الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
14-
صحيفة اليوم السعودية: "متابعات محلية: خالد محمد الخليفة، للمعلومية حرر: عبد الله الغشري، كل الحواس: مبارك العوض، آخر صوت: الحارث بن غريب".
تحريره:
وما دمنا نكتب أعمدة مقالية، لا إخبارية، واستنادا إلى أن التحرير يتألف في بساطة شديدة من الحصول على المعلومات والحقائق، والوصول إلى الآراء والمواقف والنتائج الهامة، وعرضها العرض اللائق الذي يجعل القراء يقبلون عليها ثم يفهمونها، انطلاقا من ذلك، وبحسب أن المقال العمودي هو رسالة قصيرة يومية أو أسبوعية أو دورية يكتبها كاتب مناسب إلى قارئ صديق يحدثه عن ظاهرة أو حقيقة أو قضية أو سلوك بهدف الإعلام والشرح والتفسير والتثقيف والإمتاع، وقيام الجسور الدائمة بين الصحيفة والمحرر من جانب والقراء من جانب آخر، وإلى تحقيق الربح المادي.
ما دامت هذه هي العوامل الثلاثة الأساسية التي تحكم "فلسفة" المقال العمودي، فإنها ينبغي أن تصب أولا وأخيرا في "التحرير الجيد والمتميز" والذي يرتبط بهذا الفن الإعلامي الإبداعي الصحفي قبل ارتباطه بغيره من الفنون التحريرية الأخرى، وحيث نجد أن لهذا التحرير معالم وملامح وخصائص نضيفها هنا إلى ما سبق تناوله منها، خاصة ما يتصل بالشكل العمودي، وصغر المساحة وما ينتج عنه.
أولا: في تحرير العنوان
- هناك عدة اتجاهات تحريرية تسيطر على تحرير عنوان العمود المقالي، ومن أهمها:
- اتجاه أول: وطابعه غالب يتمثل في كتابة اسم أو لافتة أو عنوان واحد رئيسي للعمود ثابت طبعا لا يتغير أبدا ويكتفى بهذا العنوان وحده، أي: يصير علما على جميع المقالات في جميع الأيام دون أن يتلوه أو يظهر بعده عنوان آخر وذلك مثل عنوانات: "فكرة، ما قل ودل، خاطر الصباح، نحو النور".
- اتجاه ثان: يتضمن الاسم أو اللافتة أو العنوان الرئيسي الثابت اليومي أو الأسبوعي
ولكن يظهر إلى جانبه وأسفله في أغلب الأحوال عنوان آخر يكون دالا على مقال اليوم أو الأسبوع أو المقال الدوري ويتغير بتغيره، وبما يناسب مادته وهو الأسلوب المتبع في مقالات أعمدة عربية مثل:"صندوق الدنيا، وجهة نظر، مجرد رأي، في الصميم، فنجان قهوة، آراء حرة" بصحف الأهرام والرأي العام والعرب على التوالي.
- اتجاه ثالث: يوجد فيه ثلاثة عنوانات كاملة للعمود الصحفي الواحد، ويحدث ذلك في أحوال من بينها عندما ينشر نفس العمود بنفس اسمه أو عنوانه الرئيسي على صفحات العدد الأسبوعي، أو عدد خاص أو عدد ضمن أعداء "الإعلام التسجيلي أو الإعلاني" كما قد يفعل بعض الكتاب ذلك في مناسبة من المناسبات الصحفية أو الخاصة أو الوطنية أيضا، ولعل أبرز هذه العنوانات عنوان عمود "جلال الدين الحمامصي" الذي ينشر في عدد الجمعة -آخر الأسبوع- من صحيفة الأخبار القاهرية حيث يتكون من ثلاثة عنوانات أولها الأساسي المنتظم الثابت الذي ينشر تحت اسم "دخان في الهواء" والثاني عنوان أسبوعي مفتاحي هو "دردشة آخر الأسبوع" بالإضافة إلى العنوان المتغير الذي ينشر من يوم لآخر مرتبطا بموضوع العمود اليومي.
- اتجاه رابع: يخلط بين الاتجاهين السابقين فقط، أي: إنه لا يستقر على حال، مما يخالف طبيعة الأعمدة، ولكن لحسن الحظ أنه اتجاه ضعيف، وقليل الحدوث، ونادر النماذج أيضا.
- اتجاه نادر آخر يعود بالعمود إلى بعض اتجاهات كتابة عنوانات الخبر الصغير، وكذا بعض أنواع المواد الإعلانية، حيث يظهر الخبر الصغير أو الإعلان بدون عنوان على الإطلاق حيث يقول بعض أصحاب هذا الاتجاه إن ذلك يكون طريقا هاما أو وسيلة إلى جذب القراء نحوه وتوقفهم عنده، وهو كما نرى اتجاه غير واقعي ومرفوض في أكثر الأحوال، بل في غالبيتها العظمى، حتى كاتجاه "حر" ثائر على التقاليد والأسيجة؛ ذلك لأننا لا نضمن إن كان القارئ سوف يمضي في متابعة الخبر أو الإعلان أم لا؟ فضلا عن روح الخديعة المشرب بها، وذلك بالإضافة إلى حيرة القارئ وتردده وقلقه وهو يحاول أن يتعرف على "هوية" هذه المادة قبل قراءتها أو متابعة هذه القراءة، كما لا يمكننا تجاهل جاذبية العنوان الثابت أو المتغير وارتباطه بكاتب صديق، وحيث يوشك هذا الاتجاه
أن يهدم بعض أركان "فلسفة الأعمدة" من أساسها.
