المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى والترهيب من التعدي فيها والخيانة واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه وما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء - فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب - جـ ٥

[حسن بن علي الفيومي]

فهرس الكتاب

- ‌[الترهيب من منع الزكاة وما جاء في زكاة الحلي]

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

- ‌فصل

- ‌التَّرْهِيب من الْمَسْأَلَة وتحريمها مَعَ الْغنى وَمَا جَاءَه في ذمّ الطمع وَالتَّرْغِيب فِي التعفف والقناعة وَالْأكل من كسب يَده

- ‌ترغيب من نزلت به فاقة أو حاجة أن ينزل لها بالله تعالى

- ‌الترهيب من أخذ ما دفع من غير طيب نفس المعطي

- ‌ترغيب من جَاءَهُ شَيْء من غير مَسْأَلَة وَلَا إشراف نفس فِي قبُوله سِيمَا إِن كَانَ مُحْتَاجا وَالنَّهْي عَن رده وَإِن كَانَ غَنِيا عَنهُ

- ‌ترهيب السائل أن يسأل بوجه الله غير الجنة وترهيب المسؤول بوجه الله أن يمنع

- ‌التَّرْغِيب فِي الصَّدَقَة والحث عَلَيْهَا وَمَا جَاءَ فِي جهد الْمقل وَمن تصدق بِمَا لَا يجب

- ‌[الترغيب في صدقة السر]

- ‌الترغيب في الصدقة على الزوج والأقارب وتقديمهم على غيرهم

- ‌الترهيب من أن يسأل الإنسان مولاه أو قريبه من فضل ماله فيبخل عليه أو يصرف صدقته إلى الأجانب وأقرباؤه محتاجون

- ‌[الترغيب في القرض وما جاء في فضله]

- ‌[الترغيب في التيسير على المعسر وإنظاره والوضع عنه]

- ‌الترغيب في الإنفاق في وجوه الخير كرما والترهيب من الإمساك والادخار شحا

- ‌الترغيب في إطعام الطعام وسقي الماء والترهيب من منعه

- ‌فصل

- ‌الترغيب في شكر المعروف ومكافأة فاعله والدعاء له وما جاء فيمن لم يشكر ما أولي إليه

- ‌كتاب الصيام

- ‌الصوم الترغيب في الصوم مطلقا وما جاء في فضله وفضل دعاء الصائم

- ‌فصل

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام رَمَضَان احتسابا وَقيام ليله سِيمَا لَيْلَة الْقدر وَمَا جَاء فِي فَضله

- ‌التَّرْهِيب من إفطار شَيْء من رَمَضَان من غير عذر

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم سِتّ من شَوَّال

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام يَوْم عَرَفَة لمن لم يكن بهَا وَمَا جَاءَ فِي النَّهي عَنْهَا لمن كَانَ بهَا حَاجا

- ‌التَّرْغِيب فِي صِيَام شهر الله الْمحرم

- ‌الترغيب في صوم يوم عاشوراء والتوسيع فيه على العيال

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم شعْبَان وَمَا جَاءَ فِي صِيَام النَّبِي صلى الله عليه وسلم لَهُ وَفضل لَيْلَة نصفه

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوم ثلاثة أَيَّام من كل شهر سِيمَا الْأَيَّام الْبيض

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الِاثْنَيْنِ وَالْخمِيس

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم الأرْبَعَاء وَالْخَمِيس وَالْجُمُعَة والسبت والأحد وَمَا جَاءَ فِي النَّهْي عَن تَخْصِيص الْجُمعَة بِالصَّوْم أَو السبت

- ‌التَّرْغِيب فِي صَوْم يَوْم وإفطار يَوْم وَهُوَ صَوْم دَاوُد عليه السلام

- ‌ترهيب الْمَرْأَة أَن تَصُوم تَطَوّعا وَزوجهَا حَاضر إِلَّا أَن تستأذنه

- ‌ترهيب الْمسَافِر من الصَّوْم إِذا كَانَ يشق عَلَيْهِ وترغيبه فِي الْإِفْطَار

- ‌التَّرْغِيب فِي السّحُور سِيمَا بِالتَّمْرِ

الفصل: ‌الترغيب في العمل على الصدقة بالتقوى والترهيب من التعدي فيها والخيانة واستحباب ترك العمل لمن لا يثق بنفسه وما جاء في المكاسين والعشارين والعرفاء

‌التَّرْغِيب فِي الْعَمَل على الصَّدَقَة بالتقوى والترهيب من التَّعَدِّي فِيهَا والخيانة واستحباب ترك الْعَمَل لمن لَا يثِق بِنَفسِهِ وَمَا جَاءَ في المكّاسين والعشّارين والعُرَفاء

1159 -

عَن رَافع بن خديج رضي الله عنه قَالَ: سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول الْعَامِل على الصَّدَقَة بِالْحَقِّ لوجه اللّه تَعَالَى كالغازي فِي سَبِيل اللّه عز وجل حَتَّى يرجع إِلَى أَهله، رَوَاهُ أَحْمد وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَة وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن

(1)

.

وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف وَلَفظه قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم الْعَامِل إِذا اسْتعْمل فَأخذ الْحق وَأعْطى الْحق لم يزل كالمجاهد فِي سَبِيل اللّه حَتَّى يرجع إِلَى بَيته

(2)

.

قوله: عن رافع بن خديج

(3)

كنيته أبو عبد اللّه ويقال: أبو رافع ويقال: أبو خديج رافع بن خديج وخديج بفتح الخاء المعجمة وكسر الدال المهملة بن

(1)

أحمد (15826)، وأبو داود (2936)، والترمذي (645)، وابن ماجة (1809)، وابن خزيمة (2334).

(2)

الطبراني في الكبير (281)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 84)، رواه الطبراني في الكبير وفهي ذؤيب بن عمامة، قال الذهبي: ضعفه الدَّارقُطْنِي وغيره ولم يهدر، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (771) و (772).

(3)

ينظر: الاستيعاب: 479، الجمع بين رجال الصحيحين 1/ 139، أسد الغابة 1/ 151، تهذيب الأسماء واللغات 1/ 1/ 187، تهذيب الكمال: 402، تذهيب التهذيب 1/ 214 آ، مرآة الجنان 1/ 155، البداية والنهاية 9/ 3، الإصابة 1/ 495.

ص: 98

رافع بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن أبي الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصاري الأوسي الحارثي المدني استصغره النبي صلى الله عليه وسلم يوم غزوة بدر فرده وأجازه يوم أحد فشهد أحدًا والخندق وأكثر المشاهد قالوا وأصابه سهم يوم أحد فنزعه بَقِي نصله فِي فَخذه إلى أن مات.

وقال له رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "أنا أشهد لك يَوْم القيامة" وانتفضت جراحته فتوفي منها بالمدينة سنة أربع وسبعين وهو ابن ست وثمانين سنة وكان عريف قومه روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ثمانية وسبعون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على خمسة ولمسلم ثلاثة روي عنه ابن عمر والسائب بن يزيد ومحمود بن لبيد وأسيد بن ظهير الصحابيون رضي الله عنهم

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: "العامل على الصدقة بالحق لوجه اللّه عز وجل" أي الذي لا يظلم أرباب الأموال ولا يجور عليهم

(2)

يعني كالغازي في سبيل اللّه حتى يرجع إلى أهله وسيأتي الكلام على الغزو في سبيل اللّه في الجهاد مبسوطا إن شاء اللّه تعالى ومعنى حتى يرجع إلى أهله أي إلى أقاربه وزوجته وولده الذين خرج (منهم)

(3)

واللّه تعالى أعلم.

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 187 الترجمة 162) وزاد: وروى عنه من التابعين عطاء، ومجاهد، والشعبي، وعطاء بن صهيب، وابن ابنه عباية بن رفاعة بن رافع، ونافع بن جبير، وسليمان بن يسار، وآخرون.

(2)

المنهاج (3/ 195)، والمفاتيح (2/ 489)، وشرح المصابيح (2/ 410).

(3)

نهاية المحتاج 6/ 82.

ص: 99

قوله رواه الإمام أحمد بن حنبل

(1)

هو الإمام البارع المجمع على إمامته وجلالته وورعه وزهادته وحفظه ووفور علمه وسيادته أبو عبد اللّه أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد بن إدريس بن عبد اللّه بن حيان بالمثناة تحت عبد اللّه بن أنس بن عوف بن قاسط بن مارن بن شيبان فذكره إلى أن قال: بن نزار بن معد بن عدنان الشيباني المروي ثم البغدادي خرج من مرو حَمْلا وولد ببغداد ونشأ بها إلى أن توفي بها ودخل مكة والمدينة والشام واليمن والبصرة والكوفة والجزيرة وروينا عن أبي زرعة قال: ما رأيتُ من المشايخ أحفظ من أحمد بن حنبل حزرت كتبه اثني عشر حملا وعدلًا كلّ ذلك كان يحفظ على ظهر قلبه وقال: أبو زرعة

(2)

ما رأيتُ أحدا أجمع من أحمد بن حنبل وما رأيتُ أحدا أكمل منه اجتمع فيه زهد وفقه وفضل وأشياء كثيرة، وقال: قتيبة بن سعيد

(3)

أحمد إمام الدنيا، وعن الهيثم بن جميل

(4)

إن عاش هذا الفتى سيكون حجة على أهل زمانه، وقال الميموني

(5)

: ما رأيتُ مصليا قط أحسن صلاة من أحمد بن حنبل ولا اتباعا للسنن منه وقال أبو حاتم: (بارع) الفهم بمعرفة صحيح الحديث وسقيمه

(1)

سير أعلام النبلاء ط الرسالة (11/ 178) الجرح والتعديل 1/ 292 - 313 و 2/ 68، 70.

