، فيه زافر بن سليمان وثقه أحمد وابن معين وأبو داود وتكلم فيه ابن عدي وابن حبان بما لا يضر، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (817).

(2)

ينظر: سير أعلام النبلاء (3/ 422) الاستيعاب: 664، أسد الغابة 2/ 472، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 238، تهذيب الكمال: 558، تذهيب التهذيب 2/ 61 آ.

ص: 247

قوله صلى الله عليه وسلم: "وإعلم أن شرف المؤمن قيام الليل وعزه استغناؤه عن الناس" تقدم في قيام الليل.

1224 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه: عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ الْغنى عَن كَثْرَة الْعرض وَلَكِن الْغنى غنى النَّفس، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(1)

.

الْعرض: بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالرَّاء هُوَ كل مَا يقتنى من المَال وَغَيره.

قوله وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس الغنى عن كثرة العرض" و"عن" هنا يحتمل معناها أوجهًا أحدها أن تكون للتعليل كما في قوله تعالى: {وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ}

(2)

وقوله تعالى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ}

(3)

أي ليس علة الغنى وسببه كثرة العرض.

ثانيها: أن تكون للظرفية أي ليس الغناء في كثرة العرض.

ثالثها: أنها بمعنى الباء كما في قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى}

(4)

أي بالهوى أي ليس الغنا بكثرة العرض

(5)

.

(1)

البخاري (6446)، ومسلم (1051)، والترمذي (2373)، وابن ماجه (4137)، وأحمد (7316).

(2)

سورة هود، الآية:53.

(3)

سورة التوبة، الآية:114.

(4)

سورة النجم، الآية:3.

(5)

طرح التثريب (4/ 80 - 81).

ص: 248

والعرض: بفتح العين والراء المهملتين وبالضاد المعجمة قد فسره الحافظ فقال: هو كل ما يقتني من المال وغيره. هـ. وقال: غيره هو حطام الدنيا ومتاعها من أي نوع كان سمي بذلك لزواله وقال: بعضهم في كتاب العين العرض ما قيل من الدنيا وجمعه عروض ومنه قوله تعالى: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا}

(1)

وفي الحديث الدنيا عرض حاضر يأكل منها البر والفاجر وأما العرض بإسكان الراء فهو ما عدا النقد والنقد الدراهم والدنانير قاله: أبو زيد والأصمعي وغيرهما وقال: أبو عبيد العرض المتاع الذي لا يدخله كيل ولا وزن ولا يكون حيوانا ولا عقارًا

(2)

ا. هـ

قوله صلى الله عليه وسلم: "إنما الغنى غنى النفس" ومعنى هذا الحديث أن الغنى النافع أو العظيم أو الممدوح هو غنى النفس

(3)

ا. هـ.

وبيانه: أنه إذا استغثت نفسه كفت عن المطامع، فعزت وعظمت، فحصل لها من الحظوة والنزاهة والتشريف والمدح أكثر ممن كان غنيا بماله، فقيرا بحرصه وشرهه، فإن ذلك يورطه في رذائل الأمور، وخسائس الأفعال، لبخله ودناءة همته، فيكثر ذاموه من الناس، ويصغر قدره فيهم، فيكون أحقر من كل حقير، وأذل من كل صغير

(4)

قال العلماء: علامة غنى النفس أن لا

(1)

سورة الأنفال، الآية:67.

(2)

طرح التثريب (4/ 80).

(3)

المفهم (9/ 63).

(4)

المفهم (9/ 63).

ص: 249

يحرص ولا يلحف في الطلب، وعلامة غنى القلب القناعة والرضا بما وجد وعكوف همه على المسبب دون السبب

(1)

ا. هـ، قاله في الديباجة.

وقال النووي: مَعْنَى الْحَدِيثِ الْغِنَى المحمود غنى النفس وشبعها وقلة حِرْصِهَا لَا كَثْرَةَ الْمَالِ مَعَ الْحِرْصِ عَلَى الزِّيَادَةِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ طَالِبًا لِلزِّيَادَةِ لَمْ يَسْتَغْنِ بِمَا مَعَهُ فَلَيْسَ لَهُ غِنًى. ثم حكى عن الإمام المازني أنه قال: يحتمل أن يريد الغنى النافع والذي يكف عن الحاجة وليس ذلك على ظاهره لأنه معلوم أن كثير المال غني

(2)

ا. هـ. وأنشد دريد لسالم بن وابصة شعرًا منه بيتًا:

غنى النفس ما يكفيك من سد حاجة

فإن زاد شيئًا عاد ذلك الغنى فقرًا

(3)

1225 -

وَعَن زيد بن أَرقم رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُول اللَّهُمَّ إِنِّي أعوذ بك من علم لَا ينفع وَمن قلب لا يخشع وَمن نفس لَا تشبع وَمن دَعْوَة لَا يُسْتَجَاب لهَا، رَوَاهُ مُسلم وَغَيره

(4)

.

قوله: وعن زيد بن أرقم هو أبو عمر وقيل أبو عامر وقيل أبو سعيد وقيل أبو سعد وقيل أبو حمزة وقيل أبو أنيسة زيد بن أرقم بن زيد بن قيس بن النعمان بن مالك بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج بن الحارث بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي المدني وهو الذي ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم قول عبد الله بن أبي بن

(1)

قمع الحرص (ص 122).

(2)

شرح النووي على مسلم (7/ 140)، وطرح التثريب (4/ 81).

(3)

قمع الحرص (ص 122).

(4)

مسلم (2722)، وأحمد (19308)، والترمذي (3572)، والنسائي (8/ 260).

ص: 250

سلول: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ}

(1)

الآية فأنزل الله تصديق زيد

(2)

وغزا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع عشرة غزوة استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وكان يتيمًا في حجر عبد الله بن رواحة وسار معه في غزوة مؤته روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعون حديثًا اتفقا على أربعة وللبخاري حديثان ولمسلم ستة روى عنه أنس بن مالك وابن عباس وخلائق من التابعين نزل الكوفة وابتنى بها دارًا في كنده وتوفي بها سنة ست وقيل سنة خمس وخمسين وقال: محمد بن سعد وآخرون سنة ثمان وستين وشهد صفين مع علي وكان من خاصة أصحابه روى له الجماعة ومناقبه كثيرة مشهورة

(3)

والله أعلم.

