الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أن هذا العمل في الصلاة غير مضر بالصلاة، وقد تقدم أن الإمام أحمد قال: إذا فعل في صلاته كفعل أبي برزة فصلاته جائزة، ومتى كان يخاف من ذهاب دابته على نفسه، فحكمه حكم الخائف، فلا يبطل عمله في الصلاة لتحصيل دابته، وإن كثر".
***
170 - باب ردِّ السلام في الصلاة
923 -
. . . ابن فضيل، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله، قال: كنا نُسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلَّمنا عليه، فلم يرد علينا، وقال:"إن في الصلاة لشُغُلًا".
• حديث متفق على صحته.
أخرجه البخاري (1199 و 1216)، ومسلم (538)، وأبو عوانة (1/ 463/ 1719)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 138/ 1185)، وابن خزيمة (2/ 34/ 855)، وأحمد (1/ 376)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 418/ 4810)، وفي المسند (219)، والبزار (4/ 321/ 1507)، وأبو يعلى (9/ 118/ 5188)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (947)، والطبراني في الكبير (10/ 111/ 10126)، وابن حزم في المحلى (4/ 5)، والبيهقي في السنن (2/ 248)، وفي المعرفة (2/ 182/ 1153)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 506).
رواه عن ابن فضيل: محمد بن عبد الله بن نمير، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وأحمد بن حنبل، وأبو سعيد الأشج عبد الله بن سعيد الكندي، ويوسف بن موسى القطان، وزكريا بن عدي بن الصلت، وسهل بن عثمان، ومجاهد بن موسى [وهم ثقات، بعضهم من كبار الأئمة الحفاظ]، وغيرهم.
زاد عند مسلم وأحمد وغيرهما: فقلنا: يا رسول الله! كنا نسلم عليك في الصلاة فترد علينا؟
• تابع ابنَ فضيل عليه:
1 -
أبو عوانة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي، سلَّمنا عليه فلم يردَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله! إنا كنا نسلِّم عليك فتردَّ علينا؟ قال: "إن في الصلاة شغلًا". فقلت لإبراهيم: كيف تصنع أنت؟ قال: أردُّ في نفسي.
أخرجه البخاري (3875)، وابن خزيمة (2/ 35/ 858)، والبزار (4/ 322/ 1509).
• ورواه جرير بن عبد الحميد، عن الأعمش بقول إبراهيم مقطوعًا عليه فقط.
أخرجه ابن أبي شيبة (1/ 418/ 4807).
2 -
هريم بن سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنا نسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة فيردُّ علينا، فلما قدمنا من عند النجاشي سلِّمنا عليه فلم يردَّ، فقيل له، فقال:"إن في الصلاة شغلًا".
أخرجه البخاري (1199 م)، ومسلم (538)، وأبو عوانة (1/ 463/ 1720)، واللفظ له. والبغوي في شرح السنَّة (3/ 235/ 724)، وقال:"هذا حديث متفق على صحته".
3 -
أبو بدر شجاع بن الوليد، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله رضي الله عنه، قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فيردُّ علينا، فلما رجعنا من عند النجاشي سلَّمنا عليه فلم يردَّ علينا، فقلنا: يا رسول الله! كنت تردُّ علينا، ما لك اليوم؟ قال:"إن في الصلاة شغلًا".
أخرجه البزار (4/ 321/ 1508)، والبيهقي في السنن (2/ 248)، وفي القراءة خلف الإمام (286)، وابن عساكر في المعجم (1239).
• هكذا رواه عن الأعمش موصولًا: محمد بن فضيل، وأبو عوانة، وهريم بن سفيان، وأبو بدر شجاع بن الوليد، وهم ثقات، وفيهم من المقدَّمين في الأعمش: أبو عوانة وابن فضيل.
• خالفهم فرواه عنه مرسلًا؛ بإسقاط علقمة من الإسناد:
سفيان الثوري، وشعبة، وأبو معاوية الضرير، ويحيى بن زكريا بن أبي زائدة [وهم ثقات، متقنون لحديث الأعمش، مقدَّمون فيه على غيرهم]، والحسن بن عمارة [متروك]:
فرووه عن الأعمش، عن إبراهيم النخعي، قال: قال عبد اللّه: كنا نسلِّم على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة [قبل أن نخرج إلى النجاشي، فيردُّ علينا]، حتى رجعنا من عند النجاشي، فسلَّمنا عليه، فلم يردَّ علينا، [فذكرنا ذلك له]، وقال:"إن في الصلاة شغلًا".
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 291/ 545)، وأحمد (1/ 409)، ومحمد بن الحسن في الحجة على أهل المدينة (1/ 150 و 254)، وعبد الرزاق (2/ 335/ 3592)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ (24)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (313).
• واختلف فيه على الثوري:
فرواه عبد الرزاق عنه به هكذا.
وخالفه: محمد بن يوسف الفريابي، قال: حدثنا سفيان، عن الأعمش، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال:
…
فذكره مرفوعًا.
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (246).
وهذا إسناد صحيح غريب؛ وأخاف أن يكون ذكر أبي وائل فيه خطأ، إنما يرويه الأعمش عن إبراهيم، وإسناد عبد الرزاق هو الأشهر.
تنبيه: إثبات ذكر علقمة في تحفة الأشراف (6/ 366/ 9418 - ط. الغرب) خطأ من المزي، وإسناد النسائي بإسقاطه، والله أعلم.
• سأل ابن أبي حاتم أباه عن حديث ابن فضيل، فقال أبو حاتم:"هذا خطأ؛ إنما يرويه الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم، مرسلًا، لا يقول فيه: علقمة". [العلل (274)].
• وقال أبو الفضل ابن عمار الشهيد في علل أحاديث مسلم (14) بعد أن ذكر من رواه عن الأعمش موصولًا: "ورواه الثوري، وشعبة، وزائدة، وجرير، وأبو معاوية، وحفص، عن الأعمش عن إبراهيم عن عبد الله، ولم يذكروا: علقمة.
وهؤلاء الذين أرسلوه: أثبت وأجلُّ ممن وصله.
ورواه الحكم بن عتيبة أيضًا عن إبراهيم عن عبد الله مرسلًا أيضًا؛ إلا ما رواه أبو خالد الأحمر عن شعبة موصولًا؛ فإنه وهم فيه أبو خالد".
• قال ابن رجب في الفتح (6/ 361): "وتصرف البخاري يدل على خلاف ذلك، وأن وصله صحيح.
وكذلك مسلم في صحيحه؛ فإنه خرجه من طريق ابن فضيل وهريم بن سفيان موصولًا، كما خرجه البخاري، وله عن ابن مسعود طرق أخرى متعددة، ذكرتها مستوفاة في شرح الترمذي".
• قلت: وصله صحيح؛ لأمور:
الأول: اتفاق الشيخين على إخراج الموصول، بل وإعراضهما عن ذكر الاختلاف فيه على الأعمش، ومثل هذا لا يخفى عليهما، كيف وهما إماما علم العلل! وهذا مما يدل على صحة الموصول عندهما.
الثاني: اتفاق جماعة من أصحاب الأعمش على وصله.
الثالث: من المعلوم أن إبراهيم النخعي إذا قال: قال ابن مسعود، فهو يعني بذلك: أنه سمعه من غير واحد عن ابن مسعود [انظر: علل الترمذي الصغير (62)، طبقات ابن سعد (6/ 494)، التمهيد (1/ 37)، [وانظر: ما تقدم تحت الحديثين (613 و 637)]، وعلى هذا فليس ثمة معارضة حقيقية بين رواية الوصل والإرسال، والأعمش نفسه كان يفعل ذلك أحيانًا في أحاديث إبراهيم عن ابن مسعود.
الرابع: أن قول إبراهيم في رواية جماعة الحفاظ عن الأعمش: قال ابن مسعود، فيه دلالة على أنه سمعه من غير واحد عن ابن مسعود، كما تقدم بيانه، وفي هذا زيادة تأكيد على اتصاله، فإن في رواية ابن فضيل ومن تابعه أن إبراهيم سمعه من علقمة وحده، ففيها تعيين واحد ممن أُبهموا في رواية الآخرين، فكلا الروايتين تؤكد اتصال الأخرى، بل وتزيد عليها رواية الجماعة أن ثبت إبراهيم فيها عن ابن مسعود علقمة وغيره من أصحاب ابن مسعود الثقات، مثل: الأسود ومسروق وعبد الرحمن بن يزيد النخعي وغيرهم.
الخامس: أن حديث ابن مسعود متصل محفوظ من غير هذا الوجه، من حديث أبي وائل عن ابن مسعود، كما سيأتي في الحديث الآتي (924)، وهذا يؤكد صحة الروايتين عن الأعمش، الموصولة والمرسلة، وأن كلاهما محفوظ عنه.
السادس: أن الدارقطني لم يتتبع البخاري ومسلمًا على هذا الحديث في كتابه التتبع، مما يدل على أنه رأى صحة ما ذهب إليه الشيخان، فسكت عنه، والله أعلم.
• وقد رواه الحكم بن عتيبة واختلف عليه:
1 -
فرواه شعبة عنه، واختلف عليه:
أ- فرواه موصولًا: أبو خالد سليمان بن حيان الأحمر [صدوق، ليس بذاك الحافظ]، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، علقمة، عن عبد الله، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:"إن في الصلاة شغلًا".
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 290/ 543)، وفي الرابع من الإغراب (127)، والبزار (4/ 307/ 1487)، والطبراني في الكبير (10/ 111/ 10127)، وابن المظفر في غرائب شعبة (66)، والدارقطني في الأفراد (2/ 27/ 3799 - أطرافه)، والقضاعي في مسند الشهاب (1158).
قال النسائي في الإغراب: "هذا غير محفوظ"، وقال في السنن:"خالفه بشر بن المفضل"؛ يعني: فأرسله.
وقال البزار: "وهذا الحديث قد رواه غير أبي خالد، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله".
وقال الدارقطني: "تفرد به: أبو خالد الأحمر، عن شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم".
وقال أبو الفضل ابن عمار الشهيد في علل أحاديث مسلم (14): "ورواه الحكم بن عتيبة أيضًا عن إبراهيم عن عبد الله مرسلًا أيضًا؛ إلا ما رواه أبو خالد الأحمر عن شعبة موصولًا؛ فإنه وهم فيه أبو خالد".
ب- وخالفه فارسله: بشر بن المفضل [ثقة ثبت]، ومحمد بن جعفر [غندر: أثبت الناس في شعبة، وأطولهم له صحبة]:
قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الرجل يسلَّم عليه وهو يصلي، قال:"إن في الصلاة شغلًا".
أخرجه النسائي في الكبرى (1/ 290/ 544)، والبزار (4/ 308/ 1488).
وهذا هو المحفوظ عن شعبة؛ أخطأ أبو خالد بوصله.
وهكذا رواه النسائي في السنن الكبرى مرسلًا، إلا أن صنيع المزي في التحفة (6/ 363/ 9412 - ط. الغرب) يشير إلى اتصاله بذكر علقمة فيه، وهو خطأ، والصواب ما في السنن.
ودليل ذلك أن النسائي لما أخرج رواية أبي خالد الأحمر الموصولة في السنن أتبعها بقوله: "خالفه بشر بن المفضل"؛ يعني: فأرسله.
ولما أخرجها في الإغراب، أتبعها بقوله:"هذا غير محفوظ"؛ يعني: أنه لم يتابع عليه، وجزم بتفرد أبي خالد به: البزار وابن عمار والدارقطني، بل إنه قد خولف فيه،
خالفه من هو أحفظ منه، وأكثر عددًا، وهما: غندر وبشر بن المفضل، فأرسلاه، وهو المحفوظ.
2 -
ورواه ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود؛ أنه خرج إلى أرض الحبشة، والناس يسلم بعضهم على بعض في الصلاة، فلما رجع عبد الله سلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد، فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله، سلمتُ عليك فلم تردَّ عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن في الصلاة لشغلًا".
أخرجه الطبراني في الكبير (10/ 111/ 10125).
قلت: محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى: صدوق، سيئ الحفظ جدًّا، وقد وهم في إسناده ومتنه.
• وعليه؛ فإن المحفوظ عن الحكم بن عتيبة في هذا الحديث: هو ما رواه غندر وبشر بن المفضل، قالا: حدثنا شعبة، عن الحكم، عن إبراهيم، عن عبد الله، عن النبي صلى الله عليه وسلم، في الرجل يسلَّم عليه وهو يصلي، قال:"إن في الصلاة شغلًا".
ورواية الحكم بن عتيبة هذه [وهو: ثقة ثبت] لا تُعلُّ رواية الأعمش الموصولة، وإنما يقال فيها مثل ما قيل في رواية الأعمش المرسلة، والله أعلم.
• وهذا الحديث رواه أيضًا: عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة المسعودي [وعنه: أبو داود الطيالسي، وهو ممن روى عنه بعد الاختلاط. الكواكب النيرات (35)، شرح العلل (2/ 747)]، وأبو حنيفة [النعمان بن ثابت: ضعيف]:
عن حماد [هو: ابن أبي سليمان، وقد تُكُلِّم في رواية حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم. انظر: التهذيب (1/ 483)]، عن إبراهيم، قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قدمتُ من الحبشة وعهدي بهم وهم يسلِّمون في الصلاة، ويقضون الحاجة، فأتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمتُ عليه وهو يصلي، فلم يردَّ عليّ، فلما قضى صلاته قال:"إن الله يحدث للنبي من أمره ما يشاء، وقد أحدث لكم أن لا تتكلموا في الصلاة، وأما أنت أيها المسَلِّم، فالسلام عليك ورحمة الله،. لفظ المسعودي، وفي رواية أبي حنيفة: "إن في الصلاة شغلًا عن ردِّ السلام"، فلم يرد السلام من يومئذٍ.
