المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌أنموذج رقم "18 - فنون التحرير الصحفي بين النظرية والتطبيق المقال الصحفي

[محمود أدهم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌الفصل الأول: ماهية المقال الصحفي وقصته

- ‌مدخل

- ‌أولا: ماهية المقال الصحفي

- ‌ثانيا: المقال: تاريخ وصور

- ‌الفصل الثاني: دور المقال وأهميته

- ‌مدخل

- ‌ ماذا يريد القارئ اليوم

- ‌ الصحافة العربية.. وفن المقال

- ‌الفصل الثالث: في أنواع المقال الصحفي

- ‌مدخل

- ‌المبحث الأول: المقال الصحفي العام

- ‌المبحث الثاني: الافتتاحية أو المقال الافتتاحي

- ‌تعريفه

- ‌خصائصه:

- ‌أنواعه:

- ‌إضافات وملاحظات:

- ‌محرره:

- ‌تحريره:

- ‌جولة عربية:

- ‌المبحث الثالث: المقال القائد الموقع

- ‌المبحث الرابع: مقال التعليق

- ‌المبحث الخامس: مقال التفسير

- ‌المبحث السادس: المقال العمودي أو العمود الصحفي

- ‌مدخل

- ‌ تعريف:

- ‌من قصته:

- ‌أنواعه:

- ‌خصائصه:

- ‌الخصائص العشر اللازمة لمحرر العمود الصحفي:

- ‌أعمدة شهيرة:

- ‌تحريره:

- ‌المبحث السابع: اليوميات

- ‌مدخل

- ‌تعريفه:

- ‌وظائفه:

- ‌أنواعه:

- ‌خصائصه:

- ‌محرره:

- ‌تحريره:

- ‌الفصل الرابع: حول المقال الصحفي إضافات ومعالم

- ‌أولا: إضافات تحريرية

- ‌ثانيا: لغة المقال الصحفي

- ‌مدخل

- ‌ إضافة:

- ‌إضافة أخرى:

- ‌ خصائص:

- ‌ثالثا: مؤثرات المقال

- ‌النماذج التحريرية

- ‌أنموذج رقم "2

- ‌ أنموذج رقم "3

- ‌أنموذج رقم "4

- ‌أنموذج رقم "5

- ‌ أنموذج رقم"6

- ‌أنموذج رقم "7

- ‌أنموذج رقم "8

- ‌أنموذج رقم "9

- ‌أنموذج رقم "10

- ‌أنموذج رقم "11

- ‌ أنموذج رقم "12

- ‌أنموذج رقم "13

- ‌أنموذج رقم "14

- ‌أنموذج رقم "15

- ‌ أنموذج رقم "16

- ‌أنموذج رقم "17

- ‌أنموذج رقم "18

- ‌ أنموذج رقم "19

- ‌أهم مراجع الكتاب:

- ‌أولا: المراجع العربية والمعربة

- ‌ثانيا: صحف عربية

- ‌ثالثا: أهم المراجع الأجنبية

- ‌محتوى الكتاب:

الفصل: ‌أنموذج رقم "18

الأول لعيادة خارجية، والطابق الثاني لمدرسة تعلم القرآن واللغة والحساب.

ثم لماذا هذه المآذن الشاهقة التي تكلف ذهبا.

- ألا يمكن أن تبنى قاعات دائمة للعزاء توفر العبث في الوقت والعمل والمال بدلا من إقامة السرادقات وهدمها في جامع عمر مكرم بالقاهرة.

والقراء الذين وصلت أتعاب بعضهم إلى ألف جنيه في الليلة الواحدة، ألا يمكن أن نخفف عن المصابين بإذاعة أشرطة معبأة بأصواتهم يتقاضون منها حق الأداء العلني؟

- السنيون والشيعيون -وكلاهما مسلمون- يكرهون بعضهم بعضا، ولا يكرهون غير المسلمين.

- معظم رجال الدين أكثر انشغالا بشئون الآخرة منهم بشئون الدنيا، ولذلك يكثرون من الكلام في العبادات، ولا يتحدثون إلا قليلا في المعاملات.

وبعد..

