الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزهد والرقائق، منها - على سبيل المثال -التدريب على التأثر بقراءة القرآن الكريم، فقد قال الإمام النووي (1) مدرباً على البكاء والتأثر عند قراءة القرآن:
((وطريقة تحصيل البكاء أن يتأمل ما يقرأ من التهديد والوعيد الشديد والمواثيق والعهود، ثم يفكر في تقصيره فيها، فإن لم يحضره عند ذلك حزن وبكاء فليبك على فقد ذلك فإنه من المصائب)) (2).
نماذج من المربِّين المدرِّبين
1 -
قال الأستاذ عبد البديع صقر، رحمه الله تعالى:
((عرفنا في مصر شيخاً ممن يُقتدي بهم كان من عادته أن يلتقي بتلاميذه من الشباب في رحلات تستمر يوماً أو بعض يوم، فإن لم يتيسر ذلك ففي لقاءات داخل المدينة.
يصلي بهم صلاة طويلة مظمئنة يقرأ فيها من طوال
(1) يحيى بن شرف بن مُرِّي، الإمام المشهور. توفي سنة 676 عن 44 سنة رحمه الله تعالى. له عدد من المصنفات النافعة، وقد كان على حال من المجاهدة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس لها نظير. انظر ترجمته في ((وفيات الأعيان)): 4/ 264 - 268.
(2)
((أسس في الدعوة ووسائل نشرها)): نقلاً عن المجموع 47، ((شرح المهذب)): 2/ 179.
المفصِّل من آيات القرآن، ثم يقدمهم تباعاً للإمامة، يدرِّبهم تدريباً فيهم الثقة بأنفسهم، ويضطرهم - من بَعْدُ - للحفظ والتجويد، ويتناولون طعاماً مشتركاً، وأثناء تناول الطعام يذكر لهم ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في آداب الطعام والشراب.
ويقوم وإياهم بتدريبات رياضية يذكرهم خلالها بما ورد في آداب الرمي والسباق والقوة والجهاد.
يجلس معهم جلسات روحية للذكر والتدبر وتلاوة القرآن، تتخللها - أحياناً - القصص المشوقة والحكايات اللطيفة، ويغلب فيها التأثر والبكاء من خشية الله - أحياناً - حتى ترقَّ القلوب.
ويدعوهم لقيام الليل بالعبادة فرادى أو جماعات ويكون هو أسبقهم لذلك.
ويدربهم على أساليب الخطابة والدعوة مع نقد متبادل للخطباء بعضهم لبعض حتى يفك عقدة ألسنتهم ويعطيهم الخطوة الأولى لتصدر الجماهير)) (1).
2 -
الإمام حسن البنا رحمه الله تعالى:
كان من ميزات هذا الإمام المجدد الكثيرة أنه مُربِّ
(1)((كيف ندعو الناس)): 124 - 125.
مدرِّب، وفي حياته مواقف كثيرة من التدريب العمليّ لكني سأورد بعضها مكتفياً بها عن البعض الآخر:
كان يجتمع ببعض إخوانه فيخرج بهم إلى مكان حدده لهم، فيحدثهم في شؤون الدعوة، ويصلُّون خلفه المغرب والعشاء، ويتناولون سوياً طعاماً خفيفاً، ويتذاكرون ويتسامرون قليلاً، وبعد صلاة العشاء بقليل ينامون على الأرض في حجرة واسعة، ثم يستيقظون قبل الفجر بساعتين فيتوضأون، ويتهجدون بعض ركعات فرادى، ثم يتلو عليهم جزء من القرآن العظيم متحلقين، ثم يلقي عليه الأستاذ الإمام درساً في التكوين النفسيّ والإيمانيّ والعلميّ للداعية، وكيفية التجنب لمواطن الزلل في التاريخ القديم والمعاصر، ثم يترك وقتاً قبل الفجر للاستغفار، ثم بعد أداء الصلاة ينصرف بهم إلى تفسير بعض آيات من القرآن العظيم، وثم إذا سمح المكان لتأدية بعض أنواع الرياضات أدَّوها، ثم ينصرفون (1).