أخرجه أبو يوسف في الآثار (122 و 124)، والطحاوي (1/ 455).
قلت: هو حديث منكر بلفظيه، والمعروف في متنه ما رواه الأعمش والحكم بن عتيبة عن إبراهيم، ولفظ المسعودي إنما يُعرف من حديث عاصم بن بهدلة عن أبي وائل، وهو الحديث الآتي، فيكون قد دخل للمسعودي حديث في حديث، والله أعلم.
• ورواه محمد بن أبان بن صالح [القرشي الجعفي الكوفي، وهو: ضعيف. انظر: اللسان (6/ 488) وغيره]، عن حماد، عن إبراهيم النخعي؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يردون السلام
…
الحديث، هكذا مرسلًا، لم يذكر ابن مسعود.
أخرجه محمد بن الحسن الشيباني في الحجة على أهل المدينة (1/ 147 و 254).
• وانظر في الأوهام؛ ما أخرجه: عبد الرزاق (2/ 335/ 3591)، والطبراني في الكبير (10/ 110/ 10124).
***
924 -
قال أبو داود: حدثنا موسى بن إسماعيل: حدثنا أبان: حدثنا عاصم، عن أبي وائل، عن عبد الله، قال: كنا نُسلِّم في الصلاة، ونأمر بحاجتنا، فقدِمتُ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلَّمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ السلامَ، فأخذني ما قَدُم وما حَدُث، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ قال:"إن الله عز وجل يُحْدِثُ من أمره ما يشاء، وإن الله تعالى قد أحدث أن لا تكَلَّموا في الصلاة"، فردَّ عليَّ السلام.
• حديث صحيح، دون زيادة رد السلام في آخره.
أخرجه من طريق أبي داود: ابن حزم في المحلى (4/ 2)، والبيهقي في السنن (2/ 260)، وفي المعرفة (2/ 107/ 1020).
• ولم ينفرد به أبان بن يزيد العطار [وهو ثقة] عن عاصم؛ فقد تابعه:
1 -
سفيان بن عيينة، قال: حدثنا عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل، عن ابن مسعود، قال: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة فيردُّ علينا [إذا كنا بمكة] قبل أن نأتي أرض الحبشة، فلما رجعنا من عند النجاشي، أتيته وهو يصلي فسلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ السلام، فأخذني ما قرُب وما بعُد، فجلست أنتظره، فلما قضى الصلاة، قلت: يا رسول الله! سلمتُ عليك وأنت تصلي فلم تردَّ عليَّ السلام، فقال:"إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وقد أحدث [من أمره] أن لا نتكلم في الصلاة".
وفي رواية الحميدي والشافعي عن سفيان: "إن الله [قد] يحدث من أمره ما يشاء، وإنه مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 19/ 1221)، وفي الكبرى (1/ 299/ 564) و (2/ 45/ 1145)، وابن حبان (6/ 15/ 2243) و (6/ 17/ 2244)، وأحمد (1/ 377)، والشافعي في الأم (2/ 279/ 258)، وفي اختلاف الحديث (10/ 225/ 263 - أم)، وفي السنن (62)، وفي المسند (183)، وعبد الرزاق (2/ 335/ 3594)، والحميدي (94)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في الناسخ والمنسوخ (24)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 418/ 4803)، وفي المسند (177)، وأبو يعلى (8/ 384/ 4971)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (942)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 229/ 1564)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 452)، وفي أحكام القرآن (400)، والطبراني في الكبير (10/ 110/ 10122)، والبيهقي في السنن (2/ 356)، وفي المعرفة (2/ 107/ 1019) و (2/ 181/ 1152)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 505)، وفي التمهيد (1/ 354)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 234/ 723)، والحازمي في الاعتبار (76).
وعلقه البخاري في أواخر كتابه الجامع الصحيح بصيغة الجزم، فقال: وقال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلَّموا في الصلاة"، وذلك في كتاب التوحيد، قبل الحديث رقم (7522).
وقال ابن المنذر في موضع آخر (3/ 249): "ثبت عن عبد الله بن مسعود، قال:
…
"، فذكره بلفظ ابن عيينة.
رواه عن ابن عيينة من أصحابه الثقات: الحميدي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو خيثمة زهير بن حرب، وعبد الرزاق، وأبو بكر بن أبي شيبة، وإبراهيم بن بشار الرمادي، والحسين بن حريث المروزي، وسعيد بن الحكم بن أبي مريم، ومحمد بن الصباح الجرجرائي.
• هذا هو المحفوظ عن ابن عيينة، وانظر فيمن وهم فيه عليه: ما أخرجه الطبراني في الصغير (527)، وانظر: الفتح لابن رجب (6/ 362).
قال سفيان: "هذا أجود ما وجدنا عند عاصم في هذا الوجه"[مسند الحميدي. الاستذكار].
2 و 3 - زائدة بن قدامة [ثقة ثبت]، وأبو الأشهب جعفر بن الحارث الواسطي [صدوق، كثير الخطأ]:
عن عاصم، عن شقيق، عن عبد الله، قال: كنا نتكلم في الصلاة، ويسلم بعضنا على بعض، ويومئ أحدُنا بالحاجة، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمتُ عليه وهو يصلي، فلم يردَّ عليَّ، فأخذني ما قدُم وما حدُث، فلما صلى قال:"إن الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء، وإنه قد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة".
وفي رواية عن زائدة: فردَّ عليَّ [وهي زيادة شاذة؛ تفرد بها: حسين بن علي الجعفي، وهو ثقة، وقد رواه عن زائدة بدونها أصحابه الثقات، مثل: عبد الرحمن بن مهدي، ومعاوية بن عمرو الأزدي، وعمرو بن مرزوق].
أخرجه أحمد (1/ 435)(2/ 958/ 4228 - ط. المكنز)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (944 و 945)[وسقط من إسناده عاصم، وهو خطأ من النساخ]، والطبراني في الكبير (10/ 109/ 10121) و (10/ 110/ 10123)، والبيهقي في السنن (2/ 248)، وفي القراءة خلف الإمام (287).
4 -
شعبة، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائل، يحدث عن عبد الله، قال: كنا نتكلم في الصلاة، [وفي رواية: كنا نسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيرد علينا، فلما قدمت من الحبشة]، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ، فأخذني ما قدُم وما حدُث، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله يحدث لنبيه ما شاء -قال شعبة: وأحسبه قد قال: مما شاء-، وإن مما أحدث لنبيه صلى الله عليه وسلم أن لا تكلموا في الصلاة". وفي رواية: "إن الله عز وجل يحدث لنبيه من أمره ما شاء، وإن مما أحدث ألا تكلموا في الصلاة".
أخرجه أحمد (1/ 463)، والطيالسي (1/ 198/ 242)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (943)، والهيثم بن كليب الشاشي (2/ 84/ 604) و (2/ 85/ 605)[وفي إسناد الموضع الثاني وهم]، والطبراني في الكبير (10/ 109/ 10120)، وأبو الشيخ في ذكر الأقران (330)، والبيهقي في السنن (2/ 248)، وفي الأسماء والصفات (2/ 34)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 505).
رواه عن شعبة: غندر محمد بن جعفر، وأبو داود الطيالسي، وعمرو بن مرزوق، ويزيد بن هارون، ومحمد بن إسحاق.
5 -
حماد بن سلمة [وعنه: مؤمَّل بن إسماعيل، وهو: صدوق، كثير الغلط، كان سيئ الحفظ]، قال: ثنا عاصم، عن أبي وائل، قال: قال عبد الله: كنا نتكلم في الصلاة، ونأمر بالحاجة، ونقول: السلام على الله، وعلى جبريل [جبرائيل]، وعلى ميكائيل، وكلِّ عبدٍ صالح نعلم [يُعلمُ] اسمه في السماء والأرض، فقدمت على النبي صلى الله عليه وسلم من الحبشة وهو يصلي، فسلمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ، فأخذني ما قدُم وما حدُث، فلما قضى صلاته قلت: يا رسول الله! نزل فيَّ شيء؟ قال: "لا، ولكن الله عز وجل يحدث من أمره ما يشاء".
أخرجه الطحاوي في شرح المعاني (1/ 451 و 455)، وفي أحكام القرآن (399).
قلت: دخل لمؤمل بن إسماعيل حديث في حديث، فإن أوله في ذكر السلام على الله وعلى الملائكة إنما يُعرف من حديث أبي وائل عن ابن مسعود في التحيات [انظر: البخاري (831 و 835 و 1202 و 6230 و 6265 و 6328 و 7381)، ومسلم (402)، وسيأتي عند أبي داود برقم (968 و 969)، وسبق تخريجه مجملًا في الذكر والدعاء برقم (103)].
وعليه: فإن زيادة السلام على الله وعلى الملائكة: زيادة منكرة من حديث عاصم عن أبي وائل، والله أعلم.
• خالفهم جماعة، منهم:
1 -
أبو بكر بن عياش [صدوق]، فرواه عن عاصم، عن المسيب بن رافع، عن عبد الله، قال: كنا نتكلم في الصلاة يسلم بعضنا على بعض، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله عز وجل يحدث من أمره ما شاء، وقد أحدث أن لا تكلموا في الصلاة".
وفي رواية: فجاء القرآن: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (13/ 345/ 15581)، وفي تهذيب الآثار (367 - الجزء المفقود)، والطبراني في الكبير (10/ 112/ 10130).
قال ابن رجب في الفتح (6/ 364): "وهذا الإسناد منقطع؛ فإن المسيب لم يلق ابن مسعود".
قلت: وهو كما قال؛ منقطع؛ فإن المسيب بن رافع لم يلق ابن مسعود [المراسيل (207)، جامع التحصيل (280)، تحفة التحصيل (304)].
ثم هو شاذ بهذا الإسناد والمتن؛ والمحفوظ فيه عن عاصم بن بهدلة: هو ما رواه عنه جماعة الحفاظ السابق ذكرهم، والله أعلم.
2 -
أبو اليقظان [عثمان بن عمير الكوفي الأعمى: ضعفوه، وهو: منكر الحديث، قاله أحمد والبخاري وأبو حاتم. انظر: التهذيب (3/ 75)، الميزان (3/ 50)، إكمال مغلطاي (9/ 177)]، فرواه عن عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود،
…
فذكر الحديث وقرنه بحديث التحيات في سياق واحد، كما أنه اشتمل على زيادة منكرة، حيث قال في آخره: فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم ردَّ عليه، وقال: إنها نزلت: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204].
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (716).
قلت: هو حديث منكر؛ وأبو اليقظان هذا وإن كان حفظ إسناده؛ إلا أنه أتى في متنه بما ليس منه.
3 -
الحكم بن ظهير، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله، قال: كنا نتكلم في الصلاة، فسلمتُ على النبي صلى الله عليه وسلم فلم يردَّ عليَّ، فلما انصرف قال:"قد أحدث الله أن لا تكلموا في الصلاة"، ونزلت هذه الآية:{وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 232/ 5523).
قلت: وهذا باطل سندًا ومتنًا؛ آفته الحكم بن ظهير، وهو: متروك، منكر الحديث، اتهمه ابن معين وصالح جزرة [التهذيب (1/ 464)].
• وقد وهَّم ابنُ عبد البر عاصمًا في بعض ألفاظ هذا الحديث، وتبعه على ذلك ابن التركماني في الجوهر النقي، وليس الأمر كذلك، فإن حديث عاصم موافق في معناه لما رواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة.
[وانظر: صحيح ابن حبان (6/ 19)، المحلى (4/ 5)، مجموع فتاوى ابن تيمية (21/ 148)، نصب الراية (2/ 69)، السيرة النبوية لابن كثير (2/ 59)، البداية والنهاية (3/ 92)، الفتح لابن رجب (6/ 364)، البدر المنير (4/ 173)، الفتح لابن حجر (3/ 74)].
وهما حديثان مختلفان في المخرج؛ وقد اتفقا في مجمل سياق القصة؛ إلا أنهما اختلفا في اللفظ المرفوع بما لا يرجع على معناهما أو أحدهما بالتناقض؛ فحديث الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن ابن مسعود لفظه:"إن في الصلاة شغلًا"، وحديث عاصم، عن أبي وائل، عن ابن مسعود لفظه:"إن الله بحدث من أمره ما يشاء، وإن مما أحدث أن لا تكلموا في الصلاة"؛ فابن مسعود قد حدث علقمة بالقصة وجزء من المرفوع، وحدث أبا وائل بالقصة وجزء من المرفوع، وقد توبع كل منهما على روايته، والله أعلم.
• والحاصل: فإن حديث ابن مسعود من طريق عاصم عن أبي وائل عنه: حديث صحيح، صححه ابن حبان، وثبته ابن المنذر [الأوسط (3/ 249)]، واحتج به أبو داود والنسائي، وعلقه البخاري في صحيحه جازمًا به، وقال عنه ابن عبد الهادي في التنقيح
(2/ 302/ 900)، وابن الملقن في البدر المنير (4/ 173):"هذا حديث صحيح"، وقد صححه أيضًا أو حسنه جمع من العلماء، منهم: ابن حزم، والنووي، وابن تيمية، والذهبي، وابن حجر [المحلى (4/ 133)، خلاصة الأحكام (1645)، المجموع شرح المهذب (4/ 115)، العقيدة الأصفهانية (68)، تاريخ الإسلام (13/ 450)، فتح الباري لابن حجر (13/ 439)].
وقد دل مجموع روايات حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم [الآتي عند أبي داود برقم (949)] وكلام جماعة من المحققين من العلماء: أن نسخ الكلام في الصلاة إنما كان بعد الهجرة إلى المدينة وقبل غزوة بدر، وهو وقت الرجوع الثاني لابن مسعود من الحبشة بعد أن كان قد هاجر إليها ثانية، والله أعلم.
