الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
القائم أو الذي يقوم، والتقريب بين العقول والأفهام، وذلك بالتزامهم القوي بالصالح العربي، وبدعوتهم إلى السمو فوق الخلافات والمشكلات العارضة، والعمل على الوقوف صفا واحدا وكبنيان مرصوص، في مواجهة رياح الشر التي تعصف بهم من كل جانب.
هذا قليل من كثير مما يجعل من "المقال الصحفي" فنا ضروريا، لا بد من وجوده فوق الصفحات، أو في أسلوب آخر أنها -بالإضافة إلى أدائه لجميع أدوار ووظائف الصحافة- المسئولية الاجتماعية والوطنية والقومية الملقاة على عاتق كتاب المقالات الصحفية".
ب-
الصحافة العربية.. وفن المقال
، سطور مختارة:
وإذا كنا نتحدث عن دور المقال وأهميته، فإن من المناسب هنا الإشارة إلى أن الصحافة العربية كانت في أغلب فترات حياتها مقالة، ولعل في بعض الأسباب التي دعت إلى اتباعها هذا الطريق ما يزيد من إلقاء الضوء على دور المقال ووظائفه، خاصة من الزاويتين السياسية والوطنية، وهما دون شك أهم الزوايا.
- ومن هنا فنحن نسأل أيضا: لماذا كانت الصحافة العربية في أغلب فتراتها صحافة مقالة؟
أما الإجابة فتلخص في هذه النقاط:
1-
في عهد "محمد علي باشا" الذي شاهد بداية الصحافة العربية المصرية، كانت هناك -أولا- عدة اتجاهات إخبارية قوية تعكس حالة بلد يجري بناؤه، وحكم يريد أن يتقرب إلى الشعب بأعماله حتى يتمكن من تثبيث دعائمه، إلى جانب معالم نهضة شاملة بدأت تتضح رويدا رويدا، وبرزت انعكاساتها الإخبارية في رغبة أولية للوالي بأن يقدم له عماله وموظفوه ملخصا عن حسابات الأقاليم والمصالح، وأهم ما يتصل بجوانب إدارتها وذلك في نهاية كل شهر ثم كل سنة ثم في فترات أخرى متقاربة في صورة تقرير أطلق عليه التعبير الفرنسي "جورنال".. ثم لما رأى "الباشا" تكاسل عماله أمر بمزيد من الاهتمام بها، وجعل لها ديوانا خاصا بالقاهرة وله فروعه بالأقاليم الكبرى أطلق عليه اسم "ديوان الخديو" زيادة في الاهتمام به، ومن هنا أخذت التقارير المعروفة باسم "جورنال" اسمها الشهير "جورنال الخديو" الذي قام بالدور الإخباري
على الشكل الذي أراده الوالي خير قيام، ويذكر مؤرخ له عن "فورني" أنه كان يطبع من الجورنال "مائة نسخة" باللغتين العربية والتركية متضمنا الأخبار الرسمية: الحكومية وبعض قصص من ألف ليلة وليلة، وكان هذا التقرير الذي يمكن تسميته بالجريدة الرسمية مع شيء من التجاوز يرسل إلى رجالات الدولة ومأموريها الذين يعنيهم أن يقفوا على أحوال البلاد والنظام الجديد فيها1.
ثم أخذت هذه "النغمة الإخبارية" تشتد وترتفع في الصحيفة الرسمية الأم "وقائع مصرية". تلك التي جاء بافتتاحية العدد الأول منها: "الحمد لله
…
أما بعد فإن تحرير الأمور الواقعة من اجتماع جنس بني آدم المتدبجين في صحيفة هذا العالم ومن ائتلافهم وحركاتهم وسلوكهم ومعاملاتهم ومعاشراتهم التي حصلت من احتياج بعضهم بعضا هي نتيجة الانتباه والتبصر بالتدبير والإتقان، وإظهار الغيرة العمومية، وسبب فعال منه يطلعون على كيفية الحال والزمان وهذا واضح لدى أولى الألباب"2.
وصحيح أن "الاتجاه الإخباري" كان أكثر بروزا، ولكن ليس معنى ذلك أن الاتجاه المقالي لم يكن له وجود، وإنما كانت هناك مقالات عديدة إما بتوجيه من الوالي -محمد على باشا نفسه- أو من رجاله، أو من أجل مديح أعماله والإشادة بها، ومن ذلك -مثلا- الأمر الصادر من "المعية" إلى "سامي أفندي" ناظر "الوقائع" والذي جاء به:"فقد صدر الأمر العالي بأن تكتبوا مقالا شائقا في الوقائع في هذا الشأن"3.. يقصد بعد الأمر بصرف باقي استحقاقات "الآلاي الثاني والأورطة البلطجية".