(2)

الجرح والتعديل 1/ 292 - 313 و 2/ 68.

(3)

تذهيب التهذيب 1/ 22، البداية والنهاية 10/ 325، 343.

(4)

مرآة الجنان 2/ 132، طبقات الشافعية للسبكي 2/ 27، 37.

(5)

تاريخ بغداد 4/ 412، 423، طبقات الحنابلة 1/ 4، 20.

ص: 100

وعن الحسن (بن الحُسين الرازى) قال: حضرت بمصر عند بقال فسألني عن أحمد بن حنبل فقلت كتبت عنه فلم يأخذ ثمن المباع مني وقال: لا أخذ ثمنا (ممن يعرف) أحمد بن حنبل وقال: قتيبة وأبو حاتم إذا رأيتُ الرجل يحب أحمد بن حنبل فاعلم أنه صاحب سنة وأحوال أحمد بن حنبل ومناقبه، أكثر من أن تحصى وقد صنف فيه جماعة كتبا ولد رحمه الله في شهر ربيع الأول سنة أربع وستين ومائة وتوفي ضحوة يوم الجمعة الثاني عشر من شهر ربيع الأول سنة إحدى وأربعين ومائتين ودفن ببغداد وقبره مشهور معروف يزار ويتبرك به رحمه اللّه تعالى وجعل قراه الجنة فجزاه اللّه عن المسلمين خيرًا

(1)

.

1160 -

وَعَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ رضي الله عنه: عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّه قَالَ إِن الخازن الْمُسلم الأمين الَّذِي ينْقل مَا أَمر بِهِ فيعطيه كَامِلا موفرا طيبَة بهِ نَفسه فيدفعه إِلَى الَّذِي أَمر بِهِ أحد المتصدقين رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد

(2)

.

قوله: عن أبي موسى الأشعري تقدم الكلام على أبي موسى، قوله صلى الله عليه وسلم "إن الخازن المسلم الأمين الذي ينفذ ما أمر به فيعطيه كاملا موفرا طيبة به نفسه فيدفعه إلى الذي أمر به" أحد المتصدقين قال: الإمام القرطبي في شرح

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 110 - 112 الترجمة 45). لا يجوز التبرك بالقبور فإن زيارتها للتذكير بالآخرة والاستغفار للميت أمر حث عليه الشارع، أما التبرك وطلب النفع وما شابه ذلك فلا يجوز لأن ذلك لا يطلب إلا ممن يملك النفع والضر وهو اللّه سبحانه وتعالى.

(2)

البخاري (1438)، ومسلم (1023).

ص: 101

مسلم

(1)

هذه الأوصاف لا بد من اعتبارها في تحصيل أجر الصدقة للخازن فإنه لم يكن مسلما لم تصح منه نية التقرب وإن لم يكن أمينا كان عليه وزر الخيانة فكيف يحصل له أجر الصدقة وإن لم يطب بذلك نفسا لم تكن له نية فلا يؤجر.

قوله: أحد المتصدقين لم نروه إلا بالتثنية ومعناه أنه بما فعل متصدق والذي أخرج الصدقة بما أخرج متصدق آخر فهما متصدقان ويصح أن يقال على الجمع ويكون معناه أنه متصدق من جملة المتصدقين

(2)

وقال النووي

(3)

: في الرياض والمتصدقين بفتح القاف مع كسر النون على التثنية كما يقال: القَلَمُ أحَدُ اللِّسانيَن مبالغةٌ وعكسه على الجمع وكلاهما صحيح

(4)

وفي هذا الحديث تنبيه على عظم ثواب الصدقة لأنه لما أعطي ثوابها إلى الخازن فما ظنك بالمتصدق واللّه أعلم.

وقال غير القرطبي

(5)

: في قوله: أن الخازن المسلم .. إلخ الأوصاف شروط لحصول هذا الثواب أن يعتني بها ويحافظ عليها.

قال العُلماء: ويجب صرف زكاة المال إلى ثمانية أصناف إن وجدت للكتاب والسنة والقياس أما الكتاب فقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ

(1)

المفهم (9/ 37).

(2)

المفهم (9/ 38).

(3)

لم أقف عليه في المطبوع.

(4)

انظر رياض الصالحين (ص 81) والكواكب الدراري (7/ 194).

(5)

القائل هو النووي كما في شرحه على مسلم (7/ 113).

ص: 102

وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} إلى قوله: {وَابْنِ السَّبِيلِ}

(1)

قال: البغوي في تفسيره

(2)

وابن السبيل الضيف، أبناء السبيل فكل من يريد سفرا مباحًا ولم يكن له ما يقطع به المسافة يعطى من الصدقة قدر ما يقطع به تلك المسافة سواء كان له في البلد المنتقل إليه مال أو لم يكن قال: قتادة ابن السبيل الضيف وقال: فقهاء العراق ابن السبيل الحاج المنقطع واللّه أعلم.

فأضاف اللّه تعالى الصدقات إلى المذكورين في الآية بلام التمليك وعطف بعضهم على بعض بواو التشريك [فاستحقها] الجميع قال العُلماء: أجر [ذكر] العامل وإنما بدأ بالعامل لأنه المقدم في القسمة [وهو] المنصوص عليه في المختصر لكونه يأخذ عوضا وليعلم ما يفضل عنه فيرد على [بقية] المذكورة أو يحتاج إليه فيؤخذ من الزكاة في الأصح وإنما ابتدئ في الآية بالفقراء لشدة حاجتهم واللّه أعلم والعامل هو الذي استعمله الإمام على قبض الزكوات ليأخذ منها إذا استأجره بأجرة من بيت المال إن جعل له منه جعلا فلا حق له في الصدقات قاله البندنيجي ولو فرق رب المال زكاته سقط سهم العامل وقسمت الزكاة على سبعة أصناف وليس لرب المال أخذ نصيب العامل لكونه فعل وظيفة العامل قال: ومن شرط هذا العامل أن يكون حرا فقيها أي في الزكاة فيعرف ما يجب فيها وقدر النصب والواجب والمستحقين قال: أمينا أما الحرية والأمانة فلان ذلك ولاية على

(1)

سورة التوبة، الآية:60.

(2)

ينظر: تفسير البغوى (4/ 65)، وشرح السنة للبغوي (6/ 19).

ص: 103

مال الغير والعبد والفاسق ليس من أهلها وأما الفقه فلأنها ولاية من جهة الشرع تفتقر إلى الفقه فأشبهت القضاء قال: الأصحاب ويشترط أيضًا التكليف لأنها ولاية ويشترط أيضًا أن يكون ذكرًا كما جزم به في الروضة تبعًا للرافعي

(1)

، ويشترط أيضًا: الإسلام لقوله تعالى: {لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ}

(2)

وقال عمر رضي الله عنه: "لا تؤمنوهم وَقَدْ خَوَّنَهُمْ اللّهُ تَعَالَى وَلا تُقَرِّبُوهُمْ، وَقَدْ أَبْعَدَهُمْ اللّهُ - تَعَالَى"

(3)

، وهذا [إذا كان] [التفويض] عامًا أما إذا عين له الإمام شيئًا يأخذه لم يشترط قال: النووي

(4)

وفي [عدم] اشترط الإسلام نظر ولا يكون ممن حرمت عليه الصدقة من ذوي القربى [أي: إذا عمل] ليأخذ من الزكاة لقوله صلى الله عليه وسلم: للفضل بن العبَّاس وقد طلب منه أن يجعله عاملا على الصدقة "أليس في خمس الخمس ما يكفيكم ويغنيكم عن أوساخ الناس"

(5)

هذا هو الصحيح المنصوص، وقيل يجوز أن يكون منهم لأنه يأخذ أجرة فجاز كأجرة النقال والحافظ فإنها تصرف لهم وفاقًا أما إذا

(1)

لم أعثر على هذا الشرط بل كلامه الآتي يناقض اشتراط الذكورة.

(2)

سورة آل عمران، الآية:118.

(3)

سبق تخريجه. أخرجه البيهقي في السنن (10/ 127) وقال الألباني في الإرواء (2630): صحيح.

(4)

ينظر: المجموع شرح المهذب (5/ 569)، والروضة (2/ 335).

(5)

قال في البدر المنير (7/ 390) هَذَا الحَدِيث سبق أَصله بِطُولِهِ بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة، وَقد أخرجه مَعَ مُسلم أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ فَلم يذكراها، و (بيض) لَهَا الْمُنْذِرِيّ فِي تَخْرِيجه لأحاديث المهذَّب.

ص: 104

عمل متبرعًا جاز بلا خلاف قال: ابن الصباغ وكذا إذا عمل ليعطي من بيت المال

(1)

.

فرع: قال الماوردي

(2)

: يجوز أن تكون المرأة عاملا لكن يكره وعن الروياني وغيره خلافه

(3)

بقية الأصناف الذين تدفع إليهم الزكاة مذكورون في كتب الفقه فمن أراد ذلك فليطلبه من هناك واللّه أعلم.

