الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرسلًا اختلف عليه في وصله وإرساله، ورواية من لم يختلف عليه أولى بالصواب، وعلى هذا: فحديث ابن مسعود هذا: حديث حسن؛ لأجل الكلام في عاصم بن أبي النجود، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، والله أعلم.
وانظر فيمن رواه عن عاصم بالمعنى فأخل به: العيال لابن أبي الدنيا (216)[وفيه الحكم بن ظهير، وهو: متروك، كذبه ابن معين].
• قال ابن خزيمة (2/ 48): "باب ذكر الدليل على أن الإشارة في الصلاة بما يُفهَم عن المشير لا يقطع الصلاة ولا يفسدها".
وقال ابن المنذر في الأوسط (3/ 253): "وقد سنَّ النبيُّ الإشارةَ في الصلاة في غير موضع، من ذلك: إشارته إلى الذين صلوا خلفه قيامًا أن: اجلسوا، وأومأ إلى أبي بكر يوم خرج إلى بني عمرو بن عوف أن: امضه".
وقال ابن رجب في الفتح (6/ 529): "وأكثر العلماء على أن الإشارة في الصلاة لا بأس بها،
…
، وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهما، لكن فعله من غير حاجة من باب العبث، وهو مكروه في الصلاة".
***
175 - باب في مسح الحصى في الصلاة
945 -
. . . سفيان، عن الزهري، عن أبي الأحوص -شيخ من أهل المدينة-، أنه سمع أبا ذر، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قام أحدُكم إلى الصلاة، فإن الرحمةَ تواجهه، فلا يمسحِ الحصى".
• حديث حسن.
أخرجه الترمذي (379)، وأبو علي الطوسي في مستخرجه عليه "مختصر الأحكام "(2/ 301/ 351)، والنسائي في المجتبى (3/ 6/ 1191)، وفي الكبرى (1/ 288/ 537) و (2/ 35/ 1115)، وابن ماجه (1027)، والدارمي (1/ 374/ 1388)، وابن خزيمة (2/ 59/ 913)، وابن حبان (6/ 49/ 2273)، وابن الجارود (219)، وأحمد (5/ 150)، والحميدي (128)، وابن أبي شيبة (2/ 176/ 7819)، ويعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (1/ 216)، والطحاوي في المشكل (4/ 60/ 1427)، وابن حزم في المحلى (3/ 95)، والبيهقي في السنن (2/ 284)، وفي المعرفة (1/ 81)، وفي الأسماء والصفات (2/ 200) و (3/ 7)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 116 و 117)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 157 - 158/ 662)، وفي التفسير (3/ 302)، وابن عساكر في المعجم (95)، وأبو طاهر السلفي في المجالس الخمسة (31)، وغيرهم.
رواه عن سفيان بن عيينة: أحمد بن حنبل، والحميدي، وأبو بكر بن أبي شيبة،
ومسدد بن مسرهد، وسعيد بن عبد الرحمن المخزومي، وقتيبة بن سعيد، والحسين بن حريث، وهشام بن عمار، ومحمد بن الصباح، وعبد الجبار بن العلاء، وعلي بن خشرم، ومحمد بن يوسف الفريابي، وإبراهيم بن زياد، والزبير بن بكار [وهم ثقات]، وغيرهم.
زاد بعضهم في آخره: قال سفيان: فقال له سعد بن إبراهيم [يعني: للزهري]: من أبو الأحوص؟! كالمغضب عليه، حين حدَّث عن رجل مجهول لا يعرفه، فقال له الزهري: أما تعرف الشيخ مولى بني غفار الذي كان يصلي في الروضة، وجعل يصفه له، وسعد لا يعرفه" [مسند الحميدي (128)، الطبقات الكبرى (175 - القسم المتمم)، العلل ومعرفة الرجال (1/ 186/ 158) و (3/ 151/ 4668)، المعرفة والتاريخ (1/ 216 و 383)، صحيح ابن خزيمة (913)، الجعديات (1528)].
وفي هذا ثناء على أبي الأحوص من الزهري، وهو من هو في إمامته وعلمه ومعرفته بثقات أهل زمانه الذين يؤخذ عنهم العلم، وفيه إشعار بأنه قد رضيه، فحمل عنه العلم، وسماه ولم يبهمه، وكونه مجهولًا عند سعد بن إبراهيم لا يضره، إذ معرفة الزهري به تكفيه، والله أعلم.
• خالفهم: محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ [وهو: ثقة]، فرواه عن ابن عيينة به، إلا أنه زاد زيادة شاذة تفرد بها، حيث قال في آخره:"فلا يمسح إلا مرةً"؛ يعني: الحصى.
أخرجه أبو علي الطوسي في مختصر الأحكام (2/ 301/ 351).
فكأنه دخل له حديث معيقيب في حديث أبي ذر، أو الطريق الآتي ذكرها بعد قليل في هذه الطريق، والله أعلم.