• قال البغوي في شرح السنَّة: "قوله: فأخذني ما قرُب وما بعُد، ويُروى: ما قدُم وما حدُث؛ تقول العرب هذه اللفظة للرجل إذا أقلقه الشيء وأزعجه وغمه، وتقول أيضًا: أخذه المقيم والمقعد، كأنه يهتم لما نأى من أمره ولما دنا، قال الخطابي: معناه: الحزن والكآبة، يريد: أنه قد عاوده قديم الأحزان، واتصل بحديثها". [انظر: معالم السنن (1/ 189)].
• ولحديث ابن مسعود طرق أخرى، منها:
1 -
إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: خرجت في حاجةٍ، ونحن يسلِّم بعضنا على بعض في الصلاة، ثم رجعت فسلمت، فلم يَرُدَّ عليَّ، وقال:"إن في الصلاة شغلًا".
أخرجه الطحاوي (1/ 455)، والطبراني في الكبير (10/ 112/ 10131).
وهذا إسناد صحيح، وإسرائيل ثبت في جده أبي إسحاق.
تقدم ذكره تحت الحديث رقم (829).
2 -
يونس بن أبي إسحاق، عن أبيه أبي إسحاق السبيعي، عن أبي الأحوص، عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لقوم كانوا يقرؤون القرآن فيجهرون به [وفي رواية: كان الناس يجهرون بالقراءة خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم][وفي رواية: كنا نقرأ خلف النبي صلى الله عليه وسلم، فقال]: "خلطتم عليَّ القرآن"، وكنا نسلِّم في الصلاة، فقيل لنا:"إن في الصلاة لشغلًا".
وهذا إسناد قريب، تقدم ذكره والكلام عليه تحت الحديث رقم (829).
3 -
محمد بن فضيل، وأسباط بن محمد، وعبثر بن القاسم، وزهير بن معاوية [وهم ثقات]:
حدثنا مطرف بن طريف [ثقة]، عن أبي الجهم [سليمان بن الجهم: ثقة، من الثالثة]، عن أبي الرضراض [قال عبثر وزهير: عن الرضراض]، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت أسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصلاة، فيرد عليَّ، فلما كان ذات يوم سلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ، فوجدت في نفسي، فلما فرغ، قلت: يا رسول الله! إني إذا كنت سلمت عليك في الصلاة رددتَ عليَّ؟ قال: فقال: "إن الله عز وجل يحدث في أمره ما يشاء".
أخرجه أحمد (1/ 409 و 415)، وأبو يعلى (9/ 119/ 5189)، والطحاوي (1/ 455)، والطبراني في الكبير (10/ 112/ 10129) و (10/ 224/ 10545).
• خالفهم: أبو كدينة يحيى بن المهلب [ثقة. التهذيب (4/ 393)، سؤالات أبي داود (412)]، فرواه عن مطرف، عن أبي الجهم، عن الرضراض، قال: حدثني قيس بن ثعلبة، عن ابن مسعود به.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 340 - 341)، وذكره الدارقطني في العلل (5/ 236/ 845).
قال البخاري في ترجمته: "رضراض: سمع قيس بن ثعلبة عن عبد الله"، ثم ذكر من أسنده من هذا الوجه، ثم قال:"قال بعضهم: من بني قيس بن ثعلبة".
قال ابن أبي حاتم في بيان خطأ البخاري في تاريخه (153): "وإنما هو: رضراض عن عبد الله".
وقال الدارقطني في العلل (5/ 235/ 845)(2/ 435/ 845 - ط. الريان): "رواه محمد بن فضيل وأسباط بن محمد وجرير بن عبد الحميد وغيرهم، عن مطرف، عن أبي الجهم سليمان بن الجهم، عن الرضراض، عن عبد الله بن مسعود.
ورواه أبو كدينة يحيى بن المهلب، عن مطرف، عن أبي الجهم، عن الرضراض، قال: حدثني قيس بن ثعلبة، عن ابن مسعود.
وذكر علي بن المديني هذا الحديث في المسند، فقال: كنت أحسبه متصلًا، حتى رأيت أبا كدينة رواه عن مطرف، فأدخل بين الرضراض وبين ابن مسعود رجلًا، يقال له: قيس بن ثعلبة، وقيس هذا: غير معروف.
وهذا القول: وهمٌ من أبي كدينة، والصحيح: قول من قال: عن الرضراض عن ابن مسعود، وبيَّنَ أبو حمزة السكري في روايته عن مطرف لهذا الحديث، فقال: عن أبي الجهم، عن الرضراض رجل من بني قيس بن ثعلبة، عن ابن مسعود.
والقول: قول أبي حمزة بمتابعة من قدمت ذكرهم عن مطرف. [وانظر: تاريخ بغداد (12/ 38)، تاريخ دمشق (43/ 103)].
قلت: وعليه؛ فالإسناد فيه ضعف؛ لأجل الرضراض بن أسعد، فإنه لم يرو عنه سوى أبي الجهم، ولا يُعرف له سماع من ابن مسعود، وهو قليل الرواية جدًّا، وذكره ابن حبان في الثقات، على قاعدته في توثيق المجاهيل [طبقات ابن سعد (6/ 203)، التاريخ الكبير (3/ 340)، الجرح والتعديل (3/ 521)، الثقات (6/ 312)، الإكمال للحسيني (260)، اللسان (3/ 474)].
فهو إسناد صالح في المتابعات، والله أعلم.
4 -
سفيان الثوري [وعنه: يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية، والقاسم بن يزيد الجرمي، والقاسم بن الحكم العرني، وهم ثقات في الجملة]، وعنبسة بن سعيد بن
الضريس [قاضي الري: كوفي، ثقة، والإسناد إليه ضعيف؛ فيه: محمد بن حميد الرازي، وهو: حافظ ضعيف، كثير المناكير]:
عن الزبير بن عدي [ثقة]، عن كلثوم [بن المصطلق]، عن عبد الله بن مسعود، قال: كنت آتي النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فأسلم عليه فيردَّ عليَّ، فأتيته فسلمتُ عليه وهو يصلي فلم يردَّ عليَّ، فلما سلم أشار إلى القوم، فقال:"إن الله عز وجل -يعني:- أحدث في الصلاة أن لا تكلموا إلا بذكر الله، وما ينبغي لكم [من تسبيح وتمجيد]، وأن تقوموا لله قانتين".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 19/ 1220)، وفي الكبرى (1/ 298/ 563) و (2/ 45/ 1144)، وابن جرير الطبري في تفسيره (5/ 233/ 5526)، والبيهقي في القراءة خلف الإمام (288 و 289)، وابن عبد البر في الاستذكار (1/ 506)، وفي التمهيد (1/ 355)، والحازمي في الاعتبار (74 و 77).
قال ابن عبد البر: "وهذا حديث مستقيم صحيح، في معنى حديث زيد بن أرقم، ليس فيه ما يخالفه".
وقال البيهقي: "وهذا حديث قد رواه محمد بن إسحاق بن خزيمة الإمام رحمه الله
…
، واحتج به، وقال: فهذا الخبر يبيِّن ويوضح أن المصلين إنما زُجروا عن الكلام في الصلاة إلا بذكر الله وما ينبغي للمصلي، والقراءةُ فيها مما ينبغي للمصلي أن يقرأ فيها".
قلت: إسناده صحيح؛ كلثوم بن المصطلق: سمع ابن مسعود، وروى عنه جماعة من الثقات، واحتج به النسائي وابن خزيمة، وصحح له ابن عبد البر، وذكره ابن حبان في ثقات التابعين، ولا تصح له صحبة، وحديثه مستقيم [التاريخ الكبير (7/ 226)، الجرح والتعديل (7/ 163)، الثقات (5/ 335)، الإصابة (5/ 618 و 667)، التهذيب (3/ 473)].
5 -
محمد بن الصلت أبو يعلى التَّوَّزي [صدوق]: نا عبد الله بن رجاء المكي، عن هشام بن حسان، عن محمد بن سيرين، عن أبي هريرة، عن عبد الله بن مسعود، قال: لما قدمتُ من الحبشة أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمتُ عليه، فأشار إليَّ [وفي رواية: فأومأ برأسه].
زاد في رواية: "إن الله تبارك وتعالى يحدث في الليل والنهار ما يشاء"، ولم يذكر الإيماء، بل صرح بعدم الرد، ورواه بنحو رواية عاصم عن أبي وائل.
أخرجه البزار (4/ 269/ 1438)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (948)، وابن الأعرابي في المعجم (308 و 329)، والطبراني في الكبير (10/ 12/ 9783)، وفي الأوسط (6/ 99/ 5918)، وفي الصغير (2/ 93/ 842)، وأبو بكر الإسماعيلي في معجم شيوخه (1/ 502)، والبيهقي (2/ 260).
قال أبو عبد الله محمد بن معدان القطيعي [ثقة، وهو أحد رواة الحديث عن التوزي]: "فذكرته لعلي بن المديني، فأنكره، وقال: ليس فيه أبو هريرة".
وقال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي هريرة عن ابن مسعود إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد.
ولا نعلم رواه إلا أبو يعلى عن عبد الله بن رجاء بهذا الإسناد موصَّلًا.
وقد رُوي عن ابن سيرين عن عبد الله بن مسعود؛ كان يسلِّم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الصلاة، بنحو هذا مرسلًا.
ولا نعلم روى أبو هريرة عن عبد الله إلا هذا الحديث".
وقال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن أبي هريرة عن ابن مسعود؛ إلا محمد بن سيرين، ولا عن ابن سيرين إلا هشام، ولا عن هشام إلا ابن رجاء، تفرد به: أبو يعلى التوزي".
وقال البيهقي: "تفرد به أبو يعلى محمد بن الصلت التوزي".
قلت: هو حديث منكر؛ وهِم فيه أبو يعلى التوَّزي.
• وقد رواه مكي بن إبراهيم [ثقة ثبت]: ثنا هشام، عن محمد، قال: أنبئت أن ابن مسعود قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم حين قدمتُ عليه من الحبشة أسلّمُ عليه، فوجدنه قائمًا يصلي، فسلمتُ عليه، فأومأ برأسه.
أخرجه البيهقي (2/ 260)، بإسناد صحيح إلى مكي به.
قال البيهقي: "هذا هو المحفوظ؛ مرسل".
قلت: وقد رواه جماعة من أثبت أصحاب ابن سيرين، عن ابن سيرين، عن ابن مسعود مرسلًا، منهم: أيوب السختياني، وعبد الله بن عون، ويزيد بن إبراهيم التستري، وعاصم بن سليمان الأحول.
• أخرج هذه الطرق مع غيرها مما لا يخلو من مقال: أبو داود في المراسيل (49)، وعبد الرزاق (2/ 334 و 335/ 3589 - 3591 و 3593)، وابن أبي شيبة (1/ 419/ 4819)، وابن الأعرابي في المعجم (13)، والطبراني في الكبير (101/ 111/ 10128)، وابن شاهين في الناسخ (249)، والبيهقي (2/ 260).
***
925 -
قال أبو داود: حدثنا يزيد بن خالد بن موهب، وقتيبة بن سعيد، أن الليث حدثهم، عن بكير، عن نابلٍ صاحبِ العَباء، عن ابن عمر، عن صهيب؛ أنه قال: مررتُ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسَلَّمتُ عليه، فردَّ إشارةً، قال: ولا أعلمه إلا قال: إشارةً بأصبعه.
وهذا لفظ حديث قتيبة.
• حديث حسن.
• أخرجه من طريق يزيد بن خالد بن موهب:
ابن حبان (6/ 34/ 2259).
• وأخرجه من طريق قتيبة بن سعيد:
الترمذي في الجامع (367)، وفي العلل (120)، والنسائي في المجتبى (3/ 5/ 1186)،
وفي الكبرى (2/ 33/ 1110)، وابن حزم في المحلى (3/ 80)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 46/ 416).
• تابعهما فرواه عن الليث بن سعد به:
أبو الوليد الطيالسي هشام بن عبد الملك، وشعيب بن الليث بن سعد، وحجاج بن محمد، وأبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد المقرئ، ويحيى بن عبد الله بن بكير، ويحيى بن حسان التنيسي، وعبد الله بن عبد الحكم، وعيسى بن حماد زغبة، وغيرهم.
• هكذا رواه عشرة من ثقات أصحاب الليث، عن الليث بن سعد، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن نابل صاحب العباء، عن ابن عمر، عن صهيب.
وفي رواية أبي الوليد: قال ليث: أحسبه قال: بأصبعه، وفي رواية المقرئ وابن بكير ويحيى بن حسان وزغبة: لا أعلم إلا أنه قال: وأشار بأصبعه، ورواه حجاج وشعيب بمثل رواية قتيبة.
وفي رواية لأبي الوليد الطيالسي: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى قُبا، فأتاه ناسٌ فجعلوا يسلِّمون عليه وهو يصلي، فيردُّ عليهم إشارةً [عند البزار]، وأخشى أن تكون شاذة.
أخرجه الدارمي (1/ 364/ 1361)، وابن الجارود (216)، والضياء في المختارة (8/ 57 و 58/ 48 - 50)، وأحمد (4/ 332)، والشافعي في السنن (60)، والبزار (6/ 7/ 2083)، وأبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 284/ 341)، والطحاوي (1/ 454)، والهيثم بن كليب الشاشي في مسنده (2/ 383/ 984)، وابن قانع في المعجم (2/ 18)، والطبراني في الكبير (8/ 30/ 7293)، وأبو الشيخ في أحاديث بكر بن بكار (42)، وابن شاهين في الناسخ (213)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1497/ 3806)، والبيهقي في السنن (2/ 258)، وفي المعرفة (2/ 111/ 1032)، وفي الشعب (6/ 513/ 9104).