قوله: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع" الخشوع الخضوع "ومن نفس لا تشبع" الحديث فقوله: "ومن قلب لا يخشع" الخشوع الخضوع، وقوله:"ومن نفس لا تشبع" يحتمل وجهين:

أحدهما: أنها لا تقنع بما آتاها الله تعالى ولا تفتر عن الجمع لشدة ما فيها من الحرص. ثانيها: أن يراد به كثرة الأكل

(4)

.

(1)

سورة المنافقون، الآية:8.

(2)

أخرجه البخاري (4900 و 4901 و 4902 و 4903 و 4904) ومسلم (1 - 2772)،

(3)

الاستيعاب (2/ الترجمة 837)، وأسد الغابة (2/ ترجمة 1819)، وتهذيب الأسماء واللغات (1/ ترجمة 189)، وتهذيب الكمال (10/ ترجمة 2087).

(4)

الميسر (2/ 576).

ص: 251

وقيل: هو استعاذة من الحرص والطمع والشره وتعلق النفس بالآمال البعيدة وهذا الحديث وغيره من الأدعية المسجعة دليل لما قاله كثير من العلماء أن السجع المذموم في الدعاء هو التكلف فإنه يذهب الخشوع والخضوع والإخلاص ويلهي عن الضراعة والإفتقار وفراغ القلب فأما ما حصل بلا كلفة ولا إعمال فكر لكمال الفصاحة ونحو ذلك أو كان محفوظًا فلا بأس بذلك

(1)

.

1226 -

وَعَن أبي ذَر رضي الله عنه قَالَ قَالَ لي رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَا أَبَا ذَر أَتَرَى كثْرَة المَال هُوَ الْغنى قلت نعم يَا رَسُول الله قَالَ أفترى قلَّة المَال هُوَ الْفقر قلت نعم يَا رَسُول الله قَالَ إِنَّمَا الْغنى غنى الْقلب والفقر فقر الْقلب، رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي حَدِيت يَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى

(2)

.

قوله وعن أبي ذر تقدم الكلام على أبي ذر.

قوله رضي الله عنه: قال: لي رسول الله صلى الله عليه وسلم "يا أبا ذر أترى كثرة المال هو الغنى" قلت: نعم يا رسول الله قال: "أفترى قلة المال هو الفقر" قلت نعم يا رسول الله قال: "إنما الغنى غنى القلب والفقر فقر القلب".

وقوله: "أفترى"بضم التاء المثناة ومعناها أتظن. لمَحْمُود الْوَرَّاقُ:

الْفَقْرُ فِي النَّفْسِ وَفِيهَا الْغِنَى

وَفِي غِنَى النَّفْسِ الْغِنَى الْأَكْبَرُ

مَنْ كَانَ ذَا مَالٍ كَثِيرٍ وَلَمْ

يَقْنَعْ فَذَاكَ الْمُوسِرُ الْمُعْسِرُ

(1)

شرح النووي على مسلم (17/ 41).

(2)

ابن حبان (685)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (820).

ص: 252

وَكلَّ مَنْ كَانَ قَنُوعًا وَإِنْ

كَانَ مُقِلًّا فَهْوُ الْمُكْثِرُ

(1)

ولعُثْمَانُ بْنُ سَعْدَانَ:

تَقَنَّعْ بِمَا يَكْفِيكَ وَاسْتَعْمَلِ الرِّضَا

فَإِنَّكَ لا تَدْرِي أَتُصْبِحُ أَمْ تُمْسِي

فَلَيْسَ الْغِنَى عَنْ كثْرَةِ الْمَالِ إِنَّمَا

يَكُونُ الْغِنَى وَالْفَقْرُ مِنْ قِبَلِ النَّفْسِ

(2)

ولغيره:

إِذَا عُوْفِيَ المَرْءُ فِي جِسْمِهِ

وَمَلّكَهُ اللهُ قَلْبًا قَنُوْعَا

وَأَلْقَى المَطَامِعَ عَنْ نَفْسِهِ

فَذَاكَ الغَنِيّ وَلَو مَاتَ جُوْعَا

(3)

ذكرها القرطبي

(4)

في كتابه.

1227 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده اللُّقْمَة وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَة وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِن الْمِسْكِين الَّذِي لَا يجد غنى يُغْنِيه وَلا يفْطن لَهُ فَيتَصَدَّق عَلَيْهِ وَلا يقوم فَيسْأَل الناس، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم

(5)

.

قوله وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس المسكين الذي ترده اللقمة واللقماتان والتمرة والتمرتان ولكن المسكين

(1)

جامع بيان العلم وفضله (1/ 744).

(2)

جامع بيان العلم وفضله (1/ 744).

(3)

الدر الفريد (3/ 36) والبيتان لأبي القاسم الوزير المغربي.

(4)

لم أقف على كل الأبيات في كتاب قمع الحرص. انظرها في جواهر الأدب: (2/ 486).

(5)

البخاري (1479)، ومسلم (1039)، ومالك في الموطأ (2672)، وأبو داود (1631)، والنسائي (5/ 85).

ص: 253

الذي لا يجد غنى يغنيه" ولا يعطي له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسئل الناس ومعنى الحديث ليس المسكين الكامل المسكنة والذي هو أحق بالصدقة وأحوج إليها ليس هو بهذا الطواف بل هو الذي لا يجد غنى يغنيه ولا يعطي له فيتصدق عليه ولا يسئل الناس وليس معناه أصل المسكنة عن الطواف بل معناه نفي كمال المسكنة كقوله صلى الله عليه وسلم ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب وكقوله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ}

(1)

الآية أي ليس البر الكامل والغرض من هذا التأويل أن من ردته اللقمة واللقمتان لا يخرج عن أصل المسكنة لكن المسكنة الكاملة لا تحصل إلا بالخمول والانقطاع

(2)

.

قوله: "لا يجد غني فيغنيه" بكسر الغين وبالقصر ضد الفقر وإن صح الرواية بالفتح وبالمد فهو الكفاية ا. هـ.

تنبيه: قَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ وَفِي المِسْكين، فَقِيلَ: الفَقِير الَّذِي لَا شَيْءَ لَهُ، والمِسْكين الَّذِي لَهُ بَعْضُ مَا يكْفيه، وإلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.