- ولأن العنوان يقوم بدوره الهام من أجل جذب القراء إلى قراءة المقال، كما يقوم بعقد صلة التعارف ويدعمها بين القارئ والمقال نفسه، بالإضافة إلى الدلالة على نوعية العمود الصحفي وعلى اهتمامات كاتبه، وعلى موضوعه أو موضوعاته والاتجاهات التي تسوده، فضلا عن الدلالة على شخصية الكاتب نفسه وفكره، وذلك كله بالإضافة إلى ما يمكن أن يقدمه هذا العنوان نفسه من "خدمات" لسكرتير التحرير تتصل عن قرب بجوانب الجمال والإشراق في الصفحة وباعتباره ركيزة هامة من ركائزها أحيانا، أو من ركائز نصفها أو ربعها -وفق مكان العمود- وقبل ذلك كله؛ لأن عنوان العمود ركن هام من أركان "فلسفته" وقيامه بدور الصلة المستمرة والرابطة القوية والمدعمة بين القارئ والعمود، من أجل ذلك كانت هناك عدة ملامح وخصائص وشروط أيضا تتصل بتحرير هذه الوحدة الهامة وينبغي توافرها بالنسبة لها تلك هي:
1-
أن يستقر أولا وبادئ ذي بدء على نظام واحد ثابت للعنوان، كأن يكون -مثلا- عنوانا واحدا يقوم بمقام "اسم" المقال، وينشر كل يوم في نظام ودقه، فإذا كان لا بد من عنوانين هذا الأول الثابت والآخر المتغير بتغير الموضوعات والمقالات، فينبغي أيضا الحفاظ على هذا النظام والدقة في تنفيذه، وهكذا وإن كنا نفضل في حالة قيام محرر واحد بكتابته يوميا أن يكون له هذا العنوان الواحد الثابت المنتظم؛ لأنه الأكثر اقترابا من فلسفة الأعمدة الصحفية من حيث:
2-
أن يكون هذا العنوان -الذي هو بمثابة اسم للعمود- الذي جرى الاستقرار عليه مختصرا كل الاختصار، بحيث يتكون من كلمة واحدة مثل: "كلمة، صواريخ، غرابيل، فكرة
…
إلخ" أو من كلمتين مركبتين مثل: "نحو النور، آخر العمود، خاطر الصباح، في الصميم، آراء حرة.. إلخ" ويستحسن ألا يزيد عن ذلك، فإذا زاد عن ذلك فهي ثلاث كلمات قصار، أو هما كلمتان فقط يضاف إليهما حرف هام أو أداة استفهام أو إشارة أو نحو ذلك مثل: "ما قل ودل، دخان في الهواء، من غير سياسة" وصحيح أن هناك -كما كان هناك أيضا- ذلك العنوان الثابت المكون من أربع كلمات مثل:"نقطة فوق حرف ساخن، مع قرائي كل صباح: صحيفة الجمهورية المصرية" ولكننا لا نميل كثيرا إلى اتباع ذلك.
3-
ولكن المطلوب ليس هو اختصار العنوان فقط، خاصة إذا كان النظام المتبع هو أن يكتب تحته عنوان آخر متغير، وإنما ينبغي أن يكون هذا العنوان المختصر دالا كل الدلالة على طابع المقال وطبيعته ونوعية مادته الغالبة على أكثره، وعلى الاتجاه الذي سوف يسود كتابته في معظم الأيام أو الأسابيع فلا يعقل -مثلا- أن يكون العنوان الثابت هو "مع العلم" بينما العمود يتناول عرض أو نقد الكتب الجديدة.
كما أنه ليس من المعقول أن يرتفع عنوان مثل "في الشبكة" على عمود علمي متخصص وهكذا، وحتى الأعمدة العامة -وهي هنا مجال حديثنا الأول- ينبغي اختيار عنواناتها الدالة عليها وعلى مادتها وعلى شخصية محررها أيضا، فعنوان مثل "أتحدى" ينبغي أن يختلف مضمون عموده عن مضمون عمود بعنوان "قبلات" وعنوان آخر مثل "وسام على صدره" يدل تماما على مادة مقاله الذي يقدم الأنموذج والقدوة الصالحة، وهو -حتما- يختلف عن مقال عمودي آخر يرتفع فوقه عنوان مثل:"كلام فارغ" وهكذا.
4-
كذلك فإن الاختصار والدلالة وحدهما لا يكفيان وإنما ينبغي أن تتصف كلمة أو كلمات العنوان:
- بما يجذب نحوها عيون القراء "الجاذبية".
- بما يجعلها واضحة الدلالة على مادتها ومضمونها وطابع المقال العمودي "الوضوح".
وهكذا نجد أن الجاذبية وأن الوضوح ضرورتان لاختيار كلمة العنوان أو كلماته، حيث تساهم هذه كلها في جذب القارئ نحوه، وحرصه عليه، ومتابعته له.
5-
وبالمثل فإن جدة الفكرة -فكرة العنوان هنا- واتصالها بعنصر الابتكار المتفاعل، أو المنسجم مع الهدف من وجود العنوان، وبل والعمود كله، هذه أيضا تكون من معالم نجاح عنوان مقال العمود، ومن الشروط التي ينبغي توافرها فيه، وهذا العنصر يعني، ويتحقق بواسطة أساليب عديدة، يعرفها الموهوبون من
المحررين، ويحرصون عليها، ويبلغ حرصهم عليها أشده عند الاستقرار أو الاتفاق على كتابة عمود جديد، حيث يجهد المحرر -أو عدد من المحررين- أنفسهم من أجل العثور على عنوان أو "اسم" للعمود، ينبغي أن يتوافر فيه، وبالإضافة إلى ما سبق ومن زاوية ابتكارية هذه المرة:
أ- الجدة الكاملة، أي: أن يكون العنوان جديدا، لم يسبق استخدامه من قبل، ولا يستخدم الآن في صحيفة أو مجلة أخرى، وذلك باستثناء:
- أن يكون من الأعمدة ذات التاريخ الطويل والأثر الكبير وتريد الصحيفة أن تحافظ على بقائه كأحد معالمها الرئيسية والأساسية، ونتيجة لما أثرى به صاحبه حياتها والحياة الاجتماعية ككل.
ويزيد من ذلك عندما يكون لهذا المحرر أخ أو ابن أو قريب يعمل بالصحيفة نفسها أو بالعمل الصحفي في مجموعه، ويمكنه أن يقدم له طابع الاستمرار وأن يحافظ على هويته تماما، وعلى استمرار أدائه لدوره1.
- أن يكون العنوان الثابت قد استخدمته صحيفة أو مجلة قديمة، كانت تصدر بنفس البلد أو بغيره منذ عدة أعوام "بعد اتباع الأسلوب المهني اللائق خاصة في حالة وجود كاتبه أو رئيس تحرير الصحيفة أو صاحبها على قيد الحياة".
- أن تكون الصحيفة التي تستخدمه -أو المجلة- مما يصدر في بلد أجنبي، وإن كنا لا نفضل ذلك تماما ولا نؤيده؛ لأن أمام المواهب ما يتسع من أجل الحصول على أفكار لعنوانات جديدة، مبتكرة تختلف تماما عن العنوانات التي تستخدمها هذه الصحف والمجلات الأجنبية.
1 لعل خير الأمثلة على ذلك في إطار صحافتنا العربية، قيام أستاذنا "مصطفى أمين" بكتابة العمود الشهير "فكرة" بعد وفاة شقيقه "علي أمين" الذي ارتبط العمود باسمه لأكثر من عشرين عاما، بل لقد رأينا العمود نفسه وعددا من الصحف العربية تتسابق إلى نشره وهو بقلم "مصطفى أمين"، وهكذا كما يقوم الزميل "سمير عبد القادر" بكتابة عمود "نحو النور" بعد وفاة والده "محمد زكي عبد القادر" الذي ارتبط العمود باسمه حوالي ثلاثين عاما، بعد أن تغير من عمود يومي إلى أسبوعي، وهكذا.
