الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سيطرة على الصفحات فإنا هنا أمام أبرز الأنواع -الأنباء أيضا- وأهمها على الإطلاق وذلك من زوايا طبيعة القضايا المطروحة أو الرأي العام أو وسيلة النشر ذاتها:
وهنا نجد تعريفات كثيرة للمقالة الافتتاحية منها أنها:
- المقال الذي يحمل رأى الصحيفة أو المجلة وموقفها من القضايا والمشكلات والاتجاهات الهامة داخلية وخارجية.
- المادة التحريرية الهامة التي تنشر يوميا محددة موقف الصحيفة من القضايا الهامة والمشكلات والمواقف والأفكار الأساسية التي تتصل بمجتمع ما أو المجتمع الإنساني، والتي تنشر تحت عنوان ثابت وغفلا من التوقيع باسم كاتبها، وفي مكان بارز وثابت في أكثر الأحوال.
- رأي يومي للصحيفة في قضية مهمة يقوم بكتابته رئيس التحرير أو محرر مرموق يكون أقرب إلى مجاله ينشر في مكان شبه ثابت ولا يوقع باسم محرره؛ لأنه لسان حال الصحيفة.
خصائصه:
وإذا كانت هذه التعريفات القليلة تأتي معبرة عن أهم معالم هذا المقال الذي يعتبر دون شك "في المقدمة من المواد التحريرية بحيث يكون له دور القيادة والتوجيه"1، وحيث اشتهر باسم "الافتتاحية" وذلك جريا على عادة الطراز "الطراز الكلاسيكي" من الصحف التي تجعله على الصفحة الأولى مفتتحة به عددها، كما كان يشغل الصفحة الأولى كاملة في بعض الأوقات، ويكون أول ما يطالعه القراء إذا كانت هذه التعريفات تعبر عن ذلك، فإننا نتوقف هنا عند أهم الخصائص "الجديدة" للمقالة الافتتاحية بعد أن مرت بأطوار عديدة من حيث الطول والشكل والتوقيع والمساحة، وغيرها، أن أبرز هذه الخصائص هي:
- التنوع في الموضوعات والاهتمامات والأفكار والقضايا التي يناقشها، فصحيح
1 F.J. Mansfield: "Mansifield's Complete Journalism" p. 247.
أن الموضوعات السياسية تكون هي الغالبة، خاصة في الأوقات التي تترى فيها الأنباء الساخنة، ولكن ليس صحيحا أن السياسة هي موضوع هذه المقالات الوحيدة، وإن كانت أبرزها وأهمها أو تمثل حوالي 75 في المائة من موضوعاتها.
- النشر اليومي الدائم، وحيث لا بد من أن يكون هناك ما يستحق التناول، وتحديد رأي الصحيفة إزاءه وموقفها منه، وصحيح أن بعض صحف المنطقة العربية لا تنشر المقالة الافتتاحية يوميا، وإنما من يوم لآخر، وفي مناقشة مع عدد من المسئولين عن هذه الصحف القليلة جدا -بل النادرة- اتضح أن السبب يتصل بالنقطة السابقة، وهو أنهم يرون أو يظنون أن المقال الافتتاحي ينبغي أن يكون موضوعه سياسيا بالضرورة، وما دام لا يوجد هناك من الأنباء السياسية الهامة التي تستحق التناول كل يوم، فإنه لا حاجة بهم أو بصحفهم -على حد زعمهم- إلى نشره يوميا1.
هذا بينما نجد أن المقال الافتتاحي -في الواقع- يقبل جميع الموضوعات التي يمكن أن يتناولها المقال السابق -الصحفي العام- بشرط مراعاة أسسه الفنية وقواعده التحريرية.
ومن هنا فإن مادة هذه الفقرة تقبل تماما أن تكتب الافتتاحيات عن موضوعات مثل "نظافة العاصمة، التطعيم ضد مرض منتشر، الجمارك، المرور، الكتاب الجامعي، التشجير، السياحة الداخلية، مواجهة الآفات الزراعية، تلوث المياه والهواء، الامتحانات، نتيجة الثانوية العامة، الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر الشريف، موسم الحج
…
".
بل وحتى الموضوعات الفنية والرياضية والأدبية يمكن أن تكون مجالا لمقالات افتتاحية ناجحة ولكن كيف؟ "اذكر عددا من الموضوعات الفنية أو الرياضية أو الأدبية التي تصلح لأن تكون مجالا لمقالات افتتاحية ناجحة لصحيفة عربية".
- تعدد الكتاب وتنوعهم، فصحيح أن رؤساء التحرير هم أكثر من يقوم
1 كان عدد الصحف التي لا تنشر الافتتاحيات منذ عشرة أعوام مثلا كبيرا إذا قيس بعددها الآن.