ثم أخذ الاتجاه المقالي يقوى ويشتد ويسير بحذاء الاتجاه الإخباري مع بداية الاهتمام الخارجي للوالي.. وذلك في جانبيه: جانب العلاقات بينه وبين الباب العالي، وجانب اهتماماته الأوروبية، وحيث كانت حاجته تشتد إلى لون جديد من ألوان الدعاية "المقالية" التي تحاول أن تصل إلى القلوب والأفهام، وليست الدعاية أو الإعلان عن أعماله عن طريق المادة الإخبارية وحدها.. وذلك إلى جانب المقالات
1 إبراهيم عبده: "تطور الصحافة المصرية" ص26.
2 "وقائع مصرية" المجلد الأول 1244-1245هـ.
3 إبراهيم عبده: "تاريخ الوقائع المصرية" ص57.
التي تناولت الأعمال الداخلية وبررتها، وراحت تكيل المديح للوالي والثناء على نهضة البلاد على يديه وعلى حكمه العادل.
حتى بدأت سيطرة المقالة مع ازدياد وقع أقدام جيوش الوالي المحاربة، واعتراضها لكل ما يقف في طريقها حتى السلطان التركي نفسه، ومع غضب الأخير وانبهار الدول الأوروبية وخوفها وقلقها ثم اجتماعها عليه وتحطيمها لأسطولة في موقعة "نافارين" البحرية.
2-
وقد استمر الاهتمام بالمقالة في الصحف العربية التي صدرت بمصر بعد ذلك لا سيما صحف: "السلطنة 1857، يعسوب الطب 1865 للمقالات العلمية خاصة، وادي النيل 1866، نزهة الأفكار 1869، روضة المدارس 1870، وعند الأخيرة تتوقف قليلا لنقرأ مما يتصل بهذا الموضوع نفسه عن قرب.
فصحيح أن مادتها قد غلب عليها الطابع المدرسي أولا، العلمي ثانيا، ولكن من الصحيح أيضا القول أن اهتمامها بمختلف أنواع المقالات أدبية وعلمية وتعليمية واجتماعية وفكاهية وتاريخية.. قد جاء بشكل لم يحدث من قبل في الصحافتين المصرية والعربية، أما المقالات السياسية فإنها بعدت عنها قدر الاستطاعة، إلا ما تسلل منها إلى مادة بعينها لا سيما مدح الوالي خلال سطور مقالاتها الافتتاحية.. ولعل ذلك كان من الأسباب التي أتاحت الفرصة لنشر المقالات الأخرى. كما عنينا هنا كذلك أن كبار كتاب مصر قد ساهموا بمقالاتهم التي غطت جميع الصفحات وكان من بينهم على سبيل المثال لا الحصر هؤلاء جميعا:"رفاعه رافع الطهطاوي، على مبارك، علي فهمي رفاعة1، عبد الله فكري، إسماعيل الفلكي، صالح مجدي، حسونة النواوي، حسين المرصفي" وغيرهم، وحيث نستطيع أن نقول إن "روضة المدارس" كانت مدرسة كبرى لكتابة فن المقالة والتدريب عليها ذلك لأنها:"لم تسد الطريق على أي كاتب مهما يكن شأنه حتى ولو كان تلميذا بالمدارس"2 فضلا عن براعة الكتاب السابقين، وتنوع اهتمامات المجلة وكثرة توزيعها.
1 وهو ابن الرائد الفكري الصحفي "رفاعة رافع الطهطاوي" وكان يعمل معلما للإنشاء بمدرسة الإدارة والألسن وكان يعمل رئيسا لتحريرها.
2 محمد عبد الغني حسن، وعبد العزيز الدسوقي "روضة المدارس" ص43.
3-
وإذا كانت الصحافة المقالية قد تعززت مواقفها "الفنية واللغوية" بعد ذلك مما دفع بها عدة خطوات الأمام بظهور طائفة من الكتاب الموهوبين النابهين وفي مقدمتهم الشيخ الإمام "محمد عبده" فإن الأحداث نفسها كانت تحمل لها دفعة قوية أخرى، خاصة في الاتجاه الوطني، وعلى أثر الاحتلال الإنجليزي، حيث لم يعد الأمر صراعا بين المحتل وأصحاب البلاد فقط، بل بين أكثر من تيار وأكثر من اتجاه وأكثر من فكر أيضا، لعل أهمها:
- تيار وطني عاطفي يتوقد حماسا ويعبر عنه في "مقالات خطابية" يقوده ويمثله "مصطفى كامل".