قال الترمذي في الجامع بعد حديث بلال الآتي برقم (927): "هذا حديث حسن صحيح، وحديث صهيب: حسن، لا نعرفه إلا من حديث الليث عن بكير.
وقد روي عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه في مسجد بني عمرو بن عوف؟ قال: كان يرد إشارة.
وكلا الحديثين عندي صحيح؛ لأن قصة حديث صهيب غير قصة حديث بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما، فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعًا".
وقال في العلل: "وكلا الحديثين صحيح، ورواه زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن بلال".
وحكى أبو علي الطوسي كلام الترمذي في الجامع؛ إلا أنه قال في أوله: "وحديث صهيب: حديث حسن صحيح، لا نعرفه إلا من وجه الليث بن سعد وابن لهيعة".
وقال يعقوب بن شيبة: "هو صالح الإسناد"[الفتح لابن رجب (6/ 419)].
وقال البزار: "وهذا الحديث رواه غير نابل عن ابن عمر عن بلال، وقال نابل: عن
ابن عمر عن صهيب، ونابل: لم يرو عنه إلا بكير"، قلت: قد روى عنه اثنان، ووثقه النسائي، وذكره ابن حبان في الثقات، كما سيأتي بيانه.
وقال ابن الجارود: "وقال ابن عيينة: عن زيد بن أسلم عن ابن عمر عن صهيب رضي الله عنه".
وقال الجوزقاني: "هذا حديث حسن، رواه زيد بن أسلم عن ابن عمر".
• قلت: نابل صاحب العباء، ويقال: صاحب الشِّمال، جمع شملة: سمع ابن عمر وأبا هريرة، وروى عنه اثنان، وقال النسائي مرة:"ثقة"، وقال أخرى:"ليس بالمشهور"، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره مسلم في الطبقة الأولى من تابعي أهل المدينة، وقال ابن المديني ويعقوب بن شيبة:"هو مديني ليس بالمشهور"، وقال البرقاني في سؤالاته للدارقطني:"قلت له: نابل صاحب العباء عن ابن عمر، هو ثقة؟ فأشار أن: لا"، فتعقبه العراقي في ذيل الميزان بذكر من وثقه، ولم يورده الذهبي في الميزان، وقال في الكاشف:"ثقة"[التاريخ الكبير (8/ 131)، الطبقات لمسلم (849)، الجرح والتعديل (8/ 507)، الثقات (5/ 483)، سؤالات البرقاني (523)، الفتح لابن رجب (6/ 419)، تحفة الأشراف (4/ 54/ 4966)، الكاشف (2/ 313)، ذيل الميزان (712)، التهذيب (4/ 203)][وانظر أيضًا: بغية الباحث (1054)، عمل اليوم والليلة لابن السني (10)، تاريخ بغداد (9/ 239 - ط. الغرب)، [وانظر أيضًا: جذوة المقتبس (128)].
قلت: وهذا هو الأقرب، فإن وصفه بكونه ليس مشهورًا لا يعارض توثيقه، فإن العبرة باستقامة حديث الراوي، ولا يضره بعد ذلك جهالته، وهو هنا كذلك، فإنه لم يرو شيئًا منكرًا، ولم ينفرد بالحديث، وإنما توبع عليه، وعليه فإن توثيق النسائي مقدَّم على نفي الدارقطني؛ فإن نفي توثيقه يمكن حمله على أن نابلًا ليس عنده في درجة الثقات الذين يحتج بهم على انفرادهم، وإنما هو في درجة أنزل من ذلك، فمثله بحاجة إلى شاهد عدل يدل على صدقه فيما روى، لا سيما مع قلة روايته، وهذا ما يدل عليه النقل الثاني الذي نقله لنا البرقاني عن الدارقطني في الثالث من سؤالاته (650/ 23) حيث قال:"قلت لأبي الحسن: نابل صاحب العباء، ثقة؟ فأشار بفيه؛ يعني: لا، ثم قال: وأيش له؟ إنما هو هذا الحديث؛ يعني: عن ابن عمر عن صهيب: مررت برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، قلت له: أيش له غير ذلك؟ قال: وحكاية أخرى لا"؛ يعني: أنه قليل الرواية جدًّا.
فإذا وجدنا ما يشهد لصدقه وثقناه، وهو هنا كذلك، ولهذا المعنى فقد صحح حديثه الترمذي، وابن حبان، وابن الجارود، والضياء، وحسنه الجوزقاني، وقال يعقوب بن شيبة:"صالح الإسناد"، واحتج به أبو داود والنسائي، والله أعلم.
• ولم ينفرد به نابل عن ابن عمر؛ فقد تابعه عليه زيد بن أسلم:
رواه سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: سألتُ صهيبًا: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع حيث كان يُسَلَّمُ عليه؟ قال: كان يشير بيده.
وفي رواية: عن عبد الله بن عمر: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد بني عمرو بن عوف -مسجد قباء- يصلي فيه، فدخلت عليه رجال الأنصار يسلِّمون عليه، ودخل معه صهيب، فسألت صهيبًا: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سُلِّم عليه [في الصلاة]؟ قال: [كان] يشير بيده.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 5/ 1187)، وفي الكبرى (2/ 34/ 1111)، وابن ماجه (1017)، والدارمي (1/ 364/ 1362)، وابن خزيمة (2/ 49/ 888)، وابن حبان (6/ 33/ 2258)، والحاكم (3/ 11)، والضياء في المختارة (8/ 62 و 64/ 55 و 58)، وأحمد (2/ 10)، والشافعي في المسند (49)، وعبد الرزاق (2/ 336/ 3597)، والحميدي (1/ 235/ 148)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 418/ 4811) و (7/ 325/ 36531)، وفي المسند (478)، وابن شبة في أخبار المدينة (138)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 219/ 286)، وأبو يعلى (10/ 11/ 5638) و (10/ 15/ 5643)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 249/ 1591)، والطبراني في الكبير (8/ 30/ 7291)، والبيهقي في السنن (2/ 259)، وفي المعرفة (2/ 111/ 1031)، وفي الشعب (6/ 512/ 9103)، وابن عبد البر في التمهيد (1/ 36)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (19/ 275).
رواه عن ابن عيينة به هكذا فجعله من مسند صهيب: الحميدي، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وعبد الرزاق بن همام، وأبو بكر بن أبي شيبة، وأبو خيثمة زهير بن حرب، ومحمد بن منصور بن ثابت الجواز المكي، وعلي بن محمد الطنافسي، ويحيى بن حسان التنيسي، وعبد الجبار بن العلاء، وعلي بن خشرم، ومحمد بن الصباح الدولابي، وإسحاق بن إسماعيل الأيلي، وأبو عمار الحسين بن حريث المروزي، وإبراهيم بن بشار الرمادي [وهم ثقات، وفيهم أثبت أصحاب ابن عيينة]، وغيرهم.
• لكن رواه البزار في مسنده (4/ 195/ 1354)، قال: وحدثناه أحمد بن عبدة [هو الضبي، وهو: ثقة]، قال: أنا سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحوه.
وأحال لفظه على حديث هشام بن سعد عن نافع عن ابن عمر عن بلال [وهو الحديث الآتي برقم (927)]، وحديث ابن عيينة عن زيد بن أسلم عن ابن عمر؛ إنما هو عن صهيب، وليس عن بلال، وأخشى أن يكون الوهم فيه من البزار نفسه، والله أعلم.
• وقع في آخر رواية أحمد بن حنبل: قال سفيان: قلت لرجلِ سلْ زيدًا أسمعتَه من عبد الله؟ وهبتُ أنا أن أسأله، فقال: يا أبا أسامة! سمعتَه من عبد الله بن عمر؟ قال: أما أنا فقد رأيتُه فكلمتُه.
وفي رواية الحميدي: فقال سفيان: فقلت لرجل: سله، أنتَ سمعتَه من ابن عمر؟ فقال: يا أبا أسامة! أسمعتَه من ابن عمر؟ قال: أما أنا قد كلمتُه وكلمني، ولم يقل زيد: سمعته [منه]، وزادها أيضًا: إسحاق بن إسماعيل الأيلي، وغيرهم.
لكن وقع في رواية عبد الجبار: قال سفيان: قلت لزيد: سمعت هذا من ابن عمر؟ قال: نعم [عند ابن خزيمة]، ورواية هذين الأمامين الجليلين -أحمد والحميدي- بمتابعة الأيلي هي الأشبه بالصواب.
وقد اعتمد البيهقي على رواية الحميدي في وصف هذه الرواية بالإرسال.
وقال ابن عبد البر: "جواب زيد هذا جواب حيدة عما سئل عنه، وفيه دليل -والله أعلم- على أنه لم يسمع هذا الحديث من ابن عمر، ولو سمعه منه لأجاب بأنه سمعه، ولم يجب بأنه رآه، وليست الرؤية دليلًا على صحة السماع، وقد صح سماعه من ابن عمر لأحاديث".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 420): "وممن قال: لم يسمعه من ابن عمر: ابن المديني ويعقوب بن شيبة".
قلت: زيد بن أسلم: قيل بأنه لم يسمع من ابن عمر سوى حديثين [تحفة التحصيل (117)]، والأقرب عندي إطلاق السماع، فقد أطلقه البخاري في التاريخ الكبير (3/ 387)، وقال:"سمع ابن عمر"، هكذا بدون قيد، وأخرج له في الصحيح حديثين عن ابن عمر [(5146 و 5783)].
إلا أنه في هذا الحديث على وجه الخصوص، رواه زيد بصيغة تدل على عدم سماعه، فإن كثيرًا ممن رواه عن ابن عيينة قال في روايته: عن زيد بن أسلم، قال: قال ابن عمر؛ ثم لما سئل زيد: هل سمع هذا الحديث من ابن عمر؟ فلم يجب بجواب صريح يدل على السماع، وإنما حاد عن الجواب وأشكل الأمر على السائل، ولو كان سمعه منه لقال: نعم سمعته، ولصدح بالجواب صريحًا من غير حيدة، فلما لم يقل ذلك علمنا أن هذا الحديث لم يسمعه زيد من ابن عمر.
ومع ذلك فإن إسناد هذا الحديث إسناد قوي رجاله أئمة، إلا أن زيدًا لم يسمعه من ابن عمر؛ ففي سنده انقطاع، ومثله صالح في المتابعات، وبهذه المتابعة يقوى الظن بثبوت الحديث عن ابن عمر عن صهيب؛ إلا أن رواي حديث نابل شك في المشار به، وقال: أشار بأصبعه، ولم يشك رواي حديث زيد، فقال: يشير بيده.
وقد احتج به الأثرم على مشروعية رد السلام بالإشارة في الصلاة [ناسخ الحديث ومنسوخه (39)].
• تابع ابن عيينة عليه:
1 -
روح بن القاسم، فرواه عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد قباء، فكان يصلي، وجعل الناس يدخلون فيسلِّمون عليه، فلما خرج صهيب سألته: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرد عليهم؟ فقال: بيده هكذا، وأشار بها.
أخرجه الطبراني في الكبير (8/ 30/ 7292)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (8/ 63/ 56 و 57).
من طريقين ثابتين عن يزيد بن زريع، قال: ثنا روح بن القاسم به.
• لكن رواه البزار في مسنده (4/ 195/ 1355)، قال: وحدثنا يوسف بن واضح [ثقة]، قال: نا الحسن بن حبيب، قال: نا روح بن القاسم، عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن بلال، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بنحو حديث هشام بن سعد عن نافع [وهو الحديث الآتي برقم (927)].
قلت: والأول أشبه بالصواب، أنه من حديث صهيب، لا من حديث بلال، وذلك من وجهين: الأول؛ لكونه الموافق لرواية ابن عيينة، وهو ثقة حافظ، والثاني: لأن يزيد بن زريع أثبت بكثير من الحسن بن حبيب بن ندبة، وهو: لا بأس به، بينما يزيد بن زريع: ثقة ثبت، حافظ متقن، إليه المنتهى في التثبت بالبصرة، ولا يقال: إن هذا الاختلاف من روح نفسه؛ فإن روحًا: ثقة حافظ، والله أعلم.
2 -
ورواه سويد بن سعيد [وهو: صدوق في نفسه؛ إلا أنه تغير بعدما عمي، وصار يتلقن، فضعِّف بسبب ذلك]، قال: حدثنا حفص بن ميسرة [أبو عمر العقيلي: لا بأس به، في حديثه بعض الوهم، وهو صنعاني، سكن عسقلان]، عن زيد بن أسلم، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ أنه كان انطلق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسجد قباء فصلى فيه، قال: فجعلت الأنصار يأتون وهو يصلي فيسلمون عليه، فخرج عليَّ صهيبٌ، فقلت: يا صهيب! كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ على من سلَّم؟ قال: يشير بيده.
أخرجه ابن شبة في أخبار المدينة (137)، عن سويد به.
قلت: وهذا إسناد لا بأس به في المتابعات.
• خالف هؤلاء في إسناده:
1 -
محمد بن عجلان، فرواه عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري؛ أن رجلًا سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فردَّ عليه بإشارةٍ، وقال [وفي رواية: فلما سلم قال]: "كنا نردُّ السلام في الصلاة، فنهينا عن ذلك".
أخرجه البزار (1/ 268/ 554 - كشف الأستار)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 451 و 454)، وفي أحكام القرآن (408)، والطبراني في الأوسط (8/ 278/ 8631).
كلهم من طريق: عبد الله بن صالح، قال: حدثني الليث بن سعد، حدثني محمد بن عجلان به.
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن ابن عجلان إلا الليث".
وأعله ابن رجب في الفتح (6/ 420) برواية الجماعة عن زيد بن أسلم، وبأن ابن عجلان ليس بذاك الحافظ.