بكتابتها، وأن بعض التعبيرات التي تطلق عليه تعود إلى هذا السبب، ولكن من الصحيح أيضا أنه يشترك في كتابته أكثر من محرر وفق اتجاهاتهم وتخصصاتهم، حتى المحرر الفني والرياضي وغيرهما، بشرط أن يكون قادرا على الكتابة والتعبير في إطار هذا الفن "لعل ذلك يؤكد أيضا نوع مجالاته بدلا من المجال السياسي وحده".
- ومن خصائص المقال التي يراعيها هؤلاء ألا يخرج كتابه عن حدود سياسة وسيلة النشر، بل يقوم هؤلاء بمراعاة هذه السياسة التي تمثل "دستور العمل" بالنسبة لهم، وحيث إن ارتباط هذا النوع من المقالات بسياسة الصحيفة أو المجلة قائم ووثيق ولا يمكن التحرر منه طالما أنه يعبر عن رأيها وموقفها.
على أنه لا يكفي هنا هذا الارتباط القائم، وإنما ينبغي أولا أن تكون هذه المقالات الافتتاحية ثابتة ومستمرة على هذه السياسة، ولن يستطيع المحررون -طبعا- مراعاة ذلك، إلا إذا كانت هذه السياسة -سياسة الصحيفة أو المجلة- ثابتة هي أصلا، وليست عرضة للتعبير أو التبديل من وقت لآخر.
- ومن هنا، ومن بين هذه الخصائص أيضا والمرتبطة بالنقطة السابقة أن المقال الافتتاحي يكون غفلا من التوقيع، والمقصود هنا هو ألا يوقع باسم كاتبه أو محرره، وإنما تتعدد الاتجاهات والأساليب في هذه النقطة بالذات مثل:"أن يكون بلا توقيع على الإطلاق -أن يوقع باسم الصحيفة- أن يوقع بكلمة المحرر أو كلمتي رئيس التحرير أو بقوس بينه عدة نقاط وهكذا"، المهم ألا يقوع باسم أحد وحتى إذا قام رئيس التحرير بكتابه فإنه لا يوقعه باسمه وإنما بحكم منصبه فقط، والحكمة في ذلك واضحة وهو أن أحدا من هؤلاء، حتى رئيس التحرير نفسه لا يعبر عن رأيه الخاص وإنما عن رأي الصحيفة، وموقفها.
- وقد أسفرت النقطة السابقة بالذات عن عدة اتجاهات في ميدان كتابة المقالة الافتتاحية خاصة بالنسبة للصحف العربية وهي:
أ- الاتجاه الأول: وهو الأصل والأساس والاتجاه الصحيح والعلمي والمحافظ على أهم خصائص الافتتاحيات التقليدية والمرتبطة بها تماما والتي ينبغي أن تقوم دائما، وهو الذي تمثله -والحمد لله- الكثرة من هذه الصحف، ويقضي بألا توقيع للافتتاحية إلا على النحو السابق فقط، فإذا كتبها رئيس التحرير فإنما يوقعها بكلمتي "رئيس
التحرير" أو بكلمة "المحرر"، وليس بأي اسم من الأسماء.
ب- الاتجاه الثاني: وتتبعه قلة قليلة من الصحف العامة والحزبية وأساسه أن يقوم رئيس التحرير أو المحرر الأول بكتابة مقال يعتبر من وجهة نظرة ووجهة نظر مجلس الصحيفة بمثابة افتتاحية لها، غير أن هذه المقالة تعلوها لافتة "الافتتاحية"، بنصها الصريح في بعض هذه الصحف خاصة "السياسة" الكويتية، أو يشير إلى ذلك رسم يعبر عن الصحيفة أو يمثل "الرسم التحتي" الموجود أسفل اسمها كما هو الحال في "الأنوار"، أو لا يذكر اسم الافتتاحية أصلا كما في "العمل" التونسية و"النهار" اللبنانية وهي أشهر الصحف التي تتبع هذا الاتجاه. وإن كنا نرى أنه اتجاه يخالف فلسفة كتابة الافتتاحيات وتقاليد تحريرها، وصحيح أن رئيس التحرير هنا يقول لك إنه يمثل بمنصبه وباسمه معا هذه السياسة التحريرية، وأنه حتى في حالة قيام غيره بكتابتها فلا بد من توجيهاته وموافقته، كما قد يكون هو نفسه زعيم الحزب أو صاحب الجريدة ورئيس تحريرها -كما كانت أكثر الصحف في العشرينات والثلاثينات- ومن هنا يرى هؤلاء أن لهم الحق في توقيع أمثال هذه المقالات القائدة -والتي سوف نتحدث عنها بعد قليل- ونحن معهم في ذلك، ولكننا لسنا بحال من الأحوال مع تحول هذه المقالات إلى افتتاحيات موقعة، أو مع الافتتاحيات الموقعة أصلا، وحيث يأتي الرد على دعاة توقيعها باسم رئيس التحرير من خلال هذه النقاط:
- لأنه يشرف على تنفيذ السياسة التحريرية دون أن يكون هو واضعها الوحيد.