هذه نتائج تجربة السيد أبو النجا بعد أن تجاوز السبعين.

وقد أمضى السيد أبو النجا حياته مديرا ناجحا، ولكنه عرف في كل مكان بأنه رجل إعلان ناجح، ولذلك رأى أن يعلن عن تجربته، أو على حد قوله التبشيري بما يعتقد أنه صالح ومفيد، وهذه الآراء خلاصة كتاب أصدرته دار الشروق وعنوانه "عروبتنا سنة 2000".

وهو كتاب رائع يعلن عن سيد أبو النجا وأن تجاربه كانت مثمرة تستحق أن تنتفع بها مصر والأمة العربية كلها.

محسن محمد

ص: 313

‌أنموذج رقم "18

"

- الصحيفة: الأخبار.

- المادة: يوميات.

- المحرر: أحمد رشدي صالح.

- أهم الملاحظات: تنوع الفقرات، تنوع الموضوعات، العنوان الجذاب وصلته بالأدب الصحفي، جاذبية الفقرة الأولى، اختلاف درجات الأسلوب ومستوياته باختلاف موضوعات الفقرات، الفقرة الأخيرة وصلتها بالأدب، عنوانات الفقرات، صلاحية

ص: 313

المقال ليكون مثالا لمقال اليوميات الصحفي من نوع "المختلط"، طول المقال بعض الشيء.

يوميات الأخبار:

في كل مرة أكاد أسأل البحر عن الناس.. عن القلوب التي أسمعته خفقانها منذ أن قيل للأرض كوني يابسة فكانت، وقيل للمياه كوني بحارا وأنهارا فكانت ينابيع عذبة وينابيع من ماء الملح، وكان الإنسان بين هذه وتلك يطلب قطرة ماء.

وعدنا نسأل البحر:

تأخذني الدهشة لمن يفاخر بأنه لا يخطف أياما لنفسه، ويمضي إجازة بعد عام كامل من العمل والإرهاق.

أشعر بالرثاء لهذا الإنسان؛ لأنه يظن أن "الراحة" ترف وأنه بالخبز وحده يعيش هذا الكائن العجيب، الذي تعلم منذ عشرات آلاف السنين أن ينال "حقه" في العمل، وأن ينسى حقه في الراحة.

هكذا أقول لنفسي وأنا أحزم حقائبي وأهاجر إلى شاطئ البحر، هاربا بأحلامي إلى حيث أستطيع أن أمشي على رمال الشاطئ فاحلم وأن أسبح في مياه البحر القريبة من الشاطئ فأغرق في الأحلام ولا أخاف من الغرق الحقيقي.

وفي كل مرة أكاد أسأل البحر عن الناس، عن القلوب التي أسمعته خفقانها منذ أن قيل للأرض كوني يابسة فكانت، وقيل للمياه كوني بحارا وأنهارا فكانت ينابيع عذبة وينابيع ملحة، وكان الإنسان مضطربا بينها، يطلب قطرة ماء.

كم منها تحقق فارتفع بها الإنسان فوق مساره عن تراب الأرض، وسباحته أو هل زاد عدد الحيوانات البشرية التي تعيش بلحمها منذ آلاف السنين، أم قل هذا العدد؛ لأن الإنسان ارتقى وتقدم؟

كم من أحلام البشرية ضاعت، كما يضيع الرذاذ فوق الأمواج المترامية بلا آخر.

كم منها تحقق فارتفع بها الإنسان فوق مساره على تراب الأرض، وسباحته أو غرقه بين الأمواج؟

كم من الذين عبروه فوق ظهور السفن، أو في قلب الغواصات، أو على أجنحة الريح، أضاعتهم الحياة كما يضيح "المقامر" أغلى ما يملك على مائدة القمار؟

أكاد أسأل البحر، عن هواجس الشعراء والعشاق، والمجانين، فكل قمر يضيء،

ص: 314

فوق أمواجه ظلال للمجانين والعشاق والشعراء، وكل مشهد جميل يبدو في أفق الشروق والغروب عندما يلامس أمواجه، ضياع "مؤكد" لمواقع أقدام كثيرة، تمشي على الأرض!