قال العُلماء: ومن وجب عليه الزكاة جاز له أن يصرف بنفسة وادعى المحاملي فيه الإجماع

(4)

وبوكيله لأنه حق مالى فجاز التوكيل في أدائه كديون الآدميين ويجوز توكيل الكافر والصبي فيها ومن لا يعرف أنها زكاة قاله: القاضي حسين

(5)

.

(1)

انظر كفاية النبيه (6/ 138 - 142).

(2)

ينظر: الحاوي الكبير (3/ 146).

(3)

كفاية النبيه (6/ 143).

(4)

كفاية النبيه (6/ 102).

(5)

ينظر: الأم للشافعي (2/ 16) الحاوي الكبير (3/ 106) المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262) نهاية المطلب في دراية المذهب (3/ 115) البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160) فتاوى ابن الصلاح (2/ 549) فتح الوهَّاب بشرح منهج الطلاب (1/ 120) منهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه (ص: 33) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 208) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 62) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج (3/ 43) حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 3) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (3/ 3) بحر المذهب للروياني (3/ 3).

ص: 105

وفي وجه لا يوكل الصبي كالمجنون

(1)

وفي تعليق أبي الطيب أن زكاة الفطر لا تدخلها النيابة مع القدرة على دفعها بنفسه

(2)

قال: ويجوز أن يدفع إلى الإمام لأنه نائب عن المستحقين فجاز الدفع إليه كولي اليتيم قال: وفي الأفضل ثلاثة أوجه: أحدها: أنه يصرف بنفسه لأنه على ثقة من أدائه، والثاني: أن يدفع إلى الإمام أو الساعي أي وإن كان جائزا، ولأن الإمام أعرف بالمصارف والدفع إليه، يؤدي إلى انبساطها على المستحقين ويبرأ به ظاهرًا وباطنًا، والثالث: إن كان الإمام عادلا أي في الزكاة فالأفضل أن يدفع إليه؛ لتحصيل المصلحة المذكورة، وإن كان جائزا فالأفضل أن يفرق بنفسه لأنه ليس على يقين من البراءة بالدفع إليه وهذا هو الأصح، ثم محل الخلاف إذا لم يطلب الإمام الزكاة فإن طلبها وجب [دفعها] إليه قطعا بذلا للطاعة قاله في الروضة

(3)

. واللّه أعلم.

فائدة: اعلم أن نية الزكاة واجبة

(4)

ونيتها تكون بالقلب كغيرها من العبادات ويستحب أن يضم إليها التلفظ باللسان كما في غيرها من العبادات

(1)

كفاية النبيه (6/ 102 - 103).

(2)

كفاية النبيه (6/ 102).

(3)

انظر الروضة (2/ 205 - 206)، وكفاية النبيه (6/ 103 - 106).

(4)

ينظر: الشرح الكبير على متن المقنع (2/ 433) المغني لابن قدامة (2/ 427) الفروع وتصحيح الفروع (3/ 477) شرح الزركشي على مختصر الخرقي (2/ 411) المبدع في شرح المقنع (2/ 309) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف للمرداوي (3/ 3) شرح منتهى الإرادات (1/ 387) كشاف القناع عن متن الإقناع (2/ 165) بداية المجتهد ونهاية المقتصد (2/ 5).

ص: 106

فإن اقتصر على لفظ اللسان دون النية بالقلب ففي صحته خلاف الأصح أنه لا يصح ولا يجب على دافع الزكاة إذا نوى أن يقول مع ذلك هذه زكاة بل يكفيه الدفع إلى من كان من أهلها ولو تلفظ بذلك لم يضره فينوبي: هذا فرض زكاة مالي أو فرض زكاة صدقة مالي أو نحوهما ولا يكفي فرض مال وكذا الصدقة في الأصح.

فرع: تكفي نية الموكل عند الصرف إلى الوكيل في الأصح والأفضل أن ينوي الوكيل عند التفرقة أيضًا

(1)

.

فرع: أيضًا ولو دفع إلى السلطان كفته النية عنده فإن لم ينو لم يجز على الصحيح وإن نوى السلطان والأصح أنه يلزم السلطان النية إذا أخذ زكاة الممتنع وإن نيته تكفي واللّه أعلم.

فرع: يلزم الولي النية إذا أخرج مال الصبي والمجنون لأنهما ليسا أهلًا للنية فلو لم ينو لم يقع الموقع وعليه الضمان قاله ابن كج ومساق التعليل يقتضي منع إلحاق السفيه بهما لأنه من أهل النية وفي الاعتداد بنيته نظر

(2)

واللّه أعلم قاله في مختصر الكفاية.

فائدة: يستحب أن يدعى لباذل الزكاة لقوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ}

(3)

أي ادع لهم والصلاة في اللغة الدعاء ولأن فيه [ترغيبًا] في الخير وقيل إن أخذها

(1)

الروضة (2/ 209)، والمنهاج (ص 73)، والنجم الوهاج (3/ 256).

(2)

كفاية النبيه (6/ 131).

(3)

سورة التوبة، الآية:103.

ص: 107

الإمام لزمه أن يدعو له لظاهر هذا الأمر وقيل إن سأل رب المال الدعاء وجب لما روى عبد اللّه بن أبي أوفى عن أبيه قال: أتيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بصدقات قومي فقلت يا رسول اللّه صلى على فقال: "اللهم صلى على آل أبي أوفى"

(1)

والأصح الاستحباب مطلقا وجزم به جماعة لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر به معاذا حين بعثه إلى اليمن وأمر بأخذ الزكاة قال: القاضي حسين ولأنه لم ينقل أنه صلى الله عليه وسلم دعا لغير أبي أوفى وفيه نظر ففي الصحيحين عن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: "اللهم صلى على آل فلان" فأتاه أبي بصدقته فقال: "اللهم صلى على آل أبي أوفى"

(2)

.

تنبيه: قال: العُلماء فيقال: آجرك اللّه فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا لأنه لائق بالحال كذا حكاه القاضي أبو الطيب عن النص والمحكى في المختصر وأورده ابن الصباغ والغزالي وغيرهيا آجرك اللّه فيما أعطيت وجعله لك طهورا وبارك لك فيما أبقيت قال: النووي

(3)

وهو أحسن وبأي دعاء دعا إذا لاق بالحال وكان حسنا نص عليه الشافعي في الأم

(4)

وفي

(1)

مسلم (1078).

(2)

سبق تخريجه.

(3)

ينظر: المجموع شرح المهذب (5/ 569).

(4)

الأم للشافعي (2/ 16) و ينظر: حاشيتا قليوبي وعميرة (2/ 3) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج (2/ 62 البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160) فتاوى ابن الصلاح (2/ 549) فتح الوهَّاب بشرح منهج الطلاب (1/ 120) تحفة المحتاج في شرح المنهاج وحواشي الشرواني والعبادي (3/ 208) نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج =

ص: 108

قوله آجرك اللّه لغتان القصر والمد

(1)

.

فرع: هل يجوز لغير النبي صلى الله عليه وسلم أن يصلي على غير الأنبياء عليهم الصلاة والسلام؟

[الجواب]: فيه خلاف قيل لا يجوز أن يقول اللهم صلى على أبي بكر أو على علي إلا تبعًا. مثل اللهم صلى على محمد وآله وصحبه قيل إن ذلك مكروه وهو الأصح وما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مخصوص به لأن الصلاة منصبه فيجزى به من شاء وليس لغيره ذلك قيل تركه [أولي] وجعله الرافعي بها الشرح الصغير الأشبه، وقيل إن كانت بمعنى الدعاء جاز، وإن قصدت بها التعظيم والتكريم فلا لاختصاص ذلك بالأنبياء وقال بها المهذب

(2)

: يستحب أن يقال: لدافع الزكاة اللهم صلى على آل فلان للخبر، قال الجويني: السَّلام كالصلاة فيما ذكرنا قال الرافعي:

(3)

لأن اللّه تعالى جمع بينهما فقال: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}

(4)

فلا يقال: أبو بكر وعلي عليهما السلام وكذا غيرهما لا يفرد به بها حال الغيبة ولا بأس به في الخطاب

= (3/ 43) منهج الطلاب في فقه الإمام الشافعي رضي الله عنه (ص: 33) العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير (3/ 3).

(1)

انظر كفاية النبيه (6/ 66).

(2)

ينظر: المهذب في فقة الإمام الشافعي للشيرازي (1/ 262)

(3)

ينظر: الحاوي الكبير (3/ 106) البيان في مذهب الإمام الشافعي (3/ 160).

(4)

سورة الأحزاب، الآية:56.

ص: 109

فقال: للحي والميت سلام عليكم قال في الروضة

(1)

: وقوله: لا بأس به ليس بجيد بل يسن للأحياء والأموات وكأنه أراد لا منع واللّه أعلم قاله في مختصر الكفاية

(2)

.

1161 -

وَعَن أبي هُرَيْرَة رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ خير الْكسْب كسب الْعَامِل إِذا نصح، رَوَاهُ أَحْمد وَرُوَاته ثِقَات

(3)

.