• ورواه معمر بن راشد، ويونس بن يزيد، وعقيل بن خالد، وابن أبي ذئب، وابن جريج، وابن أخي الزهري، ومحمد بن الوليد الزبيدي [ثقة ثبت، من أثبت أصحاب الزهري، لكن الإسناد إليه ضعيف؛ فيه: عبد الحميد بن إبراهيم أبو تقي الحمصي: سمع كتب عبد الله بن سالم عن الزبيدي، ثم ذهبت كتبه، فكان لا يحفظها، فلقنوه من كتاب ابن زبريق عن عبد الله بن سالم، وكان ضريرًا يتلقن، قال محمد بن عوف الحمصي: "فكان لا يحفظ الإسناد، ويحفظ بعض المتن"، وقال أبو حاتم: "وليس هذا عندي بشيء؛ رجل لا يحفظ، وليس عنده كتب". الجرح والتعديل (6/ 8)، سؤالات البرذعي (706)، الميزان (2/ 537)، التهذيب (2/ 472)، وشيخ الطبراني فيه: إبراهيم بن محمد بن الحارث بن عرق: مجهول الحال، قال الذهبي: "شيخ للطبراني غير معتمد". الميزان (1/ 63)، اللسان (1/ 355)]:
عن الزهري، عن أبي الأحوص الليثي، عن أبي ذر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا قام أحدُكم إلى الصلاة، فإن الرحمةَ تواجهه، فلا تحرِّكوا الحصى".
أخرجه ابن خزيمة (2/ 59/ 914)، وابن حبان (6/ 55/ 2274)، وأحمد (5/ 150 و 163 و 179)، وابن المبارك في الزهد (1185 و 1185 م)، وفي المسند (54)، والطيالسي
478 -
، وعبد الرزاق (2/ 38/ 2398 و 2399)، والذهلي في المنتخب من حديث الزهري (24)، وأبو القاسم البغوي في الجعديات (1529 و 1530)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 260/ 1617)، والطحاوي في المشكل (4/ 60/ 1426)، والطبراني في مسند الشاميين (3/ 60/ 1804)، وابن شاهين في فضائل الأعمال (55)، وأبو إسحاق الثعلبي في الكشف والبيان (7/ 38 - 39)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 117)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 158/ 663)، وذكره الدارقطني في العلل (6/ 286/ 1143).
وفي رواية ابن وهب، قال: أخبرني يونس، عن ابن شهاب، قال: سمعت أبا الأحوص مولى بني ليث يحدثنا في مجلس ابن المسيب، وابنُ المسيب جالسٌ، أنه سمع أبا ذر، يقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة، فإن الرحمة تواجهه، فلا يحرَّكِ الحصى -أو: لا يمسَّ الحصى-"[عند أحمد (5/ 150)].
ولفظ ابن أبي ذئب: "إذا قام أحدكم إلى الصلاة استقبلته الرحمة، فلا يمسَّ الحصى ولا يحرِّكها"، وأما زيادة "برجله" التي وقعت في آخر الحديث عند الطيالسي: فهي زيادة شاذة.
وانظر فيمن وهم فيه على الزهري: علل الدارقطني (6/ 286/ 1143).
• قال الترمذي: "حديث حسن".
وقال أبو بكر الأثرم في الناسخ (130): "وأثبت ما في ذلك حديثان: حديث أبي ذر في الكراهة، وحديث معيقيب في الرخصة، ونرى أن الرخصة بعد الكراهية".
وقال ابن عبد البر: "وحديث أبي ذر في مسح الحصباء: مرفوع صحيح محفوظ".
وقال البغوي: "هذا حديث حسن".
وهكذا فقد صحح هذا الحديث: ابن خزيمة وابن حبان وابن الجارود وابن عبد البر، وحسنه الترمذي والبغوي، واحتج به أبو داود والنسائي والأثرم وابن المنذر.
وقال النووي في الخلاصة (1609): "حديث حسن"، وانظر: المجموع (3/ 110).
وقال ابن حجر في البلوغ (189): "رواه الخمسة بإسناد صحيح".
• وقد أطلت في ترجمة أبي الأحوص هذا عند الحديث السابق برقم (909)، وختمت هناك كلامي بقولي: فإن أبا الأحوص، وإن كان فيه جهالة؛ حيث لم يروِ عنه سوى ابن شهاب الزهري، ولم يروِ سوى حديثين، إلا أنه لم يروِ منكرًا، وقد رضيه الزهري وابن المسيب، ولم ينكرا حديثه، وصحح له جماعة من الأئمة، وتشهد الآثار لصحة حديثه، والله أعلم.
• وأما هذا الحديث فليس في معناه نكارة، أما قوله:"فإن الرحمة تواجهه"، فإن معناه ثابت في أحاديث أخرى في غير مس الحصى، مثل حديث الحارث الأشعري [وهو حديث صحيح، تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (910)]، والشاهد منه:"وإن الله أمركم بالصلاة، فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت"،
وكذلك في حديث نافع عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقًا في جدار القبلة، فحكَّه، ثم أقبل على الناس، فقال:"إذا كان أحدكم يصلي، فلا يبصق قِبَل وجهه؛ فإن الله تبارك وتعالى قِبَل وجهه إذا صلَّى".
أخرجه البخاري (406 و 753 و 6111)، ومسلم (547/ 0 5 و 51)، وتقدم تخريجه تحت الحديث رقم (479).
