الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قلت: هو كما قال الدارقطني، غريب من حديث يحيى بن أبي كثير، فإنه كثير الأصحاب، وقد تفرد بهذا دونهم: ميمون بن موسى المرئي، وليس من أصحاب يحيى، كما أنه مختلف فيه، فممن رآه صدوقًا، لا بأس به: أحمد، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو حاتم، وأبو داود، وضعفه: الفلاس [في رواية عنه]، وقال النسائي:"ليس بالقوي"، وكذا قال أبو أحمد الحاكم، وذكره العقيلي في الضعفاء، واختلف فيه قول ابن حبان، فذكره مرة في الثقات، ثم أعاده في المجروحين، وقال:"منكر الحديث، يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد"، وهو مشهور بالتدليس، حتى قال فيه ابن عدي:"وميمون هذا عزيز الحديث، وإذا قال: حدثنا، فهو صدوق؛ لأنه كان متهمًا في التدليس"[التاريخ الكبير (3/ 165) و (7/ 341)، التاريخ الأوسط (2/ 114/ 1986) و (2/ 127/ 2034)، الجرح والتعديل (8/ 237)، ضعفاء العقيلي (4/ 186)، المجروحين (3/ 6)، الكامل لابن عدي (6/ 415)، التهذيب (4/ 199)]، وعلى هذا فمثله لا يحتمل تفرده عن يحيى بن أبي كثير، والله أعلم.
3 -
حديث عبد الله بن عمرو:
يرويه يمان بن المغيرة، عن عبد الكريم [هو: ابن أبي المخارق]، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"من توضأ فأحسن الوضوء، ثم صلى أربع ركعات لم يسه فيهن، غفر له".
أخرجه البزار (6/ 373 / 2389)، بإسناد صحيح إلى اليمان به.
وهذا حديث منكر؛ عبد الكريم بن أبي المخارق، أبو أمية البصري: مجمع على ضعفه، وقال النسائي والدارقطني: متروك، وقال أحمد في رواية ابنه عبد الله:"ضعيف"، وفي رواية أبي طالب: الشى هو بشيء، شبه المتروك " [التهذيب (2/ 603)، الميزان (2/ 646)، الجرح والتعديل (6/ 60)]، ويمان بن المغيرة: منكر الحديث، يروي مناكير لا أصول لها، ويروي بهذا الإسناد أحاديث أنكرت عليه [انظر: ضعفاء العقيلي (4/ 463)، الميزان (4/ 460)، التهذيب (4/ 452)].
***
163 - باب الفتح على الإِمام في الصلاة
907 -
قال أبو داود: حدثنا محمَّد بن العلاء، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، قالا: أخبرنا مروان بن معاوية، عن يحيى الكاهلي، عن المُسَوَّر بن يزيد الأسدي المالكي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يحيى: وربما قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركتَ آية كذا وكذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"هلا أذكرتنيها".
قال سليمان في حديثه: قال: كنت أُراها نُسِختْ.
وقال سليمان: قال: حدثني يحيى بن كثير الأسدي، قال: حدثنا المسور بن يزيد الأسدي المالكي.
• حديث حسن بشواهده.
أخرجه من طريق أبي كريب محمَّد بن العلاء:
ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 151/ 872) و (2/ 297/ 1059)، وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 186).
وأخرجه من طريق سليمان بن عبد الرحمن:
البيهقي في المعرفة (2/ 1737/494).
هكذا رواه أبو كريب محمَّد بن العلاء [ثقة حافظ]، وسليمان بن عبد الرحمن الدمشقي [ابن بنت شرحبيل: صدوق].
• وتابعهما: الحميدي عبد الله بن الزبير، ودحيم عبد الرحمن بن إبراهيم [وهما إمامان جليلان، ثقتان حافظان]، ويوسف بن عدي، وسريج بن يونس، وخلاد بن أسلم، وعبد الله بن عبد الوهاب الحجبي، وسعيد بن عمرو بن سهل الأشعثي [وهم ثقات]، وعلي بن معبد الرقي [ثقة، لكن الراوي عنه: المقدام بن داود، وهو ضعيف]، ومحمد بن عباد بن موسى [لقبه سندولا: ضعيف]:
عن مروان بن معاوية، عن يحيى بن كثير الكاهلي، عن المسور بن يزيد الآسدي، قال: شهدتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ في الصلاة، فترك شيئًا لم يقرأه، فقال له رجل: يا رسول الله! تركت آية كذا وكذا، قال:"فهلا أذكرتمونيها"، [قال: كنت أُراها نُسخت].
لفظ الحميدي. وفي رواية: "فهلا ذكَّرتنيها". وفي أخرى: "فهل أذكرتنيها إذًا".
زيد في روايةٍ للحميدي ودحيم: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم تُنسَخ"، ولا تُحفظ عنهما.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإِمام (191)، وفي التاريخ الكبير (8/ 40)، وابن خزيمة (3/ 73 - 74/ 1648)، وابن حبان (6/ 12/ 2240)، وعبد الله بن أحمد في زياداته على المسند (4/ 74)، وابن سعد في الطبقات (6/ 50)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (2/ 151/ 872) و (2/ 297/ 1059) و (5/ 160/ 2699)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 225/ 2071)، وابن قانع في المعجم (3/ 111)، والطبراني في الكبير (20/ 27/ 34)، والدارقطني في المؤتلف والمختلف (4/ 2005)، وأبو نعيم في معرفة الصحابة (5/ 2550/ 6165)، والبيهقي (3/ 211)، والخطيب في تلخيص المتشابه في الرسم (1/ 132 و 133)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 327)، وابن الأثير في أسد الغابة (5/ 186).