ب- الابتكار والاختلاف عن أفكار العنوانات الأخرى: فلا يكفي أن يكون العنوان جديدا لا يستخدمه الآن عمود آخر، لكاتب آخر، في صحيفة أو مجلة أخرى، وإنما ينبغي أن يتحقق به طابع الابتكار الذي يعكس المواهب. ويقدم الإبداع في أفضل صوره، ويدل على تلك الدرجة الرفيعة من الحس الفني الصحفي الابتكاري لأسرة الصحيفة أو المجلة عامة وللمحرر خاصة، ويحسب أن هذه الأسرة تشارك في عملية اختياره، هذا ومن أمثلة عنوانات الأعمدة التي تظهر فيها هذه المقدرة على الابتكار، وعلى سبيل المثال لا الحصر وإن تكرر ترديدنا لها، بحسبها هنا أعمدة "أنموذجية" خاصة ما يتصل بعنواناتها:
"فكرة، ما قل ودل، نحو النور، نحو الغد، قطر الندى، من القلب، خاطر الصباح، صباح الخير، نصف كلمة، حياكم الله، ورد وشوك، أقول لكم، بين السطور
…
إلخ".
ومن الصحف الأجنبية:
"النوافذ المفتوحة، أبيض وأسود، لماذا؟ ، من عش العصفور
…
إلخ".
جـ- عقد صلة تعارف مباشرة: بمعنى أن يكون العنوان من ذلك النوع الذي يتجه إلى القارئ مباشرة بحيث يخاطب قلبه وحواسه إلى درجة يشعر معها كل قارئ أن صاحب أو محرر هذا العمود يتوجه به إليه قبل غيره، بل وربما إليه فقط كصديق، وصديق قديم أيضا، وذلك من مثل هذه العنوانات الثابتة والتي سبقت الإشارة إلى بعضها عربية وأجنبية: "مع قرائي، السلام عليكم، عزيزي، أقول لكم، من الأعماق، حياكم الله، كلمة حب
…
إلخ".
6-
ومن خصائص العنوان الناجح أيضا أن يكون سهل الارتباط بالقراء وسهل التذكر، وقبلها يكون سهل الدخول إلى عقولهم وقلوبهم أو سهل "التسلل" إليهما، وقد ثبت أن العنوانات المأخوذة عن آية قرآنية كريمة، أو عدة كلملات منها، أو عن حديث شريف، أو عن حكمة أو قول مأثور أو بيت شعر شهير أو جزء من خطبة تاريخية، ثبت أن مثل هذه العنوانات هي التي تحقق صفات الارتباط بالقراء وسهولة تذكرها، كما تزيد من قيام صلة التعارف التي تحدثنا عنها خلال
الفقرة السابقة، ومن هنا، وبالإضافة إلى ما سبق تقديمه فإننا يمكننا أن نقترح هذه العنوانات الجديدة للمقالات العمودية الثابتة التي يمكن أن تحقق هذه الصلة، فضلا عن سهولة تذكرها، أن من بينها مثلا، مع ملاحظة أن بعضها قد يكون قد استخدم في بعض الأوقات كعنوان لبعض الأعمدة، مما يقفز إلى ذاكرتنا، أو على سبيل توارد الخواطر فقط، حيث إننا لا نتذكر سابق استخدامها:
أ- عنوانات لأعمدة عامة يومية أو أسبوعية لكاتب واحد مثل: "أحلى الكلام، خبز وتمر، نعم، الحق أقول، حديث الروح، هكذا أقول، لوجه الله، بلا دموع، ضوء وظل، هنا وهناك نافذة
…
إلخ".
ب- عنوانات لأعمدة دينية متخصصة يومية أو أسبوعية مثل: "بسم الله، الوعد الحق، أفلا يتذكرون؟، وإلى ربك فارغب، جنات وعيون، خير زاد، نصر الله، إنه كان توابا، من كتاب الله، السنة المحمدية، تسابيح مؤمن، البلاغ المبين، تسابيح، حزب الله".
جـ- عنوانات لأعمدة علمية متخصصة مثل: "من كل بحر، والله أعلم، بساط الريح، أبقراط يقول:، شعاع، قوس قزح، نافذة على العلم، دائرة الضوء، الفانوس السحري، أنت والعلم، اليوم وغدا، علم وتنمية، في بحر العلوم
…
إلخ".
د- عنوانات لأعمدة نقدية مثل: "وجها لوجه، في الميزان، كيف؟، لماذا؟، كلمة صدق، حلو ومر
…
إلخ".
هـ- عنوانات لأعمدة فكاهية كاريكاتورية مثل: "كلام × كلام، حنك السبع، لأ يا شيخ، سمك، لبن، تمر هندي، إلا، لا، لا، لا، جوز ولوز، خيار وفاقوس
…
إلخ".
7-
على أنه إذا كانت الشروط والخصائص والمعالم السابقة، مما يتصل أولا وبادئ ذي بدء بالعنوانات الثابتة التي ترتفع فوق مقالات الأعمدة لتدل عليها في شمول واكتمال بحيث تصبح "أسماء" لها أو "لافتات" تدل عليها، فإننا نضيف إليها هذه الشروط والخصائص والمعالم الأخرى المتصلة بالعنوانات المتغيرة، والتي
ترتبط بعمود اليوم ومادته ومضمونه أو عمود الأسبوع وتختلف باختلافه واختلاف هذه العناصر نفسها، نقول إنه ينبغي أن يتوافر فيها هي الأخرى وباختصار غير مخل:
- أن تشغل حيزا محددا وصغيرا يمثل في الغالب سطرا واحدا أو سطرين في أحوال أقل، وهنا ينبغي أن يمثل كل سطر وحدة ذات نسيج قوي ومتماسك.
- وهذا يعني أيضا الاختصار التام بما يشبه عنوانات الأخبار الصغيرة.
- عدم تكرار كلمة وردت في العنوان الثابت، وعدم تكرار كلماته أصلا إلا ما كان منها بهدف إحداث موسيقى لفظية معينة أو جرس لفظي مقصود لذاته.
- ألا تزيد كلمات السطر الواحد منه عن خمس كلمات في أغلب الأحوال، وألا تزيد كلمات السطرين عن عشر كلمات بحال من الأحوال، ولكن العدد المعقول والطيب هو بين ثلاث للسطر الواحد وسبع أو ثمان للسطرين، وهكذا.
- ألا توضع الأشكال والعلامات التي يمكن أن تصاحب العنوانات إلا عند الحاجة إليها وأن يكون وضعها صحيحا، بمعنى ألا توضع علامة استفهام أو تعجب أو قوس أو فاصل أو نقاط إلا في مواضعها الصحيحة تماما.
- أن تكون قوية الدلالة شديدة الارتباط بالمادة التي تعلوها أو ترتفع هي -العنوانات- فوقها.
- أن تكون واضحة وجذابة وشائقة.