ومن لازم ذلك مواجهة الرحمة للعبد، والله أعلم.
• وأما قوله: "فلا يمسحِ الحصى" أو: "فلا تحرِّكوا الحصى"، فإن أصل المنع منه ثابت من حديث معيقيب الآتي بعد هذا [برقم (946)]، وهو حديث متفق عليه، لكن يُشكل على حديث أبي ذر أمران:
الأول: أن حديث معيقيب فيه استثناء المرة الواحدة حيث قال: "إن كنتَ لابدَّ فاعلًا فواحدةً"، بينما حديث أبي الأحوص عن أبي ذر المنع فيه مطلق ولم يستثن.
الثاني: أن استثناء المرة الواحدة قد جاء من طرق أخرى عن أبي ذر بما يوافق حديث معيقيب، ولكن فيها ضعف يسير، فمن ذلك ما رواه:
أ- سفيان الثوري [ثقة حجة، إمام فقيه]، وعبد الله بن نمير [ثقة]، ويزيد بن عطاء [اليشكري: لين الحديث]، وغيرهم:
عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى [ليس بالقوي، كان سيئ الحفظ جدًّا، كثير الوهم، غلب عليه الاشتغال بالفقه والقضاء؛ فلم يكن يحفظ الأسانيد والمتون. انظر: التهذيب (3/ 627)، الميزان (3/ 613)]، عن [أخيه] عيسى بن عبد الرحمن بن أبي ليلى [ثقة]، عن [أبيه] عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي ذر، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء، حتى سألته عن مسح الحصى؟ قال:"واحدةً أو دَعْ".
أخرجه ابن خزيمة (2/ 60/ 916)، وأحمد (5/ 163)، وعبد الرزاق (2/ 39/ 2403)، وابن أبي شيبة (2/ 176/ 7824)، والبزار (9/ 416/ 4521)، والطحاوي في المشكل (4/ 1429/62)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 169)، وفي تاريخ أصبهان (2/ 156)، وذكره أبن أبي حاتم في العلل (1/ 98/ 263).
قال البزار: "وهذا الحديث لا نعلمه يروى عن أبي ذر إلا من حديث ابن أبي ليلى عنه".
تنبيه: هكذا رواه عن الثوري: عبد الرزاق بن همام، وأبو عاصم النبيل الضحاك بن مخلد، والنعمان بن عبد السلام الأصبهاني [وهم ثقات، من أصحاب الثوري،، فقالوا: "عن أخيه عيسى بن عبد الرحمن" [وكذلك وقع في رواية ابن نمير ويزيد بن عطاء]، ووقع في رواية الفريابي عن الثوري [عند: ابن خزيمة والطحاوي]: "عن عبد الله بن عيسى"، وهو وهم.
فقد رواه عن الفريابي به هكذا: سعيد بن عبدوس بن أبي زيدون، الرملي نزيل
قيسارية، وراق الفريابي: قال ابن أبي حاتم: "صدوق"، وله غرائب عن الفريابي عن الثوري [الجرح والتعديل (4/ 53)، علل الحديث (19)، الثقات لابن قطلوبغا (4/ 499/ 4477)]، وعبد الله بن محمد بن سعيد بن أبي مريم [ضعيف، حدث عن الفريابي بالبواطيل. اللسان (4/ 562)].
• وقد اختلف فيه على ابن أبي ليلى:
فرواه عنه الجماعة به هكذا.
ورواه وكيع بن الجراح [وهو: ثقة حافظ]، قال: ثنا ابن أبي ليلى، عن شيخ يقال له: هلال، عن حذيفة، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى عن مسح الحصي؟ فقال: "واحدةً، أو دع".
أخرجه أحمد (5/ 385 و 402)، وابن أبي شيبة (2/ 176/ 7825)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 265).
والرواية الأولى: أشبه بالصواب، والثانية: أُتي فيها ابن أبي ليلى من سوء حفظه، والله أعلم، وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الاختلاف، فقال:"ابن أبي ليلى في حديثه مثل هذا كثير، هذا من ابن أبي ليلى، مرةً يقول كذا، ومرةً يقول كذا، وقد تابع يزيدَ بنَ عطاء الثوريُّ في روايته، عن ابن أبي ليلى عن أخيه عن أبيه عن أبي ذر، وهو أشبه". [العلل (1/ 98/ 263)].
ب- ورواه سفيان بن عيينة، عن الأعمش، عن مجاهد، عن ابن أبي ليلى، عن أبي ذر، عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه.
أخرجه الطيالسى (472).
ج- ورواه ابن عيينة أيضًا، عن ابن أبي نجيح، قال: قال مجاهد: قال أبو ذر: سألت خليلي عن كل شيء حتى مسح الحصى؟ قال: "واحدة".
أخرجه الطيالسي (472)، وعبد الرزاق (2/ 40/ 2404).
