المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

- أن هذه هي أبرز الأنواع التي وجدناها تسيطر على - فنون التحرير الصحفي بين النظرية والتطبيق المقال الصحفي

[محمود أدهم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: ماهية المقال الصحفي وقصته

- ‌مدخل

- ‌أولا: ماهية المقال الصحفي

- ‌ثانيا: المقال: تاريخ وصور

- ‌الفصل الثاني: دور المقال وأهميته

- ‌مدخل

- ‌ ماذا يريد القارئ اليوم

- ‌ الصحافة العربية.. وفن المقال

- ‌الفصل الثالث: في أنواع المقال الصحفي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المقال الصحفي العام

- ‌المبحث الثاني: الافتتاحية أو المقال الافتتاحي

- ‌تعريفه

- ‌خصائصه:

- ‌أنواعه:

- ‌إضافات وملاحظات:

- ‌محرره:

- ‌تحريره:

- ‌جولة عربية:

- ‌المبحث الثالث: المقال القائد الموقع

- ‌المبحث الرابع: مقال التعليق

- ‌المبحث الخامس: مقال التفسير

- ‌المبحث السادس: المقال العمودي أو العمود الصحفي

- ‌مدخل

- ‌ تعريف:

- ‌من قصته:

- ‌أنواعه:

- ‌خصائصه:

- ‌الخصائص العشر اللازمة لمحرر العمود الصحفي:

- ‌أعمدة شهيرة:

- ‌تحريره:

- ‌المبحث السابع: اليوميات

- ‌مدخل

- ‌تعريفه:

- ‌وظائفه:

- ‌أنواعه:

- ‌خصائصه:

- ‌محرره:

- ‌تحريره:

- ‌الفصل الرابع: حول المقال الصحفي إضافات ومعالم

- ‌أولا: إضافات تحريرية

- ‌ثانيا: لغة المقال الصحفي

- ‌مدخل

- ‌ إضافة:

- ‌إضافة أخرى:

- ‌ خصائص:

- ‌ثالثا: مؤثرات المقال

- ‌النماذج التحريرية

- ‌أنموذج رقم "2

- ‌ أنموذج رقم "3

- ‌أنموذج رقم "4

- ‌أنموذج رقم "5

- ‌ أنموذج رقم"6

- ‌أنموذج رقم "7

- ‌أنموذج رقم "8

- ‌أنموذج رقم "9

- ‌أنموذج رقم "10

- ‌أنموذج رقم "11

- ‌ أنموذج رقم "12

- ‌أنموذج رقم "13

- ‌أنموذج رقم "14

- ‌أنموذج رقم "15

- ‌ أنموذج رقم "16

- ‌أنموذج رقم "17

- ‌أنموذج رقم "18

- ‌ أنموذج رقم "19

- ‌أهم مراجع الكتاب:

- ‌أولا: المراجع العربية والمعربة

- ‌ثانيا: صحف عربية

- ‌ثالثا: أهم المراجع الأجنبية

- ‌محتوى الكتاب:

الفصل: - أن هذه هي أبرز الأنواع التي وجدناها تسيطر على

- أن هذه هي أبرز الأنواع التي وجدناها تسيطر على أفكار الكتاب العرب والأجانب المقالية لا سيما ما يتصل منها بالمقال متعدد الفقرات متنوع الموضوعات، ولكننا لا نقول بأنها جميع الأنواع إذ إن هناك أيضا بعض الأنواع الأخرى الأقل نشرا، لا سيما "مقال المناسبات". والمقال في الاتجاه الاقتصادي، ولا أقصد بالأخير -طبعا- المقال الذي ينشره المحرر الاقتصادي، أو أحد رجال الاقتصاد من آن لآخر، وعندما تكون هناك حاجة إليه، ولكن أقصد المقال الذي يدور داخل "اليوميات" نفسها.

- أن من الممكن جدا، وهو اتجاه قائم ومطروق ومنتشر تقسيم هذا المقال نفسه -باتجاهه وموضوعه الواحد- إلى فقرات متعددة، مما يقترب به من الشكل العادي والأساسي والغالب على هذه النوعية، أقول، مع الاحتفاظ له بهذه الوحدة الموضوعية، وحيث يصدق عليه هنا هذا التصنيف، كل الصدق.

ص: 190

‌خصائصه:

وعلى طريق التعريف الكامل بهذا المقال، وماهيته وأنواعه وأشكاله وأساليب تحريره نواصل حديثنا، حيث نقترب هذه المرة، من أهم معالمه كما تتضح ليس من أقوال كتابه فقط، وإنما من خلال من أمكننا أن نضع عليه أيدينا من تلك الخصائص البارزة، أو التي برزت وكانت لصيقة بهذه المادة نفسها على صفحات الجرائد والمجلات عربية وأجنبية، وذلك بالإضافة إلى شتات السطور القليلة التي تحدثت عنه في بطون المراجع المختلفة، على أننا -ومن أجل مزيد من التركيز والوضح- نقسم هذه الخصائص إلى:

أولا: الخصائص العامة

وهي خصائص عديدة ارتبطت بهذه النوعية من أنواع المقالات منذ فترة طويلة، حتى أصبحت علما عليها، بل صارت تمثل نوعا من "التقاليد الصحفية" المرتبطة بها، تماما كما ترتبط تقاليد أخرى بنوعية أخرى من أنواع المقالات، وعموما فإن من أبرز هذه الخصائص العامة:

1-

أن يتتابع نشر المقال يوميا وأن تحافظ الصحيفة اليومية على هذا "الثبات" نفسه لأطول فترة ممكنة، وطالما أن الصحيفة نفسها تواصل صدورها

ص: 190

اليومي، ونفس الحال بالنسبة للصحف الأسبوعية، والمجلات، أي: أن تحافظ هذه وتلك على ثبات النشر الأسبوعي ومداومته.

2-

أن يختلف كاتب المقال من يوم لآخر، وخلال الأسبوع، أو خلال فترة معينة تنظم بدقة بمعرفة القائمين على أمر الصحيفة اليومية الذين يكون عليهم مراعاة أكثر من نقطة هامة من بينها:

- الحرص على قيام حد أدنى من التنوع بين أفكار واتجاهات واهتمامات وتخصص كتابه بحيث تبدو المقالات في مجموعها هي تمثل هذا الخليط المثمر والإيجابي، والذي يفيد منه القراء على اختلاف مشاربهم وأذواقهم كل الفائدة، وهو هنا تنوع يقوم بين الموضوعات السابقة نفسها.

- ارتباط أيام معينة، باتجاهات معينة، وأبرزها بالطبع يوم الجمعة وارتباطه بالمقال الديني الإسلامي.

3-

الحرص على أن يكون هذا المقال في شكل "يوميات محرر" أو أوراق أو صفحات من مفكرته أو مذكراته، وحيث تبدو المقالات في مجموعها -وفي النهاية- وكأنها يوميات الصحيفة أو المجلة ذاتهما.