• ورواه إسحاق بن إبراهيم الحنظلي [الحافظ الإِمام الثبت الحجة: ابن راهويه]،
قال: حدثنا مروان بن معاوية، قال: حدثنا يحيى بن كثير الكوفي -شيخ له قديم-، قال: حدثني المسور بن يزيد، قال: شهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ في الصلاة [وفي رواية: في صلاة الصبح]، فتعايا في آيةٍ، فقال رجلٌ: يا رسول الله! إنك تركتَ آيةً، قال:"فهلا أذكرتنيها"، قال: ظننتُ أنها قد نُسِخت، قال:"فإنها لم تُنسَخ". وفي رواية: فلما فرغ قال: "يا أبيُّ! ما منعك أن تفتح عليَّ".
أخرجه ابن حبان (6/ 13/ 2241)، والطبراني في الكبير (20/ 27/ 34)، والخطيب في تلخيص المتشابه (1/ 133)، وفي المبهمات (12)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 326 - 327).
• وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، فقال:"لم يرو هذا الحديث غير مروان، ويحيى بن كثير ومسوَّر: مجهولان"[العلل (441)].
قلت: يحيى بن كثير الكاهلي: قال أبو حاتم: "شيخ"، كما في الجرح والتعديل (9/ 183)، وقال في العلل:"مجهول"، وقال النسائي:"ضعيف"، وقال ابن أبي عاصم في الموضع الأول:"ضعيف"، وفي الثاني:"لين الحديث"، وذكره ابن حبان في الثقات، ولم يرو عنه سوى مروان بن معاوية [التهذيب (4/ 382)، الميزان (4/ 403)، الإكمال لمغلطاي (12/ 354)].
وأما قول ابن شاهين في ثقاته (1596): "يحيى بن كثير الكاهلي: روى عنه صالح بن إسحاق الجرمي، وقال: كان ثقة، لا بأس به"، فقد جزم ابن حجر في التهذيب (4/ 382) بأن يحيى هذا هو صاحب البصري، وهو كما قال؛ فقد أخرج البيهقي في الشعب (4/ 333/ 5309)، من طريق: صالح بن إسحاق: ثنا يحيى بن كثير الكاهلي -قال صالح: وكان ثقة، وكان لا بأس به-: ثنا هشام؛ [يعني: ابن حسان]، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم،
…
فذكر حديثًا فيمن غش الخمر بالماء وباعها؛ ولصالح الجرمي بهذا الإسناد حديثًا آخر عند الخطيب في تاريخ بغداد (9/ 313)، ولم ينسب يحيى بن كثير كاهليًا، وأثنى عليه خيرًا، فتبين بذلك صحة ما ذهب إليه ابن حجر بأن يحيى بن كثير المذكور في هذا الإسناد ليس هو الكاهلي، وإنما هو صاحب البصري؛ فهو المعروف بالرواية عن هشام بن حسان، والواهم في ذلك هو صالح بن إسحاق الجرمي نفسه، فقد كان عالمًا باللغة حافظًا لها، وقال فيه الذهبي:"كان من كبار أئمة العربية في زمانه"؛ إلا أنه في الحديث قد تكلموا فيه، وقال الأزدي:"متروك"، وذكره ابن حبان في الثقات [الجرح والتعديل (4/ 394)، الثقات (8/ 317)، تاريخ بغداد (9/ 313)، الأنساب (2/ 48)، السير (10/ 561)، تاريخ الإِسلام (16/ 201)، اللسان (4/ 279)].
وقال ابن ماكولا في الإكمال (7/ 189): "وأما مُسَوَّر: بضم الميم وفتح السين وتشديد الواو وفتحها، فهو المسور بن يزيد المالكي الكاهلي الأسدي، له صحبة ورواية عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه يحيى بن كثير الكاهلي الكوفي، له حديث واحد في الصلاة، ولا يعرف".
قلت: فهو إسناد ضعيف؛ لضعف يحيى بن كثير الكاهلي الأسدي الكوفي، وبذا تعلم ما في قول النووي في الخلاصة (1681):"رواه أبو داود بإسناد حسن"، والله أعلم.
• إلا أن هذا الحديث في قصة أُبيٍّ مشهور من طرق متعددة، فهو صحيح من حديث عبد الرحمن بن أبزى، ورُوي من حديث أبي بن كعب وابن عباس، وفيهما ضعف، ومن مرسل حميد بن عبد الرحمن بإسناد صحيح [كما سيأتي بيانه]، فيدل على أنه حديث ثابت، فإن الضعيف لا يخطئ دومًا، بل إن بعض المتروكين قد يوافقون الثقات في مروياتهم أحيانًا.
وعليه: فإن يحيى بن كثير الكاهلي قد أصاب في هذه الرواية، لمجيئها من طرق متعددة تشهد بثبوتها، وأنه قد حفظ، فهو حديث حسن بشواهده، وقد صححه ابن خزيمة وابن حبان، واحتج به أبو داود وابن المنذر، والله أعلم.