• وثمة اختلاف آخر على مجاهد فيه، إلا أنه رواه عنه أحد الضعفاء:
رواه ليث بن أبي سليم [ضعيف؛ لاختلاطه وعدم تميز حديثه]، عن مجاهد، عن أبي هريرة؛ أنه كان يرخِّص في تسوية الحصى في الصلاة مرةً واحدةً، قال: وإن لم يفعل فهو أحبُّ إليَّ.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 177/ 7832)، هكذا موقوفًا على أبي هريرة.
والحديث قد ذكره الدارقطني في العلل (6/ 250/ 1111)، فقال:"يرويه ابن عيينة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن أبي ليلى عن أبي ذر، وخالفه: ابن أبي نجيح فرواه عن مجاهد عن أبي ذر مرسلًا، وحديث الأعمش أصح".
قلت: هذه الروايات الثلاث كلها معلولة، وأشدها إعلالًا الأخيرة، فإن مجاهدًا لم يسمع من أبي ذر، وحديثه عنه مرسل، قاله أبو حاتم [المراسيل (758)، تحفة
التحصيل (294)]، وعبد الله بن أبي نجيح: سمع من مجاهد [التاريخ الكبير (5/ 233)]، وإنما أرسل عنه التفسير، أخذه عن القاسم بن أبي بزة [التهذيب (2/ 444)]، لكن قوله هنا:"قال مجاهد"، يشعر بعدم سماعه من مجاهد، وابن أبي نجيح: مكي ثقة، إلا أن الأعمش أحفظ منه وأوسع منه رواية، وقد زاد في الإسناد رجلًا، وهي زيادة من ثقة حافظ فتقبل.
إلا أن الأعمش لم يصرح بسماعه من مجاهد، وقد تقدم الكلام على سماع الأعمش من مجاهد عند الحديث رقم (489)، والضابط فيه: أن نقبل ما صرح فيه الأعمش بالسماع من مجاهد -من طريق صحيح ثابت عنه-، وطرح ما سوى ذلك؛ فغنه مما دلسه ولم يسمعه من مجاهد؛ فإنه لا يصح للأعمش عن مجاهد إلا أحاديث يسيرة، لا يثبت منها إلا ما قال فيها:"سمعت"، فهو قليل السماع من مجاهد، وعامة ما يرويه عن مجاهد: مدلَّس عن الضعفاء والمتروكين.
وهذا الحديث مما لم يصرح فيه الأعمش بالسماع، فهو مدلَّس عن الضعفاء، كما قال الأئمة، ولا يُقبل من حديثه عن مجاهد إلا ما قال فيه: سمعت، وعليه: فلا يثبت مثله؛ لاحتمال أن يكون الأعمش دلسه عن مثل: الحسن بن عمارة وحكيم بن جبير، وقد تفرد به عن الأعمش: سفيان بن عيينة، ولم يكن من أصحاب الأعمش المكثرين عنه، وهو من صغار من روى عنه من الثقات، والله أعلم.
ومع ذلك فإن رواية الأعمش هذه قد توبع عليها، مما يشهد بأن لها أصلًا، لكن لا أستطيع القول بأن رواية الأعمش تعضد رواية ابن أبي ليلى بحيث تصير من قبيل الحسن لغيره، وذلك بسبب سوء حفظ ابن أبي ليلى، وكثرة أوهامه وأغلاطه وتخليطه واضطرابه، ورواية وكيع أمارة على ذلك، إضافة إلى احتمال كون الأعمش أخذه عن أحد المتروكين الذين لا يعتبر بحديثهم، فتصبح رواية ابن أبي ليلى بلا متابع، والله أعلم.
أضف إلى ذلك: أن عبد الرحمن بن أبي ليلى لا يُعرف له سماع من أبي ذر، واختلف في سماعه من عثمان بن عفان، فنفاه ابن معين [في رواية يعقوب بن شيبة عنه]، فقال:"عبد الرحمن بن أبي ليلى: لم يسمع من عمر، ولا من عثمان، وقد سمع من علي"[تاريخ دمشق (36/ 88)]، وأثبته البخاري في التاريخ الكبير (5/ 368)؛ فإن قيل: المثبت مقدم على النافي لما معه من زيادة علم، فيقال: اختلافهم في سماعه من عثمان يقوي القول بعدم سماعه من أبي ذر، لعدم وجود دلائل قوية على هذا السماع؛ فإن ابن أبي ليلى كان له من العمر عند وفاة أبي ذر: قرابة خمسة عشر عامًا، فقد توفي أبو ذر سنة (32 هـ) في خلافة عثمان، فإن قيل: لكن ذلك معارض بما روي عن ابن خراش أنه قال: "سمع من أبي ذر، وما أظنه سمع من معاذ شيئًا"[تاريخ دمشق (36/ 88)]، فيقال: ابن خراش رافضي متكلم في ضبطه وعدالته، ألف في الطعن علي الشيخين، ووصل مراسيل، ورفع
موقوفات، فهو مبتدعٍ داعية إلى بدعته، قال فيه الذهبي:"هذا مُعَثَّر مخذول، كان علمه وبالًا، وسعيه ضلالًا، نعوذ بالله من الشقاء"، وقال أيضًا: "كان حافظ زمانه، وله الرحلة الواسعة، والاطلاع الكثير والإحاطة، وبعد هذا فما انتفع بعلمه، فلا عتب على حمير الرافضة،
…
" [انظر: تاريخ بغداد (11/ 571 - ط. الغرب)، تاريخ دمشق (36/ 107)، السير (13/ 508)، الميزان (2/ 600)، اللسان (5/ 149)].