- لأن هناك غيره من المشرفين على وضع ورقابة وتنفيذ مثل هذه السياسة، وربما من هم أرفع منه درجة "رئيس مجلس الإدارة مثلا"، كما قد يكون هناك أكثر من رئيس تحرير واحد لأكثر من صحيفة ومجلة.
- أن السياسة التحريرية أكثر ثباتا واستقرارا من رؤساء التحرير في مناصبهم.
- أنه وإن كان بعضهم يمتلكون الصحيفة إلا أن ذلك لا يعني تحكمهم في السياسات المرتبطة أصلا بالقراء والمجتمع وأحيانا السياسة العامة للدولة، فالملكية الخاصة هنا لا تبرر التعبير عن رأيه الخاص في كل الأحوال، وإن عبرت عن مصالح طبقة ينتمي إليها.
- أن رئيس الحزب لا يعبر عن رأيه الخاص من عندياته، وانطلاقا من مرئياته
هو وإنما يرتبط ذلك ارتباطا أساسيا بسياسة الحزب نفسه، فضلا عن أنه في أكثر الأحوال معين، أو منتخب، أي: إنه منفذ أيضا لاتفاق تعهدي بين أعضاء الحزب وينوب عنهم في تنفيذه.
- لا يمكن تجاهل أدوار الآخرين ولا مرئياتهم فلماذا يكون هو وحده؟
جـ- الاتجاه الثالث: كتابة "الافتتاحيات البديلة"، حيث يوجد إلى جانب الافتتاحية الأساسية، أخرى على صفحة تالية، أو ثالثة، أو على صفحة السياسة العربية أو العالمية افتتاحية ثانية موقعة باسم رئيس التحرير، والعكس صحيح أيضا، أي: في حالة وجود كلمة رئيس التحرير على الصفحة الأولى مثلا، تقوم مقالة أخرى، على صفحة تالية توقع باسم الصحيفة أو لا توقع، أي: إنه اتجاه يخلط بين الاتجاهين السابقين لارضاء التقاليد الصحفية ورؤساء التحرير معا.
د- الاتجاه الرابع: بعدم كتابة افتتاحية أصلا كما تفعل بعض الصحف العربية في الخليج والشمال الأفريقي.
هـ- الاتجاه الخامس: بعدم كتابتها يوميا، بحجة الانتظار حتى يتم توافر الأدلة الكافية والحجج المقنعة التي يستطيع المحرر تقديمها.
وكما قلت فإن الاتجاه الأول هو الصحيح والمحافظ على أصول تحرير هذه المقالة وقواعدها وتقاليدها، والأقرب كذلك إلى طبيعتها والسلوك المهني نفسه.
- الجدة الزمنية الكاملة والتامة وإلى حد تناول الأحداث ما تزال ساخنة وملتهبة، أو تلك التي تكون عند درجة الغليان، ولا يشترط في ذلك -كما قلنا- أن تكون دائما من الأحداث والوقائع السياسية، فقد يكون موضوعا دينيا أو جامعيا أو صحيا
…
إلخ.
- وبدون تعارض مع عنصر -الجدة الزمنية وتناول الأحداث الساخنة" فإن من الأهمية بمكان ألا تقدم الصحيفة رأيا أو تتخذ موقفا إلا بعد دراسة كافية وتقدير واع لجميع الظروف والنتائج والاحتمالات، فإذا كتبت بعد ذلك ففي هدوء وتبصر وفي نغمة دقيقة ومحاذرة؛ ذلك لأن هذا المقال يعبر -كما قلنا ونكرر- عن رأي الصحيفة وموقفها
ولو كان يعبر عن رأي كاتب من الكتاب أو محرر من المحررين ثم ثبت عدم صحة هذا الرأي، أو حتى عدم صدق الموقف نفسه فإن ذلك يعود إليه شخصيا، ومن السهل الدفاع عنه، أو نسيان آثاره أو نتائجه، ولكن "سقطة" الصحيفة أو المجلة هنا لا تغتفر، ويزيد من وقع "الكارثة" عندما تتصل بأمر من أمور البلاد السياسية أو المصيرية، وحيث يمكن أن يهدد ذلك بسقوط الصحيفة أو المجلة نفسها، أو -على الأقل- فقدانها لثقة قرائها ومواطنيها لفترة قد تطول من الوقت، وحيث يصعب استعادة هذه الثقة، وما يترتب على ذلك من آثار ونتائج توزيعية وإعلانية مهما كان مستواها الفني والصحفي، والأمثلة على ذلك كثيرة من تاريخ الصحافتين العربية والأجنبية.
