الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[الحوادث على السنين]
[سنة اثنين وأربعين وثمانمائة]
في يوم الخميس ثاني عشر من رمضان توفي العلامة قاضي القضاة شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان بن نعيم بن مقدم «1» بن محمد بن الحسن بن خالد بن حاتم «2» ابن محمد بن علي البساطي «3» المالكي. شيخنا قاضي مصر؛ وكان كتب بخطه الكوفي فظهر أن نسبه لبعض قرى سباط. ومولده في أحد الجماديين سنة ستين وسبعمائة.
واشتغل في فنون وبعد صيته، وسمع الحديث على عبد الرحمن البغدادي. وقال شيخنا شيخ الإسلام رفيقه «4» لم يشتغل بالحديث. وكان عرافا بالمعقول والعربية والمعاني والبيان والأصلين، وصنف فيها تصانيف. وفي الفقه أيضا وناب في الحكم عن ابن عمه جمال الدين لمدة وغيره مدة. فذكره ططر للمؤيد فولاه مشيخة التربة الظاهرية ثم القضاء عقب موت الأقفهسي «5» في جمادى الأولى سنة ثلاث وعشرين فاستمر نحو عشرين سنة متوالية وهو على ولايته.
وعين للقضاء بعده الشيخ عبادة «6» فامتنع وكان يميل إلى كلام ابن عربي ويجادل
عنه؛ وسبب ذلك ما وقع بينه وبين العلامة علاء الدين علي بن محمد بن محمد البخاري الحنفي ومولده «1» البخاري سنة تسع وسبعين وسبعمائة ونشأ بها وتفقه بأبيه. وعن العلامة عبد الرحمن. وقرأ على العلامة سعد الدين التفتازاني.
وبرع في المنقول والمعقول. واستوطن الهند وعظم قدره عند ملوكها لما شاهدوه من دينه.
وتوفي بالشام في خامس رمضان سنة إحدى وأربعين وثمانمائة «2» رحمة الله تعالى.
رجع: اجتمعت........... «3» وسيأتي وسمعت عليه.
وفي أواخرها عزل شيخنا المذيل قاضي المسلمين علاء الدين أبو الحسن علي بن شمس الدين أبي عبد الله محمد بن سعد بن محمد بن علي بن عثمان بن إسماعيل بن إبراهيم بن يوسف بن يعقوب بن علي بن هبة الله بن ناجية الطائي الشافعي سبط العلامة قاضي المسلمين فخر الدين ابن خطيب جبرين عن قضاء حلب وورد كتاب القاضي شرف الدين أبو بكر بن علم الدين سليمان سبط المجد بن العجمي بذلك فاجتمع أصحابه ببيت القاضي ضياء الدين محمد بن النصيبي الشافعي وشق عليهم ذلك فأرسلوا إليّ فحضرت فأعلموني بذلك فشق عليّ لأنه كان لي كالوالد إحسانا وشفقة وتربية فجئت إلى بيته وسلمت عليه فرأى الغضب في وجهي فقال: ابتدأ عزلت عن قضاء حلب. قلت له: نعم. وكان مستشعرا بذلك.
وسبب عزله أن السلطان الظاهر جقمق قدم إلى حلب صحبته الأشراف فأرسل إليه يطلب منه من مال الأيتام قرضا خمس مائة (أشرفي)«4» فاعتذر شيخنا بأنه لا مال
للأيتام تحت يدي. وكان صادقا فحقد عليه بسبب ذلك وأضمر له السوء ثم لما خرج تغري ورمش عن الطاعة وكانت العادة أن القضاة يغيبون ولا يحضرون إلى الخارج عن الطاعة فأراد شيخنا أن يفعل ذلك فجاء إليه بعض الناس وأشار عليه بأن لا يفعل وكان غير مصيب في رأيه ولا أدري هل أشار عليه بذلك خبثا أم لا فأقام شيخنا فبلغ ذلك السلطان فحرك ما كان كامنا عنده. فلما ظفر بمقصوده وقتل تغري ورمش بادر إلى عزله وولى شيخنا القاضي زين الدين أبا حفص عمر بن المبارك الخرزي. وأرسل توقيعه إلى حماة فلزم شيخنا بيته، وانكف عن الأحكام «1» وأظهر السرور والفرح وقال: أنا كنت في ضيق لأنني كنت مشتغلا عن العلم بالأحكام فلما وصل توقيع ابن الخرزي بالقضاء فرح فرحا زائدا.