(3)

وَقِيلَ فِيهِمَا بالعَكْس، وإلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ. والفَقِير مَبْنيٌّ عَلَى فَقُرَ قِياسًا، وَلَمْ يُقَل فِيهِ

(1)

سورة البقرة، الآية:177.

(2)

شرح الصحيح (3/ 516 - 517)، وإكمال المعلم (3/ 572)، وشرح النووي على مسلم (7/ 129).

(3)

ينظر: الأم للشافعي (2/ 16) الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115).

ص: 254

إِلَّا افْتَقَرَ يَفْتَقِرُ فَهُوَ فَقِير. أ. هـ. قاله ابن الأثير في النهاية

(1)

.

وقوله: ترده اللقمة واللقمتان تفسير لما وقع في بعض الروايات الأكلة والأكلتان وهي بضم الهمزة ولا يجوز الفتح لأن المراد بالفتح فعل الأكل ولا يناسب ها هنا

(2)

والله أعلم، قاله: ابن عقيل في شرح الأحكام.

1228 -

وَعَن عبد الله بن عَمْرو رضي الله عنهما أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ قد أَفْلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بِمَا آتَاهُ، رَوَاه مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا

(3)

.

1229 -

وَعَن فضَالة بن عبيد رضي الله عنه أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عليه وسلم يَقُول طُوبَى لمن هدي لِلإِسْلَامِ وَكَانَ عيشه كفافا وقنع، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيت حسن صَحِيح وَالْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط مُسلم

(4)

.

الكفاف من الرزق مَا كفا عَن السُّؤَال مَعَ القناعة لا يزِيد على قدر الْحَاجة.

قوله: وعن عبد الله بن عمر تقدم الكلام على ابن عمر قوله: صلى الله عليه وسلم "قد أفلح من أسلم ورزق كفافًا" أفلح تقدم الكلام عليه في حديث قديم.

قوله: "ورزق كفافًا" والكفاف: ما كف عن السؤال (وألا يزيد على) قدر الحاجة ولا ينقص.

(1)

النهاية (3/ 462).

(2)

انظر: رياض الأفهام (3/ 392).

(3)

مسلم (1054)، والترمذي (2348)، وابن ماجه (4138)، وأحمد (6572)، وابن حبان (670).

(4)

الترمذي (2349)، وأحمد (23944)، وابن حبان (755)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (823).

ص: 255

1230 -

وَعَن أبي أُمَامَة رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ يَا ابْن آدم إِنَّك أَن تبذل الْفضل خير لَك وَأَن تمسكه شَرّ لَك وَلا تلام على كفاف وابدأ بِمن تعول وَالْيَد الْعليا خير من الْيَد السُّفْلى رَوَاه مسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَغَيرهمَا

(1)

.

قوله: وعن أبي أمامة تقدم الكلام على أبي أمامة الباهلي، قوله: صلى الله عليه وسلم "يا ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسكه شر لك ولا تلام على كفافًا، واليد العليا خير من اليد السفلى" سيأتي الكلام على بذل الفضل في باب الإنفاق في وجوه الخير مبسوطًا إن شاء الله تعالى.

1231 -

وَرُوِيَ عَن جَابر بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم إيَّاكُمْ والطمع فَإِنَّهُ هُوَ الْفقر وَإِيَّاكُم وَمَا يعْتَذر مِنْهُ، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط

(2)

.

1232 -

وَعَن سعد بن أبي وَقاص رضي الله عنه قَالَ أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم رجل فَقَالَ يَا رَسُول الله أوصني وأوجز فَقَالَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم عَلَيْك بالإياس مِمَّا فِي أَيدي النَّاس وَإِيَّاك والطمع فَإِنَّهُ فقر حَاضر وَإِيَّاك وَمَا يعْتَذر مِنْهُ، رَوَاهُ الْحَاكم وَالْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الزّهْد وَاللَّفْظ لَهُ وَقَالَ الْحَاكم صَحِيح الإِسْنَاد كَذَا قَالَ

(3)

.

قوله: وعن جابر بن عبد الله تقدم الكلام على جابر، قوله: صلى الله عليه وسلم "إياكم

(1)

مسلم (1036)، والترمذي (2343).

(2)

الطبراني في المعجم الأوسط (7753)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 248)، وفيه محمد بن أبي حميد، وهو مجمع على ضعفه. وقال الألباني ضعفه دون الشطر الثاني فحسن في ضعيف الجامع (2202)، وصحيح الجامع (2671).

(3)

الحاكم (4/ 326)، والبيهقي في الزهد الكبير (102)، وقال الألباني حسن دون قوله:"وإياك والطمع" في صحيح الترغيب والترهيب (825).

ص: 256

والطمع فإنه هو الفقر، وإياكم ومما يعتذر منه" الحديث ومعنى يعتذر منه (أي يقبح عند الله وعند الناس).

1233 -

وَرُوِيَ عَن جَابر رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم القناعة كنز لَا يفنى، رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي كتاب الزّهْد وَرَفعه غَرِيب

(1)

.

قوله: وعن جابر بن عبد الله تقدم ذكره.

قوله: صلى الله عليه وسلم "القناعة كنز لا يفنى" الحديث لأن الإنفاق منها كنز لا ينقطع كلما تعذر عليه شيء من أمور الدنيا قنع بما دونه ورضي ومنه الحديث الآخر "عز من قنع، وقل من طمع" لأن القانع لا يذله الطلب فلا يزال عزيزًا قاله في النهاية

(2)

ولبعض الفضلاء.

أَفادتني القناعةُ كلَّ عزٍّ

وهَلْ عِزٍّ أعزُّ مِنْ القَنَاعَهْ

فَصَيِّرْها لنفسِكَ رأسَ مالٍ

واجعل بعدها التَّقْوى بِضَاعَهْ

أحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلَسْت مِنْهُمْ

لَعَلِّي أَنْ أَنَالَ بِهِمْ شَفَاعَهْ

وَأَكرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي

وَإِنْ كُنَّا سَوَاءً فِي الْبِضَاعَهْ

(3)

(1)

البيهقي في الكبير (105)، وابن عدي في الكامل (10319)، القضاعي في مسند الشهاب (63)، والطبراني في الأوسط (6922)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 256)، وفيه خالد بن إسماعيل وهو متروك، وقال الألباني ضعيف جدا في ضعيف الجامع (4140).

(2)

النهاية (4/ 114).