***
907 م - قال أبو داود: حدثنا يزيد بن محمَّد الدمشقي: حدثنا هشام بن إسماعيل: حدثنا محمَّد بن شعيب: أخبرنا عبد الله بن العلاء بن زَبْر، عن سالم بن عبد الله، عن عبد الله بن عمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً، فقرأ فيها فلُبِس عليه، فلما انصرف قال لأُبيٍّ:"أصلَّيتَ معنا؟ " قال: نعم، قال:"فما منعك؟ ".
• دخل لراويه حديث في حديث، وصوابه: مرسل بإسناد ضعيف.
أخرجه من طريق يزيد بن محمَّد بن عبد الصمد الدمشقي [وهو ثقة]:
تمام في الفوائد (216)، والبغوي في شرح السُّنَّة (3/ 160/ 665)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 326).
• ورواه الحسن بن سفيان [أبو العباس النسوي: ثقة حافظ]: ثنا عباس بن الوليد [وقع عند أبي نعيم: عبد الله بن الوليد، وهو خطأ]: ثنا هشام بن إسماعيل: أخبرني عبد الله بن العلاء، عن سالم، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً فقرأ فيها، فالتبس عليه، فلما انصرف، قال لأُبي:"أحضرتَ معنا؟ " قال: نعم، قال:"فما منعك أن تفتح عليَّ؟ ".
أخرجه أبو نعيم في معرفة الصحابة (3/ 1715/ 4327)، وجعفر المستغفري في فضائل القرآن (1/ 166/ 64).
قلت: شيخ الحسن بن سفيان هو: العباس بن الوليد بن صبح الدمشقي، وهو: صدوق، وقد وهم على هشام بن إسماعيل العطار [وهو: دمشقي، ثقة] بإسقاط محمَّد بن شعيب بن شابور من الإسناد، والمحفوظ: رواية يزيد بن محمَّد بإثباته، والله أعلم.
• ورواه هشام بن عمار [دمشقي صدوق، إلا أنه لما كبر صار يتلقَّن]، قال: حدثنا محمَّد بن شعيب بن شابور [دمشقي، صدوق، صحيح الكتاب]، قال: حدثنا عبد الله بن
العلاء بن زبر [دمشقي ثقة]، عن سالم بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاةً فالتبس عليه، فلما فرغ قال لأبي بن كعب:"أشهدت معنا؟ "، قال: نعم، قال:"فما منعك أن تفتح عليَّ".
أخرجه ابن حبان (6/ 13/ 2242)، والطبراني في الكبير (12/ 313/ 13216)، وفي مسند الشاميين (1/ 437/ 771)، والبيهقي في السنن (3/ 212)، وفي المعرفة (2/ 494/ 1736).
قال الخطابي: "إسناد حديث أُبيٍّ جيد"[معالم السنن (1/ 272)، مختصر المنذري (1/ 263)].
وقال البغوي: "وهذا الحديث أجود إسنادًا من حديث الحارث عن علي".
وقال النووي في الخلاصة (1680): "رواه أبو داود بإسناد صحيح".
وقال في المجموع (4/ 209): "رواه أبو داود بإسناد صحيح كامل الصحة، وهو حديث صحيح".
• وقد صححه ابن حبان كما رأيت، فمشوا فيه على ظاهر السند؛ إلا أن له علةً خفيةً لا تُدرك بالنظر، ومعرفة الأسانيد، بل لا سبيل إلى معرفتها إلا من جهة أئمة النقاد الذين عاينوا الصحف والنسخ الحديثية وكتب الرواة:
قال ابن أبي حاتم في العلل (1/ 77/ 207): "سألت أبي عن حديث رواه هشام بن إسماعيل، عن محمَّد بن شعيب بن شابور، عن عبد الله بن العلاء بن زبر، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه صلى فترك آيةً، فلما انصرف قال: "أفيكم أُبي؟ "، فذكر الحديث.
قال أبي: هذا وهمٌ، دخل لهشام بن إسماعيل حديث في حديث، نظرت في بعض أصناف محمَّد بن شعيب، فوجدت هذا الحديث رواه محمَّد بن شعيب، عن محمَّد بن يزيد البصري، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فترك آيةً، هكذا مرسل، ورأيت بجنبه حديث عبد الله بن العلاء، عن سالم، عن أبيه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه سئل عن صلاة الليل؟ فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيت الصبح
…
"، فعلمتُ أنه قد سقط على هشام بن إسماعيل متنُ حديث عبد الله بن العلاء، وبقي إسناده، وسقط إسناد حديث محمَّد بن يزيد البصري، فصار متنُ حديث محمَّد بن يزيد البصري بإسناد حديث عبد الله بن العلاء بن زبر، [وهذا حديث مشهور يرويه الناس عن هشام بن عروة].
فلما قدمتُ السَّفْرة الثانية، رأيتُ هشام بن عمار يحدِّث به عن محمَّد بن شعيب، فظننتُ أن بعض البغداديين أدخلوه عليه، فقلت له: يا أبا الوليد ليس هذا من حديثك!، فقال: أنتَ كتبتَ حديثي كله؟ فقلت: أما حديث محمَّد بن شعيب، فإني قدمتُ عليك سنة بضعة عشر، فسألتني أن أُخرج لك مسند محمَّد بن شعيب، فأخرجتَ إليَّ حديث محمَّد بن شعيب، فكتبتُ لك مسنده، فقال: نعم، هي عندي بخطِّك، قد أعلمتُ الناسَ أن هذا بخط أبي حاتم، فسكتُّ" [وما بين المعكوفين لم يذكره ابن حجر فيما نقله من العلل في النكت الظراف (5/ 357)، وفي الإتحاف (8/ 342)].