- أن تتضمن رأيا مختصرا أو انطباعا سريعا أو اتجاها موجزا أو موقفا في لمحة واحدة إلى مثل هذه الأمور كلها، أو في تعبير آخر، أن تعبر عن ذاتية المحرر وشخصيته وفكره، كلما وجد إلى ذلك سبيلا.
- أن تكون صحيحة تماما من زاوية قواعد اللغة العربية والنحو والصرف.
- أن تختار ألفاظها وكلماتها بعناية كاملة وإذا كان لا يسمح خلالها باستخدام اللفظ الغريب أو الوحشي أو غير المعروف، فإنه يسمح -بقدر وبدون إسراف في ذلك-
باستخدام بعض ألفاظ الحضارة والألفاظ المنحوتة إلى جانب بعض كلمات من القرآن الكريم أو الحديث النبوي، أو الحكم أو المأثورات أو شطرا من بيت شعر، وهكذا.
- ولكنها في جميع الأحوال تلك العنوانات الدالة على مقدرة المحرر، وخبرته التحريرية الكبيرة التي أهلته لكتابة مثل هذا العمود، وممارساته وتجاربه، بل لماذا لا نقول إنها تلك العنوانات الدالة على موهبته، وقدرته على الإبداع، ونظرته الابتكارية، وحسه الصحفي الفني التحريري الذي يتميز به عن غيره من المحررين.
- تماما كما أنها العنوانات الدالة على شخصيته المتميزة، المغايرة لشخصيات غيره من كتاب الأعمدة المجاورة أو التي تحتل مواقعها على الصفحات الأخرى.
ثانيا: في تحرير نص العمود الصحفي "الصلب والجوهر"
يرتكز تحرير مقال العمود الصحفي على عدة حقائق أساسية يتأثر بها كل التأثر وتحدد هي طريق محرره وطريقته، كما تحكم الطابع العام له، وهذه الحقائق -التي ذكرناها في السطور السابقة- هي تلك التي تقول:
- أنه من أبرز مواد وفنون وأنماط التحرير الصحفي التي تتيح لكاتبها أكبر قدر من حرية التفكير وحرية التعبير معا.
- وأن مقال العمود -تأسيسا على ذلك- ينبغي أن يحمل طابع كاتبه وطريقته في البيان وتقديم الرأي والموقف والاتجاه، ثم في أسلوبه الذي يتناول به كل ذلك، أو يعرضه به.
- وأن مسئوليته تكون شخصية عما يكتب وعما يعرض وعما يتناول، طالما أن له هذا القدر الكبير من الحرية، وإلى حد جواز اختلافه عن سياسية الصحيفة في بعض الأحيان.
والواقع أن نظرة دقيقة إلى المئات من مقالات الأعمدة الصحفية، تلك التي تنشرها الصحف والمجلات العربية والأجنبية، لتؤكد -بمالا لا يدع مجالا للشك- أن الثالوث السابق الذي يبدأ من حرية الكاتب في التفكير والتعبير وينتهي إليها، هو المتحكم الأول من واقع تطبيقي كامل، في تحرير العمود الصحفي، وأن أول ما أسفر عنه ومما ظهر فوق الصفحات نفسها، حتى قبل أن تشير كثرة من المراجع
إلى ذلك، ومما سبق أن ألمحنا إليه، هو أن لكل كاتب طريقته الخاصة في كتابة عموده، تلك التي تعكس فكره وموهبته وقدرته الكتابية، تماما كما تعكس تجربته الذاتية، وممارسته الصحفية أو المتخصصة إلى جانب شخصيته بصفة عامة.
ولقد أسفر ذلك كله، وفي واقع الأمر، ومن خلال الدراسة التحليلية لعدد كبير جدا من الأعمدة الصحفية، عن عدة نتائج في مقدمتها:
- أنه أصبحت هناك كثرة من طرق وأساليب تحرير نص مقالة العمود.
- وأن هذه الكثرة تضاعفت -ليس عن طريق كثرة الصحف والمجلات والأعمدة فقط- وإنما لأنه كان على كتابها أن يجددوا من آن لآخر في طرقهم الكتابية، وأن ينوعوا في أساليب بيانهم أو "بلاغتهم الصحفية"، وأن يقفزوا فوق حاجز الرتابة والروتينية.
- أن كتابة العمود الصحفي هي عند كثيرين -وكما ينبغي أن تكون- عمل إبداعي ابتكاري بالدرجة.
- أنه إذا كان ينبغي للنظام والدقة أن يسودا عملية نشر العمود فإن تحرير نصه لا يخضع لنظام ولا رابط له.
- أنه في مثل هذه الأحوال يصعب -تماما- عمل حصر دقيق، أو ثبت كامل لهذه الطرق والأساليب التي تختلف من كاتب لآخر، وينبغي أن تختلف، كما تختلف عند نفس الكاتب من مقال إلى مقال إلى ثالث إلى رابع، ما دام يستطيع، وما دامت موهبته تسعفه، وفكره وتجربته يستجيبان إلى مطلب التجديد، حتى يظل لمقاله بريقه الدائم ونمائه الخصب وشبابه المتجدد فكرا وتعبيرا.
- ومع ذلك فإننا هنا -ولفائدة الدارسين والمتدربين- نقدم عددا من طرق وطرز وأنماط وأفكار تحرير هذه المادة "القائدة" الهامة التي يقبل عليها القراء، ربما أكثر من إقبالهم على أنواع المقالات الأخرى.
وحيث أمكننا رصد هذه الطرق كلها:
1-
الطريقة التي يتناول بها المحرر فكرة واحدة فقط خلال عموده، يدخل إليها
مباشرة، وبأسلوب يذكر بالمدخل الإخباري أو المقدمة الإخبارية، ثم يتابع تقديم الوقائع والشواهد التي تؤيد فكرته الأساسية وتدل عليها.
2-
طريقة الحديث الشخصي المباشر وتبدأ عادة بكلمات تصل بين عقل القارئ وقلبه، وبين المحرر الذي يحرص على الجانب الشخصي وكأنه يتحدث إلى كل قارئ على حدة وذلك من مثل:
"سمعت أمس هذه الحكاية التي أنقلها لك عزيزي القارئ، أستأذنكم اليوم في، هل يدلني أحدكم على، أروي لكم ما جاء في خطاب من، جاءني أمس من يقول لي.." ثم يتابع المحرر تقديم ما يريد.
3-
طريقة نشر خطاب لقارئ بين يوم وآخر، على أن يكون دور الكاتب هو مجرد التقديم فقط.
4-
طريقة نشر خطاب لقارئ كل يوم مع التعليق عليه تعليقا سريعا ومختصرا للغاية ولكنه يكون تعليقا في الصميم.
5-
طريقة نشر رسالة مطولة من قارئ هام جدا، على حلقات بحيث تستغرق الرسائل ثلاثة أو أربعة أعداد، ثم يأتي التعليق عليها بعد ذلك. "انظر النماذج من فضلك".