قوله: وعن أبي هريرة تقدم الكلام على أبي هريرة، قوله صلى الله عليه وسلم:"خير الكسب كسب العامل إذا نصح" الحديث قال في النهاية:

(4)

العامل هو الذي يتولى أمور [الرجل في ماله] وملكه وعمله ومنه قيل للذي يستخرج الزكاة عامل والذي يأخذ العامل من الأجرة يقال: له عمالة بالضم، ومنه حديث عمر قال: لابن السعدي "خذ ما أعطيت فإني عملت على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فعملني أي أعطاني عمالتي وأجرة عملي" يقال: منه أعملته وعملته وقد يكون عملته بمعنى وليته وجعلته عاملا ا. هـ.

(تنبيه): في كتب الفقه العامل على الصدقة هو الساعي الذي يتولى قبض الزكوات من أهلها ووضعها في حقها فيعطى من مال الصدقة فقيرا

(1)

ينظر: روضة الطالبين وعمدة المفتين (2/ 286).

(2)

كفاية النبيه (6/ 66 - 68).

(3)

أحمد (8412)، والبيهقي في شعب الإيمان (1236)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (774).

(4)

النهاية في غريب الحديث والأثر (3/ 300).

ص: 110

كان أو غنيا أجر مثل عمله وَقَالَ الضَّحَّاكُ وَمُجَاهِدٌ: لَهُ الثُّمُنُ مِنَ الصَّدَقَةِ قاله البغوي

(1)

في تفسيره وتقدم الكلام على شروطه المذكورة في كتب الفقه.

1162 -

وَعَن مَسْعُود بن قبيصَة أَو قبيصَة بن مَسْعُود رضي الله عنه: قَالَ صلى هَذَا الْحَيّ من محَارب الصُّبْح فَلَمَّا صلوا قَالَ شَاب مِنْهُم سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول إِنَّه ستفتح عَلَيْكُم مَشَارِق الأَرْض وَمَغَارِبهَا وَإِن عمالها فِي النَّار إِلَّا من اتَّقى اللّه عز وجل وَأدّى الأمَانَة، رَوَاهُ أَحْمد

(2)

، وَفِي إِسْنَاده شَقِيق بن حبَان وَهُوَ مَجْهُول ومسعود لا أعرفهُ.

قوله: وعن مَسْعُودِ بْنِ قَبِيصَةَ، أَوْ قَبِيصَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، قوله:"صَلَّى هَذَا الْحَيُّ مِنْ مُحَارِبٍ الصُّبْحَ" الحي: هو اسْم لمنزل الْقَبِيلَة ثمَّ سميت الْقَبِيلَة بِهِ لِأَن بَعضهم يحيى بِبَعْض.

قوله صلى الله عليه وسلم: "ستفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها وإن عمالها في النار إلا من اتقى اللّه عز وجل وأدى الأمانة" تقدم الكلام على العمال، قوله: وَفِي إِسْنَاده شقِيق بن حبَان وَهُوَ مَجْهُول قال الحافظ: ومسعود لَا أعرفهُ.

[مسعود بن قبيصة أو قبيصة بن مسعود يروي عن أبي هريرة. روى عنه شقيق، وقال أبو حاتم: مجهول].

1163 -

وَعَن سعد بن عبَادَة رضي الله عنه: أَنَّ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ قُم على صَدَقَة بني فلَان وَانْظُر أَن تَأتي يَوْم الْقِيَامَة ببكر تحمله على عاتقك أَو كاهلك لَهُ

(1)

ينظر: شرح السنة للبغوي (5/ 472)، وتفسير البغوى (4/ 63).

(2)

أحمد (23109).

ص: 111

رُغَاء يَوْم الْقِيَامَة، قَالَ يَا رَسُول اللّه اصرفها عني فصرفها عَنهُ رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ ورواة أَحْمد ثِقَات إِلَّا أَن سعيد بن الْمسيب لم يدْرك سَعْدا

(1)

. وَرَوَاهُ الْبَزَّار أَيْضًا عَن ابْن عمر رضي الله عنهما قَالَ بعث رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم سعد بن عبَادَة فَذكر نَحوه وَرُوَاته مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح

(2)

.

الْبكر: بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف هُوَ الفتي من الْإِبِل وَالأُنْثَى بكرَة.

قوله: وعن سعد بن عبادة كنيته أبو ثابت

(3)

قيل أبو قيس سعد بن عبادة بن دليم بضم الدال المهملة وفتح اللام بن حارثة بن حرام بن خزيمة بفتح الحاء المهملة وكسر الزاي بن ثعلبة الأنصاري الخزرجي الساعدي المدني اتفقوا على أنه كان نقيب بني ساعدة وكان صاحب راية الأنصار في المشاهد كلها وكان سيدا جوادا وجيها في الأنصار ذا رياسة وسيادة وكرم وكان مشهور بالكرم وكان يحمل كلّ يوم إلى النبي صلى الله عليه وسلم جفنة مملوءة ثريدا ولحما وثريد لها ولأهله في الجود والكرم أشياء كثيرة مشهورة وليس في الصحابة من اسمه

(1)

أحمد (5/ 285)، والبزار (897)، والطبراني في الكبير (5363)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 85)، ورجاله ثقات، إلا أن سعيد بن المسيب لم ير سعد بن عبادة، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (775).

(2)

البزار (898)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 86)، ورجاله رجال الصحيح.

(3)

سير أعلام النبلاء (1/ 270) الجرح والتعديل: 4/ 88 الاستيعاب: 4/ 152، تاريخ دمشق لابن عساكر: 1/ 7/ 56، أسد الغابة: 2/ 356، تهذيب الأسماء واللغات: 1/ 212 - 213، تهذيب الكمال: 474، الإصابة: 4/ 152.

ص: 112

سعد بن عبادة غير اثنين أحدهما هذا، والثاني: سعد بن عبادة الزرقي أنصاري أيضًا وأسند سعد بن عبادة عن النبي صلى الله عليه وسلم الحديث فأخرج له الإمام أحمد بن حنبل في المسند سبعة أحاديث وليس له في الصحيح شيء، وقال: ابن سعد بإسناده عن ابن عباس أن سعد بن عبادة ماتت أمه وهو غائب عنها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في غزوة دومة الجندل وكانت في شهر ربيع الأول سنة خمسة من الهجرة فلما قدم رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المدينة أتى قبرها فصلى عليها، واسم أم سعد عمرة بنت مسعود بن قيس وكانت من المبايعات وليس فيهن من اسمها عمرة بنت مسعود غيرها فأما عمرة غير بنت مسعود فكثير، توفي رضي الله عنه سنة ست عشرة وقيل، خمس عشرة قيل أربع عشرة وقيل إحدى عشرة وهو شاذ بل غلط واتفقوا على أنه كان بأرض حوران من الشام وأجمعوا على أنه توفى بحوران [وحوران قرية من قرى الشام] قال: الحافظ أبو القاسم بن عساكر وغيره وهذا القبر المشهور في المزة القرية المعروفة بقرب دمشق يقال أنه قبر سعد بن عبادة فيحتمل أنه نقل من حوران إليها قالوا يقال: أن الجن قتلته وانشدوا فيه البيتين المشهورين

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم: لسعد بن عبادة "قم على صدقة بني فلان وانظر: أن تأتي يوم القيامة ببكر تحمله على عاتقك أو كاهلك" والبكر ضبطه الحافظ وفسره فقال: هو [الفتي] من الإبل والأنثى بكرة وقوله عاتقك أو كاهلك العاتق والكاهل معروفان [العاتق: هو من المنكب إلى اصل العنق هذا قول أبي

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 212 - 213 ترجمة 204).

ص: 113

عبيدة وقال الأصمعي هو موضع الرداء من الجانبين، والكاهل من الإنسان ما بين كتفيه وقيل موصل العنق في الصلب] والرغاء: يأتي تفسيره في الحديث بعده.

1164 -

وَعَن عبد اللّه بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه رضي الله عنه عَن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فَمَا أَخذ بعد ذَلِك فَهُوَ غلُول، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1)

.

قوله وعن عبد اللّه بن بريدة عن أبيه [هو بريدة بن الحصيب، بضم الحاء المهملة، ابن عبد اللّه بن الحرب بن الأعرج بن سعد بن رزاح الأسلمى أبو عبد اللّه، ويقال: أبو سهل، ويقال: أبو الحصيب، ويقال: أبو ساسان. سكن المدينة، ثم البصرة، ثم مرو، وتوفى بها سنة اثنتين وستين، وهو آخر من توفى من الصحابة، رضي الله عنهم، بخراسان. روى له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وأربعة وستون حديثًا، اتفق البخارى ومسلم على حديث، وانفرد البخارى بحديثين، ومسلم بأحد عشر. أسلم بريدة قبل بدر، ولم يشهدها، وقيل: أسلم بعدها. روى عنه ابناه عبد الله، وسليمان

(2)

].

قوله صلى الله عليه وسلم: "من استعملناه على عمل فرزقناه" أي من وليناه على عمل وفرضنا له شيء معلوما على ذلك.

قوله: "فما أخذ بعد ذلك فهو غلول" الحديث والغلول هو ما أخذ أحد

(1)

أبو داود (2943)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (777).

(2)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 133 ترجمة 81).

ص: 114

الغزاة خيانة ولم يحضره لأمير الجيش سواء قل أو كثر ففيه وعيد شديد وسيأتي الكلام عليه في الجهاد إن شاء اللّه تعالى مبسوطا.