وأنشدني القاضي عماد الدين قاضي سرمين في عزله:
إني وإن تهت «2» في الدنيا بحبكم
…
وبت من كل واش غير محترز
فالرب يعلم في سري وفي علني
…
أني عن الدر لا أعتاض بالخرز
ومدحه الشيخ خاطر فقال:
يا سيدا نال في العلياء منزله
…
سمت على فلك العلياء عن زحل
لا تطلبن المعالي يا ابن بجدتها «3»
…
فأنت من قبل تطلاب العلاء «4» علي
وله فيه:
أقول لأقوام رووا جود حاتم
…
وفضل ابن ادريس وقوم تقدموا
لئن شرعا للفضل والجود مذهبا
…
فإن خطيب الناصرية يختم
وله:
لئن فخرت بالسبق طيء بحاتم
…
وطالت به في الملتين «1» كرامها
فبابن خطيب الناصرية أصبحت
…
على هامة الجوزاء تبنى خيامها
وما ضر خير المرسلين جميعهم
…
إذا سبقته الرسل وهو ختامها
رجع: ثم حضر ابن الخرزي إلى حلب بسرعة في أثناء شهر صفر من سنة ثلاث وأربعين، ولبس تشريفه، وسكن ببيت ابن سلار بالجلوم فبلغ ذلك شيخنا فهم بالسلام عليه وأن يرسل له شيئا من الهدية فجاء إليه من أشار عليه أولا بما تقدم ومنعه من ذلك، فأم القاضي الجديد بحلب وأقام شيخنا ملازما بيته للإشغال والاشتغال.
وكان مكبا على ذلك محبا للعلم وأهله، وأذكر لك صفة اشتغاله: كان يخرج من بيته إلى بيت الكتب من ثلث الليل الآخر فيطالع إلى صلاة الصبح ثم يصلي الصبح ثم يشتغل حتى يضحى النهار فيفتح عليه الباب للقضاء بين الناس فيدخل عليه الفتاوي والأوراق فيكتب على الفتاوي والأوراق فيكتب على الفتاوي ويثبت «2» الأوراق فإذا فرغ من ذلك أقبل على المطالعة فإن جاء أحد محدثيه يجده يطالع فلا يتكلم معه إلا كلمة أو كلمتين ثم يقبل على المطالعة فإذا قرب الظهر أغلق الباب وأقبل على المطالعة حتى يدخل وقت العصر فيصلي العصر ثم يجيء إلى المدرسة الشرفية إلى عند والدي- رحمهما الله تعالى- فيذكر له ما أشكله فيتذاكر إلى قرب المغرب ثم يذهب إلى بيته فيصلي المغرب ثم يدخل بيت الكتب للمطالعة إلى بعد صلاة العشاء بزمان ثم يدخل إلى حريمه.
فلما أقام شيخنا في بيته على الصفة المذكورة جاء إليه من جاء إليه أولا وثانيا.
وقال له: الرأي في ذهابك إلى مصر لتزيل ما في خاطر السلطان منك. وإن أنت أقمت يقول السلطان هذا عزلت فما التفت إليّ. ويتأثر منك، ويحصل شر عظيم.