4-

ضرورة اختيار مكان هام لنشر هذا المقال على صفحات الجريدة أو المجلة، وهذا المكان في أغلب الأحوال -وبالنسبة للأولى- يقع على إحدى الصفحات اليسارية التي تتجه إليها العين مباشرة -الصفحات الفردية- وهي في الغالب الصفحات الثالثة أو الخامسة أو السابعة، كما أن هناك اتجاه له نفس القوة ينشرها على الصفحة الأخيرة.

5-

ويكمل اختيار هذا المكان الهام، ويؤيده أيضا، ثبات نشر المقال على نفس المكان من نفس الصفحة أيضا، وهو نفس الحال تقريبا بالنسبة للمجلات التي تحرص على أن تكتب مثل هذه المقالات.

6-

ثم يضيف إليه ويؤكده في أذهان القراء على اختلافهم ثبات عنوانه اليومي الذي يعتبر أحد المعالم الرئيسية لهذا الفن، وهو هنا عنوان اللافتة أو العنوان الاسمي كما سبق وأن أشرنا.

ص: 191

7-

واسم الكاتب، وضرورة إبرازه، فضلا عن شهرته في مجالات الفكر عامة، والصحافة والأدب والفن والنقد والدين والسياسة خاصة، ووضع ذلك كله في مكان "القلب"، أو عند نقطة التوازن التي تتجه إليها عين القارئ، واعتبار هذا الاسم وطريقة نشره وثباتها، ذلك كله يعتبر أيضا من الخصائص الهامة المرتبطة بمقال اليوميات.

ثانيا: من حيث الشكل

في بساطة شديدة وللدارسين والمتدربين ومن هم في بداية الطريق أولا، وحتى نقلل من حدة الخوف والحذر والتردد التي يمكن أن يشعر بها بعض هؤلاء خلال مراحل الكتابة الأولى، وفي بساطة شديدة نقول وكملاحظة أولى إن مقال اليوميات الصحفية، والخواطر والتأملات والفقرات، شديد الصلة، قوي الشبه بالمقال العمودي السابق، وحيث يعتبر في أغلب أنواعه المسيطرة، وتبعا لمفهومه وفلسفته وكما لاحظنا فوق الصفحات نفسها، يعتبر إطارا شكليا يتضمن صورة تحريرية من هذه الصور التي نفصل الحديث عنها في موضع آخر:

- أكثر من عمود واحد مركب يقع كل منها في حجم العمود العادي، وحيث تمثل كل فقرة منه عمودا من الأعمدة السابقة ذات موضوعات متعددة أو ذات موضوع واحد "الشكل الأساسي الغالب".

- تفصيل للمقال العمودي الذي يتضمن أكثر من فقرة وأكثر من فكرة أيضا دون وجود فواصل بينها.

- تناول مسهب لمادة العمود نفسها بموضوعه الواحد وفكرته الواحدة من أكثر من زاوية جديدة، فالعمود مركز ومختصر، ومادتنا هذه يقوم كاتبها بما يتطلبه الإسهاب والإطناب في حدود المعقول والمقبول، والمرتبط بخصائص المادة الصحفية نفسها وبمراعاة حدودها، ومن هنا وإضافة إلى ذلك فإننا نقول بوجود أكثر من شكل، وأكثر من إطار لعل من أبرزها ما تتحدث عنه السطور القادمة:

1-

من المفروض أن يكون الأصل في هذا المقال أنه نوع واحد فقط يقسم فيه كاتبه مقاله العام أصلا والمتنوع أساسا إلى عدة فقرات تستقل كل فقرة منها بما يتصل بيوم من الأيام وحيث الصلة قوية، والرابطة قائمة بين هذا النوع

ص: 192

وبين مقال الاعترافات أو المذكرات الشخصية التي تكتب يوميا، وصحيح أن أكثر الكتاب -في هذه الحالة- لا يقسمون المقال إلى سبعة أقسام أو فقرات تمثل أيام الأسبوع، بعد أن كانوا يفعلون ذلك، وإنما يختصرونها إلى ثلاثة أو أربعة أو حتى خمسة أيام فقط، ولكن هذه المقالات على الرغم من ذلك، كانت -وما تزال- الأقرب إلى طابع هذا المقال وطبيعته ومن ثم إلى نوعيته الواحدة العامة كما ينبغي أن تكون، ومن هنا، واستنادا إلى ذلك، فإننا ما نزال ننظر إلى المقالات التي تأخذ هذا الشكل على أنها النوع الأول الأصلي والأساسي في مقالات اليوميات.

ولكن لأسباب عديدة من بينها: "الرغبة في التجديد، دخول عامل التخصيص، الاستعانة بالصف الثاني من الكتاب وندرة وجود الصف الأول، الحرص على أن يكون لكل طابعه الخاص المميز حتى وإن كان على حساب الشكل الأساسي لهذا المقال، عدم وضوح الفارق بينه وبين نوعيات أخرى من المقالات خاصة الصحفي العام والتحليلي" لهذه الأسباب وغيرها، وجدنا أنفسنا أمام أنواع عدة من مقالات اليوميات، والخواطر والتأملات كان من أبرزها -من حيث الشكل أو الإطار هنا، إضافة إلى هذا المقال القياسي الأساسي نفسه- تلك التي تعبر عنها الاتجاهات "التقسيمية" التحريرية أيضا، الآتية:

2-

المقال المقسم إلى فقرات متعددة عامة، وليس إلى أيام أو في إطار أيام: وهو الشبيه الأول بالنوع السابق، وأقرب الأنواع إليه بل يكاد لا يختلف عنه في شيء مطلقا سوى أنه لا يأخذ شكل اليوميات ولا ينتظم في إطارها، ومن ثم فإن فقراته لا تسيطر عليها "روح" اليوميات ولا ترتفع فوقها كأصله المقالي وكعنوانات فقرات تلك الأيام التي يتحدث الكاتب عما وقع خلالها فتكون على سبيل المثال:"السبت، الاثنين، الخميس" مثلا، وإنما ترتفع فوقها عنوانات فقرات عادية كالتي نراها مصاحبة للمواد الأخرى، أو بديلاتها، ومن ثم فإن الإطار التحريري لهذا المقال، لا يعتمد أيضا على عنصر الزمن، أو اليومية أو "المفكرة" أو "الأجندة" وإنما على عمومية الموضوع فقط ومن هنا أطلق عليه عن جدارة تعبير "مقال الفقرات"، في مقابل مقال "الفترة الواحدة" وهو العمود الصحفي القصير جدا.

3-

المقال المقسم إلى فقرات متعددة ذات موضوع واحد: وهو شبيه بالمقالين

ص: 193

السابقين شكلا، أو من حيث نظامه الكتابي، وتقسيمه إلى فقرات ولكنه في نفس الوقت:

- لا يعتمد الأيام كأسلوب للتقسيم.

