الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من وثائق الجامعة ملحق رقم "2" كتاب طه حسين إلى رئيس الجامعة الأمير أحمد فؤاد بشأم التقدم للبعثة إلى أوروبا
…
من وثائق الجامعة: ملحق رقم "2": كتاب طه حسين إلى رئيس الجامعة الأمير أحمد فؤاد، بشأن التقدُّم للبعثة إلى أوروبا
"دولتلو أفندم رئيس الجامعة المصرية
…
"أرفع إلى دولتكم، وإلى مجلس إدارة الجامعة، أني قرأت في الصحف إعلان الجامعة، أنها سترسل طالبين إلى أوروبا لدرس التاريخ وتقويم البلدان، وأنا شديد الحرص على أن أكون أحد هذين الطالبين، وعلى أن توجِّهني الجامعة إلى فرنسا لدرس التاريخ. واعتقادي أن الجامعة إنما تجعل مقياسها في اختيار الطلبة الكفاءة الحقيقية، وعلى ذلك أتشرف بأن أؤكد لدولتكم ولمجلس الإدارة أنَّ الجامعة قد جعلتني، فيما أعتقد، كفئًا لخدمتها بما علمتني من علم نافع، وما أدَّبتني به من أدب مفيد.
"وأنا على يقين أن الجامعة ستستفيد مني كثيرًا إن قبلتني خادمًا لها، وهي لن تجني منِّي إلّا ثمر غرسها الطيب في مصر وفي أوربا.
"نعم، إن الشروط التي تشترطها الجامعة في طلبة الإرساليات ينقضي بعضها، فإني لم أحصل على الشهادة الثانوية، كما أني مكفوف البصر، ولكنِّي أعتقد أن نقصان هذين الشرطين لا يضرني شيئًا. فأما الشرط الأول فلا يضرُّني نقصانه؛ لأن ما سمعته في الجامعة من العلم، وما أدَّيته فيها من الامتحان، وما أحرزته من الدرجات العظمى في جميع العلوم التي امتحنت فيها، وهي علوم الجامعة كلها إلا الآداب الأجنبية، وما تشرَّفت به في أثر ذلك من رضا مجلس الإدارة عني، وثناء الأساتذة غائبهم وحاضرهم عليّ، كل ذلك يقوم مقام الشهادة الثانوية، ويزيد عليها من غير شكٍّ ولا ريب، ولا سيما وأنا شارع في تعلُّم الفرنسية حتى أني لأفهم بها غير قليل، وقد أتممت منها مقدارًا يمكنني من دخول الجامعة في فرنسا بعد أشهر أقضيها هناك، ويضاف إلى ذلك أني أتممت في الجامعة درس تاريخ الشرق القديم، ونلت فيه الدرجة العظمى، ودرس تاريخ الإسلام، ونلت فيه أعظم درجة نالها طالب في الجامعة، ليس بيني وبين النهاية إلّا درجة واحدة، وأتممت درس اللغات القديمة السامية، ونلت فيها الدرجة العظمى أيضًا.
وتلك مزية لم تجتمع لأحد من الطلبة المصريين في مصر، ولست أريد أن أمتدح بهذا، وإنما أريد أن أتحدَّث بفضل الجامعة عليّ، وأن هذا الفضل يجعلني أكثر الناس كفاءة لدرس التاريخ وخدمة الجامعة فيه.
"أما الشرط الثاني وهو فقدان البصر، فليس يمنعني أن أسمع دروس الأساتذة ولا أن أؤديها، أي: ليس يمنعني أن أكون طالبًا وأستاذًا، وإذا كان قضاء الله قد قضى عليّ هذه البلية، فقد عوضني منها خيرًا. وأنا أُجِلُّ المجلس عن أن يتخذ بلية كهذه عقبة تحول بيني وبين ما أريد من الخير لنفسي وللجامعة.
"حقًّا إن الجامعة إذا قبلت هذا الطلب ستضطر إلى أن تزيد في نفقتي ما يمكنني من الاستعانة بمن يكون معي في فرنسا، ولعمري لئن فعلت ذلك، فليس بضارٍّ لها، بل هو يدل على كرم نفس، وعلى تضحية في معونة مَنْ يحتاج إلى الإعانة.. على أني مستعد لأن تستردَّ الجامعة منِّي بعد عودتي من أوربا ما أنفقته عليّ زيادةً على النفقات العادية، تأخذه من مرتَّبي أقساطًا. وما أظن الجامعة تكره أن تتفضل علي بهذا القرض الجميل.
"لذلك كله، أرفع إلى دولتكم، وإلى مجلس الإدارة هذا الطلب، راجيًا أن تتفضلوا بقبوله. ولكم الشكر الجميل والثناء المحمود.
طه حسين
طالب بالجامعة المصرية
وعُرِضَ هذا الكتاب على مجلس الجامعة فلم يلق منه إلا الرفض؛ لأن صاحبه لا يحمل الشهادة الثانوية، بحكم آفته التي امتحن بها؛ ولأن إرساله إلى أوروبا سيكلف الجامعة نفقات إضافية تعين الفتى على أن يكون له رفيق يعينه على الاختلاف إلى الجامعة، وقراءة ما يحتاج إلى قراءته من الكتب. ولكن هذا الرفض لم يَفُلّ عزم الفتى ولم يثبط همته. وإذا هو يكتب إلى رئيس الجامعة هذا الكتاب الجديد1.
1 مذكرات طه حسين ص83.