قلت: إسناده غريب، أبو صالح عبد الله بن صالح المصري، كاتب الليث بن سعد: صدوق كثير الغلط، كانت فيه غفلة، وابن عجلان: ليس بذاك الحافظ، وقد وهم على زيد بن أسلم في إسناد هذا الحديث ومتنه، والمحفوظ فيه:
• ما رواه سفيان بن عيينة، وروح بن القاسم، وحفص بن ميسرة:
عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مسجد بني عمرو بن عوف -مسجد قباء- يصلي فيه، فدخلت عليه رجال الأنصار يسلِّمون عليه، ودخل معه صهيب، فسألت صهيبًا: كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع إذا سُلِّم عليه [في الصلاة]؟ قال: [كان] يشير بيده.
***
926 -
. . . زهير: حدثنا أبو الزبير، عن جابر، قال: أرسلني نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره، فكلَّمته، فقال لي بيده هكذا، ثم كلمته، فقال لي بيده هكذا، وأنا أسمعه يقرأ ويومئُ برأسه، قال: فلما فرغ، قال:"ما فعلتَ في الذي أرسلتُك؟ فإنه لم يمنعني أن أكلِّمَك إلا أني كنتُ أصلي".
• حديث صحيح.
أخرجه مسلم (540/ 37)، وأبو عوانة (1/ 464/ 1726)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 139/ 1188)، وابن خزيمة (2/ 49/ 889)، وأحمد (3/ 312 و 338)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (2642)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (33)، والبيهقي في السنن (2/ 258).
رواه عن زهير بن معاوية: أحمد بن يونس، وعبد الله بن محمد النفيلي، وهاشم بن القاسم، وحسن بن موسى، والحسن بن سوار البغوي [وهم ثقات]، وخلاد بن يزيد الجعفي [ضعيف].
وقال غير النفيلي والبغوي والجعفي: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منطلق إلى بني المصطلق، وقال الجماعة: وهو يصلي على بعيره، وشذ عنهم: خلاد بن يزيد الجعفي، فقال: وهو على حمار له، وهي رواية منكرة، تفرد بها الجعفي على ضعفه.
وفي رواية مسلم فسر الإشارة بقوله: فأومأ زهير أيضًا بيده نحو الأرض.
• وله طرق أخرى عن أبي الزبير؛ فقد رواه:
1 -
الليث بن سعد، عن أبي الزبير، عن جابر، أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني لحاجة، ثم أدركته وهو يسير [وفي رواية: وهو يصلي]، فسلمتُ عليه، فأشار إليَّ، فلما فرغ دعاني، فقال:"إنك سلَّمت [عليَّ] آنفًا وأنا أصلي"، وهو موجّه حينئذ قِبَل المشرق.
أخرجه مسلم (540/ 36)، وأبو عوانة (1/ 464/ 1723)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 139/ 1187)، والنسائي في المجتبى (3/ 6/ 1189)، وفي الكبرى (1/ 290/ 542) و (2/ 35/ 1113)، وابن ماجه (1018)، وابن حبان (6/ 262/ 2516)، وأحمد (3/ 334)، والشافعي في السنن (61)، وأبو العباس السراج في مسنده (1500)،
وفي حديثه بانتقاء الشحامي (949 و 1981)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (33)، والبيهقي في السنن (2/ 258)، وفي المعرفة (2/ 111/ 1033)، والجوزقاني في الأباطيل والمناكير (2/ 45/ 414)، وقال:"حديث صحيح".
2 -
سفيان الثوري، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ، فجئتُ وهو يصلي، فسلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ السلام.
وفي رواية: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ، قال: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع.
وفي رواية أتم: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى حاجةٍ، فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق، وهو يومئ إيماءً، السجود أخفض من الركوع، فسلمتُ عليه فلم يردَّ، فلما انصرف قال:"إني كنتُ أصلي؛ فما فعلتَ في حاجة كذا وكذا".
وفي رواية أتم: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم لحاجةٍ، فجئت وهو يسير [وفي رواية: وهو يصلي] على راحلته، ووجهه من قبل المشرق، وهو يومئ إيماء [السجود أخفض من الركوع]، فكلمته [وفي رواية: فسلمت عليه، فلم يردَّ عليَّ، فلما انصرف قال:" [ما فعلتَ في حاجة كذا كذا]؛ إني كنتُ أصلي".
أخرجه أبو داود (1227)، والترمذي (351)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام"(2/ 256/ 327)، وأبو عوانة (1/ 464/ 1721 و 1722) و (2/ 74/ 2366 و 2367)، وأحمد (3/ 332 و 379 و 388 - 389)، وعبد الرزاق (2/ 576/ 4522)، وابن أبي شيبة (1/ 418/ 4804)(3/ 532 - 533/ 4839 - ط. عوامة) و (2/ 236/ 8507)، وأبو العباس السراج في مسنده (1501 و 1503)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (973 و 1982 و 1984)، والبيهقي في السنن (2/ 5 و 258)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 77)، والبغوي في شرح السُّنة (4/ 189/ 1038).
رواه عن الثوري: وكيع بن الجراح، ومحمد بن يوسف الفريابي، وأبو أحمد الزبيري، وعبد الرزاق بن همام، والحسين بن حفص الأصبهاني، ومخلد بن يزيد الحراني، ويحيى بن آدم، ويزيد بن هارون، ومعاوية بن هشام، وعبد الله بن الوليد العدني، وأبو إسحاق الفزاري إبراهيم بن محمد.
قال الترمذي: "حديث جابر: حديث حسن صحيح، وروي من غير وجه عن جابر".
قلت: وهو كما قال؛ حديث صحيح.
• تنبيه: وقع في التحفة (2/ 345/ 2944 - ط. المكتب الإسلامي)(2/ 459/ 2944 - ط. الغرب): "مسعر بن كدام الهلالي الكوفي، عن أبي الزبير، عن جابر:
(د) حديث: أرسلني النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني المصطلق، فأتيته وهو يصلي على بعيره
…
الحديث.
(د): في الصلاة، عن عثمان بن أبي شيبة، عن وكيع، عنه به".
ولم يتعقبه ابن حجر في النكت الظراف، وحديث الثوري يرويه أبو داود بهذا الإسناد، ولم أقف عليه عند أحد من المصنفين من طريق مسعر؛ فالله أعلم.
3 -
عمرو بن الحارث، عن أبي الزبير مولى حكيم بن حزام، عن جابر بن عبد الله أنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، فبعثني مبعثًا، فأتيته وهو يسير، فسلَّمتُ عليه، فأومأ بيده، ثم سلَّمتُ فأشار ولم يكلِّمني، فناداني بعدُ، وقال:"إني كنت أصلي نافلة".
وفي رواية عن عمرو بن الحارث، قال: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: بعثني النبي صلى الله عليه وسلم فأتيته وهو يسير مشرِّقًا أو مغرِّبًا، فسلمتُ عليه، فأشار بيده، ثم سلمتُ عليه، فأشار بيده، فانصرفتُ، فناداني:"يا جابر"، فناداني الناس: يا جابر، فأتيته فقلت: يا رسول الله! إني سلَّمتُ عليك فلم تردَّ عليَّ، قال:"إني كنت أصلي".
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 6/ 1190)، وفي الكبرى (2/ 35/ 1114)، وابن حبان (6/ 263/ 2518) و (6/ 264/ 2519).
قال النسائي في الكبرى: "زعموا أنه ليس هذا الحديث بمصر من حديث عمرو بن الحارث".
قلت: قد رواه عن عمرو بن الحارث: عبد الله بن وهب، ومحمد بن شعيب بن شابور، فاشتهر بذلك الحديث عن عمرو بن الحارث في مصر وخارجها، وصح عنه.
وهو حديث صحيح.
4 -
ابن جريج، قال: أخبرني أبو الزبير، أنه سمع جابر بن عبد الله، يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو على راحلته النوافل في كل جهة، ولكنه يخفض السجود [وفي رواية: السجدتين] من الركعة، ويومئ إيماءً.
أخرجه ابن خزيمة (2/ 253/ 1270)، وابن حبان (6/ 266 و 267/ 2523 - 2525)، وابن الجارود (228)، وأحمد (3/ 296 و 380)، والشافعي في الأم (1/ 97)، وفي المسند (24 و 235)، وعبد الرزاق (2/ 576/ 4521)، وابن نصر المروزي في السنة (363)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2073 و 2074)، وابن المنذر في الأوسط (5/ 248/ 2803)، والبيهقي في السنن (2/ 5)، وفي المعرفة (1/ 487/ 665).
وهو حديث صحيح، وقد ثبت فيه سماع أبي الزبير من جابر.
5 -
هشام بن أبي عبد الله الدستوائي، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ له، فرجعتُ إليه وهو على راحلته، فسلمتُ عليه، فلم يرد عليَّ، ورأيته يركع ويسجد، فتنحيتُ عنه، ثم قال لي:"ما صنعتَ في حاجتك؟ " فقلت: صنعتُ كذا وكذا، فقال:"أما إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك إلا أني كنت أصلي".
أخرجه أحمد (3/ 351)، وأبو يعلى (4/ 161/ 2230)، وأبو العباس السراج في مسنده (1502)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (974 و 1983)، والطحاوي (1/ 456)، والدارقطني (1/ 396 - 397)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 139/ 1188)، وفي مسند أبي حنيفة (33).
وهو حديث صحيح.
6 -
زكريا بن إسحاق [مكي ثقة]، قال: ثنا أبو الزبير، عن جابر،
…
بنحو حديث الدستوائي، وزاد في آخره: فلما قضى صلاته ناداني فردَّ عليَّ السلام، وقال:"إني كنت أصلي".
أخرجه أبو يعلى (4/ 161/ 2230)، وأبو العباس السراج في مسنده (1502)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (974 و 1983).
وهو حديث صحيح.
7 -
يزيد بن إبراهيم التستري [ثقة ثبت]، قال: حدثنا أبو الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه لبعض حاجته، قال: فجاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي على راحلته، قال: فسلم عليه فسكت، فسلم عليه فسكت، فسلم عليه فسكت، ثلاث مرات، قال: فقال له لما فرغ: "أما إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك إلا أني كنت أصلي"، قال: فصلى حيث توجهت به راحلته.
وفي رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثه إلى حاجة له، فجاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فسلَّم عليه، فلم يردَّ عليه، وأومأ بيده، فلما سلَّم، قال:"إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك إلا أني كنت أصلي".
أخرجه أحمد (3/ 363)، والطحاوي (1/ 456)، والبيهقي في السنن (2/ 258).
وهو حديث صحيح.
8 -
إبراهيم بن طهمان [ثقة]، عن أبي الزبير، عن جابر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته تطوعًا، يومئ برأسه حيثما توجهت به.
أخرجه أبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (2075).
وهو حديث صحيح.
9 -
زياد بن سعد [ثقة ثبت]، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: بعثني رسول الله في حاجة، فجئت وهو يصلي، فأشار إليَّ: ما صنعتَ؟ وأشار زياد بيده يحركها.
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (212)، والخطيب في تاريخ بغداد (14/ 24).
من طريق: أصرم بن حوشب [كذاب خبيث، يضع الحديث على الثقات. اللسان (2/ 210)]، قال: حدثنا أبو عبد الرحمن زياد بن سعد به.
فلا يثبت عن زياد بن سعد.
10 -
بكر بن وائل [التيمي الكوفي: صدوق]، عن أبي الزبير، عن جابر، قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على راحلته يومئ برأسه -قال أبو الزبير: السجدة أخفض من الركعة-، وقد سلَّمت عليه فلم يرد عليَّ السلام، ثم قال:"إنما منعني أن أكون رددت عليك السلام أني كنت أصلي".
أخرجه ابن أخي ميمي الدقاق في فوائده (446).
قال: حدثنا عبد الله بن سليمان [هو: أبو بكر بن أبي داود السجستاني: ثقة حافظ]، قال: حدثنا أبو بجير المحاربي [محمد بن جابر بن بجير: كوفي ثقة]، قال: حدثنا يحيى بن يعلى [هو: ابن الحارث المحاربي: كوفي ثقة]، عن أبيه [كوفي ثقة]، عن بكر به.
قلت: فهو إسناد كوفي جيد غريب.
• وتابعهم أيضًا: أبو حنيفة [النعمان بن ثابت، وهو: ضعيف]، وعبد الله بن عامر الأسلمي [ضعفوه. التهذيب (2/ 364)، الميزان (2/ 449)]، عن أبي الزبير، عن جابر به.
أخرجه علي بن حجر في حديثه عن إسماعيل بن جعفر (444)، وأبو نعيم في مسند أبي حنيفة (33).
• وانظر إسنادًا آخر لا يخلو من مقال، وفيه موضع الشاهد:
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 92/ 5895).
• ترجم النسائي لحديث جابر ومعه حديث صهيب وعمار بقوله: "باب رد السلام بالإشارة في الصلاة"، مما يدل على أنه حمل الإشارة في حديث جابر على رد السلام.
وترجم له أبو عوانة بقوله: "وإباحة رد السلام إشارةً بيده".
وقد احتج به الأثرم على مشروعية رد السلام بالإشارة في الصلاة [ناسخ الحديث ومنسوخه (39)].
وقال البيهقي في تفسير قوله: "فلم يردَّ عليَّ"، قال:"وإنما أراد: لم يردَّ عليَّ كلامًا، وردَّ عليَّ إشارةً، وبالله التوفيق، وقد جمعهما يزيد بن إبراهيم في الرواية"، وكان قد ترجم لحديث جابر بقوله:"باب الإشارة برد السلام".