- وفقراته غير متعددة أو متنوعة الموضوعات.

أي: إنه مقال من المقالات ذات الموضوع الواحد، ولكن هذا الموضوع نفسه يقسم إلى عناصر يستقل كل عنصر منها بفقرة خاصة به، وحيث يتضح الشبه الكبير بينه وبين "المقال الصحفي العام" إلا أن هناك أكثر من فارق "بسيط بينهما" أولها التزامه بطابع الفقرات، ثم ثبات مكان نشره وموعد النشر في أغلب الأحوال، وكذا انتظامه، وقبلها جميعها تأتي طبيعة موضوعاته التي تسمح بأن يعبر الكاتب عن خصوصياته، وانفعالاته وأحاسيسه وما يتصل بذلك من أساليب تحرير وليس كذلك المقال الصحفي العام.. وهكذا.

فإذا أردنا بعد ذلك أن نقدم مقالا يوضح الفارق بين هذا النوع والنوعين السابقين لقلنا:

- في المقال الأول "مقال اليوميات الصحفي الأساسي والقياسي" يكتب المحرر عن أربعة مواقف أو مشاهد حدثت بالنسبة له خلال أربعة أيام: الموقف الأول وقع في اليوم الأول، السبت، وهو يتصل بمعارضته لبعض جوانب لائحة للعاملين صدرت أخيرا، ويكتب عن خلاصة لقاء تم بينه وبين عدد من الذين تؤثر سلبيات هذه اللائحة على مستقبلهم، والموقف الثاني وقع في اليوم الثاني، الأحد، ويتحدث فيه عن خطاب وصله من مصري يعمل بدولة الكويت ويتحدث عن تجربة جديدة شاهدها في رحلة له إلى فرنسا، ويتمنى تنفيذها عندنا، والموقف الثالث وقع في اليوم الرابع الثلاثاء عندما دعي فجأة للحديث خلال ندوة سكانية ويصف ما فعل، والموقف الرابع في اليوم السادس، الخميس، ويتناول ملاحظة عابرة له عندما لاحظ -مثلا- أن جميع وزراء الزراعة خلال فترة طويلة هم من أبناء محافظة الفيوم، أو من الذين "خدموا" بها خلال فترة من فترات حياتهم، وقد لاحظ ذلك خلال حديث له مع وزير الزراعة الحالي.. وهكذا، وحيث يرتب المقال في فقرات يرتفع فوق كل منها يوم من هذه الأيام.

- وفي المقال الثاني يكتب عن أربعة موضوعات مختلفة هي بالتتابع: "ذكرياته

ص: 194

في هذا اليوم عندما وقف بعرفة وهو يؤدي فريضة الحج، جار له وصل أخيرا هربا من جحيم الحرب في القطر اللبناني بين "ميليشيات" الدروز والكتائب، أول إصدار شعري لشاعر جديد يبشر بالخير وينتظر منه الكثير، انفعالات بعض أفراد أسرته أثناء مشاهدة مباراة كرة قدم بالتليفزيون" وهكذا وحيث يرتب المقال في فقرات يرتفع فوق كل منهما عنوان يستمد من نفس الموضوع، موضوع الفقرة التالية له.

- وفي المقال الثالث يكتب المحرر عن أربعة موضوعات أو مشاهد أو صور أو لقاءات تتصل جميعها برحلة قام بها إلى بلد عربي -أو أي بلد آخر- وعاد منها أخيرا، حيث كان عضوا في وفد صحفي "رسمي" يمثل صحافة بلاده في زيارة لهذا البلد ردا على زيارة وفد صحافته، فإذا كانت الزيارة -مثلا- من جانب الوفد الصحفي المصري إلى دولة "الإمارات العربية المتحدة" فإن موضوعاته مثلا سوف تكون "حديث طائر: عن طائرة طيران الخليج والرحلة وما حدث خلالها، حفل الفروسية: عن حفل أقيم لهم بناد للفروسية، مدينة العين: عن زيارة لهذه المدينة وعيونها ومتحفها وجامعتها، لقاء مع زايد: عن استقبال رئيس الدولة للوفد وما دار خلال اللقاء" وهكذا أو أي شكل آخر، أو مشاهد أخرى ترتبط بهذه الزيارة، ويستقل كل منها بفقرة كاملة على أنه ليس ضروريا أن يتم هذا الارتباط بين موضوعات الفقرات على هذا النحو القوي والمباشر، فيمكن أن يكون أقل ارتباطا، أو يرتبط بالزيارة نفسها عن بعد وهكذا.

4-

المقال الذي يتخذ طريقة أمس واليوم وغدا: وهو نوع آخر من أنواع مقال "اليوميات" لا يتخذ طريقة الفكرة العادية، ولا تتتابع فقراته -زمنيا- وفق تتابع أيام الأسبوع وعلى النحو السابق، وإنما يوضع المقال في إطار زمني آخر هو إطار "أمس، اليوم، غدا" وحيث يتكون هنا من ثلاث فقرات فقط تلك التي تتحدث عن مشهد أو لقاء أو حادث وقع بالأمس، والأمس هنا يعني الماضي القريب في مجموعه، ويجوز أن يكون الماضي البعيد أيضا، أي: إن التاريخ يدخل ضمن هذا المجال أيضا، ثم عن آخر يكون قد وقع في نفس يوم كتابة المقال، أي: إن هذه الفقرة تكون حالية في معظم المقالات، ذاتية في أكثرها أيضا، أو -في أسلوب آخر- تكون فقرة حالية ساخنة، تذكر بالمادة الإخبارية، يقوم الكاتب نفسه بوصفه أحد شهودها -شهود العيان هنا- أو أحد صناعها بتقديمها

ص: 195

إلى القراء، فإذا لم تكن تمثل هذه التجربة الخاصة، فهي حالية فقط وإن غلب عليها الطابع الإخباري.. وأما الفقرة الثالثة -فقرة الغد- فتتناول حدثا أو نتيجة أو واقعة من تلك التي "ينتظر" أن تقوم أو تتم، ولكن الغد هنا لا يعني "اليوم التالي" بمفهومه الضيق، وإنما يعني المستقبل كله.

5-

مقال الفقرات الموضوعية الثابتة: وهو مقال فقرات عادي، ولكنه من جهة أخرى ثابت الموضوع دوريا، أو خلال فترة نشره، بمعنى أن موضوعات فقراته تكون واحدة تقريبا، وتجري وفق نظام واحد أيضا -في الغالب- من أسبوع لأسبوع، وقد ظهر داخل هذه الدائرة، أو انبثق عنها عدة اتجاهات أخرى ترتبط به، تقسم هذه الفقرات إلى تقسيمات نوعية ومن ذلك مثلا:

- فهناك كاتب يقسمها إلى: "خبر ومعنى، لقاء، حكاية قصيرة، قالوا".