أكاد أسأل البحر، هل حقا كانت البشرية أيام الفراعنة والرومان والإغريق، أكثر تبديدا لحياة الإنسان من البشرية في عالمها المعاصر؟

وكيف لأمواج البحر أن تجيب على أسئلة زائر، يهاجر إليها مرة كل عام، "هاربا" بأحلامه إلى حيث لا يتغير شيء في البحر منذ الأزل؟

وهل يستطيع إنسان أن ينجو من قلق التساؤل، ما عاش غارقا في مشاغل كل يوم، وغارقا في الأحلام التي تعدل عنده كل شيء؟

عيب أي "كائن" أنه يعيش بقلبه.

والقلب قد لا يرى البحر مساحة من الماء واضطرابا في الموج.

وإنما يراه "فيلسوفا" يشهد أمور الدنيا، ويرد عليها بوشوشة المياه في لحظة الهدوء، وصخب الموج في لحظة الاضطراب، وأما هموم الإنسان، فأقل عنده، من الرذاذ الطائر فوق الأمواج، وأضعف عنده من حبات الرمل؛ لأنها في النهاية هي التي أضاعت منذ البداية عمر الإنسان، كما يضيع المقامر أغلى ما يملك على مائدة القمار.

"الحق" في القراءة

لمن؟.. ولماذا؟

أصدرت إنجلترا قانون تعميم التعليم منذ أكثر من مائة وخمسين سنة، وخصصت الميزانيات الكبيرة للقضاء على الأمية، في تلك الجزر التي كانت ذات يوم هي "المصنع الأول" في العالم و"البنك" الأول، والعاصمة التي لا تغيب الشمس عن نفوذها.

وبعد مائة وخمسين سنة من صدور ذلك التشريع اكتشفوا أن هناك "مليونين" يسكنون أنحاء بريطانيا، ولا يعرفون القراءة والكتابة.

ولم يدق الإنجليز بأيديهم على صدورهم، ولم يتمزقوا "حزنا" عصبيا، وإما "عاملوا" هذه الحقيقة بعقل ومنطق.

أخذت الهيئات المشتغلة بالتعليم تنبه الأذهان إلى "وجود" هذا" العيب الذي لا يجوز.

ص: 315

ونقل الوزير المختص مبلغ مليون جنيه من إعانات الحكومة للتعليم العالي، وخصصه لمحو أمية هؤلاء الذين فاتهم التعليم وأصبحوا "كبارا" يشتغلون في الصناعة والتجارة والزراعة ولا يعرفون كيف يكتبون كلمة واحدة.

وصدرت "مطبوعات" مثيرة للانتباه حول ما حدث هناك، ومنها أوراق، تحمل عنوان "الحق في القراءة".

ولكن حق من؟ ولماذا؟

إنه حق "الكبار" وليس حق الأطفال والشباب

حق الذين يعطون أعمارهم الآن للإنتاج وليس حق الذين سيعملون بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة.

أن "الحاضر" أهم من المستقبل.

هكذا قالوا في كلامهم المطبوع وفي سلوكهم بإزاء هذه المشكلة.

وينقلني هذا الحديث إلى حيث نقف نحن ونعيش.

في كل صيف تقوم الدنيا، وتنشط الصحف ووسائل الإعلام، ونصاب بحمى الحديث عن القبول في الجامعات.

ويا للبشرى العظيمة، التي يدلي بها بعض المسئولين، عندما يقولون لنا إن عدد الناجحين في الشهادة الثانوية قد زاد على العدد الذي أتم تلك المرحلة في الموسم الماضي.

ولم أقرأ -على مدار شهور- حديثا جادا عن تعليم "الكبار" أولئك الذين يشتغلون بالفعل، في ميادين العمل المختلفة، ويشاركون في زيادة نسبة الإنتاج!

وإني لأتساءل:

- ما هو نوع الاهتمام الذي نمنحه لتعليم هؤلاء المنتجين الأميين وما هي درجة إلحاح مشكلتهم علينا؟ وما هو نوع الأولوية التي أعطيناها في سياسة التعليم للارتقاء بكفاءة الملايين المشتركة بالجهد والواقع في توفير أسباب الحياة لنا؟.