• هذا ما ظهر لي من علل في هذين الطريقين، فهل يقوي أحدهما الآخر حتى يعل بهما حديث أبي الأحوص عن أبي ذر؟
الجواب: لا؛ فإن جهالة أبي الأحوص، والتي يخاف منها ألا يكون ضبط هذا الحديث وحفظه، هذه الجهالة المخوفة من جهة الضبط قد جبرها أمور:
منها: استماع ابن المسيب لحديثه، مع عدم إنكاره عليه.
ومنها: رواية الزهري عنه، ورضاه به وثناؤه عليه.
ومنها: تصحيح جماعة من الأئمة لحديثه هذا، واحتجاجهم به.
ومنها: أن إسناده مدني، بخلاف الإسنادين الآخرين فإنهما كوفيان في الأغلب، والحديث الذي عُرف في بلده أولى من الحديث الذي لم يُعرف إلا خارجها.
ومنها: أن أبا الأحوص من موالي بني كفار، فهو أقرب إلى أبي ذر من جهة القبيلة، فأبو ذر غفاري بالنسب، وذاك غفاري بالولاء، فهو أقرب لحفظ حديثه من الغرباء.
• وبناء على ما تقدم؛ فإن حديث أبي الأحوص عن أبي ذر قد صح فيه مطلق النهي عن مسح الحصى في الصلاة والمنع من ذلك، لا سيما وفيه معنى زائد وهو النهي عن تحريك الحصى المشعر بنوع من العبث، المنافي للخشوع، ثم جاء حديث معيقيب بالرخصة مرةً واحدةً للحاجة.
قال أبو بكر الأثرم في الناسخ (130): "وأثبت ما في ذلك حديثان: حديث أبي ذر في الكراهة، وحديث معيقيب في الرخصة، ونرى أن الرخصة بعد الكراهية".
وذهب ابن خزيمة إلى أن حديث أبي الأحوص عن أبي ذر مجمل، وحديث معيقيب وحديث ابن أبي ليلى عن أبي ذر مفسران لما أجمل في حديث أبي الأحوص، فترجم لهما ابن خزيمة بقوله:"باب ذكر الخبر المفسر للفظة المجملة التي ذكرتها؛ [يعني: من حديث أبي الأحوص]، والدليل على أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح مسح الحصى في الصلاة مرةً".
• وقد روي ذلك عن أبي ذر من طرق أخرى موقوفًا، وفي أسانيدها مقال:
أخرجها الطيالسي (471)، وعبد الرزاق (2/ 38 - 40/ 2400 - 2402 و 2450)، وابن أبي شيبة (2/ 7828/176)، وابن المنذر (3/ 259/ 1613)، والبيهقي (2/ 285).
***
946 -
قال أبو داود: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن معيقيب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تمسحْ وأنت تصلي، فإن كنتَ لا بُدَّ فاعلًا فواحدةً، تسويةَ الحصى".
• حديث شاذ بهذا اللفظ، وأصله متفق عليه.
أخرجه من طريق أبي داود: ابن حزم في المحلى (3/ 95 - 96)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 116).
• هكذا رواه عن هشام الدستوائي: مسلم بن إبراهيم الأزدي الفراهيدي، وهو: ثقة مأمون، وقد اختلف عليه:
أ- فرواه أبو داود سليمان بن الأشعث [ثقة حافظ، إمام مصنف، صاحب السنن]، وإبراهيم بن عبد الله بن مسلم أبو مسلم الكجي [ثقة حافظ. الإرشاد (2/ 529)، تاريخ بغداد (7/ 36 - ط. الغرب)، السير (13/ 423)، الثقات لابن قطلوبغا (2/ 206)]، ومحمد بن إسحاق الصغاني [ثقة ثبت]، ويوسف بن يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد بن درهم الأزدي القاضي [ثقة حافظ. تاريخ بغداد (14/ 310)، الإرشاد (2/ 608)، السير (14/ 85)، التذكرة (2/ 660)]:
قالوا: حدثنا مسلم بن إبراهيم: حدثنا هشام، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن معيقيب به هكذا مرفوعًا بهذا اللفظ.
أخرجه أبو داود (946)، وأبو عوانة (1/ 507/ 1896)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 149/ 1201)، وابن قانع في المعجم (3/ 128)، والطبراني في الكبير (20/ 351/ 826)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2589/ 6238) مختصرًا. والبيهقي (2/ 284)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 116).
ب- خالفهم في إسناده ومتنه:
محمد بن خزيمة [ذكره ابن حبان في الثقات، وقال: "مستقيم الحديث"، ووثقه مسلمة بن قاسم، وابن يونس. الثقات (9/ 133)، المقفى الكبير (5/ 623)، الثقات لابن قطلوبغا (8/ 267)، تاريخ ابن يونس (2/ 203)]، فقال: ثنا مسلم بن إبراهيم الأزدي، قال: ثنا أبان بن يزيد، قال: ثنا يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن معيقيب؛ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن المسح؟ فقال:"إن كان لا بُدّ فاعلًا فواحدةً".