- وهناك من يقسمها إلى: "سياسة، أدب، رياضة، دين".

- وهناك من يقسمها إلى: "زائر الأسبوع، كتاب، موقف، أقوال".

- وهناك من يقسمها إلى: "مكان وتاريخ، ذكرى، رسالة، مأثورات".

- وهناك من يقسمها إلى: "مصري، عربي، إسلامي، عالمي".

- وهناك من يقسمها إلى: "سياسة، فن، نقد، خطاب من قارئ".

إلى آخر هذه التقسيمات كلها التي يكاد يلتزم فيها الكاتب بموضوعاتها من أسبوع لأسبوع أو دوريا وفق النظام المتبع، وليس ضروريا بالطبع أن يذكر ذلك في بداية كل فقرة مقالية.

6-

المقال غير المقسم إلى فقرات أو مقال الوحدة الواحدة: وهو -كما يؤخذ من اسمه- لا يرتبط بالفقرات، ولا يجري وفق تقسيم معين، بل لا يقوم محرره بتقسيمه أصلا، ولا كذلك مخرج الصفحة أو سكرتير التحرير، وإنما يجري على نسق واحد، وينساب -كنهر- دون عوائق أو سدود، ودون عنوانات فقرات أيضا، من أول المقال حتى آخره، أي: إنه يأخذ شكل المقال العادي، أو الفصل العادي من فصول الكتاب أو المبحث العادي دون تقسيمات أخرى رئيسية أو فرعية يقول هؤلاء -كتابه- عنها أنها تقطعه وتمزق أوصاله ومن ثم تشتت فكر

ص: 196

القارئ وتبعثره، فضلا عن دلالتها القوية على "قصر نفس" وقلة صبر كتابها، وهي أقوال مردودة أو يمكن الرد عليها دون شك، خاصة بما يرتبط بـ"شخصية" هذا المقال، وفلسفته واتجاهاته الأساسية والغرض منه، وطبيعته.

ولعل هذا المقال -بعد ذلك كله- يكون أقرب هذه النوعية نفسها إلى "المقال الصحفي العام" وذلك باستثناء ما يتصل بثبات مكانه ووقت نشره وكاتبه وما يتصل بعنصر الذاتية، وما إلى ذلك من أمور يقع بشأنها الخلاف بينهما.

7-

مقال الفقرة الواحدة الطويلة والفقرة القصيرة: وهو تطوير للمقال السابق، أو أنه يكون عبارة عن واحدة واحدة، تتمثل في فقرة واحدة طويلة، تكون من فقرات قصار دون أن يفصل بينها فاصل ما، ولو فاصل زخرفي أو طباعي أو "موتيف" أو نحو ذلك، وإنما تنساب فقراته وجمله وعباراته كنفس النهر المتدفق، ولمسافة بعيدة، هي أكثر المساحة المتاحة أو المخصصة لنشر المقال، ولكن يوجد في نهايته مساحة أخرى صغيرة تقع في حوالي خمس أو سدس مساحة المادة السابقة -المقال الأساسي- وتشغلها إحدى هذه الصور العديدة، أو غيرها:

- آية قرآنية كريمة تصور واقعا نعيشه أبلغ تصوير.

- حديث نبوي شريف يتناول وضعا نلمسه ونحسه.

- مثل عربي سائر ينعكس على صورة أو ظاهرة حالية.

- بيت شعر لا ينساه ويردده المحرر كثيرا.

- أقوال لبعض الزعماء، أو الحكماء أو رجال الفكر من التي ذكرت خلال الأسبوع أو في الماضي تكاد تصدق مع موضوع المقال الذي يعلوها، وتسايره هي أيضا.

- مختصر خطاب من قارئ موجه إلى الكاتب يطرح فكرة أو شكاية أو نقدا.

- رد أو عدة ردود موجهة إلى بعض القراء.

- بعض الطرائف والنوادر التي يعرفها أو عاشها حديثا.

ص: 197

- بعض التوقعيات أو الحكم الخاصة التي أملتها تجاربه وأفرزتها خبراته وممارساته.

- بعض الخواطر السريعة إلى قارئ مجهول أو قارئة مجهولة.

- سطور قليلة مما قرأه في كتاب صدر حديثا.

- بعض الأخبار القصيرة جدا والهامة للغاية التي نمت إلى علمه والتي تعتبر في حكم الأسرار مع الاهتمام بجاذبية صياغتها وملاءمتها للمادة المقالية.

- قصة قصيرة جدا أو أقصوصة هو نفسه كاتبها.

- حوار قصير يجري بينه وبين قارئ أو مستمع في حدود نفس المساحة.

- ما يتصل بالتراث والكشف عنه والحفاظ عليه.

- بعض التعبيرات الخاصة به والتي يطلقها على مفاهيم أو ظواهر أو أسماء معروفة إلى غير هذه اللمحات والخواطر والتوقيعات والمواد كلها.

ثالثا: من زاوية المضمون

وعندما يريد كاتب من الكتاب، أو صحيفة، أو مجلة أن يحققوا لمقالات اليوميات فرص النجاح فإن ذلك، فضلا عن توفير الكاتب الجيد نفسه، والمكان المميز، والنظام الدقيق، وما يتيحه ذلك كله من أبعاد يمر ذلك -حتما- بالعمل على توفير المضمون الجيد لتلك المقالات، وهذا المضمون الجيد يعني أكثر من عامل، أو عنصر هام، بعضها عوامل أو عناصر عامة، وبعضها نوعية، تتصل بأنواع المقالات نفسها، وهذه وتلك تتحدث عنها السطور القادمة:

- الخصائص العامة لمضمون مقال اليوميات: ونعني الاهتمام بهذه الخصائص والعمل على توفيرها كعناصر أساسية ترتبط بمقالات هذا المحرر أو الكاتب في مجموعها، ومن ثم ترتبط بمقالات الكتاب كلهم، في مجموعها أيضا، وأهم هذه العناصر أو العوامل أو الخصائص:

1-

الفكرة الجديدة: التي يجب أن تختلف عن أفكار نفس الكاتب من أسبوع لأسبوع، أو خلال الفترة الدورية التي يقوم فيها بالكتابة، وتنشر له الصحيفة أو المجلة مقاله، إلا ما كان منها متصلا بنفس المقالة التي تنشر مجزأة أو في حلقات، وحتى هذه أيضا، فإن الفكرة الجديدة المرتبطة بكل جزء أو بكل حلقة، تضاعف من

ص: 198

فرص نجاح المقال نفسه، ومن ثم فإن اختلاف أفكار الكاتب الواحد، وتكراره يعني اختلاف أفكار الكتاب في مجموعهم، وهي الصورة "المثلى" المطلوبة والتي تطبع مقالات الصحيفة أو المجلة بطابع الجدة، والتجديد، والخصوبة، والتدفق فضلا عما تعكسه من مواهب الكتاب، ومقدرتهم، وظهور ذلك على الورق نفسه.