فتبين من كلام أبي حاتم: أن هشام بن إسماعيل العطار قد دخل له حديث في حديث، والصواب فيه: ما رواه محمَّد بن شعيب بن شابور، عن محمَّد بن يزيد البصري، عن هشام بن عروة، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى فترك آيةً، هكذا مرسلًا. كما وقع في كتاب محمَّد بن شعيب.
وأما هشام بن عمار؛ فلم يكن هذا الحديث عنده من حديث محمَّد بن شعيب، فإن أبا حاتم لما كتب له مسند حديث محمَّد بن شعيب، لم يكن منه هذا الحديث، فتبين بذلك بأنه ليس من حديث هشام بن عمار، وإنما لُقِّنه بعد ذلك فتلقَّنه، وبذا يرجع مرة أخرى إلى مرسل هشام بن عروة.
وعليه: فهو مرسل بإسناد ضعيف؛ فإن محمَّد بن يزيد البصري هذا قال فيه أبو حاتم: "هذا شيخ بصرى مجهول، لا أعلم أحدًا روى عنه غير محمَّد بن شعيب بن شابور والوليد بن مزيد". [الجرح والتعديل (8/ 127)، تاريخ دمشق (56/ 280)، اللسان (7/ 593)].
والطبراني في مسند الشاميين لم يذكر لعبد الله بن العلاء عن سالم، سوى هذين الحديثين اللذين ذكرهما أبو حاتم، مما يدل على غرابة حديث الباب، وقلة مرويات عبد الله بن العلاء عن سالم، وكأنه لا يُعرف له عن سالم سوى هذين الحديثين. [انظر: تحفة الأشراف (5/ 92/ 6766)، إتحاف المهرة (8/ 341 و 342/ 9516 و 9517)]، والإمام أحمد قد أعرض عن حديث الباب، فلم يخرجه في مسنده، وإنما أخرج له الحديث الآخر لشهرته [المسند (3/ 1309/ 6278 و 6279 - ط. المكنز)][مع ملاحظة وجود خطأ في الميمنية (2/ 133)]، وهذان الحديثان: أحدهما محفوظ مشهور عن سالم وغيره عن ابن عمر، وهو حديث:"صلاة الليل مثنى مثنى"[البخاري (1137)، مسلم (749/ 146)]، والآخر: غريب أبان أبو حاتم عن علته، وأن صوابه: مرسل بإسناد ضعيف، والله أعلم. [وانظر: التمهيد (17/ 76)، تاريخ بغداد (10/ 16)].
قال ابن حجر في النكت الظراف (5/ 357): "وقد خفت هذه العلة على ابن حبان فأخرج هذا الحديث في صحيحه من رواية هشام بن عمار عن محمَّد بن شعيب به".
• وفي الباب:
1 -
حديث أبي بن كعب:
أ- يرويه بندار محمَّد بن بشار، وأبو موسى محمَّد بن المثنى [وهما: ثقتان حافظان]:
قالا: ثنا يحيى بن سعيد القطان: ثنا سفيان: حدثني سلمة بن كهيل، عن ذر، عن ابن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فترك آية، وفي القوم أبي بن كعب، فقال: يا رسول الله، نسيت آية كذا وكذا، أو نسخت؟ قال:"نسيتها". لفظ بندار.
وفي رواية أبي موسى: أن النبي صلى الله عليه وسلم نسي آية من كتاب الله، وفي القوم أبي، فقال: يا رسول الله نسيت آية كذا وكذا؟ أو نسيتها؟ قال: "لا، بل نسيتها".
وسمى ابن عبد الرحمن سعيدًا [مع التنبيه على سقوط ذكر ذر بن عبد الله المرهبي من إسناد أبي موسى من مطبوعات صحيح ابن خزيمة، مع أن ابن حجر في الإتحاف (1/ 235/ 83) لم يشر إلى وجود اختلاف بين رواية بندار وأبي موسى في الإسناد، ناهيك عن كونه مرويًا عن أبي موسى كالجماعة بإثبات ذر، كما عند الدارقطني والضياء].
أخرجه ابن خزيمة (3/ 73/ 1647)، وابن حبان في الصلاة (1/ 235/ 83 - إتحاف المهرة)، والدارقطني في الثاني من الأفراد (17)(1/ 150/ 613 - أطرافه)، والضياء في المختارة (3/ 429/ 1229 و 1230).
• تابعهما على هذه الرواية عن الثوري، بجعله من مسند أُبي:
إسحاق بن يوسف الأزرق [ثقة]، عن سفيان، عن سلمة بن كهيل، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه، عن أبي بن كعب، قال: صلى بنا النبي صلى الله عليه وسلم الفجر وترك آية، فجاء أبي، وقد فاته بعض الصلاة، فلما انصرف، قال: يا رسول الله نُسخت هذه الآية، أو أُنسيتها؟ قال:"لا، بل أنسيتُها".
أخرجه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند (5/ 123)، ومن طريقه: الضياء في المختارة (3/ 430/ 1231).
ب- ورواه أحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس [وهما: إمامان جليلان، ثقتان حافظان متقنان]:
قالا: حدثنا يحيى بن سعيد، عن سفيان، قال: حدثنا سلمة بن كهيل، عن ذر، عن سعيد بن عبد الرحمن بن أبزى، عن أبيه؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الفجر [وفي رواية الفلاس: قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم الفجر] فترك آيةً، فلما صلى قال:"أفي القوم أبي بن كعب؟ " قال أبي: يا رسول الله نُسخت آية كذا وكذا، أو نسيتَها؟ قال:"نسيتُها".