1165 -

وَعَن عبَادَة بن الصَّامِت رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم بَعثه على الصَّدَقَة فَقَالَ يَا أَبَا الْوَلِيد اتَّقِ اللّه لا تَأتي يَوْم الْقِيَامَة بِبَعِير تحمله لَهُ رُغَاء أَو بقرة لَهَا خوار أَو شَاة لَهَا ثُغَاء، قَالَ يَا رَسُول اللّه إِن ذَلِك لكذلك قَالَ إِي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، قَالَ فوالذي بَعثك بِالْحَقِّ لا أعمل لَك على شَيْء أبدًا، رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير وَإِسْنَاده صَحِيح

(1)

.

الرُّغَاء: بِضَم الرَّاء وبالغين الْمُعْجَمَة وَالْمدّ صَوت الْبَعِير.

والخوار: بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة صَوت الْبَقر.

والثغاء: بِضَم الثَّاء الْمُثَلَّثَة وبالغين الْمُعْجَمَة ممدودا هُوَ صَوت الْغنم قوله: وعن عبادة بن الصامت الصحابي، هو أبو الوليد عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم بن فهر بن ثعلبة بن غنم بن سالم بن عوف بن عمرو بن عوف بن الخزرج الأنصاري الخزرجي وسالم هذا يقال: له الحبلي لعظم بطنه ويقال: للمنتسبين إليه بنو الحبلي شهد عبادة بن الصامت العقبة الأولى والثانية مع رسول اللّه وشهد بدرا وأحدا والخندق وسائر المشاهد وكان أحد النقباء ليلة العقبة كان نقيبًا على العوامل بني عمرو بن الخزرج وآخى

(1)

الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد (3/ 86)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد، رجاله رجال الصحيح، والبيهقي (4/ 158)، والحميدي (895)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (778).

ص: 115

رسول اللّه صلى الله عليه وسلم بينه وبين أبي مرشد الغنوي واستعمله النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقات وكان يعلم أهل الصفة القرآن ولما فتح الشام أرسله عمر بن الخطاب ومعاذا وأبا الدرداء ليعلموا الناس القرآن بالشام ويفقهوهم فأقام عبادة بن الصامت بحمص ومعاذا بفلسطين وأبو الدرداء بدمشق ثم صار عبادة إلى فلسطين روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مائة حديث وثمانون حديثًا اتفق البخاري ومسلم منها على ستة وانفرد البخاري بحديثين ومسلم بآخرين قال: الأوزاعي أول من ولي قضاء فلسطين عبادة وكان فاضلًا خيرا جميلا طويلا جسميا توفي ببيت المقدس وقيل بالرملة سنة أربع وثلاثين وهو ابن ثنتين وسبعين سنة وقيل توفي سنة خمس وأربعين والأول أصح وأشهر، ومناقبه كثيرة مشهورة

(1)

.

قوله صلى الله عليه وسلم "اتق اللّه يا أبا الوليد لا تأت يوم القيامة ببعير تحمله له رغاء" سيأتي الكلام على الرغاء والخوار والثغاء في حديث عدي بن عميرة الذي بعد واللّه أعلم.

1165 -

م - وَعَن عدي بن عميرَة رضي الله عنه قَالَ سَمِعت رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم يَقُول من استعملناه مِنْكُم على عمل فكتمنا مخيطا فَمَا فَوْقه كَانَ غلولا يَأْتِي بِهِ يَوْم الْقِيَامَة فَقَامَ إِلَيْهِ رجل أسود من الْأَنْصَار كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ فَقَالَ يَا رَسُول اللّه اقبل عني عَمَلك، قَالَ وَمَا لَك قَالَ سَمِعتك تَقول كَذَا وَكَذَا، قَالَ وَأَنا أَقُول الْآن من استعملناه مِنْكُم على عمل فليجئ بقليله وَكَثِيره فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخذ وَمَا نهي

(1)

تهذيب الأسماء واللغات (1/ 256 - 257 الترجمة 281).

ص: 116

عَنهُ انْتهى، رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَغَيرهمَا

(1)

.

قوله: وعن عدي بن عميرة بفتح العين وكسر الميم [وبالراء ابن فروة بن زرارة بن الأرقم بن النعمان بن عمرو بن وهب بن ربيعة الكندي الحضرمي أبو زرارة وهو والد عدي بن عدي الذي قبله وأخوه العرس بن عميرة. سكن الكوفة، ثم انتقل إلى الجزيرة وسكنها، ومات بها

(2)

].

قوله صلى الله عليه وسلم "من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلول يأتي به يوم القيامة" المخيط بكسر الميم وسكون الخاء الإبرة وفي الحديث دليل على أن قليل ما غنم وكثيره مقسوم بين من شهد الوقعة ليس لأحد أن يستبد به وإن قل إلا الطعام الذي وقعت فيه رخصة

(3)

ا. هـ.

والغلول: هو ما يأخذه أحد الغزاة مختصا به ولا يحضره لأمير الجيش

(4)

، وسيأتي الكلام على ذلك مبسوطا في الجهاد.

1166 -

وَعَن أبي حميد السَّاعِدِيّ رضي الله عنه قَالَ اسْتعْمل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد يُقَال لَهُ ابْن اللتبية على الصَّدَقَة فَلَمَّا قدم قَالَ هَذَا لكم وَهَذَا أهدي إِلَيّ، قَالَ فَقَامَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم فَحَمدَ اللّه وَأثْنى عَلَيْهِ ثمَّ قَالَ أما بعد فَإِنِّي أسْتَعْمل

(1)

مسلم (1833)، وأبو داود (3581).

(2)

انظر: الاستيعاب (3/ الترجمة 1785)، وجامع الأصول (12/ 599)، وأسد الغابة (3/ 511 - 512)، وتهذيب الكمال (19/ الترجمة 3888).

(3)

معالم السنن (2/ 291) وزاد وهذا قول الشافعي.

(4)

قاله المنذري كما في كتاب الجهاد باب الترهيب من الغلول وزاد: سواء قل أو كثر وسواء كان الآخذ أمين الجيش أو أحدهم.

ص: 117

الرجل مِنْكُم على الْعَمَل مِمَّا ولاني اللّه فَيَأْتِي فَيَقُول هَذَا لكم وَهَذَا هَدِيّه أهديت لي أَفلا جلس فِي بَيت أَبِيه وَأمه حَتَّى تَأتيه هديته إِن كانَ صَادِقًا وَاللّه لا يَأْخُذ أحد مِنكم شَيْئا بِغَيْر حَقه إِلَّا لَقِي اللّه يحملهُ يَوْم الْقِيَامَة فَلَا أَعرفن أحدا مِنْكُمْ لَقِي اللّه يحمل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء أَو بقرة لهَا خوار أَو شَاة تَيْعر ثمَّ رفع يَدَيْهِ حَتَّى رئي بَيَاض إبطَيْهِ يَقُول اللَّهُمَّ هَل بلغت، رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم وَأَبُو دَاوُد

(1)

.

اللتبية: بِضَم اللَّام وَسُكُون التَّاء الْمُثَنَّاة فَوق وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة بعْدهَا يَاء مثناة تَحت مُشَدّدَة ثمَّ هَاء تَأْنِيث نِسْبَة إِلَى حَيّ يُقَال لَهُم بَنو لتب بِضَم اللَّام وَسُكُون التَّاء وَاسم ابْن اللتبية عبد اللّه.

وَقَوله: وتيعر هُوَ بمثناة فَوق مَفْتُوحَة ثمَّ مثناة تَحت سَاكِنة ثمَّ عين مُهْملَة مَفْتُوحَة وَقد تكسر أَي تصيح واليعار صَوت الشَّاة.

قوله وعن أبي حميد الساعدي، أبو حميد اسمه عبد الرحمن، وقيل المنذر بن سعد بن المنذر، وقيل ابن سعد بن مالك، وقيل غير ذلك الأنصاري الساعدي من بني ساعدة بطن من الأنصار الخزرجي المدني توفي في خلافة معاوية روى عنه جماعة ووصف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم روي له عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ستة وعشرون حديثًا

(2)

.

(1)

البخاري (2597)، ومسلم (1832)، وأبو داود (2946).

(2)

الاستيعاب (2/ الترجمة 1420)، وتلقيح فهوم أهل الأثر (ص 161 و 266)، وجامع الأصول (12/ 588)، وأسد الغابة (3/ الترجمة 3315)، وتهذيب الأسماء واللغات (2/ 215 - 212 ترجمة 770).

ص: 118

قوله: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا من الأزد يقال: له ابن اللتبية على الصدقة الحديث والأزد بفتح الهمزة وإسكان الزاي المعجمة من أزدشنوءة، ويقال: لهم الأسد بالسين المهملة الساكنة نسبة إلى الأسد، واللتبية بإسكان التاء المتناة ومنهم من فتحها قالوا وهو خطأ ومنهم من يقول الأتبية بفتحها قالوا وهو خطأ أيضًا

(1)

قال: الحافظ الدمياطي الصَّواب الأول وهو الذي جاء في الصحيحين نسبة إلى حي يقال: لهم بنو لُتب بضم اللام وسكون التاء قاله: المنذري، وقال: في المفهم

(2)

الرِّواية المعروفة هنا بفتح التاء وقد جاء في الرِّواية الأخرى الأتبية وكلاهما صحيح الرِّواية جائز وابن اللتبية اسمه عبد اللّه قاله: المنذري.