- تيار الدفاع عن الاحتلال والتأييد السافر له "مقالات تبريرية" يقوده المقطم وأصحابه.
- تيار التعقيل والنظر إلى المصالح وتهدئة المواقف "مقالات ترضية وترقب" يقوده أحمد لطفي السيد في "الجريدة".
- تيار يدعو إلى الإصلاح على المبادئ الدستورية ويؤيد الخديو ويقوده الشيخ علي يوسف "المؤيد".
- تيار يجنح بفكره وأمله إلى الجانب الفرنسي، يرى فيه إمكانية تقديم العون والمساعدة على التغيير، أو -على الأقل- تحريك الأذهان إلى دعوة الحرية.
- تيار العودة إلى الدين والتراث وتحقيق التضامن ويمثله كتاب عديدون.
- تيار مسيحي متعدد الاتجاهات وتقوده جريدة الوطن وجريدة مصر.
ومن الطبيعي أن تكون المقالة هي أداة الدعوة إلى كل تيار منها، وإلى الدفاع عنه، وعن فكرة وخططه وقادته، ولتزيد المساحات التي تحتلها المقالات في صحف هؤلاء؛ ولتكون أكثر حدة، وأوسع مجالا.
4-
وقد عبر عن هذا المعنى كتاب كثيرون كان من بين أقوالهم على سبيل المثال لا الحصر: "كان موقفنا الوطني فيما بين الثورة العرابية إلى حوالي سنة 1930 موقف الكفاح السياسي للاستعمار البريطاني، وأيضا للاستبداد الوطني الذي كان يمثله
أمراء وملوك أسرة محمد علي، وكلمة الكفاح تعني -في النهاية- تنبيها وتحميسا وتحريضا وكل هذه المعاني كانت تستوعبها المقالة، وظهرت مقالات مصطفى كامل الالتهابية في التحميس لتنبيه الشعب إلى ضرورة السعي والجهاد للاستقلال، ومقالات على يوسف المنطقية ضد الإنجليز وأخيرا مقالات لطفي السيد في مكافحة الرجعية والدعوة إلى الإصلاح الاجتماعي.
وعلى هذه الأقلام نشأ عبد القادر حمزة فنقل المقالة إلى المناقشة الحزبية وأصبحت المقالات من تقاليد الصحافة المصرية، لا ينشد صحفي التفوق بدونها"1. ويقول آخر: ومما يتصل بهذا المجال وهذه الفترة أيضا إن جيل الشباب الذي قرأ اللواء والمؤيد والجريدة وغيرها قبل الحرب العالمية الأولى كان هو نفسه الجيل الذي خاض غمار ثورة 1919، لم تقصد الصحف أن تجعل من قرائها جمهورا سلبيا، ومن هنا كانت الغلبة لمقالات الرأي واحتفاء الصحافة بالمقالات النزالية2.
5-
وإذا كانت هذه الأوقات مما يعتبر "العصر الذهبي للمقالة الوطنية". فإنه مما يهمنا هنا الإشارة إلى بعض خصائص المقالة في هذه الفترة نفسها، والتي كان من أبرزها:
- إن كتابها كانوا من طائفة "الزعماء الوطنيين والصحفيين معا، وحديث كانت الزعامة والصحافة شيئا واحدا، وأبرز الأمثلة على ذلك: مصطفى كامل صاحب ورئيس تحرير "اللواء" وزعيم الحزب الوطني، وعلى يوسف صاحب ورئيس تحرير "المؤيد" وزعيم حزب الإصلاح على المبادئ الدستورية وأحمد لطفي السيد صاحب "الجريدة" وزعيم حزب الأمة وهكذا.
- أنه نتج عن ذلك أن هذه المقالات الداعية إلى الاستقلال، وهو موضوعها الأول، كانت جميعها ذات اتجاهات وطنية متعددة، وإن اتفقت عليه في النهاية، كما كان أكثرها يغلب عليه الطابع الخطابي خاصة بالنسبة لمقالات مصطفى كامل ثم علي يوسف.
1 سلامة موسى: "الصحافة حرفة ورسالة" ص72.
2 جلال الدين الحمامصي "الصحيفة المثالية". من مقال بقلم "أحمد رشدي صالح" ص237-240.