6-
طريقة تناول أكثر من خطاب من أكثر من قارئ في حدود العمود الواحد، يعرف كاتبه بأهم ما جاء بهذه الرسائل من أفكار على طريقة أو بأسلوب "ومن القارئ.. يروي، ومن القارئ.. يشير، ومن القارئ.. يقول، ومن القارئ يعترض
…
إلخ".
7-
طريقة رواية تجربة عاشها المحرر بالأمس تتم بأسلوب قصصي متميز يكون المحرر فيه هو البطل.
8-
رسم صورة قلمية لأحد الأشخاص الذين التقى بهم المحرر أمس مع تقديم لأبرز أفكارهم وما طرحوه من قضايا.
9-
طريقة الحوار السريع الذي جرى بين المحرر وأحد القراء أو المعارف هاتفيا أو وجها لوجه يعرض المحرر أهم ما دار فيه.
10-
استكمال ما نشر بالأمس بأسلوب مختلف يبدأ بإثارة أهم قضية جاءت في هذا الحوار -مثلا- وذلك على نحو: "هل أنتم مع صديقي الطبيب الشاب في أن - من منكم يؤيد صديقي طبيب الأطفال في قوله بأن.. إلخ".
11-
الطريقة الشمولية التي تتابع فيها مشاهد نشاط المحرر ومقابلاته وذلك من مثل:
"رأيت أمس، وقابلت، وقرأت، وعلمت، وسمعت
…
إلخ".
12-
طريقة عرض مشهد قديم تذكره المحرر ويقوم بتقديم أضواء خلفية عليه بادئا بما يكون قد ذكره بهذا المشهد.
13-
طريقة تناول فكرتين لا فكرة واحدة وأحيانا ثلاث أفكار أو موضوعات يركز عليها داخل إطار العمود الواحد، على أنه يستحسن في هذه الحالة أن تكون مختلفة الموضوعات، وإلا عدت فكرة واحدة أو موضوعا واحد يتناوله المحرر من أكثر من زاوية.
14-
التركيز على نشر خطاب من مسئول يصله، ردا على عمود سابق له مع تناول هذا الخطاب برؤيته الخاصة، أو بأسلوب الموافقة أو الرفض.
15-
رسم صورة قلمية لمشهد سياسي أو أدبي أو فكري أو عائلي كان هو أحد حضوره وذلك كأن يكتب المحرر: "قام الزعيم الأفريقي. متحدثا في مؤتمر التضامن مع شعب زيمبابوي الذي عقد أمس في.. ركز الزعيم قوله على
…
وفي نفس الوقت تحدث
…
قائلا.. إلخ".
16-
التركيز على "اللحظة الهامة والحاسمة"، وفقط من أول المقال إلى آخره، بحيث يصبح مثل إحدى طرق صياغة الخبر وهي هنا طريقة "التشويش المسرحي"، وذلك كأن يقول "انفجرت أمس إحدى طائرات السلاح الجوي الأمريكي فوق إحدى جزر المحيط الهادي النائية
…
أسفر الانفجار عن
…
". مع تقديم مدلول الحادث
من وجهة نظره الخاصة "ماذا لو كانت تحمل قنبلة ذرية مثلا؟ - ماذا لو كانت قد سقطت فوق مدينة مزدحمة أو مدرسة أطفال؟ ماذا كانت تحمل؟.. إلخ".
17-
طريقة تقديم خطاب مفتوح منه إلى أحد المسئولين يعرض فيه شكوى أو قضية لأحد القراء أو لأكثر من قارئ.
18-
طريقة التركيز على مشهد واحد أو عدة مشاهد مما رآه وهو في طريقه من منزله إلى عمله وهي الطريقة المعروفة باسم "من زجاج السيارة".
19-
طريقة التركيز على بعض جوانب الأهمية غير المعروفة في نشاط هام، أو قضية شهيرة أو موقف لزعيم أو قائد فكري معروف وحيث يركز الكاتب هنا على هذا الجانب المجهول مبتدئا بقوله مثلا: ما لا تعرفه عزيز القارئ عن -أو- أقول لكم سرا، إلخ". وهي الطريقة المعروفة باسم "الهمس" أو "من ثقب الباب".
20-
طريقة التقديم السريع لأكثر من فكرة، وربما عشر أفكار، كل منها في سطور قليلة للغاية، لا تزيد عن خمسة أو ستة سطور مثلا، وهي الطريقة المعروفة باسم "الدبوس" أو "التماس"، وهي تكون أكثر صلاحية للمقالات العمودية الثابتة التي تنشر على صفحات عدد أسبوعي "انظر النماذج من فضلك".
21-
طريقة عقد مقارنة بين موقف أو اتجاه أو رأي جديد وحالي وساخن، وبين رأي مشابه أو مخالف أو موقف مغاير، يعود إلى أكثر من عام إلى الوراء ولشخص أو زعيم أو مفكر آخر مع التركيز على جانب المقارنة، وذلك على النحو التالي: "ما الفارق بين دعوة
…
التي تقول بـ
…
وبين دعوة سابقة انتشرت خلال الثلاثينات تقول بـ
…
وكان صاحبها هو..؟ " أو "هل هناك فارق بين؟ " أو "من يدلني على جوانب الاتفاق والاختلاف بين؟ ".
22-
تصوير مشهد درامي بالغ، ثم -في النهاية- يشرح المحرر أنه كان أحد مشاهد الفيلم الجديد الذي شهده بالخارج أو المسرحية التي تعرض بعاصمة دولة أجنبية منذ أكثر من عام.
23-
طريق عرض لما نشرته صحيفة أو مجلة أجنبية في قضية تمس الواقع المصري أو الواقع العربي أو الواقع الإسلامي كأن يقول المحرر: "أبرزت صحيفة..
وركزت على، وتساءلت، وتقول، وتفسر، وتضيف الصحيفة قولها.. وتتناول
…
إلخ" ثم يعد بتناول ذلك من وجهة نظره في عمود الغد، ويتناوله فعلا.
24-
ويقترب من ذلك أيضا طريقة نقل أهم أفكار كتاب تتناول فصوله بعض الموضوعات إلى تهم القراء.. كأن يقول: "كان السد العالي موضوع فصل هام من فصول كتاب صدر في لندن أخيرا.. يقول فيه مؤلفه..".. وقد يستمر عرض الكتاب وتناوله لعدة مقالات.. وهكذا.
25-
وقد يركز كاتب المقال على قضية هامة تتناولها صحافة بلد آخر ويطلب إلى القراء رأيهم في هذا الموضوع الجديد القديم ويعرض هذه الآراء ويتناولها وذلك من مثل موضوعات.. "تنظيم للأسرة أم تحديد للنسل، الإجهاض، عقوبة الإعدام، قيادة المرأة للسيارة في بعض البلاد الإسلامية، المرأة والقضاء".. إلخ.