وقال الباجي في المنتقى (1/ 299): "السلام على المصلي جائز. والأصل في ذلك: ما روي عن جابر قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم أدركته وهو يصلي، فسلمتُ عليه، فأشار إليَّ، فلما فرغ دعاني، فقال: "إنك سلمتَ عليَّ آنفًا وأنا أصلي".
فوجه الدليل منه: أنه سلم عليه في الصلاة فلم ينكر عليه، وإنما أظهر المانع له من ردِّ السلام عليه نطقًا" [وهذا النص اقتبسه ابن العربي في كتابه المسالك في شرح موطأ مالك (3/ 185)، ولم يعزه للباجي].
وقال أبو العباس القرطبي في المفهم (2/ 148): "حديث جابر هذا حجة لمالك، ولمن قال بقوله: على جواز ردِّ المصلي السلامَ بالإشارة، وعلى جواز ابتداء السلام على المصلي، وعلى أن العمل القليل في الصلاة لا يفسدها، وعلى منع الكلام في الصلاة،
…
".
واحتج ابن القيم في الزاد (1/ 266) بحديث جابر هذا [بلفظ مسلم] على رد السلام بالإشارة، فقال:"وكان يردُّ السلام بالإشارة على من يسلِّم عليه وهو في الصلاة".
وقال ابن حجر في الفتح (3/ 87): "في رواية مسلم المذكورة: فقال لي بيده هكذا،
وفي رواية له أخرى: فأشار إليَّ، فيحمل قوله في حديث الباب: فلم يردَّ عليَّ؛ أي باللفظ، وكأن جابرًا لم يعرف أولًا أن المراد بالإشارة الردَّ عليه، فلذلك قال: فوقع في قلبي ما الله أعلم به؛ أي: من الحزن".
وانظر أيضًا: إكمال المعلم للقاضي عياض (2/ 470)، التوضيح لشرح الجامع الصحيح لابن الملقن (9/ 315).
• هكذا ذهب هؤلاء المحققين من العلماء إلى أن إشارة النبي صلى الله عليه وسلم لجابر إنما كانت ردًّا للسلام، وأن قوله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك:"إنه لم يمنعني أن أردَّ عليك إلا أني كنت أصلي" بيان للمانع من ردِّ السلام بالكلام، مثل قوله في حديث ابن مسعود:"إن في الصلاة لشغلًا"، ويؤكد هذا المعنى روايةُ مسلم:"فإنه لم يمنعني أن أكلِّمَك إلا أني كنت أصلي".
لكن ذهب ابن رجب إلى خلاف ذلك، وهو معنى متبادر أيضًا من فحوى القصة والنص، قال ابن رجب في الفتح (6/ 418):"ويحتمل أنه إنما أشار إليه ليكف عن كلامه حينئذ، لم يكن ردًّا للسلام؛ ولهذا قال جابر: فلم يردَّ عليَّ، وذكر أنه وجد في نفسه ما الله به عليم، ولو علم أنه رد عليه بالإشارة لم يجد في نفسه"، إلى أن قال:"ولو كانت إشارته ردًّا، لقال: قد رددت عليك"، ثم ذكر رواية مسلم، ثم قال:"فهذه الرواية: تدل على أن إيماءه إليه إنما كان ليكف عن كلامه في تلك الحال".
قلت: والقول الأول أشبه بالصواب، والله أعلم.
فإن قيل: فما تقول في صنيع البخاري حين بوَّب في صحيحه على حديث ابن مسعود المتقدم برقم (923)، وعلى حديث جابر الآتي بعد سطور، بقوله:"باب: لا يردُّ السلام في الصلاة"؟ فأقول: هو ظاهر الدلالة في النهي عن رد السلام بالكلام في الصلاة، وأن ذلك منسوخ، وقد دل على هذا المعنى حديث ابن مسعود الذي صدَّر به الباب، والذي دل على نسخ رد السلام بالكلام، ولا يلزم من هذه الترجمة أن تتناول النهي عن الرد بالإشارة، لا سيما وقد عقد البخاري هذا الباب في صحيحه ضمن كتاب العمل في الصلاة، وقد أورد في هذا الكتاب أحاديث كثيرة، ومنها ما قد دل على جواز الإشارة في الصلاة، فما الذي يمنع من رد السلام بالإشارة، وقد دل على ذلك حديث ابن عمر عن صهيب، وعن بلال، وحديث جابر، واستدل بها على هذا المعنى جماعة من الأئمة، والله أعلم.
• ولحديث جابر طريق أخرى:
رواه حماد بن زيد، وعبد الوارث بن سعيد:
عن كثير بن شنظير، عن عطاء، عن جابر، قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فبعثني في حاجة، فرجعت وهو يصلي على راحلته، ووجْهُه على غير القبلة، فسلمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ، فلما انصرف قال:"إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي".
وفي رواية عبد الوارث: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ له، فانطلقت، ثم رجعت
وقد قضيتها، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فسلمتُ عليه، فلم يردَّ عليَّ، فوقع في قلبي ما الله أعلم به، فقلت في نفسي: لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد عليَّ أني أبطأتُ عليه، ثم سلمتُ عليه فلم يردَّ عليَّ، فوقع في قلبي أشدُّ من المرة الأولى، ثم سلمتُ عليه فردَّ عليَّ، فقال:"أما إنه لم يمنعني أن أرد عليك إلا أني كنت أصلي"، وكان على راحلته متوجِّهًا لغير القبلة.
أخرجه البخاري (1217)، ومسلم (540/ 38)، وأبو عوانة (1/ 464/ 1724 و 1725)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 140/ 1189 و 1190)، وأحمد (3/ 350 - 351 و 388)، وعبد بن حميد (1007)، وأبو يعلى (4/ 177/ 2257)، وأبو العباس السراج في حديثه بانتقاء الشحامي (975)، والبيهقي في السنن (2/ 248 و 249).
• وله طرق أخرى عن جابر، ليس فيها موضع الشاهد، أخرجها إجمالًا:
البخاري (400 و 1094 و 1099 و 4140)، والدارمي (1/ 426/ 1513)، وابن خزيمة (2/ 88/ 976) و (2/ 250/ 1263)، وابن حبان (6/ 264/ 2520) و (6/ 265/ 2521)، وابن الجارود (227)، وأحمد (3/ 300 و 304 و 330 و 378)، والشافعي في الأم (1/ 97)، وفي الرسالة (20 و 37)، وفي السنن (77)، وفي المسند (24 و 235)، والطيالسي (3/ 342 و 343/ 1907 و 1909)، وعبد الرزاق (4510 و 4516 و 4520)، وابن أبي شيبة (2/ 236/ 8504 و 8511) و (2/ 237/ 8525)، وابن نصر المروزي في السُّنَّة (364)، وأبو جعفر ابن البختري في المنتقى من السادس عشر من حديثه (84)(753 - مجموع مصنفاته)، والبيهقي في السنن (2/ 4 و 6)، وفي المعرفة (1/ 486/ 663)، وابن عبد البر في التمهيد (17/ 76)، وفي الاستذكار (2/ 258)، وغيرهم.
وسيأتي ذكر هذه الطرق مفصلة إن شاء الله تعالى في موضعها من السنن تحت الحديث رقم (1227).
• ولأبي الزبير فيه حديث آخر:
فقد روى حماد بن سلمة [وعنه: عفان بن مسلم، وإبراهيم بن الحجاج السامي، وكامل بن طلحة][وهم ثقات]:
قال حماد: حدثنا أبو الزبير، عن محمد بن علي ابن الحنفية، عن عمار بن ياسر، قال: أتيت النبيَّ صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، فسلَّمتُ عليه، فرد عليَّ السلام.
أخرجه أحمد (4/ 263)(8/ 4164/ 18608 - ط. المكنز)، وابن أبي شيبة في المصنف (1/ 419/ 4823)(3/ 537 - 538/ 4858 - ط. عوامة)، وفي المسند (448)، وأبو يعلى (3/ 202/ 1634)، وابن قانع في المعجم (2/ 249)، وأبو الشيخ في أحاديث أبي الزبير عن غير جابر (78 و 79 و 95).
وقع في روايةٍ لعفان: عن محمد ابن الحنفية، وفي أخرى: عن ابن الحنفية، وفي ثالثة: عن محمد بن علي ابن الحنفية، وكلها برواية الحفاظ عن عفان، مما لا يدع مجالًا للشك في ثبوت ذلك عن عفان نفسه، وأن هذا الحديث عنده من رواية محمد بن علي بن
أبي طالب المعروف بمحمد ابن الحنفية، وهي أمه، وليس من رواية محمد بن علي بن الحسين أبي جعفر الباقر.
وفي رواية كامل بن طلحة، وهي رواية لإبراهيم بن الحجاج: عن محمد بن علي، وفي أخرى لإبراهيم بن الحجاج: عن محمد ابن الحنفية.
وأخرجه البزار وأبو الشيخ في ترجمة ابن الحنفية.
• وقد خالف أصحابَ حماد بن سلمة، فوهم في إسناده:
موسى بن داود [الضبي: صدوق]، قال: نا حماد -يعني: ابن سلمة-، عن عبد الله بن محمد بن عقيل، عن ابن الحنفية، عن عمار، قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلمت عليه فردَّ عليَّ؛ يعني: إشارة.
أخرجه البزار (4/ 246/ 1415)، قال: حدثثا صفوان بن المغلس [لم أقف له على ترجمة، ولم يعرفه الهيثمي. مجمع الزوائد (6/ 268)]، قال: نا موسى به.
قلت: وهذا منكر بذكر عبد الله بن محمد بن عقيل، إنما هو أبو الزبير.
• ورواه أبو زكريا يحيى بن إسحاق [السيلحيني: ثقة]: حدثنا ابن لهيعة وحماد بن سلمة، عن أبي الزبير؛ أن محمد بن علي أخبره؛ أن عمارًا قال: مررت بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلى، فسلمت عليه، فردَّ عليَّ.
أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد (3/ 95)، بإسناد لا بأس به إلى أبي زكريا.
وهذا غريب من حديث ابن لهيعة، وهو ضعيف، وهي متابعة جيدة لحديث حماد.
• ورواه إبراهيم بن طهمان [ثقة يُغرب]: عن أبي الزبير، عن محمد بن علي بن حسين [كذا، وقد تصحف عن ابن الحنفية]، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي تطوعًا، فمرَّ عليه عمار فسلَّم عليه، فردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (247)، بإسناد صحيح إلى ابن طهمان.
لكن رواية ابن طهمان هذه مرسلة، ورواية حماد بن سلمة المتصلة أشبه بالصواب.
وقد نُقل عن يعقوب بن شيبة أنه حكم باتصاله من طريق أبي الزبير، وحكم بإرساله من طريق عطاء بن أبي رباح الآتية، قال في جامع التحصيل (122) عن يعقوب بن شيبة بأنه:"ذكر حديث أبي الزبير عن محمد ابن الحنفية عن عمار رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، الحديث، وحديث عطاء عن محمد ابن الحنفية؛ أن عمارًا مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، الحديث، وجعل الأول مسندًا متصلًا، والثاني مرسلًا؛ لقوله فيه: إن، ولم يقل: عن"[وانظر: مقدمة ابن الصلاح (62)].
قال العراقي في التقييد (85): "إنما جعله مرسلًا من حيث أن ابن الحنفية لم يسند حكاية القصة إلى عمار، وإلا فلو قال ابن الحنفية: إن عمارًا قال: مررت بالنبى صلى الله عليه وسلم، لما جعله يعقوب بن شيبة مرسلًا، فلما أتى به بلفظ: أن عمارًا مرَّ، كان محمد ابن الحنفية هو الحاكي لقصة لم يدركها؛ لأنه لم يدرك مرور عمار بالنبى صلى الله عليه وسلم، فكان نقله لذلك مرسلًا،
وهذا أمر واضح، ولا فرق بين أن يقول ابن الحنفية: إن عمارًا مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ به عمار، فكلاهما مرسل بالاتفاق، بخلاف ما إذا قال: عن عمار قال: مررت، أو أن عمارًا قال: مررت، فإن هاتين العبارتين متصلتان لكونهما أسندتا إلى عمار".
قلت: قد تبين ثبوت الرواية وأنها ليست حكاية؛ كما في رواية حماد بن سلمة، وابن الحنفية معروف بالرواية عن عمار بن ياسر، وقد أدركه ولقيه، إلا أني لا أعرف له منه سماعًا، ولا ينكَر السماع لثبوت اللقاء، ولعموم حكم يعقوب بن شيبة باتصاله من طريق أبي الزبير عن ابن الحنفية عن عمار، والله أعلم.
وعليه؛ فالإسناد صحيح.
• ومما يؤكد أن لأبي الزبير في هذا حديثين، أن حديث عمار هذا قد روي من وجه آخر:
أ- فقد روى وهب بن جرير بن حازم [ثقة]، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي [ثقة ثبت]:
كلاهما عن جرير بن حازم، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن محمد بن علي [وفي رواية لأبي سلمة التبوذكي: محمد ابن الحنفية، وفي رواية لوهب بن جرير: محمد بن علي بن أبي طالب]، عن عمار بن ياسر؛ أنه سلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، فردَّ عليه.
وفي رواية لأبي سلمة: أن عمار بن ياسر مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، فسلم عليه، فأشار إليه. هكذا مرسلًا، وفيه بيان أن الرد كان بالإشارة، لا بالكلام.
أخرجه النسائي في المجتبى (3/ 6/ 1188)، وفي الكبرى (1/ 291/ 546) و (2/ 34/ 1112)، وابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 135/ 2071)، والبزار (4/ 246/ 1416)، وأبو يعلى (3/ 207/ 1643)، وابن قانع في المعجم (2/ 250)، والحازمي في الاعتبار (72).
