الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الثاني: دور المقال وأهميته
مدخل
…
الفصل الثاني: دور المقال وأهميته
لا يستطيع دارس أو باحث أن ينكر ما للمقال من أثر على حياة الأفراد والمجتمعات، بل والإنسانية كلها.
وهذه التأثيرات لا تتوقف عند مجرد الانعكاس السريع، أو الانطباع الحالي الذي يمكن أن يتركه المقال في عقل وفكر ونفس وسلوكيات قارئه، بل يمتد أيضا إلى تصرفاته المستقبلية، بحيث تكون له أبعاده المستمرة، والتي يزيد من درجة تأثيرها حاجة الفرد في مجتمع اليوم إلى أكثر من مجرد الخبر البحت أو الخبر الصرف، وإنما تتضاعف حاجته إلى ما وراء الخبر، وما تمتد إليه مجالاته وما يمكن أن تمتد إليه اليوم وغدا في ظل مناخ مشحون بالقلق والخوف والرصد والرغبة في معرفة ما يطحن أحشاء القارئ العادي، ومسيرة ذلك كله، في خط متواز مع أهمية تنميته تنمية اجتماعية وسياسية تجعله يعيش عصره، بكل إيجابياته وسلبياته، ويقيه شر عواصفه وأنوائه الممثلة في ألوان دعايته وعوامل "تلوث" بيئته العقلية، ورغبة البعض في تسميم أفكاره والعمل على أن يفقد ثقته بقيمه ومبادئه التي نشأ عليها ودرج حتى تسهل مهاجمته وتدميره من الداخل والسيطرة الكاملة عليه، كطريق للسيطرة على مقدرات وطن من الأوطان، وجره وراء الأحلاف وربطه بمشروعات الدول الكبرى، بعد أن تنجح -كما تشاء أفكارها وأحلامها- في إقامة حاجز بينه، وبين مثله وأخلاقه وأعمدة مجتمعه التي يرتكز عليها.
وإذا كنا سوف نعود -عمليا- إلى هذه النقطة لنرى بعض صورها فإننا -في أسلوب آخر- نقول إن المقال الصحفي يمكنه أن يؤدي جميع وظائف الصحافة المطبوعة كوسيلة نشر.
ولا نقصد بذلك طبعا أن تقوم مقالة واحدة بجميع هذه الأدوار وإنما من
مجموع المقالات الصحفية المختلفة والمتنوعة، تحقق الوظائف الإعلامية المرموقة، وهي هنا وظائف:
1-
الإعلام: بما تتضمنه المقالات من أخبار جديدة تعتمد على مصادر كتابها المختلفة وواضح أن هؤلاء الكتاب يكون لديهم من المصادر ما يفوق في أحيان كثيرة مصادر المخبر أو المندوب العادي، ومن هنا فإن من السهولة بمكان أن يخرج القارئ بعدة أخبار هامة وجيدة يعرفها لأول مرة تأتي عبر سطور مقال صحفي خاصة المقالات الافتتاحية والتعليقات والتفسيرات والمقالات التحليلية.
ومن المؤكد أن القارئ المصري والعربي، كانا يخرجان بأخبار جديدة تنشر لأول مرة خبر مقالات عدد من الأساتذة من بينهم على سبيل المثال لا الحصر:"أحمد أبو الفتح، محمد التابعي، مصطفي أمين، ناصر الدين النشاشيبي، محمد حسنين هيكل، سليم اللوزي، سعيد فريحة"، كما أننا قمنا بتجارب عديدة خرجنا منها بعدد من الأخبار الجديدة من مقالات عديدة من كتاب الجيل التالي لهؤلاء، ومن بينهم على سبيل المثال لا الحصر مقالات:"إبراهيم سعده، أحمد الجار الله،- تركي السديري، جهاد الخازن، محمود الكايد، ميشال أبو جوده وغيرهم" وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
ويزيد من أهمية الدور الإعلامي الإخباري لبعض المقالات -خاصة التحليلية منها- أن الأخبار والمادة الإخبارية التي تنشرها تكون من نوع الأخبار السياسية الهامة، وبعضها يكون من "الأسرار" التي قد لا يمكن للمندوب العادي أن يحصل عليها إلا بعد جهد جهيد، أو قد لا يعرف إليه سبيلا، ومن هنا فقد قلنا في كتاب سابق لنا، ويضاف إلى ذلك كله أنه قد تنشأ صداقة متينة بين رئيسن الدولة أو الحكومة أو المجلس التشريعي أو وزير الإعلام وبين رئيس التحرير نفسه إلى حد يجعل بعضهم أو جميعهم يخص رئيس التحرير بالأخبار الهامة.. صانعة المانشيتات1. ولكنه هنا -رئيس التحرير أو مديره أو نائبه- لا يستخدمها الاستخدام الإخباري العادي، وإنما يحتفظ بها لتظهر في مقاله العادي أو الأسبوعي ولتكون من أهم ما يحتويه هذا المقال.
1 محمود أدهم: "فن الخبر" ص356.