قوله فقام رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اللوحة فحمد اللّه وأثنى عليه أي خطيبا ذكر البخاري أن هذه الخطبة كانت عشية بعد العصر.

قوله: "واللّه لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي اللّه يحمله يوم القيامة فلأعرفن أحدا منكم لقي اللّه يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر" الرغاء بضم الراء والغين المعجمة والمد هو صوت الإبل وفيه وجهان أحدهما يحمله بصورته والثاني يحمل إثمه

(3)

.

(1)

شرح النووي على مسلم (12/ 218 - 219).

(2)

المفهم (12/ 84).

(3)

كشف المشكل (2/ 168).

ص: 119

والخوار بضم الخاء صوت البقر وقد روى بالجيم والهمزة وهو رفع الصوت والإستغاثة وَالْمَشْهُورُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ. قاله: في النهاية

(1)

.

[وقوله ج:] أو شاة تيعر هو بمثناة فوق مفتوحة ثم مثناة تحت [ساكنة ثم عين مهملة] مكسورة ومفتوحة معناه تصيح [واليعار صوت الشاة] بضم الياء المثناة

(2)

ا. هـ.

الخوار: بالخاء مستعمل في الشاة والظباء والجؤار للبقر والناس ومنه قوله تعالى: {فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}

(3)

وفي حديث موسى عليه السلام له جؤار إلى اللّه أي صوت عال، ا. هـ. قاله عياض

(4)

.

[قوله ض:] ثم رفع يديه حتى رئي بياض إبطيه، الإبط ما تحت الجناح [والجمع آباط] قال الشيخ أبو عبد اللّه بن أبي جمرة في [إقليد] التقليد على المدونة صلى الله عليه وسلم استدل بعضهم على سعة الأكمام بهذا الحديث وهو قوله إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه لأن بياض الإبط لا يرى إلا مع سعة الكم وفي الأثر كانت أكمام الصحابه واسعة وإنما كانت ضيقة في الأسفار

(5)

ا. هـ.

(1)

النهاية (1/ 232).

(2)

شرح النووي على مسلم (12/ 219).

(3)

سورة النحل، الآية:53.

(4)

ينظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (3/ 506).

(5)

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 137 - 138).

ص: 120

قال شيخ الإسلام بن عبد السَّلام

(1)

في فتاويه توسعة الثياب والأكمام بدعة

(2)

وترف وتضيع للمال، وقال الشيخ محب الدين الطبري في أحكامه

(3)

: في أبواب الاستشفاء مما يعد من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أن الإبط من سائر الناس متغير بخلافه صلى الله عليه وسلم فإنه كسائر جسده

(4)

رواه أحمد والترمذي والنسائي وذكر

(1)

المصدر السابق (3/ 138).

(2)

يكره إطالة الكُم عن الحد المعتاد وهو من الإسبال: نص عليه الشافعية والحنابلة وهو قول ابن باز ابن عثيمين فعن أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ الصَّحَابِيَّةِ رضي الله عنها قَالَتْ كَانَ كُمُّ قميص رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى الرُّسْغِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: حَدِيث حَسَنٌ.

ينظر: حاشية قليوب وعميرة (1/ 351) وقال: ويحرم إفراط سعة الأكمام أو الثياب أو طولها مع الخيلاء، ويكره بغيرها. المجموع (4/ 454).

يستحب تقصير الكم لحديث أسماء بنت يزيد الصحابية رضي الله عنها قَالَتْ كان كم قميص رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن. الإقناع (1/ 91): ويحسن تطويل كم الرجل إلى رؤس أصابعه أو أكثر يسيرا وتوسيعه قصدا وقصر كم المرأة وتوسيعه من غير إفراط. فتاوى نور على الدرب (22/ 2): أما تطويل الأكمام في اليدين فإن من العُلماء من قال إن فيه الخيلاء فإن بعض الناس قد يطيل أكمامه وقد يوسعها توسيعا أكثر مما يحتاج إليه فخرا وخيلاء وتطاولا فيناله من الوعيد مثل ما نزل ثوبه وعلى كلّ حال فإن تطويل الأكمام وتوسيعها أكثر مما يحتاج إليه قد يكون داخلا في الإسراف الذي نهي اللّه عنه وقال تعالى (لا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) نعم.

(3)

لم نقف عليه.

(4)

الإعلام بفوائد عمدة الأحكام (3/ 139). قال الشيخ ابن باز في تعليقه على الفتح (2/ 295): مثل هذا التخصيص يحتاج إلى دليل، ولا أعلم في الأحاديث ما يدلّ على ما قاله المحب، فالأقرب ما قاله القرطبي، وهو: أراد الراوي أن موضع بياضهما لو لم يكن =

ص: 121

بعض الشافعية أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن تحت إبطيه شعر بل كان له بياض لحديث أنس، وقال الشيخ جمال الدين الأسنوي في المهمات: من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن له تحت إبطيه شعر، وأما غيره فله شعر أسود وفيما قاله نظر، فإنه لم يثبت في الكتب المعتمدة أنه من الخصائص قاله في شرح الأحكام

(1)

.

وفي رواية "فرفع يديه حتى رأينا عفرة إبطية"، والعفرة بضم العين المهملة وفتحها والفاء ساكنة فيهما قاله في المشارق والمطالع والأشهر ضم العين

(2)

. قال: الأصمعي

(3)

وآخرون عفرة الإبط هي البياض ليس بالناصع بل فيه شيء كلون الأرض مأخوذ من عفر الأرض بفتح العين والفاء وهو وجهها وهو ظاهر في إبطه عليه السلام لم يكن فيه شعر وقد جاء في الحديث وصفه كثيرًا قد أشار ابن ماجة إلى ذلك ا. هـ قاله في شرح الإلمام.

أما وصف الإبط بالبياض فيحتمل أنه لكونه ليس فيه شعر خلقة ويحتمل أنه لمحافظته على إزالته والأول أولى واختاره المنذري، وقد جاء في رواية عفرة إبطيه وضبطه وهي بياض غير خالص فيه قليل أحمرة، قاله ابن الصلاح

(4)

: وفي رواية: وضح إبطيه وقال المنذري: كان هذا من [جماله]صلى الله عليه وسلم

= عليه ثوب لرئي، قاله القرطبي، وهو ظاهر كثير من الأحاديث، ويحتمل أن يكون شعر إبطيه صلى الله عليه وسلم كان خفيفًا فلا يتضح للناظر من بعد سوى بياض الإِبطين، واللّه أعلم.

(1)

طرح التثريب (2/ 80 - 81).

(2)

مشارق الأنوار (2/ 97) ومطالع الأنوار (5/ 24).

(3)

غريب الحديث (2/ 142)، والغريبين (4/ 1298)، وتاج العروس (13/ 89).

(4)

شرح مشكل الوسيط (2/ 140).

ص: 122

كان هذَا من جَمَالِهِ صلى الله عليه وسلم؛ لأنّ كلَّ إِبطٍ أَسْوَد من سائر النّاس متغير؛ لأنّه مغمومٌ مِرْواحٌ متفالّ، وكان منه صلى الله عليه وسلم مُتَأرِّجًا عَطِرًا.

(1)

قاله في شرح الإلمام.

قوله يقول: "اللهم هل بلغت" معناه ما أمرت به من التحذير والإنذار وغير ذلك والمراد تحريضهم على [تحفظه] واعتنائهم به لأنه مأمور بإنذارهم واللّه أعلم

(2)

.

وفي هذا الحديث دليل واضح على أن هدايا العمال حرام وغلول لأنه خان في ولايته وأمانته وكذلك هدايا الأمراء والقضاة وكل من ولي أمر من أمور المسلمين العامة لا يجوز وإن حكمها حكم الغلول في التغليظ والتحريم لأنها أكل المال بالباطل وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث السبب في تحريم الهدية عليه وأنها سبب الولاية بخلاف الهدية لغير العامل فإنها مستحبة ويجب على العامل رد ما أخذه باسم الهدية وأنه يرده إلى مهديه فإن تعذر فإلى بيت المال كذا قال: أصحابنا قاله: النووي

(3)

ويستثنى من ذلك من كان يهدي له قبل الولاية فيباح قدر ذلك

(4)

وله تفاصيل معروفة في كتب الفقه.

(1)

قاله أيضًا القاضي ابن العربي في المسالك (3/ 309)، وفي عارضة الأحوذى (3/ 50).

(2)

شرح النووي على مسلم (6/ 201 - 202).

(3)

شرح النووي على مسلم (12/ 219).

(4)

روضة الطالبين (11/ 143).

ص: 123

تنبيه: قال ابن بطال

(1)

: لما أخذ اللّه على أنبيائه الميثاق في تبليغ دينه لأممهم وجعل العُلماء ورثة الأنبياء وجب عليهم أيضًا التبليغ والنشر حتى يظهر على جميع الأديان وكان في عصره فرض عين وأما اليوم فهو فرض كفاية لانتشار الدين وعمومه ا. هـ. وإنما كرر ذلك ثلاثا في بعض الروايات ليكون أكثر وقعا وتعظيما وحفظا في خواطرهم يعني اللّه شاهد على تبليغ حال الفرقة حتى لا ينكروا تبليغي يوم القيامة وإنما كرر هذا التقرير أيضًا موعظة للناس وحجة عليهم ا. هـ.