أخرجه النسائي في كتاب المناقب من الكبرى (7/ 344 - 345/ 8183)، وأحمد (3/ 407).
• تابعهما على هذه الرواية عن الثوري، بجعله من مسند عبد الرحمن بن أبزى:
أبو نعيم الفضل بن دكين [ثقة ثبت]، ووكيع بن الجراح [ثقة حافظ]، وأبو حذيفة النهدي موسى بن مسعود [صدوق، كثير الوهم، ليس بذاك في الثوري. شرح علل الترمذي (2/ 726)، التهذيب (4/ 188)]:
قالوا: حدثنا سفيان، عن سلمة، عن ذر، عن ابن أبزى، عن أبيه، قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم فترك آيةً،
…
فذكر نحوه. وسماه أبو حذيفة: سعيدًا.
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإِمام (190)، وأبو إسحاق الحربي في غريب الحديث (3/ 1045)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (2/ 288).
قال الدارقطني في الأفراد لما أخرجه في مسند أُبي: "غريب من حديث الثوري عن سلمة بن كهيل، لم يسنده عن أبي بن كعب غير يحيى بن سعيد القطان، وروي عن إسحاق الأزرق عن الثوري مرسلًا ومسندًا".
• قلت: قد اختلف الحفاظ فيه على يحيى بن سعيد القطان، كما سبق بيانه، ورواية أثبت أصحابه؛ كالإمام أحمد وأبي حفص الفلاس؛ هي الموافقة لرواية الجماعة عن الثوري، وفيهم من أثبت أصحابه: أبو نعيم ووكيع، فدل ذلك على كونها الرواية المحفوظة، وقد تكون زيادة أبي بن كعب في إسناد بندار وأبي موسى زيادة تفسيرية، وكأنها لبيان أن عبد الرحمن بن أبزى أخذه عن أبي، لا أنه من مسند أبي، وإنما راوي الحديث هو عبد الرحمن بن أبزى بدليل قوله في الرواية: وفي القوم أبي بن كعب [كما جاء في رواية من جعله من مسند أبي]، والله أعلم.
وعليه: فإن هذا الحديث من مسند عبد الرحمن بن أبزى، وهو صحابي صغير [انظر: التاريخ الكبير (5/ 245)، الجرح والتعديل (5/ 209)، الإنابة (1/ 392)، الإصابة (4/ 282)، التهذيب (2/ 485)، التقريب (356)].
وهذا إسناد صحيح، رجاله رجال الشيخين.
• ورواه أبو معاذ سليمان بن أرقم، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي بن كعب، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاةً، فقرأ سورةً فأسقط منها آيةً، فلما فرغ قلت: يا رسول الله! آية كذا وكذا أنُسخت؟ قال: "لا"، قلت: فإنك لم تقرأها، قال:"أفلا لقَّنتنِيها".
أخرجه الطبراني في الأوسط (6/ 280/ 6412)، والدارقطني في السنن (1/ 400)، وفي الأفراد (1/ 152/ 622 - أطرافه).
قال الطبراني: "لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا سليمان بن أرقم".
وقال الدارقطني: "تفرد به سليمان بن أرقم عن الزهري عنه".
قلت: هو حديث باطل، تفرد به سليمان بن أرقم عن الزهري، وسليمان: متروك، منكر الحديث، روى أحاديث منكرة عن الزهري وغيره، ولا يُتابع على حديثه [انظر: التهذيب (2/ 83) وغيره].
وفي إسناد الدارقطني أيضًا: عمر بن نجيح، قال الدارقطني:"ضعيف"[تخريج الأحاديث الضعاف (325)، من تكلم فيه الدارقطني لابن زريق (305)، اللسان (6/ 153)، ولا أدري أهو الذي وثقه ابن معين، أم لا؟ تاريخ ابن معين للدوري (4/ 450/ 5246)]، ويعقوب بن محمَّد الزهري: ضعفه الجمهور، ومشاه بعضهم [التهذيب (4/ 447)، الميزان (4/ 454)].
• وروى حماد بن سلمة، عن ثابت، عن الجارود بن أبي سبرة، عن أُبي بن كعب، أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بالناس فترك آيةً، فلما سلم قال:"أيُّكم أخذ عليَّ في قراءتي شيئًا؟ "،
فقال أُبي: أنا يا رسول الله، [تركت آية كذا وكذا]، فقال:"قد علمتُ أنه إن كان أحد أخدها عليَّ فأنت [هو] ".
أخرجه البخاري في القراءة خلف الإِمام (189)، وأحمد (5/ 142)، وابنه عبد الله في زياداته على المسند (5/ 142)، وعبد بن حميد (174)، وابن عساكر في تاريخ دمشق (7/ 325)، والضياء في المختارة (3/ 340 و 341/ 1134 - 1137).
رواه عن حماد بن سلمة به هكذا: عبد الرحمن بن مهدي، وسليمان بن حرب، وأبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعي، وأبو سلمة موسى بن إسماعيل التبوذكي، وإبراهيم بن الحجاج السامي [وهم ثقات، أكثرهم حفاظ متقنون].