على أنه يقفز هنا أكثر من سؤال من بينها:

- هل يمكن أن يتناول المحرر أو الكاتب فكرة جديدة أسبوعيا؟ والإجابة نعم، بل وأكثر من فكرة جديدة، وإلا لما استحق أن يكون من كتاب هذا المقال، ولما تعرض لكتابته أصلا، وذلك من وجهة نظرنا على الأقل.

- وسؤال آخر: هل كل كاتب يفعلها؟ ونقول: من المفروض أن يتم ذلك، ثم إننا نتناول ما ينبغي أن يكون دون اهتمام كامل بما هو كائن، وحيث تختلف إمكانيات وقدرات ومواهب، ومن ثم تختلف أفكار الكتاب، أو تختلف مقدرتهم في الحصول عليها وتناولها.

- وسؤال ثالث: وما العمل إذا لم يجد الكاتب فكرة جديدة كل أسبوع؟ والإجابة أن الحل بسيط، وهو تناول الفكرة القديمة من زاوية جديدة، وحيث يقدم له ذلك عشرات الزوايا وليس زاوية واحدة فقط1.

2-

التنوع: والتنوع هنا لا يعني تنوع الأفكار، وإنما تنوع الموضوعات التي يتناولها المحرر، وحيث تؤثر هذه -كل الأثر- في اختلاف المضمون وتنوعه من فقرة إلى فقرة ومن مقال إلى مقال، ومن أسبوع لأسبوع، وهكذا وحيث يتحقق بهذا التنوع جانب أساسي من جوانب "الفلسفة" التي تقوم عليها هذه المقالات، وهو تناولها لمختلف الثقافات والاتجاهات والمواقف، سعيا وراء جذب "عامة القراء" وعلى اختلاف أذواق القراء ومشاربهم ومواقفهم، والارتفاع بمستوياتهم "جميعا" وتحقيق أهداف بالنسبة إلى "كل" القراء.

3-

المعاصرة: ولها في فكر كتابه وينبغي أن يكون لها أيضا أكثر من مفهوم متشعب ومتسع بحيث تعني تلاحم هذه العوامل وتشابكها معا:

1 رجاء العودة إلى كتابنا: الفكرة الإعلامية" من ص9 إلى ص17.

ص: 199

أ- مواكبة الاهتمامات الحالية للقراء في مجموعهم، داخلية وخارجية.

ب- متابعة الاتجاهات والآراء والمذاهب والمواقف الجديدة وتقديمها للقراء.

جـ- الاهتمام بعنصر الشخصيات الجديدة التي تظهر على الساحة.

د- إبراز الجوانب الجديدة في الموضوعات القديمة أو المعروفة.

4-

الثراء: ومعناه ألا يكون المضمون خفيفا، ظاهريا أو قشريا، وإنما يتضمن من المعلومات الجادة، والمتنوعة والدقيقة، ومن الأفكار والآراء والأقوال، والدلائل والاستشهادات، والأحداث والوقائع والتفاصيل، يتضمن من هذه كلها الكثير والوفير والخصب، والذي يعكس ثقافة كاتبه وأحيانا "موسوعيته" وحيث يحس القارئ في نهاية المقال أنه قام برحلة فكرية أفاد منها الشيء الكثير من الثقافة، والمتعة، وأطلعته على العديد من الأفكار، وأثارت المتنوع من القضايا، ووضعت يده على أشياء لم يكن على معرفة بها وساعدته على اكتشاف عوالم جديدة، فضلا عن قضاء وقت مفيد، وبما يبرر ما بذله في قراءتها من وقت وجهد، بما يبرر المساحة التي شغلتها من حيز الصفحة.

5-

الجاذبية: وصحيح أن هذا العنصر يمكن أن يتحقق بواسطة اللغة والأسلوب، كما يتحقق أيضا بواسطة "الإخراج الصحفي" ولكن ما نقصده هنا هو جاذبية المضمون وتفاعلها مع العناصر السابقة، واللاحقة أيضا وحيث تعني هذه الجاذبية عدة أمور من بينها مثلا:

أ- جاذبية "الفكرة" والتي تتحقق بحسن اختيار الأفكار التي تجذب إلى موضوعها أكبر عدد ممكن من القراء على اختلافهم وتنوعهم.

ب- غرابة موضوع المقال بالنسبة لغالبية القراء.

جـ- طرافة المضمون بحيث يقبل على قراءته الكبير والصغير والفتى والفتاة بل والأطفال أيضا.

د- كثرة القضايا والمواقف الساخنة والملتهبة أيضا التي يمكن أن يثيرها المقال.

هـ- الشخصيات الهامة التي يتناولها خاصة ما يتصل منها بعنصر الشهرة أو النجومية كالحديث عن نجوم العلم أو الفن أو الأدب أو الرياضة وغيرهم.

ص: 200

و محلية الموضوع واقترابه من القارئ في سكناه أو عمله "عنصر المكان".

6-

التقاليد: عنصر أخلاقي، يتصل بضمير الكاتب ودوره في مجتمعه، ومعناه في بساطة أن يكون المضمون العام للمقال مما يؤكد المثل العليا، ويدعم التقاليد ويؤيد ويبرز السلوكيات الإيجابية ويدافع عن الحق والعدل، ويدعو إلى العمل ويحض على الخير ويحث على الفضيلة بنفس القدر، الذي يهاجم به الحقد والأثرة والأنانية والتفرق والتمزق، ويحمل فيه على الشر والسلوكيات المريضة، ويقف في مواجهة الخنوع والسلبية والرذيلة.. وهكذا.