(3)

البيتين الأخيرين للإمام الشافعي، وقَالَ لَهُ تِلْمِيذُهُ الإمام أحمد بْنُ حَنْبَلٍ:

تُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ

لَعَلَّهُمْ يَنَالُوا بِك الشَّفَاعَهْ

وَتَكْرَهُ مَنْ تِجَارَتُهُ الْمَعَاصِي

حَمَاك اللهُ مِنْ تِلْكَ الْبِضَاعَهْ

ص: 257

1234 -

وَعَن عبد الله بن مُحصن الخطمي رضي الله عنه أَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم قَالَ من أصبح آمنا فِي سربه معافى فِي بدنه عِنْده قوت يَوْمه فَكَأَنمَا حيزت لَهُ الدُّنْيَا بحذافيرها، رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب

(1)

.

فِي سربه بِكَسْر السِّين الْمُهْملَة أَي فِي نَفسه.

قوله وعن عبد الله بن محصن الخطمي واختلفوا في اسم عبد الله بن محصن فقيل عبيد الله بن محصن وقيل عبد الله وكذلك اختلفوا في صحبته وكنيته العقيلي وقال بعض الفضلاء أيضًا:

لا تَخْضَعَنَّ لِمَخْلُوقٍ عَلَى طَمَعٍ

فإنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ مِنْكَ في الدِينِ

واسْتَرْزِقِ الله مَمَّا في خَزَائِنِه

فإنما الرِزْقُ بين الكَافِ والنُونِ

فَاِستَغنِ بِاللهِ عَن دُنيا المُلوكِ

كما اِستَغنى المُلوكُ بِدُنياهُم عَنِ الدينِ

لماذا أذل المخلوق على طمع

ولو سألت الذي أعطاه يعطيني

لِكَسْرَةٌ مَنْ رَغِيفِ الْخُبْزِ تُشْبِعُنِي

وَشَرْبَةٌ مِنْ قَرَاحٍ الْمَاءِ تُرْوِينِي

وَخِرْقَةٍ مِنْ خَشِينِ الثَّوْبِ تَسْتُرُنيِ

حَيًّا وَإِنْ مِتُّ تَكْفِينِي لِتكْفِينِي

قوله: وعن عبد الله بن محصن الخطمي واختلفوا في اسم عبد الله بن محصن فقيل عبيد الله وقيل عبد الله وكذلك اختلفوا في صحبته وكنيته العقيلي ولم يرو عن عبيد الله هذا من أصحاب السنن غير الترمذي وابن

(1)

الترمذي (2346)، والبخاري في الأدب المفرد (300)، وابن ماجه (4141)، والحميدي (439)، والبيهقي في شعب الإيمان (10362)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (826).

ص: 258

ماجه روى له هذا الحديث خاصة والخطمي بفتح الخاء المعجمة منسوب إلى خطمة من الأنصار وهم بنو عبد الله بن مالك بن اوس

(1)

والله أعلم.

قوله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح أمنًا في سربه" قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: أي في نفسه وقال: غيره السرب نفس الإنسان أي أمناء في نفسه وفلانة واسع السرب أي رضي البال قال: ابن الأثير

(2)

: ويروى السرب بفتح السين وهو المسلك والطريق، يقال خل سربه: أي طريقه.

قوله صلى الله عليه وسلم: "حيزت له الدنيا" حيزلت بكسر الحاء المهملة أي جمعت والحيازة الجمع والضم إلى النفس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "بحذافيرها" الحذافير الجوانب وقيل الأعالي واحدها حذفار، وقيل حذفور أي فكإنما أعطى الدنيا بأسرها، ومنه حديث المبعث.

فإذا نحن بالحي قد جاءوا بحذافيرهم أي جميعهم ا. هـ، قاله في النهاية

(3)

.

قال الجوهري

(4)

: السرب بالفتح الإبل وما يرعى من المال فالإنسان ابن وقته [يهمه وقته الذي هو فيه]، فالأمن والعافية وحصول القوت اليومي

(1)

انظر: الاستيعاب (3/ الترجمة 1722)، وأسد الغابة (3/ الترجمة 3477)، وتهذيب الكمال (16/ الترجمة 3524).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 356).

(3)

النهاية في غريب الحديث والأثر (2/ 356).

(4)

الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية (1/ 146).

ص: 259

كحيازة الدنيا كلها إذ مالك الدنيا كلها إنما ينال منها قوته والله أعلم.

وقال الإمام أبو عبد الله القرطبي

(1)

في كتابه "قمع الحرص": خرَّج الإمام الحافظ أبو بكر بن محمد بن إسحاق السني الحافظ عن ابن عمر قال: قال رسول الله: "ابن آدم عندك ما يكفيك وأنت تطلب ما يطغيك، ابن آدم لا بقليل تقنع ولا بكثير تشبع، ابن آدم إذا أصبحت معافى في بدنك آمنًا في سربك عندك قوت يومك" فعلى الدنيا العفاف

(2)

وأنشدوا في المعنى:

رَضِيتُ مِنَ الدُّنْيَا بِقُوتٍ يُقِيمُنِي

فَلَا أَبْتَغِي مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا فَضْلَا

وَلَسْتُ أَرُومُ الْقُوتَ إِلَّا لِأَنَّهُ

يُعِينُ عَلَى عِلْمٍ أَرُدُّ بِهِ جَهْلَا

وعن ابن عباس رضي الله عنه. قال: قال موسى عليه السلام: "رب ما علامة من صافيته من خلقك" فأوحى الله تعالى إليه "أقنعه باليسير وأدخر له في الآخرة الكثير"

(3)

، وعن ابن عباس رضي الله عنه. قال: قال: موسى عليه السلام "أي رب أي عبادك أغنى" قال: "الراضي بما أعطيه" قال: فأي عبادك أحب إليك قال: "أكثرهم لي ذكرًا" قال: "يا رب فأي عبادك أحكم" قال: "الذي يحكم على نفسه بما يحكم به على الناس"

(4)

انتهى.

(1)

لم نقف عليه.

(2)

المعجم الأوسط (8875) قال الهيثمي في مجمع الزوائد ومنبع الفوائد (10/ 289): رواه الطبراني في الأوسط، وفيه أبو بكر الداهري، وهو ضعيف.

(3)

قمع الحرص (ص 129).

(4)

قمع الحرص (ص 130).