فما زال به حتى حركه للسفر إلى القاهرة فاهتم في ذلك وسافر من حلب إلى القاهرة فدخلها/ (11 و) في يوم الاثنين رابع عشر ربيع الآخر من سنة ثلاث كما قاله شيخنا شيخ الإسلام أبو الفضل ونزل بيت صديقه القاضي شرف الدين المشار إليه وخرج وسلم على السلطان فأرسل له ألف دينار فقال السلطان: هذا يرشيني على القضاء. فبلغ ذلك شيخنا فخرج إليه وقال له: هذا قدمته لمولانا السلطان لا على سبيل الرشوة، بل كنت نذرت إن مكن الله السلطان بمن خرج من طاعته يكون عندي لبيت مال المسلمين ألف دينار، ففرح السلطان بذلك ظاهرا. ولما سافر من حلب قال القاضي ابن الخرزي: استعجل القاضي علاء الدين في ذهابه إلى القاهرة فإن السلطان لا يوليه هذه الأيام فكان ما قال. فأقام شيخنا بالقاهرة والناس يأتون إليه من كل فج ويتكلمون في العلوم الشرعية، وهو يتكلم فيها فكل أحد أثنى فضله وعلمه. فقدم القاهرة (حطط) نائب القلعة بحلب وكان له يد عند السلطان لأنه هو الذي أمسك القلعة له، وحفظها عليه ولم يمكن تغري ورمش من أخذها ففرح السلطان به وخلع عليه وأعاده إلى ولايته فلما خلع عليه خلعة السفر استعرض حوائجه فقال: أريد أن تولي قاضي حلب القضاء وأن آخذه معي فأجاب إلى ذلك وخلع عليه وأعاده إلى وظيفته فسافر إلى حلب وكان ذلك أثناء شعبان؛ قال شيخنا أبو الفضل. ورأيت بخط بعضهم أنه أول رمضان وشيخنا أعلم بذلك وسافر ابن الخرزي إلى حماة. وكان ذلك في الشتاء فمرض شيخنا المذيل في الطريق ووصل حلب وهو متوعك في أواخر رمضان وكان معه في هذه السفرة دواداره محمد فمرض أيضا معه ومات قبله بيسير وتحدث بعض الناس بأنهما سقيا فالله أعلم.
ثم ثقل في المرض وكان مرضه ذات الجنب فلازم الفراش فدخلت عليه يوما
مسلما وفي يدي صحيح مسلم فقال لي: إلى أي مكان وصلت في قراءة مسلم بالجامع؟
فقلت له إلى صلاة الخوف. وكان متكئا فجلس وتكلم على كيفيات صلاة الخوف وما قال الناس فيها. ومن قال إنها نسخت. وأطال الكلام جدا. فقال له من حضر: أنت ضعيف وفيما ذكرت كفاية. فسكت. ودخل عليه طبيبه وهو سليمان الحكيم فقال له ما وجعك. قال: ذات الجنب فشق عليه ذلك لأنه يعلم أنه من الأمراض المخوفة. وصار يكرر ذات الجنب. ذات الجنب. فقال له بعض الحاضرين:
قتلته. وتزايد به الألم إلى أن مات بعد العشاء بقليل في الليلة المسفرة صباحها عن يوم الأربعاء عاشر القعدة سنة ثلاث وأربعين.
وحضرت غسله فكان نير الوجه، وغسله الشيخ يوسف الكردي «1» وصلى عليه بالجامع العمري «2» ثم الأموي «3» ثم النوري «4» . وكانت جنازته عظيمة. وحمل نعشه كافل حلب قانباي الحمزاوي «5» وصلى عليه عند باب دار العدل ثم عند جامع دمرداش ثم عند جامع الطواشي ثم خارج باب المقام ودفن في تربة أعدها لنفسه خارج باب المقام رحمه الله تعالى.
وشمت بعض الناس بموته فأذكرني ذلك ما قال منصور التميمي الفقيه الشافعي:
قضيت نحبي فسر قوم
…
حمقى بهم غفلة ونوم
كأن يومي عليّ حتم
…
وليس للشامتين يوم
ومما قال غيره:
فقل للشامتين بنا أفيقوا أ
…
ستلقون الممات وتلحقونا.