وهذا الأمر يتكرر مرة أو مرتين كل شهر، هذا عدا عن صيام يوم أو يومين كل أسبوع والإفطار سوياً حتى تتعمق معاني الإيمان والأخوة (2).
(1)((الإخوان المسلمون في ميزان الحق)): 191 - 192.
(2)
((كبرى الحركات الإسلامية)): 44.
أليست هذه الطريقة المذكورة هنا والطريقة التي ذكرها الأستاذ عبد البديع صغر قبلها أجدر على الداعية وأَعْوَدَ بالنفع عليه من عشرات المحاضرات في قيام الليل وتربية النفس؟ بلى والله، وإن هذا التدريب يحمل النفس على التجرد والثبات والتضحية، ويحملها على تحمل تبعات الدعوة.
وقد كان له في باب التدريب على الدعوة يدٌ طولى، وما سطره بيده خير شاهد على هذا إذ قال:
((فكرت إن أدعو إلى تكوين فئة من الطلاب الأزهريين وطلاب دار العلوم للتدريب على الوعظ والإرشاد في المساجد ثم في القهاوي والمجتمعات العامة، ثم تكوين منهم بعد ذلك جماعة تنتشر في القرى والريف والمدن الهامة لنشر الدعوة الإسلامية، وقرنت القول بالعمل، فدعوت لفيفاً من الأصدقاء للمشاركة في هذا المشروع والجليل
…
كنا نجتمع في مساكن الطلاب في مسجد شيخون بالصليبة ونتذاكر جلال هذه المهمة وما تستلزمه من استعداد علميّ وعمليّ، وخصصت جزءاً من كتبي كالإحياء للغزالي وبعض كتب المناقب والسيَر لتكون مكتبة دورية خاصة بهؤلاء الإخوان، يستعيرون أجزاءها ويحضِّرون موضوع الخطب والمحاضرات منها.
وجاء الدور العمليّ بعد هذا الاستعداد العلميّ،
فعرضت عليهم أن نخرج للوعظ في القهاوي، فاستغربوا ذلك وعجبوا منه وقالوا: إن أصحاب القهاوي لا يسمحون بذلك ويعارضون لأنه يعطل أشغالهم، وإن جمهور الجالسين على هذه المقاهي قوم منصرفون إلى ما هم فيه، وليس أثقل من الوعظ، فكيف نتحدث في الدين والأخلاق لقوم لا يفكرون إلا في اللهو الذي انصرفوا إليه؟ وكنت أخالفهم في هذه النظرة وأعتقد أن هذا الجمهور أكثر استعداد لسماع العظات من أي جمهور آخر، من جمهور المسجد نفسه؛ لأن هذا شيء طريف وجديد عليه، والعبرة بحسن اختيار الموضوع، فلا نتعرض لما يجرح شعورهم، وبطريقة العرض (1) فتعرض بأسلوب شائق جذاب، وبالوقت فلا يطيل عليهم القول.
وقد بدأ هذا الفريق بتجربته، وأخذوا بزيارة بعض المقاهي، ولقد كان شعور السامعين عجيباً، وكانوا ينصتون في إصغاء ويستمعون في شوق، ونحن سعداء بهذا النجاح)) (2).
وقد ألقى الإمام أكثر من عشرين خطبة في مقاهٍ متعددة استغرقت كل واحدة منها 5 - 10 دقائق، ثم استمر
(1) أي: والعبرة بطريقة العرض.
(2)
((الاحتساب في دعوة الإمام حسن البنا)): 104.
هو ومنم معه على هذا العمل برهة من الزمان (1).
وواضح أن الحاجة للدعوة بالمقاهي كانت بسبب انصراف الشباب عن المساجد آنذاك وعكوفهم على المقاهي والملاهي، أما اليوم فقد تبدل الحال، والحمدلله، لم يعد للوعاظ حاجة لهذا الأسلوب إلا نادراً.
(1)((كبرى الحركات الإسلامية)): 36.