ص: 260

1235 -

وَعَن أنس رضي الله عنه: أَن رجلا من الْأَنْصَار أَتَى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فَسَألهُ فَقَالَ أما فِي بَيْتك شَيْء قَالَ بلَى حلْس نلبس بعضه ونبسط بعضه وَقَعْب نشرب فِيهِ من المَاء قَالَ ائْتِنِي بهما فَأَتَاهُ بهما فَأَخذهُمَا رَسُول الله صلى الله عليه وسلم بِيَدِهِ وَقَالَ من يَشْتَرِي هذَيْن قَالَ رجل أَنا آخذهما بدرهم قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم من يزِيد على دِرْهَم مرَّتَيْنِ أَو ثَلَاثًا قَالَ رجل أَنا آخذهما بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاه وَأخذ الدرهمين فَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيّ وَقَالَ اشْتَرِ بِأَحَدِهِمَا طَعَاما فانبذه إِلَى أهلك واشتر بِالآخرِ قدومًا فائتني بِهِ فَأَتَاهُ بِهِ فَشد فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم عودا بِيَدِهِ ثمَّ قَالَ اذْهَبْ فاحتطب وبع وَلَا أرينك خَمْسَة عشر يَوْمًا فَفعل فجَاء وَقد أصَاب عشرَة دَرَاهِم فَاشْترى بِبَعْضِهَا ثوبا وببعضها طَعَاما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم هَذَا خير لَك من أَن تَجِيء الْمَسْأَلَة نُكْتَة فِي وَجهك يَوْم الْقِيَامَة إِن الْمَسْأَلَة لَا تصلح إِلَّا لثلاث لذِي فقر مدقع أَو لذِي غرم مفظع أَو لذِي دم موجع رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ بِطُولهِ وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد وَأخرج التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ مِنْهُ قصَّة بيع الْقدح فَقَط وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن

(1)

.

الحلس بِكَسْر الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون اللَّام وبالسين الْمُهْملَة هُوَ كسَاء غليظ يكون على ظهر الْبَعِير وَسمي بِهِ غَيره مِمَّا يداس ويمتهن من الأكسية وَنَحْوهَا. الْفقر المدقع بِضَم الْمِيم وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وَكسر الْقَاف هُوَ

(1)

أبو داود (1641)، والترمذي (1218)، والنسائي (7/ 259)، وابن ماجه (2198)، وأحمد (12134)، وقال الألباني ضعيف دون قوله: "إن المسألة لا تصلح إلا لثلاث

" إلخ" فصحيح، في ضعيف الجامع (827).

ص: 261

الشَّديد الملصق صَاحبه بالدقعة وَهِي الأَرْض الَّتِي لَا نَبَات بهَا. وَالْغُرْم بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الرَّاء هُوَ مَا يلْزم أَدَاؤُهُ تكلفا لَا فِي مُقَابلَة عوض. والمفظع بِضَم الْيَاء وَسُكُون الْفَاء وَكسر الظَّاء الْمُعْجَمَة هُوَ الشَّديد الشنيع. وَذُو الدَّم الموجع هُوَ الَّذِي يتَحَمَّل دِيَة عَن قَرِيبه أَو حميمه أَو نسيبه الْقَاتِل يَدْفَعهَا إِلَى أَوْليَاء الْمَقْتُول وَلَو لم يفعل قتل قَرِيبه أَو حميمه الَّذِي يتوجع لقَتله.

قوله: وعن أنس تقدم الكلام على أنس.

قوله: أن رجلا من الأنصار أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال: "أما في بيتك شيء" قال: بلى، حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه، الحديث، الحلس قد ضبطه الحافظ

(1)

، وفسره.

قوله: وقعب نشرب فيه من الياء، القعب: قدح من خشب

(2)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "قال: "ائتني بهما"، قال: فأتاه جهما، فأخذهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده، وقال: "من يشتري هذين؟ " قال رجل: أنا، آخذهما بدرهم، قال: "من يزيد على درهم مرتين، أو ثلاثا"، قال رجل: أنا آخذهما بدرهمين فأعطاهما إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: "اشتر بأحدهما طعاما فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدوما فأتني به،"، فأتاه به، فشد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم عودا بيده، ثم قال له: "اذهب فاحتطب وبع، ولا أرينك خمسة عشر يومًا" الحديث، القدوم

(1)

أى المنذرى.

(2)

شرح المشكاة (5/ 1518) للطيبي.

ص: 262

رواه مسلم متفقون على تخفيفه قالوا: والقدوم آلة النجار المعروفة يقال: فيها قدوم بالتخفيف لا غير

(1)

، وأما القدوم مكان بالشام

(2)

ففيه التخفيف والتشديد ممن رواه بالتشديد أراد القرية ومن رواه بالتخفيف تحتمل القرية والآلة والأكثرون على التخفيف على إرادة الآلة

(3)

والله أعلم.

فائدة: اختتن إبراهيم عليه السلام بالقدوم وهو ابن ثمانين سنة وهذا الذي وقع هنا، أن إبراهيم عليه السلام اختتن وهو ابن ثمانين سنة هو الصحيح وقيل سبعين ووقع في الموطأ وهو ابن مائة وعشرين سنة موقوفًا على أبي هريرة وهو متأول أو مردود

(4)

والله أعلم.

فائدة أخرى: الختان واجب لقوله تعالى: {اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ}

(5)

وهو أول من اختتن، ختن نفسه ولا يفعله إلا عن أمر الله تعالى، ولقول: صلى الله عليه وسلم لرجل أسلم: "ألق عنك شعر الكفر واختتن"

(6)

والأمر للوجوب.

(1)

مشارق الأنوار (2/ 174).

(2)

الغريبين في القرآن والحديث 5/ 1514.

(3)

مطالع الأنوار (5/ 420)، وشرح النووي على مسلم (15/ 122) والمجموع (1/ 297 - 298)، وكشف المناهج (5/ 95).

(4)

شرح النووي على مسلم (15/ 122) وكشف المناهج (5/ 95).

(5)

سورة النحل، الآية:123.

(6)

أخرجه عبد الرزاق في المصنف (9835)، ومن طريقه أخرجه أبو داود (356)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2795)، وابن عدي في الكامل 1/ 223، والبيهقي في السنن 1/ 172. وقال ابن القطان في الوهم والإيهام 5/ 43: إسناده غاية في الضعف مع الانقطاع الذي في قول ابن جريج أُخْبِرْتُ وذلك أن عثيم بن كليب وأباه وجده مجهولون. عبد الرزاق: هو ابن همام الصنعاني، ابن جريج: هو عبد الملك بن عبد العزيز.