- أن المقالات كانت طويلة، كبيرة الحجم بحيث شغلت بعض أعداد الصحف بمقالة واحدة.
- أن بعضها انتظم في "حملة مقالات" كبيرة للرد على أداء مصر، وكان من أبرزها حملات مصطفى كامل المقالية في صحيفة "الفيجارو"1 الفرنسية خلال شهري يونيو ويوليو 1906 عقب حادثة دنشواي، وفي صحيفة "اللواء" وكان من أثرها عزل "كرومر" المستشار الإنجليزي في مصر، وكذا حملة الشيخ "علي يوسف" في جريدته "المؤيد" والتي تهاجم المستشار الإنجليزي المتهجم على مصر والعروبة والإسلام والتي ظهرت مقالاتها تحت عنوانين هما:"قصر الدوبارة بعد يوم الأربعاء - لو كنتم مثلنا لفعلتم فعلنا".
6-
وقد استمر "العصر الذهبي للمقالة الوطنية" قائما حتى بعد الحرب العالمية الأولى مع تغيير بسيط في مسارها، فبالإضافة إلى "مقالات الثورة" خاصة تلك التي ظهرت في "الصحافة السرية" التي كانت توزع سرا من أسوان حتى الإسكندرية، فقد كان لموضوع "تأليف الوفد المصري" برئاسة "سعد زغلول" ثم في موضوع "بعثة ملنر" ثم في الأحداث التي تلت ذلك ومن أهمها:"الانقسام الذي حدث بشأن المفاوضات، الخلاف بين سعد وعدلي يكن، انقسام الوفد، مفاوضات عدلي وكيرزون، اعتقال سعد للمرة الثانية، نفي سعد وصحبه إلى سيشل، صدور الدستور، الإفراج عن سعد، الخلاف بين سعد والملك على حق تعيين الشيوخ، تأليف الأحزاب". كان لمثل هذه الأحداث وغيرها أثرها الكبير على استمرار عصر المقالة وسبقها للخبر والتحقيق والأحاديث الصحفية، كما كان تأثير موضوع اختلاف الوطنيين على تفاصيل مسار الحركة الوطنية مما أسفر عن تكوين الأحزاب الجديدة وصحفها، له دوره البارز والأساسي في هذا المجال، ومن ثم فقد صدرت الصحف الحزبية الكثيرة التي أكدت مقالاتها استمرار هذه "الظاهرة المقالية" نفسها وكان من أبرزها هذه الصحف وهؤلاء الكتاب:
"الأخبار، أمين الرافعي، الحزب الوطني 1920، البلاغ، عبد القادر حمزة الوفد 1922، كوكب الشرق، أحمد حافظ عوض، حزب الوفد 1924، السياسة
1 "Le Figaro".
د. محمد حسين هيكل، حزب الأحرار الدستوريين 1922" وغيرها من الصحف الحزبية.
7-
فإذا ولينا وجهنا شطر الشام -الخاضع أيضا للسلطة العثمانة- لوجدنا أن تأخره العام، وتفككه واستبداد ولاته الأتراك كلها كانت سببا في نزوح أبنائه إلى بلاد الله الواسعة خاصة مصر وتركيا، حيث بدأ هؤلاء في كتابة المقالات التي تدعو إلى حرية الوطن الشامي وتحريره، تماما كما عبرت عن آلام أبنائه وآمالهم، وقد كتب بعض هؤلاء في صحف الأستانة نفسها، وكان بعضهم قد تأثر بمبادئ الثورة الفرنسية، في الحرية والإخاء والمساواة، وكان من بين هؤلاء الكتاب الذين استمروا ببلادهم أو الذين نزحوا منها هؤلاء جميعا:"رزق الله حسون، إسكندر شلهوب، ناصيف اليازجي، بطرس البستاني، أحمد فارس الشدياق، عبد الله مراشي، عبد الرحمن الكواكبي" وغيرهم وحيث يمثل هؤلاء رجال المدرسة الأولى من مدارس المقالة في القطر العربي السوري أو الشام كما كان يطلق عليه وقبل التقسيم، وحيث قامت هذه الصحف بالدور المقالي خير قيام وكان من أهمها:
1-
"مرآة الأحوال" أصدرها عام 1855 بالأستانة وهي أول جريدة عربية تصدر في عاصمة الخلافة أثناء الحرب التركية الروسية -حرب القرم- وحيث يقول عنها مؤرخ الصحافة العربية: "وأخذ رزق الله حسون1 يدبج المقالات السياسية عن هذه الحرب وعواملها وخفاياها وما يكمن وراءها من أسرار، كما كان يخص البلاد العربية والقطر الشامي بصفة خاصة بمقالات مسهبة"2.