1167 -

وَعَن أبي مَسْعُود الْأَنْصَارِيّ رضي الله عنه قَالَ بَعَثَنِي رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم ساعيا ثمَّ قَالَ انْطلق أَبَا مَسْعُود لا ألفينك تَجِيء يَوْم الْقِيَامَة على ظهرك بعير من إبل الصَّدَقَة لَهُ رُغَاء قد غللته قَالَ فَقلت إِذا لَا أَنطلق قَالَ إِذا لا أكرهك، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(2)

.

قوله عن أبي مسعود الأنصاري اسمه [عقبة بن عمرو بن ثعلبة بن عمرو أسيرة بن عسيرة بن عطية بن جدارة بن عوف بن الحارث بن الخزرج الأنصاري، أبو مسعود البدري، صاحب النبي صلى الله عليه وسلم. وأمه سلمى بنت عامر بن عوف بن عبد اللّه، شهد العقبة مع السبعين، وكان أصغرهم قال شعبة، عن الحكم: كان أبو مسعود بدريا، وقال شعبة، عن سعد بن إبراهيم: لم يكن أبو مسعود بدريا، وقال موسى بن عقبة، عن ابن شهاب: لم يشهد بدرا، وهو قول محمد بن إسحاق، وقيل: إنه كان يسكن ماء ببدر فنسب إليه وسكن

(1)

ينظر: شرح صحيح البخاري لابن بطال (3/ 449)

(2)

أبو داود (2947)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (781).

ص: 124

الكوفة وكان من أصحاب علي، واستخلفه علي على الكوفة لما سار إلى صفين وجملة ما روى أبو مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم مائة حديث وحديثان، أخرج له منها في الصحيحين سبعة عشر حديثًا

(1)

].

قوله بعثني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم ساعيا ثم قال: "انطلق أبا مسعود لا ألفينك يوم القيامة تجييء وعلى ظهرك بعير من إبل الصدقة له رغاء قد غللته" قال إذا لا أنطلق قال "إذا لا أكرهك" وتقدم الكلام على الغلول وعلى الرغاء في الحديث قبله وفيه [أن ترك الولاية والإمارة] من الحزم والاحتياط لنفسه فامتنع من قبول الولاية مع [تشوف] النفوس إليها خوفا من الوقوع في المحذور فإن الولاية مظنة تعلق الأثام بالمتولى ألا ترى إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه: "لا تأمرن على اثنين ولا تلي مال يتيم" وروى الحاكم في المستدرك

(2)

بإسناده عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن الإمام إذا لم يعدل في حكمه لم يقبل اللّه له صلاة وغير ذلك من الأحاديث.

1168 -

وَعَن أبي رَافع رضي الله عنه قَالَ كانَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِذا صلى الْعَصْر ذهب إِلَى بني عبد الأَشْهَل فيتحدّث عِنْدهم حَتَّى ينحدر للمغرب قَالَ أَبُو رَافع فَبَيْنَمَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مسرع إِلَى الْمغرب مَرَرْنَا بِالبَقِيعِ فَقَالَ أفا لَك أفا لَك فَكبر ذَلِك فِي ذرعي فاستأخرت وظننت أَنه يُرِيدنِي فَقَالَ مَا لَك امش فَقلت أأحدّثت حَدثا قَالَ وَمَا لَك قلت أففت بِي قَالَ لَا وَلَكِن هَذَا فلَان بعثته ساعيا

(1)

كشف المشكل (2/ 197)، وتهذيب الكمال (20/ الترجمة 3984).

(2)

أخرجه ومسلم (1826)، وأبو داود (2868).

ص: 125

على بني فلَان فَغَلَّ نمرة فدرع على مثلهَا من النَّار، رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه

(1)

.

"النمرة" بِكَسْر الْمِيم كسَاء من صوف مخطط.

قوله: وعن أبي رافع أبو رافع هو مولى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم اختلف في اسمه فقيل أسلم وقيل هرمز وقيل ثابت وقيل إبراهيم وقيل صالح وكان قبطيا وهبه العبَّاس للنبي صلى الله عليه وسلم فلما بشره بإسلام العبَّاس أعتقه فيما قيل شهد أحدا والخندق وما بعدها مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم روى عن النبي صلى الله عليه وسلم عدة أحاديث وعن ابن مسعود وغيره [روى عنه ابناه عبد اللّه والحسين، والحسن، وعطاء بن يسار، وسعيد المقبري، مات بالمدينة بعد قتل عثمان [بيسير وقيل: مات في] أول خلافة علي وروى له الجماعة أيضًا ا. هـ.

قوله كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا صلى العصر ذهب إلى بني عبد الأشهل فيتحدت عندهم حتى ينحدر للمغرب .. الحديث.

بنو عبد الأشهل قبيلة من قبائل العرب معروفة [هم من الأوس، وعبد الأشهل هو ابن جشم بن الحرث بن الخزرج الأصغر بن عمرو وهو النبيت بن مالك بن أوس بن حارثة. وقال ابن دريد: زعموا أن الأشهل صنم والنسبة إليه أشهلي، منهم: أسيد بن حضير بن سماك بن عتيك بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل].

قوله: قال أبو رافع بينما النبي صلى الله عليه وسلم مسرعا إلى المغرب مررنا بالبقيع. البقيع بالباء هو مقبرة مدينة رسول اللّه صلى الله عليه وسلم المعدة لدفن الأموات قوله فكبر

(1)

النسائي (2/ 115)، وابن خزيمة (2337)، وأحمد (27192).

ص: 126

ذلك في ذرعي أي عظم عندي موقعة قوله ولكن هذا فلان بعثته ساعيا على بني فلان فضّل نمرة، النمرة: كساء من صوف مخطط.

قوله: فدرع مثلها أي جعل له درع من نار.

1169 -

وَعَن عمر بن الْخطاب صلى الله عليه وسلم: قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم إِنِّي مُمْسك بِحُجزِكُمْ عَن النَّار هَلُمَّ عَن النَّار هَلُمَّ عَن النَّار وتغلبونني تقاحمون فِيهِ تَقَاحم الْفراش أَو الجنادب فَأوشك أَن أرسل بِحُجزِكُمْ وَأَنا فَرَطكُمْ على الْحَوْض فَتَردونَ عَليّ مَعًا وأشتاتا فأعرفكم بِسِيمَاكُمْ وَأَسْمَائِكُمْ كَمَا يعرف الرجل الغريبة من الإِبِل فِي إبِله وَيذْهب بكم ذَات الشمَال وأناشد فِيكُم رب الْعَالمين فَأَقُول أَي رب قومي أَي رب أمتِي فَيَقُول يَا مُحَمَّد إِنَّك لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بعْدك إِنَّهُم كَانُوا يَمْشُونَ بعْدك الْقَهْقَرَى على أَعْقَابهم فَلَا أَعرفن أحدكُم يَوْم الْقِيَامَة يحمل شَاة لهَا ثُغَاء فينادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد بلغتك فَلَا أَعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل بَعِيرًا لَهُ رُغَاء فينادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد بلغتك فَلأ أَعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل فرسا لَهُ حَمْحَمَة فينادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأقول لا أملك لَك شَيْئا قد بلغتك فَلَا أَعرفن أحدكُم يَأْتِي يَوْم الْقِيَامَة يحمل سقاء من أَدَم يُنَادي يَا مُحَمَّد يَا مُحَمَّد فَأَقُول لا أملك لَك شَيْئا قد بلغتك، رَوَاهُ أَبُو يعلى وَالْبَزَّار إِلَّا أَنه قَالَ قشعا مَكَان سقاء وإسنادهما جيد إِن شَاءَ اللّه

(1)

.

(1)

البزار (900)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 85)، ورجال الجميع ثقات، وأخرجه ابن أبي شيبة (32336)، وابن أبي عاصم في السنة (744)، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (782). وينظر: المطالب العالية (2252).

ص: 127

الفرط: بِالتَّحْرِيكِ هُوَ الَّذِي يتَقَدَّم الْقَوْم إِلَى الْمنزل ليهئ مصالحهم.

والحجز: بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْجِيم بعدهمَا زَاي جمع حجزة بِسُكُون الْجِيم وَهُوَ معقد الإِزَار وَمَوْضِع التكة من السَّرَاوِيل.

والحمحمة: بحاءين مهملتين مفتوحتين هُوَ صَوت الْفرس وَتقدم تَفْسِير الثغاء والرغاء.

والقشع مُثَلّثَة الْقَاف وبفتح الشين الْمُعْجَمَة هُوَ هُنَا الْقرْبَة الْيَابِسَة وَقيل بَيت من أَدَم وَقيل هُوَ النطع وَهُوَ مُحْتَمل الثَّلَاثة غير أَنه بالقربة أمس.

قوله: وعن عمر بن الخطاب تقدم الكلام على عمر في حديث "إنما الأعمال بالنيات" في أوائل الكتاب مبسوطا.