ص: 263

تنبيه: الرجل الذي أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلق شعره لما أسلم اسمه: عثيم بضم العين المهملة وفتح الثاء المثلثة

(1)

وروى الحديث أبو (داود) ولم يضعفه فهو عنده [صالح أي حسن أو صحيح

(2)

].

وفي وجه: أن الختان سنة مؤكدة وفي وجه ثالث: أنه واجب في حق الرجال مستحب للنساء والأصح الوجوب مطلقًا والواجب في حق الرجل قطع الجلدة التي تواري الحشفة وتسمى القلفة حتى تنكشف جميع الحشفة، والواجب في حق المرأة قطع الجلدة، كما قال الماوردي

(3)

: أو اللحمة كما قال الرافعي التي في أعلى الفرج فوق ثقبة البول تشبه عرف الديك فإذا قطعت بقي أصلها كالنواة ويكفي أن يقطع ما يقع عليه الاسم

(4)

.

فرع: محل الوجوب بعد البلوغ قال: القاضي حسين بلا خلاف فلو مات قبل الختان فالأصح أنه لا يختتن ولو كان صغيرًا قاله في هادي النبيه

(5)

.

(1)

هذا غلط فالحديث عن عثيم بن كليب عن أبيه عن جده فقال رجل هو جد عثيم قال عبدان: هو عثيم بن كثير بن كليب، والصحابي هو كليب.

وقيل: هو عثيم بن قيس بن كثير الجهني. انظر: التلخيص الحبير: 4/ 82؛ تهذيب التهذيب: 7/ 161. وانظر: السنن الكبرى، للبيهقي: 8/ 322).

(2)

المجموع (2/ 154).

(3)

الحاوي الكبير (3/ 106).

(4)

المجموع (1/ 301 - 302) وكفاية النبيه (1/ 256)، والنجم الوهاج (9/ 270).

(5)

هادى النبيه (لوحة 8/ خ 2121 ظاهرية).

ص: 264

كان بعض من أدركناه يقول الذي يقتضيه الدليل وجوب ختان الكبير لأنه من الفطرة وما ذكره ليس ظاهرًا

(1)

.

فرع: كما يجب الختان يجب قطع السرة لأنه لا يتأتى ثبوت الطعام إلا بذلك

(2)

.

فرع: الخنثى المشكل فيه وجهان أشهرهما يجب ختانه فيختتن (في الموضعين) جميعًا توصلا إلى الواجب وأصحهما أنه لا يجب ختانه لأنه جرح على الإشكال وهو ممنوع

(3)

والله أعلم ذكره في مختصر الكفاية لابن النقيب.

فرع: والختان سنة قبل البلوغ وواجب بعده كما تقدم ويستحب تعجيله في حق الصبي في اليوم السابع من ولادته لأنه أروح له إلا أن يظهر من حالة أنه لا يطيقه لصغر نحوه فيؤخر وإذا أخر عن السابع قال: الماوردي

(4)

فالمستحب أن يختتن (في اليوم) الأربعين وإن أخر عنها فالمستحب أن يختتن في السنة السابعة لأنه الوقت الذي يؤمر فيه الصبي بالطهارة والصلاة، وقال: القاضي حسين وهو المذكور في التهذيب عندى أن وقته بعد استكمال العشر وأما قبله فلا (يجوز بحال) كما لا (يجب) الضرب للصلاة قبل

(1)

المصدر السابق نفس الموضع.

(2)

كفاية النبيه (1/ 261).

(3)

كفاية النبيه (1/ 260)، والنجم الوهاج (9/ 273).

(4)

الحاوى (13/ 433).

ص: 265

(العشر) والصحيح الأول

(1)

والفرق أن الختان يتزايد ألمه في (الكبر) لغلظ الجلد [والختان واجب لأن الأقلف معرض لفساد طهارته وصلاته] لأن الجلدة تحبس البول ولهذا لا يجوز الإستنجاء بالحجر

(2)

وجب عليه غسل داخل القلفة في الإستنجاء وفي غسل الجنابة على الأصح

(3)

قاله ابن العماد في شرح العمدة

(4)

.

فائدة: قد جاء في بعض طرق الحديث أن أول من اختتن إبراهيم ثم اختتنت سارة ومن كان في ملة إبراهيم، وفي بعض الكتب أن أربعة عشر من الأنبياء ولدوا مختونين وهم آدم وشيث ونوح وهود وصالح يوسف وشعيب وموسى وسليمان وزكرياء وعيسى وحنظلة بن صفوان نبي صاحب الرس ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم

(5)

واختتن لوط مع إبراهيم وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وتوفي وهو ابن ثمانين سنة

(6)

قاله ابن الفرات الحنفي في تاريخه والله أعلم.

وهذا الحديث فيه فوائد جمة، فيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي باع القدح والحلس فقد يستدل به على بيع الحاكم على المعسر ولكن لم ينقل هنا أنه كان عليه دين حتى يبيع الحاكم عليه وقد يقال كانت نفقة أهله واجبة عليه

(1)

انظر كفاية النبيه (1/ 259).

(2)

انظر شرح المشكاة (3/ 787)، وتحفة المولود (ص 167).

(3)

انظر: فتح الباري (10/ 341).

(4)

لم نقف عليه.

(5)

الميسر (1/ 142).

(6)

التبصرة (ص 154) والمنتظم (1/ 282 - 285).

ص: 266

فهي كالدين وأراد الإكتساب بالسؤال فكره له النبي صلى الله عليه وسلم السؤال مع القدرة على الكسب فباع عليه بعض ما يملكه واشترى له بذلك آلة يكتسب بها، وقد يقال: هذا تصرف في ماله برضاه مع أن النبي صلى الله عليه وسلم يجوز له التصرف في أموال أمته بما شاء فتصرف له على وجه المصلحة وهذا خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه يبيع ملك الغير من غير وكالة وذلك لقوله تعالى: {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}

(1)

والله أعلم قاله: العراقي في شرح الأحكام

(2)

.