ومما قال غيره:
تشفى بشيء لا يصيبك مثله
…
وإلا فشىء أنت وارده فلا.
وكان رحمه الله ينصف أصحابه، ويقوم بحوائجهم ويتكلف مشاقهم ويحتمل عنهم. ولله در القائل وهو منصور التميمي:
قد قلت إذ مدحوا الحياة فأكثروا
…
للموت ألف فضيلة لا تعرف
منها أمان لقائه بلقائه
…
وفراق كل معاشر لا ينصف
ومولده في سنة أربع وسبعين وسبعمائة بحلب ونشأ بها فحفظ القرآن العزيز والمنهاج، وألفية ابن مالك، وألفية الحديث، وقرأ على مشايخ بلده كالشيخ زين الكركي والشيخ شمس الدين النابلسي، وقرأ على العلامة محب ابن الشحنة من (المطول) للعلامة سعد الدين، وسمع مع والدي على الشهاب ابن المرحل «1» وابن عمه شرف الدين الحراني والسيد عز الدين نقيب الأشراف وغيرهم. ولازم والدي وقرأ عليه بعد التسعين وسبعمائة. وناظر مشايخه وباحثهم. واعترفوا بفضله وحفظ سيرة ابن سيد الناس وكتبها بخطه ورحل من حلب إلى القاهرة في سنة ثمان وثمانمائة فسمع ببعلبك وبدمشق على عائشة بنت عبد الهادي وبالقاهرة من الشريف النسابة وأحمد بن عبد القادر السبكي. وقرأ على الشيخ ولي الدين العراقي، والشيخ جلال الدين «2» ابن البلقيني.
وبرع وكتب العالي والنازل والطباق وناظر. ثم قدم حلب فلازم الإفتاء والإشغال. وولي قضاء حلب كما تقدم.
أخبرني أنه أرق ليلة فتذكر أن بعض الخلفاء أرق وكان قد طفى سراجه فأمر بتحويل فراشه فإذا حية تحته. قال: فحولت مخدتي فإذا أنا بحية تحت مخدتي.
ثم إنه حج من حلب حجة عظيمة. وكان الشيخ بدر الدين ابن قاضي شهبة قال لوالده: ائذن لي في الكتابة على الفتوى. فقال له: القاضي علاء الدين متوجه إلى الحج فاستأذنه فلما حضر إلى دمشق استأذنه فأذن له وأخبرني من كان حاضرا معه أنه دخل إلى جامع دمشق والشيخ تقي الدين ابن قاضي شهبة يدرس فلما رآه قام إليه وتواضع فقال له القاضي علاء الدين: درس في مكانك. فدرس فتكلم معه القاضي علاء الدين فأبهره هذا والقاضي علاء الدين غافل عن مكان الدرس. والشيخ تقي الدين طالع لك المكان. ثم حج ورجع إلى بلدة فلا قيته في «1» حماة. ثم بعد الثلاثين لازمته وكتبت حكمه ثم أقلعت عن ذلك. ولما كتبت حكمه «2» رأيت في منامي أن منهاجي سقط من يدي في بعض الأخلية. فنسيت ما كنت حفظت منه. ثم أقلعت عن كتابة حكمه، وانقطعت للاشتغال ففرح بذلك فرحا شديدا.
وقرأت عليه قطعة في شرحه على (حديث بريرة) فكتب لي: بلغ الفاضل.
ثم كتب لي: بلغ العالم. وكان قلمه يابسا. ثم قال: إن أكملت عليّ قراءة هذا الكتاب كتبت لك العلامة. فصادف سفره من حلب فما أتممت عليه. وحضرت دروسه بالمدارس والجامع وكان يقرأ عليه بالجامع/ (12 و) م (التمهيد) لابن عبد البر و (منهاج البيضاوي) وحليت (كذا) عليه من المنهاج.
ورأيت في بعض الليالي في منامي أنني في منزل والدي وشيخنا المشار إليه عندي.