ب- "حديقة الأخبار" والتي أصدرها عام 1858 في بيروت "خليل الخوري" وهي أول جريدة عربية تصدر في الشام بموافقة -رخصة- تركية. بعد صدور قانون المطبوعات العثماني -يناير 1857- وقد كانت مقالاتها اجتماعية وأدبية وثقافية وعلمية، وذلك حتى لا تتعرض للمضايقات المختلفة.
جـ- "نفير سورية" وقد أصدرها "المعلم" بطرس البستاني عام 1860 وكانت
1 من أبناء حلب.
2 فبليب دي طرازي: "تاريخ الصحافة العربية" جـ1 ص47.
مقالاتها اجتماعية ووطنية هادئة وفي قالب أدبي خاصة بعد الحرب الأهلية التي اندلعت في جبل لبنان في هذه الفترة.
د- "الجوائب" والتي أصدرها رائد من رواد الفكر العربي عامة وهو اللبناني "أحمد فارس الشدياق" في الأستانة عام 1860، وقد نالت شهرة واسعة في العالم العربي، وقد كانت الداعية الأولى لفكرة الخلافة الإسلامية، وساعدها في ذلك كثير من الزعماء العرب والمسلمين بما فيهم السلطان التركي نفسه "عبد العزيز".
8-
وعلى ذكر الحرب الأهلية التي نشأت عام 1860 في جبل لبنان وامتدادها إلى الأقاليم السورية، يمكن القول أن هذه الحرب ومقدماتها قد ساعدت على نشأة المقالة في القطر الشامي، وعلى تطورها أيضا وذلك منذ بدأت الإرساليات والجمعيات الدينية المسيحية تعمل عملها الذي استخدمت فيه وسيلة "المجلة" في نشر أفكارها التبشيرية والتفككية مما دفع إلى إنشاء جمعيات إسلامية تتبع الأسلوب نفسه، وكان طريقهما إلى ذلك المقال الصحفي، وحتى أثناء هذه الحرب، وبعدها، وحيث تجددت وارتفعت الصيحات التي تطالب بالتحرر من سلطة العثمانيين، مما كان له أثره على المقال، وإن كانت هذه الاتجاهات قد ساعد عليها للأسف الشديد موفدو الدول الأجنبية الذين وفدوا على بيروت للتحقيق في "الفتنة الطائفية" بينما كان هؤلاء في حقيقة الأمر يسعون إلى تفتت وحدة البلاد الشامية، وإضعاف دولة الخلافة نفسها، ولكن أحدا من مؤرخي الصحافة لم يلتفت إلى ذلك إلا بعد فوات الأوان.
9-
وبينما ظهر صحفيون بارعون من كتاب المقالة من أمثال "عبد الرحمن الكواكبي" وغيره.. مما زاد في الاهتمام بها ولفت الأنظار إلى موادها نجد أن الرقابة العثمانية -من حيث لا تدري- قد أسفرت عن اهتمام بالغ بفن المقال وسيطرته وذلك في بلاد "السلطنة".
- فالهجوم على الرقابة أداته المقال.
- والهجوم على الرقابة يعني تصرفا من جانب كتاب المقالات يتيح لهم حرية المناورة والهجوم والدفاع ومعرفة ما يتصل بالتوقيت المناسب وتجربة أساليب كتابية عديدة للقفز فوق حواجز الرقابة نفسها، أي: إن الرقابة -بأسلوب آخر- كانت تقدم لونا من التدريب غير المباشر على اصطناع الأساليب الكتابية المقالية المختلفة.
- والدستور العثماني وقف في مواجهة الصحف أولا، ولكنه في نفس الوقت سمح للمجلات بالذيوع والانتشار، في وقت لم تعرف فيه الأشكال والأنماط التحريرية الأخرى معرفة كاملة -كالحديث والتحقيق الصحفي مثلا- ومن ثم فقد كانت المقالات المتنوعة خاصة الأدبية والعلمية، والتي أنتجت بعد ذلك المقال الصحفي وتدرب كتابه أولا في مدرستيهما.