إني أتساءل؛ لأنني "واحد" من الذين داروا ويدورون حول الاهتمام الزائد عن الحد، بتعليم أجيال المستقبل، بينما يتراجع إلى الوراء الاهتمام الواجب حقا، بتعليم أجيال الحاضر، ونعني بهم أولئك الكبار الذين ولدوا وعاشوا، محرومين من فرصة فك رموز اللغة، والذين نضع على أكتافهم مسئولية إنجاح مشروعات التنمية، والإنتاج

ص: 316

والذين قد ننساهم ونحن نتحدث عن المستقبل بالرغم من أن "الغد" لن يولد أبدا إلا من اليوم.

هل للمسئولين عن التربية والتعليم أن يعيدوا "التوازن" إلى طريق التنوير الذي أخذ من مصر جهدا هائلا، وأحلاما ضخمة، وأموالا فلكية، بأمل أن نكسر حاجز الأمية، وننطلق على طريق المعرفة إلى حياة أفضل؟

مشكلات الجامعة هناك.. ومشكلاتها هنا:

حدثني صديق عائد من زيارة لإنجلترا فقال لي إن أزمة الجامعات هناك هي أن إقبال الطلاب عليها ضعيف، ففي جامعة إكسفورد عشرات من الكليات والمعاهد الجامعية، لكن عدد التلاميذ المنتظمين فيها لا يزيد على الإحدى عشر ألف طالب!

إنها عكس "المشكلة" التي تواجهها الجامعات في بلادنا وفي غيرها من البلاد، ولم أذكر لهذا الصديق، خاطرة عبرت ذهني، عبور الظل السريع.

النامية:

عندما زار المؤرخ الإغريقي القديم هيرودوت مصر ورأى أسلوب حياتها ووصفه بقدر طاقته، أراد أن يختصر انطباعاته عنه، فقال الرجل الإغريقي في بساطة: إن كل شيء نصنعه في أثينا يصنع المصريون عكسه.

وقد كان لليونان حضارتها العظيمة، ولمصر القديمة حضارتها الأعظم.

لكن الوراثة في التاريخ، حقيقة واردة.

وقد مر هذا الخاطر سريعا، بذاكرتي، وأنا استمع إلى حديث هذا الصديق، ولا أستغربه، ولا أشعر بأن اشتداد الزحام على أبواب الجامعات عندنا "مشكلة" عاصفة تدعو إلى القلق العاصف، فكل بلاد الدنيا المتقدمة عبرت مثل هذه المرحلة وجربتها، وخرجت منها بتوجيه نظم التعليم إلى حيث يرتبط التلميذ بالحياة، ولا يرتبط بها عن طريق الصكوك الجامعية التي يرفعها في وجه الحياة.

إنني أحلم باليوم القريب الذي ننجح فيه، في أن نحول التيار القوي من التدفق صوب أبواب الكليات، إلى التدفق صوب المعاهد الفنية والعلمية على اختلافها.

وحتى يتحقق هذا الحلم، ولا مفر -فيما أظن- من أن تتغير أشياء كثيرة في سلوكنا العادي، ولا مفر من أن ينجح المسئولون عن التعليم ووسائل الإعلام في "إقناع" رجل الشارع البسيط بأن أعظم حق ينبغي له أن يستخدمه لبناء حياة

ص: 317

أفضل لا ولأبنائه، هو أن يتجه الطالب إلى أفق الحياة، عبر "المعاهد" أو "مراحل التعليم" التي تعطيه خبرة بالعمل، وليس "لقبا" لامعا، يكتبه الخريج على بطاقته الشخصية.

وما أقسى الزمن، مع الذين يظنون أن جواز المرور في الحياة هو "فقط" اللقب العلمي الرنان.

بعد استقالة نيكسون:

لم استغرب أن ينتهي مشوار نيكسون بأن يقدم استقالته ويرحل من البيت الأبيض.

ولم يكن نبأ استقالته خبرا عجيبا بل كان الخبر العجيب أن يستمر نيكسون "جالسا" في مقعد الرئاسة.