26-
طريقة تخصيص عمود اليوم لقارئ يرد على قارئ آخر بشأن قضية هامة سبقت إثارتها.
27-
طريقة الربط بين موقف حالي لحكومة أو حزب أو مؤسسة علمية وبين آية قرآنية أو بيت من الشعر، أو حكمة مأثورة أو مثل سائر بحيث تكون هذه هي المدخل الطبيعي لتناول هذا الحدث الحالي والساخن، وعلى سبيل المثال لا الحصر وعند تناول الكاتب لموضوع الوحدة الوطنية، يكون مدخله إلى ذلك الآية الكريمة:{لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ} 1. وعندما يتناول موضوع وضع الرجل المناسب في المكان المناسب يكون مدخله المثل القائل: "فاقد الشيء لا يعطيه".. وعندما يتناول قضية الانتماء يصح أن يكون مدخله إلى ذلك بيت أمير الشعراء القائل:
وطني لو شغلت بالخلد عنه
…
نازعتني إليه في الخلد نفسي
1 سورة المائدة آية: 82.
ثم يتوالى بعد ذلك تقديم الشواهد والأمثلة، انطلاقا من هذا القول أو الحكمة أو بيت الشعر1.
28-
الطريقة التي من خلالها يحرك المحرر مساحة العمود كلها لنشر صفحة هامة من كتاب جديد لم يصل بعد إلى مستوى التوزيع العادي على القراء، يسبق به المحرر، وبصفحة منه تكون لها جوانب دلالاتها وجاذبيتها المختلفة.
29-
وقريب من ذلك الطريقة التي من خلالها يترك المحرر مساحة العمود كلها أيضا لينشر حوارا مسرحيا يكون قد قرأه في مسرحية جديدة، لم يجر إخراجها وتمثيلها وعرضها بعد، وتكون لها انعكاساتها وظلالها وإسقاطاتها الحالية.
30-
الطريقة التي يقوم المحرر من خلالها بتغليب الاتجاه المقارن.. فيقارن بين فكرة وأخرى، أو رأي ورأي، أو موقف وموقف أو تصرف وتصرف أو حدث ونتائجه وحدث آخر وما أسفر عنه، أو بين الأشخاص أنفسهم، وربما الحكومات والدول أيضا.
31-
الطريقة التي يخصص فيها المحرر عمود اليوم كله للإشارة إلى كتابين أو ثلاثة أو أربعة كتب تكون قد وصلته خلال الفترة السابقة من عدد من الأصدقاء أو الكتاب، وهو هنا لا يقوم بعرضها أو نقدها أو تحليلها، وإنما مجرد الإشارة إلى واقعة إهدائها وإلى مؤلفيها مع تعريف سريع بهم وبها "انظر النماذج من فضلك".
32-
الطريقة التي بها يفرد المحرر عمود اليوم أو الأسبوع لسؤال واحد من قارئ، يقوم هو بالرد عليه خلال المساحة المتبقية من عموده.
33-
الطريقة التي يثبت فيها المحرر أهم ما دار بينه وبين وفد زائر بحثا عن
1 من أفضل ما قرأته بهذا الصدد ومما علق بذهني حتى لحظة كتابة هذه السطور، 10/ 9/ 1983 ما كتبه المرحوم الأستاذ "أحمد قاسم جوده" رئيس تحرير صحيفة الجمهورية عندما احتدمت أزمة تمويل السد العالي، وجاء رئيس البنك الدولي ووزير الخارجية الأمريكي السابق -جون فوستر دالاس- يعرض شروط تمويله
…
حيث كان مدخله في عموده اليومي "خاطر الصباح" المثل العربي الشهير: "تجوع الحرة ولا تأكل بثدييها".
حل لمشكلة أو إجابة على عدد من الأسئلة، أو لتوضيح بعض الأمور وينشرها المحرر على هيئة سؤال وجواب يتضمن أهم ما دار في هذا اللقاء الحواري.
"انظر النماذج من فضلك".
34-
طريقة "المفكرة" وهي تشبه طريقة كتابة "اليوميات" من جهة، وطريقة "الترتيب الزمني المعتدل" في تحرير القصة الإخبارية من جهة ثانية، أي: إن المحرر هنا يقوم بتحرير مقاله العمودي عن طريق اختياره لعدد من الأحداث أو المواقف التي وقعت خلال ساعات اليوم المختلفة.. التي تكون هي -التوقيت- مدخله إلى روايتها، كأن يقول مثلا: "الساعة 8 صباحا: خرجت من منزلي.. وجدت أمامي حادثة رهيبة لسيارة من سيارات المدارس التي تحمل عشرات الأطفال.. الساعة 10 صباحا: رنين التليفون لا ينقطع واضح أنها مكالفة خارجية.. نعم هي كذلك فعلا.. شقيقي يتحدث من النمسا طالبا مني.. الساعة الواحدة ظهرا: قمت لأتوضأ لصلاة الظهر.. اكتشفت أن المياه منقطعة عن مبنى الصحيفة كله
…
إلخ". وهكذا إلى القدر الذي يتحمله المقال وبشرط حسن اختيار الوقائع التي تبدو غير عادية أو ذات الصفة الإنسانية.
35-
العودة إلى حدث واحد نشر سابقا على سبيل المتابعة، يبدأ بتذكير القراء به، ومتى كتبه ثم يواصل طرح آخر ما وصل إليه من أخباره ونتائجه "حادث سيارة المدارس هنا مناسب بعد عدة أيام".
36-
البعد -خلال سطور أحد الأعمدة- عن الأحداث والوقائع والشخصيات الهامة والقضايا الموجودة على سطح المجتمع.. البعد عن ذلك كله -وعلى سبيل التغيير- وكتابة عمود إنشائي وصفي، يقدم فيه لوحة قلمية لمنظر جميل شاهده من نافذة منزله أو شرفته أو من حديقة النادي أو وهو يتجول على شاطئ النيل، بحيث يكون له طابعه "الرومانتيكي" الشاعري، الذي يكون له وقعه في نفوس القراء، وسحره في قلوبهم.. وعلى طريقة "الواحة" ويصلح هذا الأسلوب أكثر ما يصلح خلال وقت الربيع، أو العطلات الأسبوعية.
37-
الطريقة الساخرة أو التهكمية أو "الأسلوب الكاريكاتيري" الذي يسيطر على سطور المقال وكلماته، وتسوده هذه الروح من أوله إلى آخره بشرط وجود الموضوع الذي يتناسب مع هذا الأسلوب، ويستحق كل هذا التهكم.
38-
طريقة طرح المحرر بنفسه لسؤال هام، ثم يقوم هو بالإجابة عنه عن طريق مرئياته الخاصة.