10-
وكما حدث في مصر من اعتماد الاستعمار الإنجليزي على صحفه وصحافييه، فقد حدث أيضا بالنسبة للدول العربية الأخرى سواء في العهد التركي أو عهد الاستعمار الإنجليزي أو الفرنسي أو الإيطالي، ومن ثم فقد كان لا بد للصحافة الوطنية، ممثلة في كبار كتابها -وهم من قادة الفكر الوطني وزعمائه- كان لا بد من الرد بإنشاء الصحف والمجلات المعارضة، التي ترد أباطيلهم وتفند حججهم وميدان ذلك كله المقال "الوطني" أولا، مما دفعه إلى النمو والتطور من حيث الأغراض أو الأساليب معا.. لقد كان على هؤلاء أن يواجهوا في البداية السلطات العثمانية ثم الإنجليزية أو الفرنسية أو الإيطالية -وهو ما حدث بالفعل- بسلاح الصحافة وبأسلوب المقالة.
11-
ولا يعني ذلك أن عهد "العثمانيين" كان شرا كله، فقد شهد -ضمن ما شهده- بعض المحاولات المخلصة لتجنيد الطاقات الإسلامية والعمل على حشدها في مواجهة رياح الشر التي تعصف بالعالم الإسلامي وتهاجم الدين نفسه، وتعمل على بث الفرقة والتجزئة والإقليمية بين دوله وأبنائه، ومن ثم فقد تصدى لها عدد من الكتاب الذين استمالهم العثمانيون إليهم، وكان سلاحهم في ذلك هو المقالة التي كانت دعوتها مرتفعة في مواجهة هذه الدعاوي، كما كتب بعض هؤلاء في استجابة نبيلة منهم للحيلولة دون القضاء على اللغة العربية والتراث القومي والتاريخ العربي نفسه، ولعل أبرز هؤلاء كان "أحمد فارس الشدياق".
بل إننا في الواقع -ومن منطلق صدق- لا يمكننا أن نتجاهل بحال من الأحوال دور عدد من الولاة الأتراك الذين يبعدون كثيرا بأفكارهم وانتماءاتهم وبذرة الإصلاح في صدورهم عن صورة الوالي التركي التقليدية.
نذكر في مقدمتهم "محمد علي باشا"، و"إبراهيم باشا" وحيث كانت فترة ولايته للشام من أفضل الفترات على الرغم من تسامحه مع الأجانب والاستغلال السيئ من جانب هؤلاء لهذا التسامح، بل من يستطيع أن ينكر أثر "مدحت باشا" على
حركة الإصلاح عامة، وتشجيعه للتعليم والصحافة خاصة؟ وحيث دفع ذلك بالمقالة الإصلاحية عدة خطوات إلى الأمام.
- والخلاصة أن البيئة العربية كانت مهيأة تماما لأن تكون بيئة مقالية منذ بداية معرفة الصحافة المطبوعة، وحتى بعد الحرب العالمية الثانية، باستثناء فترات قليلة بين هذين العهدين.
- فهي في البداية سلاح في مواجهة العثمانيين بسلبيات حكمهم وقوانين صحافتهم وتفضيلهم للعنصر التركي وسفه بعض الولاة واستخفافهم، فإذا نجح بعض هؤلاء في استمالة عدد من الصحفيين فهي مقالات أيضا للدفاع عن الفكرة العثمانية، وفكرة الخلافة الإسلامية.
- ثم هي سلاح في مواجهة نزعات التفتيت والتبعية ومحاولات زعزعة المبادئ الدينية في صدور المسلمين إلى جانب محاولات مضنية للقضاء على التراث واللغة والتاريخ العربي.
- ثم هي سلاح في مواجهة الاستعمار الأجنبي الإنجليزي والفرنسي والإيطالي وما بذره في البلاد من بذور الفرقة، والتجزئة ومحاولات نشر ثقافته ولغته، نهاية بالدعوة إلى الحرية والاستقلال، وما تبعها من دعوة إلى الإصلاح الاجتماعي والسياسي والتعليمي في الوطن العربي كله، باستثناء ندرة من أقطاره.
تدريب عملي "3":
- اكتب ما تعرفه عن هذه الأسماء من زاوية فن المقال الصحفي:
"الشيخ محمد عبده، عبد الله النديم، رزق الله حسون الحلبي، الجوائب، مدحت باشا".
- كان للمقالة ملامحها الخاصة الواضحة عند "أحمد فارس الشدياق" تحدث عن ذلك استنادا إلى قراءاتك ودراساتك الخاصة.
- اكتب مقالة "اجتهادية" في حدود 60 سطرا تحت عنوان: "عبد الرحمن الكواكبي شخصية صحفية".