وعندما كنت في زيارة للولايات المتحدة في الصيف الماضي، كنت أشعر بأن السيل الذي يتدفق على نيكسون من الاتهام والنقد و"القرص" المستمر يهزه من فوق كرسي الرئاسة "هزا" شديدا.

وكان الناس خارج أمريكا، يتابعون -من بعيد- ما كان يحدث للرئيس الأمريكي السابق، وما كان يصنع هو ليقف على قدميه فوق أرض، تحولت إلى منطقة زلازل سياسية لا تعرف الهوادة.

وكان الذين يستمعون إليه أحيانا، يلاحظون أن هناك "شرخا" قد أصاب قبضته ومكانته، وهشم صوته، وأن هذا "الشرخ" يتزايد كلما شن نقاده حملة جديدة عليه، بسبب فضيحة "ووترجيت".

وانتهى أمر نيكسون بأن ترك مقعد الرئاسة في البيت الأبيض.

وقد يكون "حقا" أن ما يحدث في قمة المجتمع الدولي، يهم سائر الذين يعيشون ضمن هذا المجتمع.

لكن الحق أيضا، أن تاريخ العالم لا يصنعه أفراد ولو كانوا جالسين فوق قمة القمم.

إن هذا التاريخ تصنعه البشرية بمختلف قواها، وشرائحها، ومواقعها.

ونحن في الشرق العربي، الذين نصنع تاريخ بلادنا، ونشارك في صنع حاضر الدنيا ومستقبلها.

ص: 318

لا نزعم بهذه الكلمات أننا كآلهة الإغريق، أو أننا مثل الإله "آمون" نستطيع أن ننسى أننا موجودون على سطح هذا الكوكب الأرضي العجيب.

وإنما نزعم أن ما حدث لنيكسون هو قمة الأمور الداخلية الخاصة بأمريكا، وأنه عندما يجري حدث غير مسبوق في هذا المستوى من القمة فينبغي أن نعرفه جيدا، وأن ندرسه دراسة موضوعية عميقة، وأن نطرح جانبا، الميل إلى المبالغة أو قلة الاهتمام، فاستقالة نيكسون حدث جسيم، وحقائق العصر الذي نعيش فيه، أضخم بكثير، وأعمق بكثير، من أن يخطفها رأي عابر، أو "انفعال" يدق هنا أو يدق هناك.

هذا القلق.. المضيء في عينيه:

في عينيه دائما أرقب "القلق" لأعرف كم فات من عمره، وكم تجدد.

هذا القلق المضيء، هو بشري الحاة في عيني هذا الصديق.

يشرق في نظرته لحظة، تصحح كل أيام الركود التي تأكل عمره.

عرفت هذا الصديق، منذ سنوات الدراسة.

كان في البداية، ثلجي الأعصاب! وكنا نظن أنه فولاذي الإرادة.

وكانت عيناه تخدعان كل من ينظر إليهما، فدائما كانت هاتان العينان تتكلمان بنفس حديث لسانه.

لم يكن هناك تناقض بين لغة عينيه ولغة لسانه.

وأيامها كنت أشعر بأنه سيعيش إلى آخر أيامه وهو يتقن "لعبة" التنسيق الكامل بين تعبيرات وجهه وأصوات فمه.

لكني لقيت هذا الصديق بعد طول غياب، فوجدته قد أصبح إنسانين يسكنان في جسم واحد.

إنسان يومض في لحظات القلق المضيء التي تطل من عينيه فأشعر أنه موجود وأن هذا الإنسان "تعذب" بمتعة الحياة ومرارتها حتى الأعماق.

وإنسان آخر، ينطق من بين الشفتين بنفس الألفاظ المختارة المتقنة التي لم تنكسر تحت وطأة الزمن فأشعر أن أشياء كثيرة ماتت في حياة هذا الصديق.

وما رأيته في عينيه من قلق مضيء هو متعة تجربة الحياة.

وما سمعته في حديثه، هو الصدأ الذي تركه هذا الصديق يطبق على قلبه، ويخنق صدق الحياة مع نفسه.

ص: 319