أخرجه الطحاوي في المشكل (4/ 64/ 1432).
ورواية الجماعة هي الصواب؛ إلا أنه قد دخلها الوهم، فلا أدري ممن هو؟ فقد رواه جماعة من الحفاظ عن هشام الدستوائي بمثل رواية الجماعة عن يحيى بن أبي كثير بغير سياق الفراهيدي:
• رواه عن هشام الدستوائي: يحيى بن سعيد القطان، وخالد بن الحارث، ووكيع بن الجراح، وإسماعيل بن علية [وهم: ثقات حفاظ أثبات]، ووهب بن جرير، وعبد الوهاب بن عطاء الخفاف [وهما: ثقتان].
وفي رواية وهب بن جرير ويحيى القطان ووكيع وخالد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له: في المسح في المسجد؟ [يعني: الحصى]، قال:"إن كنتَ لا بدَّ فاعلًا فواحدةً"، قال هشام: أُراه قال: يعني: مسح الحصا، واللفظ لوهب وهو أتم، وما بين المعكوفين للقطان ووكيع.
أخرجه مسلم (546/ 47 و 48)، وأبو عوانة (1/ 507/ 1895)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 149/ 1200 و 1201)، والدارمي (1/ 374/ 1387)، وابن خزيمة (2/ 51 و 52/ 895 و 896)، وابن الجارود (218)، وأحمد (3/ 426) و (5/ 425)، وابن أبي شيبة في المصنف (2/ 176/ 7826)، وفي المسند (725)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1/ 238/ 310)، والطحاوي في المشكل (4/ 63 - 64/ 1431).
• ورواه حماد بن مسعدة [ثقة]، وأبو داود الطيالسي [ثقة حافظ]: عن هشام الدستوائي به مختصرًا، قال حماد في حديثه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في تسوية الحصا: "واحدةً، أو دع"، وقال الطيالسي: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصاة؟ فقال لي: "مرةً، أو دَع".
أخرجه أبو عوانة (1/ 509/ 1894)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (/ 2/ 149 1200)، والطيالسي (2/ 509/ 1283).
وهشام بن أبي عبد الله الدستوائي: ثقة ثبت، وهو أثبت أصحاب يحيى بن أبي كثير.
• ورواه شيبان بن عبد الرحمن النحوي [ثقة، صاحب كتاب، من أثبت أصحاب يحيى]، عن يحيى، عن أبي سلمة، قال: حدثني معيقيب؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الرجل يسوِّي الترابَ حيث يسجد، قال:"إن كنت فاعلًا فواحدةً".
أخرجه البخاري (1207)، ومسلم (546/ 49)، وأبو عوانة (1/ 507/ 1898)، وأبو نعيم في مستخرجه على مسلم (2/ 150/ 1202)، وأحمد (3/ 426) و (5/ 426)، وابن أبي شيبة في المسند (726)، والطبراني في الكبير (20/ 351/ 825)، والبيهقي (2/ 284)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 159/ 664)، وقال:"هذا حديث صحيح".
• ورواه أبان بن يزيد العطار [ثقة]، وهمام بن يحيى [ثقة]، وحرب بن شداد [ثقة] [وثلاثتهم من أصحاب يحيى بن أبي كثير]:
عن يحيى، عن أبي سلمة، عن معيقيب؛ أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المسح؟ قال:"مرةً واحدةً"؛ يعني: الحصا، لفظ أبان، وفي روايةٍ لهمام:"واحدةً، وإلا فذر"، ولفظ حرب:"إن كنتَ فاعلًا فواحدةً".
أخرجه ابن قانع في المعجم (3/ 128)، والطبراني في الكبير (20/ 827/ 351 و 828).
• ورواه الأوزاعي [ثقة فقيه إمام]: حدثني يحيى بن أبي كثير: حدثني أبو سلمة، قال: حدثني معيقيب، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسح الحصى في الصلاة [وفي رواية: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في الصلاة؟ فقال]: "إن كنتَ [لا بدَّ] فاعلًا فمرةً واحدةً".
أخرجه الترمذي (380)، والنسائي في المجتبى (3/ 7/ 1192)، وفي الكبرى (1/ 288/ 538) و (2/ 35/ 1116)، وابن ماجه (1026)، وأبو عوانة (1/ 507/ 1897)، وابن حبان (6/ 51/ 2275)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 260/ 1618)، والطحاوي في المشكل (4/ 63/ 1430)، والطبراني في الكبير (20/ 350/ 824)، وابن عبد البر في التمهيد (24/ 117).
قال الترمذي: "هذا حديث حسن صحيح".
وانظر فيمن وهم فيه على الأوزاعي: علل الدارقطني (14/ 47/ 3411).
• وقد وهم فيه معمر بن راشد فأرسله:
رواه معمر [ثقة ثبت في الزهري وابن طاووس]، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل له في مسح الحصى في الصلاة؟ فقال:"إن كنتَ فاعلًا فواحدةً".
أخرجه عبد الرزاق (2/ 40/ 2406).