• خالفهم: بشر بن السري [ثقة متقن]، وعفان بن مسلم [ثقة ثبت]:
فروياه عن حماد بن سلمة: حدثنا ثابت، عن الجارود، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بالناس ذات يوم فترك آيةً،
…
فذكراه بنحوه حديث الجماعة، لكنهما أرسلاه، فلم يذكرا أبيًا.
أخرجه ابن أبي عمر العدني (2/ 217 - 218/ 1545 - إتحاف الخيرة)، وابن أبي شيبة في مسنده (2/ 218/ 1546 - إتحاف الخيرة).
والذي يظهر لي: أن هذا الاختلاف من حماد بن سلمة نفسه، وقد قصر فيه أحيانًا بإسقاط أبيٍّ من إسناده، والوجه الأول: هو المحفوظ؛ إذ فيه زيادة أتى بها جماعة من الحفاظ المتقنين.
وهذا إسناد رجاله ثقات، لكنه منقطع بين الجارود وأبي بن كعب، فإن بين وفاتيهما ما يقرب من مائة سنة، لذا لما سئل ابن معين عن هذا الحديث، قال:"مرسل"؛ يعني: بين الجارود وأبي، وقال ابن خلفون عن الجارود:"روى عن أبي وطلحة، ولم يسمع عندي منهما". [التهذيب (1/ 286)].
وهو شاهد بالمعنى لحديث عبد الرحمن بن أبزى، والله أعلم.
2 -
حديث بريدة بن الحصيب:
يرويه عمرو بن علي [هو أبو حفص الفلاس: إمام حافظ، ثقة حجة]، يقول: سمعت يحيى بن كثير، يقول: حدثنا الجريري، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه رضي الله عنه، قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا بأصحابه، فلما انصرف قال:"كيف رأيتم صلاتي؟ " قالوا: ما أحسن ما صليت، قال:"قد نسيت آيةَ كذا، إنَّ مِن حُسن صلاةِ المرء أن يحفظَ قراءةَ الإمام".
قال عمرو بن علي: فلم أحدِّث به، ولم أحدَّث به [إلا] عن هذا الرجل، ولم أكتبه [أو يكون قال:"فلم أحدِّث به عن هذا الرجل، ولم أكتبه"].
أخرجه البزار (10/ 282/ 4390)، وعنه: أبو الشيخ في طبقات المحدثين بأصبهان (3/ 388).
قال البزار: "وأنا فلم أكتبه؛ إنما حفظته عن عمرو بن علي، ولا نعلم يُروى هذا الكلام عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا من هذا الوجه".
قلت: ظاهر كلام الفلاس والبزار أنهما كانا ينكرانه على يحيى بن كثير صاحب البصري، ولذا فإنهما لم يكتباه، وإنما كانا يرويانه حفظًا، وكان الفلاس لا يحدّث به.
فهو حديث منكر؛ لتفرد يحيى بن كثير أبي النضر صاحب البصري به عن الجريري، وصاحب البصري: ضعيف، يروي مناكير كثيرة [التهذيب (4/ 383)]، وهذا منها؛ فإنه لا يحتمل تفرده بهذا عن الجريري، لكثرة أصحاب الجريري، ولكون يحيى هذا متأخر الوفاة والطبقة، وهو من طبقة من روى عن الجريري بعد الاختلاط.
3 -
حديث ابن عباس:
رواه قيس بن الربيع، عن الأغر بن الصباح، عن خليفة بن الحصين، عن أبي نصر الأسدي، عن ابن عباس، قال: تردد رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الفجر في آيةٍ، فلما قضى الصلاة نظر في وجوه القوم، فقال:"أما صلى معكم أبي بن كعب؟ " قالوا: لا، قال: فرأى القومُ أنه إنما سأل عنه [وفي رواية: تفقده] ليفتح عليه.
أخرجه الحارث بن أبي أسامة (2/ 217/ 1544 - إتحاف الخيرة)(3/ 754/ 424 - مطالب)، والبزار (1/ 234/ 479 - كشف)، وابن الأعرابي في المعجم (3/ 1024/ 2240)، والطبراني في الكبير (12/ 126/ 12665)، وفي الأوسط (6/ 103/ 5931).
قال البزار: "لا نعلمه عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، ولا عن غير ابن عباس بهذا اللفظ، وأبو نصر: فلا نعلم روى عنه إلا خليفة".
قال الطبراني في الأوسط: "لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد، تفرد به: قيس بن الربيع".
قلت: وهذا إسناد كوفي رجاله ثقات؛ غير أبي نصر الأسدي الراوي عن ابن عباس، لم يرو عنه سوى خليفة بن حصين، كما قال البزار، وقال أحمد:"لا أعرفه"، وقال البخاري:"لم يعرف بسماعه من ابن عباس"، وقال أبو زرعة:"كوفي ثقة"، وقال الذهبي في المغني:"لا يُعرف"، وفي الميزان:"لا يُدرى من هو"، وفي الكاشف:"ثقة"، وقال ابن حجر:"مجهول"[مسائل ابن هانئ (2247)، صحيح البخاري عقب الحديث رقم (5105)، الجرح والتعديل (9/ 448)، المغني (2/ 811)، الميزان (4/ 579)، الكاشف (2/ 467)، التهذيب (4/ 597)، التقريب (954)].
وقيس بن الربيع: ليس بالقوي، ضعفه غير واحد، وابتلي بابنٍ له كان يدخل عليه ما ليس من حديثه فيحدث به [انظر: التهذيب (3/ 447)، الميزان (3/ 393)].