وقد كنت أميل إلى ترجيح رواية وهب المتصلة؛ لأن أهل بيت الرجل أعلم بحديثه من الغرباء، وإن كانوا أحفظ مثل حالتنا هذه، لكني لما وجدت يعقوب بن شيبة جزم بإرساله من طريق عطاء، وكذلك خطَّأ ابن معين الرواية المتصلة عن عطاء، جنحت إلى ترجيح رواية الأحفظ المرسلة، والله أعلم.
قال ابن أبي خيثمة في التاريخ الكبير (2/ 135/ 2070): "سئل يحيى بن معين عن حديث: وهب عن أبيه، عن قيس بن سعد، عن عطاء، عن محمد بن علي، عن عمار؛ أنه سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي؟ قال: هذا خطأ".
قلت: يمكن حمل هذا الخطأ المشار إليه في كلام ابن معين على أحد أمرين، أولهما: أن هذه الرواية عن عطاء ظاهرها الاتصال، بينما الرواية المحفوظة عنه مرسلة،
كما تقدم بيانه في كلام يعقوب بن شيبة، حيث قال:"وحديث عطاء عن محمد ابن الحنفية؛ أن عمارًا مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي"، هكذا مرسلًا، والثاني: أن يكون الخطأ في قول الراوي: "عن محمد بن علي"، والذي قد يوهم أنه محمد بن علي بن الحسين، بخلاف ما لو قال: عن محمد ابن الحنفية، فإنه حينئذ لا يشتبه بغيره، والله أعلم.
وعلى هذا فتكون الرواية المحفوظة عن عطاء: مرسلة، ورجالها ثقات، وقيس بن سعد المكي: ثقة من قدماء أصحاب عطاء بن أبي رباح، والله أعلم.
وهذه الرواية لا تعارض رواية أبي الزبير المتصلة، لاحتمال أن ابن الحنفية رواها مرة هكذا، ومرة هكذا، والله أعلم.
وانظر فيمن وهم في إسناده: ما علقه الحازمي في الاعتبار (71).
ب- لكن روى ابن جريج، قال: أخبرني محمد بن علي بن حسين؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم سلَّم عليه عمار بن ياسر، والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن جريج: أخبر به عطاء، عن محمد بن علي، فلقيت محمد بن علي، فسألته فحدثني به.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 334/ 3587).
قلت: هذه الرواية لابن جريج لا تدع مجالًا للشك في كون راوي القصة هو أبو جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين؛ إذ هو الذي أدركه ابن جريج بخلاف ابن الحنفية فلم يدركه ابن جريج، لكني لا أعتمد على هذا النص لأمور:
الأول: أن ابن جريج لم يذكر فيه سماعًا من عطاء بن أبي رباح، وإنما ذكره بصيغة اعتاد ابن جريج استعمالها فيما دلسه ولم يسمعه، وهي قوله: ذكر وقال وأخبر، ونحو ذلك.
الثاني: أن الأسانيد السابقة لتدل دلالة بينة على أن أبا الزبير وعطاء بن أبي رباح قد رويا هذا الحديث عن محمد بن علي ابن الحنفية، كما جاء مصرحًا به في رواية جماعة من الحفاظ [سوى ما وقع في مطبوعة الناسخ لابن شاهين من رواية ابن طهمان، ويغلب على ظني أنها مصحفة عن ابن الحنفية].
الثالث: يغلب على ظني أن ابن جريج وهم لما علم بهذه الرواية عن شيخه عطاء، والتي رواها عن محمد بن علي، فظن أنه أبا جعفر الباقر، فذهب إليه وسأله عن هذا الحديث، وكان على علم به، فحدثه به مرسلًا، وقد رواه عن أبي جعفر الباقر أيضًا: عمرو بن دينار، كما سيأتي، والله أعلم.
وابن جريج وإن كان مقدَّمًا في عطاء على غيره؛ إلا أننا في هذا الحديث نقدم رواية قيس بن سعد المكي، وهو من قدماء أصحاب عطاء، لكون ابن جريج ذكره بصيغة تدل على عدم سماعه له من عطاء، والله أعلم.
وانظر: الفتح لابن رجب (6/ 421).
• ورواه سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن محمد بن علي [هو أبو جعفر الباقر]؛ أن عمار بن ياسر سلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلِّي، فردَّ عليه.
قال سفيان: هذا عندنا منسوخ.
أخرجه ابن شاهين في الناسخ (248)[وفي سند المطبوعة خطأ]، وعلقه الحازمي في الاعتبار (73).
قلت: وهذا مرسل بإسناد صحيح، وقول ابن عيينة: منسوخ؛ محمول على الرد بالكلام، مثل حديث ابن مسعود المتقدم، ولو حملناه على الرد بالإشارة فليس بمنسوخ، والله أعلم.
قال الحازمي: "هذه الآثار مع ما فيها من الإرسال والانقطاع يعارضها آثار آخر أصح منها، وفيها دلالة النسخ".
***
927 -
. . . جعفر بن عون: حدثنا هشام بن سعد: حدثنا نافع، قال: سمعت عبد الله بن عمر، يقول: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء يصلي فيه، قال: فجاءته الأنصار، فسلَّموا عليه وهو يصلي، قال: فقلت لبلال: كيف رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه وهو يصلي؟، قال: يقول هكذا، وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون كفه، وجعل بطنه أسفلَ، وجعل ظهره إلى فوق.
• حديث صحيح.
أخرجه ابن الجارود (215)، والروياني (738)[ولم يذكرا هيئة الكف بعد بسطها]، والبيهقي في السنن (2/ 259).
• رواه عن جعفر بن عون جماعة، وجعفر: ثقة، وقد تابعه عليه:
وكيع بن الجراح [كوفي، ثقة حافظ]، وأبو نعيم [الفضل بن دكين: ثقة ثبت]، وأبو عامر العقدي عبد الملك بن عمرو [ثقة]، ومعن بن عيسى [ثقة ثبت]، وعبد الله بن نافع [الصائغ المدني: ثقة]، ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك [صدوق]، وقراد أبو نوح عبد الرحمن بن غزوان [ثقة، وله حديث تفرد به عن الليث، وأخطأ فيه. التهذيب (2/ 542)]، وموسى بن أبي علقمة الفروي [مجهول]:
رواه ثمانيتهم: عن هشام بن سعد، عن نافع، عن ابن عمر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فجاءت الأنصار يسلمون عليه، فإذا هو يصلي، فجعلوا يسلمون عليه، فقال ابن عمر: يا بلال! كيف رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم وهو يصلي؟ قال: هكذا بيده كلها؛ يعني: يشير. لفظ أبي نعيم.
وفي رواية وكيع: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه وهو في الصلاة؟ قال: كان يشير بيده.
وفي رواية عبد الله بن نافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى قباء، فسمعت به الأنصار، فجاؤوه بسلمون عليه وهو يصلي، فأشار إليهم بيده باسطًا كفه وهو يصلي.
أخرجه الترمذي في الجامع (368)، وفي العلل (121)، وأحمد (6/ 12)، وابن سعد في الطبقات (1/ 245)، وابن شبة في أخبار المدينة (136)، والبزار (4/ 194/ 1353)، والروياني (756)، وأبو سعيد المفضل الجندي في فضائل المدينة (56)، وابن جرير الطبري في تهذيب الآثار (780)، والطحاوي في شرح المعاني (1/ 453 و 454)، وفي المشكل (14/ 399/ 5710) و (14/ 400/ 5711)، والهيثم بن كليب الشاشي (2/ 351/ 947)، والطبراني في الكبير (1/ 342/ 5711)، والبيهقي (2/ 259)، والبغوي في شرح السُّنة (3/ 236/ 725).
• ورواه ابن وهب [مصري، ثقة حافظ]، عن هشام بن سعد، عن نافع، قال: سمعت عبد الله بن عمر، قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قباء، فسمعت به الأنصار، فجاؤوا يسلِّمون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فقلت لبلال أو صهيب: كيف رأيتَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم، وهم يسلِّمون عليه، وهو يصلي؟ قال: يشير بيده.
أخرجه ابن وهب في الجامع (443)، ومن طريقه: الطحاوي في شرح المعاني (1/ 454)، وفي المشكل (14/ 398/ 5709)، والبيهقي في السنن (2/ 259).
قلت: هذه الرواية وهمٌ، ومن حفظ حجة على من لم يحفظ، ورواية جماعة الثقات من غير شك أولى من رواية الواحد وقد وقع فيها الشك.
• قلت: هشام بن سعد المدني: صدوق لم يكن بالحافظ، يهم ويخطئ، تكلم فيه جماعة من الأئمة الحفاظ، لكن روايته وتفرده هنا عن نافع بهذا الحديث عن ابن عمر مقبول عندي لأربعة أسباب:
الأول: أنه مدني مثل شيخه، وقد يتفرد أهل بلد الراوي عنه بما لا يرويه غيره.
الثاني: أنه قد توبع على أصل الحديث، من حديث زيد بن أسلم ونابل صاحب العباء، كلاهما عن ابن عمر، عن صهيب، وحديثه هذا عن ابن عمر عن بلال، وهو محتمل لأن يكون ابن عمر أخذه عنهما جميعًا.
الثالث: أن حديث صهيب وبلال في رد السلام بالإشارة لا نكارة فيه، فإن الإشارة باليد في الصلاة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع، وأقربها حديث جابر المتقدم، هذا لو حملناه على أنه صلى الله عليه وسلم أشار إليه ليكف عن كلامه حينئذ، ولكن قد تأوله جماعة من الأئمة المحققين على الإشارة لرد السلام، فصار بذلك دليلًا مستقلًا على مشروعية رد السلام بالإشارة، كما أن الإشارة المفهمة باليد في الصلاة قد ثبتت في أحاديث كثيرة، ويأتي ذكرها إن شاء الله تعالى مفصلة في باب الإشارة في الصلاة [(943 و 944)]، ومنها مثلًا: حديث جابر وحديث عائشة وحديث سهل بن سعد، قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 253): "وقد سنَّ النبيُّ الإشارةَ في الصلاة في غير موضع، من ذلك: إشارته إلى الذين
صلوا خلفه قيامًا أن: اجلسوا، وأومأ إلى أبي بكر يوم خرج إلى بني عمرو بن عوف أن: امضه" [وراجع الأحاديث المتقدم ذكرها في الشواهد تحت الحديث رقم (922)].
الرابع: أن حديث هشام هذا قد صححه واحتج به جماعة من الأئمة:
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح، وحديث صهيب: حسن، لا نعرفه إلا من حديث الليث عن بكير.
وقد روي عن زيد بن أسلم، عن ابن عمر، قال: قلت لبلال: كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يردُّ عليهم حين كانوا يسلِّمون عليه في مسجد بني عمرو بن عوف؟ قال: كان يردُّ إشارةً.
وكلا الحديثين عندي صحيح؛ لأن قصة حديث صهيب غير قصة حديث بلال، وإن كان ابن عمر روى عنهما، فاحتمل أن يكون سمع منهما جميعًا".
وقال في العلل: "وكلا الحديثين صحيح، ورواه زيد بن أسلم، عن ابن عمر، عن بلال".
وقد احتج أحمد وإسحاق بحديث هشام بن سعد هذا في جواز السلام على المصلي، وجواز رد السلام بالإشارة، قال إسحاق بن منصور الكوسج في مسائله (269):"قلت لأبي عبد الله رضي الله عنه: هل يسلم على القوم وهم في الصلاة؟ قال: نعم، فذكر قصة بلال حين سأله ابن عمر رضي الله عنهم كيف كان يردُّ؟ قال: كان يشير. قال إسحاق: كما قال".
وقد احتج به الأثرم على مشروعية رد السلام بالإشارة في الصلاة [ناسخ الحديث ومنسوخه (39)].
وقال البغوي: "هذا حديث صحيح".
وقال ابن العربي في العارضة (2/ 138): "قد تكون الإشارة في الصلاة برد السلام، وقد تكون لأمر ينزل بالصلاة، وقد تكون في الحاجة تعرض للمصلي:
فإن كانت لرد السلام ففيها الآثار الصحيحة، كفعل النبي صلى الله عليه وسلم في قباء وغيره".
وقد احتج به أيضًا: أبو داود وابن الجارود.
• وقد وافقت روايةُ ابن عمر فتواه في ذلك:
فقد روى مالك، وعبيد الله بن عمر، وابن جريج، وأيوب السختياني، ويحيى بن سعيد الأنصاري:
عن نافع، عن ابن عمر، قال: إذا سُلِّمَ على أحدكم وهو في الصلاة فَليُشِرْ بيده. لفظ عبيد الله، وفي رواية له: عن ابن عمر؛ أنه سلَّم على رجل وهو يصلي، فردَّ عليه الرجل كلامًا، فقال: إذا سُلِّم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلَّم، ولكن يشير بيده، وبنحوه رواية مالك.
ولفظ ابن جريج: أن ابن عمر مرَّ على رجلٍ يصلي، فسلم عليه فردَّ عليه الرجل، فقال له ابن عمر: إذا كان أحدكم في الصلاة يُسلِّم عليه فلا يتكلمنَّ، وليُشِرْ إشارةً؛ فإن ذلك ردُّه.
أخرجه مالك في الموطأ (1/ 239/ 466)، وعبد الرزاق (2/ 336/ 3595 و 3596)، وابن أبي شيبة (1/ 419/ 4816)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 251/ 1593)، والبيهقي في السنن (2/ 259)، وفي الشعب (6/ 513/ 9105).
وهذا موقوف على ابن عمر بإسناد صحيح.
• وبنحو رواية ابن جريج:
رواه معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر به.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 336/ 3596)، ومن طريقه: ابن المنذر (3/ 252/ 1598).
وإسناده صحيح أيضًا.
***
928 -
قال أبو داود: حدثنا أحمد بن حنبل: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن أبي مالك الأشجعي، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا غِرارَ في صلاةٍ، ولا تسليم".