قوله صلى الله عليه وسلم "إني ممسك بحجزكم عن النار" والحجز قد ضبطها الحافظ وفسرها، فقال: جمع حجزة بسكون الجيم وهو معقد الإزار وموضع التكة من السراويل. اهـ

قوله صلى الله عليه وسلم "تغلبونني تقاحمون فيه تقاحم الفراش أو الجنادب" والتقاحم: هو عبارة [عن الدخول في الشيء بغتة من غير روية].

قوله: "فأوشك" معناها أسرع.

قوله: صلى الله عليه وسلم و "وأنا فرطكم على الحوض" الفرط: فسره الحافظ رحمه اللّه تعالى فقال: هو الذي يتقدم القوم إلى المنزل ليهيئ مصالحهم فيها أ. هـ.

قوله: "فتردون علي معا وأشتاتا"[معا أي مجتمعين وأشتاتا أي متفرقين وكذلك شتى وشتات وقيل الشت مفرد والأشتات جمع].

ص: 128

قوله: "فأعرفكم بسيماكم وأسمائكم"، السيما: العلامة وتقدم الكلام على ذلك في الوضوء.

قوله: "وأنا أناشد فيكم رب العالمين" المناشدة مأخوذة من النشد وهو رفع الصوت.

قوله: "إنهم كانوا يمشون بعدك القهقري على أعقابهم" القهقري هو المشي [إلى خلف من غير أن يعيد وجهه إلى جهة مشيه. قيل: إنه من باب القهر].

قوله: "فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء" تقدم تفسير الثغاء قريبا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل بعيرا له رغاء" وتقدم أيضًا تفسير الرغاء قريبا.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا لها حمحمة" قد ضبط الحافظ الحمحمة وفسرها بصوت الفرس.

قوله صلى الله عليه وسلم: "فلا أعرفن أحدكم يوم القيامة يحمل سقاء من أدم" والأدم الجلد.

وقوله صلى الله عليه وسلم في رواية البزار

(1)

: قشعا من أدم وفسر الحافظ القشع وضبطه، وقال في النهاية:

(2)

القشع من أدم أي جلدا يابسا، وقيل نطعا وقيل أَرَادَ القِرْبة البالِيَة، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى الْخِيَانَةِ فِي الغَنيمة أَوْ غَيْرِهَا مِنَ الْأَعْمَالِ. ومنه حديث

(1)

أخرجه البزار (1/ 426/ 900) والرامهرمزي في الأمثال (21 - 22) وانظر الصحيحة (2865).

(2)

النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 65).

ص: 129

سلمة غزونا مع أبي بكر على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فنفلني جارية عليها قشع لها، قيل أراد بالقشع الفرو الخلق.

وأخرجه الزمخشري عن سلمة

(1)

وأخرجه الهروي

(2)

، عن أبي بكر قال: نفلني رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جارية عليها قشع لها ولعلهما حديثان واللّه أعلم ا. هـ. وسيأتي الكلام على غريب هذا الحديث في الجهاد في الغلول مبسوطا واللّه أعلم.

1170 -

وَعَن أنس بن مَالك رضي الله عنه. قَالَ قَالَ رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم المعتدي فِي الصَّدَقَة كمانعها، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَة وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه كلهم من رِوَايَة سعد بن سِنَان عَن أنس وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث كَرِيب وَقد تكلم أَحْمد بن حَنبل فِي سعد بن سِنَان ثمَّ قَالَ وَقَوله المعتدي فِي الصَّدَقَة كمانعها يَقُول على المعتدي من الإِثْم كمَا على الْمَانِع إِذا منع

(3)

.

قَالَ الْحَافِظ وَسعد بن سِنَان وثق كَمَا سَيَأْتِي.

قوله: وعن أنس بن مالك رضي الله عنه تقدم الكلام على أنس قوله صلى الله عليه وسلم: "المعتدي في الصدقة كمانعها" الحديث، قال الحافظ المنذري نقلًا عن الإمام أحمد بن حنبل في قوله "المعتدي في الصدقة كمانعها"

(4)

يقول: على المعتدي في الإثم كما على المانع إذا منع ا. هـ.

(1)

أخرجه مسلم (46 - 1755) عن سلمة بن الأكوع.

(2)

الغريبين (5/ 1547).

(3)

أبو داود (1585)، والترمذي (646)، وابن ماجة (1808)، وابن خزيمة (2335)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (783).

(4)

سبق تخريجه.

ص: 130

ويعني العامل الذي يأخذ في الزكاة أكثر من القدر الواجب بظلم أرباب الأموال هو في الوزر كالذي لايعطي الزكاة وقال: ابن قتيبة الإعتداء والعدوان والتعدي هو الظلم ووضع الشيء في غير موضعه فالاعتداء مجاوزة الحد فقد يكون من الساعي وقد يكون من رب المال وهذا شبه بحديثه الآخر حيث قال: لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن "إياك وكرائم أموالهم"

(1)

كأنه يمنعهم ذلك عن أدائها السنة القابلة وقد نهى عليه السلام أن تؤخذ الصدقة من حزرات أموالهم كي يجمعوا

(2)

ا. هـ.

وقيل أراد الساعي إذا أخذ خيار المال ربما منعه في السنة يكون الساعي سبب ذلك فهما في الإثم سواء

(3)

كما تقدم ذكره.

قوله: من رواية سعد بن سنان، وسعد بن سنان كندي مصري قال المنذري: تكلم فيه غير واحد من الأئمة واختلف فيه فقيل سعد بن سنان وقيل سنان بن سعد قال: البخاري والصحيح سنان بن سعد واللّه أعلم.

1171 -

وَعَن جَابر بن عتِيك رضي الله عنه أَن رَسُول اللّه صلى الله عليه وسلم قَالَ سَيَأْتِيكُمْ ركب مبغضون فَإِذا جاؤوكم فرحبوا بهم وخلوا بَينهم وَبَين مَا يَبْتَغُونَ فَإِن عدلوا فلأنفسهم وَإِن ظلمُوا فَعَلَيْهِم وأرضوهم فَإِن تَمام زَكَاتكُمْ رضاهم وليدعوا

(1)

أخرجه البخاري (2448) مسلم (19).

(2)

أخرجه الطحاوى في معانى الآثار (3067) عن عائشة. وأخرجه أيضًا (3068) والبيهقي في الكبرى (4/ 102) عن عروة مرسلًا.

(3)

النهاية (3/ 193).

ص: 131

كم، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(1)

.

قوله: وعن جابر بن عتيك هو جابر بن عتيك بن [قيس بن الأسود من بني كعب بن سلمة الأنصاري. ويقال: من بني النجار. وقال ابن عبد البر: هو جابر بن عتيك الأنصاري المعاوي، من بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس، ويقال: جبر بن عتيك. كذا قال ابن إسحاق: جبر فنسبه فقال: جبر بن عتيك بن الحارث بن قيس بن هيشة بن أمية بن زيد بن معاوية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف بن مالك الأوسي الأنصاري المعاوي. مدني شهد بدرا وجميع المشاهد بعدها، روى عنه ابناه عبد اللّه، وأبو سفيان، وابن أخيه عتيك بن الحارث بن عتيك، مات سنة إحدى وستين وله إحدى وتسعون سنة

(2)

].

قوله: "سيأتيكم ركب مبغضون فإذا جاءوكم فرحبوا بهم وخلوا بينهم وبين ما يبتغون" الحديث قال: صاحب المغيث في تفسير غريب القرءان والحديث، الركيب: تصغير ركب والركب جمع راكب كما يقال: صحب وتجر في جمع صاحب وتاجر

(3)

ا. هـ.

(1)

أبو داود (1588)، والبزار (1946)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (3/ 79)، رواه البزار ورجاله ثقات، وفي بعضهم خلاف لا يضر، وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (3197).

(2)

جامع الأصول (12/ 256)، وتهذيب الكمال (4/ الترجمة 872).

(3)

المجموع المغيث (1/ 794).

ص: 132

وقال المناوي: قال في التنقيح على المصابيح

(1)

: قال المنذري وغيره: الركب جمع راكب كصاحب وصحب، وضعفه ابن الأثير

(2)

وقال: الراكب اسم من أسماء الجموع كنفر ورهط ولهذا صغر على لفظه ولو كان جمع راكب لقالوا في تصغيره رويكبون كما يقال: صويلحون وصويحبون والركب في الأصل ركبان الإبل في السفر وهم عشرة فما فوقها واتسع فأطلق على كلّ من ركب دابة.

قوله: "مبغضون" أي يبغضونهم بحب المال وعني بهم السعاة إذا أقبلوا لطلب الزكاة، قاله: صاحب المغيث

(3)

ا. هـ.

وجعلهم صلى الله عليه وسلم مبغضين لما في نفوس أرباب الأموال من حبها وكراهة فراقها وشدة حلاوتها إلا من عصمه اللّه تعالى كمن أخلص النية.

قوله: "فرحبوا بهم" أي [: قولوا لهم: مرحبا وأهلا؛ أي: احفظوا عزتهم وتعظيمهم].

قوله: صلى الله عليه وسلم "وخلوا بينهم وبين ما يبتغون فإن عدلوا فلأنفسهم وإن ظلموا فعليهم" أي [فعلى أنفسهم] إثم الظلم.

(1)

كشف المناهج (2/ 83).

(2)

النهاية (2/ 256).

(3)

المجموع المغيث (1/ 794) وهو قول الخطابى في معالم السنن (2/ 40).

ص: 133