39-
طريقة "لو تحدثت هذه لقالت".. وهي شبيهة بطريقة "التشخيص" التي كان يعرفها الشعر العربي في وقت من الأوقات والتي "يستنطق" فيها الشاعر جبلا أو صخرا أو حيوانا ويحاوره ويرد عليه، عن طريق الخيال الخصب.. وعلى طريقة قول "المثقب العبدي" الذي أجهد راحلته معه بحثا عن محبوبته التي غادرت منازل الحي إلى وجهة غير معروفة مما جعله يقول:
تقول إذا درأت لها وضيني
…
أهذا دينه أبدا وديني
أكل الدهر حل وارتحال
…
أما يبقى علي، ولا يقيني
وهكذا يكتب المحرر وعلى سبيل المثال: "لو تحدث هرم خوفو لقال
…
، قبل أن تضربها المعاول التي تقوم بهدم السجن صرخت جدران الزنزانة رقم 16 قائلة
…
، وأنا ماض في طريقي إلى منزلي سمعت تمثال إبراهيم باشا يقول لي.. إلخ".
40-
التركيز على جانب الشرح والتفسير من وجهة نظره الخاصة لحدث أو واقعة أو قضية أو موقف بري بفكره وحصافته أن فهمه يشق على كثيرين من القراء، وهم هنا قراء عموده بالدرجة الأولى.. الذين ينبغي عليه أن يتوجه إليهم وأن يوضح ذلك لهم.
41-
أسلوب تناول قول شهير من الأقوال التي برزت خلال أحداث الأسبوع لأحد الزعماء أو القادة من صناع الأحداث الكبرى يتوقف عنده المحرر وبتناوله من خلال رؤيته الخاصة له ولقائله.
42-
الأسلوب الاستعراضي الذي يقدم فيه المحرر مقاله العمودي في شكل تقرير مركز للغاية ومختصر تماما عن رحلة قام بها أو مؤتمر هام كان أحد شهوده أو أعضائه.. ويمكن أن ينشر على أكثر من يوم، بحيث يكون ذلك مضمون أكثر من عمود.
43-
الأسلوب الاستدراجي.. الذي يقوم فيه المحرر ومن خلال عموده
باستدراج كاتب عمود آخر لكي يرد عليه، ويدلي بدلوه بشأن موقف أو قضية هامة آثارها.
44-
ويتبعه -حتما- أسلوب الرد على مقال الكاتب الزميل مؤيدا أو معارضا، أو نصف مؤيد، أو معارضا لبعض ما جاء في هذا المقال وليس جميع ما جاء فيه.
45-
الأسلوب "الحكمي" بفتح الحاء والكاف، والذي يقوم فيه المحرر بدور الحكم أو القاضي النزيه والموضوعي والمحايد بين موقفين أو اتجاهين أو وجهتي نظر بشأن قضية أدبية أو اجتماعية أو سياسية هامة بحيث يعرض -في نزاهة- لوجهتي النظر ويقدم رأيه ومبررات أو "حيثيات" الحكم أو الوقوف إلى جانب طرف ضد آخر.
46-
طريقة تقسيم الموضوع إلى عناصر.. يستقل كل عنصر منها بفقرة قصيرة مكونة من عدة جمل أو عبارات بحيث تبدأ بكلمة مجموعة ببنط أكبر أو بكرة سوداء أو بكرتين أو بمربع، بحيث يسهل على القارئ تتبع هذه العناصر والوقوف عند كل عنصر منها على حدة لالتقاط أنفساه واستيعاب ما جاء به قبل أن يبدأ قراءة العنصر التالي الذي تعبر عنه الفقرة التالية.
47-
الطريقة التي يغلب عليها طابع "الاعتراف".. أي: اعتراف المحرر بعمل قام به أما وهو غير مطمئن إليه، أو على غير رغبته أو هواه، أو رغما عنه.. بحيث يبدو وكأنه يشكو إلى صديق عزيز أو أصدقاء أعزاء ما قدمت يداه.
49-
الطريقة التي يركز فيها كاتب العمود على دعوة القراء إلى موقف ما أو دعوتهم إلى القيام بعمل معين بهدف تحسين حال مرفق من المرافق المتصلة بهم أو القيام بجهد ذاتي لاتمام مشروع ما دون اعتماد على السلطات، أو إلى موقف معارض لطائفة من طوائف التجار أو المهنيين.. وغيرها.
50-
طريقة "السوط" وفيها يقوم المحرر بالهجوم الساخن والملتهب والسريع الذي يستمر مقالا واحدا.. على وضع من الأوضاع غير السليمة، أو على جانب من جوانب السلب أو الثغرات القائمة، بحيث يحدث هذا الهجوم مثل فرقعة "الكرباج"
ولكنها ليست فرقعة في الهواء، وإنما فرقعة سريعة وموجعة ومؤثرة1.
ثالثا: في تحرير خاتمة العمود أو نهايته
على الرغم من أهمية "النهاية" أو "الخاتمة" بالنسبة لمواد وفنون وأنماط التحرير الصحفي الأخرى عامة، وللمقالات المطولة خاصة، إلا أن الموقف يختلف بشأن نهاية مقال العمود أو العمود المقالي، وحيث نجد أنفسنا أمام أكثر من صورة تتصل جميعها بتحرير هذه "الوحدة الفنية التحريرية النهائية" ما هي هذه الصورة؟ وما هي أهم معالمها؟
أ- فحيث يكون المقال قصيرا جدا، ويتكون من مجرد عدة عبارات أو جمل على النحو الذي نشهده في أعمدة عديدة يصعب أن توجد نهاية، بل يصعب رصد مثل هذه التقسيمات إلى وحدات فنية أصلا.
ب- وأما المقالات الأكثر طولا من النوع السابق -دون أن تقفز فوق حدود المساحة المحددة للعمود نفسه- فإن محررها يستخدم أحيانا بعض النهايات ولكنها تكون في أغلبها ذات ثلاثة أنواع هي:
- النهاية المستترة أي: التي لا تظهر كوحدة متميزة وإنما مختلطة ومستترة خلف سطور المقال النهائية.
- نهاية الدعوة إلى موقف أو عمل التي تمثل السطور الأخيرة من العمود.
- النهاية المؤكدة.. التي تكرر وتركز على بعض ما جاء في النص على سبيل تأكيده وتثبيته في كلمات قليلة جدا ومركزة للغاية.
جـ- وأما المقالات التي درج كتابها على أن تكون أكثر طولا -وإن كانت في حدود الأعمدة أيضا- وحيث تشغل عمود الصفحة كلها أحيانا، أو أكثر سطور هذا العمود
1 لا نقصد بهذا الأسلوب المقال النقدي الرياضي -في الغالب- الذي كان يكتبه من آن لآخر وكلما ظهر ما يستحق الأستاذ "جلال الدين الحمامصي" ويوقعه بـ"الكرباج".