قال أحمد: يعني فيما أُرى: أن لا نسلِّمَ، ولا يسلِّمَ عليك، ويُغرِّرُ الرجلُ بصلاته فينصرف، وهو فيها شاك.
• حديث صحيح.
أخرجه من طريق أبي داود: البيهقي (2/ 261)، والبغوي في شرح السنَّة (12/ 257/ 3299).
وأخرجه من طريق أحمد بن حنبل: الحاكم (1/ 264)، وأبو بكر الجصاص في أحكام القرآن (5/ 375)، والبيهقي (2/ 260).
وأخرجه أحمد في المسند (2/ 461)(4/ 2075/ 10074 - ط. المكنز)، ولفظه فيه:"لا إغرار في صلاةٍ ولا تسليم".
وقال في تفسير الحديث (10077): "سألت أبا عمرو الشيباني عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا إغرار في الصلاة"؟ فقال: إنما هو "لا غرار في الصلاة".
قال أحمد: ومعنى غرار: يقول: لا يخرج منها وهو يظن أنه قد بقي عليه منها شيء حتى يكون على اليقين والكمال".
وذكر أبو داود تفسير أحمد في مسائله (371)، كما ساقه في السنن.
• وقد رواه أيضًا عن ابن مهدي:
بندار محمد بن بشار، وعمرو بن علي الفلاس:
قالا: نا عبد الرحمن بن مهدي: نا سفيان، عن أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا غِرارَ في صلاةٍ، ولا تسليم".
أخرجه البزار (17/ 147/ 9748)، والطحاوي في المشكل (4/ 274/ 1597).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يُروى عن أبي هريرة إلا من هذا الوجه".
• قال أبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (4/ 91): "فكأن معنى هذا الحديث: لا نقصان في صلاة؛ يعني: في ركوعها وسجودها وطهورها،
…
فهذا الغرار في الصلاة، وأما الغرار في التسليم: فنراه أن يقول: السلام عليك، أو يرد فيقول: وعليك، ولا يقول: وعليكم".
وقال أيضًا (4/ 92): "وقد روى بعض المحدثين هذا الحديث: "لا إغرار في صلاة" بألف، ولا أعرف هذا في الكلام، وليس له عندي وجه.
ويقال: "لا غرار في صلاة ولا تسليم"؛ أي: لا نقصان في صلاة، ولا تسليم فيها، فمن قال هذا ذهب إلى أنه لا قليل من النوم في صلاة، ولا تسليم في صلاة؛ أي: أن المصلي لا يسلِّم ولا يسلَّم عليه".
وقال أيضا (3/ 9): "فمعنى الحديث: أنه لا يُنقَص السلام، ونقصانه أنه يقال: السلام عليك، وإذا سُلِّم عليك أن تقول: وعليك، والتمام أن تقول: السلام عليكم، وإذا رددت أن تقول: وعليكم، وإن كان الذي تسلم عليه أو ترد عليه واحدًا،
…
".
• وسأل عبد الله بن أحمد أباه عن هذا الحديث، فقال:"أبو عمرو الشيباني أنكرها بالألف، يقول: "لا غرار في صلاة"؛ أي: لا تخرج منها وأنت تظن أنها كاملة حتى لا تكون في شك، حتى تكون على الكمال واليقين.
قال أبي: أن ينصرف منها ولا يدري أتمها أم لا، ينصرف وهو على إغرار منها، كذا هو عندي" [مسائل عبد الله (1602)، وانظر: مسائل ابن هانئ (387)].
وقال الأثرم: "سألت أبا عبد الله عن تفسير هذا الحديث؟ فقال: أما أنا فأرى أن لا يخرج منها إلا على يقين [أنها قد تمت]، لا يخرج منها على غرر حتى يستيقن أنه قد أتمها"[التمهيد (5/ 40)، المغني (1/ 387)، الشرح الكبير (1/ 687)].
وقال الطحاوي في المشكل: "قال أبو عبيد: ومعناه في الصلاة: النقصان لركوعها وسجودها وطهورها، وفي السلام نراه أن يقول: السلام عليك، أو يرد فيقول: وعليك، ولا يقول: وعليكم.
قال أبو جعفر: وقد يحتمل أن يكون النقصان المنهي عنه في السلام بخلاف ما قال أبو عبيد، ويكون المراد به: نقصان الجماعة من السلام عليهم، والقصد مكان ذلك بالسلام على أحدهم، وليس رد السلام من ذلك من شيء".
وقال الخطابي في المعالم (1/ 190): "أصل الغرار: نقصان لبن الناقة
…
، فقوله: لا غرار؛ أي: لا نقصان في التسليم، ومعناه: أن تردَّ كما يسلَّم عليك وافيًا لا نقص فيه، مثل أن يقال: السلام عليكم ورحمة الله، فيقول: عليكم السلام ورحمة الله، ولا يقتصر على أن يقول: عليكم السلام، أو عليكم حسب، ولا ترد التحية كما سمعتها من صاحبك، فتبخسه حقه من جواب الكلمة.
وأما الغرار في الصلاة، فعلى وجهين: أحدهما: ألا يتم ركوعه وسجوده، والآخر: أن يشك هل صلى ثلاثًا أو أربعًا، فيأخذ بالأكثر، ويترك اليقين، وينصرف بالشك، وقد جاءت السُّنَّة في رواية أبي سعيد الخدري: أن يطرح الشك، ويبني على اليقين، ويصلي ركعة رابعة حتى يعلم أنه قد أكملها أربعًا" [انظر: شرح السنة (12/ 257)].
وقال النووي في المجموع (4/ 116): "وفي رواية للبيهقي: "لا غرار في تسليم ولا صلاة"، وهذا يؤيد تفسير الخطابي".
قلت: وهي الرواية الآتية عند أبي داود.
وانظر: تصحيفات المحدثين (1/ 320)، النهاية (3/ 356).
***
929 -
قال أبو داود: حدثنا محمد بن العلاء: أخبرنا معاوية بن هشام، عن سفيان، عن أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: أُراه رفعه، قال:"لا غِرارَ في تسليمٍ، ولا صلاةٍ".
قال أبو داود: ورواه ابن فضيل على لفظ ابن مهدي، ولم يرفعه.
• حديث شاذ.
أخرجه من طريق أبي كريب محمد بن العلاء به على الشك: أبو يعلى (11/ 68 / 6206)، والحا كم (1/ 264)، وعنه: البيهقي (2/ 261).
ولفظه عند أبي يعلى: "لا إغرار في تسبيح ولا صلاة".
قال البيهقي: "قال أبو داود: رواه ابن فضيل -يعني: عن أبي مالك- على لفظ ابن مهدي ولم يرفعه".
• قلت: قد اختلف في إسناد هذا الحديث ومتنه كما ترى:
أ- فرواه عبد الرحمن بن مهدي [ثقة ثبت، حافظ إمام، من أثبت الناس في الثوري، وأعلمهم بحديثه]: نا سفيان، عن أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا غِرارَ في صلاةٍ، ولا تسليم".
ب- وخالفه في متنه، وفي الجزم برفعه: معاوية بن هشام [القصار: صدوق، كثير الخطأ، وليس بالثبت في الثوري. التهذيب (4/ 112)، وانظر في أوهامه على الثوري: ما تقدم برقم (178 و 676)]:
رواه عن سفيان، عن أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، قال: أُراه رفعه، قال:"لا غِرارَ في تسليمٍ، ولا صلاةٍ".
ج- ورواه محمد بن فضيل [صدوق عارف]، عن أبي مالك، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، على لفظ ابن مهدي ولم يرفعه.
قلت: وعليه، فالقول فيه: قول ابن مهدي عن الثوري، فهما أثبت من رواه، والزيادة من الثقة الحافظ مقبولة.
قال الحاكم: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه".
قلت: وهو كما قال، فإن مسلمًا قد روى أحاديث لأبي مالك سعد بن طارق، عن أبي حازم، عن أبي هريرة. [انظر: تحفة الأشراف (9/ 433/ 13397 - 13400)].
وقال النووي في الخلاصة (1705)، وفي المجموع (4/ 115):"رواه أبو داود بإسناد صحيح".
وانظر: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 340/ 5532).
• قال ابن حزم في المحلى (3/ 83): "ليس هذا نهيًا عن ردِّ السلام في الصلاة بالإشارة، ولا يُفهَم هذا من هذا اللفظ، والدعوى مردودة إلا ببرهان".
وقال البيهقي: "وهذا اللفظ يقتضي نفي الغرار عن الصلاة والتسليم جميعًا، والأخبار التي مضت تبيح التسليمَ على المصلي والردَّ بالإشارة، وهي أولى بالاتباع، وبالله التوفيق".
• قلت: هذا الحديث ليس نصًّا في النهي عن التسليم على المصلى، ولا في منعه من رد السلام بالإشارة، بل هو محتمل لمعانٍ، كما تبين من كلام الأئمة في تفسيره، وعلى هذا فلا يُقضى لأحد وجوه تفسيره المحتملة على الأحاديث الصريحة الصحيحة القاضية بجواز إلقاء السلام على المصلي، وبردِّ المصلي عليه بالإشارة، والله أعلم.
• وفي الباب أيضًا:
عن عثمان بن مظعون:
رواه معمر بن راشد، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أن عثمان بن مظعون سلم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الصلاة، فردَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم السلام.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 334/ 3588).
وهذا مرسل بإسناد صحيح، وعثمان بن مظعون: توفي بعد أن شهد بدرًا في السنة الثانية من الهجرة، وكان أول من دُفن بالبقيع من المهاجرين [الإصابة (4/ 461)].
ورواه صالح بن أبي الأخضر [ضعيف]، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة؛ أنه بلغه؛ أن عثمان بن مظعون مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس في الصلاة، فسلم عليه، فردَّ عليه. أخرجه الحازمي في الاعتبار (1/ 304/ 70).
• وفي نهاية هذا الباب، نذكر شيئًا من فقهه، غير ما تقدم ذكره في موضعه:
قال ابن المنذر في الأوسط (3/ 250): "فحديث عبد الله بن مسعود، وحديث صهيب: يدلان على إباحة السلام على المصلي، إذ لو كان ذلك لا يجوز لنهاهم عن ذلك لما فرغ من الصلاة، ودل حديث صهيب على أن من السنة رد السلام في الصلاة بإشارة".
وكان قال قبل ذلك: "فالكلام في الصلاة لا يجوز، وقد سنَّ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن المصلي يردُّ السلام بالإشارة".
إلى أن قال: "وقال النعمان؛ [يعني: أبا حنيفة]: لا يرد السلام، ولا أحب أن يشير".
قال ابن المنذر متعقبًا إياه: "فاستحبَّ خلاف ما سنَّه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لأمته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سنَّ للمصلي أن يردَّ السلام بإشارة، وقد سنَّ النبيُّ الإشارةَ في الصلاة في غير موضع، من ذلك: إشارته إلى الذين صلوا خلفه قيامًا أن: اجلسوا، وأومأ إلى أبي بكر يوم خرج إلى بني عمرو بن عوف أن: امضه".
وقال ابن عبد البر في الاستذكار (2/ 337): "وأجمع العلماء على أنه ليس بواجب ولا سُنَّة أن يسلَّم على المصلي"، ثم ذكر مذاهب الناس في رد السلام إلى أن قال:"ولم يختلف الفقهاء أن من ردَّ السلام وهو يصلي كلامًا مفهومًا مسموعًا أنه قد أفسد صلاته، وهذا قول مالك وأبي حنيفة والشافعي وأصحابهم وأحمد وإسحاق وجمهور أهل العلم".
وانظر: مسائل الكوسج (269 و 339)، ومسائل ابن هانئ (211)، ومسائل أبي داود (261).
ونقل ابن المنذر (3/ 251) عن إسحاق خلاف ذلك، فقال:"وقال إسحاق: إن رد السلام متأولًا يرى أن ذلك جائز؛ فصلاته مجزية"، وذكر أن ذلك مروي عن أبي هريرة، ثم أسنده إليه (3/ 251/ 1594 و 1595) من طريق ابن أبي شيبة (3/ 535 - 536/ 4849 - ط. عوامة) وغيره، بإسناد ضعيف إلى أبي هريرة، قال: إذا سلِّم عليك وأنت في الصلاة فرُدّ، واختلفت الرواية فيه عن جابر بن عبد الله، ولا حجة في شيء من ذلك إن ثبت عن قائله؛ لما قد ثبت في السُّنَّة من حديث ابن مسعود وحديث زيد بن أرقم من نسخ الكلام في الصلاة، ومنه رد السلام بالكلام دون الإشارة، والله أعلم.
• وقد روي في معارضة ذلك ما لا تقوم به حجة:
وهو حديث أبي غطفان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أشار في صلاته إشارة تُفهَم عنه؛ فليُعِد صلاته".
أخرجه أبو داود (944)، وإسحاق بن راهويه (1/ 466/ 543)، والبزار (15/ 116/ 8416) و (15/ 300/ 8813)، وأبو العباس السراج في مسنده (707)، وفي حديثه بانتقاء الشحامي (771)، والطحاوي (1/ 448 و 453)، والدارقطني (2/ 83)، وابن بشران في الأمالي (985)، والبيهقي في السنن (2/ 262)، والجوزقاني في الأباطيل (2/ 44/ 413)، وابن الجوزي في العلل المتناهية (1/ 427/ 726).
قال أبو داود: "هذا الحديث وهم".
وقال ابن أبي داود: "أبو غطفان هذا: رجل مجهول، وآخر الحديث زيادة في الحديث، ولعله من قول ابن إسحاق، والصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يشير في الصلاة، رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم"، قال الدارقطني:"وقد رواه ابن عمر وعائشة أيضًا".