فهو إسناد ضعيف، صالح في الشواهد.
4 -
حديث أنس بن مالك:
يرويه الفضل بن العباس الصيرفي [هو: الصواف، وهو الفضل بن العباس بن الوليد، أبو القاسم البزوري، قال الدارقطني: "من الثقات". سنن الدارقطني (2/ 108)، تاريخ بغداد (12/ 372)، الأنساب (3/ 286)، تاريخ الإِسلام (22/ 226)]: ثنا يحيى بن
غيلان: ثنا عبد الله بن بزيع: ثنا حميد، عن أنس، قال: كنا نفتح على الأئمة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أخرجه الدارقطني (1/ 399)، والحاكم (1/ 276)، البيهقي (3/ 212).
قال الحاكم: "يحيى بن غيلان وعبد الله بن بزيع التستريان: ثقتان، هذا حديث صحيح، وله شواهد، ولم يخرجاه".
قلت: هو حديث منكر؛ عبد الله بن بزيع الأنصاري: قال ابن عدي: "أحاديثه عن من يروي عنه ليست بمحفوظة، أو عامتها،
…
، وليس هو عندي ممن يحتج به"، وقال الدارقطني: "لين، ليس بمتروك"، وقال أيضًا: "ليس بقوي"، وقال الساجي: "ليس بحجة، روى عنه يحيى بن غيلان مناكير" [الكامل (4/ 253)، سنن الدارقطني (1/ 399) و (2/ 108)، تخريج الأحاديث الضعاف (322)، من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن (225)، اللسان (4/ 441)].
وهذا الحديث يرويه عنه: يحيى بن غيلان بن عوام الراسبي التستري: روى عنه جماعة، وذكره ابن حبان في الثقات (9/ 267)، وقال:"مستقيم الحديث"، قلت: إلا عن عبد الله بن بزيع، فقد روى عنه مناكير؛ قاله الساجي. [اللسان (4/ 442)، التهذيب (4/ 381)].
• وروى زياد بن أيوب [دلُّوية: ثقة حافظ]: ثنا جارية بن هَرِم: ثنا حميد الطويل، عن أنس بن مالك، قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقِّن بعضهم بعضًا في الصلاة.
أخرجه ابن السني (1/ 618/ 907 - إتحاف المهرة)، والدارقطني (1/ 400)، والحاكم (1/ 276)، وعنه: البيهقي (3/ 212).
قال الدارقطني: "جارية بن هرم: ضعيف"[من تكلم فيه الدارقطني في كتاب السنن (62)، الإتحاف (1/ 618/ 907)].
قلت: هو حديث منكر؛ جارية بن هرم: متروك، منكر الحديث [انظر: اللسان (2/ 413)، منهج النسائي في الجرح والتعديل (3/ 1311)].
5 -
مرسل حميد بن عبد الرحمن بن عوف الزهري:
قال بحر بن نصر: قرئ على ابن وهب: أخبرك غير واحد، عن عقيل بن خالد، عن ابن شهاب، عن حميد بن عبد الرحمن؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى للناس يومًا الصبح، فقرأ:{تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان: 1] فأسقط آية، فلما فرغ قال:"أفي المسجد أبي بن كعب؟ " قال: نعم، ها أنا ذا يا رسول الله، قال:"فما منعك أن تفتح عليَّ حين أُسقطت؟ "، قال: خشيت أنها نسخت، قال:"فإنها لم تنسخ".
أخرجه ابن وهب في الجامع (466)، وأبهم الواسطة بينه وبين عقيل بن خالد [وانظر: المدونة (1/ 107)]، لكنه يعتضد بالطريق الآتي:
• فقد رواه عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقرئ: حدثنا حيوة بن شريح: أخبرنا عقيل بن خالد؛ أنه سمع ابن شهاب، يحدث عن حميد بن عبد الرحمن، قال: قرأ
رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة الصبح: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ} فأسقط منها آية،
…
فذكر الحديث.
أخرجه الخطيب في المبهمات (12)، بإسناد صحيح إلى عبد الله بن يزيد.
فهو مرسل بإسناد صحيح.
• والحاصل: فإن حديث عبد الرحمن بن أبزى هو أصح ما في الباب، وبقية الأحاديث الواردة في الباب: إما مناكير، والمنكر أبدًا منكر لا يشهد لغيره، وإما بأسانيد فيها ضعف يسير، يعضد بعضها بعضًا، والله أعلم.
• ومما صح عن الصحابة في التلقين:
1 -
عن عثمان بن عفان:
رواه سفيان الثوري، وإسرائيل:
عن أبي إسحاق السبيعي، عن عبيدة بن ربيعة [وقيل: عبيد بن ربيعة]، قال: أتيت المسجد فإذا رجل يصلي خلف المقام، طيب الريح، حسن الثياب، وهو يقترئ، ورجل إلى جنبه يفتح عليه، فقلت: من هذا؟ فقالوا: عثمان.
أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (6/ 84)، وعبد الرزاق (2/ 142/ 2825)، وابن أبي شيبة (1/ 417/ 4793)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 222/ 2065).
• ورواه شعبة، عن أبي إسحاق، عن عامر بن سعد، قال: كنت قاعدًا بمكة، فإذا رجل عند المقام، طيب الريح، يصلي، وإذا رجل قاعد خلفه يلقنه، فإذا هو عثمان رضي الله عنه.