7-

بين الموضوعية والذاتية: ومقال اليوميات الصحفي، مثله في ذلك مثل فنون صحفية تحريرية أخرى كثيرة، في مقدمتها "فن التحقيق الصحفي" ينبغي أن يجمع فيه كاتبه وخلال مضمونه بين طرفي نقيضين، أو قطبين أحدهما سالب والآخر موجب، هذان هما: الموضوعية والذاتية، ومن هنا وبينما يجب وينبغي عليه أيضا أن يكون موضوعيا في نظرته إلى الأمور والمشكلات والمواقف والقضايا، وهو يتابعها، ويقرأ عنها، ويستمع إلى أصحابها ويناقشهم، وما إلى ذلك كله نجد أن عليه في نفس الوقت ألا يهمل رأيه الخاص، أو يتجاهل ذاتيته وإيجابيته، أو يلقي بأحاسيسه وعواطفه وانفعالاته أدراج الرياح، لا سيما في المجالات التي تتطلب ذلك، وفي الأنواع التي تكون الذاتية "زيتها ووقودها" الذي به تشتعل وتتوهج وتضيء أيضا، خاصة ما يتصل منها بمقالات:"الخواطر والتأملات، الصورة القلمية، الاعترافات" بل إننا هنا لسنا من القائلين -بالنسبة لهذه المقالات بالذات- بأن على محررها أو كاتبها أن يترك آراءه الخاصة عند باب غرفة التحرير، أو يخلعها كما تخلع المعاطف وأغطية الرءوس وتترك العصا وربما السلاح أيضا عند أبواب الاحتفالات، أو اللقاءات الهامة حتى إذا ما انتهى من حضور الحفل -الكتابة هنا- عادت إليه هذه الأدوات أو الأردية كلها، أقول إن من الواجب أن تعطي لكاتب هذه الأنواع من مقالات اليوميات التي تمثل "الأدب الصحفي" حرية أكبر في التعبير عن نفسه وأحاسيسه وعواطفه، دون إلغاء أو تأييد لإلغاء ما هو شخصي ليس فقط لأن:"اهتمامات الصحفي ولو كانت خاصة قد تتصل باهتمامات القراء أنفسهم"1 وإنما لأن كاتبه

1 جلال الدين الحمامصي: "الصحيفة المثالية" ص225 من مقال بقلم "أحمد رشدي صالح".

ص: 201

حتى وإن كانت المادة الإخبارية هي ميدان عمله الأساسي أو القديم، إلا أنه عندما يجلس إلى كتابة هذا النوع من المقالات فإن عواطفه وأحاسيسه تقدم وتكاد تسيطر عليه، كما أن أكثر كتابه يتميز بطابع الفنان الذي يريد التعبير -في صدق- عن مشاعره، فضلا عن الكتاب الأدباء أصلا، وجميعهم يقدمون للقارئ ما يرى فيه نفسه وما يتحدث بلسانه، وما يضع يده على مواطن المتعة والراحة النفسية، وكم نحن في حاجة إلى أمثالهم، حتى وإن كان بعضهم يغلب "الأنا" ويقدمه.

على أنني أقول إن من الملاحظ أن الكثرة من هؤلاء الكتاب -والحمد لله- تعرف جيدا، وتقوم أيضا بالربط الوثيق بين "الأنا" وبين اهتمامات القراء ومصالحهم وتحاول تحقيق التوازن بينهما.

8-

وخصائص عديدة: وهناك عدة خصائص وعوامل وعناصر نجاح أخرى ينبغي أن تتوافر في هذه المقالات، نجملها هنا في الآتي:

أ- أن يكون الطابع السائد والنغمة الطاغية على هذا المضمون هو طابع مقال اليوميات ونغمته وليس طابع مقال آخر غيره، وبالتالي ليس الطابع الإخباري أو النغمة الإخبارية، كما أنه ليس الطابع التقريري وما إلى ذلك كله.

ب- أن يتناسب المضمون مع المساحة المتاحة لنشر هذه المقال، ومن ثم يقع نفس التناسب بين فقراته، من فقرة إلى أخرى.

جـ- أن يكون المضمون نفسه مما يتصف بالوضوح والإشراق وليس الغموض أو الإهام.

د- أن يحدث التوازن المطلوب بين "الإضافات المشوقة والمثيرة"1 التي تتصف بها عادة المادة الصحفية، وبين الإبقاء على قدر محترم وبارز ومفيد من المضمون المقالي، أو في تعبير آخر، أن يحدث هذا القدر من التوازن بين فكر الكاتب وتعبيره، وبين شكل المقال ومضمونه، علما بأن هذه الإضافات المشوقة، وهذا التعبير هنا هو بقلم الكاتب نفسه وليس بقلم أحد غيره.

هـ- وعندما يتعرض الكاتب لبعض المسائل العلمية، أو الحقائق المقررة والثابتة،

1 قاروق خورشيد: "هموم كاتب العصر" ص7.

ص: 202

أو يقدم على دعم مقاله بواسطة الرقم، وإلى غير هذه الأمور، فإن الدقة تمثل ضرورة لا بد منها ومطلبا لا محيد عنه، وهي هنا لا تتعارض -بحال من الأحوال- مع ذاتيته، أو تعبيره الخاص، أو طابع الجاذبية، بشرط أن يحسن المواءمة بين هذه الأمور كلها.

- الخصائص النوعية لمضمون مقال اليوميات: أي إنها مجموعة العوامل والعناصر التي ينبغي أن يتصف بها كل مقال من المقالات السابقة، والتي ترتبط به قبل ارتباطها بغيره من النوعيات الأخرى، كما يكون توافرها في نوع ما أكثر منه في نوع آخر، ومن هنا، ومن خلال المادة المنشورة فوق الصفحات نفسها فإننا نتتبع هذه الخصائص من مقال يوميات إلى مقال يوميات آخر، وذلك بالإضافة إلى ما سبق، وحيث نجد:

1-

بالنسبة لخصائص مقال "الخواطر والتأملات" نستطيع أن نقول: إنها ليست كل خاطرة تترى على ذهن الكاتب، أو تقفز إليه، وليس كل تأمل أيضا يكون جديرا بالتناول، وإنما ينبغي أن تتوافر في هذه الخواطر والتأملات، وكذا في مضمون مقالها نفسه عدة أمور من بينها:

- البعد عن الخواطر والتأملات الفلسفية أو ذات الطابع الفلسفي.

- البعد ما أمكن عن هموم الكاتب الخاصة باستثناء ما يمكن أن يكون له انعكاساته على هموم القراء، أو ما يحس الكاتب أن له أثرا في ذواتهم.

- عدم الإغراق في الجانب الذاتي إلى أقصى حد، وكما يحدث في حالة كتابته لمؤلف أدبي يعلن عن خياله وأحلامه ما دام المقصود بالكتابة هو النشر الصحفي.

- البعد عن المضمون الرمزي الذي لا يسهل إدراكه بالنسبة لكثرة من القراء.

2-

وبالنسبة للمقال الديني فإن على كاتبه أن يلتفت إلى تحقيق عدة أمور من بينها:

- الاهتمام بالموضوعات والقضايا ذات الأهمية عند جموع القراء، وخاصة تلك التي تثير نوعا من الجدل بينهم استنادا إلى وقائع وقضايا حديثة طغت على سطح مجتمعهم.

- ولكنه الجدل بالحق، والذي يفتح باب الحوار الإيجابي الهادف والبناء في أمور الدين.

ص: 203

- أن يكون المضمون مما يحث على طاعة الله واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم وأن يكون ذلك هو الطابع الغالب عليه.

- الصلة الوثيقة بالعبادات والفرائض خاصة بالنسبة للمقالات التي تنشر في المواسم والأعياد الدينية الكريمة "شهر رمضان المعظم، عيد الفطر المبارك، موسم الحج، عيد الأضحى

إلخ".