وانظر في الغرائب: أطراف الغرائب والأفراد (2/ 144/ 4410).
• ورواه محمد بن عثمان بن أبي شيبة: حدثني أبي [أو قال: وجدت في كتاب أبي]، عن مستلم بن سعيد، عن منصور بن زاذان، عن أبي سلمة، عن معيقيب بن أبي فاطمة، قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيسوِّي الرجلُ الحصى وهو يصلي؟ قال: "إن كان لا بد فمرةً واحدةً".
أخرجه الطبراني في الأوسط (5/ 332/ 5468)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2589/ 6239).
قال الطبراني بعد أن روى أحاديث بهذا الإسناد: "لم يرو هذه الأحاديث عن منصور بن زاذان إلا مستلم بن سعيد، تفرد بها: محمد بن أبي شيبة".
قلت: رجاله ثقات، وهو من غرائب محمد بن عثمان بن أبي شيبة، وهو: حافظ صدوق، له غرائب.
• وللحديث شواهد، منها:
1 -
حديث جابر بن عبد الله:
يرويه ابن أبي ذئب [ثقة فقيه]، وأبو أويس [عبد الله بن عبد الله بن أويس: ليس به بأس، لينه بعضهم]:
عن شرحبيل بن سعد، عن جابر، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن مسح الحصى في
الصلاة، فقال:"واحدةً، ولو تمسك عنها خيرٌ لك من مائة ناقة كلها سود الحدق"، زاد في رواية لابن أبي ذئب، وأبي أويس:"فإن غلب أحدَكم الشيطانُ فليمسح مسحةً واحدةً".
أخرجه ابن خزيمة (2/ 897/52)، وعنه: ابن حبان في وصف الصلاة بالسُّنَّة (3/ 151/ 2713 - إتحاف المهرة)، وأحمد (3/ 300 و 328 و 384 و 393)، وابن أبي شيبة (2/ 176/ 7827)، وابن المنذر في الأوسط (3/ 260/ 1619)، والطحاوي في المشكل (4/ 433/ 164).
وهذا حديث ضعيف، شرحبيل بن سعد: ضعيف، وقد سمع جابرًا [التهذيب (2/ 157)، التاريخ الكبير (4/ 251)، الجرح والتعديل (4/ 338)].
وانظر له وجهًا آخر عن شرحبيل بن سعد: عند ابن أبي شيبة (2/ 176/ 7821).
2 -
حديث حذيفة:
يرويه وكيع، قال: ثنا ابن أُبي ليلى، عن شيخ يقال له: هلال، عن حذيفة، قال: سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن كل شيء حتى عن مسح الحصى؟ فقال: "واحدةً، أو دع".
أخرجه أحمد (5/ 385 و 402)، وابن أبي شيبة (2/ 176/ 7825)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (12/ 265).
وهذه الرواية غير محفوظة؛ أتي فيها ابن أبي ليلى من سوء حفظه، والله أعلم، وقد سبق الكلام عليها تحت الحديث السابق برقم (945).
• وروى أبو أسامة، عن ابن عون، عن محمد، قال: قال حذيفة: هكذا، واحدةً أو دع، وبيده مسح الأرض. قال أبو أسامة: يعني: تسوية الحصى، أو: شيء في موضع سجوده.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 177/ 7863).
وهذا موقوف على حذيفة بإسناد منقطع، ورجاله ثقات، محمد بن سيرين روايته عن حذيفة مرسلة؛ فإنه لم يدركه، وبين وفاتيهما قرابة (74) عامًا، ومات ابن سيرين وهو ابن (77) عامًا، وقد ولد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان، وتوفي حذيفة في أول خلافة علي سنة (36 هـ)، فكان ابن سيرين وقتئذ ابن ثلاث سنين على الأكثر [طبقات ابن سعد (7/ 193)، التاريخ الأوسط (1/ 260/ 1264)، الثقات (5/ 349)، تحفة التحصيل (278)، التهذيب (3/ 586)].
3 -
حديث علي بن أبي طالب:
روي من طرق كثيرة، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا علي! إني أحب لك ما أحب لنفسي، وأكره لك ما أكره لنفسي، لا تقرأ وأنت راكع، ولا وأنت ساجد، ولا تصلِّ وأنت عاقص شعرك؛ فإنه كفل الشيطان، ولا تقْع بين السجدتين، ولا تعبث بالحصى [في الصلاة]، [ولا تفقع أصابعك وأنت في الصلاة]، ولَا تفترش ذراعيك، ولا تفتح على الإمام، ولا تتختم بالدهب، ولا تلبس القسي، [ولا المعصفر]، ولا تركب على المياثر [الحمر؛ فإنها مراكب الشيطان] ".
وقد تقدم تخريجه تحت الحديث رقم (647)، وهو حديث ضعيف، واختلف في رفعه ووقفه، ووقفه أصح.
وانظر في الغرائب: فتح الباري لابن رجب (6/ 392).
• وأما ما يحتج به في هذا الباب: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه:
فقد رواه صالح بن محمد، قال: حدثنا سليمان بن عمرو، عن ابن عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال:"لو خشع قلبه لخشعت جوارحه".
أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (4/ 8/ 824) و (5/ 504/ 1305) و (7/ 157/ 1620).
قلت: هو حديث باطل موضوع؛ شيخ الحكيم الترمذي هو: صالح بن محمد الترمذي، وهو: متهم ساقط [اللسان (4/ 296)، المجروحين (1/ 370)، مسند الشهاب (39 و 399)، جامع بيان العلم (1/ 129)]، وشيخه هو: أبو داود النخعي الكذاب، وقد جاء منسوبًا في بعض الأسانيد التي يرويها صالح بن محمد عنه [كما في أحد المصادر السابق ذكرها]، وأبو داود النخعي هذا: مشهور بالكذب ووضع الحديث، حتى قال ابن عدي:"اجتمعوا على أنه يضع الحديث"[اللسان (4/ 163)، الكامل (3/ 249)]، ثم هو قد تفرد هنا بإسناد مدني شهير، فأين أصحاب محمد بن عجلان المدنيون والغرباء عن هذا الحديث؟.
• وإنما يروى هذا الكلام موقوفًا أو مقطوعًا، ولا يصح أيضًا:
أ- فقد روى الوليد بن مسلم، عن ثور بن يزيد، قال: رأى حذيفة بن اليمان رجلًا يصلي يعبث بلحيته، فقال: لو خشع قلب هذا سكنت جوارحه.
أخرجه ابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (150).
وهذا إسناد رجاله ثقات؛ لكنه معضل، فإن ثور بن يزيد ولد على أقل تقدير سنة (80 هـ)؛ يعني: بعد وفاة حذيفة بنحو (44) سنة على الأقل، والله أعلم.
ب- وروى عبد الله بن المبارك [ثقة حجة، إمام فقيه، أثبت الناس في معمر]، وإسماعيل بن علية [ثقة ثبت]:
قال ابن المبارك: أخبرنا معمر، عن رجل، عن سعيد بن المسيب؛ أنه رأى رجلًا عبث في صلاته، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه.
وفي رواية ابن علية: عن رجل، قال: رأى سعيد بن المسيب رجلًا وهو يعبث بلحيته في الصلاة، وقال: جوانحه، بدل: جوارحه.
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1188)، وابن أبي شيبة (2/ 6787/86)، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (151).
• ورواه عبد الرزاق [ثقة حافظ، من أثبت الناس في معمر، وهو راويته]، عن
معمر، عن أبان، قال: رأى ابن المسيب رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: إنى لأرى هذا لو خشع قلبه خشعت جوارحه.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 266/ 3308).
وفي هذه الرواية عيَّن معمر الرجلَ المبهمَ الذي أبهمه في رواية ابن المبارك وابن علية، فسماه أبانًا، وهو: أبان بن أبي عياش، وهو: متروك، فسقط بذلك نسبة هذا القول إلى ابن المسيب أيضًا.
• ثم رواه عبد الرزاق، عن الثوري، عن رجل، قال: رآني ابن المسيب أعبث بالحصى في الصلاة، فقال: لو خشع قلب هذا خشعت جوارحه.
أخرجه عبد الرزاق (2/ 266/ 3309).
ولا أظن هذا المبهم إلا أبانًا، فإن الثوري إذا لم يرتض الرجل أبهمه، والله أعلم.
• ورواه سعيد بن جبير [ليس بأس به]، قال: حدثنا محمد بن خالد [الضبي: ليس به بأس]، عن سعيد بن جبير، قال: نظر سعيد إلى رجل وهو قائم في الصلاة، قال: وهو يعبث بلحيته، فقال سعيد: لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه.
أخرجه صالح بن أحمد في مسائله لأبيه (741).
قال البخاري في التاريخ الكبير (1/ 72): "وروى سعيد بن خثيم عن محمد بن خالد الضبي عن سعيد بن جبير: منقطع".
وعليه: فلا يصح أيضًا عن سعيد بن جبير، والله أعلم.
• قال الترمذي: "والعمل على هذا عند أهل العلم".
قال ابن رجب في الفتح (6/ 390): "يعني: على كراهة مسح الحصى، والرخصة في المرة الواحدة منه".
واستحب ابن المنذر أن يمسح الحصى لموضع السجود قبل الدخول في الصلاة، ولا بأس إن مسحه مرة؛ لحديث معيقيب، وتركه أفضل [الأوسط (3/ 260)، الفتح لابن رجب (6/ 390)].
قال ابن عبد البر: "السُّنَّة في الصلاة أن لا يُعمِل جوارحه في غيرها، ومسح الحصباء ليس من الصلاة، فلا ينبغي أن يمسح ولا يعبث بشيء من جسده، ولا يأخذ شيئًا ولا يضعه، فإن فعل لم تنتقض بذلك صلاته، ولا سهو عليه".
وقال ابن حجر في الفتح (3/ 79): "التقييد بالحصى وبالتراب خرج للغالب؛ لكونه كان الموجود في فرش المساجد إذ ذاك، فلا يدل تعليق الحكم به على نفيه عن غيره مما يصلى عليه من الرمل والقذى وغير ذلك".
***