-كأعمدة جلال الدين الحمامصي ومحسن محمد وكامل زهيري- فمن السهل رصد هذه الوحدات الفنية بين سطورها وكلماتها.. ومن السهولة أيضا تتبع نهاياتها وأنواعها.. حيث تكون بالإضافة إلى الأنواع الثلاثة السابقة:
- النهاية الإنشائية: والمكونة من عبارات إنشائية وشاعرية رقيقة تهدف إلى إحداث قدر من التأثير المعنوي على القراء وتسمى أيضا نهاية "العبارة القوية أو المتفجرة".
- النهاية المبرزة للفكرة الأساسية من المقال.
- النهاية التوقعية أو التنبؤية: التي يتوقع فيها الكاتب نتيجة معينة قياسا إلى مقدمات معينة.
- النهاية الاستدراجية: التي يقوم المحرر فيها باستدراج محرر آخر أو مسئول للرد عليه.
- النهاية المختلطة: فقد تكون مبرزة وإنشائية، أو مؤكدة واستدراجية وهكذا.
رابعا: إضافات تحريرية
على أننا في نهاية حديثنا عن العمود الصحفي، أو مقال العمود وتحريره، إنما نتوقف قليلا عند عدد من الإضافات والملاحظات التحريرية الهامة، تلك التي ترتبط به وبمحرره وبأساليب تحريره عن قرب، نقول عنها باختصار شديد جدا:
1-
أنه إذا كنا قد قدمنا عددا من الأساليب والأفكار التحريرية الخاصة بالأعمدة المختلفة فإن هذا الذي قدمناه ليس بأكثر من عدد من الأمثلة والنماذج، بعضها عادي، وبعضها طيب المستوى، ولكننا قدمناها هنا لتؤدي دور المثال "التدريبي"، وقد تقدم فائدة في شحذ الأذهان، وتحريك العقول، والمساعدة على تنمية القدرات المختلفة المتصلة بهذا المجال، دون أن نقول إننا قدمنا حصرا لهذه الأساليب أو الأفكار أو أحطنا بها جميعا؛ لأنها عمل إبداعي ابتكاري بالدرجة الأولى، أي: لا يمكن تقنينه تقنينا كاملا، أو حصره حصرا دقيقا.
2-
ومن ثم فإننا نقول إننا سوف نعود -بإذن الله- إلى مثل هذا التناول لأفكار هذه المقالات.. ولغيرها، عندما تتاح لنا فرصة تقديمها، وتقديم الاتجاهات الجديدة في تحريرها في غير هذا الموضع بإذن الله.
3-
أن من أهم الأمور، ومما يتصل بتحرير هذا النمط المقالي، أن يحصر الكاتب نفسه ويحدد فكره ملتزما بطابع العمود الصحفي، وبمساحته؛ لأنه لا يكتب هنا مقالة قائدة موقعة أو مقالا صحفيا عاديا أو مقالا تحليليا مما لا يرتبط بطابع معين أو مساحة محددة، وإنما يكتب مقالا له طابعه ومساحته وأهدافه وفلسفته، وجميعها ترتبط ببعضها وتنبثق عن حاجة القراء السريعة، وإيقاع العصر اللاهث والمواءمة بين ذلك كله، وبين أغراض هذا المقال وأفكاره.
4-
على أنه في جميع الأحوال، ومهما كان طابع المقال، أو كان مجاله، أو الحقل الذي يضرب فيه، أو الموضوع الذي يتناوله، فإن تحريره عامة، ولغته خاصة ينبغي أن تتصف بهذه الخصائص:
- ما يتصل بمقدرة المحرر اللغوية "صحة اللغة".
- ما يتصل بقدرته التعبيرية وبلاغته الصحفية "جمال الأسلوب وحسن اختيار الألفاظ".
- ما يتصل بالربط بين الفكرة التحريرية ونوعية الموضوع ومادته.. أي: تقديم الأسلوب والطريقة التحريرية المناسبة للموضوع الذي يتناوله المحرر وعلى طريقة "لكل مقام مقال".
- ما يتصل بعنصر التنوع في طرق التحرير من يوم ليوم وأسبوع لأسبوع.
- ما يتصل بذاتية المحرر، وأهمية إبراز فكره وقراءاته ومرئياته وشخصيته وأسلوبه الخاص.
- وضوح الكلمات وسهولة العبارة وقصرها ودقتها وإيجازها غير المخل والمتجه إلى الهدف مباشرة.
- روح الفكاهة والسخرية والأسلوب التهكمي.. خاصة إذا كان طابع المقال يسمح بذلك.
- الاستعانة بآيات القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف والحكم المأثورة، والأمثال السائرة والاستشهاد بأقوال كبار الساسة وقادة الرأي والفكر.
- والاختلاف والتنوع هنا لا يعنيان ألا يكون لمحرر العمود أسلوبه الخاص، أو طريقته التي يعرف بها والتي لا تختلط بأساليب أو طرق غيره من الكتاب، وإنما يقصد بهما -الاختلاف والتنوع- أن يتما داخل هذا الإطار "الذاتي"، وبالتفاعل الكامل معه فأنا أغير طريقة كتابتي من يوم لآخر أو من أسبوع لأسبوع دون أن أبتعد تماما عن ملامح كتابتي الخاصة، وأسلوب الذاتي الذي عرفت به، وأعرف به أيضا.
- وإذا كان البعض يحب أن يختتم عموده ببعض الكلمات، أو بعبارة متميزة من عنده أو عند غيره تكون قصيرة وساخنة ولاذعة، أو مثل "وخز" الدبوس أو "إبر النحل" فإنه ينبغي حسن اختيارها لتحقق الهدف من وجودها، وألا تكون كثيرة العدد، وإلى الحد الذي يجعلها تحتل مساحة أكبر من مساحة المادة الأساسية المقالية نفسها، كما أن في الفصل بينها وبين هذه المادة بعض ما يساعد على قراءتها ويربط بينها وبين أذهان القراء.. وهكذا.
- وأن تكون اللغة الغالبة هي لغة الصديق، وأن يكون هذا الصديق هو الذي يتحدث دائما إلى صديق آخر، بل وصديق عزيز أيضا، وليس مجرد قارئ وحسب.
على أن النماذج التحريرية التي سوف نقدمها، سوف تزيد الأمر وضوحا، وتجعله أقرب إلى الأذهان.
تدريب عملي "6":
1-
اختر عشرة من العنوانات الثابتة التي تصلح لترتفع فوق مقالات عمودية عامة.
2-
في حدود ثلاثين سطرا اكتب مقالة قصيرة تنتهي بهذه العبارة "وكان هذا هو أغرب خطاب وصلني في حياتي".
3-
وفي حدود نفس هذا العدد من السطور اكتب مقالة قصيرة بعنوان "رجل في ذاكرتي".
4-
تناول خمسة من كتاب الأعمدة في صحافة بلدك بالدراسة، محددا أهم خصائص أعمدتهم من خلال دراسة تطبيقية على صفحات الجرائد الوطنية لمدة شهر.