ويزيد من هذه أهمية، أن هذا النوع من المقالات:
- يقود الرأي العام.
- يساعد القراء على اتخاذ موقف بشأن المسائل والمشكلات الهامة، وقد يدفع إلى بعض التصرفات أيضا.
- يعرف القراء أن محرريه هم من كبار الكتاب فهو أهل لثقتهم.
- يعتقد بعض القراء في الدول النامية والصغيرة والتي يسيطر عليها الإعلام الحكومي، أن الرأي المطروح ليس هو رأي الصحيفة، وإنما الحكومة نفسها التي سربته ودفعت إلى نشره.
ومن هنا كان لا بد من التفكير مرة ومرة، قبل كتابته، ومن هنا أيضا -ولعدد من الأسباب والخصائص السابقة- تعقد الصحف اجتماعا خاصا بهذه المقالة الهامة حيث يناقش مجلس تحرير خاص بهذا العمل، وقد يسمى أيضا "مجلس تحرير الافتتاحيات"1، عددا من الأمور هي:
أ- ما هو الموضوع الذي يصلح للتناول في إطار هذه المقالة في العدد القادم؟ "الخبر الهام الحالي".
1 جلال الدين الحمامصي: "الصحيفة المثالية" من مقال بقلم أحمد رشدي صالح ص215.
ب- من الذي يقوم بكتابة هذه المقالة؟ "المحرر الأقرب إلى موضوعها".
جـ- ماذا يكتب؟ "في إطار سياسة الصحيفة".
وذلك إلى جانب عدة نقاط أخرى تطرح للبحث في هذا الاجتماع المصغر الذي يعقد مساء كل يوم وبعد وضوح صور المحصول الإخباري وجوانب أهميته، وذلك مثل العنوان غير الثابت، والحجم إذا كان الأمر يتطلب تغييرا، وما إلى ذلك كله.
- إبراز جوانب الشرح والتفسير للخبر أو القضية أو الرأي الذي يجري تناوله أو تصل الصحيفة إليه، ويتصل بذلك الانتقال العاقل والهادئ إلى جوانب التوجيه والإرشاد الذي يستحسن أو يفضل أن يكون بأسلوب غير مباشر ودون تعال على القراء.
- احتلال المقال الافتتاحي لمكان ثابت في أغلب الأحوال، وهنا نقول إن الأصل في هذا المقال هو احتلاله لجزء من مساحة الصفحة الأولى، وحيث يكون ذلك أقرب إلى مفهومه ووظيفته وإلى طبائع الأشياء وكذلك إلى مواقع الأخبار التي يتناولها، وهي في الغالب أخبار الصفحة الأولى، ذات الأهمية الكبرى، ولكن بعض الصحف تنشره على الثانية، أو الثالثة أو صفحة الرأي أو صفحة "المقالات العامة" وهكذا، كما أن بعض الصحف تجعل مكانا ثابتا له في أعدادها اليومية العامة، ثم تغيره بالنسبة لعددها الأسبوعي أو للعدد الذي يحمل خطابا أو رسالة هامة لرئيس الدولة، أن المهم هنا هو ثبات مكانه وعدم تغييره من وقت لوقت إلا خلال فترات طويلة -عدة شهور مثلا وعند عمل ماكيت جديد أو غير ذلك- لأن تعرف القارئ على مكانه سبيل إلى قراءته وأداء دوره، فضلا عما يعكسه عنصر ثبات المكان من وقار وثقة، بالإضافة إلى اشتراكه في تكوين معالم الصحيفة التي تعرف بها وتساهم في تكوين شخصيتها.
- وبالمثل ينبغي أن يكون حجمه ثابتا قدر الاستطاعة، وللأسباب السابقة أيضا إلا في الأحوال غير العادية، وعند وقوع الأحداث الهامة جدا والخطيرة "اندلاع حرب، انقلاب، ثورة، حادثة اغتيال كبرى، إلخ" حيث تجيز مثل هذه الحوادث مضاعفة مساحته وربما أكثر من مرة أيضا، أما في غير هذه الأحوال فإن الثبات على حجم واحد في أغلب الأحوال هو الأصل والأساس في المقالات الافتاحية، أي: لا يتغير من يوم لآخر من مساحة لأخرى لثالثة وهكذا.
- ومن خصائص هذا المقال أيضا أن كاتبه يبذل جهده ويقدح ذهنه ويستعرض