الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التدريب على المحاسبة
والمساءلة والتقويم
لابد من إرساء مبدأ المحاسبة والمساءلة في كل أعمال المسلم، فالمحاسبة والمساءلة ترتفعان بالشخص إلى تحقيق ما هو مسؤول عنه ومطالب به، والعكس منذلك صحيح، فإذا غابت المحاسبة والمساءلة تدهور العمل وقلَّ العطاء.
والله تبارك وتعالى يحاسب عبادَه يوم القيامة، ويرغبهم بمحاسبة أنفسهم قبل ان يُحاسبوا، والعباد يحاسب بعضهم بعضاً على الأموال والحقوق أشد المحاسبة، فالدعاة أحرى أن يحاسب بعضهم بعضاً، ويوقف بعضهم بعضاً على مسؤوليته في الدعوة إلى الله تعالى، فلو أخذت مراكز الدعوة والمكاتب التعاونية وهيآت الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأخذ بهذا كل العاملين للإسلام، لو أخذوا جميعهم بهذا المبدأ لاستقامت أمور كثيرة معوجَّة، ولصُححت أوضاع خاطئة كثيرة.
لماذا يكون ثقيلاً على النفس ((قيام شخص بمحاسبة شخص آخر ومساءلته ومناقشته في عيوبه أو هفواته، وبالخصوص إذا كان الشخص مساوياً للشخص في المكانة الاجتماعية، أو بخصوصية أكبر إذا كان الناصح أو الناقد أو المناقش شخصاً أقلَّ من الآخر في قليل أو كثير ..
كم من أخوة ذابت، وصداقات تهاوت، وزمالة انتكست لأن الأخ أو الصديق أو الزميل حاول ألا ينتظر أو يمارس الحيادية الفارغة أو المجاملة عند صدور خطأ من الشخص، بل ناقش فيه فوراً
…
)) (1).
هذا، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يقيد من نفسه الشريفة الكريمة، وما ذلك إلا ضرب من المحاسبة في الذروة منها والكمال، فعن أُسيد بن حُضير (2) رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طعنه في خاصرته بعود، فقال: أصبِرْني (3)، فقال:((اصطبر))، قال: إن عليك قميصاً وليس عليَّ قميص، فرفع النبي صلى الله عليه وسلم عن قميصِه فاحتضَنه وجعل يقبَّل
(1)((الانتحار الذاتي)): 94 - 96.
(2)
أُسيد بن حُضير بن سِماك الأنصاري الأَثْهليّ، أبو يحيى. صحابي جليل. توفي سنة عشرين أو في التي بعدها، رضي الله عنه. انظر:((التقريب)):112.
(3)
أي: أقِدْني من نفسك.
كَشْحه، قال: إنما أردت هذا يا رسول الله (1).
وقال الشافعي: روي من حديث عمر أنه قال: ((رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطي القَوَد من نفسي)) (2).
فهذه أصول في المحاسبة يجب أن تراعي وتُؤدَّى.
والنبي صلى الله عليه وسلم كان يحاسب العمَّال، فقد ((استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من الأَسْد (3) على صفات صدقات بني سُلَيم يُدعى ابنَ اللُّتْبِيَّة، فلما جاء حاسبه)) (4).
وقال العينيّ (5) رحمه الله تعالى:
(1) أخرجه الإمام أبو داود في سننه: كتاب الأدب. والكَشْح: الخاصرة.
(2)
((عون المعبود)):12/ 268.
(3)
الأسد والأزد بمعنى.
(4)
أخرجه الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى في كتاب الزكاة: باب قول الله تعالى: (والعاملين عليها) ومحاسبة المُصَّدِّقين مع الإمام.
(5)
محمود بن أحمد بن موسى بدر الدين أبو محمد العيني الحلبي الأصل ثم القاهريّ، الحنفيّ. ولد في عنتاب سنة 762 ودرس بها عدداً من العلوم وبرع، ثم ارتحل إلى بلدان متعددة ودخل القاهرة سنة 788 وولي بها عدة وظائف واجتمع له القضاء والحسبة ونظر الأوقاف معاً ودرس بها، له عدة مصنفات. توفي سنة 855 رحمه الله تعالى. انظر ((المختار المصون)): 1/ 570 - 572.
((فيه من الفقه جواز محاسبة المؤتمن، وأن المحاسبة تصحح أمانته، وهو أصل فعل عمر رضي الله تعالى عنه في محاسبة العمال)) (1).
هذا النبي صلى الله عليه وسلم قد نبَّه أبا بكر الصديق رضي الله عنه على أمر لم يُرضِه أن يصدر من أبي بكر رضي الله عنه، فعن عائذ بن عمرو رضي الله تعالى عنه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر فقالوا: والله ما أخذت سوف الله من عنق عدو الله مأخذها، فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيِّدهم؟ فأتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال ((يا أبا بكر لعلك أغضبتَهم، لئن كنتَ أغضبتَهم لقد أغضبتَ ربَّك)). فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا إخوتاه، أغضبتُكم؟ قالوا: لا، يغفر الله لك يا أخي (2).
قال الإمام النوويّ رحمه الله تعالى:
((هذا الإتيان كان وهو كافر في الهدنة بعد صلح الحديبية،
…
وفيه مراعاة قلوب الضعفاء وأهل الدين وكرامهم وملاطفتهم)) (3).
(1)((عمدة القاري)): 7/ 367.
(2)
أخرجه الإمام مسلم في صحيحه: كتاب فضائل الصحابة: باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله تعالى عنهم.
(3)
((صحيح مسلم بشرح النووي)): 16/ 53.