الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر بالربط دونها (1) في العادة المألوفة، ومع أكثرية تفرقها فهي أسرع انقياداً من غيرها
…
)) (2).
ثانياً:
العزلة قبل البعثة:
إن الأمور العظيمة الضخمة تحتاج إلى تهيئة وإعداد كبيرين قبل الإقدام عليها، ومن ذلك الإعداد العزلة الوقتية التي يحتاجها كل من يريد أن يجمع شتات أمره، ويحزم أمره، ويصل على أمر فاصل ورأي ناضج فيما يريد أن يقدم عليه.
والله تبارك وتعالى عليم أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم مقدم على أمر عظيم جليل خطير، فحبَّب إليه العزلة ورغَّبه فيها، فكان يتعبد بحراء ليالي ذوات عدد، منفرداً وحيداً قبل أن يَفْجَأه جبريل عليه السلام بالرسالة العظيمة.
قال الأستاذ سيد رحمه الله تعالى:
((وكان اختياره صلى الله عليه وسلم لهذه العزلة طرفاً من تدبير الله له ليعده لما ينتظره من الأمر العظيم. ففي هذه العزلة كان يخلو إلى نفسه، ويخلص من زحمة الحياة وشواغلها
(1) أي دون الغنم.
(2)
((فتح الباري)): 10/ 5 - 6.
الصغيرة؛ ويفرغ لموحيات الكون، ودلائل الإبداع؛ وتسبح روحه مع روح الوجود؛ وتتعانق مع هذا الجمال وهذا الكمال؛ وتتعامل مع الحقيقة الكبرى وتمرن على التعامل معها في إدراك وفهم.
ولا بد لأي روح يراد لها أن تؤثر في واقع الحياة البشرية فتحولها وجهة أخرى لا بد لهذه الروح من خلوة وعزلة بعض الوقت، وانقطاع عن شواغل الأرض، وضجة الحياة، وهموم الناس الصغيرة التي تشغل الحياة.
لابد من فترة للتأمل والتدبر والتعامل مع الكون الكبير وحقائقه الطليقة؛ فالاستغراق في واقع الحياة يجعل النفس تألفه وتستنيم له، فلا تحاول تغييره. أما الانخلاع منه فترة، والانعزال عنه، والحياة في طلاقة كاملة من أسر الواقع الصغير، ومن الشواغل التافهة فهو الذي يؤهل الروح الكبير لرؤية ما هو أكبر، ويدربه على الشعور بتكامل ذاته بدون حاجة إلى عرف الناس، والاستمداد من مصدر آخر غير هذا العرف الشائع!
وهكذا دبَّر الله لمحمد صلى الله عليه وسلم وهو يعدُّه لحمل الأمانة الكبرى، وتغيير وجه الأرض، وتعديل خط التاريخ .. دبَّر له هذه العزلة قبل تكليفه بالرسالة بثلاث سنوات. ينطلق في هذه العزلة شهراً من الزمان، مع روح الوجود الطليقة، ويتدبر ما وراء الوجود من غيب مكنون، حتى يحين موعد