وفي هذا الحديث جواز الزيادة في ثمن السلعة قبل إيجاب البيع الأول

(3)

وفيه أنه لا نقيصة على الرجل الفاضل أن يكون سمسارًا

(4)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "هذا خير لك من أن تجيء المسألة نكتة في وجهك" النكتة بالتاء المثناة فوق كالنقطة شبه الوسخ في المرآة

(5)

، تقدم ذكرها في الجمعة.

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أنس هذا: "أن المسألة لا تصلح إلا لثلاث لذي فقر مدقع" المدقع: قد ضبطه الحافظ وفسره فقال: هو الشديد الملصق صاحبه بالدقعاء وهي الأرض لا نبات بها ا. هـ.

(1)

سورة الأحزاب، الآية:6.

(2)

طرح التثريب (6/ 108 - 109).

(3)

قمع الحرص (ص 28).

(4)

قمع الحرص (ص 28).

(5)

انظر كلام المنذرى على حديث (3728) كتاب الحدود.

ص: 267

وقال: غيره فيه أن سؤال الخلق لا يحل إلا لحاجة وهو الفقر المدقع وهو غاية الفقر وأشده الذي لم يبق لصاحبه شيئًا من المال يرجع إليه وأصله من الدقعاء وهو التراب والأرض التي لا نبات عليها فيفضي شدة الفقر بصاحبه إلى الجلوس عليها وهذا معنى قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)}

(1)

(2)

، وقال: ابن العربي

(3)

الدقع سوء احتمال الفقر فكأنه صلى الله عليه وسلم لم يبح المسألة إلا لمن عجز عن احتمال شدة الفقر.

وقوله: "الفاقة والصبر" وكان عاجزًا منقطعًا عن الكسب وسبب هذا الحديث يكشف عن ذلك فإنه قال: "أما في بيتك شيء" قال: بلى حلس نلبس بعضه ونبسط بعضه الحديث.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أو لذي غرم مفظع" والغرم قد ضبطه الحافظ

(4)

وفسره فقال: وهو ما يلزم أداؤه تكلفًا لا في مقابلة عوض ا. هـ.

وقوله: "مفظع" قد ضبطه الحافظ

(5)

وفسره فقال: هو الشديد الشنيع ا. هـ.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أو لذي دم موجع" قد فسره الحافظ

(6)

فقال: هو الذي يتحمل دية عن قريبه أو حميمه أو نسيبه القاتل يدفعها إلى أولياء المقتول ولو لم يفعل

(1)

سورة البلد، الآية:16.

(2)

قمع الحرص (ص 27).

(3)

ينظر: أحكام القرآن لابن العربي ط العلمية (1/ 313).

(4)

أي المنذري.

(5)

أي المنذري.

(6)

المصدر السابق.

ص: 268

قتل قريبة أو حميمة الذي يتوجع لقتله ا. هـ.

وقال غيره: هذا رجل صنع خيرًا فليس من المعروف أن تترك الغرامة عليه وحده بل يعان على ما تحمله ويعطي من الصدقة وغيرها ما يخرج به من عهدة ما ضمنه وحمله

(1)

ا. هـ.

وفي هذا الحديث أيضًا أنه صلى الله عليه وسلم لم ير الصدقة تحل لأحد مع القوة على الكسب ولا مع وجود شيء فقد روى أبو داود

(2)

عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي" المرة الشدة والقوة والسوي هو التام الخلق سالم من موانع الإكتساب وبحديث هذا الباب يقول الشافعي وأبو ثور وغيرهما قالوا أكل من كان قويًا على الكسب والتحرف مع قوة البدن وحسن التصرف حتى يغنيه ذلك عن الناس فالصدقة عليه حرام وكذلك المتصوفة الذين تركوا أشغالهم وتخلوا لعبادة الله عز وجل ولهم قدرة على التكسب لا يحل لهم الصدقة لأن التكسب مع الإعراض عن النوافل أولى من الاشتغال بالنوافل والطمع مما في أيدي الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن أفضل ما أكل الرجل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده"

(3)

انتهى

(4)

.

(1)

قمع الحرص (ص 34).

(2)

سنن أبي داود (1634) الترمذي (658) مسند أحمد (6530). وله شاهد من حديث أبي هريرة عند ابن ماجه (1839)، والنسائي في الكبرى (2389). وعن حُبْشي بن جنادة عند الترمذي (659)، وصححه الألباني في صحيح أبي داود - الأم (1444).

(3)

البخاري (2072).

(4)

قمع الحرص (ص 28).

ص: 269

1236 -

وَعَن الزبير بن الْعَوام رضي الله عنه: قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لأن يَأْخُذ أحدكُم أحبله فَيَأْتِي بحزمة من حطب على ظَهره فيبيعها فيكف بهَا وَجهه خير لَهُ من أَن يسْأَل الناس أَعْطوهُ أم منعُوهُ رَوَاهُ البُخَارِيّ وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا

(1)

.

1237 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم لِأَن يحتطب أحدكُم حزمة على ظَهره خير لَهُ من أَن يسْأَل أحدا فيعطيه أَو يمنعهُ، رَوَاهُ مَالك وَالْبُخَارِيّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ

(2)

.

قوله: وعن الزبير بن العوام: الصحابي أحد العشرة كنيته أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشي الأسدي المدني يلتقي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في قصي وأم الزبير صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وهاجرت إلى المدينة أسلم الزبير قديمًا في أوائل الإسلام وهو ابن خمس عشرة سنة وقيل ابن ست عشرة، وقيل وهو ابن ثمان سنين قيل ابن ثنتي عشرة وكان إسلامه رضي الله عنه بعد إسلام أبي بكر بقليل قيل كان رابعًا أو خامسًا وهاجر الزبير إلى الحبشة ثم إلى المدينة وآخى رسول الله صلى الله عليه وسلم بينه وبين عبد الله بن مسعود حين آخى بين المهاجرين بمكة فلما قدم المدينة آخى بين المهاجرين والأنصار آخى بينه وبين سلمة بن سلامة بن وقش وكان رضي الله عنه أسمر ربعة معتدل اللحم خفيف اللحية.

(1)

البخاري (1471)، وابن ماجه (1836)، وأحمد (1429)، وأبو يعلى (675).

(2)

البخاري (1470)، ومسلم (1042).