- الدقة في نقل آيات القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة والأمانة والحرص في ذلك.

- العودة إلى فكر ورأي المتخصصين في الأمور التي يقع الخلاف بشأنها.

3-

أما بالنسبة لمقال "الاعترافات" فإنه يكون على كاتبه أن يهتم بعدة أمور منها:

- أن يختار من بين اعترافاته تلك الأكثر فائدة للقراء استنادا إلى خبراته وتجاربه وممارساته.

- وتلك الأكثر جذبا وتشويقا للقراء في مجموعهم، ودون إسراف كامل في ذلك.

- وتلك التي تقدم الدروس العديدة للشباب، خاصة من هؤلاء الذين يريدون أن تكون مسيرتهم على نفس طريقه أو تخصصه، فضلا عن الدروس العامة التي تقدم لجميع القراء "ما يستحق التناول من تجربته الخاصة".

- والمضمون الصادق الواقعي الحقيقي الذي حدث فعلا، وكان هو بطله الأول، أو شاهد عيان عليه وليس عن طريق السماع فقط، أو يكون قد وصل إليه بطريقة من الطرق.

- أن يكون الاعتراف دالا عليه هو، خاصا به نفسه، وليس لشخصية أخرى مجهولة، أو شخصية مخالفة يتقمصها.

- أن يختار من بينها تلك التي لا تهدف إلى الإثارة، ولا تخاطب الغرائز ولا تلعب بعواطف الشباب.

- أن يهاجم الآخرين لأسباب مقنعة؛ ولأنهم يستحقون ذلك فعلا، وأن تكون لديه الأسباب والدوافع والأدلة التي ترد في اعترافاته بما يؤكد ضرورة هذا الهجوم

ص: 204

ويبرره، دون أن يكون ذلك لمجرد الهجوم، أو تصفية الحسابات القديمة، أو كشف عورات الغير.. وهكذا.

- ألا يقوم في اعترافاته بالهجوم على شخصيات لا تملك حق الدفاع عن نفسها لسبب من الأسباب "المرض، الوفاة، كبر السن، عدم إتاحة فرصة النشر.. إلخ".

- أن تكون الأمانة الكاملة، هي الطابع العام المسيطر على مضمون هذا المقال من أوله إلى آخره.

4-

وأما بالنسبة للمقال النقدي فإننا نقول إن على كاتبه أن يبذل عنايته لكي يتضمن مقاله عدة خصائص هامة من بينها:

- أن يكون هناك ما يستحق النقد أو ما يستحق التناول في إطار هذا النوع.

- وأن يكون النقد لمصلحة عامة، أو لمصلحة المجتمع أو البلد نفسه أو الإنسانية كلها وليس لهدف شخصي.

- وأن يوضح المضمون الدافع إلى ذلك والأسباب الداعية إليه.

- وأن يتضمن سياقه الأدلة والبراهين والوثائق التي تؤكد الغاية التي يقصد إليها المحرر أو الهدف الذي يرجوه من وراء نقده.

- وأن يتضمن أيضا عرضا لمختلف الاتجاهات والآراء والمواقف، من جميع الزوايا ودون تجاهل لأي منها، أو تغليب رأي على رأي، أو الاهتمام بموقف على حساب آخر.

- وأن يتضمن كذلك ما يؤكد إيمان المحرر بما يقول، واقتناعه به اقتناعا كاملا أو غير كامل ودرجة ذلك.

- وأن يتضمن -قبل ذلك كله- ما يثبت أن الكاتب يعرف تماما المفهوم الحقيقي للنقد، بمعنى ألا ينظر بمنظار واحد فقط، أو من خلال زاوية واحدة فقط، وهي زاوية إظهار العيوب والكشف عن المثالب وتعرية الثغرات والأخطاء والهجوم عليها فقط، وإنما بالإضافة إلى ذلك وعلى نفس مستواه من الأهمية، بل ويسبقه أيضا إظهار المحاسن والكشف عن الإيجابيات وتأييدها ودعمها والدعوة إلى المزيد منها، إلى تحقيق القدر المضاعف من فرص النجاح لها أي: النظرة إلى الصورة بوجهيها معا، وليس إلى وجه واحد منها، وحتى بالنسبة للوجه "الكالح" أو الذي يزخر بالبقع السوداء، أو

ص: 205

الثغرات أو السلبيات، فإن النقد الحقيقي لا يتوقف عند حد الكشف عنها والهجوم عليها، بل يمتد إلى جوانب اقتراح الحلول والتوجيه بما يقلل من فرصها أو يقضي عليها، ورسم الطريق نحو تغيير صورتها إلى الأفضل والأحسن.

وصحيح أن النقد في بعض الأوقات السابقة -قبل العصر العباسي- كان يستخدم بمعنى الذم والاستهجان، ولكن هذا المفهوم تعدل منذ مئات السنين، وأصبح متفقا على أنه "تمييز" الطيب من الخبيث، والفصل بين الحقيقي وبين الزائف من "الدراهم والدنانير" أي: بيان هذا وذاك، وهو ما ينبغي أن يكون الخط الأساسي لمضمون هذا المقال.

5-

ومضمون "المقال الفكاهي" ينبغي أن تسوده وأن تنتشر في جوانبه:

- عدم افتعال أو اصطناع عيوب غير حقيقية أو ليس لها أصل واقع فعلا.

- روح الظرف والفكاهة والمرح والسخرية والإضحاك، هي الروح الطاغية عليه.

- الاهتمام بما يتصل بالمفارقات اليومية التي تحدث بين الناس.

- أن يكون الخط الأساسي المسيطر على المضمون هو استخدام هذه الأسلحة: الفكاهة والسخرية والمرح في كشف المثالب والعيوب، والمساهمة في رأب الصدع وإصلاح بعض جوانب الخلل الموجود في السلوكيات، أو بعض الأشخاص أو المجتمع نفسه.

- دون أن يخل ذلك بجانب ثقافي، أو بوجود فكر معبر وذكي، يقدم في إطار خفيف ومرح.

- مع تنويع المضمون من مقال لآخر.. حيث يتناول مرة السلوكيات، وأخرى الشخصيات وثالثة الأدواء الاجتماعية ورابعة بعض الظواهر السلبية وهكذا.

6-

وأما عن "المقال القصصي" فإن على كاتبه الاهتمام بأن ترد مثل هذه الملامح والعالم بين فقرات وعبارات وسطور مضمونه التحريري.

- الاقتراب من الواقع الذي يعيشه القراء وتصويره بما فيه ومن فيه بحيث يكون صورة مجتمعه ونبضه.

- لتعمق في معالجة الأمور التي يتعرض لها في مضمون مقاله القصصي.