وحتى في حالة عدم تضمن هذه المقالات لأخبار جديدة، فإن في إعادة نشرها للخبر الهام موضوع المقال نفسه دعم للجانب الإخباري، وفرصة لمن فاته قراءة الخبر في المرة الأولى، تماما كما يعرف بعض الكتاب بأن مقالاته "إخبارية" من الدرجة الأولى، وهكذا.
2-
الشرح والتفسير: وهو الدور "الحضاري" الهام الملقى على عاتق عدد من أهم المقالات، من بينها مقالات افتتاحية تعرف بهذا الاسم، ومقالات تفسيرية كاملة، كما أن أغلب أنواع المقالات تستند إلى هذا الأسلوب وتعتمد عليه اعتمادا كبيرا، وهو طريقها إلى مساعدة القراء في الدراية بأحوالهم، ومحو أميتهم السياسية والفكرية، وسبيل إلى أداء هؤلاء لدورهم الوطني كمواطنين.
3-
التوجيه والإرشاد: وهو ما تنتظره جموع القراء من كتاب المقالات بوصفهم من قادة الفكر والرأي والسياسة في بلد من البلاد يقوم على عاتقهم واجب توجيه الجماهير إلى ما فيه صالحها وخيرها وما يتصل بذلك كله من تنبيه إلى الأخطار المحدقة بالوطن، أو بخطط التنمية، أو بالفرد نفسه.
إن التوجيه والإرشاد من الأدوار السياسية، والاستراتيجية أيضا للمقال الصحفي بأنواعه المختلفة.
4-
التثقيف: بما يقدمه كتاب المقالات العامة، والمتخصصة على وجه التحديد من ثقافة رفيعة المستوى تدعم دور الصحيفة أو المجلة بوصفها "مدرسة للشعب" يتعلم ويتثقف على صفحاتها وبين أعمدتها وسطورها المختلفة، وإذا كان هناك من يهاجم وسائل الإعلام مشككا في الدور الثقافي الذي تؤديه، فإن من الحق القول إن "صحافة الرأي" لا يمكن أن يوجه إليها مثل هذا الاتهام كما أن "كتاب المقالات" هم من قادة الثقافة أيضا.
5-
تنمية المجتمع: تتنوع اتجاهات المقالات، ومجالاتها وكتابها وخوضها وتناولها لمسائل التنمية الفكرية والاقتصادية والصحية والشاملة لجموع المواطنين، والمقالات الصحفية هنا ذات اتجاه ثنائي، الأول يسهم في "الفكر التنموي"، إسهاما كبيرا بأسلوب مباشر بما يقدمه من أفكار ومقترحات وما يعرضه من تجارب الأمم والشعوب الأخرى، والثاني بقيام الكاتب، والمقالة نفسها بدور المراقب لتنفيذ خطط
التنمية، الحريص على متابعتها وعلى لفت الأنظار وتوجيه الانتباه لما يمكن أن يقوم من ثغرات، أو ينشأ من سلبيات في التطبيق، وهكذا تمارس المقالة دورها "الرقابي" من أجل صالح خطط التنمية نفسها، وكأسلوب إيجابي للعمل على نجاحها.
6-
الدفاع عن العقيدة في مواجهة أعدائها الذين يهدفون إلى زعزعة الإيمان في صدور القراء.
7-
مواجهة دعايات الأعداء والرد على أباطيلهم وحماية المواطن من شرها.
9-
تأكيد القيم والمبادئ والمثل العليا والدفاع عنها والحث على اتباعها والتمسك بها.
10-
تأكيد الروابط الاجتماعية وتقويتها، ودعم أواصرها بين أبناء الوطن الواحد بما يقدمه كتاب المقالات من أفكار وشروح وتحليلات تبرز دور التكافل والتضامن وتهاجم أدعياء الفرقة وتعمل على التقريب بين الاتجاهات والمواقف والمذاهب المختلفة.
11-
التعليم: بما تقدمه المقالات التعليمية والمتخصصة في مجالات التدريب وطرق أداء الاختبارات وتنمية المهارات، وما تشرحه من أساليب تعليمية وإرشادية، خاصة بالنسبة لمقالات "الخدمات" التي أصبحت تنتشر فوق صفحات المجلة، إلى ما تقدمه من خبرات وتجارب وممارسات الأساتذة والرواد من كتاب المقالات العلمية والمتخصصة.
12-
التسلية والإمتاع: وهي تنتشر بأنواع عديدة من المقالات، حتى بعض المقالات الانتقادية والثقافية، فضلا عن المقالات الكاريكاتورية نفسها التي يكون لها السبق في هذا المجال.
ولكننا نشير هنا إلى أنها ليست أية تسلية، وليس أي إمتاع، وإنما ما يهدف إلى القضاء على ملل القارئ، ويحول بينه وبين تسلل مشاعر اليأس والقلق والإحباط والاكتئاب وسط "ضغوط" المدنية الحاضرة، وما تجره من ويلات، وما تتيحه من فرص ضئيلة للاستمتاع بالحياة، والطبيعة وما بها من جمال.
13-
تقديم الفكر الرفيع ومواجهة تيارات الإسفاف والقشرية التي تحاصر