ص: 270

قال النووي

(1)

: روينا في صحيح البخاري ومسلم عن جابر قال: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب فانتدب الزبير بثلاث مرات، قال: من يأتينى بخبر القوم قال: الزبير أنا قال: من يأتني بخبر القوم؟ قال الزبير: أنا، قال: من يأتيني بخبر القوم؟ قال الزبير: أنا، فقال: النبي صلى الله عليه وسلم "إن لكل نبي حواريًا، وحواري الزبير" قال القاضي عياض

(2)

: اختلف من ضبطه فضبطه جماعة من المحققين بفتح الياء من الثاني كمصرخي وضبطه أكثرهم بكسرها، والحواري الناصر للرجل وقيل الناصح، وكان للزبير رضي الله عنه أربع نسوة فَأَصَابَ كُلَّ امْرَأَةٍ أَلْفُ أَلْفٍ وَمِائَتَا أَلْفٍ، فَجَمِيعُ مَالِهِ خَمْسُونَ أَلْفَ أَلْفٍ، وَمِائَتَا أَلْفٍ هذا لفظ رواية البخاري ومما رويناه من أحوال الزبير أنه كان له ألف مملوك يؤدون إليه الخراج فيتصدق به في مجلسه وما يقوم بدرهم منه وكان الزبير يوم الجمل قد ترك القتال وانصرف فلحقه جماعة من الغواة فقتلوه بوادي السباع بناحية البصرة وقبره هناك في جمادى الأول سنة ست وثلاثين وكان عمره حينئذ سبعًا وستين سنة، وقيل ستًا وستين سنة وقيل أربعًا وستين سنة ومناقبه كثيرة مشهورة

(3)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "لأن يأخذ أحدكم أحبله فيذهب فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف بها وجهه خير له من أن يسأل الناس شيئا أعطوه، أو

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 194 - 195).

(2)

إكمال المعلم (7/ 428)، وشرح النووي على مسلم (15/ 188 - 189).

(3)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 194 - 196 ترجمة 176).

ص: 271

منعوه" أحبله: بفتح الهمزة وإسكان الحاء المهملة وضم الباء الموحدة جمع حبل وهو معروف ويجمع أيضا على حبال.

1238 -

وَعَن الْمِقْدَام بن معد يكرب رضي الله عنه عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم مَا أكل أحد طَعَاما خيرا من أَن يَأْكُل من عمل يَده وَإِن نَبِي الله دَاوُد عليه السلام كَانَ يَأْكُل من عمل يَده رَوَاهُ البُخَارِيّ

(1)

.

قوله: وعن المقدام بن معدي كرب تقدم ذكره.

قوله صلى الله عليه وسلم: "أن نبي الله داوود كان يأكل من عمل يده" تقدم الكلام على داوود عليه السلام في الصدقات دل هذا الحديث على فضيلة الأكل من عمل اليد، وقيل لسفيان الثوري رحمه الله تعالى "ما تقول في رجل إذا كسب درهما كان فيه ما يقوته وعياله ولم يدرك صلاة الجماعة وإذا كسب أربع دوانيق أدرك الصلاة في الجماعة ولم يكن فيه ما يقوته ويفوت عياله أيهما أفضل قال: يكسب الدرهم الحلال ويصلي وحده"

(2)

.

وأيضًا دل الحديث على جواز الاشتغال بالكسب وقد كره بعض الناس الاشتغال بالكسب وقالوا الواجب على كل إنسان الاشتغال بعبادة ربه لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}

(3)

وقال عامة أهل العلم: الكسب بمقدار ما يكفيه وعياله واجب وإن زاد على ذلك فهو مباح

(1)

البخاري (2072)، وأحمد (17181).

(2)

حلية الأولياء (7/ 16 - 17).

(3)

سورة الذاريات، الآية:56.

ص: 272

وإن اشتغل بطلب الزيادة ولا يكون حراما ما لم يرد به الفخر والرياء وذلك لأن الله تعالى فرض على عباده فرائض ولا يتهيأ أداء تلك الفرائض إلا باللباس وقوت النفس ولا يحصل ذلك إلا بالكسب قيل ترك الكسب على ثلاثة أوجه للكسل وللتقوى وللعار فمن ترك الكسب كسلا فلا بد له من السؤال ومن تركه تقوى فلا بد له من الطمع ومن تركه عارًا فلا بد له من السرقة

(1)

.

فرع يختم به الباب: السؤال في المسجد مكروه فإن كان يتخطى الناس أو يتخطاهم بجبى له الفلوس لم يجز ذلك وقد تقدم في الجمعة أن تخطي الرقاب حرام فيجب على كل قادرًا إنكار ذلك ومنعهم منه (وقد يضم السؤال إلى ذلك) القراءة على غير الصحة وذكر الأحاديث الموضوعة والأثار المكذوبة والقصص الباطلة فيتأكد وجوب الإنكار ويعظم الإثم في السكوت لأن في السكوت مع هذا الفعل على رؤس الأشهاد إتهامًا له والعوام يظنون أن ذلك جائز فيكون السكوت سببًا لتجرئة غيره على مثل فعله وسببًا لإعطاء العوام له وترغيبًا في ذلك الفعل وقد قال: بعض علماء الحنفية

(2)

لو تصدق بأربعين فلسًا خارج المسجد لم يكن ذلك كفارة لذلك

(1)

بستان العارفين (ص 367).

(2)

ينظر: الأصل المعروف بالمبسوط للشيباني (2/ 1) تحفة الفقهاء (1/ 263) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع (2/ 2) الهداية في شرح بداية المبتدي (1/ 98) الاختيار لتعليل المختار (1/ 99) العناية شرح الهداية (2/ 153) الجوهرة النيرة على مختصر=

ص: 273

الفلس الذي أعطاه للسائل في المسجد حكاه القاضي ظهير الدين في فتاويه فلو كان المعطي يقتدى به أو يتوهم الناس في إعطائه أن ذلك جائز عظم الإثم في إعطائه بمساعدته له وترغيبه في فعل المنكر مع ما ترتب عليه من إثم السكوت على الإنكار عليه والله أعلم قاله: ابن النحاس في تنبيهه أو الشيخ شمس الدين السعودي في تهذيب النفوس على الشك

(1)

.

= القدوري (1/ 113) البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري (2/ 216) مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (1/ 191) الدر المختار وحاشية ابن عابدين (رد المحتار)(2/ 256) الدر المختار شرح تنوير الأبصار وجامع البحار (ص: 126).

(1)

تنبيه العافلين (ص 438).

ص: 274