الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ملحق رقم "3": كتاب طه حسين إلى رئيس الجامعة، بشأن ترشيحه للبعثة ألى أوربا
"دولتلو أفندم رئيس الجامعة المصرية.
أرفع إلى دولتكم، وإلى مجلس الإدارة أني كنت قد طلبت إلى الجامعة الإذن لي في أن أكون من إرساليتها في أوربا، فرفض المجلس هذا الطلب في جلسته الأخيرة؛ لأنه يخالف الإرسالية. وإني لأعلم حق العلم قبل أن أرفع طلبي ذلك إلى دولتكم، وإلى المجلس أنه يخالف القانون؛ ولأني طلبت الاستثناء ورغبت فيه لما بيَّنت في ذلك الطلب من رغبتي في العلم، وحرصي على خدمة الجامعة، ولما اكتسبت بفضل الجامعة عليّ من المزايا التي تؤهلني لبلوغ هذه المنزلة، ولست أنكر على المجلس رفضه لهذا الطلب، فإنه لم ينفذ إلّا القانون، وما كان تنفيذ القانون بالأمر الذي يُنْكَر أو يُعَاب، غير أني أعيد هذا الطلب إلى المجلس راغبًا في أن يعيد النظر فيه، فإنه لم يرفض ذلك الطلب بالماضي إلّا لأمرين مجتمعين، أو كلٍّ منهما على حدة.
"الأول: أني لا أحمل الشهادة الثانوية لأني مكفوف البصر، ولكن المجلس أجلّ عندي من أن يحسب لهذا الأمر حسابًا، فإنه لا يمنعني أن أكون طالبًا وأستاذًا، بدليل أن المجلس نفسه يقبلني طالبًا منتسبًا في الجامعة؛ أسمع دروسها، وأجوز امتحاناتها، وأنال شهاداتها. وإذا كانت الطبيعة قد حالت بيني وبين كثير من نعيم الحياة، فما ينبغي أن تكون الجامعة عونًا للطبيعة على حرماني لذَّة الانتفاع بالعلم والنفع به، مع أنها تعلم أني على ذلك أقدر ما أكون.
"الثاني: احتياج الجامعة إذا أرسلتني إلى أن تنفق عليَّ أكثر من نفقتها العادية على طلابها في أوروبا، وأنا أعترف بأن للجامعة الحقَّ في تقدير هذا المانع المالي ومراعاته، وأن لها ألا تشتري خدمتي بهذا الثمن الغالي؛ لأني لا أستحقَّه؛ ولأنها لا تجده.
"ولذلك أتشرف بأن أرفع إلى المجلس من جديد أني لا أطلب من النفقات إلّا المقدار الذي يطلبه غيري من الطلاب، وعلي أن أقوم بما أحتاج إليه مما يزيد على هذا المقدار، فلعلَّ ذلك كله يشرفني بقبول المجلس طلبي هذا مقدار حرصي على
طلب العلم في غير مصر، مع ما احتمله في سبيل ذلك من الآلام والعناء، فإن هذا أدعى إلى قبول الطلب وتقديره مع الشكر الجميل والثناء الجزيل.
طه حسين
5 مارس سنة 1913
وكأنَّ المجلس قد ضاق بهذا الكتاب الجديد، فرفضه كما رفض الكِتَابَ الأول، وسبب الرفض بأن طه حسين لا يعرف اللغة الفرنسية حقَّ معرفتها1.
وأراد المجلس أن يهوِّن هذا الرفض عليه، فصاغه في صيغة التأجيل حتى يحسِنَ هذه اللغة مطمئنًا إلى أنه لن يجد إلى إحسانها سبيلًا، تحول بينه وبين ذلك أمنة تلك، ويعينها على ذلك فقر الفتى وإصفار يده من المال. فلم يزدد الفتى إلا عزيمة وتصميمًا، وكتب إلى رئيس الجامعة بعد شهور هذا الكتاب الثالث2:
"صاحب السعادة رئيس الجامعة المصرية..
أعود الآن فأرفع إلى سعادتكم، وإلى مجلس إدارة الجامعة، رغبتي في السفر إلى أوربا لدرس العلوم الفلسفية أو التاريخية موفَدًا من قِبَلِ الجامعة، بعد أن رفضت هذا الطلب في السنة الماضية؛ فقرر مجلس الإدارة تأجيل سفري إلى هذه السنة ريثَمَا أقوى في اللغة الفرنسية، وإذا كنت قد وصلت من هذه اللغة إلى مقدارٍ لا بأس به، وسأتقدم في هذه السنة لامتحان شهادة العالمية في قسم الآداب.
فأنا أرجو أن يتفضَّل مجلس الإدارة فيوفي لي وعده الكريم مع الشكر والثناء.
طه حسين
19 يناير سنة 1914
واضطر مجلس الجامعة إلى نوعٍ من التحدي؛ فقرَّر النظر في إيفاد طه حسين إلى أوروبا إذا ظفر بشهادة العالمية "الدكتوراه".
ولم يكن أحبَّ إليه من هذا التحدي، فأقبل على العناية بالدرس وإعداد الرسالة للامتحان، وتَقَدَّمَ لهذا الامتحان وظفِرَ بإجازة الدكتوراه.
ملحق رقم "3":
"تابع":
"صاحب العطوفة رئيس الجامعة المصرية
قد عرضت منذ حين على الجامعة المصرية أن توفدَني إلى أوربا لأدرس فيها التاريخ والفلسفة، فكلفتني تعلُّم الفرنسية، ثم قَبِلَت الطَّلَب، وعلَّقَت تنفيذه بنَيْلِي شهادة العالمية، وإذ كنت قد فرغت من هذا كله بحمد الله، فلم يبق إلّا أن يحدِّد مجلس الإدارة موعد السفر، وتكتب الجامعة بذلك لأعدَّ له عدته.
لذلك رفعت إلى عطوفتكم هذا الطلب راجيًا أن تتفضَّلوا بقبوله، ولكم الشكر أفندم.
طه حسين
18 مايو 1914
وقررت الجامعة ضمَّ طه حسين إلى بعثتها بباريس، وأرسلت إليه هذا الكتاب.
"حضرة المحترم الدكتور طه حسين
اطلع مجلس الإدارة على العريضة المقدَّمة من حضرتكم بتاريخ 18 مايو سنة 1914، فقرَّرَ انضمامكم إلى إرسالية الجامعة بباريس لدراسة التاريخ، وأن يكون سفركم في الأسبوع الأول من شهر أغسطس القادم.
وهذا إخطار لحضرتكم بذلك، واقبلوا وافر تحياتي.
رئيس الجامعة المصرية