ص: 206

- المضمون الحي المتحرك المتجه في النهاية إلى تصوير ما يمور به المجتمع وما يطحن أحشاءه كما يتناول أيضا ويعبر عن قيم هذا المجتمع وأهدافه وطموحاته.

- الاهتمام بعرض المواقف وتفسيرها وتحليلها والغوص وراء أحداثها ووقائعها بنفس الأسلوب القصصي، أو في أسلوب آخر، الاهتمام بالقيمة والدلالة اهتماما كاملا.

- تقديم الجانب الإنساني بما يحيط به من مشاعر وأحاسيس تطغى في النهاية على جوانب السلب أو الجموح أو الأثرة.

7-

كذلك، فإنه يكون على كاتب "الصورة القلمية" أن يهتم بأن يأتي مضمونه "حاويا" لأمثال هذه الملامح والمعالم كلها أو بعضها:

- الشخصية أو الموقف أو المشهد الذي يجري اختياره بعناية و"فنية" بحيث يصلح للتناول في شكل هذه الصورة القلمية.

- الاهتمام بالتركيز على جانب واحد فقط من جوانب الشخصية أو الموقف أو المشهد تركيزا كاملا يقدم كل ما يتصل به ويسلط الأضواء كاملة عليه وحده.

- التركيز أيضا على ما يتصل بالملامح والجوانب النفسية والتأثيرات والتراكمات العديدة.

- الواقعية في التفكير والتناول والتصوير والتعبير.

- المضمون الإيجابي الذي يقدم للقراء زادا فكريا ومعنويا طيبا من خلال وقائع وخيوط وتفاصيل هذه الصورة نفسها.

- الاهتمام بإبراز الجوانب المستترة أو الغريبة، أو العجيبة في مجال هذه الصورة وموضوعها.

- والاهتمام أيضا بعنصر الخلفيات والمكونات السابقة، والكشف عنها مع التركيز على ظلالها الحالية وأثرها على جانب التناول الرئيسي.

8-

وكاتب "مقال الرحلات" يكون عليه أن يضمن مقاله، على أن شكل كتبه وحرره:

- المضمون الحي المتحرك الذي يغطي أكثر من مكان وأكثر من مشهد.

- المضمون المتغير والمتنوع الذي يهتم مرة بالطبيعة وأخرى بالمتاحف وثالثة بالأسواق ورابعة بالفنون الشعبية وخامسة بالشواطئ والأنهار وسادسة بالشخصيات

ص: 207

وسابعة بالأزياء وثامنة بالعادات والتقاليد وتاسعة بالأمور الغريبة وعاشرة بلقاء هام، وهكذا بحيث تكون موزعة على عدة مقالات، تتضمن عدة فقرات، أو يركز على بعضها إذا كان ما يكتبه مجرد مقال واحد.

- أن يركز المضمون على جانب الوصف الصادق، ولكنه المشوق والجذاب والمشرب بروح المحرر ورؤيته الخاصة أيضا.

- ما يعتقد أن أغلب القراء لم يره، ولن تتاح له فرصة رؤيته.

- ما يتصل بالمناطق المجهولة أو الغريبة أو العجيبة.

- المضمون الذي يربط بين بعض الأحداث الهامة، أو التاريخية، وبين بعض الشخصيات المماثلة في إطار الرحلة نفسها.

- الاهتمام بأن يكون المضمون معبرا عن ثلاثة أبعاد هامة هي:

"المكان بما فيه -الناس بأزيائهم واهتماماتهم وفنونهم وتراثهم وأبرز صفاتهم- الواقع الحالي بما فيه من أحداث ووقائع وتطورات من وجهة نظر كاتب الرحلات، وليس المراسل الخارجي أو المتجول أو الكاتب السياسي مثلا".

- المضمون المنتظم الذي تتتابع فيه الأفكار المعبرة عن الصور والمشاهد في أسلوب سردي، أو عرضي أو قصصي يساعد على إبراز هذه الجوانب.

9-

والكاتب الذي يفضل أن يكون "الغد" موضوعا لمقالاته يكون عليه أن يضمنه هذه الملامح والمعالم:

- المضمون السهل الواضح والبسيط.

- والجذاب والمشوق أيضا.

- والذي يضرب على الوتر الحساس عند القراء، ومعنى ذلك هنا أن يربط بين الاتجاهات والأحداث العلمية الجديدة، وبين حاجات القراء واهتماماتهم، حتى اليومية البسيطة منها.

- وهو أيضا المضمون الذي يزرع الأمل في الصدور، وينشر البشر والتفاؤل في النفوس.

- مع الاهتمام بجانب الجهد الإنساني المبذول، وتقديم المثل المكافح في صمت العامل في غير ضجيج، جانب العلماء طبعا.

ص: 208

- المضمون الذي يناسب جميع القراء من حيث الاختيار ونوعية الحدث ومقاييس الأهمية.

10-

وأما بالنسبة لـ: "المقال التاريخي" فإن مضمونه يتناول أو ينبغي أن يتناول بعض هذه الصور، وأن يتصف بهذه الصفات:

- ما يتصل بإعطاء الأمثلة النابهة والجديرة والأنموذجية من الأحداث والسلوكيات والأشخاص.

- المزج بين ألوان متغيرة من التاريخ من مقال لآخر، كالتاريخ القديم والوسيط والحديث، وكذا السياسي والأدبي والديني والعسكري وما إلى ذلك كله.

- الحقائق، وعدم اصطناع الأحداث أو تحريفها أو تلوينها.

- ما يقدم الدروس المستفادة، والعبرة المتجددة.

- أن يتضمن ما يتصل بالرؤية الجيدة والمعاصرة للأحداث والوقائع القديمة.

- المزج الفني بين أربعة عناصر أساسية هي: "الزمان، المكان، الحدث، الشخصية".

- الاهتمام بالجانب الإنساني في غمار الحدث أو الأحداث وإبرازه قدر الاستطاعة.

11-

وفي النهاية -نهاية حديثنا عن مضمون مقال اليوميات- يأتي دور "المقال المختلط أو المتنوع" لنقول في بساطة إنه المضمون الذي يتناسب مع هذا الطابع العام المسيطر نفسه -طابع المزج بين أكثر من مضمون من المضامين السابقة النوعية، والجمع بين أكثر من واحد منها- تعبر عنه تلك الفقرات التي يتكون المقال منها، في مجموعها، مع أهمية توافر عدة شروط من بينها:

- حسن اختيار المادة المتنوعة.

- أن تكون مما يتلاءم مع بعضها، بحيث تكون هذا المزيج المتناسق أو المتناسب المضامين وليس لمجرد التنوع أو الاختلاط فقط، بحيث يبدو بعضها غريبا أو كالنغم النشاز.

- توافر المضمون الأكثر صلاحية للعرض والطرح والمناقشة في إطار مقال صحفي والذي يغلب عليه هذا الطابع.

ص: 209