أخرجه البيهقي (3/ 212)، بإسناد واهٍ جدًّا إلى شعبة، فيه محمَّد بن يونس الكديمي، وهو: كذاب، يضع الحديث.
لكن الحديث معروف عن شعبة، ولكنه كان يقول فيه: عامر بن ربيعة، وقوله في هذا الإسناد: عامر بن سعد، إنما هو من كيس الكديمي، قال الدارقطني وابن ماكولا:"وقال شعبة: عامر بن ربيعة"[المؤتلف للدارقطني (3/ 1501)، الإكمال لابن ماكولا (6/ 45)]؛ يعني: وهم فيه شعبة، وإنما القول: قول الثوري وإسرائيل.
قال ابن معين: "يروي أبو إسحاق السبيعي عن عبيدة بن ربيعة"، وقال العجلي فيه:"ثقة"، وذكره ابن حبان في الثقات [تاريخ ابن معين للدوري (3/ 403/ 1961) و (4/ 42/ 3045)، التاريخ الكبير (6/ 84)، ثقات العجلي (1195)، الجرح والتعديل (6/ 91)، ثقات ابن حبان (5/ 140)]، وقد اختلف هل هو عَبيدة بالفتح، أم عُبيدة بالضم، أم عَبيد بالفتح من غير هاء [انظر: المؤتلف للدارقطني (3/ 1501 و 1512)، الإكمال لابن ماكولا (6/ 45)، توضيح المشتبه (6/ 133)، وغيرها مما تقدم].
وهذا إسناد كوفي صحيح، رجاله ثقات مشهورون؛ غير عبيدة بن ربيعة؛ وقد وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وروى عنه الشعبي، وهو لا يروي إلا عن ثقة، قال ابن معين:"إذا حدث الشعبي عن رجلٍ فسماه، فهو ثقة يحتج بحديثه"[الجرح والتعديل (6/ 323)].
2 -
عن ابن عمر:
روى ابن جريج، وأيوب السختياني [وعنه ابن علية، ومعمر بن راشد، وابن علية من أثبت الناس في أيوب]، وأشعث بن سوار [ضعيف]، ثلاثتهم عن نافع، عن ابن عمر:
قال ابن جريج: أخبرني نافع، قال: كنت أُلقِّن ابن عمر في الصلاة فلا يقول شيئًا. هكذا مختصرًا، وبمعناه لفظ أشعث.
ولفظ ابن علية، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر؛ أنه صلى بهم المغرب، فقال:{وَلَا الضَّالِّينَ} ، ثم ارتج عليه، فقال نافع: فقلت له: {إِذَا زُلْزِلَتِ} ، فقال:{إِذَا زُلْزِلَتِ} .
أخرجه عبد الرزاق (2/ 143/ 2826 و 2827)، وأبو عبيد القاسم بن سلام في غريب الحديث (5/ 356)، وابن أبي شيبة (1/ 418/ 4802)، وابن المنذر في الأوسط (4/ 222/ 2066)، والبيهقي (3/ 212).
فهو صحيح عن ابن عمر.
قال أبو عبيد: "وفي هذا الحديث الرخصة في الفتح على الإِمام؛ ألا ترى ابن عمر لم يعب عليه".
3 -
عن أنس بن مالك:
روى عيسى بن طهمان [ثقة، وهو بصري، سكن الكوفة]، قال: سمعت ثابتًا البناني، يقول: كان أنس إذا قام يصلي قام خلفه غلام معه مصحف، فإذا تعايا في شيء فتح عليه.
وفي رواية ابن أبي شيبة: كان أنس يصلي، وغلامه يمسك المصحف خلفه، فإذا تعايا في آيةٍ فتح عليه.
أخرجه ابن أبي شيبة (2/ 123/ 7223)، والبيهقي (3/ 212).
وهذا موقوف على أنس بإسناد صحيح.
• وأما ما روي عن أبي هريرة [أخرجه أبو عبيد في غريب الحديث (5/ 357)، ومن طريقه: البيهقي (3/ 212)]؛ فإسناده واهٍ؛ فيه: محمَّد بن عبد الرحمن، شيخ لهشيم، وهو: محمَّد بن عبد الرحمن بن المجبر، وهو: متروك، واهي الحديث، وكان هشيم يدلسه، ويقول: محمَّد بن عبد الرحمن القرشي، حتى لا يفطن له [انظر: الجرح والتعديل (7/ 320)، سؤالات البرقاني (470)، اللسان (7/ 278)، التعجيل (950)].
• وانظر أيضًا: مصنف عبد الرزاق (2/ 143)، مصنف ابن أبي شيبة (1/ 417).
• قال ابن المنذر في الأوسط (4/ 223) بعد أن ذكر من رخص في التلقين من الصحابة: "وهذا قول: عطاء، وابن سيرين، والحسن، وابن مغفل، ونافع بن جبير بن مطعم، وأبي أسماء الرحبي، وممن كان لا يرى به بأسًا: مالك، والشافعي، وأحمد بن حنبل، وإسحاق". ثم ذكر من كره التلقين، ثم قال:"تلقين الإمام لا يقطع الصلاة، ولا تقطع قراءةُ القرآن الصلاةَ على أي جهة كانت، وقد روينا في هذا الباب حديثًا"، ثم احتج بحديث المسوَّر بن يزيد الأسدي، المتقدم معنا برقم (907).
***